1في صباح يوم السبت في الثاني من أيلول / سبتمبر من العام ١٨٤٨ غادر أديبٌ لبنانيّ مسيحيّ اسمه فارس الشدياق (الذي أصبح يُعرف لاحقاً باسم أحمد فارس الشدياق) جزيرة مالطا بحراً برفقة زوجته إلى إنكلترا. وبعد التوقّف في عدّة مرافئ وصل الاثنان إلى لندن عبر نهر التايمز في ٢٩ أيلول / سبتمبر. وكان الشدياق قد أمضى بضع سنواتٍ في مالطا يعمل مع جمعيّةٍ تبشيريّةٍ بروتستانتيّةٍ كمدرّسٍ للّغة العربيّة وكمساعدٍ للجمعيّة في مطبعتها في تلك الجزيرة. وإذ بلغ من العمر وقتئذٍ الثالثة والأربعين، جاءه في تلك الآونة عرضٌ هامّ من جمعيّة ترويج العلوم المسيحيّة (SPCK) للعمل مع الدكتور صمويل لي، أستاذ كرسيّ السير توماس آدامز للدراسات العربيّة في جامعة كمبريدج، على ترجمة الكتاب المقدّس إلى العربيّة. وفي زمنٍلاحقٍ، سجّل الشدياق انطباعاته عن السنوات التي أمضاها في إنكلترا في كتابين اثنين يختلفان اختلافاً جذريّاً في الأسلوب هما كتاب «الساق على الساق» الذي قد حظي الآن بترجمةٍ ممتازة إلى اللغة الإنكليزيّة، ثمّ كتاب «كشف المخبّا من فنون أوروبّا» الذي لا يزال ينتظر، وبفارغ الصبر، من يترجمه إلى الإنكليزيّة.
كان الشدياق كثير الأسفار. عاش لعدّة سنوات في مصر ثمّ في مالطا ثمّ إنكلترا وفرنسا وتونس وأخيراً في إسطنبول حيث حقّق نجاحاً باهراً في تأسيس جريدة شبه رسميّة تدعى «الجوائب» وإدارتها. كان الشدياق رجلاً متعدّد الصفات والمواهب، كما كان أيضاً رجلاً متعدّد المِلل، إذ انتقل من المارونيّة إلى البروتستانتيّة ومن ثمّ إلى الإسلام. كان رائداً في ميدان الصحافة السياسيّة، وعلّامةً لغويّاً لا نظير له، ومترجماً شهيراً للكتاب المقدّس، ودرّاسةًبارعاً للمجتمعات، ومُصلِحاً اجتماعيّاً وفكريّاً، ومُناظِراً حذقاً شديد المراس، وأديباً متعمّقاً بآداب أمّته وآداب الأمم الأخرى، ويتمتّع بروح دعابةٍوسخريةٍ لاذعة. ولو أردنا أن نقارنه بقامة فكريّةٍ من العصور الماضية فلعلّ الأقرب إليه في تلك العصور هو عمرو بن بحر الجاحظ. أمّا الاعتراف بمكانته المحوريّة في الأدب العربيّ الحديث فقد جاء متباطئاً بعض الشيء. ونحن اليوم نجد أنفسنا في وضع افضلَ بكثير ممّا كنّا عليه من قبل بالنسبة إلى تقييم إنجازاته الفكرية وتقريظها2. إذ بإمكاننا اليوم أن نجزم وبكلّ ثقهٍ أنّ الشدياق «غُرّة الابتكار والتجدّد» (enfant terrible) في عصر النهضة في القرن التاسع عشر، تلك النهضة التي كان لها في البدء أبوان: بيروت والقاهرة.
النهضة وحوار الندّ
متى بدأتْ تلك النهضة ومتى انتهت؟ تلك أسئلةٌ ما زالت تخضع للنقاش في يومنا الحاضر، لكن لا جدال في أنّ القرن التاسع عشر شهد ذروة تلك النهضة. فقد عاشتْ هاتان المدينتان تحوّلاتٍ اجتماعيّةً عميقةً قد نوجزها كما يلي. كان علماء الدِّين المسلمون وكهنة المسيحيّين هم الذين كانوا على مرّالأيّام والعصور أصحابَ العلوم ومدرّسيها والقائمين على إيصالها إلى النّاس من خلال مؤسّساتهم المختلفة. لكنّهم وجدوا أنّهم قد أصبحوا في القرن التاسع عشر في تنافسٍ متعاظم مع طبقات اجتماعيّة جديدةٍ قد يُطلَق عليهم «المثقّفون الجدد»، وأعني بهم الأطبّاء والمحامين والمهندسين والأساتذة والصحافيّين وغيرهم من الذين أتتْ بهم دولٌ تسعى نحو تركيز السلطة من خلال خلق مؤسّساتٍ جديدةٍ كالصحافة والعسكر والجهاز البيروقراطيّالجديد والمدارس والمعاهد الجديدة وإلى ما هنالك. وكانت تلك الطبقة هي التي انتمى إليها الشدياق.
بالإضافة، فإنّ الأسواق التقليديّة كانت هي أيضاً مسرحاً لاجتياح طبقةٍ جديدةٍ من التجّار والصناعيّين من ذوي العلاقات الوثيقة مع أوروبّا. وصحب كلَّ ذلك قيامُ ثقافةٍ مطبوعةٍ انتشرت بين جمهور متعاظمٍ من القرّاء من خلال أساليبٍ حديثة لإيصال الأفكار كالكتب العلميّة والمدرسيّة والروايات والمسرحيّات والمجلّات الحديثة وإلى ما هنالك. وكانت النتيجة تكوّن مناخٍ فكريٍّ وأيديولوجيّ أكثر ثراءً من ذي قبل، ولعلّه أيضاً أكثر ايماناً بالارتقاء والتطوّر، إذ أضحى التفاعل المباشر وغير المباشر مع بلدان البحر المتوسّط ومع أوروبّا أمراً روتينيّاً. ولمّا كان عصر النّهضة في فجره يُطلق عليه اسم «بدايات الحداثة»3، في المشرق العربيّ، لا بدّ لنا من الحديث، ولو بإيجاز، عن مفهوم الحداثة وهو مفهومٌ غامض متزعزع، خصوصاً فيما يتعلّق بالشدياق.
إنّ الأبحاث الأكاديميّة حول موضوع النّهضة كما في الأربعين سنةً الماضية تبدو وكأنّها انتقلتْ من ضفّةٍ إلى أخرى، أي من تعريف النهضة على أنّها عمليّة تفاعل حضاريٍّ مصدرُه أوروبّا إلى تعريفها على أنّها كانت نتاج مخاطبة مع الذّات بقدْر ما كانت نتاج مخاطبة مع أوروبّا4. أمّا الأمر الذي يميّز عمليّات التحديث خلال نهضة القرن التاسع عشر عن عمليّاتٍ مشابهةٍ لها في ما سلف من العصور فقد نعرّفه كما يلي.لم تكن نهضة التّاسع عشر محمولةً في الغالب على أكتاف البرجوازيّة الجديدة كما وأكتاف «المثقّفين الجدد» فحسب بل كانت تتميّز أيضاً، وهو أمر شديد الصلة بالشدياق، بأنّ الحداثة التي أنتجتْها تلك النهضة كانت حركةً عابرة للطوائف، أي شارك فيها المسلمون والمسيحيّون مع غيرهم من ملل المشرق العربيّ. وكان هؤلاء المثقّفون الجدد في الغالب من ذوي نزعةٍ فكريّةٍ علمانيّةٍ لكنّهم كانوا أيضاً، كما الشدياق، على اطّلاع عميقٍ على تراثهم الدينيّوالأدبيّ، الأمر الذي جعلهم في موضع يمكّنهم من شنّ هجماتهم على المكانة السامية التي كان يحتلّها رؤساء الدين عند طوائفهم وعلى المؤسّسات الثقافيّة المهيمِنة في زمنهم.
أمّا النبرة البلاغيّة للحداثة فلعلّ التعبير الأوضح لها كان في تلاشي التمييز التقليديّ بين «الخاصّة» و«العامّة». فقد ساد الرأي في العصور السابقة أنّالثقافة والعلم بوجه عامّ هما ما تتحلّى به النُخَب الاجتماعيّة حصراً. لكنّ المثقّفين الجدد كانوا يسعوَن باستمرار إلى استمالة «العامّة» وجذبهم نحو المعرفة وتحفيزهم على طلب العلم، إذ كانوا على يقينٍ أنّ «العامّة» قابلةٌ لتلقّي العلوم الحديثة على أشكالها. ونجد في العديد من أعماله أنّ الشدياق كان في واقع الأمر يدعو العامّة إلى السخرية من الخاصّة.
