العدد ٣٥ - ٢٠٢٢

الاقتصاد السياسي لكاتب نهضوي

قراءة في أرشيف أحمد فارس الشدياق

خلال إقامتي في لبنان بين عامَي ٢٠١٧ و٢٠٢١، توطّدت علاقتي بفواز طرابلسي وهالة البزري، الباحثَين الكبيرَين المهتمّين اهتمامًا خاصًّا بأحمد فارس الشدياق. ومن النتائج الإيجابية لهذه الصداقة أنني حصلت على أرشيف خاصّ للشدياق لا يزال الباحثون محرومين من الاطّلاع عليه. تولّى جمعَ معظم الأرشيف عماد الصلح، الذي حصل على الرسائل من أفراد عائلة الشدياق الذين بقوا على قيد الحياة، والمقيمين في بلدة الحدث جنوب بيروت. ونشر الصلح هذا الأرشيف في كتاب لم يُوزَّع منه إلا عدد قليل من النسخ لم تتجاوز الخمسين. وجاءت بضع رسائل ونصوص أخرى ضمن هذا الأرشيف من الاهتمام الشديد الذي أولاه كلٌّ من طرابلسي والبزري للشدياق طيلة عقود. فرض عليّ الحظ السعيد واجبًا بنشر هذا الأرشيف ليعرف الباحثون بوجوده ويطّلعوا على بعض كنوزه، على أمل أن يجدوا طريقة لأرشفتها رقميًّا وإتاحتها للباحثين والقرّاء.1

يضمّ هذا الأرشيف رسائل كان الشدياق قد أرسلها لأهله في لبنان ونسخًا من رسائل أرسلها إلى مسؤولين وسياسيين في الدول التي سكن فيها. يتضمّن الأرشيف أيضًا ملاحظات ومسوّدات أولية لبعض نصوصٍ وردت في أعماله المنشورة، خصوصًا كتب «الساق على الساق» و«الواسطة إلى معرفة أحوال مالطة» و«كشف المُخبَّأ عن فنون أوربا». كما نجد نصوصًا غير منشورة منها قصيدة هجائية طويلة ومقامتان ورسائلُ أخرى تورد معلوماتٍ عن أحواله الشخصية، وتسجّل حسرته، أو تعطي فكرةً مقتضبةً عن أشغاله وأحواله المادّية. كان الكاتب يدرك تفاوت مستوى نصوصه، وقد تجنّب نشرَ الكتابات التي لا تتوافق مع طموحاته الأدبية، وإن ظلّت هذه النصوص محفوظةً على شكل ملاحظات ورسائل في أرشيف شخصي.

تعود رسائل الأرشيف إلى عام ١٨٢٩ عندما كان الشدياق في مالطة، وتنتهي برسالة أخيرة إلى ابن أخيه في بيروت كان قد أرسلها عام ١٨٨٦، وتتناول تدهور وضعه الصحّي، والعمى الذي أصابه، ورغبته بزيارة لبنان. بعد أشهر قليلة، عام ١٨٨٧ توفّي الشدياق، ورجع جثمانه إلى لبنان حيث دُفن في مقبرة الباشوات في الحازمية، في قبرٍ أصبح اليوم محاذيًا لطريق سريع ومغبر، متروكًا للنسيان والاندثار. نويتُ في هذه المقالة أن ألقيَ الضوء على موضوعين: الأول هو التعريف بهذا الأرشيف المهمّ، والثاني هو انتقاء رسائل تسمح لي بأن أؤرّخ للكتابة كمهنةٍ ترضخ للاقتصاد السياسي وهيمنته في حقبةٍ ما. قليلا ما يتناول الباحثون موضوع الكتابة كمهنة وذلك لتعذّر الوصول إلى مراجع تسجّل الأوضاع الاقتصادية للكتّاب. في هذه المقالة أقدّم سردية تستند إلى بعض هذه الرسائل وتربطها بما نَشر الشدياق من نصوصٍ عن الاقتصاد السياسي للبلدان التي سكنها.

الشدياق: عاملٌ ثقافي

اخترتُ من هذا الأرشيف تلك الرسائل التي تسجّل ترنّح الوضع الاقتصادي للشدياق، العامل المهاجر، ورسائلَ تكشف عن التزاماته العائلية طوال حياته. تسمح هذه المختارات أيضًا بتحليل اعتماده على شبكات الرعاية التي كانت ضرورية لمواصلة عمله وطموحه الثقافي وإيفاء واجباته المادّية أمام عائلته. تمنح هذه اللمحات دليلاً يمكن أن يُثري وصف صبري حافظ السوسيولوجي للشدياق (وغيره من كتّاب القرن التاسع عشر) بأنه «عامل ثقافي تحوّل إلى رائد أعمال، كسب المال من بيع سلع ثقافية لجمهور مجهول».2 يقترح حافظ أنّ الكتابة كمهنةٍ في القرن التاسع عشر لم تعُد تعتمد لمزاولتها على راعيين ذوي سلطة، وأنّ الكتّاب استفادوا من التطورات التكنولوجية في صناعة كتابٍ رخيصٍ وسهل المتناول ومطروحٍ بأعداد كبيرة في سوق حرة كأيّ سلعة أخرى. كان الشدياق بلا شكّ رائد أعمال يبيع سلعًا لجمهور مجهول ولكن، وبالنظر إلى هذه الرسائل، علينا أن نحبك سرديّةً أكثر دقةً وقادرة على استيعاب تعقيدات الكتابة كمهنة حديثة بقيت خاضعة من أجل مزاولتها للمموّلين النافذين. حتى عندما أصبح الشدياق مالكًا لوسيلة إنتاج وافتتح مطبعة «الجوائب» الخاصّة به عندما انتقل إلى اسطنبول عام ١٨٦٠، بقي بحاجة إلى دعم مالي متواصل من الدولة ووسطائها. فهو من أيّامه الأولى ككاتب، يعتمد على مصادر دخل ثابتة وغريبة عنه وعن قيَمه. عندما بدأ عمله كاتبًا، كان راتبه يأتي في الغالب من وظيفة ثابتة لدى المرسَلين البريطانيين. وكلّ ما نشره من نصوص مستقلّة في تلك الحقبة من حياته، من كتاب القواعد «اللفيف في كل معنى ظريف» إلى كتاب «الساق على الساق»، لم يكن يكفي قوتَ يومه الذي كان يأتي منتظمًا من المرسَلين الإنكليز حيث كان يعمل مترجمًا ومعلّمًا للّغة العربية.

