العدد الأول - شتاء / ربيع ٢٠١٢

لدينا طاقات تتفجّر كالبراكين

النسخة الورقية

يملك العالم العربي اكبر نسبة من الشباب في العالم. وغالبا ما يكون هؤلاء أعلم بشؤون العالم من آبائهم. وهم لا يزالون ابرياء. ليسوا يفكرّون في المصالح المكرّسة. وهم انفعاليون لا يفتكرون في عواقب افعالهم، ولا يحتالون للتعيّش. وهم في معظمهم لا يبالون بالمخاطر.

«الربيع العربي» مصطلح جذّاب لكن الواقع افضل من ذلك. العرب في حالة ثورة منذ العالم ١٩ ــ١٤. ثاروا ضد العثمانيين وضد الفرنسيين وضد الانكليز؛ وثاروا ضد حكامهم؛ ثاروا في مصر وثاروا في الجزائر، وقاتلوا في لبنان وفلسطين لا تزال تقاوم بلا انقطاع؛ كثير من العراقيين قاوموا الحرب الاميركية على بلادهم، وحارب الليبيون الاحتلال الايطالي قبل ان يحاربوا نظام معمر القذافي. بالتأكيد، شارك العديد من الشباب في هذه المجهود المتواصل، ولكن اناسا من كل الاعمار قاتلوا معا على تلك الخطوط الامامية كلها.

لذلك نحن نتكلم عن الشباب العربي بطريقة رومنطيقية ولكن حتى في تونس ومصر شاهدنا على اجهزة التلفزة شبانا وشابات ورجالا ونساء في منتصف اعمارهم ومتقدمين في السن. لذا احرى بنا الحديث عن جيل جديد من الناس بدلا من مجرد الحديث عن شباب صغار.

قرر السياسيون واجهزة الاعلام في الغرب ان هؤلاء هم «جماهير عربية»، جموع من الناس غير المتعلمين، علما انه يوجد تنوع في التفكير السياسي في العالم العربي اكبر مما يوجد في الولايات المتحدة الاميركية. والدليل هو عدد الصحف في كل مدينة عربية مقارنة بمدينة نيويورك التي تصدر فيها صحيفة رئيسية واحدة هي الـ«نيو يورك تايمز»! ويوجد ايضا من الاحزاب السياسية في معظم البلدان العربية عددٌ يفوق مما في الولايات المتحدة الاميركية. والسخرية في الامر انه يوجد حزبان سياسيان في الولايات المتحدة والافدح انهما يدافعان في الحقيقة عن ايديولوجية واحدة.

قاوم العرب الانظمة الدكتاتورية ولا زالوا يقاومون، علما ان هذه الدكتاتوريات جرى تنصيبها بدعم الغرب ذاته الذي يوجّه اصابع الاتهام اليها الآن. ولو لم تكن توجد تلك المقاومات لما كانت السجون العربية تفيض بالسجناء السياسيين مثلما هي الحال الآن.

لست انكر حجم ما جرى في مصر وتونس وما يجري الآن في سورية. ولكني لست اريد ان يُنسى ما قد جرى قبلا. ان منظر ملايين الناس في الشوارع تثور وتعلن عن نفاد صبرها وتطالب بالعدالة الاجتماعية والسياسية لهو تجربة بالغة التأثير. والتكنولوجيا هي الواسطة التي سمحت بقيام تلك التجمعات. ولكن الشجاعة التي تجلّت فيها ليست جديدة.

لا يمكن استبعاد امكانية (بل حقيقة) ان تحاول القوى الرجعية الانقضاض على مكاسب الثورات الحالية. وها هي القوى العظمى التي تدّعي الاعجاب بها تجاهر منذ الآن ان نتائج تلك الانتخابات خطيرة لأن الاحزاب ذات التوجه الديني قد نجحت في الانتخابات الاخيرة. وحتى لو صحّ ما تقوله الحكومة السورية من انها تحمي البلد من انقلاب اسلاموي، فهذا لا يبرر القمع الوحشي الذي نشاهد. فالجواب السليم هو انفتاح صادق ــ ترافقه اصلاحات فعلية ــ للنظام السياسي القاسي والمغلق الذي يهيمن على البلاد.

ان الشعب العربي ليس متروكا لحاله. اعني ان العرب لا يتمتعون بالاستقلال الناجر، ان ثرواتهم في النفط وفي سائر المواد الستراتيجية تستثير شهيات الاكثر جشعا من قبل القوى العالمية العظمى التي تتدخل بصفاقة في شؤوننا. هاكم مثلا: هل سمعتم مرة عن سفير للبنان في واشنطن او لندن او موسكو او باريس يملي على تلك الحكومات كيف يجب ان تتصرّف؟ لكن في لبنان، يتكلم سفراء تلك الدول بسلطة ويوجهون الانذارات غير المباشرة او يتدخلون مباشرة في شؤونه. وهم يفعلون الشيء ذاته في كل عاصمة عربية.

ولذا لن يتوقف النضال في هذا الجزء من العالم وربما انه لن يتوقف في اي جزء آخر.

اننا محكومون من حكومات فاسدة على نحو مروّع، وتقع المسؤولية في ذلك علينا نحن بالدرجة الاولى. ولكننا نتلقى مقدارا ضخما من الضغوط الخارجية يشلّنا. ومع ذلك، فإننا نملك افرادا وحركات شعبية تتفجر كالبراكين وتذهل العالم. لم نكسب الحرب بعد. ولكننا لم نخسرها. الجديد هو ان الشعب لا يشعر بأنه وحيد في نضاله كما كان يشعر من قبل. ان اجهزة التلفزة والاذاعات ومواقع الانترنت تشعرهم بالتضامن الكبير معهم من داخل حدودهم ومن خارجها. لهذا تتنقل العدوى من حركة الى اخرى ويرتفع منسوب الامل. لدينا دوما اسبابا لليأس، لكن لدينا ايضا اسبابا دائمة لأن نفخر بما نصنعه. ان الامم الصغيرة والامم الضعيفة ليست ابدا صغيرة ولا ضعيفة قدر تصورها عن حالها، او قدر ما يقال لها. تلقاها بين حين وآخر تجدها تلقّن دروسا ثمينة لما يسمّى «القوى العظمى».

العدد الأول - شتاء / ربيع ٢٠١٢

إضافة تعليق جديد

تهمّنا آراؤكم ونريدها أن تُغني موقعنا، لكن نطلب من القراء أن لا يتضمن التعليق قدحاً أو ذمّاً أو تشهيراً أو تجريحاً أو شتائم، وأن لا يحتوي على أية إشارات عنصرية أو طائفية أو مذهبية.