عندما نتفحّص بدقّة خطاب هؤلاء المثقّفين الجدد نجد فيه عدداً ممّا قد نسمّيه «المقامات الموسيقيّة» أو «النغمات»، وذلك بشكلٍ عامّ. هنالك أوّلاًخطابٌ يشي بالحتميّة: هذا المبدأ أو هذه العقيدة فقط هي التي تضمن التطوّر والارتقاء. فالشدياق مثلاً يرى أنّ هذا المبدأ هو العدالة كما تتجلّى في المساواة الاجتماعيّة، هذا إذا أدركه القارئ وهو يتكلّم بجدّيةٍ وواقعيّة5. ثانياً، ثمّة «مقامٌ» بلاغيّ آخرُ، حين يحاور المثقّفون الجدد أوروبّا، يتمثّل في أنّهم يتسلّحون بأسلحة مُستلّةٍ من تراثهم العقلانيّ والإنسانيّ. فالشدياق مثلاً، كما سيرِد لاحقاً، يمتطي صهوة القاموسيّ الفذّ والأديب العقلانيّالتراثيّ ويُقرن بذلك انغماساً عميقاً بالتراث الأدبيّ الأوروبيّ. لذا، وحين نأتي إلى المحاورة مع أوروبّا، علينا أن نتحاور معها من النّدّ للنّدّ. ثالثاً، ثمّة «مقامٌ» بلاغيّ يدعو إلى العلم والتعلّم تواكبه عند الشدياق دعوةٌ إلى المساواة بين المرأة والرجل. كان المثقّفون الجدد يرَون أنّ للعلم والتعلّم مجالاًأوسع بكثيرٍ من مجرّد ما يحصل عليه الفرد في المدارس والمعاهد فهو يتضمّن ما قد نسمّيه نوعاً من أنواع التسلّح الأخلاقيّ الذي يؤدّي إلى التحوّل في الشخصيّة. فالتعلّم لأجل أمورٍ معيّنةٍ كالمواطنة والمساواة وضدّ أمورٍ أخرى كالامتثال الأعمى للسلطة، سياسيّة كانت أم دينيّة. وفي كتاب الساق على الساق، نجد أنّ آراء الشدياق حول المرأة هي على وجهها الأكثر حيويّةً في الكلام المنسوب إلى زوجته «الفارياقيّة» التي ترفض بشدّة وبروحٍمن الدعابة كلّ مَواطن الضعف عند النساء، جنسيّة كانت أو اجتماعيّة، وتبني دفاعاً مستميتاً عن المساواة الاجتماعيّة بين الجنسين ورغباتهم النفسيّة، لا نجد له مثيلاً عند أيّ مفكّر آخر في عصر النهضة6.
ولعلّ التعريف الأكثر التصاقاً بالشدياق فيما يختصّ بالحداثة البلاغيّة هو التعريف الذي يرِد عند الكاتب الإنكليزيّ المعاصر تيري ايغلتون الذي يصف بعض أوجه الحداثه بأنها الطريقة التي «أضحتْ فيها اللغة تتّخذ اللغة ذاتها موضوعاً لها، فتجعل من ذاتها موضوعاً لاستطلاعها»7. فالشدياق يفعل هذا الأمر حين يتفاعل مع العربيّة، إذ يسبر أغوارها ويقلب باطنها إلى خارجها. وبسبب امتلاكه المذهل لمفرداتها وصرفها، فهو يبدو في «الساق على الساق» كمن أخذ تلك اللغة بيده ونثرها عالياً في الهواء ثمّ التقطها وهي تهوي، صائغاً منها شلّالاتٍ من المترادفات التي هي في الوقت ذاته حركةُ صياغةٍ رائعةٍفي تبحّرها وخالية من التوقير والاحترام. ما يفعله الشدياق هو في الوقت عينه نوعٌ من أنواع الاحتفال والتغنّي بالعربيّة، التي كثيراً ما يصفها بأنّها لغةٌ نبيلة شريفة، ونوع من أنواع المحاكاة التهكميّة لها. من هنا فقد نرى أنّ غياب التوقير والاحترام، كما عند الشدياق، هو مكوِّن هامّ من مكوّنات الحداثة الأدبيّة.
تقترح الدراسات المعاصرة عن الشدياق بعض الصِّلات والمقارنات والتأثير بين كتاب الساق على الساق وغيره من الأعمال الأدبيّة السابقة، ولعلّأكثر ما يتردّد ذكره في هذا الصدد هو رواية «تريسترام شاندي» (Tristram Shandy) للكاتب الإنكليزيّ لورنس ستيرن التي صدرتْ بين العامين ١٧٥٩ و١٧٦٦، كما كتب المقامات في الأدب العربيّ القديم. هذه المقارنات والصِّلات وجيهةٌ وجديرةٌ بالاهتمام لكنّها أيضاً غير كافية. فالشدياق في الساق، كما هو الحال في «تريسترام»، (وهو بالمناسبة مذكورٌ في الساق) يصف رحلةً وكأنّها كُتبتْ تحت تأثير المخدّرات (psychedelic) حيث تُغلَّف السيرة الذاتيّة داخل مجرى من الوعي يتأرجح بين المبالغة الهزليّة والمرح المنفلت وتجريح المقدّس والعبثيّة والشبق والهزء الدائم.
والساق، كما في أدب المقامات، مبنيٌّ على سلسلةٍ من الحوادث المنفصلة التي لا يربط الزمن بينها إلّا لُماماً، حيث التلاعب اللغويّ يشبه الألعاب الناريّة ويحجب البطل المراوغ في انتقاله بين مجلسٍ منخدع وآخر. غير أنّنا نجد عند الشدياق وخصوصاً في الروايتين المختلفتين تماماً في الأسلوب والنّبرة والنّغم حول أيّامه في إنكلترا، نجد فيهما طيفاً أوسع بكثيرٍ في الصوت والإيقاع والأوزان ممّا نجده في «ترسترام شاندي» أو في أدب المقامات، الأمر الذي يتخطّى مجرّد التأثير. ولعلّ من المفيد هنا أن نستشهد في هذا الصدد بما قاله الناقد المعاصر فريديرك جايمسون عن الروائيّالشهير غبريال غارسيا ماركيز: «التأثير ليس نوعاً من أنواع الاحتذاء أو النسخ، بل هو رخصةٌ غير متوقَّعة يحصل عليها الكاتب لمقاربة المواضيع بشكلٍ جديد ولسرد القصص من خلال أشكالٍ وتقنيّاتٍ لم يكن الكاتب يعلم أنّ له الحقّ في استخدامها»8. فلنلتفتْ الآن إلى هاتين الروايتين المختلفتين تماماً حول سنواته في إنكلترا.
مجتمع الإنكليز: التراتب والاستغلال
الرواية التي نجدها في الساق هي أقصر وأقدم من تلك التي في كشف المخبا اذ طُبع الساق لأوّل مرّة في باريس في العام ١٨٥٥ وذلك في أواخر أيّام الشدياق في إنكلترا، أمّا كشف المخبّا فقد صدر لأوّل مرّة في تونس في العام ١٨٦٢ ثمّ أعيد تنقيحه ونشره في اسطنبول في العام ١٨٨١.
يرد وصف إنكلترا في الأجزاء الأخيرة من الساق وقبل وصْف باريس مباشرة. والنبرة الغالبة على هذا الكتاب هي نبرة المبالغة الهزليّة (burlesque)، فرغم أنّه رواية لسيرة ذاتيّةٍ في ظاهر الأمر فهو في الحقيقة يخرّب وينقض الأسلوب الروائيّ بانتظام. وإذا كان من رابطٍ يربط تلك الاستطرادات المعقّدة والتلميحات الغامضة الواردة في الساق فهو تلك الصّليات من المفردات التي تبدو وكأنّها عمليّات جردٍ هزليّة للّغة الكلاسيكيّة وغالباً ما ترد على شكل سجع تهكّميّ.
هذه النبرة أو النغمة تستمرّ حين يأتي الشدياق ليصف أيّامه في إنكلترا، الأمر الذي يجعل من وصفه هذا وصفاً لا شبيه له في أيّ رحلة قام بها عربيٌّ أو آسيويٌّ إلى أوروبّا في القرن التاسع عشر، ولربّما في أيّ قرنٍ كان. ثمّة قسمٌ لا يُستهان به من ذلك الوصف يجري على شكل حوارٍ سريع بين الفارياق، بطل الرواية الذي هو «الأنا الأخرى» للشدياق، وبين زوجته الفارياقيّة.
أمّا النغمة العامّة للوصف فنجدها في البعض من ملاحظاته المبكّرة حول إنكلترا:
«وهنا ينبغي أن يُلاحَظ أنّ الإنكليز أشدّ النّاس حرصاً على الألقاب فإذا زارهم أحدٌ من البلاد الأجنبيّة متّصفاً بلقب أمير أو شيخ أو مطران حظي عندهم الحظوة التامّة، ولا سيّما إذا كان يتكلّم باللغة الفرنساويّة»9.
تلك العبارة الأخيرة حول الحديث بالإفرنسيّة هي مثالٌ للعبارات التي يُدرجها الشدياق هنا وهناك وكأنّها أفكارٌ بريئةٌ طارئة أو كأنّها غمزة للقارئ. لكنْ سرعان ما يضيف أنّ الزائر الأجنبيّ وخصوصاً من يمشي في الشوارع مرتدياً زيّه الوطنيّ، أو الطربوش كما كان يفعل الفارياق، يُقابَل بالضحك من المارّة الإنكليز، أمّا السفَلة منهم فيناديه أحدهم «من مكان بعيد حتى يبحّ وما ذلك إلّا ليقول له إنّك يا غريب دمويّ ملعون!» أمّا أيّامه في بلدة كمبريدج فقد هجاها كما يلي:
رمتْني النّوى في كمبريج ملازماً
لبيتي نهاراً إن تراني أوباش
فتعبث بي حتى إذا الليل جنّني
خرجت على أمن كأنّي خفّاش
ولأنّ الكلاب أيضاً كانت تشمّ فروته وتلازمه، قال فيها:
ولي فروة تأتي الكلاب تشمّها
ولم تندفع عنها إذا ما دفعتها
تهرّ على تمزيق جلدي وجلدها
كأنّي من آبائها قد صنعتها
لكنْ يلي هذا الوصف مباشرةً لقاءٌ مع إنكليزيّ ثريّ لديه اهتمام باللغات الشرقيّة، والذي لمّا سمع بوجود الفارياق في كمبريدج دعاه لزيارة منزله الفخم واستقبله بالترحاب والتكريم10، فهذا المنظور، الذي قوامه التفرقة بين الصالون والشارع، وبين الطبقات العليا والدنيا، وبين الأغنياء والفقراء، هو في الغالب الخريطة الاجتماعيّة التي يرسمها الشدياق لإنكلترا والتي يلمحها القارئ في كلّ مكان، وإن تكن تختبئ تحت المجون واللذة التي يستمدّها الشدياق من مجرّد الكتابة. كذلك، فإنّ هذا المنظور ذاته هو الذي يؤطّر التوازن الذي يصنعه بين مناقب الإنكليز ومثالبهم. لكنّ ثمّة طبقتين اجتماعيّتين تحظيان لديه باهتمامٍ خاصّ وتثيران أحاسيسه وردّات فعله الأكثر عمقاً، أي الفلّاحين والعمّال الصناعيّين من جهة، والخادمات الإنكليزيّات والعاهرات من جهة ثانية. فالشدياق كثيراً ما يجزم أنّ تلك الطبقات في بلاده أفضل حالاً وأسعد من هؤلاء.
