العدد ٢٥ - ٢٠٢٠

العصر الذّهبيّ للأسطوانات في لبنان

بين أواخر الخمسينيّات وأوائل السبعينيّات، شهدتْ أسطوانات الفينيل1 في لبنان عصراً ذهبيّاً، ولعبت الأسطوانات الصغيرة (٤٥ دورة) دوراً بارزاً. يستعرض هذا النّص لمحةً عن تلك الفترة، مسلّطاً الضوء على إحدى أهم شركات الأسطوانات اللبنانية وعلى إصدارات الأخوين رحباني والسيدة فيروز حتى عام ١٩٧٢.

لبنان يصنع أسطواناتِه

في كانون الأول/ ديسمبر ١٩٥٦ نشرت مجلة Billboard الأميركية تحقيقاً قصيراً2 عن علب الموسيقى (juke-box) التي بدأتْ تغزو لبنان ولم تحتوِ حينها إلّا على أغانٍ أجنبيّة لندرة الأغاني العربيّة المطبوعة على أسطوانات ٤٥ دورة، مع أنّ سوق أسطوانات الفينيل ٤٥ و ٣٣ دورة كانت قد بدأتْ تزدهر في العالم منذ أوائل الخمسينيّات بعد أن أحدثت الأسطوانات الجديدةُ نقلةً نوعيّةً لناحية سعَتِها وجَوْدة صوتها بالنسبة لأسطوانات الشيلاك الحجريّة – ٧٨ دورة. تبدّلت أحوال الأغنيات العربية، واللبنانيّة تحديداً، ابتداءً من عام ١٩٥٧ فتزايدَ طبعها على أسطوانات ٤٥ و ٣٣ دورة، وازدادتْ علب الموسيقى في لبنان بشكل مضطرد حتى وصل عددها في منتصف عام ١٩٦٣ إلى ما يقارب خمسة آلاف علبة، الرقم الأعلى في الشرق الأوسط، حسب تحقيقٍ آخر لمجلة Billboard.3

شكّل عام ١٩٦٤ نقطة تحوّلٍ في الصناعة الفونوغرافيّة اللبنانيّة، فقبل هذا العام كانت جميع الأسطوانات في لبنان مستورَدة، عربيّة وأجنبيّة. في تشرين الأول/ أكتوبر ١٩٦٣ أسّس مانويل يونس في منطقة جبيل أوّل مصنعٍ لبنانيّ للأسطوانات الفونوغرافيّة حمل اسم معمل Flex الذي جهّزته شركة Finebilt الأميركيّة. وفي آذار/ مارس ١٩٦٤ شهد المعمل صناعةَ أولى أسطواناته التي خُصّصت لوديع الصافي الذي ظهرَ على صفحات الجرائد حاملاً الأسطوانة ومعلناً عن الحدث. وبعد أشهرٍ قليلة، أنشأ ماريو حداد "الشركة اللبنانيّة للأسطوانات" S.L.D التي اهتمّت على نحوٍ أساسيٍّ بطبع و توزيع الأغاني الأجنبيّة. وفي الأعوام اللاحقة تأسّس عددٌ آخرٌ من المصانع الفونوغرافية (قطّان إخوان، أنتركو، فونوغرام - فيليبس)، فعرَفَتْ سوقُ الأسطوانات اللبنانيّة ازدهاراً كبيراً حتى أواخر الستينيّات حين بدأ "الكاسيت" ينتشر ومعه تنتشر القرصنة. وعلى الرغم من ازدهار الصناعة الفونوغرافيّة في لبنان خلال تلك الفترة، إلّا أنّ بعضَ شركات الأسطوانات اللبنانيّة أبقتْ على صناعتها الخارجيّة لأسبابٍ عدّة منها عدم تجهيز كلّ المصانع اللبنانيّة بشكلٍ كافٍ (في ما خَصًّ صناعةَ الأسطوانات الطويلة والستيريوفونيك). 

ديسكوغرافيا الأخوين رحباني وفيروز

من أوائل الخمسينيّات وحتّى الثمانينيّات، نشَرَ الأخوان رحباني أعمالهما، ولفيروز منها حصّةُ الأسد، لدى أكثر من شركة إسطوانات. تعاوَنَ الأخوان رحباني مع بعض تلك الشّركات لفترةٍ قصيرةٍ أو بشكلٍ ظرفيّ ("بيضافون"، "ذودفون"، " صوت الفن"، "صوت القاهرة",، إلخ)، بينما تعاونا لفترةٍ طويلةٍ نسبيًّا مع "الشركة اللبنانيّة للتسجيلات الفنية" L.R.C  وبشكٍ مستمرّ مع "صوت الشرق". يحتّم تعدّد الشركات واختلافُ كمّية الإصدارات لدى كلّ شركة أن يبدأ توثيقُ أسطوانات الأخوَين رحباني وفيروز بحصر إصداراتِهم مع الشركتين الأخيرتين اللّتين أنتجتا أكبرعددٍ منها.

