العددان ٢٠-٢١ - ٢٠١٨

مسكب ورد في فلسطين

العائلة تجتمع لمشاهدة التلفزيون / أكثر من كمبيوتر مفتوح / ولد منغمس في لعبة آي باد / في الطبيعة الخضراء يمشي شخص ما.

(١٠ آذار ٢٠١٣)


ما قبلَ الغروب / يحوم أبو زهور حول شجرة الحامض / يزقزق مسبّحاً كلّ ما في الكون / يحطّ على غصنٍ ثمّ ينام.

(١٠آذار/مارس ٢٠١٣)


الشجرة الكبيرة التي اقتلعت / ربّما بكَتْ بصمت / (هل تبكي الأشجار؟!) / لا شيء سيملأ الفراغ الذي تركتْه.

(١١ آذار ٢٠١٣)


في منطقة بيت جمال / أجلس وحيداً تحت شجرة زيتون معمّرة تشهد لي / جرّافاتٌ إسرائيليّة تعمل بلا كللٍ على جرف كلّ ما هو فلسطينيّ هناك / مستوطنات تمتدّ وتتمدّد كسرطانٍ في جسد الأرض الطيّبة / لن يبقوا على تلك البقعة الفلسطينيّة الرّائعة / طيور حجل تدرج باعتزاز/ غزلان تظهر وتختفي / زعتر برّيّ في أوجّ نضوجه يمنع قطفه / فراشات جميلة تحوم حول رأسي.

(١٢ آذار ٢٠١٣)


مسكب ورد

مسكب ورد صغير / كانتْ أمّي تُعنى به في صغرنا / تغضب (وهي التي نادراً ما تغضب) عندما ننتزع وردةً هباءً / لم نرَ أمّي تضع ورداً على الطاولة ولو لمرّة واحدة / بل كانت تضع القليل أمام تمثال العذراء مريم / عندما كبرنا قليلاً أدركنا سرّ ذلك المسكب العزيز على قلب أمّي / في اليوم السّابق ليوم الجمعة الحزينة كانت أمّي تقطف كلّ الورود / وباكراً كانت هي وأختي تحملها كلّها / إلى حيث يرقد أبي وشقيقاي الذين قضوا باكراً قبل الأوان / أمّي لم تحضر الأعراس / دأبت على حضور الجنازات فقط / كبرتْ أمّي وأضناها التّعب قبل الأوان / المسكب الذي عنت به خرب تماماً / كانت تنظر إليه أحياناً بأسى كبير / كما لو أنّ موته كان شبيهاً بموت أولئك الذين تحبّهم جدّاً ورحلوا باكراً. / مسكب ورد من أجل الأموات فقط؟! / مع العمر تحوّلت أمي أيضاً إلى مسكب ورد.

(١٣ آذار ٢٠١٣)


كان الزوّار القلائل الذين يزوروننا من حينٍ لآخر يرحلون كما جاؤوا / دون أن يتركوا أثراً / أمّا موتانا فكانوا دائمي الحضور / وكان مكوثهم معنا محببّاً إلينا / أحبّوا المكوث معنا بعد موتهم وأحببنا أن يكونوا معنا طيلة الوقت / كم زارونا في نومنا وصحونا واهتمّوا بكلّ كبيرةٍ وصغيرةٍ في حياتنا / مع الأموات عشنا أكثر ممّا عشنا مع الأحياء / في عمق كلّ واحدٍ منّا عشّش موتٌ كثيف / أمواتنا لا يرحلون بل يرحل الأحياء دون أن يتركوا أثراً / وردٌ من أجل الأموات الرائعين الذين يزدادون حضوراً بيننا.

(١٤ آذار ٢٠١٣)


الشاحنة القديمة / التي أقلّت عمّالاً فلسطينيّين غلابى / اصطدمت بقطار / كلّهم ماتوا / على الأرض تناثرتْ زوّاداتهم / كانت معظمها تحتوي على الخبز والزعتر / وبعض البصل.

(١٩ آذار ٢٠١٣)


وطنٌ مع بعض التصرّف!