يصف الشدياق أيّامه التي أمضاها في قرية بارلي، في مقاطعة هرتفوردشاير، حيث ألقى رحاله في البدء، كانت من أشقى وأتعس أيّام حياته وأكثرها شؤماً. والسبب ليس فقط لأنّ ابنه الرضيع تُوفّي على شكلٍ مأساويّ في تلك القرية لغياب أيّ عناية طبّيّة فيها، بل أيضاً لأنّه وجد حياة فلّاحيها أتعسَ بكثير من حياة فلّاحي بلاده فيقول:
«قد كنت أحسب ونحن في الجزيرة أنّ الإنكليز أحسن النّاس حالاً... فلمّا قدمنا بلادهم وعاشرناهم إذا فلّاحوهم أشقى خلق الله. انظر إلى أهل هذه القرى التي حوْلنا وأمْعن النظر فيهم تجدهم لا فرق بينهم وبين الهمَج. يذهب الفلّاح منهم في الغداة إلى الكدّ والتعَب ثمّ يأتي بيتَه في المساء فلا يرى أحداً من خلق الله ولا يراه أحد... فهو كالآلة التي تدور مداراً محتتناً فلا في دورانها لها حظٌّ وفوزٌ ولا في وقفها راحة. فإذا جاء يومُ الأحد، وهو يوم الفرح واللهو في جميع الأقطار، لم يكن له حظٌّ سوى الذهاب إلى الكنيسة، فيمكث فيها ساعتين كالصّنم يتثاءب ساعةً ويرقد أخرى ثمّ يعود إلى بيته... فإنّك لا ترى فيها مُثرياً إلّا القسّيس وخوليّ الأرض وهو الذي يضمن المَزارع والحقول من مالكها، وهما أيضاً بمثابة الفلّاحين».
والأمر ذاته يُقال في عمّال الصناعة والحرفيّين الذين يصنعون تلك الصنائع البديعة والتّحَف العجيبة والفَرش النّفيس في بيوت الأغنياء، فهم صنّاعها لكنّهم منها محرومون، وهذا يدفع الشدياق / الفارياق إلى شنّ هجمةٍ عنيفةٍ على أثرياء الإنكليز فيقول:
«أم يحسبون أنّ الله تعالى إنّما خلَق الفقراء لخدمتهم فقط؟ لعَمري إنّ حاجة الغنيّ إلى الفقير أشدّ من حاجة الفقير إلى الغنيّ. أم يأنفون من النّظر من مقامهم الرفيع السامي إلى ذوي الضّعة والخمول خشية أن يسري إليهم من بؤسهم ما يسوؤهم؟ كمن ارتقى شرفاً باذخاً وتحته هوّةٌ عظيمة فهو يأبى أن يتطأطأ وينظر إليها لئلّا يلحقَه من ذلك دوارٌ أو غشيان فيهبط من شرفه... وإذا كانوا يخشَون من الشقيّ الفسادَ إن هم أسعدوه بمالهم ورفدهم... فخوفُهم من فساد نيّته لفقره ومن كراهته إيّاهم أولى، لأنّ الشقاوة أدْعى إلى الفساد من السعادة»11.
جمالٌ، شبَقٌ وبؤس في نساء الإنكليز
يختفي المجون في هذه الفقرات لكنّ السخرية واضحةٌ تماماً. غير أنّ الموضوع الذي يستحوذ على شعوره بالكامل في الساق هو موضوع نساء الإنكليز. فهو كثيراً ما يمدح جمالهنّ وبعباراتٍ تشي بالشبق والشهوة، مصحوبةً بسلاسلَ من النعوت المترادفة كما مثلاً:
«فجمال نساء الإنكليز هو ممّا عنوانُه أين أين الغزّ، أين أين المشبع، لديّ يذلّ الصعب. فإنّك ترى المرأة منهنّ تمشي وهي صفوحٌ منزة سامدة مساندة شاردة معبّدة شامرة نافرة جافلة جامزة آبزة نافزة ناقزة ساربة عاسجة طامحة جامحة شامخة خانفة مشمّة شافنة مُهطعة مرشقة منتالعة مخرنطمة مسحنفرة مجلوذة...».
ويلي ذلك حوالي أربعين مرادفاً يصف شكلها وطريقة سيرها وينتهي إلى وصف المُراقب لهنّ بأنّه يقف «كالجابه الحيران فلا يتماسك عن أنْ تصطكّساقاه تعجّباً وإعظاماً وأن تحترق أسنانُه ويندلع لسانه وتلتوي عنقُه وتنتفخ أوداجُه». يلي ذلك سلسلةٌ طويلة أخرى من المرادفات حول الرّجَفان الذي يصيبه بالقشعريرة فتتجاذبه الأمانيّ وخوالج الشهوة12.
لكنّ نبرة الصدمة والاستنكار لديه تبدو وكأنّها صادقةٌ ونابعةٌ من القلب والوجدان حين يصف «الآلاف» من فتيات لندن العاهرات بثيابهنّ الرّثّة «اللاتي لم يبلغن بعدُ من العمر خمس عشرة سنة» يجرين في أسواق المدينة متهافتاتٍ على المارّة رجاءَ أن ينَلْن ما يتقوّتن به. فهو يحنق على من يقول له، ولعلّهم المبشرون من أصدقائه، أنّ النساء في بلاده يُعامَلن بطريقةٍ أسوأ بكثيرٍ من معاملة المرأة في أوروبا. وتقع المَلامة في رأيه على الدولة والكنيسة في إنكلترا فهما لا تُعنيان بتلك الفتيات ولا بتجهيزهنّ وتربيتهنّ بما يسمح لهنّ بالزواج الشرعيّ. ويلي ذلك فقرةٌ حول بؤسهنّ تذكّر القارئ بروايات تشارلز ديكنز:
«وكم لَعمري من بنتٍ حبلت أوّلَ مرّة من مبادئ شوطها في ميدان العهر ثمّ أسقطتْ جنينها خوفَ الفقر. وإنّ منهنّ لمَن تلد في طرق المدينة في ليالي الشتاء الباردة لعدم مأوى لها، أو أنّها تَبيت مع بنتٍ أخرى على فراشٍ واحد وهي عادةٌ مستفيضة في لندن وذلك لعدم قدرتها على أن تستقلّ بفراش وكِنّ خاصٍّ بها، فلا تأمَنُ والحالة هذه من أن يلحقها أذىً من ضجيعتها ليلاً. نعم إنّ أولاد الزّنا يأتون في الغالب شياظمة جبابرة... كوِليَم الفاتح الذي فتَحَ بلاد الإنكليز. إلّا أنّ النفع الأكثريّ مع الاقتصاد والاعتدال أحقّ بالمراعاة والتقديم من النفع الأندريّ مع الإسراف والإرغال»13.
ويرى الشدياق / الفارياق أنّ من العار في أرض «العلوم والصنائع والتمدّن» أنّ رجالهم لا يتزوّجون المرأة سوى لزيادة ثروتهم. لذا فهو كثيراً ما يرى شابّاً جميلاً قد تزوّج عجوزاً شمطاء طمعاً بمالها فيما تبقى الجميلة الفقيرة كاسدة... ولا بدّ حتى للمرأة الغنيّة أن يتبعَ غناها عناءٌ اذ لا مناص لها من إقامة الولائم والمآدب وتتّخذ لها من الخدّام من تقرّ عينُها بجماله. وإذا كان الزوج مولعاً بالأمور السياسيّة أو الماليّة فهي «تخلو بمن تخلو وتلهو بمن تلهو». ويستشهد بأحد مؤلّفيهم «إن من ترى من أولاد الأعيان والأمراء هنّاً قويّاً تارّاً فإنّما هو من إلقاح بعض الحشَم»14.
أمّا الخادمات في بيوت الأعيان فهنّ يستدعين من الشدياق / الفارياق أحد أكثر أوصافه لنسائهم حيويّةً وشبَقاً. المشهد هو الدّرَج الخارجيّ لأحد تلك البيوت الفخمة:
«تصوّر في عقلك أنّك ساكنٌ في حارةٍ من حارات لندره ذات صفّين متوازيين... في كلّ صفٍّ عشرون داراً ولكلّ دارٍ بابٌ ولكلّ بابٍ عتبةٌ وأمام كلّعتبةٍ درَجٌ مبَلَّط. ثمّ مثُل لعينك هداك الله أربعون بنتاً من الرُّمم النواهد والجُثم الخرائد والعُبُن المواغد والرُجُح الثوامد ذوات التبهكن والمرافد...».
