العدد السادس - صيف ٢٠١٣

أين هي المصلحة العامة في الثورة التونسية؟

النسخة الورقية

تعيش تونس في الفترة الراهنة مرحلة صعودٍ حاد في التعبير الوطني. ويجد تمجيد العَلم أسبابه في عوامل عديدة. ففيما دلّ العلم، خلال التظاهرات الأولى التي تلت إسقاط النظام، على شكلٍ من التعاون الوطني، تراه أضحى اليوم مساحة صراع. من يمتلك الشرعية الوطنية الفعلية؟ الحزب المنتخب؟ معارضته التي تطالب بشرعية من نمطٍ مختلف؟ أيّة أراضٍ، أيّة أجيال، ...؟ وتطول لائحة الأسئلة إلى ما لا نهاية؛ إذ يصعب تحديد موقع الفرد نظراً إلى تعدّد الانتماءات التي تتزاوج فيه.

المهمّة: إنقاذ الثورات العربية

يمكن تفسير الفورة الوطنية بعوامل ظرفية عديدة قد يختصرها إحساسٌ بالضرورة الملحّة لـ«إنقاذ الثورة التونسية». فبعد وصفها بـ«الأمل الأخير»، كلّفت الثورة التونسيين مهمّةً ينظرون إليها بوصفها شبه مقدّسة. هكذا أعلنها فرنسوا هولاند في الخطاب الذي ألقاه أمام البرلمان التونسي في مطلع تموز/ يوليو ٢٠١٣: «تجلبون أملاً يذهب إلى أبعد بكثير من الشعب التونسي، أبعد بكثير من الشعوب العربية».

أمام هذه الوظيفة غير الواضحة المعالم، والتي ينظر إليها الجميع رغم ذلك كـ«واجب وطني»، تنوّعت ردود الأفعال. فهي تحفّز أولاً نمو خصوصيةٍ تونسية تظهر في عبارات من نوع «تونس ليست مصر» (أو ليست سورية، ليست قطر، ليست أوروبا، ...)، أو في تصريحات عامة مثل: «في تونس، الأمر مختلف». وبحسب المتحادثين، يستشهد هذا الخطاب على صوابيته بطبيعة التونسيين المسالمة، وإنجازات بورقيبة (وأثره مثلاً في الديموغرافيا) وعلى التعليم، أو حتى المناخ. وأحياناً، تكون المفارقة في سوق هامشية البلد ضمن السياق العالمي كحظٍ من حظوظه. تونس، صغيرة إلى حدّ انصراف الأطماع عنها، بما يتيح إمكانية إنجاح ثورةٍ فيها...

تنتشر الأعلام في البلاد إذاً لتشهر الفخر الوطني، ولكن يُنظر إلى نجاح الثورة أو فشلها كإمكانيةٍ مستقلة عن إرادة الشعب أو أفعال التونسيين. فشعار الواجب الوطني، ذاك الخاص بالإصرار، يتغذّى من عجزٍ: في مواجهة المؤامرات الدولية التي تتفاوت إمكانية التحقق منها، والنظريات الجيوسياسية، والشكوك التي لا تنفك تضغط على الطبقة السياسية بمجملها... ويشدّ هذا الخطاب إلى البعيد أحياناً حتى تضحي الثورة التونسية، تلك نفسها التي يجب إنقاذها، اختراعاً (غربياً، أميركياً، إسرائيلياً، قطرياً، سعودياً، ...) لإعادة رسم خريطة المنطقة. فتُسخّر انتخابات ٢٠١٤ لتغذية الشك: جرى التلاعب بها لإيصال الإسلاميين إلى السلطة، لكونهم حلفاء أميركا (أو سواها، تبعاً للأدبيات المستعملة). يجب عدم إهمال هذا النوع من المحاججات. فهي إشارةٌ إلى الإرساء الطويل الأمد لنظامٍ قائم على شكّ مستمر في التضخّم، يغرق البلاد في مناخ من الخوف المتفشي، ليسود إحساسٌ بأن «كل شيء قابل للحدوث في أية لحظة».

