العدد ١٦ - ٢٠١٧

ازمة المشهد المعماري بمصر

بين عشوائيات ومجتمعات مسوّرة

«لربّما كان كبح الغضب عبر فهمه وامتصاص أسبابه من أهمّ الضرورات الأخلاقيّة للفنّ البرجوازيّ. لا يهمّ حقّاً إن كانت تلك الخلافات والتناقضات والتقرّحات التي أنتجت هذا الغضب قد سويّت مؤقّتاً باستخدام آليّات اجتماعيّة معقّدة أو تمّ التنفيس عنها عبر التفكّر المتسامي»

منفريدو تافوري١

من حيث يقف النّاظر للعالم العربيّ في أعقاب ثورات الرّبيع، بدت كثافة الخطاب الثقافي البديل الصادر آنذاك من مصر، كما من بعض دول المنطقة، كما لو أنّها قد أخذت المشهد المعماريّ المحلّي على حين غرّة. وجد ذلك المشهد، والذي طالما نُظر إليه بوصفه محايداً سياسيّاً إن لم يكن لا سياسيّاً من الأساس تقنيّاً وغير معنيّ بالنّقد أو منكفئاً على التجميل والأيقنة، نفسَه فجأة ضمن مخاضٍ يدفع باتجاه ممارسة معماريّة أكثر انخراطاً في الواقع السياسيّ والاجتماعيّ. في فترة وجيزة نشأ وتضخّم مشهد معماريّ مستقلّ في مصر يشمل مدوّنات وحلقات نقاشيّة وندوات ومعارضَ فنّيّة وبرامج بحثيّة في الداخل والخارج ومنشورات ومبادرات عامّة تأتي تباعاً مصحوبة بقاعات محاضرات يملأ صفوفها جمهور مختلط من المختصّين وغير المختصّين، وعروضاً تقديميّة بلغات مختلفة، وسيولاً من الصور والرسومات البيانيّة والحكم المعماريّة ذات السطر الواحد، تتدفّق عبر أجهزة إسقاط ضوئيّ ربّما تمّ شراؤها بأموال جهة مانحة ما، تحاول جميعها تسجيل وتحليل الواقع الحضريّ المعاصر في هذا الجزء من العالم.

لسنا فقط إزاء فورة من المسح والدراسة والتوثيق ربّما كنّا بأشدّ الحاجة إليها تشتمل المشهد المعماريّ المحلّي خلال العقدين الماضيين، بل نحن أيضاً أمام سلالة جديدة من المهنيّين والأكاديميّين المتّصلين بالممارسة المعماريّة ذاتها. على صعيد أوّل، تبدو الدعوة إلى ممارسةٍ معماريّةٍ بديلة على نطاق مدعوم مؤسّسياً بخلاف الممارسات النقديّة الإفراديّة التي كانت سائدة من قبل والتي يُعتقد بكونها أقلّ تجذّراً في الواقع الاجتماعي كما لو كانت جزءاً لا يتجزّأ من واقعٍ ثقافيٍّ محلّيٍ مشرّعٍ أمام الرسملة، يعمل في ظلّ حراكٍ دؤوبٍ من قبل حكومات ومؤسّسات ماليّة وثقافيّة أوروبيّة لخلق أسواق فنيّة جديدة عبر الدعم الثقافي الموجّه. على سبيل المثال يخبرنا تقرير صادر عن مؤسّسة آرتاكتك المدارة من قبل مصرفيين سابقين من مجموعة جي بي مورغان عن ارتفاع ملحوظ في الدعم التمويليّ الواصل للمؤسّسات الثقافيّة المستقلّة في الشرق الأوسط بالاتّساق مع تضاعف حجم سوق الفنّ المعاصر في المنطقة بين عامي 2006 و2008، وهو ما يأتي رديفاً لتدفّقات تمويليّة مشابهة لدعم مشهد معماريّ مستقلّ ربّما لا تتابعه تقارير المحلّلين والمؤسّسات المصرفيّة بنفس الشغف2.