ثمّ يرفد هذا الوصفَ بحوال مئةٍ أو أكثر من النعوت التي تصف خصائصَهنّ الجسديّة. ويلي ذلك صورةٌ لإحداهنّ وهي تأخذ بيديها الناعمتين مكشطاًوصابونة ودلواً فيه ماء ساخنٌ ثمّ تجثو على ركبتيها وتحكّ عتبة الدار. ويتبع ذلك حوالى خمسين نعتاً أو يزيدُ لوصف حركات جسَدها وهي تتلوّى وتتململ وتشتكي هامسةً وبحسرة. ثمّ يلتفت الشدياق / الفارياق ليخاطب أعيان لندن ويَعيبهم على إذلال وانتهاك كلّ ذاك الحسْن والجمال فيقول: «ومع ذلك تزعمون أنّكم تحترمون النّساء وتعرفون قدرهنّ أكثرَ منّا؟ لقد كبُر ذلك قولاً!» وينطلق ليعطي تفسيراً تاريخيّاً ساخراً لنشأة تلك الظاهرة المذمومة فيقول:
«ولست أرى لهذه العادة المشطّة من سببٍ سوى أنّ أحد كبرائكم كان قد اتّخذ خادمةً رعبوبةً والله أعلم منذ ثلاثمائة وخمسين سنةً وكانت امرأته دميمة فغارتْ السيّدة منها فكلّفتها حكَّ العتبة في كلّ يومٍ إذلالاً لها في عين سيّدها كأنّ القلب لا يعْلق بهوى الجميلة المسكينة كما يعلق بهوى الفُنُق... فسَرَتْ هذه العادة الذميمة في جميع كبرائكم إلى عصرنا هذا، عصر التمدّن والرّفق بالنساء، وأنتم أسرى العادات والتقاليد»15.
ثمّةَ أمورٌ أخرى تثير حنقه فيما يختصّ بنساء الإنكليز ومنها مثلاً كشْفُ العجائز أكتافهنّ وأذرعهنّ في ولائم الأغنياء أكثرَ ممّا تفعل الشابّات، ومنها المتوشّحات منهنّ بالسّواد حداداً وهنّ يضحكْن ويُبدين من المرَح أكثرَ ممّا تبديه العروس، ومنها أولئكَ البناتُ اللواتي يأتين بلدتَي أكسفورد وكمبريدج لاستدراج الطلّاب الأغنياء. وهناك فقرة يقارن فيها الشدياق / الفارياق بين عاهرات لندن وعاهرات باريس فيقول عن عاهرة لندن أنّها لا تشعر بالحرّيّة ولذا لا تتوقّع الاحترام من الزبائن، فيما عاهرةُ باريس تمنح خدماتها للزبائن وكأنّها تطلب منهم اعترافاً بجميلها. وفي حال أنْ أصابت القراء صدمةٌ بسبب هذا المجون فهو يسارع لتذكيرهم بالرسالة التي كتبها كبير الكهنة جوناثان سويفت Dean Swift حول الإست، والمجون الوارد في كتب ستيرن وكليلاند، وجميعهم من رجال الكنيسة المبجّلين. كذلك يشير أيضاً إلى المجون الوارد في تراثه الأدبيّ كشعر ابن الحلّاج وغيره16.
وبالانتقال في نهاية المطاف إلى أحكامه العامّة وحساب الإيجابيّات والسلبيّات التي قد تجابه من يزور إنكلترا، فهو يصف عامّة الشعب بأنّه شعبٌ كتوم لا يعبّر عن مشاعره وأحاسيسه بل يرى أنّ التعبير عنها هو «طيشٌ وهوج». أمّا طعام الإنكليز وخبزُهم فهو يزدريه ويحتقره إذ لا طعمَ له في رأيه، ويستغرب كيف أنّ الإنكليز يأكلون في بيوتهم قبل أن يلبّوا الدعوة إلى ولائم الآخرين. وحين يعمد الشدياق / الفارياق إلى تلقين زوجته درساً حول التعامل مع الإنكليز يقول لها ما يلي:
«وإذا أنكرتَ فَعِلةً من فعلاتهم فإيّاك أنْ تذكريها لهم. وأطري ما أمكن على عاداتهم وأطوارهم ومَعالمهم ومآكلهم ومشاربهم ومآدبهم وملابسهم وعلى طول أظفارهم وأظفارهنّ وعلى تفتيل سوالفهنّ وعلى المنفّش من شعرهنّ وعلى كشف أدبارهم للاصطلاء. وكلّما رأيت شياً في بيوتهم من أثاثٍ وغيره فاستحسنيه واعجبي به وقولي وأنت مدهوشة آه ما أجملَ هذا! آه ما أجملَ ذاك! ما أبهى هؤلاءِ!... آه ما أذكى مراحيضَكم!... فهذه هي الذريعة التي يتذرّع بها الغرباء هنا لاستجلاب مودّتهم وكسب رضاهم. وأعرف كثيرين قد استعملوها ونجحوا بها»17.
لكنّ هذا المتلاعب الساحر بالألفاظ والأفكار لن يترك قارئه مخلّفاً وراءه وصفّاً هزليّاً تهكّمياً ليس إلّا لأيّامه في إنكلترا. فكما رأينا أعلاه، كثيراً ما يصف الشدياق / الفارياق إنكلترا بأنّها بلاد العلوم والصناعات والتمدّن رغم لأنّها تسمح بوجود فقْرٍ مدقعٍ ينتشر في كافّة أرجائها. ويقع القارئ بين الحين والآخر على فقراتٍ كالآتية، تشي بالإعجاب والتقدير:
«ومنها [أي فضائلهم] أنّهم قليلو الكلام كثيرو الفعل، حسنو المعاطاة للأمور بالترتيب والسياسة والرشد والكياسة... فكلّ النّاس في الحقوق البشريّة عندهم متساوون. هذا وإنّهم يحبّون الغريب ما خلا أوباشَهم... ويكرّمون ذوي السيادة والمَجد ويعرفون قدْر ذوي العلم ويعينون على إدراك العلوم والمعارف في البلاد الأجنبيّة. وعندهم جمعيّاتٌ منعقدةٌ لإجراء كلّ نفع وخير... وكثير من الأطبّاء هنا يداوون المرضى مجّاناً ما عدا المستشفياتِالمبثوثةَ في كلّ قطر... ومَن ينزل نزلاً لديهم أو يستأجر غرفةً فإنّ صاحبة المنزل تؤانسه وترفق به وتدعوه إلى مسامَرتها من غير أن يستاء زوجها لذلك... وإذا قدِم إلى بلادهم أحدٌ بكتاب توصيةٍ احتفل به الموصى... ونخله له الودّ والنصح»18.
وهناك فقرةٌ أطول بكثيرٍ من تلك الواردة أعلاه معقودةٌ بالكامل لسرد تصرّفات الإنكليز في إطارٍ من الجُمل المتعاقبة التي تضع في الميزان ما مجموعُه حوالى أربعين خصلةً ذميمةً من خصائلهم توازيها مجموعةٌ مشابهةُ في العدد من خصائلهم الحميدة. فالشدياق / الفارياق هنا على أوضحِ تلاعبه وهزله، وحين يصل إلى الخاتمة يقول لقارئه: «وفي الجملة فإنّ كفّة مَحامدهم ترْجح كفّة مذامّهم». وفي هذا الحكم النهائيّ يلْمح القارئ أيضاً ذاتَ الغمزة الساخرة التي تَلفّ هذا الكتاب بأسره19.
«كشف المخبّا»: الصحافة الاستقصائيّة
أمّا الرواية الثانية لأيّامه في إنكلترا فهي كما أشرنا سابقاً في كتاب «كشف المخبا». وهذا الكتاب صِيْغ بنبرةٍ تختلف بالكامل عن نبرة الساق، إذ تختفي التلاعبات اللفظيّة كما تختفي سلاسل المفردات والاستطراداتُ المفاجِئة والمجونُ والتّهكّم والشبَق وغيرها من سمات العمل الأوّل. وقد نقول إنّالفارياق قد اختفى هنا ليحلّ محلَّه الشدياق، إذ لا يبقى فيه ما يذكّرنا بأنّ المؤلّف هو ذاته سوى بعض ومضات السخرية التي ليست على كلّ حال بالكثرة الواردة في الساق، ولربّما أيضاً المقارنات التي يعقدها بين إنكلترا وفرنسا من جهةٍ وبين بلاده من جهة أخرى.
من هنا يجدر بنا أن نحاول وصفَ أسلوب كشف المخبّا ومصدر إلهامه فنقول بادئ بدءٍ إنّ السرد هنا قد يُصنَّف على أنّه مثالٌ مبكّرٌ جدّاً للصحافة العربيّة الوصفيّة والاستقصائيّة. فالكتاب يرمي إلى رسم صورةٍ شاملة ورصينة لجغرافيا إنكلترا وتاريخها ومجتمعها وتجارتها وسياستها، وهو كتابٌيتوجّه إلى القرّاء العرب المثقّفين لإثراء معرفتهم وتنويرهم. ولعلّ الشدياق قد أصابه ما أصاب الإنكليز في العصر الفيكتوريّ المتوسّط من وَلَع بالإحصائيّات، فالكتاب يزخر بالإحصائيّات على مختلف أنواعها، كما يزخر بالإشارات إلى مصادره المتنوّعة التي تشمل الصحف والروزنامات والتواريخ وجميعُها يختلط ويتقاطع مع ملاحظاتِ الشدياق وتجاربه الشخصيّة. والكتاب الذي يحوّم فوق كشف المخبّا كالشبح هو كتاب «رسائل فلسفيّة» لفولتير الذي يستشهد به الشدياق في أماكن عدّة. لا ريب في أنّ كتاب فولتير كان له تأثيرٌ واسعٌ على النغمة السائدة في رواية الشدياق، ومن المرجّح أيضاً أنّه ألهَمَ المؤلّف في اهتماماته بمواضيعَ معيّنةٍ كما في «الرسائل»، وفي تأمّلاته حول عادات أهل بلاده وأخلاقهم.
