فلنناقش البديهيات! ثلاث مسائل كانت وما زالت تلحّ على مصر كدولة ومجتمع، قبل الثورة وبعدها: أولاً: تشكيل سلطة قوية مصحوبة بآليات قانونية، ثانياً التحديث (وهنا تحديداً المقصود هو تطوير آليات الحكم ومزيد من كفاءة مأسستها)، وثالثاً مجتمع صاحب مسؤولية سياسية وجنائية ومدنية عن أفعاله. ومع اشتداد حالة «الجنون» في مصر، سواء على مستوى المجتمع أو الدولة، يبدو أنه يجب إعادة طرح سلسلة من الإشكاليات القديمة، لعل ذلك يأخذ الحوار بعيداً عن هوس الحرب على الإرهاب، الأمني والعسكري.
الاضطراب الأول: الحكم والانصياع من خلال المساومات
هناك اضطراب واضح في كافة مستويات ما يمكن تسميته بالعقد الاجتماعي. وليس المشار إليه هنا هو الدستور كبلورة عليا للعقد الاجتماعي بين الدولة والمجتمع وكتمخض لصراع القوى السياسية والاجتماعية فحسب، بل المقصود كافة أشكال العقد الاجتماعي اليومية: في التعاملات والتبادلات بين المجتمع والدولة، وبين الأفراد ومنظومة السلطة، وبين الأفراد مع بعضهم البعض في ما يمكن تسميته بالفضاءات العامة أو ما تمتد إليه السلطة في المساحات الخاصة. وهو أمر يصعِّب فصل ما يمكن للسلطة التدخل فيه وما لا تتدخل فيه، ويجعل مساحة التدخل شديدة الرمادية والانتقائية. فمثلاً، لا تتدخل السلطة بشكل حقيقي في الريف والصعيد في مسألة مثل ختان الإناث، لأنه ثمة عقداً ضمنياً بين المجتمع والدولة يعتبر فيه قطاع من المجتمع هذه المساحة شديدة الخصوصية، ويساوم عليها السلطة في مقابل غض الطرف عن انتهاك مساحات أخرى مثل الجسد في أقسام الشرطة، و/أو درجات الانتهاك المتعددة بحسب تنوع المناطق الجغرافية المختلفة. وتلك المساومة هي المجال الذي يتم فيه تشكّل هيمنة السلطة وتكوين نظام سلطة قائم على إدارة تلك المساحات ومراعاة نطاق وحيّز استخدام كل من العنف والمساومة والإقناع. وهو ما يقيم تناقضاً دائماً بين النص المكتوب (الدستور) والقوانين المصاحبة له والنص العرفي. وهذا التناقض يقود إلى أمرين: انعزال المعارك القانونية والدستورية عن الواقع اليومي للمجتمع، والثاني هو عدم اكتراث السلطة والمجتمع بقيمة القانون والعقد الاجتماعي المكتوب كمنظّم لعلاقات المجتمع والدولة في العديد من المساحات، إذ إنّ العرف والمساومة هما المفاتيح الحقيقية للممارسة السلطة. وهنا يأتي دور الشبكات الاجتماعية ـ المشكّلة في أغلب الوقت من علاقات زبونية مع السلطة - في صوغ المساومة مع السلطة. ولأن العرف وتنوعه هو الأساس، فيكون من الصعب على السلطة أن تلتزم هي نفسها بترسانة قوانينها، لأن هذا معناه مزيد من الاضطراب في إدارة المجتمع حيث يتصادم العقد الاجتماعي المكتوب مع العقد الاجتماعي المفعّل في مساحة ما.