بغية حصر إصدارات الأخوَين رحباني وفيروز لدى هاتين الشركتين الأساسيّتين، اقتضى الأمرُ وضعَ لوائحَ تضمّ أرقام أسطواناتِهم وعناوينها، بعد الاطّلاع على أغلب الأسطوانات وعلى وثائقَ داعمةٍ مختلفة من كتالوغات ومجلاّتٍ وكتب، من مجموعاتٍ عامّة و خاصّة. تتوفّر هذه اللوائح على رابطَي الإنترنت المنشورَين في النسخة الإلكترونيّة للنص على موقع المجلّة، وقد تعذّر نشرها كملحقٍ لهذا النصّ الورقيّ بسبب غزارة الأعمال من ناحية ولكونِها قيدَ التدقيق ما قبل النهائيّ من ناحيةٍ أخرى. 

قبل عرض الديسكوغرافيا، لا بدّ من تقديم لمحةٍ عن هاتين الشّركتين. البدايةُ مع "صوت الشّرق" التي تأسّست في تشرين الأوّل/ أكتوبر ١٩٥١ على يد عبد الله شاهين. أنتجَت الشّركةُ أعمالاً لأكثر المغنّين والمطربين شهرةً في تلك المرحلة، لكنّ اسمها التصق بالأخوين رحباني وفيروز الذين نَشروا أغلبَ أعمالهم لديها. دُشّنَ هذا التعاون في عام ١٩٥٦ بصدور سبع أسطوانات ٧٨ دورةً لفيروز (البنت الشلبيّة، يا غزيّل، يا مايلة عالغصون، إلخ). وفي عام ١٩٥٧، وبالترافق مع بدء طبع الإنتاج على أسطوانات فينيل ٣٣ و٤٥ دورة، بدأت "صوت الشّرق" تسوّق لأسطواناتها تحت علامة (label) "بارلوفون" التابعة لشركة EMI. في المرحلة موضوع بحثنا (أي ما قبل ١٩٧٣) صدرَ جميعُ نتاج الأخوين رحباني وفيروز مع "صوت الشرق" لدى "بارلوفون"، و قد طبعت E.M.I  بعضَه تحت علامات أخرى تابعة لها أيضاً مثل "كابيتول" و"أوديون" في الأميركيّتين، و"باتيه" في فرنسا. وللأخيرة وضعٌ خاصّ إذ إنّها طبعت أسطوانات عديدة للأخوين رحباني وفيروز وتمّ بيعُها في لبنان مثلها مثل "بارلوفون"، بينما كانت إصدارات "أوديون" أو "كابيتول" قليلة ومخصّصة حصريّاً للأسواق الأجنبية. 

اعتمدتْ "صوتُ الشرق" لترويج الأغنيات خلال الستينيّات على أسطوانات الـ٤٥ دورة بشكل رئيسيّ حتى بلغت ٨٤ في المئة من مجموع إصدارات "بارلوفون- صوت الشرق" بين عامي ١٩٦٠ و ١٩٧١. كانت الأغنيات التي تَصدُر على ٤٥ دورة، إمّا مقتطفةً من عملٍ متكامل - فيلمٍ، مسرحيّةٍ، حفلةٍ حيّة إلخ (يتمّ تسويقُها إجمالاً لترافق الأسطوانة الطويلة للعمل، فتكون بمثابة عيّنة للحثّ على شراء هذه الأخيرة، و في بعضِ الحالات لا تصدرُ من العمل إلّا مقتطفاتٌ على ٤٥ دورة) أو أغنية منفردة ( (singleيتمّ جمعها لاحقاً مع أغانٍ أخرى من الروح ذاتها في أسطوانة طويلة (كحال معظم أغنيات أسطوانة "فيروزيّات" ١٩٦٦ أو معظم ترانيم أسطوانة "الجمعة الحزينة" ١٩٦٩ إلخ) وأحياناً تبقى مفرَدة (ردّي منديلك، جلنار، أنا لحبيبي، أنا و سهرانه، إلخ). وقد ساعدَت الأسعارُ المتدنّيةُ  للأسطوانات صَغيرةِ الحجم (بين ٦ و١٠ ليرات) على انتشارها مقارنةً مع أسعار أسطوانات ٣٣ دورة (بين ١٨ و ٢٥ ليرة).4