يمكن القول إنّ حياة الشدياق المهنيّة تشبه، من أوجهٍ، حياة الباحثين المهنيّة في العالم المعاصر، الذين يعملون ويعيشون في كنف دولٍ قوية أو مؤسساتٍ خاصة، في حين أنّ الأرباح الناتجة من إقبال القرّاء مغفلي الهوية على نصوصهم تتراكم عند الناشر والموزّع وغيرهم ممّن يعمل في سوق الكتب. يكتشف القارئ، في هذه الرسائل، أنّه حتى الجريدة التي كان الشدياق يحرّرها لم تعد تدرّ عليه بمبالغ مادّية تسمح له بالاستقلال عن مراكز السلطة. لم تكن «الجوائب» كغيرها من الدوريات. كانت تتمتّع بتوزيع واسع في شمال أفريقيا وأوروبا والمشرق ممّا جعلها وسيلة إعلامٍ نافذة تورّطت مرارًا بمنافسات سياسية كبيرة بين الدول ورؤسائها. يكتب فواز طرابلسي وعزيز العظمة في مقدمة كتابهما من مختارات الشدياق عن تلك الحقبة من حياته ويشدّدان على اشتباك أعماله بأوضاع سياسية عريضة تعزّز صفة العامل الثقافي الهشّ المرتبط باقتصاد سياسي يغرّبه عن نتاجه الفكري:

مارس الشدياق الصحافة قرابة ربع قرن. وفي احترافه تلك المهنة، تحوّل من أديب إلى مثقف بالمعنى الدقيق للكلمة: أي ذلك الذي لا يحترف العمل الذهني وحسب وإنما يملك أيضًا مدخلاً إلى جمهور واسع نسبيًّا ويمارس دورًا في تكوين «الرأي العام» وفي التأثير في السياسات من خلال كتاباته ومواقفه. على أنّ الصحافة المموّلة رسميًّا – إذا كانت وسّعت دائرة جمهور الشدياق وألزمته الكتابة السياسية المنتظمة – إلا أنها طرحت عليه بإلحاح قضية حرية التعبير. فلم يكن ليستسلم أمام مصدر التمويل السلطاني بل سعى إلى «تنويع مصادر التمويل».3

كانت آراء الشدياق السياسية تعرّض أحيانًا التمويل للخطر، خصوصًا عندما كان يرفض الانصياع لأوامر ورغبات أصحاب النفوذ، فيعاقب. أحيانًا، كانت جريدته تُمنع أو تخضع لرقابة مشددة ممّا يضعه في وضع مالي هش، كما حصل معه بعد إصدار العدد ٣٦ من «الجوائب» وتعرّضه لضائقة مادية مدة سنتين عندما أوقفتها السلطات العثمانية عام ١٨٧٩ لرفض الشدياق نشر بيان يحرّض فيه على خديوي مصر.4 لعبت هيكلية الرعاية الدورَ الأكبر في معاش الشدياق واستمرار عمله، حيث جاء التمويل من تونس ومصر واسطنبول، وغالبًا ما كان ذلك يتمّ عبر صلات خاصة بموظّفين وسياسيين متنفّذين، الأمر الذي اضطر الكاتب إلى التعامل مع ساحة دبلوماسية معقّدة، لاسيّما حين كان بعض الأطراف التي ترعاه تخوض صراعًا في ما بينها. وفي حالات التوتر السياسي الشديد، كان يحدث أن يكتب الشدياق نصًّا يثير غضب أحد رعاته، ما يؤدي إلى وقف الدعم المالي منه، الأمر الذي يترك أثرًا على عائلته برمّتها.

وكثيرٌ من الرسائل في هذا الأرشيف كَتبها الشدياق تحت وطأة التقلّبات المالية التي عاشها. معظمها موجّهٌ إلى أخيه وأبناء أخيه في بيروت، وقد أشار فيها مراتٍ عدّة إلى الصعوبات الاقتصادية التي يواجهها، كما كان يعطي توجيهات بكيفية توزيع التحويلات المالية التي يرسلها على أفراد عائلته. ومثل العديد ممّن يقيمون في المنفى، في ذلك الزمن وفي الوقت الحالي، واصل الشدياق الإنفاق على عائلته في لبنان طيلة حياته.5

بداية الشدياق كناسخ

ينحدر الشدياق من عائلة مارست مهنة النسخ لأجيال عدة،6 إذ قدّمت العائلة للكنيسة ولجهاز الدولة البيروقراطي العثماني عددًا من موظفي السكرتارية والكتابة. وقد سعى والد الشدياق إلى مواصلة هذا التقليد عبر تدريب أبنائه كافّة على فنون الكتابة والقراءة والرياضيات، إذ درّسهم بنفسه وأرسل بعضهم إلى مدرسة «عين ورقة». في إطار تلقّيهم التدريب على عمل النساخة، تعلّم طلَبة مدرسة «عين ورقة» اللغات السريانية والإيطالية والعثمانية، إلى جانب العربية، وبعض علوم عصر النهضة الأوروبية التي لاقت رواجًا في إيطاليا وتُرجِمت إلى العربية في المدرسة المارونية التي درَس فيها العديد منهم.7 عمل إخوته جميعًا نُسّاخًا لدى جهات راعية متعددة، بينها الكنيسة والأمراء المحليون والجهاز البيروقراطي العثماني، وأدّوا مهمات سكرتارية متنوعة لأربابهم، بينها الترجمة وتدبيج الرسائل أو الوثائق، وأحيانًا التعليم. ولعلّ بعضهم كَتب قصائدَ في مدح رؤسائه، لكنّ عملهم، في جوهره، ظلّ بعيدًا عن الإبداع الأدبي. وحدهما الشدياق وشقيقه الأكبر أسعد، عملا لدى مبشّرين بروتستانت ناطقين بالإنكليزية. وبرغم شهرة شقيقه طنّوس، الذي كتب كتابَ تاريخٍ شاملاً عن أعيان جبل لبنان،8 وأسعد الذي كسب شهرةً لاعتناقه البروتستانتية وموته في سجن الكنيسة المارونية في قنّوبين،9 كان فارس الوحيد بين إخوته الذي نجح في التحوّل من ناسخٍ إلى أديبٍ ومترجم. بقي اسمه معروفًا لم يطوِه النسيان، وخلّف وراءه إرثًا أدبيًّا اشتمل على عدة أعمال أدبية رائدة وجريدة استمرّ نشرها زمنًا طويلاً. إلا أنه لم يكن الناسخ الوحيد الذي تحوّل إلى أديب في أوائل عصر النهضة.

من أبرز العوامل التي ساهمت في هذا التحوّل لدى الشدياق من ناسخٍ إلى أديب، خلال القرن التاسع عشر، مهارتُه العالية في الترجمة في زمنِ تحوُّلٍ واسعٍ وكبير. «كان جيله هو جيل المثقفين الجديد الذي كسب قوت يومه من الترجمة والصحافة والتعليم، وكان على صلة وثيقة بالمبشّرين البروتستانت من إنكلترا والولايات المتحدة».10 هكذا بدأت مسيرته المهنية مع مُبشِّرين أميركيين وإنكليز، حيث علّمهم العربية، ومن خلال ذلك العمل، أتقن الإنكليزية والفرنسية.