وتظل البنية القانونية بترسانة تشريعاتها وقوانينها قابلة للإستدعاء والتفعيل من قبل السلطة الحاكمة بشكل خاضع لإرادتها وأهوائها. ولكن هل يعني هذا أن البنية القانونية بلا قيمة وبلا طائل؟ بالقطع لا. فمصر دولة شهدت عمليات تحديث واسعة وبناء مؤسسات عريقة ـ بمعنى القدم والتشكل والتأثير. المشكلة تكمن في توزيع وتنوع أنماط السلطة داخل المجتمع. فكما يوجد محاكم تابعة للدولة، كذلك توجد المحاكم والجلسات العرفية التي تقر بها الدولة في مساحات عديدة مثل حل نزاعات القبائل والعائلات في الصعيد وبعض مناطق الدلتا وسيناء ومرسى مطروح وسيوة، وإذ توجد مؤسسة شرطية عريقة وعنيفة ومتوغلة، يصعب على الدولة التوغل المؤسسي والقانوني لفرض نسق عام من الانضباط.
الاضطراب الثاني:
الفشل المؤسسي والغلبة الأمنية والأعراف المتعددة
الدولة القومية الحديثة هى ذروة تجلي مشروع الحداثة. وسواء فرضت هذه الدولة من أعلى، كحالة أغلب الدول العربية، أو كانت نتاج تطور ما في مجتمعاتها، فأهم سماتها هي المؤسسات والقانون اللتان ينتج منهما التنميط والضبط، سواء كانت دولة ديمقراطية أو قمعية أو حتى فاشية. وتقريباً بإجماع الباحثين، يعدّ عصر مبارك هو أكبر تجلّ لفشل المؤسسات وترهّلها وانتشار الفساد فيها وخارجها وضعف الدولة في القيام بوظائفها. وشهد هذا العصر التوسع في الحكم عبر شبكات زبونية تربطها بالدولة علاقات فساد وتشارك السيطرة على المساحات الاجتماعية، وتمثل ذلك في علاقة العائلات الكبيرة ومجموعة واسعة من التجار والمهربين ورجال الأعمال، الذين سطعوا في عهد السادات من خلال سياسة الانفتاح الاقتصادية، مع السلطة. ومع الوقت أصبح الحزب الوطني هو تجمّع لتلك الشبكات، وأصبحت مساحة المساومة مع السلطة في إدارة المجتمع في تزايد غير مسبوق، وبالأخص مع توسع شبكات الإجرام والبلطجة المرتبطة بالتجارة والنفوذ السياسي والاجتماعي. ونجح نظام مبارك في خلق تزاوج بين أسياد بيروقراطية عبد الناصر وشبكات السادات. فأبناء الانفتاح وشبكاته الجديدة اتيحت لهم فرصة التوغل داخل أجهزة الدولة عبر إدخال أبنائها وممثليها إما في مجلس الشعب أو في كلية الشرطة، بالإضافة إلى سيطرتهم على السوق. وأصبح من الصعب على السلطة التواجد بشكل مؤسسي منضبط وقانوني واضح في تلك المساحات. والإدارة العليا من قبل الدولة لتلك العلاقات كانت تتم من خلال الأجهزة الأمنية، وبالأخص الداخلية وجهاز أمن الدولة. وهو ما يجعل الأجهزة الأمنية تطالب دوماً بتوسيع مساحات سلطتها في النص الدستوري، لدرجة هوسها الدائم باستمرار حالة الاستثناء وقانون الطوارئ. وهنا يتسع الرتق في الدستور وتطغى عليه معايير العرف والضرورات الأمنية. فيعطل الدستور فعلياً على الأرض ويحدث أكبر اضطراب على مستوى العقد الاجتماعي في تجلّيه الأعلى. ويجد عوام الناس أنفسهم خارج تلك الترتيبات العرفية، وفريسة للسلطة على مستوى الشبكات الزبونية أو على مستوى مؤسسات الدولة. فالشاب الجامعي مثلاً، ابن الطبقة الوسطى أو الفقيرة الذي لا ينتمي لعائلة كبيرة، وليس منخرطاً في إحدى الشبكات الزبونية، هو عرضة للتنكيل من قبل شبكات البلطجة بالحي الذي يقطنه، أو الحكم البوليسي سواء كان منخرطاً في عمل سياسي أو لم يكن، أو توحش وإذلال البيروقراطية إذا صادف احتياجه لاستخراج أوراق، أو تحت رحمة العائلات المهيمنة. وهو لا يعرف لنفسه حقوقاً وواجبات في متاهة تلك الشبكات من السلطة والتي تربطها أنماط وأنساق مختلفة من العرف. ومن ثم لا يجد أي عقد اجتماعي يمكن أن يركن إليه غير الانصياع أو التنكيل.