صُنعت جميع أسطوانات سلسلة "باتيه" في فرنسا، أما سلسلةُ "بارلوفون" فتوزّع تصنيعها على ثلاثة بلدان: بريطانيا ولبنان واليونان، مع العلم أنّه كثيرًا ما أعيد طبعُ الإصدار ذاتِه - بالنسبة لأسطوانات الـ٤٥ دورة –  في أكثرَ من بلدٍ خلال فتراتٍ متباعدةٍ أو متقاربة. وقد تمّ ترقيم أسطواناتِ "بارلوفون" بالتّسلسل حسب أنواعها5، ولم يؤثرْ تعدّدُ بلدان مَنشئها في إمكانيّة حصرها. ومن المهمّ ذكرُ الملاحظات الآتية حول بلد منشأ الأسطوانات:

– في بريطانيا، تمّت صناعة كلّ الأسطوانات الطويلة (33 دورة) حتى عام ١٩٧١ و كلّ إصدارات الـ٤٥ دورة حتى أوائل عام ١٩٦٦.
– في لبنان، تمّت صناعة أسطوانات الـ٤٥ دورة ابتداءً من عام 1966/1967، مع تأسيس E.M.I Lebanon (مع العلم أنّ أغلفة بعض الأسطوانات طُبعت محليّاً قبل هذا التاريخ)، حتى عام ١٩٧٣.
– في اليونان، تمّت صناعة كلّ أسطوانات الـ٣٣ دورة ابتداءً من عام ١٩٧١، مع إعادة طبع أغلب الإصدارات البريطانية الطويلة وتغيير أرقامها التسلسلية. أمّا اسطوانات ال ٤٥ دورة، فقد تمّت صناعتُها في اليونان في أكثر من مرحلة يصعب تحديدها بدقّة (مع العلم أنه ابتداءً من عام ١٩٧٤ انحصرت صناعتُها باليونان).

حمل كلٌّ من هذه الأسطوانات غلافاً كرتونيّاً خاصّاً6، وقد اختلفت الأغلفةُ غالباً بين «بارلوفون» و«باتيه» وحمَلَ أكثرُها صوراً لفيروز بعدسةِ أشهر مصوّري تلك الفترة: مانوغ، رولان صيداوي، فاروجان، ديرونيان، إلخ. 

يمكن حصرُ ديسكوغرافيا الأخوين رحباني مع «صوت الشرق» بين ١٩٥٦ و١٩٧٢ بما صدر لدى "بارلوفون" التي شملتْ كلّ النِّتاج واحتكرت الإصداراتِ الأولى للأغنيات بنسبةٍ ساحقة. غير أنّ كميةَ أسطوانات «باتيه» وفرادَتها في بعض الأحيان، تحتّم إدراجها أيضاً في هذه الديسكوغرافيا. اللائحة شبهُ كاملةٍ لكنّها لا تشملُ إلا مرحلة ما قبل عام ١٩٧٣ وقد تمّ الاهتمام بهذه المرحلة دونَ غيرها كونَها الأغزَرَ والأكثر تعقيداً من حيث أنواع الأسطوانات وبلدان تصنيعها وسنوات إصدارها. كما أنّ عدد إصدارات ما بعد تلك المرحلة محدودٌ نسبيًّا وأكثرها متوفّر. (اللائحة مرفقةٌ مع النسخة الإلكترونيّة للنصّ المنشور على موقع المجلّة). 

أمّا «الشركة اللبنانية للتسجيلات الفنية» L.R.C. فهي شركة إنتاجٍ موسيقيّةٌ وإعلانيّةٌ تأسّست في تشرين الثاني/ نوفمبر عام ١٩٥٦ عقب إقفال محطة "الشرق الأدنى"، صاحبها المتموّل بديع بولس ومديرُها الفنّي صبري الشريف، شريكُ الأخوين رحباني. أنتجت الشركة حتى أوائل الستينيّات العديدَ من أعمال الأخوين وآخرين أمثال زكي ناصيف وتوفيق الباشا. وطَبعت بعضها على أسطوانات صُنعتْ في إيطاليا أوّلاً ثم في هولندا بشكلٍ أساسيّ وفرنسا. وقد انبثقتْ من "الشّركة اللبنانيّة للتسجيلات الفنّيّة" شركةُ "ستديو بعلبك" في أواخر تشرين الأوّل/ أكتوبر عام ١٩٦٢.

تضمّ لائحة إصدارات "اللبنانية للتسجيلات" كلَّ إنتاج الشركة ببن عامَي ١٩٥٧ و١٩٦٢ وهي غيرُ مكتملة، لذا يُرجى ممّن يمكنُه المساعدة الاتّصالُ بنا، مع العلم أنّه أعيد طبعُ بعض العناوينخلال السّتينيّات والسبعينيّات على أسطوانات صُنعت في لبنان وخارجه وهي غير مدرَجة في اللائحة. 