كان للمبشِّرين تأثير «مُهَيمِن» على هؤلاء الشباب السوريين اللبنانيين، الذين تحوّلوا من النساخة إلى الكتابة الأدبية، وساعدهم على ذلك دعم رعاة أوروبيين وأميركيين. وينطبق مفهوم غرامشي للهيمنة على هؤلاء الرعاة، من حيث كونهم مارسوا «قيادة فكرية وأخلاقية»11 زرعت التعاون أو العمالة في هؤلاء الرجال، التي يصفها أسامة مقدسي بأفضل صورة بقوله إنّ «العمالة ليست مجرد خيانة بضعة أفراد «للأمّة»، بل هي أوسع انتشارًا وأكثر تعقيدًا، فهي العُرف لا الاستثناء على المستوى الفردي».12 تمتّع النُسّاخ الشباب بمهارات جديدة اكتسبوها مع المبشِّرين، وبمعرفة اكتسبوها من ترجمة أعمال من اللغات الأوروبية. من خلال عملهم هذا، كان هؤلاء الكُتّاب جسرًا انتقلت عليه الهيمنة الثقافية للمبشِّرين، فساعدتهم على التأثير في السكان المحليين. كلٌّ من الشدياق ومعاصره بطرس البستاني، وغيرهما ممّن تلقوا تدريبًا مشابهًا، بدأوا مسيرتهم المهنية بترجمة الأعمال الأدبية والدينية الغربية بتكليفٍ من المبشرين.13 ولسوف يتبيّن أنّ هذه العلاقة بين النسّاخ والمبشرين لعبت دورًا جوهريًّا في الأعمال الأدبية التي كتبوها بعد انتهاء عملهم لدى المبشِّرين، كما بيّنتُ في أبحاثٍ أخرى.14

الهجرة والبحث عن الدخْل

سمح الشدياق لنفسه بأن يتأثّر بالمبشّرين الذين عمل معهم، لا لأنّ المعرفة التي حملوها معهم كانت المعرفة المهيمنة في القرن التاسع عشر فحسب، بل لأنّ العائد المالي لهذا العمل كان كبيرًا أيضًا. كان الكسب المالي أحد دوافعه الأساسية للعمل مع المبشّرين، إذ تلقّى أجرًا سنويًّا بلغ ١٥٠ جنيهًا استرلينيًّا حين عمل مترجمًا لدى البريطانيين في كامبريدج، في حين كان بطرس البستاني يتقاضى، في الفترة نفسها، ربع هذا المبلغ في بيروت مع الأميركيين. أمّا المشرف على الشدياق والمتعاون معه، جورج بادجر، فكان يتقاضى ٤٠٠ جنيه استرليني لقاء عمله في نفس المشروع مع الشدياق.15

في كتبه ورسائله، يتحدث الشدياق عن غربته عمّن يعمل لصالحهم، وعن ظروف عمله غير المستقرة. وفي فصل الشدياق من كتابي، ركّزتُ على شعوره بالغربة عن المبشّرين،16 لكن الرسائل تكشف أنه شعر بالدرجة نفسها من عدم الارتياح في اسطنبول. في إحدى الرسائل التي يذكر فيها احتمال أداء خدمة ليساعد ابن أخيه في الحصول على وظيفة، يكتب إلى ابن أخيه بالكتابة التي يسمّيها اللبنانيون «الكرشوني» كي يتجنّب أن تُكتَشف حقيقة مشاعره نحو الحكومة، التي يقول عنها: «ليس لي تعلّق بهذه الدولة أصلاً لأني لستُ في خدمتها، وأكبر أعدائي هو ناظر الخارجية فإذا كان هذا المتصرّف من حزبه وعَرف أنّ في خدمة الحكومة بعضًا من أقاربي لطردَهم لا محالة».17 حكم هذا التقلّب في علاقته بالسلطة مسيرتَه المهنية كاملة، ولا بدّ من دراسة تأثيره على كتاباته.

من الأحداث الدراماتيكيــة التي تذكرها الرسائل، المنافسة التي خاضها الشدياق مع المطران الحلبي أتناسيوس التوتنجي.18 تنافس الرجلان على ترجمة «كتاب الصلوات العامّة» إلى العربية، وتمكّن التوتنجي من الحصول على التكليف بتقديمه نموذجًا رديئًا وبشنّه حملة تشويه ضد الشدياق. في كتاب «الساق على الساق»، يغتنم الشدياق الفرصة ليسخر من الرجل، ويصف أسلوبه بالركيك، ويكتب عدة صفحات في هجائه، ويفلت قلمه للنعوت فيكتب:

المطران أتناسيوس التوتنجي حلبي البُشكاني الشلّاقي الشَوْلقي الاِنقافي النشّافي المقسقسي اللطّاعي النَظّاعي المُصنوي الحتُفلي الأَرْشمي الثُرْتميّ القَدِيحي التخمّمي الإمّعي.19

كما جادل كريستيان يونغي عن أسلوب «الساق» الجمالي. رَبَط الشدياق القيمة المالية بالقيمة المعنوية الكامنة في الكلمات: «كلّما كثرت الكلمات الدالة على الشيء كلّما زادت قيمته»، فلذلك أمعن الشدياق في تعديد مفردات الأشياء في كتاباته.20 وفي الرسائل، نقرأ عن تردّي الوضع الاقتصادي للشدياق في مالطة بسبب حملة التوتنجي ونجاحه في الحصول على مهمّة الترجمة التي كان يرغب فيها. ردّ كاتبُنا بالطريقة التي يتقنها، وهي كتابة قصيدة هجاء طويلة أرسلها إلى أخيه مع تعليمات له بأن يرسل بضعة أبيات منها كلّ أسبوع إلى التوتنجي بالبريد من دون ذكر اسمِ مُرسِل، وذلك ليسخر منه علنًا، «فقال الشاعر إذا لا تنفع فضر... ثم إن جميع ما نظمته في حق الحمار وصل ليده إلا بعض التواريخ وذلك بأن أبعثه على يد رجل بغير خطي فيقول له الرجل أن رجلاً قدِم من الشرق وسلّم لي هذا المكتوب باسمك».21 فالشدياق كان على ثقة بأنّ خصمه لا يتقن العربية ولن يجد كلمات فعّالة يردّ بها.

ترجمةُ هذه القصيدة معروفة للباحثين، وهي موجودة في أرشيف الإنجيل في كامبريدج. أمّا النسخة العربية للقصيدة الكاملة فموجودة فقط في هذا الأرشيف الشخصي وتمتدّ على عشرين صفحة، ويتضمّن الأرشيف أيضًا الترجمة الكاملة مع مقدّمة للمترجم. ترك نجاح التوتنجي في إزاحة الشدياق والحصول على التكليف بالترجمة أثرًا على وضعه المالي الذي تدهور سريعًا، فاضطر إلى طلب الدعم من والد زوجته في الإسكندرية.22 وفي رسالته لأخيه، يطلق العنان لمرارته، لكنّ الشدياق عاد، في المحصلة، إلى عمله السابق، وكُلِّف بترجمة «كتاب الصلوات العامة»، ثم بترجمة الإنجيل. بشهادة من كلّفه بذلك، فإن «السيد فارس من العالم مبحرٌ في العربية».23 كانت ملَكته في اللغة ثمينة جدًّا،24 يقدّرها أصحاب السلطة بقدر ما كان يضعها الشدياق في خدمة مصالحهم. أمّا حين تقوده براعته الأدبية إلى ما هو خارج عن إطار خدمة السلطة، فكان الشدياق يتعرّض إلى انقطاع الدخْل ليجد نفسه في عوَزٍ مالي.