جانبٌ أخير من جوانب الواجب الوطني يستحضره عادةً رجال السياسة بصدقٍ متفاوت، هو «الوحدة المقدّسة» التي تتطلبها «الأحداث»، أوضاع البلد، ومفاهيم مقلقة أخرى لا يتم تعريفها بالضرورة كأزمةٍ سياسية أو اقتصادية، بل كحالة أزمة شاملة سيطول أمدها. فيكون التوافق السياسي المطلب الدائم كالتعويذة، ما دامت التوترات والمعارضات متّقدة بين مختلف التيارات السياسية. وهو، في المقابل، يستند إلى خلطٍ متعمّد ما بين الشعور الوطني والوحدة الوطنية. فالوحدة تفترض حالة حربٍ يجب أن تُسكت المعارضات، بينما الشعور الوطني، إذا أملى احترام البلد والأمة، فهو لا يفرض بالضرورة إسكات الخلافات والمعارضات الموجودة في الداخل.

صراع الإعلام

يجب وضع هذه الحماسة الوطنية في سياقها، سياق الخوف المتفشي الذي تقطر به مختلف قنوات ضخّ المعلومات والخطابات السياسية. هذا الخوف، الذي ظننا أنه سقط كجدارٍ مع ثورات عام ٢٠١١، اتخذ لنفسه شكلاً آخر: لم يعد الخوف من النظام، من الدولة التي تبني ما تسمّيه بياتريس هيبو «قوة الطاعة»، بل بات خوفاً أكثر انتشاراً يمزج ما بين الصعوبة الحقيقية في الخضوع أو احترام الهرميّة (تردّي المواطَنة، خلل وظيفي واضح في الخدمات العامة) والهلع غير المنظّم في مواجهة المخاطر الحقيقية أو المتخيّلة. فيلوّح البعض مهدّداً بسيناريو محتمل «على الطريقة المصرية» كفزّاعة أو خطر صريح، بينما يقدّم عليه البعض الآخر الخطر السلفي، أو انعدام الأمان بلغة أكثر عمومية (بيدوفيليا، اعتداءات، حوادث متفرّقة، ...).

يقود ذلك كله اللاعبين السياسيين إلى إشهار رغبتهم بإنقاذ تونس وثورتها. ولكن، خلف هذا الإشهار الوطني الجامع، يتوارى صراعٌ ضارٍ على الشرعية الوطنية، يحمل فيه كلٌّ منهم تونسـ«ـه» الخاصة. فيضحي السؤال المحوري «أين هي المصلحة الوطنية؟» ومن يخدمها بشكل أفضل اليوم؟ كلٌّ يجد خيانتها المفترضة في ثنائية جديدة يكثر التعليق حولها («النهضة»/ ضد «النهضة»). بالنسبة إلى البعض، لم يعمل الإسلاميون ــ ومن ضمنهم «النهضة» ــ في خدمة المصلحة الوطنية التونسية يوماً. ليسوا سوى دمى تحرّكهم أيادٍ عالمية، أكانت أيادي «الإخوان المسلمين» أم الجهاديين. المعلومات المنشورة على المواقع الإخبارية التونسية تروّج لشائعات، فتقول مثلاً إنّ الهدف الفعلي من زيارة راشد الغنّوشي لإسطنبول في منتصف تموز/ يوليو، هو المشاركة في الاجتماع السرّي للتنظيم العالمي لجماعة «الإخوان المسلمين». وقد عيّن الغنّوشي خلاله رئيساً للمكتب السياسي، بحيث أصبح الرجل رقم ٢ في «الجماعة». وأتت فيديوات تصوّر حركة شخصيات رسمية على الأقدام في ما يشبه بهو فندق، لتخدم كدليلٍ على انعقاد هذا الاجتماع، بحسب قناة إماراتية.

في مواجهة اتهامهم بخيانة الوطن، يتبارى مؤيدو «النهضة» لاستعراض وطنيتهم، ساعين إلى التمايز عن السلفيين الذين ارتبطت صورتهم بالعلم الأسود. فحادثة استبدال العلم الوطني بالعلم السلفي في حرم «جامعة منوبة» في ٧ آذار/ مارس ٢٠١٢

(mayfootekchay.tv/isctube_show.php?sti=Un-salafiste-enleve-le-drapeau-tunisien-la-fac-de-Manouba&tubeid=6949)

والسخط الذي أثارته، طبعا الأذهان. أما خولة رشيدي، الطالبة الشابة التي تصدّت للطالب السلفي رافع العلم الأسود، حاميةً العلم التونسي، فقد حازت وسامَ شكرٍ جليلاً من رئيس الجمهورية آنذاك.