لكن على صعيد آخر، لا تقتصر الدعوة إلى ممارسة معماريّة بديلة على مآلات الرسملة الثقافيّة وحسب. فأعراضها تتراوح في شدّتها وتنويعاتها من سياق لآخر في العالم العربيّ، والإحساس الضمنيّ بضرورتها هو حالة عامّة لا تقتصر على العالم العربي فقط. إذ يشيع اعتقاد متنامٍ بين الأجيال الصاعدة من المعماريّين في مختلف دول العالم بأنّ العمارة تنطوي في داخلها على مكوّنٍ واقعيٍ جليّ، عادة ما يتّخذ صورة انخراط سياسيّ مباشر أو دور اجتماعيّ ما، يحتّم على المعماريّ التفكير والتعامل مع مهنته كأداة للفعل السياسيّ٣. كيف يمكننا فهم فحوى هذه الدعوة وأسبابها إذن؟

في دراسة تعود للعام 2013 أجراها كلّ من نشاط آوان وجيريمي تل وتاتيانا شنايدر، الباحثين بكلّيّة العمارة بجامعة شيفلد، نطالع توثيقاً لأكثر من 150 حالة دراسيّة لمعماريّين من مختلف أنحاء العالم يمارسون أشكالاً مختلفة من الفعاليّة السياسيّة تتراوح بين ممارسات معماريّة تتقاطع مع العمل السياسيّ بالمعنى المباشر بواسطة معماريّين في مواقع سياسيّة متنفّذة، وأخرى تنطوي على مضامين اجتماعيّة وبيئيّة غير مباشرة. تهدف الدراسة، بحسب آوان ومعاونيها، إلى تحويل الاهتمام النقديّ من «العمارة كمادّة، إلى العمارة كشأن عام،» باستبدال الحديث عن التجليّات المادّية للفضاءات المعماريّة بالحديث عن النشاط الإنساني الجاري فيها. وبالرغم من إصرار الباحثين على أنّ طرحهم ليس بديلاً أو مضادّاً لشيء ما ولا يحاول تسويق منتج فكريّ جديد، إلّا أّن العنوان الفرعيّ الذي اختاروه للدراسة «طرق أخرى لإنتاج العمارة» يأتي بالضرورة ارتكاساً على ممارسة نمطيّة متخيّلة تحاول الحالات الموثّقة التمايز عنه. فالرغبة في تصنيف الحالات الموثّقة ضمن إطار الدراسة وتبويبها حتى وإن لم تقدّم تبريراً شافياً لحتميّة التصنيف على هذا الشكل، تعكس اهتماماً برسم تضاريس تلك «الطرق الأخرى» وتقسيمها في مجموعات وتمييز حدودها عمّا سواها. توضح آوان ومعاوناها أنّ أزمة الممارسة النقديّة المعاصرة تكمن في «سيادة أهميّة الجماليّات والطراز والشكل والتقانة في النقاشات المتخصّصة على حساب عمليّة إنتاج العمارة ذاتها وكيفيّة سكناها وزمانيّتها وعلاقتها بالمجتمع والطبيعة»٤. وإذا ما تجاوزنا فرضيّة المحصّلة الصفريّة لمجموع شكل العمارة ومحتواها التي يفترضها الباحثون، يمكننا أن نستشعر ثمّة خطاباً اعتذاريّاً في مجمل الدراسة يستبطن حساسيّة ما تجاه الجمال كتعبير مباشر عن علاقات الإنتاج الرأسمالي، تلك التي يحاول هذا الخطاب التمايز عنها بالحديث عن «طرق أخرى لإنتاج العمارة» لا يكون للجمال مكان الصدارة فيها. بشكل مماثل، تميل الممارسات المعماريّة البديلة في العالم العربي، وفي مصر خصوصاً، إلى ربط الممارسات الجماليّة بتبعات أخلاقيّة غالباً ما تسعى إلى تكريسها عبر تناول قضايا بعينها، كالإسكان غير الرسمي، والعدالة الاجتماعيّة، خصوصاً في ما يتعلّق بالمجتمعات المسوّرة، والفضاء العامّ عبر دراسة موازية للأنثروبولوجيا وعلوم السياسة والقانون، أو عبر استخدام لغة آتية من تقارير منظّمات العمل الأهلي تهدف لتحويل العمارة إلى ممارسة اجتماعيّة مجاوزة للجمال والشكل والتقانة٥. هذا التجاوز يحيل العمارة إلى تجلٍّ فضائيّ أشمل لما هو سياسيّ بالأساس، تجلٍّ شديد التعقيد ومغرق في تفاصيل عارضة لا يمكن دراستها بشكل معماريّ متخصّص. خسارة التخصّص الاحترافي هنا عادة ما تُرى بواسطة البعض على أنّها «ضرورة حتميّة يجب العمل عليها ضمن إطار من الإيجابيّة، لا التخوف منها كخسارة للمصداقيّة المهنيّة»٦. يسعى أصحاب هذه الرؤية إلى تفكيك هيمنة جماليّات السوق على الإنتاج المعماري باستخدام آليّة دشّنها عدد من الفنّانين الأوروبّيين في ستّينيّات القرن الماضي تعتمد على حمل الفنّان لنفسه على الجهل العمدي بالحرفة كمنهج لتثوير الممارسة الفنيّة وعزلها عن التاريخ السلطوي لأدوات وطرق الإنتاج الفنّيّ٧.

