العدد ٢٢ - ٢٠١٩

في سيرة «الثورة»

النسخة الورقية

بالتزامن مع تاريخ إعلان الاستقلال من داخل البرلمان السوداني في التاسع عشر من كانون الأوّل / ديسمبر الماضي انطلقتْ شرارة التظاهرات من مدينة «الحديد والنار» عطبرة في ولاية «نهر النيل» شماليّ البلاد وفي مدينة «الثغر» بورتسودان بولاية البحر الأحمر شرقيّ البلاد، إثر الزيادات المتلاحقة في أسعار الخبز والتي وصلتْ إلى خمسة جنيهات للقطعة الواحدة من الخبز في هاتين الولايتين، بالإضافة إلى أزمةٍ حادّة في «السيولة النقديّة» وأزمةٍ في الوقود. وبحسب والي ولاية نهر النيل الحقوقيّ حاتم الوسيلة فإنّ التظاهرات بدأتْ في ولايته بصورة عفويّةٍ لكن سرعان ما ارتفعت وتيرتُها، ثمّ أعقب ذلك حرقٌ لدور المؤتمر الوطني - الحزب الحاكم - بمدينة عطبرة وحرق لمكتب المجلس التشريعيّ - مقرّ الحكومة - بولاية نهر النيل. ثمّ سرعان ما امتدّت التظاهرات إلى كلٍّ من الولاية الشماليّة وولاية القضارف وولاية شمال كردفان وشملتْ نحو تسع ولايات. ومن ثَمّ جاء حراك العاصمة الخرطوم في تظاهراتٍ عفويّة متفرّقة في عدّة أحياء ثمّ أعلن عن الحراك المنظّم من «تجمّع المهنيّين السودانيّين» في الخامس والعشرين من كانون الأول / ديسمبر والذي ارتفعتْ فيه مطالب المحتجّين لتصبح المطالبة بتنحّي الرئيس ومنظومته عن الحكم هي مطلبهم الأساسيّ.

سبق انطلاق التظاهرات في الولايات والعاصمة أن شهدت البلاد أزمات في الخبز والوقود والمواصلات والسيولة النقديّة بالإضافة إلى تدنّي أسعار العملة الوطنيّة مقابل العملات الأجنبيّة، وكانت الحكومة السودانيّة قد اتّخذتْ تدابير لمعالجة الارتفاع الجنونيّ للدولار وذلك عن طريق «آليّة صنّاع السوق» وهي آليّةٌ حكوميّة متخصّصة تعمل على السيطرة على سعر الدولار مقابل العملات الوطنيّة، وبدلاً من أن تنخفض أسعار الدولار بعد أن حدّدت الآليّة سعراً يفوق بكثير ما كان عليه سعر السوق الموازي، ارتفع سعر الدولار إلى أسعارٍ فلكيّة وانعكس هذا الأمر على التضخّم والذي وصل بدوره إلى حدود ٧٠٪. كما انعكس الأمر على سوق الدواء الذي شهد ندرةً في عددٍ كبير من الأدوية الحيويّة والأدوية المنقذة للحياة بينما ارتفعتْ أسعار الأدوية الأخرى ووصلت إلى أرقام فلكيّة. بالإضافة إلى كلّ هذا، فقد أحدثت الندرة في الأوراق الماليّة والصفوف الطويلة المتراصّة المطالِبة بالخبز والأموال والوقود إلى إخراج الشارع السودانيّ «عن طَوره» وجعلتْه يثور بالرغم من أنّ كثيرين منهم كانوا يتخوّفون من «فعل الثورة» باعتبار أنّ هنالك بلداناً «بالجوار» تحوّلتْ إلى «ساحات اقتتال» على الرّغم من أنّ أوضاعهم المعيشيّة كانت في صورةٍ أفضل بكثير من أحوال السودانيّين الآن.

شبابٌ ونساء و«مندسّون»

منذ اليومين الأوّلين للتظاهرات، أعلنت الجهات الرسميّة عن تخريب طاول العديد من المؤسّسات الحكوميّة ودور «المؤتمر الوطنيّ» - الذي يمثّل واجهةً للنّظام - ولم تسْلم من الحرق حتى «دواوينُ الزكاة» التي تعرضتْ للنّهب. بالمقابل، وجدت السلطات مسوّغاً لإطلاق النار وقتل المتظاهرين بحجّة حماية الممتلكات وردع المتفلّتين، ممّا أوقع قتلى وجرحى كثيرين. واعترفت السلطات بسقوط ١٩ قتيلاً - بينهم نظاميّان، فيما رصدت منظّماتٌ حقوقيّة الرقم على أنّه بلغ الأربعين. وقد سجّلت السلطات الرسميّة ٢٠٣ حالات بلاغ إتلاف، وأظهر ناشطون فيديو مصوّراً عن حرق دار المؤتمر الوطنيّ بمدينة عطبرة فيما تتابعت الأخبار تنبئ عن حرائق بمدن أخرى، وأضاف آخرون بأنّ هناك مَن ترك مراكز المؤتمر الوطنيّ يعجّ في ناره بينما مورستْ عمليّات إطفاء على مؤسّسات أخرى.

