جعفر حسن الغناء لعشّاق النهار
في نيسان/ أبريل من العام الحالي، رحل المطرب والملحّن العراقي الكردي جعفر حسن عن ٧٧ عامًا. لسنين طويلة، لم تقتصر معاناته على الظلم والتهميش من قوى الاستبداد، بل عانى أيضًا من الأشخاص الذين عمل معهم.
• للمشتركين فقط. إشترك هنا.
في نيسان/ أبريل من العام الحالي، رحل المطرب والملحّن العراقي الكردي جعفر حسن عن ٧٧ عامًا. لسنين طويلة، لم تقتصر معاناته على الظلم والتهميش من قوى الاستبداد، بل عانى أيضًا من الأشخاص الذين عمل معهم.
أنا مصاب بإدمانٍ تستحيل السيطرة عليه، أحبّ أسطوانات الفونوغراف الفينيليّة وأعشق جَمْعَها. أنا على هذه الحال منذ زمن بعيد، مذ كنت في السابعةَ عشرة؛ أهتمّ بالغريب والنادر منها، خصوصًا الأُسطوانات العربيّة.
لا تكتمل رواية ولادة دولة لبنان الكبير عام ١٩٢٠ من دون الإضاءة على التغييرات الاجتماعيّة والثقافيّة التي صاحبتْ بناءها، ومن ضمنها نشأةُ صناعة الترفيه التي غيّرت طابعَ الحياة اليوميّة في المدينة، وساهمت تدريجيًّا في بناء صورة بيروت كمدينةٍ للثقافة والترفيه والفنّ.
اعتمدنا إثبات النص الوارد في كتابه «الرحلة الموسومة بالواسطة إلى معرفة أحوال مالطة» وأضفنا (بين قوسين) الصياغات المختلفة أو العبارات المزيدة التي أوردها في نصه المنشور في صحيفة الجوائب (التي ابتدأ نشرها في 1861) والمثبت في «كنز الرغائب في منتخبات الجوائب» (1871).
إذا ما ميّزنا الطرب كانفعال عن النمط الموسيقيّ الذي قد نسمّيه موسيقى الطرب، أي الموسيقى المهجوسة بإحداث الطرب، سيظهر أنّ لكلِّ امرئٍ طرَبَه الخاصّ، ذلك أنّ الطربَ كانفعالٍ مرتبطٌ بردود الفعل الذاتيّة على الموسيقى.
بين أواخر الخمسينيّات وأوائل السبعينيّات، شهدتْ أسطوانات الفينيل1 في لبنان عصراً ذهبيّاً، ولعبت الأسطوانات الصغيرة (٤٥ دورة) دوراً بارزاً.
«تَنبتُ اليوم في لبنان وسوريا روحٌ جديدة معارضة لشكل الغناء العربي السائر، ذلك لأنّ أصحاب هذه الروح لا يرون في ألحان هذا الغناء، وأساليب ما يُغنّى من الأناشيد، ما يتّفق والحياة الحاضرة... إنّما هو غناء بطي»١.
الفنّ الملتزم، ترفيهٌ فكريّ يُصار إلى استساغته فنيّاً، انطلق من هموم صاحبه نحو أزمات شعبه، فنادى من أجل تحرّر وطنه ومن أجل الكرامة والحريّة والعدالة الاجتماعيّة.
قبل أن أنام، هذا النّصّ هديّة ووفاء لوعد لصديقي العزيز السميع العتيد عبده البرماوي بالكتابة الفوريّة عن هذا الصوت المبهر، الذي كان البرماوي أوّل من لفَتَ نظري له في كانون الثاني / يناير الماضي. من وقتها، وأنا أسمعه بلا انقطاع كالمجذوب، على أقلّ تقدير سمعت له أربع وعشرين ساعة تلاوة (بواقع ست ساعات يوميّاً في المتوسّط)...