إلّا أنّه في حالات أخرى، كمشروع «وجهة نظر» (سيّد، 2016) في عزبة الزبّالين بالقاهرة أو كمبادرة «مصر بالألوان» (مجموعة تكوين، 2011)، تحوّل تفكيك التخصّص الاحترافي إلى عزل كامل للممارسة المعماريّة عن طريق تحويلها إلى مكوّن تزيينيّ مكمّل يقتصر على طلاء واجهات المباني، ويمكن «تعهيده» بشكل مستقلّ على نحو ما يقوم به المطوّرون العقاريّون التجاريّون. عادةً ما يتمّ الاحتفاء بهذه الأنماط من الممارسات المعماريّة من قبل المؤسّسات الثقافيّة المحلّيّة والدوليّة على السواء، على خلفيّة كون العمارة الصادرة عنها بالضرورة نقديّة ومتموضعة في سياقها المكاني وبالتبعيّة أكثر تعبيراً عن المحلّية وتجذّراً في الواقع، ما يؤهّلها لاستحقاق الدعم المادّي والأدبيّ. ما يسترعي الانتباه هنا، هو أنّه في أغلب الأمثلة التي اضطلعت فيها تلك الممارسات بأعمال معماريّة فعليّة، في حالة مصر خصوصاً، أظهرت تلك الأمثلة ميلاً عامّاً نحو الفقر التصميمي والسطحيّة وإن وُجدت بالتّأكيد حالات تعكس غير ذلك بل إن بعضاً من تلك الأمثلة يحيلنا إلى جماليّات تجاريّة لا تدّعي لنفسها ذات المسؤوليّة الاجتماعيّة. واقع الحال، أفضى انسحاب المعماريّين وتفكيكهم للتخصّص إلى اضطلاع غيرهم بالدور المنوط بهم، بينما لم يسفر هذا الولع المحموم بدراسة الواقع والمحليّة فعلياً عن مشروع نقديّ نحو ممارسة «واقعيّة» أو «محليّة،» فيما تحوّل إسهام قطاع كبير من تلك الممارسات إلى التوثيق والإنتاج المعرفيّ بالأساس.