وإذا أردنا أن نضع فهرساً لمحتويات كشف المخبّا فقد يبدو على الشكل التالي: يبدأ الكتاب بلمحةٍ عامّةٍ عن جغرافيا إنكلترا وتاريخها بما في ذلك أحوال الزراعة والمعادن والصناعة، ثمّ ينتقل للحديث عن الترتيب الطبقيّ، والدراسات الشرقيّة، والجريمة والعدالة. ثمّ يأتي إلى عادات الخاصّة والعامّة وتقاليدهم وما يُحمد من خصائلهم، وطقوس الزواج وحفلات الزفاف والولائم، والمطبخ الإنكليزي. ثمّ ينتقل إلى الكنيسة وسلك الكهنوت والتجارة والتلغراف وغيره من الاختراعات وينتهي ببعض الملاحظات حول اسكتلندا وبلاد الغال. لكنّ الشدياق لا يتقيّد بهذه المواضيع بل كثيراً ما يستطرد كما في كتب الأدب عند قدماء العرب، فلا ينبغي أن يُؤخذ هذا الفهرس لمحتويات الكتاب حرفيّاً بل هو بمثابة إشارةٍ عامّةٍ إلى محتوياته إذ كثيراً ما يمنح الشدياق لنفسه الحرّيّة في معالجة مواضيعه بدون الالتزام بحدودها.
هاك مثلاً وصْفه لقرية بارلي في مقاطعة هارتفوردشاير حيث سكن في بداية أيّامه في إنكلترا:
«من عادة الإنكليز أنْ يكون لهم بالقرب من القرى بُلَيدةٌ يُباع فيها ما يلزم لهم من المأكول والمشروب والملبوس والأثاث، فيذهب إليها الفلّاحون مرّة في الأسبوع ويشترون ما يلزمهم. وقد يمرّ على البيوت ليلاً رجلٌ ينفخ في بوقٍ تنبيهاً على ذهابه إلى تلك البُليدة فمَن شاء أن يشتري شيئاً كلّفه به وجزاه على ذلك. وقد يمرّ أيضاً تجّارٌ بعجلات فيها نحو البنّ والشاي والسكّر... وبمثل هذه الأسباب المتنوّعة والصعوبة المبرحة يحصّل الإنسان ما لا بدّ له لقوام عيشه. أمّا محار البحر والسرطان والإنكليس وهذا الذي يسمّونه «لبستر»، وهو أطيب ما يؤكل عندهم... فلا وجود لها البتّة. أمّا السمك فلا يرد منه إلّا مرّةً في كلّ ثلاثة أشهر... وجميع أصناف سمكهم مسيخةٌ إلّا صنفاً يقال له «سُمُن» وهو طيّب لكنْ لا طعم له بالنسبة إلى سمك بلادنا. وقد يضعونه في الثلج ليلاً ويعْرضونه للبيع نهاراً فربّما كان عمر السمكة بعد صيدها أطولَ منه قبله.
«ومَن قدِم إلى لندره ورأى فيها تلك الحوانيت العظيمة والأشغال الجمّة والغنى والثروة حكَم على جميع الإنكليز بأنّهم أغنياء سعداء، ولكن هيهات. فإنّأهل القرى هنا كأهل القرى في الشام بل هم أشدّ قشفاً... وقد يبلغ من فقرهم أنّهم يتركون أولادهم بغير معموديّة لئلّا يعطوا القسيس مصروفها... فالكنيسة لا تأذن لمن مات غيرَ معمّدٍ أنْ يُدفن في مدافنها فتُنزله منزلة المنتحر... وقلّما يذوق هؤلاء المساكينُ اللحم فجلّ أكلهم الخبز والجبن. فجزّار القرية لا يَذبح شاةً أو بقرة إلّا مرّة في الأسبوع ولا يبيع من اللحم سوى نصف رطل أو ربعه... ومَن كان ذا يُسر قليل اشترى قطعة لحم في السبت وطبَخَها وتبلّغ بها عامّة الأسبوع باردة، إذا ليس تسخين الطعام مألوفاً عندهم... ولمّا طلبْت من المرأة التي كنت نازلاً عندها تسخين طعامٍ بقي لي من الغداء لم تكد تفهم منّي إلّا بعد شرحٍ وتفسير، وراح كلٌّ منّا يتعجّب من صاحبه.
«وفي أوان الشتاء لا يمكن للإنسان أن يخرج من منزله لاستنشاق الهواء وذلك لكثرة الوحل في الطريق فقد يمكث عدّة أيّام رهينَ بيته. وليس في القرى خيلٌ أو حمير أو بغال أو عواجل تُكرى، فليس إلّا مركوب النّعل. ويعلم الله أنّي مدّةَ إقامتي في تلك القرية المشؤومة لم يكن لي همّ إلا بتحصيل لوازم المعيشة فكنت أجلب بعض القطاني من كمبريدج وبعض النقل من رويستن والمزْر من لندره في سكّة الحديد. ولكن لمّا وجدتُه غالياً اقتصرت عن جلبه فاستولى عليّ ضعفٌ ووهن في ركبي لم أحسّ به في عمري قًطّ»20.
هذا الوصف، الإثنوغرافيّ في حداثته، مثالٌ لما يجده القرّاء في كتاب كشف المخبّا. هذا الرصد الدقيق لمحيطه تواكبه أحياناً مقارناتٌ مع أحوال الفلّاحين في بلاده كما وملاحظاتٌ حول الطقس الرّديء والطعام السيّئ، ولا يخلو من تهجّمه المستمرّ على الكنيسة وكهنوتها. ومن الملاحظ أيضاً رغبة الشدياق ألّا ينخدع أهل بلاده فيظنّوا أنّ إنكلترا هي الفردوس المفقود، فعظمة لندن لا تمتدّ إلى الأرياف الغارقة في التعاسة.
خمس طبقات
ونأتي الآن إلى وصفه العامّ للمجتمع والسياسة في إنكلترا، والأمران متداخلان عند الشدياق:
«أمّا أخلاق الإنكليز وعاداتهم فالواجب أن أمهّد للقول فيها مقدّمةً وجيزة لإزالة الالتباس فيما يَرد من بيان ذلك فأقول: إنّ هذا الجيلَ ينقسم إلى خمس طبقات. الطبقة الأولى: الأمراء والوزراء والنبلاء وذوو المناصب السامية ويلحق بهم الأساقفة. الثانية: الأعيان أو العليّة، وهم الذين يعيشون من أرزاقهم وأملاكهم لا من معاطاة شغل أو حرفة، وليس لهم لقب تعظيم. الثالثة: العلماء والقضاة والفقهاء ويلحق بهم القسّيسون والتّجّار أهل المراسلات. الرابعة: التّجّار أصحاب الدكاكين والكتّاب وهم الذين يحتاجون إلى تحصيل معاشهم بالاحتراف ولكن بدون ابتذال ماء الوجه. الخامسة: أهل الحرَف والصنائع والعمَلَة والفلّاحون، وهم الجمهور الأكبر.
«فعادات أهل الطبقة الأولى مبايِنةٌ بعضَ المباينة للثانية ولكن ليس بينها وبين الأخيرة من مناسبة أصلاً. وعادات أهل الطبقتين الثالثة والرابعة متساويةٌلا اختلافَ فيها إلّا ما ندر. أمّا أهل الطبقة الثانية فإنّ بهم من وجْهٍ نُزوعاً إلى الأولى بالنّظَر إلى العزّ والاستبداد، ومن وجْه آخر ينزعون إلى الباقي بالنظر إلى الجنسيّة والإلفة. والغالب على جميع هذه الطبقات حبّ الوطن والمباهاة بما عندهم من الصنائع والأحكام والإذعان للقوانين... ولمّا كان أصحاب الطبقة الأخيرة هم الجمهور الأكبر وهم الحَريّون بأنّ يقال فيهم بريتانيّون أو إنكليز لكونهم بقوا على قديم أحوالهم وأطوارهم... أوّل خلّة يراها الغريب فيهم هي عدم اكتراثهم له ونفورهم منه بل لا يَعني أحد منهم بشأن جاره ولا يهمّه أمرٌ غير أمر نفسه. فكلّ ذي حرفة يقتصر على الاشتغال بحرفته مدّة حياته ولا يتطاول إلى معرفة غيرها... ويمكن أن يقال إنّ بهذه الخصلة استتبّ عزّ دولة الإنكليز وعظُمتْ شوكتها لأنّ الرعيّة لا تعترض ذوي الأمر والنّهي في تدبيرهم ولا تتطاول لمعرفة ما تقتضيه ساداتهم فلذلك قلّما يحدث عندهم شغَبٌ أو فتنة، بخلاف أهل فرنسا... لقائلٍ أنْيقول إنّ لعدم الفتنة سبباً آخر وهو فقرُهم المانع لهم من الاشتغال بغير ما يُكسبهم القوت الضروريّ... وهم أطوع خلق الله لأولياء أمورهم... وكيف كان فإنّ شقاءهم موجِب لسعادة الدولة واستغنائها عن كثير من العساكر... وكما أنّ عامّة الفرنسيس يحسبون كلّ غريب فيهم من إسبانيا ولا سيّما إذا كان أسمر اللون، كذلك عامّة الإنكليز يحسبون كلّ غريب فيهم فرنساويّاً... فإنّهم يحدّقون في وجه الغريب ثمّ يُتبعونه بقهقهة ولا سيّما إذا لم يكن يُحسن النطق بلغتهم على أنّهم هم أنفسهم لا يُحسنون النطق بها فكلامهم كلّه لحنٌ وخطأ»21.