تؤكد كثرةُ تنقّل الشدياق بين البلدان في النصف الأول من حياته الصعوباتِ التي واجهها في تأمين دخل، وعدم قدرته على الحفاظ على عمله لمدة كافية لإنشاء علاقات مستقرة في المدن التي عمل فيها.25 وتركت الرأسمالية المتسارعة التي وجدها في لندن الأثر الأكبر في تكوين الشدياق نظرته للاقتصاد السياسي، حيث كتب نصوصًا طويلةً عن آلية سير الرأسمالية في لندن واسطنبول وغيرهما من المدن التي أقام فيها. كان الشدياق حساسًا للتفاوت المجحف بين الطبقات فكتب ينتقد زيف الازدهار في الاقتصاد الغربي وربطه بالتوسع الاستعماري، وبذلك قدّم نموذجًا فريدًا يختلف عن كتّاب عصره الذين اعتبروا الغرب قدوةً في الحضارة والحداثة. قد تكون دقة الملاحظة إزاء الشؤون الاقتصادية نابعةً من انخراطه في القطاعات التي كان يصفها وهو يفتّش عن أعمال تساعده في تحسين وضعه المادي. فها هو يكتب في وصف مركز لندن المالي، «سيتي»، في «كشف المُخبَّأ عن فنون أوربا»:

قد تقدّم الكلام على هذا الخط من حيث اشتماله على أعظم المباني الكائنة في لندرة... إنّ هذا الخط الفريد هو مركز الأشغال العظيمة والمبايعات الجسيمة لأغنياء تجّار الإنكليز. فما من بناءٍ فيه إلا وهو مصدرٌ للحركة والعمل، وما أحدٌ يخطو فيه إلا للكسب والشغل، ولا يتحرك به لسانٌ إلا للنفع والفائدة، ولا تطلع عليه شمس ولا يوقد فيه نور إلا للسعي، ولا يخلج صدر مخلوق خاطر إلا للتحصيل والاقتناء. فترى كلّ واحد من أهله فاتحًا عينيه وفمه لأكل الدنيا وما فيها.26

تأتي هذه الملاحظات من جرّاء احتكاكه المباشر مع العاملين في قطاع التجارة حيث كان يعرض خدماته اللغوية على التجّار فيكتب لهم الصكوك والرسائل لقاء أجر يحسّن دخله العام ويسمح له بمزاولة عمله الكتابي. كان الشدياق مرهف السمع لكلام التجّار والموظفين العاملين في الأسواق المالية وأسلوبهم في الكتابة، ولم يكن يصغي لهم فقط للسخرية منهم وإنما أيضًا كي يروّج لنفسه ككاتب فذّ يسعى إلى كسب رزقه من خلال مزاولة أعمال سكرتاريا وترجمة ونسخ. يوجد في الأرشيف رسالة واحدة تبرهن أنه مارس العمل السكرتاري الحرّ، وهي صكّ تجاري مُرسَل من ليفربول. يسجّل هذا المكتوب نيةَ الأخوين عرقتنجي في الإقدام على التّجارة مع الشرق. الرسالة مصوغة بعربية سليمة تتبع أعراف قواعد اللغة وفي الأسلوب المنمّق لذلك الزمن. يكتب الشدياق في «كشف المُخبَّأ» عن ركاكة عبارة التجار العاملين في «سيتي»، خاصةً العرب منهم الذين ليسوا قادرين على صياغة أبسط العقود التجارية التي على أساسها تنتقل السلع بشراهة من إنكلترا إلى الأقاليم العربية:

ولا شكّ أن تجّار لندرة عمومًا، وتجّار هذا الصقع خصوصًا، أغنى من جميع تجّار أوروبا، إلا أنهم دونهم في الظرف والكياسة وعبارتهم ركيكة، بخلاف تجّار فرنسا فإنهم مشاركون لذوي العلم والدراية، وعبارتهم وإن تكن دون عبارة علمائهم، إلا أنها بالنسبة إلى كلام تجّار الإنكليز عالية. كما أنّ عبارة هؤلاء بالنسبة إلى عبارة تجّار بلادنا في غاية الفصاحة، ولعمري إنّ تاجرًا يكتب: لق، أي لا.27

ويعدد بعدها أخطاء اللغة التي يرتكبها التجّار العرب الذين احتكّ بهم في سوق لندن. ليس مؤكدًا أن الرسالة من كتابة الشدياق، أو أنه تقاضى مقابلها أجرًا، ولكن نظرًا إلى أنها بخطّ يده وإلى أن محتواها لا يبدو موجهًا إلى أيّ من أفراد عائلة الشدياق، أو يشير إلى أيّ من أعمالهم أو أعمال غيره من الأشخاص الذين كان الشدياق يتواصل معهم عادة، أستنتج أن هذه الرسالة عيّنة من عمل إضافي مارسه الشدياق في بحثه المستمر عن عملٍ كناسخ ليتمكن من الإنفاق على نفسه ليكتب ما يرغب في كتابته (كان في تلك الفترة منكبًّا على كتابة «الساق على الساق»)، ولعلّه كان يفكر في تلك الفترة بقطع علاقته بالمُبشِّرين.28

من كتاب «الساق على الساق» نعرف أنّ الشدياق جرّب التجارة بضع مرات في المناطق السورية. بعد سفره إلى مالطة، يبدو أن شقيقه طنّوس طلب مساعدته في بعض المشاريع التجارية. لا نجد في الرسائل إشارةً إلى اهتمام الشدياق بطلب أخيه في مجال التجارة، حيث يخبر شقيقه بأنه لا يملك رأس المال اللازم ليكون ضامنًا لمغامرة أخيه التجارية.29 ولكننا نجد إشارةً إلى أن ابنه سليم، الذي كان قد أرسله إلى رئيس وزراء تونس الأمير مصطفى، كان قد أشرف على شحنة أسلحة من فرنسا لصالح الأمير، ما يسمح لنا بالتخمين بأن مهمّات كهذه كانت بين المهمّات التي ينتظرها منه رُعاتُه الذين كان يخدمهم في أعمال سكرتارية بين وقت وآخر. كان الشدياق يردّ جميلاً من خلال توظيف ابنه في خدمة خطيرة كهذه لكون الأمير أحد الراعين الكبار لكتاب «سرّ الليال في القلب والإبدال» (١٨٦٨)، حيث منحه ١٠ آلاف فرنك للتفرّغ للكتابة.30

في رسالة تعبير عن الامتنان، يُبلِغ الشدياق الأمير بأنه أرسل ابنه سليم ليكون تحت تصرّفه، وبأنه سيوزِّع مائة نسخة من الكتاب على الجمعيات العلمية والمكتبات الأوروبية، وبأنّ النسخ جميعها ستذكر في الصفحة الأولى هبةَ الأمير الكريمة. وخُصِّصت مئتا نسخة من الكتاب للتوزيع في تونس وحدها.31 ويبدو أنّ الباي قد أرسل المبلغ على دفعات أرفقها أحيانًا بهدايا ثمينة، مثل المزهرية المرصّعة التي تلقّاها الشدياق منه في إحدى المناسبات الرسمية. كانت هذه الهبات بالغة الأهمية لكتابات الشدياق، وأدّى انقطاعها إلى تعطّله عن الكتابة.