وحتى داخل أجهزة الدولة، تدار الصراعات إما بقوة كل جهاز أو بالتسويات العرفية. فإذا وقعت مشاجرة بين وكيل نيابة وضابط شرطة، مثلاُ، يفصل في الأمر العرف السائد في المناخ الحاكم في فترة ما، أو التصالح والتنازل. وإن كان لا يوجد تفعيل حقيقي للقانون أو لعقد اجتماعي منضبط داخل الدولة، فما بالك بخارجها. وهذا ما يجعل أجهزة الدولة تنصاع دوماً لصالح الهيمنة الأمنية. وبالتالي يسهل تجاوز القانون للمساومة على زيادة مساحة الهيمنة المادية والرمزية للموالين للنظام، والنتيجة الحتمية لهذا الأمر تكون مزيداً من الفساد والمحسوبية وغياب القانون.
هذه الدورة تعيد إنتاج نفسها بشكل متجدد، ما لم تحدث معها قطيعة أو تتحلل أسباب سيطرتها وإمكاناتها في الإخضاع والتشكيل. وهو ما يسهّل اختراق جهاز الدولة وإزاحته كعقبة قانونية في وجه الفساد، ويفقد قدرته الإدارية والسلطوية لصالح تلك الجماعات. وذلك لسببين: الأول، هيمنة الأجهزة الأمنية على سائر مؤسسات الدولة وتشابك تلك الجماعات في المصالح مع السلطة السياسية والسيادية في مقابل تقسيم مساحات السلطة والنفوذ في المستويات العليا من الحكم. ولا يبقى من العقد الاجتماعي المكتوب سوى الشرائح منزوعة المشاركة في الحكم والموارد (ما يعرف بالمواطن البسيط). وبالتالي يضطرب العقد الاجتماعي مرة أخرى ولا يبقى منه سوى الكود المجتمعي الحاكم في كل منطقة، وشكل العلاقة بين كبار السكان والدولة. لهذا تتكون سلطة شديدة القمعية من ناحية، وشديدة الضعف قانونياً ومؤسسياً في الوقت نفسه لأنها منخورة بالفساد. ويصبح الفساد هنا شبكة ممتدة ومتجاوزة للدولة ومخترقة لها أيضاً، ويصعب السيطرة على الفساد حتى لو توافرت النية، لأن هذا سيعني إنهاء جملة من تحالفات السلطة المستقرة والفاعلة في إخضاع المجتمع والهيمنة عليه وضمان ولاء قطاع معتبر ومهم للسلطة، ولا ينفّذ القانون في الدولة أو محيط علاقاتها العليا، ومن ثم لا يمكن الانصياع إلا لما هو عرفي ولحظي وسياقي. وبالتالي كان من الطبيعي أن يتوغل رجال الأعمال على مساحات البسطاء من أجل مشاريع استثمارية تخدم مصالحهم ومكاسبهم الضيقة فقط.
الأغرب أن تتعاون الأجهزة الأمنية في هذا الأمر فتقوم باجتياح المناطق وطرد سكانها مثلما حدث مع المفروزة في منطقة الداخلية لصالح الميناء الجديد أو منطقة طوسن بشرق الإسكندرية حينما تواطأت المحافظة مع رجال الأعمال لطرد السكان في ٢٠٠٨ لبناء مشروع استثماري ضخم في المنطقة. ويتكوّن النظام من تحالف النيوليبرالية والأمن ليخدم بيروقراطية الدولة. ولأن العقد الاجتماعي أيضاً شديد الاضطراب بين الدولة والمجتمع فيمكن أن تتكرر فكرة المعركة واجتياح الدولة للسكان خارج إطار القانون، أو بتطويعه بشدة لصالح الدولة. وأفضل مثال على ذلك هو صدام الجيش مع مجموعة من السكان على مساحات جغرافية معيّنة. وهكذا يمكن أن يقع هجوم عسكري على جزيرة القراصية ويتصدى له الأهالي بالمقاومة، في ٢٠١٢، حيث يدعي الجيش أنها منطقة عسكرية ويدعي السكان حوزتهم للأرض ويتهمون الجيش بمحاولة الاستيلاء عليها لصالح مشاريع استثمارية تخصّه. ثم يتم تطبيق الدستور فقط على الطرف الأضعف وهو الأهالي، ويقبض عليهم ويعتقلون بتهمة تعطيل إحدى مؤسسات الدولة أو بتهمة التعدي عليها أثناء تأدية عملها أو، طبقاً للدستور، بتهمة المساس بهيبة واستقرار الدولة.