لم يتركوا لنا مكاناً على الأرض / لا البلاد التي نعشقها / ولا الزيتون / ولا الأبواب القديمة التي عرفنا / ولا الشبابيك التي كنّا نطلّ منها على العالم / ولا الربيع المقبل / نهبوا بلاداً كاملة / ولم يُبقوا لنا إلّا ما لا نريده / بقايا قرى مدمّرة / أسيجة لا تسمح لنا بزيارة أطلالنا / وذاكرة قويّة تأبى الاستكانة والرضوخ / غزاةً أتوا / غزاةً بقوا / لا هدنة مع الغزاة / لا أمل مع الغزاة / لا منفى مع غزاة لا يرحمون / لم يتركوا لنا مكاناً على الأرض / ولا حتى بقعة صغيرةً من أجل قبر بسيط!

(٢٢ آذار ٢٠١٣)


كرغيف خبز طازج / أقتسمُ النهاراتِ الطويلة جدّاً / مع آخرين أدمنوا عشق الحياة.

(٢٦ آذار ٢٠١٣)


منذ أكثر من ألفي عام / لا يزال يسير على مياه بحيرة طبريّا / يأكل مع صيّادي البحيرة البسطاء / ويأسف لوحشيّة العالم التي تزداد / أراد أن يعود من حيث أتى / لكن كلّ الطّرق سُدّت في وجهه / فعمد إلى تلقين السمَك / دروس المحبّة والعطاء.

(٢٨ آذار ٢٠١٣)


بعدما صارت بلادي منفاي / لا حاجة إلى منفى جديد / ماء النهر الذي كان صافياً / تعكّر جدّاً.

(٢٨ آذار ٢٠١٣)


رخامٌ من حرير

(إلى روح الشاعر الأصيل والمترجم الكبير بسّام حجّار)

في رخامك الأصيل / ثمّة مرونة كالحرير / تصطاد من غزالة الحياة أسرارك العميقة / في محترفك الفنّيّ / تعكف على نصوصك وترجماتك / عكوف النسّاك على صلواتهم ليل نهار / أوجاع اليأس كثيرة / لا تفضي بها إلّا لأوراقك المزهرة / ما من توقّعات عندك / ولا جدوى من أملٍ باذخ لا يفضي حتى إلى ولو مشحة من الحياة / في اللغة التي لا تشبه أيّ لغة أخرى تحفر سهولك ووديانك وجبالك وأخاديدك / كما لو كنت تحتسي دائماً أجود أنواع النبيذ / ذائقتك الشاهقة لا ترضى إلّا بكلّ ما هو نبيلٌ وجميل / في الكون الفسيح الصغير تشيّد لك بيتاً من كلماتٍ ونور / تعيد ترتيب قصائدك / وتنام نومة الأبد / إيه بسّام حجّار.

(٣٠ آذار ٢٠١٣)


برجكَ الصّامد المنيع سينهار / حبّ الجمال الحرّ سيجعلك إنساناً آخر / لا تخف / إنّها هناك / هي الأخرى تنظر إليكَ بافتتان / كلّ ما عليك فعله / هو أن تتقدّم صوبها / لا تخف / لا داعيَ للكلمات / الجمال الحرّ يناديك.

(٣٠ آذار ٢٠١٣)


على أسطورةٍ يبنون ويؤسّسون لحكايتهم / الزيتون والصبّار والزعتر والأرض وحتى الصخور، كلّها تشهد لي / لا يريدون إلّا أن أشهد لهم / شهادتي بسيطة وواضحة :/ هم من هناك / وأنا من هنا / وما بقي ليس إلّا ظلماً.

(١ نيسان/أبريل ٢٠١٣)


يحترف اليأس الهادئ / لا جدوى من اليقين / كلّ يوم يحترف تدميراً ذاتيّاً عالي الجودة / تفترش وجهه ابتسامةٌ خجولة / لا تدلّ على موتٍ بطيء.