منذ ذلك الحين، ركّزت التعبئة التي مارسها مناصرو الحكومة في الشارع، على شرعية الحزب الإسلامي الحاكم وعلى طابعه الوطني. وهم يستخدمون المثال التركي هنا للقول إنّ الإسلاميين التونسيين، كحال نظرائهم الأتراك، لا يسعون إلى تصدير نموذج، بل إلى إرسائه ضمن السياق الوطني. وبالنظر إلى حراكهم التعبوي أخيراً، إثر اغتيال محمد برهامي في ٢٥ تموز/ يوليو الماضي، يظهر بوضوح طغيان اللون الأحمر عليها، في حين أن التظاهرات المؤيدة لـ«النهضة» إثر اغتيال شكري بلعيد (٩ شباط/ فبراير ٢٠١٣) سارت تحت أعلام الحزب (أبيض، بشعارٍ أزرق) الذي حضر حينها بكثافة، إلى جانب الأعلام السلفية. الصورة الحزبية التي سادت تلك التجمّعات، استُبدلت بالشرعية الوطنية المركزية ولونها الأحمر، اليوم.

وعلى الساحة ذاتها، حجز عالم الأعمال لنفسه حصّة. «لا ولاء إلا لتونس»، تقول اللوحات الإعلانية الضخمة المنتشرة في أرجاء تونس. المعادلة غريبة، وتأتي على خلفية العلم الوطني، لتستحضر ضمنياً شهادة إيمان المسلمين (لا إله إلا الله). بذلك، فإن الحيّز العام قد تعرّض حرفياً للغزو الأحمر: محطات الباصات، اللوحات الإعلانية بكافة أحجامها، بشعارٍ أو من دونه.

هذا النمط المنظّم والممأسس من الإشهار السياسي، في وقتٍ يخلو من الحملات الانتخابية، يبدو لافتاً. كذلك، نرى صور شهداء، مطبوعة بالألوان ومعلّقة هنا أو هناك، على الواجهات، على الجدران... وأحياناً، تبرز عصبات عند مداخل المؤسسات، إحياءً لذكرى الشهداء.

ما يطبع عين المتفرّج في هذه الحملة هو كثافة حضورها. لقد حلّت مكان الإعلانات في المدينة، بكل ما للكلمة من معنى. وعندما يكون المرء على بيّنة من الصعوبات الاقتصادية التي تواجهها تونس، يصبح تخيّل كلفة غيابٍ شبيه بالنسبة إلى شركات الاتصالات محيّراً. ما الذي تعنيه تعبئةٌ شبيهة؟ وما سببها؟

في مطلع كانون الثاني/ يناير الماضي، بدأ حضور الأوساط الاقتصادية في الحياة السياسية التونسية يتزايد تدريجياً. فتم تقديم سليم الرياحي، وهو رئيس حزب ليبرالي ناشئ («الاتحاد الوطني الحرّ») كعرّاب اللقاء ما بين BCS والغنّوشي في باريس، أواسط شهر آب/ أغسطس. من بين المتعهّدين، يظهر أصحاب الاتصالات وملّاكو وسائل الإعلام في الصف الأول. فتُستشف من ذلك رغبةٌ مشروعة في حماية حريّة التعبير (وقد هدّدتها بشكل خاص الإدانة القضائية لمدير قناة «التونسية» ومؤسس شركة الإنتاج «كاكتوس» سامي الفهري، كما اتهامات كثيرة استهدفت الصحافيين)، في مقابل أي انجرافٍ «استبدادي» لـ«حزب النهضة». هذا جزء من الشرح الممكن. لكن يجب أيضاً تمييز حضور لوبي ليبرالي في هذه المبادرة، يقف على مقربةٍ من المعارضة، لأسباب معظمها متصلة بالتقارب الاجتماعي والمناطقي، كما بالروابط العائلية. كذلك، أتت المبادرة إثر بروز جيل من «القادة» الذين يسخّرون نجاحهم الاقتصادي في خدمة النشاط السياسي في السياق الديمقراطي الجديد. معظم هؤلاء المتعهّدين الأربعينيين بدأ حياته المهنية تحت سلطة بن علي، وانتقد حينها بتفاوت وبعلانية الفساد في محيط الرئيس، والأثر السلبي لهذا الفساد المستشري على حسن سير الأعمال. بعد فترة من التحفّظ، عادت تلك الأوساط اليوم لتكون شديدة الحضور في المشهد، بواسطة النفوذ الاقتصادي والحملات الإعلانية المنظّمة، وعبر الدعم الذي تقدّمه لحزب «نداء تونس» ورئيسه المسنّ الباجي قائد السبسي، في آن واحد. إن أبسط التناقضات في لغة التواصل السياسي الجديدة هذه، هو تزاوج الشعارات المتحيّزة للشباب مع الدعم الهائل لقائد ثمانيني.