استقى هذا التحوّل زخمه على خلفيّة رواج المساعي الداعية إلى مجابهة التسطيحات الأوروبيّة الشائعة عن الإنتاج الثقافي في دول الجنوب، خصوصاً في دوائر دراسات الشرق الأوسط إبّان العقد الأوّل من الألفيّة الثالثة، فانبرى آنذاك عدد من الممارسين المعماريّين والأكاديميّين والنشطاء ليشكّلوا معاً ظاهرة أكبر، عُرفت عند البعض لاحقاً باسم «مدرسة القاهرة». سعت الدائرة الأكاديميّة الناشئة حينها إلى التنظير للمدينة استناداً إلى البحث الميدانيّ الذي يتحرّك فيما وراء المنتجات الفكريّة السائدة، كي يتسنّى للباحثين «الأخذ في الاعتبار والإنصات بأذن ناقدة لرؤية التابع، والذي قد ينزوي صوته أو تضيع ممارساته بين دفّات السجلات الرسمية والعامة». وفي طريقها نحو صياغة «حكمة ميدانيّة مبنيّة على دراسة السياق ومتجذّرة في الواقع وغير منفصلة عن العالم»، سعت مدرسة القاهرة إلى تبرير وتمرير ممارسات نقديّة بديلة، لكن ذلك لم يتمّ سوى على حساب ممارسات محليّة أخرى٨.

تحوّلات وبدائل

التحوّل نحو ما بات يُعرف بـ«الممارسات البديلة» أو «الطرق الأخرى لإنتاج العمارة» استدعى بالضرورة تحوّلاً في العمارة المحليّة، من التثوير النقديّ لممارسات التصميم والبناء إلى تطوير ممارسات التوثيق والعمل الخيري. وفي حين تطلب التصميم والبناء حدّاً أدنى من المعرفة التقنيّة لمواجهة المنافسة المهنيّة، اعتاش المشتغلون بالممارسات البديلة في أحوال كثر من رواتبهم الأكاديميّة أو من تمويل الجهات المانحة، كما أنّ الممارسات البديلة تطلّبت إجمالاً مهارات في حقول غير العمارة، لم تُجد فيها المهارة المعماريّة نفعاً لصاحبها. لم يسهم اختزال دور المعماري المتخصّص إلى دور المراقب أو المعلّق السياسيّ في خفض قيمة المهارة المعماريّة التقليديّة وحسب، بل أسهم أيضاً في خفض قيمة أيّ نوع من المهارات قد يكتسبه المعماري الناشئ عبر التمرّس المهني. ما يسقط من الحسبان عادةً، هو أنّ تلك المهارات التقليديّة ليست فقط مظهراً من مظاهر الاقتدار الفنّي، بل هي أيضاً شكلٌ من المعرفة المتجذّرة في الواقع. تبديد هذه المعرفة ينطوي حتماً على غضّ الطرف عن أشكال بعينها من الممارسات النقديّة المحلّية، وبالتالي ينطوي إجمالاً على تعطيل تطوّر الممارسات المعماريّة المحلّية عوضاً عن دعمها.

وفي حين يمكن النظر لهذا التحوّل كمَيل عامّ في عدد من الدوائر الأكاديميّة التي تقلّل من أهمّيّة الفاعليّة السياسيّة للجمال والشكل والتقانة، كما في حالة الباحثين من جامعة شيفلد أعلاه، يتفرّد المشهد المعماريّ العربيّ بانصراف نفرٍ معتبرٍ من نخبته عن مساءلة تأثير هذا التحوّل من الناحية المؤسسيّة. بشكل ما، أصبح هذا الانصراف علامة على جذريّة النقد، فلا شيء يبدو أكثر رجعيّة اليوم من حديث المعماريّين عن العمارة ذاتها. وما هذا النزوح الجماعي للمعماريّين المحليّين نحو مجالات مجاورة كالفنون والإنسانيّات والإدارة الثقافيّة إلّا دليل آخر على فقدان ثقة هؤلاء في قدرة مهنتهم على مجابهة استحقاقاتها النقديّة، إن لم يكن انهزاما في مواجهة فاعليّتها الزائلة. يوضح المعماريّ والباحث الألمانيّ ماركوس ميسن في كتابه «كابوس العمل التشاركي»، أنّ عدداً غير قليل من المكاتب المعماريّة التي تحسب نفسها على معسكر الممارسات البديلة قد طوّرت نماذج مهنيةً للعمل، «أقلّ تخصّصاً وأكثر تركيزاً على البحث، لأنّها في واقع الحال قد أصبحت بلا عمل معماريّ حقيقي»٩