مشاكل جريدة «الجوائب»

تعرّضت جريدة «الجوائب» على وجه الخصوص للمشاكل والعوَز. في هذا الأرشيف الشخصي، نكتشف البدايات المبكرة لفكرة نشر الجريدة. بدأ المشروع كخدمة سكرتارية. كان الشدياق يومها في باريس وهو بالكاد قادر على تدبير أموره بنفسه. فكتب لباي تونس «أعرض أني قد بعثت سابقًا لجنابكم الرفيع بما رأيت تعريبه من الأخبار جديرًا بأن يعرض على مسامعكم الفرصة فبادرت إلى تعريب ما وجدته في عدة جرنالات راجيًا أن يصادف وصوله ساعة رضى».32 بدأت فكرة «الجوائب» كعرض قدّمه الشدياق لرؤساء تونس بأن يترجم لهم التقارير الإخبارية من الفرنسية والإنكليزية بشكل منتظم مقابل أجر محدد. ولكن عندما حصل على تمويل من اسطنبول شرَع بإنشاء إحدى أهم الدوريات العربية في ذلك العصر. بعد انتقال الشدياق إلى اسطنبول بدأ ينشر لجمهور واسع ومجهول الهوية وليس لأعيان معروفين كما كان قد خطط. في السنين الثلاث الأولى من نشأتها، كانت «الجوائب» عبارة عن ترجمات من الصحافة الفرنسية والإنكليزية والطليانية والتركية، كما نشر بعد العنوان على الصفحة الأولى فلم يكن فيها محتوى أصلي إلا في السنوات اللاحقة وذلك إلى جانب ما كان يترجم من صحف ولغات أخرى.

حظيت «الجوائب» بانتشار واسع، وامتدّت دائرة قرّائها من شمال أفريقيا إلى بريطانيا وفرنسا وألمانيا ومصر والمشرق. لكنّها وبالرغم من أهمّيتها وشهرتها، لم تكن دائمًا مشروعًا ماليًّا رابحًا. فالسوق لم يحلّ مكان التمويل ولم يسمح للشدياق بتخفيف وطأة سحب الدعم المالي. لم يكن الموزعون دائمًا أمينين في تعاملهم مع الشدياق، ولم يحوّلوا له المبالغ المتّفق عليها، أو حوّلوا أقلّ ممّا كان الشدياق يتوقع. يشير آمي أيالون إلى هذه الحالة الاقتصادية حين يكتب أن «العقبات والأداء السيئ وغيرها من العوامل المادّية والتنظيمية كانت من المعالم الأساسية في نتاج الشدياق الأدبي» بما ترك أثرًا في عمله وفي إرثه الأدبي.33 لم يترك الباعة الجوّالون ووكلاء التوزيع صورةً واضحةً عن عائدات هذه المنتجات المنشورة، وفي بعض الحالات، لم يتقاضَ الشدياق أيّ أجر على كتاباته.34

كما كتب الشدياق إلى أولاد أخيه القلقين على أحوال عمّهم المادية، أنّ أمواله الشحيحة ليس سببها زوجة مسرفة، وإنما مهنتُه الصحافية المتقلّبة هي السبب «فإن قلت لأيّ سبب تكتبها إذًا قلت إنْ هي نعمة في النفس كنظم الشعر وغيره».35 أدّت هذه الانتكاسات الاقتصادية إلى صعوبات كبيرة في وجه الشدياق وأهل بيته، بالإضافة إلى عائلة الشدياق عمومًا في لبنان. رسائل الأرشيف تكشف أيضًا عن حاجة الشدياق للتفاوض والتلفيق المستمرّ بين سلطات مختلفة من أجل تقوية وضعه الاقتصادي الهشّ. وفي رسالة بعثها إلى الدولة المصرية قبل أشهر من وفاته، نجده يعدد المرات التي تسلم منحًا من ديوان الخديوي والسؤال عن سبب توقف هذه المنح في شيخوخته وعندما لم يعد قادرًا على العمل.36

مسؤولياته العائلية

على الرغم من مغادرته وطنه من دون عودة في سنّ الخامسة والعشرين، حافظ الشدياق على تواصل منتظم مع عائلته في لبنان، ودعم شقيقه بالإشراف على شؤون أبنائه، حيث ناقش معه تفاصيل المدارس واحتمالات العمل في المستقبل، وحدّث شقيقه طنّوس، الذي كان الطرف الأساسي في مراسلاته العائلية حتى مماته، عن شكوكه بأن زوجته الأولى تقيم علاقة خارج إطار الزواج مع خادم مالطي، وشكى له من إنفاقها المال على الترّهات،37 وعبّر له عن قلقه من أن أبناءه لا يتحدثون العربية بطلاقة.38 تتجلّى هذه المخاوف، التي يعرفها قارئ كتاب «الساق» في سياق محاولة الكاتب مواجهتها وفهمها والتعامل معها، بحالتها الأصلية في الرسائل، وهي مخاوف سبّبتها حالة الاقتلاع من الجذور والترحال الدائم.

يشير كشفه عن هذه التفاصيل الحميمة لطنّوس عن علاقتهما الوثيقة برغم البعد الجغرافي، وأن الخلافات بين الشقيقين لم تُفسِد هذه العلاقة، مثل تأنيب الشدياق لطنّوس لأنه لم يذكر شقيقهما الشهيد أسعد في كتابه عن أعيان جبل لبنان.39 أدرك الشدياق أنّ طنّوس لم يذكر شقيقه بسبب اعتناقه البروتستانتية، ولذلك، يؤنّبه على إغفال ذكره، ويعدّد إنجازات أسعد.40 كما انتقد الشدياق شقيقه بسبب مبالغته في وصف إنجازات زعماء الجبل المحليين، وإغفاله ذكر ترجمة الشدياق للإنجيل، وهو العمل الذي افتخر به كما قال لشقيقه. لا يصل الأمر بالشدياق إلى التشكيك في دوافع طنّوس ويمتنع في الرسائل عن التعبير عن الغضب،41 بل يحافظ على موضوعيته ويتعامل مع شقيقه بالاحترام الذي تفرضه الزمالة في العمل، من دون أن يخفي خيبة أمله من عيوب الكتاب. وعند وفاة شقيقه، كلّف الشدياق نفسه مسؤولية العناية بأرملته وأبنائه، وأرسل لهم المال بانتظام، وحوّل عائدات «الجوائب» في جبل لبنان إلى دخلٍ ثابت لهم.42

وحين أشار أبناء شقيقه إلى احتمال أنّ زوجته الثانية مُبذّرة، أنّبهم بلطف على ذلك ولكن من دون اللغة القاسية التي كان معروفًا بها بين قرّائه. أظهر الشدياق رقّة شديدة في التعامل مع عائلته، ودعم أبناء أشقائه وتوسّط لهم في وظائف عدة داخل جهاز الدولة العثمانية البيروقراطي. يكشف هذا العطف الثابت لعائلته عن توقه لمصير أقل اغترابًا طيلة حياته. نادرًا ما يواجه القارئ شعور الفَقدان المصاحب للمنفى في كتابات الشدياق، إذ يبرع الكاتب في إخفائه وراء لغته المرِحة. إلا أنّ الحنين الناتج من الغربة هو ما غذّى، باستمرار، اهتمامه بالحالة السياسية في جبل لبنان، وهو ما يمكن أن يفسّر نشره لتقارير من المتصرّفية، بين وقتٍ وآخر، في «الجوائب».