وفقاً للناطق الرسميّ للحكومة، على لسان وزير الإعلام بشارة جمعة أرو، فإنّ التظاهرات السلميّة انحرفتْ عن مسارها وتحوّلت بفعل «المندسّين» إلى نشاطٍ تخريبيٍّ استهدف المؤسّسات والممتلكات العامّة والخاصّة بالحرق والتدمير وحرق بعض مقار الشرطة. واتّهم بعض الجهات السياسيّة بمحاولة استغلال الأوضاع لزعزعة الأمن والاستقرار تحقيقا لأجندتهم السياسيّة.

على الرّغم من أنّ الحكومة السودانيّة، التي انقلبتْ على الحكم الديمقراطيّ منذ ثلاثين عاماً وفرضتْ سيطرتها على الشعب بالدبابة وعمدتْ إلى تغيير المنهج التعليميّ القديم بمنهج آخر أضعف من سابقه، وإلى تغيير السلّم التعليميّ باختصار مرحلة دراسيّةٍ بأكملها هي المرحلة المتوسّطة، والتضييق على الحرّيّات إلّا أنّ معظم المنقلبين على الحكومة - من المتظاهرين - كانوا من الشباب الذين لم يروا في حياتهم يوماً حكومةً ديمقراطيّة كما لم يعايشوا تعليماً مجانيّاً أو صحّة مجانيّة بل دفع آباؤهم ثمن كلّ هذه الخدمات من حرّ فقْرهم خرجوا غير مبالين بالرصاص الحيّ يعوي في آذانهم وكانتْ غالبيّة الشهداء من صفوفهم.

على الرّغم من أنّ كثيراً من المراقبين والمحلّلين السياسيّين رأوا أنّ حكومة «الإنقاذ» لم تستمرّ لمدّة ثلاثين عاماً إلّا بمناصرة النساء فكل الانتخابات التي أعدّتْها الحكومات على مرّ تاريخها كان أكثر المنخرطين فيها من فئة النساء مناصرة لنظام «الإنقاذ» بينما قاطع الرجال الانتخابات، الأمر الذي جعل الفرصة تأتي على طبَقٍ من ذهبٍ لحزب المؤتمر الوطنيّ إذ وجد الساحة دون منافسة تُذكر من الأحزاب التي قاطعت الانتخابات فيما وجد نصيرته «المرأة» تقوده من فوزٍ لآخر. وما فعلتْه المرأة في ذلك الزمان وجنَتْ نتائجه فقراً ومرضاً وبطالة - حسب الخطاب المعارض - جاءت لتغيّره الآن فقد خرجتْ عدّة شابات شوهدن في يوم الثلاثاء ٢٥ من كانون الأوّل / ديسمبر في «تجمّع المهنيّين السودانيّين» وهنّ بجانب رفاقهنّ من الرجال، يطلقْن هتاف «سلميّة»، وقد شوهدتْ إحدى الفتيات في وسائل التواصل الاجتماعيّ وهي تحاول أن تعتلي ظهر زميلها الرجل لكي تصل الى إحدى البنايات العالية وتبيّن أنّ الفتاة طبيبة تريد أن تصل للمتظاهرين الذين أصيبوا في أعلى البناية. وفي أنباء أخرى نظّمت النساء تظاهرة خاصّة بهنّ في أحد أحياء الخرطوم - «امتداد الدرجة الثالثة». إضافةً إلى أنّ الاعتقالات شملتْ عدداً من الناشطات - من المهنيّات - أثناء التظاهرات أو الإضرابات.