تحوّل على طريقة برلوسكوني؟

في طبقة رجال الأعمال هذه، تبرز أربع شخصيات على وجه الخصوص: سامي الفهري، ٤١ سنة، مدير قناة «التونسية» ومؤسس شركة الإنتاج «كاكتوس»، وهو مسجونٌ راهناً؛ الأخوان القروي (نبيل - ٤٨ سنة، وغازي - ٤٦ سنة) مالكا القناة المغربية «تلفزيون نسمة»، وشركة الاتصالات «قروي أند قروي وورلد»؛ سليم الرياحي، ٣٩ سنة، رجل أعمال دخل أخيراً إلى قطاع الاتصالات («الصباح»)، يملك نادي كرة القدم التونسي «النادي الأفريقي»، وهو مؤسس «الاتحاد الوطني الحرّ».

أصبح الأخوان القروي محور الأخبار عند بثّ قناتهما التلفزيونية لفيلم «برسيبوليس». شاهدنا نبيل يعتذر، ويُلاحق بتهمة الإخلال بالنظام العام، وقد اعتبرت محاكمته أنها أصدرت الحكم الأول الذي يمسّ بحريّة التعبير، منذ نهاية عهد بن علي. وكان الأخوان القروي قد بنيا إمبراطوريتهما منذ تسعينيات القرن الماضي ما بين الجزائر وتونس، بالتشارك مع برلوسكوني والمنتج طارق بن عمّار. هما اليوم معتكفان، يستضيفان على شبكة اللوحات الإعلانية التي يملكانها حملة «لا ولاء إلا لتونس».

سامي الفهري هو أيضاً رجل إعلام. أنشأ شركة الإنتاج «كاكتوس» في عام ٢٠٠٢، وتشارك مع صهر بن علي، بلحسن طرابلسي، في تمويل برامج ترفيهية ومسلسلات رمضانية («مكتوب»). أسّس قناته التلفزيونية الخاصة «التونسية تي في» منذ آذار/ مارس ٢٠١١. وقد أدّت مشاكله مع العدالة إلى سجنه، علماً بأنها بُنيت على شكوكٍ في أنه استغل بشكل غير شرعيّ موارد التلفزيون الوطني التونسي. أما القناة التي أسّسها، فهي اليوم متوقفة عن العمل، تستضيف بثها قناةٌ تابعة لشبكة خاصة أخرى، «الحوار التونسي»، وهي تعتبر القناة التي تحقّق أعلى نسب مشاهدة في البلاد.

قد يكون سليم الرياحي، من بين عددٍ من الأربعينيين، الأكثر التزاماً بالعمل السياسي. إذ شارك في الانتخابات الرئاسية في تشرين الأول/ اكتوبر ٢٠١٢ على رأس حزبه «الاتحاد الوطني الحرّ»، بشعارٍ انتخابيّ بسيط وفعّال ترافقه حركة يد يفهمها الجمهور التونسي. ويجلس رجل الأعمال هذا، يملك ثروةٍ جمعها بفضل علاقاته بالأوساط الليبية، في مجالي البناء والخدمات النفطية. وهو مثال رجل الأعمال الملتزم السياسة الاستعراضية: يرأس نادياً لكرة القدم، ويستثمر في النشاطات الاجتماعية والمجموعات الصحافية.

ينقل هؤلاء المتعهّدون ورجال الإعلام الشباب صورةً عن تونس تبدو وكأنها عمود سياستهم: «تونسهم» منفتحة على العالم، ليبرالية، متسامحة، ومتعهّدة. وهي تتقاطع مع حماسة لحقوق المرأة التونسية، وعزمٍ على صون السوق المفتوحة، وضبط التهديدات التي تمسّ بالنظام والأمن التونسيين. إعلان «الاتحاد الوطني الحرّ» المتمحور حول كلمة «توّا»، أي «الآن»، يضيف إلى ذلك سياق الضرورة الملحّة (حملة «توّا»، www.youtube.com/watch?v=A7kH8VHGSps).