كتبتُ في مكان آخر أنّ الشدياق ينتمي إلى لغةٍ لا إلى مكان، وما زلتُ على قناعة بذلك إلى حدّ بعيد. ولكنني، بعد قراءتي لرسائله، أتساءل عن مدى قطع الشدياق حقًّا لصلاته مع وطنه.43 لقد منحته الصلات العاطفية التي حافظ عليها، والتي تعزّزت بالتزاماته المالية تجاه أفراد عائلته، حقّه في أن يكون له رأي بحوادث بلده الأصلي. فخروجه من بيروت ما كان إلا هروبًا من موت- كان قد لحق بأخيه الأكبر أسعد، وبقاؤه في المنفى كان إلى حدّ بعيد مرتبطًا بتحصيله معاشًا وظروف عمل أفضل ممّا كان متاحًا في سورية في ذلك الوقت، فكان له تأثير إيجابي في معاش العائلة الباقية في بلده الأصلي. بهذا المعنى، يقدّم لنا الشدياق مثالاً على البعد السياسي للتحويلات المالية من الجاليات المغتربة، ومثالاً مبكرًا على عمل المثقف المنفي في زمن تغيُّر كبير في الاقتصاد السياسي للعمل الثقافي.

اخترتُ ظروف الشدياق الاقتصادية المتقلّبة موضوعًا لهذه الورقة للإضاءة على ارتباط مسيرة المثقفين المهنية بانعدام الأمان الاقتصادي، وهو موضوع لا تبحثه الدراسات الأكاديمية الحالية للنهضة العربية إلا لمامًا. ومن شأن دراسة الأوضاع الاقتصادية للمثقفين أن تساعدنا على فهم نصوصهم على نحوٍ أفضل وأوضح، وفهم التغيّر في توجهات كتاباتهم خلال عملهم لكسب قوت يومهم. ويُتيح أرشيف الشدياق الشخصي لمحة نادرة عن هذا الموضوع، ويمكن أن يساهم في الإصرار على أنّ دراسة الشدياق وأعماله ليست «ملهاة» كما وصفها ذات يوم اسطفان شيحا،44 بل من شأنها المساهمة في تحليل الاقتصاد السياسي للنهضة العربية والتدقيق بالعمل الثقافي كمهنة مرتبطة بسوق رأسمالي متسارع وشديد التنافس.

 

 

المراجع

    إسكندر، رينيه. مدرسة عين ورقة ودورها التربوي في لبنان. بيروت: ناشر غير معروف، ١٩٧٢.
    أيالون، أمي. ثورة الطباعة بالعربية: الإنتاج الثقافي وانتشار القراءة. كامبريدج: منشورات جامعة كامبريدج، ٢٠١٦ (بالإنكليزية)
    بيتس، غراهام أومان. «المنظومة الحيوية للهجرة: التحويلات في جبل لبنان خلال الحرب العالمية الأولى». نشرة الدراسات العربية. ٢٦.٢ خريف ٢٠١٨ ص ص ١٠٣-١٣٠ (بالإنكليزية).
    جونغ، كريستيان. «الحديث عن الأشياء بالقوائم: التعداد في النثر العربي». نشرة الأدب العربي. العدد ٥٠. ٢٠١٩. ص ص ٧٨-٢٩٧. (بالإنكليزية).
    حافظ، صبري. تحولات الخطاب السردي العربي: دراسة في سوسيولوجيا الأدب العربي الحديث. لندن: دار الساقي، ١٩٩٣ (بالإنكليزية).
    خير الله، ستيفن. «أول مدرسة مارونية في جبل لبنان: صورة تاريخية»، تحرير: الجامعة السورية الأمريكية. نيويورك، ١٩٢٣ (بالإنكليزية)دي طرازي، فيليب. أصدق ما كان في تاريخ لبنان وصفحة من أخبار السريان. بيروت: دار الكتب اللبنانية، ١٩٤٧ (جزءان).
    ديفيس، همفري. «الملاحظات الختامية في الشدياق، أحمد فارس». الساق على الساق في ما هو الفارياق. ترجمة: همفري ديفيس. نيويورك: منشورات جامعة نيويورك، ٢٠١٣ (جزءان) (بالإنكليزية).
    الشدياق، أحمد فارس. «مذكّرات رحلات أحمد فارس الشدياق»، ترجمة: رنا عيسى وسونيلا موباي. فضاء عام، العدد ٢٧ (٢٠١٩)، ص ٣٦-٥٧ (بالإنكليزية).
    الساق على الساق فيما هو الفارياق. ترجمة: همفري ديفيس. نيويورك: منشورات جامعة نيويورك، ٢٠١٣ (جزءان( (بالإنكليزية).
    الواسطة إلى معرفة أحوال مالطة وكشف المُخبَّأ عن فنون أوربا (بيروت: كتب، ٢٠٠٢)
    الشدياق، طنوس. أخبار الأعيان في جبل لبنان. بيروت: الجنان، ١٨٥٩ (جزءان).
    شيحي، ستيفن. «نحو نظرية نقدية للإبستيمولوجيا والإيديولوجيا ورأس المال». نشرة الأدب العربي، ٤٣، عدد ٢ - ٣ (٢٠١٢)، ص ص ٢٦٩-٢٩٨ (بالإنكليزية).
    الصلح، عماد. أحمد فارس الشدياق: آثاره وعصره. بيروت: شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، ١٩٨٧.
    طرابلسي، فواز. «أحمد فارس الشدياق: ١٨٠٤-١٨٨٧: (البحث عن حداثة أخرى». في جنس هانسن وماكس فايس) محررين. الفكر العربي بعد عصر التحرير: نحو تاريخ فكري للنهضة العربية. كامبريدج: منشورات جامعة كامبريدج، ٢٠١٧ (بالإنكليزية).
    طرابلسي ، فواز وعزيز العظمة. أحمد فارس الشدياق (بيروت: رياض الريس، ١٩٩٥).
    طيباوي، عبد اللطيف. المصالح الأميركية في سوريا: ١٨٠٠-١٩٠١ دراسة للعمل التعليمي والأدبي والديني. أوكسفورد: كلارندون ب، ١٩٦٦ (بالإنكليزية).
    العريس، طارق. تجارب الحداثة العربية: المشاعر الأدبية والمفاهيم السياسية الجديدة. نيويورك: منشورات جامعة فوردهام، ٢٠١٣ (بالإنكليزية).
    «حول الطباخين والنصّابين: أحمد فارس الشدياق والمستشرقون في إنكلترا وفرنسا في أربعينيات وخمسينيات القرن التاسع عشر» في استقبال المسلمين للاستشراق الأوروبي. تحرير: سوزانا هيشيل وعمر رياض. لندن: روتليدج، ٢٠١٨ (بالإنكليزية).
    عيسى، رنا. الإنجيل العربي الحديث: الترجمة والانتشار والأثر الأدبي في القرن التاسع عشر. إدنبرة: منشورات جامعة إدنبرة، ٢٠٢٢ (بالإنكليزية).
    «نسخة الشدياق-لي (١٨٥٧) نموذج عن إنجيل عربي غير مطابق من القرن التاسع عشر» في ميريام هجالم، محررة، معاني النص الديني وكنوز التقاليد: الإنجيل بالعربية بين اليهود والمسيحيين والمسلمين. ليدن: أبريل، ٢٠١٧ (بالإنكليزية).
    «تحولات وقرابات: بيبليا أرابيكا والترجمة في النهضة العربية» في: سامية محرز، محررة. على خطى الآخر: دراسات الترجمة بالعربية اليوم. القاهرة: الكتب خان، ٢٠٢٠ (بالإنكليزية).
    غرامشي، أنطونيو. مختارات من دفتر ملاحظات السجن. ترجمة: كوينتين هور وجفري ويل سميث. نيويورك: إنترناشونال ببلشرز، ١٩٧١ (بالإنكليزية).
    فغالي، أنطوانيت جوزيف. مدرسة عين ورقة: قضايا ملكية وإدارية، (الجامعة اللبنانية، ١٩٧٨).
    لي، سامويل وآخرون. «محاضر اجتماعات لجنة الترجمة الأجنبية» في أرشيف لجنة الإنجيل، تحرير: لجنة نشر المعرفة المسيحية، كامبريدج: لجنة نشر المعرفة المسيحية، SPCKMS A16/2, 1844 47 (بالإنكليزية).
    مقدسي، أسامة. مدفعية السماء: المُبشِّرون الأميركيون وفشل تحويل الشرق الأوسط إلى المسيحية. ترجمة ريما العيسى (بيروت: دار الآداب، ٢٠١٩).
    ثقافة الطائفية: المجتمع والجاليات والعنف في لبنان القرن التاسع عشر تحت الحكم العثماني. أوكلاند: كاليفورنيا ديجيتال ليبراري، ٢٠٠٣ (بالإنكليزية).