تدابير حكوميّة

منذ اليوم الثاني للتظاهرات التي غطّت اثنتي عشرة ولايةً من ولايات السودان الـ١٨، عمدت الحكومة إلى تدابير وصفها مراقبون بأنّها «أمنيّة» ومنها إغلاق المدارس والجامعات وحتى رياض الأطفال، بالإضافة إلى نشر أعدادٍ كبيرة من الجيش بكامل عتاده الحربيّ في الطرقات إلى جانب كلّ من الشرطة والأمن والدعم السريع، كما أغلقت الجهات الرسميّة كلّاً من تطبيقَي «الواتسآب» و«الفيسبوك» عن المستخدمين. بالمقابل أعلن الرئيس عمر البشير في لقائه مع «اتّحاد العمّال السودانيّين» - الذي يؤيّد الحكومة - عن منح الدولة مبلغ 500 جنيه كحدّ أدنى للعمّال والمعاشيين (المُحالين على المعاش) بينما ترتفع القيمة الماليّة الممنوحة على حسب الدرجة الوظيفيّة حتى تصل إلى 2500 جنيه للدرجات القياديّة بالخدمة المدنيّة وذلك للتغلّب على غلاء المعيشة. فيما أعلن رئيس الوزراء معتزّ موسى عن قرب انتهاء أزمة السيولة النقديّة بعد إصدار فئة المائة جنيه في نهاية شهر كانون الثاني/ يناير الماضي، كما أطلق اتّحاد أصحاب العمل مبادرة «إيداع» الرامية إلى إعادة الثقة في القطاع المصرفيّ بعدما عزف المواطنون عن إيداع أموالهم فيها إثر تكدّس آلاف المواطنين أمام المصارف والصرّافات الآليّة للحصول على أموالهم.

مواقف الأحزاب

بعد تعدّد التحرّكات الشعبيّة العفويّة بالإضافة إلى «تجمّع المهنيّين السودانيّين» وتمدّد راياته، أعلنتْ مجموعةٌ من الأحزاب عن نيّتها الحضور والمشاركة وتبنّي الحراك الشعبيّ، ومن هذه القوى المعارِضة السودانيّة قوى «الإجماع الوطنيّ» وقوى «نداء السودان» بينما أعلنت قوى حزبيّة سبق أن شاركتْ في الحكومة عن انسحابها من الحكومة، ومن هذه القوى «الجبهة الوطنيّة للتّغيير» - التي تضمّ ٢٢ حزباً - وعلى رأسها حزب «الإصلاح الآن» بقيادة د. غازي صلاح الدين العتباني، وحزب «الأمّة» بقيادة مبارك الفاضل المهدي، و«الاتّحادي الديمقراطي» بقيادة إشراقة سيّد محمود و«تيّار الأمّة» و«تيّار المستقبل». وطالبت «الجبهة الوطنيّة للتغيير» بحلّ الحكومة والبرلمان والمجالس التشريعيّة وتشكيل حكومةٍ انتقاليّة من كفاءات ذات تمثيلٍ سياسيّ دون محاصصة، وكان «المؤتمر الوطنيّ» قد قلّل من أوزان الأحزاب المنسحبة وصرّح رئيس قطاع الإعلام د. إبراهيم الصديق بأنّ انسحاب هذه الأحزاب مخالفٌ للممارسة السياسيّة واعتبره خروجاً عن الإجماع الوطنيّ، مضيفاً بأنّ بعض رموز المجموعة المنسحبة تجيد «المغامرة السياسيّة»، ممّا يشير إلى افتقادها «المبدئيّة» في العمل السياسيّ. وقد عرّض الرئيس عمر البشير في خطاب له بتلك القوى واصفاً إيّاها بالانتهازيّة السياسيّة!

bid22_min_bab_awla_ismail_afp_rgb_photo3.jpg


أشرف شاذلي، أ ف ب

الأهازيج

مقطوعاتٌ كثيرة انطلقت من حناجر المتظاهرين لم يهتمّوا بناظميها - ربّما لحمايتهم من الاعتقال - بقدْر ما اهتمّوا بحفظها وترديدها ونشرها في الوسائط الاجتماعيّة لاسيّما تطبيقَى «الفيسبوك» و«الواتساب» ومنها هذه القصيدة:

«الطلقة ما بتقتل

بتقتل سكات الزول [الرجل]

يا والدة اعفيلي

وعدي القطعتو معاك

أن الكلام ممنوع

في شلّة الحكّام

يا والدة، دمّي بيفور

لمّا البلد تغلي

لمّا العساكر ديل

الشوّهو الإسلام

جايين تفاهاتم

سجنونا باسم الدين

حقرونا باسم الدين

قتلونا باسم الدين

والدين بريء، يمّة

الدين بقول الزول

إن خلّى حقو يموت

بيخاوي في شيطان

الدين بيقول تمرق

مرق تقف في الضد وتواجه الحكام!»