يلاحظ أنّ التعميمات وفيرة في هذا النّصّ، فهذا هو عصر التعميم عند كتّاب الشرق والغرب على حدٍّ سواء حيث أضفى هؤلاء صفاتٍ تعميميّةًجوهريّة ومطلقة على غيرهم من الأمم والمجتمعات. غير أنّ ما يميّز نصّ الشدياق حول إنكلترا، بالإضافة إلى كثافة الوصف، هو التحفّظ والاعتدال في التعميم: («كثيراً ما»، «نادراً ما»، «في الغالب»، إلخ.) كذلك، فهو يعدّد ما يرى أنّها عاداتٌ إنكليزيّةٌ تستحقّ الإشادة بها كاحترام حياة الإنسان الخاصّة، ويقارن هذا الأمر بغياب هذا الاحترام في بلاده حيث يقحم النّاسُ أنفسهم في حياة الآخرين، كما يشيد بالتشجيع الذي يلقاه الإنسان ذو الموهبة في إنكلترا، ويشيد كذلك بأصواتهم الخافتة وباحترامهم للوقت والمواعيد وبدولتهم ثابتة الأركان وجهازهم البيروقراطيّ. وبما أنّه كان يعيش في إنكلترا إبّان حرب القرم (١٨٥٣ - ١٨٥٦)، فهو يعبّر عن دهشةٍ بالغةٍ لأنّ تلك الحرب لم تخلّف أيّ أثرٍ يُذكر على الحياة اليوميّة22 ويمضي فيقول:
«[ومن صفاتهم الحميدة] عدم التعنّت على النساء فيما لا يكون به مثلبة للعِرض فإذا كان الرجل غائباً وجاء منزلَه فوجد رجلاً يحادث زوجته لا يتناولها بالهراوة أو القذع... من قبل أن يعلم سبب زيارة الرجل. فأمّا إذا عرف منها الخيانة فلا رحمة بعدها ولا أعذار... وكثيراً ما سمعتُ زوجة الرجل تقول للضيف بحضرة زوجها «خذ يا عزيزي» و«هات يا عزيزي».
«ومن ذلك الأمنُ في الخروج من دون فانوس... فإنّ الإنسان لَيسافر فيها ليلاً وهو في آمن حالٍ وأصفى بال ممّا لو سافر في بلادنا نهاراً. وترى الولد يمشي في المدن الكبرى وحده ليلاً ولا يخشى شيئاً، ولا هيبة للعساكر والشرطة عند المارّين بهم. وإنّ البنت التي لم تبلغ عشر سنين لَتسعى بعد نصف الليل وتمرّ بالشرطة فكأنّها مرّت على بعض أقاربها فتسألهم ويرشدونها ويذهبون معها. وليس للشرطيّ أن يدخل بيت أحدٍ إلّا بإذن الديوان [أي الوزارة] لسبب خطير... وفي البلاد الشرقيّة إذا كلّمت المرأة بعض الشرطة ليلاً لم يلبث أن يمدّ إليها يده ويهتك حجابها وهيهات أن ينتقم منه منتقِم. وعندي أنّ عدم الهيبة والخوف على صغَر هو الذي يورث جيل الإفرنج جميعاً الإقدام والجرأة على الأمور... وما عدا خوفَ الحكّام والظّلام ورؤساء الديانة في بعض البلاد الشرقيّة فإنّ الأمّهات يزرعن في قلوب أطفالهنّ الخوف من العفريت والروح الشرير والخيال والظلام وغير ذلك... ومن خصائلهم المحمودة الحرصُ على ما يؤتمنون عليه فإذا سلّمت لأحدهم مثلاً طرساً فإنّه يصونه عنده بمنزلة طرس نفسه حتى إذا استرجعتَه بعد سنين أعاده عليك كما تسلَّمه بل لربّما أزال منه الوسخ وردّه إليك نظيفاً وقال لك معتذراً: قد تجاسرتُ على أن أزلت الطبع من الطرس وأرجو أنّي لم أسئ فيما فعلت، وقس على هذا سائر ما تأتمنهم عليه. وينضمّ إلى ذلك احترامهم للرسائل فلا يفتح أحدهم كتاباً جاءه باسم غيره بل يبذل جهده في إيصاله إليه...
«ومن ذلك أنّ أصحاب المراتب عندهم لا يَقبلون المصانعة والرشوة من أحد... وإنْ عُلم أنّه ارتكب ذلك اقتُصّ منه كما يُقتصّ من السارق. نعم إنّالمراتب هنا إنّما تُعطى غالباً بالمحاباة لا بالاستحقاق... إلّا أنّ هذا الداء عامّ في جميع الممالك. ولحق بما تقدّم أنّ النّفر من العسكر لا يمكن أن يرتقي إلى مرتبة الضبّاط وإن ارتقى ألف حصنٍ للعدوّ وأبدى من الشجاعة ما يُقصّر عنه قائد الجيش. فهو نفرٌ من يوم اكتتابه إلى يوم خروجه من الخدمة والحياة، والأمير أميرٌ من يوم ينزل عن ظهر أبيه إلى يومَ يركب ظهر النعش. فكأنّ ترتيب أصناف النّاس عندهم بمنزلة ترتيب أعضاء الجسد... فالرأس لا يزال رأساً وإن سرى فيه الخرَف والقَدم لا تزال قدماً وإن هي أنجتْه وأنجت الجسم كلّه.
«وهذا التخصيص من وجهٍ آخرَ سديدٌ رشيدٌ فإنّ ناظرَ الأمور الخارجيّة عندهم مثلاً ليس له حقٌّ في أن يدمق على ناظر الأمور الداخليّة في شيء وناظر مجلس المشورة ليس له جدارةٌ بأن يحكم على أحد الباعة بشيء وقسْ على ذلك. فأمّا في بلادنا حرسها الله... فللحاكم أو للمطران أن يسقط حقّالمحقّ لحرف أسقطه في الكلام... وللشرطي أن يقبض على أيّ شخص كان... وللبطرك أن يحرم أيّ شخصٍ كان من رعيّته... وإلى من المشتكَى وأين النّصير؟ متى نصير نحن ولد آدم بشراً كهؤلاء البشر ومتى نعرف الحقوق الواجبة لنا وعلينا؟»23.
فالموازنة، والمقارنات، والإشادة المشروطة والسعي لشرح سرّ «جرأة» الأوروبّيّين لأبناء قومه في زمنٍ كان فيه هؤلاءِ قد بدأوا يمثّلون خطراًداهماً على الدولة العثمانيّة، وأخيراً تلك الصرخة من القلب في نهاية النّصّ أعلاه، كلّها تُظهر الشدياق بمظهرٍ «فولتيريّ» أي في حدّة النظر، والظّرْف، والوعي السياسيّ، واستنطاق الذات.
طقوس الزواج والأكل وتربية الأطفال
ويجد القارئ أبحاثاً مستفيضةً حول مواضيع كمثل تربية الأطفال في إنكلترا أو كمثل طقوس وعادات الزواج. وفيما يختصّ بالموضوع الأوّل فإنّ الفقرة أدناهُ توحي بأنّ الشدياق كان على اطّلاعٍ مباشر على ذاك الموضوع، ممّا يحْمله على توجيه النّصح لبني قومه كي يأخذوا بالاعتبار طُرُقاً أخرى وأقرب إلى الصحّة في تربية أولادهم:
«والظاهر أنّهم أحسنُ تربيةً للأولاد من غيرهم فإنّهم يغسلونهم بالماء البارد في كلّ يومٍ إذا كانوا أقوياءَ أو بالفاتر إذا كانوا ضعفاء. ولا يقمطونهم حتى يمتنعوا عن الحركة كما يُفعَل في بلادنا وإنّما يشدّونهم بحزامٍ فقط. وبعد نصف سنة يعوّدونهم على الأكل الخفيف مع اللبَن. فلا تأتي سنةٌ على الطفل إلّا وهو يلتقم كلّ شيء. ولا يكاد طفلٌ يُحْدث في ثيابه أو يُفحم في البكاء كما يكون عندنا. غير أنّي كثيراً ما رأيت الأمّهات هنا يسقين أطفالهنّ المزرَأو شراباً غيره ليُنمْنهم... ويدخلْن بهم في الزحام وأماكن الخصام واللكام. وممّا يُحمد من تربيتهنّ أنّهّن يكلّمنهم بالكلام المتعارَف من دون لثغةٍ ولا كسرٍ، لا كما تفعل نساء بلادنا، بل لربّما حكَين لهم حكاياتٍ وهم لا يعقلون ويخاطبْنهم بما يخاطبْن به مَن يفهم... تعوّدنهم على الفهم من صغَر. والذي ظهر لي أنّ أطفال الإنكليز أذكى وأزكن من أطفالنا وبعكس ذلك المراهقون. وفي الحقيقة فإنّ الأمّ في بلاد الفلّاحين لا تربّي إلّا ولدَها البكر والباقون يربّيهم إخْوتهم الأكبر فالأكبر»24.