 

  • 1. أتوجه بالشكر لياسر الزيّات والعاملين في دوكستريم لمساعدتي في نقل نسخة أولية من هذا المقال إلى العربية، ولباربرا وينكلر لإصرارها أن أنشر مقالة تستند على هذا الأرشيف في كتاب من تحريرها عن الشدياق قيد النشر.
  • 2. صبري حافظ، تحوّلات الخطاب الروائي العربي: دراسة في سوسيولوجيا الأدب العربي الحديث (لندن: دار الساقي، ١٩٩٣)، ص ٥٧ (بالإنكليزية).
  • 3. فواز طرابلسي وعزيز العظمة. أحمد فارس الشدياق (بيروت: رياض الريس، ١٩٩٥)، ٢٣.
  • 4. المصدر السابق، ٢٤.
  • 5. بدأ موضوع التحويلات مؤخرًا بحيازة الاهتمام. انظر مثلاً: غراهام أومان بيتس، «المنظومة الحيوية للهجرة: التحويلات في جبل لبنان خلال الحرب العالمية الأولى»، نشرة «الدراسات العربية»، ٢٦.٢ (خريف ٢٠١٨)، ص ١٠٣-١٣٠ (بالإنكليزية).
  • 6. فيليب دي طرازي، أصدق ما كان من تاريخ لبنان وصفحة من أخبار السريان، في جزءين، ج (بيروت: دار الكتب اللبنانية، ١٩٤٧)، ص ٧٠-٧٦.
  • 7. أنطوانيت جوزيف فغالي، عين ورقة: قضايا ملكية وإدارية (جامعة لبنان، ١٩٧٨). رينيه إسكندر، مدرسة عين ورقة ودورها التربوي في لبنان (بيروت، ناشر مجهول، ١٩٧٢). ستيفن خير الله، أول مدرسة مارونية في جبل لبنان: صورة تاريخية، تحرير: الجامعة السورية الأمريكية (نيويورك، ١٩٢٣) (بالإنجليزية).
  • 8. طنوس الشدياق، أخبار الأعيان في جبل لبنان (بيروت: دائرة المعارف، ١٨٥٩) في جزءين.
  • 9. أسامة مقدسي، مدفعية السماء. ترجمة ريما العيسى (بيروت: دار الآداب، ٢٠١٩).
  • 10. فواز طرابلسي، «أحمد فارس الشدياق (١٨٠٤-١٨٨٧): البحث عن حداثة أخرى»، الفكر العربي بعد عصر التحرير: نحو تاريخ فكري للنهضة، تحرير: جنس هانسن وماكس فايس (كامبريدج: منشورات جامعة كامبريدج، ٢٠١٧)، ص ١٧٥-١٨٦. (بالإنكليزية).
  • 11. أنطونيو غرامشي، مختارات من دفتر ملاحظات السجن، ترجمة: كوينتين هور وجفري ويل سميث (نيويورك: إنترناشونال ببلشرز، ١٩٧١)، ص ٥٧ (بالإنكليزية).
  • 12. أسامة مقدسي، ثقافة الطائفية: المجتمع والجاليات والعنف في لبنان القرن التاسع عشر تحت الحكم العثماني (أوكلاند: كاليفورنيا ديجيتال لايبراري، ٢٠٠٣) (بالإنكليزية).
  • 13. رنا عيسى، «تحولات وقرابات: بيبليا أرابيكا والترجمة في النهضة العربية»، تحرير: سامية محرز، على خطى الآخر: دراسات الترجمة بالعربية اليوم (القاهرة: الكتب خان، ٢٠٢٠)، ص ٢٠١-٢١٠ (بالإنكليزية).
  • 14. رنا عيسى، الإنجيل العربي الحديث: الترجمة والانتشار والأثر الأدبي في القرن التاسع عشر (إدنبرة: منشورات جامعة إدنبرة، ٢٠٢٢) (بالإنكليزية).
  • 15. «لقاء لجنة الترجمة الأجنبية»، في محاضر لجنة الترجمة التابعة لجمعية نشر المعرفة المسيحية، تحرير لجنة نشر المعرفة المسيحية (كامبريدج: أرشيف جمعية الإنجيل في كامبريدج. ملف رقم SPCK.MS A(١٦/٢, ١٨٤٧) (بالإنكليزية). فاوض على زيادة راتبه، حيث تقاضى في البداية ١٠٠ جنيه. أنظر ع. ل. طيباوي، المصالح الأمريكية في سوريا ١٨٠٠-١٩٠١: دراسة للعمل التعليمي والأدبي والديني، أكسفورد: دار أكسفورد الجامعي، ١٩٦٦) ص ٢١٠ (بالإنكليزية).
  • 16. انظر: رنا عيسى، الإنجيل العربي الحديث: الترجمة والانتشار والأثر الأدبي في القرن التاسع عشر (إدنبرة: منشورات جامعة إدنبرة، ٢٠٢٢) (بالإنكليزية). رنا عيسى، «نسخة الشدياق- لي (١٨٥٧): نموذج عن إنجيل عربي غير مطابق من القرن التاسع عشر» في: ميريام هجالم (محررة)، معاني النص الديني وكنوز التقاليد: الإنجيل بالعربية بين اليهود والمسيحيين والمسلمين (ليدن: بريل، ٢٠١٧). (بالإنكليزية).
  • 17. ٦ شهر محرم الحرام، ١٢٩٠. (٦ آذار ١٨٧٢). الأرشيف الخاص. أتوجه بالشكر للباحث سلام الراسي الذي ساعدني على ترجمة النص الكرشوني.