ظهرت هاشتاغات كثيرة مع بروز الاحتجاجات السلميّة، لعلّ أبرزها هاشتاغ «#مدن-السودان-تنتفض» و«#تسقط-بس» والذي نشره مناصرو الثورة. ردَّ على الهاشتاغين آخران مضادّان من مناصري الحكومة، وبدلاً عن «#مدن-السودان-تنتفض» ظهر «#مدن-السودان أمان»، وبدلاً عن «#تسقط-بس» ظهر «#تقعد-بس». وما بين هؤلاء وأولئك ضجّت وسائط الاتّصال الاجتماعي بالمدافعين والمعارضين اللذين امتدّتْ بينهما الحروب الإلكترونيّة.

حديث شباب: التغيير في صندوق الاقتراع

الإعلامي ناجي الكروشابي - القياديّ بمنبر «السلام العادل»، الحزب الذي يمثّل أحد تيّارات الحركة الإسلاميّة - قال في حديثه لـ«بدايات» إنّ الذي حدث في الساحة السودانيّة نتاجٌ لأزمة اقتصاديّة طاحنة اعترفتْ بها الحكومة نفسها في أقصى هرم للدولة وهو الرئيس. على الطرف المقابل يرى معظم السودانيّين أنّ الضائقة المعيشيّة سبب كافٍ لزوال النظام وأنّ معظم السودانيّين يعتقدون بأنّ الحكومة الحاليّة فشلتْ فشلاً ذريعاً في إدارة الشأن السودانيّ. ويرى الكروشابي أنّ الرئيس نفسَه يمثّل أحد أذرع الأزمة باعتبار أنّه غير مقبول خارجيّاً وغير مرْضيّ عن تصريحاته ومطلوب من المحكمة الجنائيّة الدوليّة. وأضاف كروشابي أنّ «المؤتمر الوطنيّ» إذا غيّر الرئيس وأتى بأيّ شخصٍ آخر مقبول خارجيّاً فإنّ بإمكانه أن يحلّ مشكلة السودان وربما استطاع أن يوهم الشعب السوداني بأنّه أحدث تغييراً وجنّب بلادنا كثيراً من الاحتقان السياسيّ.

ويستطرد كروشابي بأنّ «فعل الثورة» يجب أن يكون جزءاً من كيميائه كشابّ ثلاثينيّ: يجب أن يثور على الطغيان وعلى كبت الحرّيّات. لكنّه يرى أنّ الثورة لا تلبّي تطلّعات الجماهير: «الثورة لا تبني مستشفى ولا تعبّد طريقاً، بل تصل الثورة إلى نقطةٍ معيّنة ليأتي آخرون ويثوروا ضدّها ثمّ يأتي أناسٌ آخرون ليبدأوا من الصفر». وهو يؤكّد أنّ هذا هو عين ما حدث فعلاّ في ثورتَي «أكتوبر» و«أبريل». ويقترح البحث عن أدوات الثورة الحقيقيّة، مؤكّدا أنّ فعل الثورة ليس بتغيير. التغيير الحقيقي يحدث عبر «صناديق الاقتراع»، مؤكّدا أنّ أزمة الأحزاب ليست بأزمة فكريّة إنّما أزمة حضور ناشط في «الشارع». ويضيف: «المؤتمر الوطني» هو الذي أفقد الأحزاب السودانيّة هيبتها وفتّ عضد الجماهير تجاه الأحزاب السودانيّة، وقد فعل ذلك حتى يبقى في الحكم. وأوضح أن «التظاهر محفوفٌ بمخاطر كثيرة أشدّها «القناصة» وأخفّها إطلاق الغاز المسيّل للدموع على الجماهير». وختم بأنّ التظاهر يُسقط نظاماً بقدّر ما يزيد من أيّام عمره. وإنّ ما يسقط النظام هو أن تجتهد الأحزاب وتجهّز لانتخابات ٢٠٢٠ منذ الآن حتى يحدث التغيير السلس. صحيحٌ أنّ الأحزاب السودانيّة تتخوّف من تزوير الانتخابات، لكنّ هناك تجارب لمستقلّين دخلوا الانتخابات وفازوا في دوائر تحسب للحزب الحاكم. فلذلك على الأحزاب أن تستفيد من مثل هذه التجارب وتجهز لها بنفس الكيفيّة التي استخدمها هؤلاء المستقلّون.