(١ نيسان ٢٠١٣)


المرأة الجميلة التي غادرتْ / ثيابها أمامه كما وُلدتْ عارية / أخافتْه / في الفراش استعدّ هو عارياً / كنمرٍ كسير / ... عندما ارتدى ثيابه / طلبت منه أن يأخذ معه كيس القمامة / ولأنّه كان فاشلاً جدّاً / وكانت المرّة الأولى والأخيرة سأل بصوت كسير / «أين أجد كيس الزبالة؟» / بيدها بامتعاضٍ شديدٍ ودون أن تنظر صوبه كما لو كان من سقط المتاع / أشارت إلى مكان الزبالة. غاب نهائيّاً دون أن يترك أثراً وراءه - / ربّما خيبة في قلب تلك المرأة الجميلة.

(١ نيسان ٢٠١٣)


أعود إليها لأبتعد / أقترب منها لأبتعد / لا لغز في الأمر / لا مكان للوسط في الحبّ.

(٣ نيسان ٢٠١٣)


في ساعات المساء / أجلس على الشّرفة وحيداً / أرقب غروب الشمس / عصفور أبو زهور متعدّد الألوان / كلّ مساءٍ يأتي مزقزقاً / بحثاً عن غصنٍ يأوي إليه / شجرة الحامض العتيقة / تنتظر أوبته بلهفة وشوق / يرتاح على غصن كثيف الأوراق / ويمدّ منقاره الطويل / كما لو كان سلاحاً ضدّ المزعجين أو الأغراب / يبيت كما لو كنت بعيداً عنه / وبيني وبين نفسي أردّد وأتساءل / أنّه ربّما هو الوحيد الذي لا يعتبرني غريباً / أضيء لمبة الشرفة / فلا ينزعج / أغبطه لا بل أحسده على نومه / ما من قلق أو أرق عنده / ولا همّ ولا يحزنون / ألا ليتني كنت عصفوراً / هل يحسدني أبو زهور على أيّ شيء / لا أعتقد.

(أبو زهور هو: تمير فلسطين أو عصفور الشمس الفلسطينيّ Palestine sunbird).

(٦ نيسان ٢٠١٣)


لا يوجد منفى على الأرض / أقسى من تلّ ابيب / في تلك المدينة البيضاء / كلّ ما هنالك يوحي / بالرفض المباشر وغير المباشر / لك كفلسطينيّ / كنقطة زيتٍ عائمة على ماء / لا صفو لك فيها بالمرّة / في المواجهة ضدّ كلّ الرفض وضدّ الجميع / أقف وحيداً رغم كلّ هشاشتي التي لا براء منها / ما من طواحين للهواء / ولا للبشر / في الليل أزور يافا / هناك أستعيد بعضاً من توازني / الساعة القديمة التي تستقبلك حال وصولك ما زالت تعمل بانتظام / ليل غنيٌّ بفيضٍ من التفاصيل والحياة.

(١٣ نيسان ٢٠١٣)


جرحٌ لا ينام

يقتفي الأعداء آثاره كلّ يوم / في كلّ مكان / جذوره تتشرّش في أعماق الأرض / على ضفافها ينبت الزعتر وأشجار الزيتون / والصبّار والتّين واللوز / مذاق ثمارها طيّب جدّاً / أعداء الجرح يمعنون في قتله كلّ يوم / لكنّه لا يستسلم / لئلّا يموت / الجرح لا يغفو ولا ينام / أجمل الورود تنبت منه / يعيش مقدار حبّة خردل أو أقلّ / في السماء وعلى الأرض / ثمّة بشائر ربيعٍ بعيد!

(١٥ نيسان ٢٠١٣)


كلّ الملائكة عادوا صفر اليدين!

(١٨ آذار ٢٠١٨)

العددان ٢٠-٢١ - ٢٠١٨

إضافة تعليق جديد

تهمّنا آراؤكم ونريدها أن تُغني موقعنا، لكن نطلب من القراء أن لا يتضمن التعليق قدحاً أو ذمّاً أو تشهيراً أو تجريحاً أو شتائم، وأن لا يحتوي على أية إشارات عنصرية أو طائفية أو مذهبية.