  • 18. كتب ديفيس حاشية جيدة عن خلافهما في الجزء الثاني من ترجمته لكتاب الساق. أحمد فارس الشدياق، «الساق على الساق فيما هو الفارياق»، ترجمة: همفري ديفيس (نيويورك: منشورات جامعة نيويورك، ٢٠١٣)، ج٢، الحاشية ٦٦، ص ٤١٥ (بالإنكليزية).
  • 19. المرجع السابق، ج٢، ٦٨-٦٩
  • 20. كريستيان جونغي، «الحديث عن الأشياء بالقوائم: التعداد في النثر العربي»، نشرة الأدب العربي، العدد ٥٠ (٢٠١٩)، ص ص ٢٧٨-٢٩٧، ص ٢٩٣. (بالإنكليزية).
  • 21. ١٣ تموز/ يوليو ١٨٤٤. الأرشيف الخاص.
  • 22. ١٣ تموز/ يوليو ١٨٤٤. الأرشيف الخاص.
  • 23. سامويل لي وآخرون، «محاضر اجتماعات لجنة الترجمة الأجنبية» في أرشيف لجنة الإنجيل، تحرير: لجنة نشر المعرفة المسيحية، كامبريدج: لجنة نشر المعرفة المسيحية، SPCKMS A١٦/٢, ١٨٤٤ - ٤٧ (بالإنكليزية).
  • 24. عيسى، «نسخة الشدياق-لي»، سبق ذكره. انظر أيضًا: طارق العريس، «حول الطباخين والنصّابين: أحمد فارس الشدياق والمستشرقون في إنكلترا وفرنسا (في أربعينيات وخمسينيات القرن التاسع عشر)» في: سوزانا هيشيل وعمر رياض، استقبال المسلمين للاستشراق الأوروبي (لندن: روتليدج، ٢٠١٨) (بالإنكليزية).
  • 25. انظر، على سبيل المثال، «رسالته إلى باي تونس» التي يسأله فيها حول إمكانية استمرار باي في الإنفاق على دراسته في باريس، في ٦ أيار/ مايو ١٨٥٣. الأرشيف الخاص.
  • 26. أحمد فارس الشدياق، الواسطة إلى معرفة أحوال مالطة وكشف المُخبَّأ عن فنون أوربا (بيروت: كتب، ٢٠٠٢)، ٣٣٣.
  • 27. المصدر السابق، ٣٣٣.
  • 28. الرسالة ممهورة بالتوقيع «ليفربول ٥٧» والخطّ هو خط الشدياق، ولكن ليس بطريقته المعتادة بالكتابة بخط صغير. الأرشيف الخاص.
  • 29. ٢ نيسان/ أبريل ١٨٥٢. الأرشيف الخاص.
  • 30. ١٤ صفر الخير ١٢٨٦. (٢٦ أيار/ مايو ١٨٦٩) الأرشيف الخاص. انظر أيضًا مقالة الشدياق التي يذكر فيها دور رشيد الدحداح في حصوله على هذه الدفعة لإكمال كتاب «سرّ الليال في القلب والإبدال»، جريدة الجوائب (إسلامبول: ١٨٦٨)، ص ٦.
  • 31. ١٤ صفر الخير ١٢٨٦، مصدر سابق. نُشِرت رسائل تونس أيضًا في: محمد السواعي، رسائل أحمد فارس الشدياق في الأرشيف الوطني التونسي (بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ٢٠٠٤).
  • 32. رسالة تاريخ ١٦ كانون الأول ١٨٤٧. الأرشيف الخاص.
  • 33. آمي أيالون، ثورة الطباعة بالعربية: الإنتاج الثقافي وانتشار القراءة (كامبريدج: منشورات جامعة كامبريدج، ٢٠١٦)، ص ix (بالإنجليزية).
  • 34. يشير أيالون إلى كتاب الصلح حول الشدياق في معرض حديثه عن خلافات الشدياق مع الموزعين. عماد الصلح، أحمد فارس الشدياق: آثاره وعصره (بيروت: شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، ١٩٨٧).
  • 35. ٧ شعبان ١٢٨٤ (٤ كانون الأول/ ديسمبر ١٨٦٧). الأرشيف الخاص.
  • 36. رسالة بدون تاريخ. الأرشيف الخاص.
  • 37. ٢٥ آب/أغسطس ١٨٤٦. الأرشيف الخاص. ترِد هذه النقطة أيضًا في الساق، حيث يفكّر الفرياق في سبب خيانة زوجته له، ويعترف بوجود الرغبة لدى الأنثى. انظر كتاب الساق، ج ٣، ص ٣٢١.
  • 38. ١٧ أيار ١٨٤٣. الأرشيف الخاص.
  • 39. طنوس الشدياق، أخبار الأعيان في جبل لبنان، في جزءين (بيروت: الجنان، ١٨٥٩).
  • 40. ٢٠ نيسان/ أبريل ١٨٥٦. الأرشيف الخاص.
  • 41. ٧ نيسان/ أبريل ١٨٥٩. الأرشيف الخاص.
  • 42. ٤ كانون الأول/ ديسمبر ١٨٦٧، الرسالة الموجهة إلى زوجة طنوس. الأرشيف الخاص.
  • 43. عيسى، الإنجيل العربي الحديث، سبق ذكره. (بالإنكليزية).
  • 44. ستيفن شيحي، «نحو نظرية نقدية للإبستيمولوجيا والإيديولوجيا ورأس المال»، نشرة الأدب العربي، ٤٣، عدد ٢ - ٣ (٢٠١٢)، ص ٢٦٩-٢٩٨، ص ٢٩٠. (بالإنكليزية).
العدد ٣٥ - ٢٠٢٢
قراءة في أرشيف أحمد فارس الشدياق

إضافة تعليق جديد

تهمّنا آراؤكم ونريدها أن تُغني موقعنا، لكن نطلب من القراء أن لا يتضمن التعليق قدحاً أو ذمّاً أو تشهيراً أو تجريحاً أو شتائم، وأن لا يحتوي على أية إشارات عنصرية أو طائفية أو مذهبية.