حديث شباب: ثورة لا مجرّد احتجاج

أمّا الأديب الهادي راضي - وهو مؤيّد للثورة - فقال في حديثه لـ«بدايات» إذا أسقطنا «الثورة» كمفهوم على الحراك الجماهيريّ الذي يحدث في السودان في الوقت الراهن فإنّه يطابق أحد تعريفات الثورة بأنّها «تحرّكٌ شعبيّ واسعٌ يهدف إلى تغيير شرعيّةٍ سياسيّة حاكمة لا يعترف بها، واستبدالها بشرعيّة جديدة». ويضيف: «وبناءً على ذلك فإنّ ما يحدث في السودان هو ثورةٌ بمعناها الحرفيّ وليست احتجاجات كما يروّج الثائرون عليهم. فإنّ ما حدث بمدينة عطبرة في ١٩ كانون الأوّل / ديسمبر٢٠١٨ هو إيذانٌ بانطلاق ثورة». وأضاف: «ثمّة سطر جديد سيُكتب في تاريخ هذه البلاد العظيمة. فمن تلك المدينة الباسلة انطلق المدّ الثوريّ ليشمل مدناً أخرى، وسوف يستمرّ حتى لحظة التغيير المنشودة، وسيحقّق مكاسبه المستقبليّة بعدما حقّق مكاسبه الآنيّة المتمثّلة في ارتفاع درجة الوعي الجمعيّ بضرورة التغيير، إلى جانب إرباك النظام الحاكم الذي جاء قبل ثلاثين عاماً حاملاً بذرة فنائه بسلوكه الإقصائيّ كي ينفرد بالسلطة ويستوليَ على موارد البلاد الاقتصاديّة ويوظّفها لصالح أفراده ومن شايَعَهم».

ويقول: إنّه نظامٌ يترنّح الآن، فاقداً توازنَه. فقد صرّح إعلامه اليوم بأنّه مستعدٌّ للحوار مع الثوار الذين وصفهم - في وقت سابق - بأنّهم مخرّبون ينتمون لمجموعات تلقّتْ تدريباً في دولة إسرائيل ويتبعون لحركة عبد الواحد نور المعارضة للنظام. وبموجب ذلك أطلق النظام ترسانته الأمنيّة ومليشياته لقمع الثوار وأعاد إنتاج أساليبه القذرة في استخدام الصراع الإثنيّ من أجل بقائه. لكنّ الثورة تجاوزتْ هذه الفرضيّة المقيتة وباتت تنتج أدوات مقاومتها لتمضي إلى غاياتها السامية. أسئلة الثوّار لم تعدْ أسئلةً مطلبيّة تنادي بتوفير الخبز والدواء، بل أضحتْ أسئلة وجود، أسئلةً تبحث عن قضايا الحرّيّة والسلم والعدل والتي لن تتحقّق إلّا في ظلّ دولة القانون. مشيراً إلى هتاف الثوار «حرّيّة، سلام، عدالة». لم يَعد الأمر خافياً على النظام ولذلك لجأ للاعتقالات واستخدام العنف المفرط أثناء المواكب التي انتظمت في البلاد.

وأشار راضي إلى خرق النظام لقانون العدالة وحقوق الإنسان وهو يوجه كلّ ترسانته الأمنيّة ضدّ ثوار لا يملكون سوى الهتاف لتحقيق مطالبهم المشروعة والمضمّنة في دستور جمهوريّة السودان، مؤكداً أنّ الثوار الذين شاركوا في المَواكب والتظاهرات يدركون أنّ مصيرهم هو الموت أو الاعتقالات ومع ذلك يمضون بكلّ بسالة في الأماكن المحدّدة لانطلاق المواكب، وبذلك تنتفي فرضيّة تحريض المواطنين من قبل جهات - كما يروّج لها النظام الحاكم - ملاحظاً أنّ كلّ مَن شارك يعني أنّه آمن بالتغيير وسعى مع الناس كفردٍ متحمّلاً مسؤوليّته الشخصيّة مقرونةً بمسؤوليّته تجاه مجتمعه ووجوده، فهو ممثّلٌ لكلّ المقهورين في محيطه الجغرافيّ إذ يعبّر عن رفضه للظلم على المستوى الكونيّ.

العدد ٢٢ - ٢٠١٩

إضافة تعليق جديد

تهمّنا آراؤكم ونريدها أن تُغني موقعنا، لكن نطلب من القراء أن لا يتضمن التعليق قدحاً أو ذمّاً أو تشهيراً أو تجريحاً أو شتائم، وأن لا يحتوي على أية إشارات عنصرية أو طائفية أو مذهبية.