لكنّ عاداتِ الزواج وطقوسه عند الإنكليز تثير دهشته وحيرته كما في النّصّ الآتي:
«ومن عادتهم في الزواج أنّ البنت لا تتزوّج إلّا مَن كان مساوياً لها في السنّ أو كان أكبر منها بسنتين أو ثلاث، وفي ذلك شططٌ إذ لا يخفى أنّ المرأة متى بلغت الأربعين سنة لم يبق فيها من القوّة والنشاط ما يبقى في الرجل ولا سيّما إذا كانت منتاقاً. نعم إنّ النساء هنا لا يعجل فيهنّ الهرم فإنّ من يكون سنّها ثلاثين سنةً تبدو كمن سنّها عشرون في بلادنا. غير أنّ هذه الصّفَة تراعى أيضاً في جهة الرجال. وفي بلادنا لا تثريبَ على من بلغ الخمسين أن يتزوّج بنتَ عشرين وهذا يندر هنا جدّاً إلّا لسببٍ عظيم، وذلك كأن يكون الرجل أشرف من المرأة وأغنى فترغب فيه لتشاركه في شرَفه وغناه إذ كانت هاتان الصفتان عند الإنكليز أفضل من جميع المناقب ولا سيّما إذا روعي في ذلك مصلحة تربية الأولاد. وفي هذه الحالة فلا مانع أيضا من أن يكون الزوج شيخاً قحلاً لعلمها أنّ حرارتها لا تلبث أن تذهب ببرودته فتستولي على الميراث. وإذا خطب أحدٌ امرأة ثمّ بدا له أنْ يعدل عن الزواج لغير موجب شرعيّ غرم لها مبلغاً عظيماً. وللأب أن يجبر ابنته على الزواج بمن شاء إذا لم تبلغ حدّ الرشد وهو عندهم إحدى وعشرون سنة. وبعده ليس له عليها من إمرة... وللذّكَر أن يعقد الزواج عند بلوغه أربع عشرة سنة وللبنت عند اثنتي عشرة... ومتى تزوّجت المرأة انتقل جميع ملكها إلى حوز بعلها لكنّ لها أن تستدين على اسمه ويُجبر هو على وفاء دينها. ولا يحلّ للرجل أن يتزوّج أخت زوجته [أي بعد موتها] وقد كان لرجلٍ زوجةٌ وله منها عدّة أولاد فلمّا حضرها الموت أقسمتْ على زوجها أن يتزوّج أختها بعد موتها لتربّي أولادها، فلمّا علم ذلك في ديوان الحكم فرّق بينهما. فسألتُ مَن أخبرني بذلك عن سبب هذا الحظر لأنّه غير مبنيّ على مصلحة وقلت: إن كان تحريمه ورَد في التوراة فقد ورّد فيها تحريم أمورٍ كثيرة استحلّها النصارى. فلأيّ سبب أضربتم عن تلك وتمسّكتم بهذه فقط؟ فقال: المصلحة ألّا يتوصّل رجلٌ واحد إلى إحراز جهازين من بيتٍ واحد فقلت: ولكنّ الفقراء يتزوّجون من غير جهاز ولا ميراث فقال: إنّ الشرع هنا ملحوظ فيه مصلحة الكبراء»25.
تعيدنا الجملة الأخيرة في هذا النّصّ إلى ما ذكرناه أعلاه، أي إلى افتتان الشدياق يالعظماء والضعفاء، والأغنياء والفقراء، الامر الذي يشكّل جزءاًأساسيّاً من وصفه للمجتمع الإنكليزيّ كما يرد في الساق وفي كشف المخبّا. فالهوّة بين الأرستقراطيّين وعامّة الشعب تبدو وكأنّها غير قابلةٍ للردم، والسبب في بعضه يعود إلى أنّ أحوال العامّة في بلاد الإنكليز أسوأ من أحوال العامّة في بلد الشدياق، وفي بعضه الآخر لأنّ الأرستقراطيّين الإنكليز هم في رأيه من سلالات الفاتحين «النورمان» الذين حافظوا عبر القرون على امتيازاتهم وغطرستهم تجاه الشعب الذي قهروه واستولوا على أراضيه26.
ثمّة العديد من الفقرات في الكشف نجد فيها الشدياق ينقل القارئ إلى داخل مكتبٍ أو شركة تجاريّة أو منزل حيث يصف بالتفصيل ما يجده في ذلك المكان. فالمزاح والمداعبة واضحان في فقرةٍ كالتالية، حيث يصف وليمة عشاءٍ عند أحد الوجهاء، وهم من الطبقة الوسطى كما سنرى:
«وعادتهم في المآدب أن تجلس الضيوف على المائدة وتجلس سيّدة الدار في الصدر وتأخذ في أن تقطّع لهم شرائح اللحم رقيقةً وتناول الصحفة للخادمة فتضعها أمام الآكل. ولو حصل لك خمس حصص من تلك الشرائح لما شبعت. والإكثار من أكل الخبز عندهم مظنّة الهمجيّة. وقد أدبت مرّة عند أحد أعيانهم فلمّا جلسنا أخذتُ الفوطة ووضعْتها على حجري وكانت كسرة الخبز مخبّأة فيها فوقعتْ وأنا لا أدري واستحيَيتُ أن أطلب غيرها وهم ظنوّا أنّي «تنكلزت» في بلادهم. فلمّا تحرّكنا للقيام إذا بالكسرة لاصقة بنعلي فتذكّرت حينئذٍ قصّة ذاك السائل الذي طرق باب بخيل... وإذا كان على المائدة لونان من الطعام أو ثلاثة كأنْ يكون مثلاً شواء من البقر ودجاج خيّرتكَ الستُّ أيّهما تريد، فإذا تناولت من لونٍ سقطتْ شفعتك من الثاني... ولا يمكن للمدعو أن يمدّ يده إلى زجاجة الخمر... بل لا بدّ أن ينتظر السائد أو الستّ أن يعرضا عليه. ويحزنني أن أقول إنّي كثيراً ما رأيت صاحب المنزل يقطع للضيوف اللحم ثمّ يستكثره عليهم فيضع في صحفته ما استكثره فربّما امتلأت من تلك القطع. وكنت أرى المدعوين معي يتكلّفون الأكل تكلّفاًويتبلغون بما لا يكاد يكفي الصبيّ، فيبقى ثلاثة أرباع الطعام كما هو... وقد سألت المرأة التي كنت نازلاً عندها ذات يوم فقلت لها: نشدتك بالله، إلّا ما صدقْتني، هل أنا من الآكلين المفرطين؟ قالت، لا بل من المقتصدين. قلت: قد دُعيت غير مرّة ورأيت الجماعة المدعوين معي لم يأكلوا قدْر ما أكلت أنا مرّتين، فقالت لي: إنّ الدعوة هنا إنّما هي صورةٌ فقط فإنّ المدعوين يأكلون في بيوتهم قبل أن يحضروا الوليمة، فأخذني العجب من ذلك وطفقْت أفكّر في مخالفتهم في ذلك لعاداتنا فإنّ المدعوين عندنا كلّما أكثروا من الأكل زاد سرور الداعي...
«هذا عند الوسط من النّاس، فأمّا عند العظماء والزعماء فإنّ الخادم يطوف على الحاضرين بآنية الشرب... حتى إذا فرغوا من الأكل قامت النساء وانفردْن في مقصورةٍ وبقيت الرجال على المائدة وحينئذٍ تُتداول كؤوس الشراب بغير محاشاة وربّما قضت الرجال ساعةً أو ساعتين على الشرب وساعةً من قبلها على الطعام. وإنّما تقوم النساء خوف أن ينهمك أحد الجلوس في الشرب فينطق بما لا يليق.
«ولا بدّ في الموائد الحافلة من وضع السّمَك المسلوق أوّلاً، فأمّا الشوربة فهي عبارةٌ عن حسا الفلفل. وقد رأيت على هذه الموائد البطاطس يأتون بها في صحافٍ مفضّضة وتحتها فوَطٌ من الكتّّان الرفيع فلم أدر ما المُراد بهذا الاحتفال والتنطّس فإنّ الخسيس خسيسٌ حيثما كان، والكلب كلبٌ وإن طوّقته ذهباً... وإذا كانوا مجتمعين في مجلسٍ وأرادوا الخروج إلى محلّ المائدة أخذ الرجل بذراع زوجة غيره وأجلسَها على الكرسيّ وأخذ غيره بذراع زوجته. وإذا بقيتْ واحدةٌ بغير زبونٍ كان ذلك داعياً لخجلها»26.
في الجامعات المستشرقين
ولكَون الشدياق من أساطين العربيّة ونحْوها ومفرداتها وآدابها، فإنّ الوصف الذي يأتي به لترجمته للكتاب المقدّس والتي صنعها بالاشتراك مع الدكتور صمويل لي في جامعة كمبريدج يُعدّ من أوائل اللقاءات المباشرة مع المستشرقين الأوروبّيّين. فالشدياق يخصّص بالمديح بعضَ علماء العربيّة من الإنكليز كمثل جورج سايل، مترجم القرآن، وإدوارد لاين، مترجم ألف ليلة وليلة وصاحب القاموس الشهير، وثيودور برستن، مترجم بعض مقامات الحريري. أمّا فيما يختصّ بعلماء العربيّة في المجمل فالوضع في رأي الشدياق تعيس للغاية. فالدكتور لي مثلاً تُصيبه من أسهم الشدياق وانتقاداته ما ملؤه عدّة صفحات لعدم معرفته بالاصطلاحات والتعابير في العربيّة. كذلك فهو يرفض بعنادٍ خلال الترجمة أن يستخدم أيّ لفظة قد توحي أو تشي ولو من بعيدٍ بألفاظ القرآن، وهو يصرّ على اشتقاق العربيّة من العبريّة. وفي رأي الشدياق فإنّ العديد من الترجمات عن العربيّة أو الفارسيّة سيّئة للغاية. وثمّة أسبابٌ متعدّدة لهذا الأمر لكنّ السبب الذي يُبرزه الشدياق هو أنّ دارسي العربيّة لا يتلقّونها من أفواه أهلها. ويسخر الشدياق من كتاب «نحو اللغة العربيّة» بقلم جون ريتشاردسن فيُورد عدّة أمثلة منه ليبرهن على عدم فهم المؤلّف حتى لأبسط قواعد النّحو، كما يكتشف أنّ المستشرقين في الغالب ليس بوسعهم النطق ولو ببعض الكلمات بالعربيّة. وعلى كلّ حالٍ فاللغتان السريانيّة والعبريّة تحظيان بمكانة أرفع بكثيرٍ ممّا تحظى به العربيّة، فأستاذ العبريّة في كمبريدج راتبه ألف باوند بالسنة فيما راتب أستاذ العربية سبعون باوند فقط!»27.