على صعيد آخر، فتح ذلك التحوّل نحو إنتاج المعرفة مصراعَي الباب أمام تسليع الممارسات المعماريّة التلقائيّة وغير الرسميّة في مجتمعات الجنوب عبر تحويلها إلى أبحاث وجوائز ومعارض فنيّة ودرجات علميّة ودورات تدريبيّة من قبل المنظّمات العاملة بالحقل الثقافيّ في دول الشمال. في مقاله بالأركتكشرال ريفيو، ينتقد دان هانكوكس مشروع توثيق برج توري دافيد في كراكاس ومعرضه المقام ضمن فعاليّات بينالي البندقيّة في دورته الثالثة عشرة للعام 2012. يقول هانكوكس «صُمّم المعرض الحائز على جائزة الأسد الذهبيّ في بينالي البندقيّة ليحاكي مطاعم كراكاس الشعبيّة صاخبة الأضواء. يصف المعرض ما قام به المعماريّون النمسويّون من مكتب إربان ثينك تانك (يو تي تي) لتوثيق توري دافيد «كبحث تصميميّ»، إلّا أّننا لا نعرف حقّاً من يقف وراء التصميم هنا؟». لا شكّ في أنّ توثيق المشاقّ التي يكابدها سكّان توري دافيد ونشرها هو أمر مفيد للغاية، إلّا أنّه من الصعب رؤية ذلك التوثيق، بحسب هانكوكس، خارج كونه عملاً «استعماريّاً طفيليّاً» تعتاش فيه مؤسّسة أوروبّية على المعاناة اليوميّة لآلاف من السكّان غير المسجّلين رسميّاً وتكتم أصواتهم لصالح موضوعيّة التوثيق الأكاديميّ وحقوق نشره المحميّة. يسائل هانكوكس طبيعة اللغة التي يعلن بها هؤلاء المعماريّون امتلاكهم الحصريّ لحقوق البحث في هذا الموضوع مسجّلين بموجبها اسم البرج «توري دافيد» كعلامة تجاريّة لموقع إلكترونيّ يحمل نفس الاسم١٠.

bid16_p45.jpg


منشية الناصر في القاهرة، غرافيتي للرسام التونسي السيد

بالمثل، وفي موضع غير بعيد في حديقة جيارديني بعد عدّة سنوات، لاقى الجناح الوطني لمصر في بينالي البندقيّة للعمارة في دورته الخامسة عشرة استحساناً غير مسبوق، ليس فقط بالنظر إلى تاريخه غير المشرّف في الدورتين السابقتين، بل أيضاً ضمن إطار تلك الدّورة خصيصاً. جاء المعرض استجابةً مباشرة لتيمة البينالي بعنوان «تقرير من الجبهة»، من خلال تقديم ممارسات تنظر للعمارة المحليّة كإطار للإنتاج المعرفيّ المرتبط بسياقه المحليّ والمتجذّر في الواقع. وصف الفريق التقييمي عمله كمحاولة لطرح سؤال «كيف تُكتب القصّة؟» عوضاً عن «ما هي القصة؟» وكان لهم ما أرادوا، لكن ليس بالضّبط. ببضعة استثناءات في عرضٍ مسهب، أتت أغلب الأعمال المعروضة من مؤسّسات ثقافيّة وأكاديميّة أوروبيّة كمعهد إي تي إتش بزيورخ وكلّيّة التصميم في جامعة بنسلفانيا وأركتكشرال أسوسياشن بلندن وجامعة لوند بالسويد ضمن برامج بحثيّة تتناول مصر كموضوع للدراسة. جاءت «التقارير» بالفعل عن مصر، إلّا أّنها جاءت من «جبهات» أخرى تحتكر إنتاج المعرفة.