الاضطراب الثالث: من يقوم بماذا؟
لنبدأ بأمر شديد البديهية وهو نظافة الأسواق. منذ تشكل فكرة المدينة والسوق في العصور الوسطى، سواء في العالم الإسلامي أو في أوروبا أو في الصين، وهناك تمخض لعملية دائمة بين القرارات الفردية والشبكات المجتمعية وبين السلطة الحاكمة وتشكل البيروقراطية كما يشير دي لندا. فببساطة شديدة، يسيطر التجار والباعة على مساحة ما في قلب المدينة أو أحد الأحياء. يقومون بعرض منتجاتهم، ثم يأتي المستهلكون للمكان بغاية التسوق أو بغرض الاطلاع على ما يطرح بالسوق. ينقضي السوق. يقوم الباعة والتجار بتنظيف المكان، تأتي البلدية لجمع القمامة. يقوم الباعة والتجار بدفع الضرائب والمستحقات الأخرى. كل هذا على رغم بساطته، لا يحدث في أغلب أسواق مصر، بل هناك اضطراب شديد في العلاقة حتى أن أي مشاهد من الخارج يتساءل عما إذا كانت هذه المساحات أسواقاً أم مقالب للقمامة، وذلك لأن الأدوار والعلاقات غير واضحة. فالضرائب لا تدفع بانتظام، والخدمات لا تؤدى على أكمل وجه، كما أنّ العلاقة بين التجار والدولة وممثليها هي إما علاقة جباية أو فساد أو احتقار متبادل. وفي مصر تجد أن الداخلية تتعامل بفكرة الحملة لضبط السوق. وليس ثمة علاقة مؤسسية محترمة لإدارته. ووجود الدولة يتحول إلى عبء حقيقي على أي إمكانية لتتطور الشبكات ذاتياً. فتقوم بتنسيق النظافة والجمال بمنحى عن الدولة. وفي هذه الحالة لا يبقى أمام التاجر أو البائع سوى تنظيف محله أو أمام محله. ومع تدهور الحالة الإنسانية العامة في مصر، دائماً ما تكون المحلات شديدة الاتساخ والقذارة أحياناً. وبسبب عجز الدولة وعدم كفاءتها، سواء في تقديم الخدمات أو تحصيل الضرائب وفسادها، فهي عاجزة عن فرض نمط نظافة وإدارة، وتحميل الباعة مسؤوليتهم تجاه السوق والحيز العام. وعلى الجهة الأخرى، لأن الباعة يتهربون من الضرائب ويلجأون إلى علاقات ملتوية وفاسدة مع السلطة، فهم غير قادرين على المطالبة الجادة والحادة بدور الدولة وقيامها بمسؤولياتها تجاههم وتجاه السوق. ويمكن إرجاع هذا الأمر إلى طبيعة الدولة في العالم العربي والتي تتسم بكونها دولة ريعية ورعوية لا تقوم على الإنتاج وجمع الضرائب، وهمّها الأول هو الانصياع والسيطرة.