فتظهر في الإعلان شخصياتٌ يفترض بها أن تمثّل تونس بتنوّع ناسها، تطالب بإنهاء فوري للعبودية، البطالة، والألم. وقد صوّر الإعلان باعتناء واضح بالجماليات البصرية التلفزيونية، بعيداً جداً عن واقع البلد.

تعكس القنوات التلفزيونية الخاصة، بمجموعها، تلك الرغبة في إعطاء الكلمة للتونسيين والتونسيات، ولكنها أيضاً تنقل الروح الخفيفة، الحرّة، الحديثة. استوديوات البرامج الحوارية هي نسخة عن شبيهاتها الأوروبية أو الأميركية، المحطات الإخبارية تقاطع النقاشات والمناظرات التي طالت مدتها، الهزليون يأخذون مساحتهم شيئاً فشيئاً (بما في ذلك نسخة محلية عن دمى الأخبار الفرنسية «غينيول»، التي اختفت اليوم). البرامج الأكثر شعبية (بما في ذلك البرامج السياسية) تخضع للتعليق والتشريح الفوريين على مواقع التواصل الاجتماعي وأبعد منها. الثنائية التي تصنعها التلفزيونات الخاصة ووسائل التواصل ترسم عن تونس صورة متخيّلة جزئياً (جماعة متخيّلة، بحسب تعريف ب. أندرسن)، باتت كالأمة الضمنية التي يستشهد بها جزءٌ لا بأس به من النخب المدينية التونسية. وهي تتغذى أكثر فأكثر من استطلاعات الرأي، ودراسات الاستهلاك، ولا تصرف وقتاً طويلاً على محاولات الفهم أو التحليل المعمّق للعوامل التي تدفع بجزء لا بأس به من الشعب إلى دعم النظام القائم أو هجر النقاش السياسي تماماً.

تشكّلات جديدة؟

بالتزامن مع حملة الإعلانات الوطنية، انطلقت حركة «ارحل» في ٢٤ آب/ أغسطس، أمام أبواب مجلس النواب في الباردو، وتشكّلت كحركة خلاص وطني. في مواجهتها، يصرّ المنتخَبون على أنهم حماة الشرعية. وفي مقلبٍ آخر أيضاً، يؤكد مستشار الرئاسة «أولوية الاعتناء بالصالح العام». هكذا هو المشهد السياسي الظاهر أمامنا اليوم في تونس، وهو يكاد يكون مشهداً بإخراجٍ مسرحي، محوكاً كسيناريو. ومع ذلك، بعيداً عن حركة الكاميرات هذه، يترقّب المرء بزوغ تشكّلات جديدة. إذ يبدو البلد وكأنه يختنق في أحضان هؤلاء الذين ينادون باسمه.

هل هناك سياسة قادرة على الاتساع لنخبةٍ حداثية عازمة على مناهضة الإسلاميين (يجب التذكير بأنّ نخب بن علي اجتمعت جزئياً على المعاهدة المعادية للإسلاميين) ولمجتمع أكثر أسلمةً، في آن واحد؟ وهل هذا هو الانشقاق الذي يستأهل أن يكون الأشد بروزاً؟ ألا توجد مساحات تُهمل، وتفاوتات أشدّ وضوحاً؟ في لعبة استملاك الرموز (العلم، النشيد، «الإسلام» التونسي في مقابل إسلام «الخليج»، اللغة...)، يجوز بشدّة الرهان على فرضية أن هذه المواجهات الثنائية إنما تخفي وراءها، مرةً أخرى، المسائل الجوهريّة: الفقر الذي يتضخم، الدين وعدم استقرار البيوت، انعدام الأفق أمام الشباب...

لذلك، ليس مفاجئاً تحوّل الملصقات إلى موقعٍ لصراع أكثر خفوتاً.

العدد السادس - صيف ٢٠١٣

إضافة تعليق جديد

تهمّنا آراؤكم ونريدها أن تُغني موقعنا، لكن نطلب من القراء أن لا يتضمن التعليق قدحاً أو ذمّاً أو تشهيراً أو تجريحاً أو شتائم، وأن لا يحتوي على أية إشارات عنصرية أو طائفية أو مذهبية.