إرثٌ فنّيٌّ متناثر

إلى جانب لذّة الاستماع للفينيل عموماً في عصرنا الرقمي، تحمل أسطواناتُ الأخوين رحباني وفيروز اليومَ أهميّةً مضاعفةً لأنّ كميةً كبيرةً من أسطوانات "صوت الشرق" و"اللبنانية للتسجيلات"، لم تُعَدْ طباعتُها كاملةً على أقراصٍ مدمَجة (CD) (مثل أسطوانات حفلات معرض دمشق ١٩٦١ و١٩٦٦، و"فيروز تغنّي للحبّ والجمال" ومختارات مسرحيّة "يعيش يعيش" تسجيل استديو، وغيرها). في بعض الأحيان يحمل العنوان المفقود أهمّيّةً خاصّة إذا كان تسجيل استديو لأغنيةٍ متداولةٍ بنسختها الحيّة (أو العكس)، فقد قام عملُ الأخوين رحباني وفيروز منذ أواخر الخمسينيّات على ثنائيّة التسجيل الحيّ والتسجيل في الاستديو، والاطّلاعُ على هذه الازدواجيّة، متى وُجدت، أساسيٌّ لمقاربة أعمالهم الموسيقيّة والإحاطة بكافّة عناصرها. 

بشكلٍ عام، لم تكن الأقراص المدمَجة التي صدرت تباعاً منذ التسعينيات وفيّةً للأسطوانات إلا نادراً، وقد حصل تلاعبٌ بكل الإصدارات وتمّ تشويه أغلبها (بُترت أجزاءٌ من الأغنيات أو تمّ الاستغناء عن أغنيات الفرقة والمقطوعات الموسيقية أو الرقصات إلخ). وتجدرُ الإشارةُ إلى أنّ المكتبة الوطنيّة الفرنسيّة قامت في السنوات الأخيرة برقمنة مكتبتها الموسيقيّة، وتوفّر رسميّاً بعضُ هذه العناوين المفقودة وبجودة صوتٍ عالية عبر الإنترنت من دون الاستعانة بشركات الإسطوانات. 

ختاماً، إنّ الكثير من الأعمال في سجلّ الأخوين رحباني وفيروز العامر لم يصدرْ أبداً على إسطواناتٍ أو لاحقاً على أقراص مدمجة. ويقبع جزءٌ كبيرٌ من هذه التسجيلات، حتّى يومنا هذا، في خزائن الإذاعات، خاصةً "إذاعة دمشق"، و"صوت العرب" من القاهرة، والإذاعة اللبنانيّة. أمّا إذاعة "الشرق الأدنى"، التي كانت إحدى المنصّات الأساسية لفيروز والأخوين رحباني قبل عام 1956، والتي كانت تتبع لـ"هيئة الإذاعة البريطانيّة" فلا يزال أرشيفُها شبه مفقودٍ، ما يتطلّب بحثاً توثيقيّاً خاصّاً.

  • 1. الأسطوانةُ الموسيقيّة قرصٌ دائريّ فيه أخاديد حلزونيّة مركزيّة مسجّلٌ فيه صوت إشارة تشابهيّة. صُنعتْ بدايةً من مادة الشيلاك الريزينيّة، ثمّ من مادّة الفينيل البلاستيكيّة
  • 2. Billboard، عدد ٢٩ كانون الأول / ديسمبر ١٩٥٦، الصفحة الأولى
  • 3. Billboard ، عدد ٢٧ تموز/يوليو ١٩٦٣، الصفحة ٦٥
  • 4. للمقارنة، كثيراً ما تراوحت أسعار تذاكر مسرحيّات الأخوين رحباني وفيروز حينها بين ٥ و٢٥ ليرة
  • 5. ٤٥ دورة (عاديّة ومطوّلة)، ٧ إنش. ٣٣ دورة، ١٠ و١٢ إنش
  • 6. بقي غلاف أسطوانات الـ٤٥ دورة العادية ورقيّاً وموحداً حتى عام ١٩٦٥
العدد ٢٥ - ٢٠٢٠

إضافة تعليق جديد

تهمّنا آراؤكم ونريدها أن تُغني موقعنا، لكن نطلب من القراء أن لا يتضمن التعليق قدحاً أو ذمّاً أو تشهيراً أو تجريحاً أو شتائم، وأن لا يحتوي على أية إشارات عنصرية أو طائفية أو مذهبية.