كما لا يرى الشدياق في جامعتَي أكسفورد وكمبرديج أيّ سببٍ للإعجاب، فهو يصف هاتين الجامعتين بأنّهما مدْرستان لإلهاء أولاد الأعيان، لا صروحاً للعلم فيقول:
«واعلمْ أنّ كمبريدج وأكسفورد هما مدينتان في بلاد الإنكليز كلٌ منهما يحتوي نحو عشرين مدرسة (أي كلّيّة) وألفَي طالب. ففي الأولى تعلَّم الهندسة والرياضيّات والإلهيّات وفي الثانية علوم الأدب والفقه والمنطق والفلسفة، إلّا أنّ منطقهم ليس كمنطق المتقدّمين في علَله وتعليلاته. ولا يمكن التعلّم فيهما إلّا بنفقةٍ زائدة وما أحد يقصدهما إلّا أولاد الكبراء والاغنياء، ولا سيّما أكسفورد، فهناك ترى طالب العلم شامخاً بأنفه مصعّراً خدّه كأنّما هو طالب ملْك الصين والهند. وأكثرهم يصرف همّه في ركوب الخيل واللذّات وينبذ العلم ظهريّاً. فمتى حان يوم الامتحان عرف ما يريد الشيخ أن يمتحنه به من المسائل إذ هي محصورة معدودة فيجتهد في حفظها وترسّمها. فإذا سرَدها عليه وأحسَن سردها أجازَه بصكٍّ يذكر فيه أنّه نال مرتبةَالمعلّمين... ولكلٍّ من هذه المدارس أوقافٌ يعيش منها القسّيسون الملازمون لها ويُقال لكلٍّ منهم «فِلُو» وربّما كان أيضاً من غير القسّيسين. فإنّكلّ من نبَغ في علمٍ من العلوم أجري عليه الرزق من الوقف فمنهم من له مائتا ليرة في السنة ومنهم من له أكثر، ولكن بشرط أنْ لا يتزوّج فمتى تزوّج انقطع عنه رزقه. إلّا أنّهم لا يتزوّجون غالباً إلّا بعدأان يحصلوا على معاش من خدمة إحدى الكنائس... وفي كلٍّ من المدينتين مكتبةٌ عربيّة غيرَ أنّكتب أكسفورد أكثر»28.
يحتوي كتاب كشف المخبّا وصفاً فريداً من نوعه لإنكلترا في منتصف القرن التاسع عشر وهذه المقتطفات الواردة أعلاه لا تعكس سوى القليل القليل من محتوياته بالغة الغنى وأسلوبه البديع، وملاحظاتُه الدقيقة والمباشرة حول المجتمع والحياة من حوله، وأسلوبه الساخر، والموازنة المعقودة بين المديح والاستهجان. فالإعجاب الذي يبديه للاختراعات كنظام البريد والتلغراف وللنّشاط التجاريّ هو إعجابٌ عميقٌ لكنّه ليس انبهاراً. أمّا انغماسه التامّبالحياة في إنكلترا وعلى كافّة مستوياتها والقصص والمخاطبات العديدة التي يوردها، واعتماده على مصادر أوّليّة وموثوق للمعلومات كالإحصائيّات وغيرها، فهذه كلّها تُضفي على الكتاب أصالةً لا مثيل لها في أيّ كتابٍ من كتب الرحلات إلى أوروّبا عند كتّاب العرب أو حتى عند كتّاب الشرق حتى عصره هو، أو لربّما حتى عصرنا نحن.
- 1. كشف، ص ١٧٧ - ١٧٨
- 2. انظر الاستعراض الواسع لحياة وأعمال الشدياق والذي يذكر العديد من الدراسات الحديثة عنه في المقدمة التي سطّرتها Rebecca C. Johnson لكتاب الساق على الساق في الترجمة التي صاغها Humphrey Davies. New York and London: New York University Press, 2013
- 3. انظر: W. R. Polk and R. L. Chambers (eds) The Beginnings of Modernization in the Middle East. Chicago: University of Chicago Press, 1968
- 4. انظر مقدّمة Rebecca Johnson، في الهامش رقم ١، أعلاه. انظر أيضاً C. A. Bayly, The Birth of the Modern World. Oxford: Blackwell, 2004 يرى بايلي فيما يراه أنّ القوميّة، والتي كانت من بين أهمّ أيديولوجيّات النهضة، ظاهرة تولّدت ذاتيّاً في العديد من بقاع العالم ولم تكن في الغالب ذات إلهام أوروبّيّ
- 5. انظر الساق على الساق فيما هو الفارياق. Paris: Benjamin Duprat, 1855 (أعيد طبعه في بيروت: دار مكتبة الحياة، لا. تا.) ص ٥٩٢ (يشار إليه لاحقاً بالساق)، حيث يصف المؤلّف ذاك التفاوت الهائل بين الأغنياء والفقراء في إنكلترا. أمّا بالنسبة لمفكّري النهضة الآخرين فالعقائد أو المبادئ التي تضمن الارتقاء قد تختلف، فمنها مثلاً التمسّك بالعلوم الطبيعيّة الحديثة أو النُظُم البرلمانيّة أو الصراع ضدّ التقليد على أنواعه أو سيادة القانون أو غيرها من الوصفات التي تضمن التطوّر. لكن في كلّ حالةٍ من تلك الحالات فإنّ المبدأ المطلوب للارتقاء واضحٌ للعيان ومستعجل وضروريّ للغاية. وكان الشدياق نفسه منفتحاً على بعض تلك المبادئ والأفكار، خصوصاً في الفترة التي كان يُصدر جريدة «الجوائب»
- 6. انظر على وجه الخصوص الساق، ص ٥٠١ - ٥٠٦، ٥٢٩ - ٥٣٧، ٥٧١ - ٥٧٧، وفي أماكن عديدة أخرى
- 7. الاستشهاد هو من مقالة تييري ايغلتون في London Review of Books, May 19, 2011
- 8. انظر London Review of Books, June 15, 2017
- 9. الساق، ص ٤٩٨
- 10. حول الطربوش والأبيات في ذمّ كمبريدج والدعوة التي تلقّاها من ثريّ إنكليزيّ، انظر الساق، ص ٥٤٨؛ حول الأوباش وصراخهم انظر الساق، ص ٦٤٠
- 11. حول الفلّاحين والعمّال الحرفيّين ومذمّة الأغنياء، انظر الساق، ص ٥٩١ - ٥٩٣، وهذا الفصل من الكتاب هو بعنوان «في خواطر فلسفيّة» ولعلّه صدىً لكتاب فولتير أي «رسائل فلسفيّة»، وهو كتابٌ يعرفه الشدياق عن كثب ويستشهد به في كشف المخبّا عن فنون أوروبّا
- 12. انظر، حول هذا الاقتباس وردّة فعل المشاهدين، الساق ص ٥٤٥ - ٥٤٦
- 13. الساق، ص ٥٩٣ - ٥٩٤
- 14. الساق، ص ٥٩٤ - ٥٩٥
- 15. انظر، لكلّ هذه الاقتباسات الساق، ص ٦١٦ - ٦٢٢
- 16. انظر، حول العجائز وإظهار أكتافهنّ، الساق، ص ٥٥٠؛ حول النساء والحداد، الساق، ص ٦١٢؛ حول العاهرات في إنكلترا وفرنسا، الساق، ص ٦٣١؛ حول سويفت والآخرين، الساق، ص ٥٨٤. أمّا ابن الحجّاج المتوفّى عام ١٠٠١م. فقد كان شاعراً بغداديّاً ماجناً موهوباً
- 17. حول الإرشادات والنصائح للزوجة، انظر الساق، ص ٥٨٧؛ حول طبائع الإنكليز وطعامهم، انظر الساق، ص ٥٩٧؛ حول المدعوين إلى الولائم، انظر الساق، ص ٥٨٧
- 18. الساق، ص ٥٨٩
- 19. حول هذه الفقرة الطويلة من الموازنات بين المدائح والمثالب، انظر الساق، ص ٥٢٢ - ٥٢٣. حول الحكم النهائيّ، انظر الساق، ص ٥٩٠
- 20. كشف المخبّا عن فنون أوروبّا، تحقيق غادة يوسف خوري. بيروت: كتب، ٢٠٠٢، ص ٨٨ - ٨٩ (يشار إليه لاحقاً بـ كشف). تعمّدتُ في هذه الدراسة الاستشهاد مطوّلاً بنصوص الشدياق كي يتسنّى للقرّاء أن يتذوّقوا أسلوبه الأدبيّ وملاحظاته الدقيقة، كما أنّ ترجمة هذا العمل الفريد من نوعه إلى الإنكليزيّة من شأنها أن تحظى باهتمامٍ بالغ لدى دارسي الحقبة الفيكتوريّة في مجالَي الأدب والمجتمع، خصوصاّ كما تبدو من منظور كاتب من الشرق
- 21. كشف، ص ١٢١ - ١٢٣
- 22. كشف، ص ١٤٩ - ١٥١
- 23. كشف، ص ١٥٢ - ١٥٥
- 24. كشف، ص ١٧٥ - ١٧٦
- 25. كشف، ص ١٧٤
- 26. كشف، ص ١٥٩
- 27. حول تعاونه مع الدكتور صمويل لي في ترجمة الكتاب المقدّس وحول ملاحظاته عن المستشرقين الإنكليز، انظر كشف، ص ١٢٨ - ١٣٢ وفي أماكن أخرى متفرّقة. وتجدر الإشارة إلى أنّ مستشرقي فرنسا لهم مكانة علميّة أرفع عند الشدياق
- 28. كشف، ص ١٣٤
إضافة تعليق جديد
تهمّنا آراؤكم ونريدها أن تُغني موقعنا، لكن نطلب من القراء أن لا يتضمن التعليق قدحاً أو ذمّاً أو تشهيراً أو تجريحاً أو شتائم، وأن لا يحتوي على أية إشارات عنصرية أو طائفية أو مذهبية.