سلطة مكسورة العين ومواطن/ة غير مسؤول
هناك شرخ في العلاقة بين الدولة والمواطن في مصر. وهي الأطروحة المميزة التي عمل عليها الراحل سامر سليمان وعمرو إسماعيل وجلال أمين. وهي أيضاً علاقة متناقضة. فمن ناحية نحن أمام سلطة طاغية بكل ما تحمله الكلمة من معنى. وسلطة لا تتورع عن التنكيل بالمواطنين وحقوقهم. بل إن سؤال حقوق المواطنين هو سؤال يقود السلطة لحالة شديدة من الارتباك والعنف أحياناً. ليس ذلك بسبب الطغيان، بقدر ما هو ارتباك في حدود ووضوح الحقوق والمساحات والحريات. وهنا يمكن رصد ثلاثة نماذج لعنف الدولة في مساحات مختلفة: البيروقراطية واستخلاص المستندات، الداخلية والعمل الشرطي، والمستشفيات الحكومية؛ وكلاها يعكس حالة عنف متبادل وعدم رضا من كلا الطرفين على الآخر. فجزء كبير من الأفراد لا يرى، مثلاً، في الداخلية غير حفنة من المرتزقة مزودين بالسلاح والعتاد، والداخلية لا ترى في الشعب إلا مجموعة من الهمج والرعاع - إلا استثناءات - يجب تأديبهم دائماً وترويعهم لمنع فعل الجريمة أو لحملهم على الانصياع للسلطة. والبيروقراطية تتعامل بمنطق المنّ والأذى مع المواطن، وترى المواطنين كحفنة من المزعجين الذين يودّون التلاعب بالقوانين واللوائح. في المقابل يراهم المواطن حفنة من الكسالى والفاسدين. ومن ثم فالبيروقراطية شديدة الانصياع لشبكات الأمن وأجهزتها أو لكبار الفاسدين من رجال الأعمال والدولة، وهي في المقابل شديدة التوحش على الطبقات الأدنى أو المواطن العادي. أما اضطراب العلاقة الدائم بين الجماهير والمستشفيات فهو أمر منتشر وفي صدام مستمر، صدام على مستوى العلاقة بين الجمهور والأطباء، وبين الأطباء والوزارة. ومن ثم ينتج اضطراب بنيوي وعلائقي وممارساتي داخل مؤسسة الصحة. وهذه حالة من اللاستقرار الحقيقي التي لا تسمح بتمخض عقد اجتماعي. وبالتالي تبزغ أكثر حالات الفساد إلى أن يتحول هذا الفساد إلى «عقد اجتماعي» لمن هم داخل شبكاته. وهو ما يجعل معيار الفساد شديد الاضطراب وغير محدد الملامح وغير معترف به بشكل جمعي. وهو ما تقوم الدولة بالتلاعب به، فتارة تطبّق القانون والمعيار العام وتارة أخرى تتجاهله بهدوء، وهذه انتقائية/اعتباطية. وصارت الحياة لا تستقيم بدون ممارسة قدْر معيّن من الفساد الذي صار مقبولاً على مستوى العرف الاجتماعي، مثلما هو الحال مع البيروقراطية المصرية، إلا أن البنية القانونية مازلت حاضرة، والفساد طبقاً لها جرم. إلا أن الجميع يعرف أن الفساد ضرورة.
على كل، هذا الاضطراب الشديد في العقد الاجتماعي هو ما يدفع المصريين دوماً الى حالة هوس بالدستور وفي الوقت نفسه حالة تجاهل له وعدم اكتراث لانفصاله عن الممارسة الحقيقية للسلطة وغلبة العرف والنزعة الأمنية. فكافة أشكال العقد الاجتماعي في اربتاك دائم، ويصعب تحديد مساحات السلطة وحدود تداخلها وتقليم أظافرها، كما يصعب الارتكاز على القانون كمرجع عام، وذلك لغلبة العرف وتعدد أنماطه وأنساقه. كما يصعب خلق المواطن المسؤول والمطلع على ما له من حقوق وما عليه من واجبات. وينتج من هذا كله دولة طاغية ومجتمع ضعيف ومواطن حائر بين آليات البطش وأحكام العرف.
إضافة تعليق جديد
تهمّنا آراؤكم ونريدها أن تُغني موقعنا، لكن نطلب من القراء أن لا يتضمن التعليق قدحاً أو ذمّاً أو تشهيراً أو تجريحاً أو شتائم، وأن لا يحتوي على أية إشارات عنصرية أو طائفية أو مذهبية.