العمارة والتناقضات الثقافية

بالرّغم من انخراط عدد كبير من المعماريّين في العمل الاجتماعي والسياسي والممارسات البحثيّة والفنيّة في سياقات مختلفة في العالم العربي، حيث تتطلّب أوضاع العمران هناك تطوير فعاليّة نقديّة غير نمطيّة، قليلاً ما يتعرّض منتجو الثقافة المحلّيّون لتناقضات السياسات الثقافيّة العالميّة التي تنضوي ممارساتهم تحت لوائها، ما يجعلهم عادةً أسرى لمراوحة ما بعد حداثيّة بين إزاحةٍ راديكاليّة للمركز بالحديث عن ممارسات «أخرى» أو «بديلة» تتحدّث باسم التابع ثمّ لا تلبث أن تخرس هذا التابع عبر مأسسة البحث والتوثيق لتعيد إنتاج المركز من جديد. في مقابل ذلك، وفي حين ينظر الأكاديميّون والمشتغلون بالحقل الفنّي بعين ناقدة لطبيعة الدور الذي تلعبه رأسماليّة التمويل الثقافي تلك، لا يحظى تمويل الممارسات المعماريّة البديلة بذات الاهتمام النقدي. وبالتبعيّة لا تكمن المشكلة في ما فعله أو لم يفعله هذا المعماريّ / الفنّان / الباحث أو ذاك، المشكلة كامنة بالأساس في التوجّه العامّ نحو نمط مسبق الصبّ من الممارسة النقديّة، يلتمس فيه هؤلاء بريق الراديكاليّة الجاهزة بقدر اقترابهم من فلك أطر ومؤسّسات ثقافيّة بعينها، والتي نادراً ما يسائلون احتكارها لسلطة «تكريس منتجين ثقافيّين بعينهم ومنتجات ثقافيّة بعينها»، على حدّ وصف بيير بورديو ١١.

يتكشّف أحد ملامح تلك السلطة في تصنيف وضعته ماري آن دي فليغ، رئيسة مجموعة الفنّ والحقوق والعدالة وهي مجموعة تتألّف من أكثر من 30 منظّمة أهليّة وحكوميّة أوروبيّة تعمل على الساحتين الحقوقيّة والفنيّة وتمثّل لاعباً أساسيّاً في توجيه السياسات الثقافيّة للاتحاد الأوروبّي تجاه منطقة الشرق الأوسط وجنوب البحر المتوسّط. تميّز دي فليغ بين نوعين من الفنّ المعاصر في العالم العربي، الأوّل هو الفنّ ذو القيمة الماليّة الضخمة والذي يصل إلى صالات المزادات الفنيّة الكبرى كسوثبي وكريستيز، أمّا الآخر فهو ذاك الذي يطرح أسئلة نقديّة تجعله، بحسب دي فليغ، عصيّاً على التسويق. ترى دي فليغ في هذا النّوع الآخر سوقاً جديداً لا يقع فقط على رادار المؤسّسات الماليّة السويسريّة وصالات المزادات الكبرى والغاليريات وأصحاب المجموعات الفنيّة وحسب، بل والحكومات الأوروبيّة نفسها أيضاً. بحسب هذا التصنيف، ترى دي فليغ أرجحيّة توجيه الدّعم المالي الأوروبّي للممارسات الفنيّة التي «تنظر للمجتمع، تراقبه، تعكس قضاياه المعاصرة، تعلّق، تستحث الفكر، تنظر من زوايا بديلة»١٢. ما لا يظهر في تحليل دي فليغ هو أنّه بفضل تلك المحاباة المؤسّسية تحديداً يزول الخطّ الفاصل بين نوعَي الفنّ اللذين يستند إليهما التحليل بالأساس، ويتحوّل دور الدعم الماليّ إلى إزاحة مؤسّسية مستمرّة للخطّ الفاصل بين النّوعين بهدف اكتشاف فنّانين محليّين واستلحاقهم ضمن النّوع الأوّل ذي القيمة الماليّة الضخمة. وهو ما يثير التساؤل حول مدى جذريّة تلك «الزوايا البديلة» التي يمكن أن تطرحها ممارسات فنّيّة تحاول أن تميّز نفسها عن رأسماليّة السوق المحلّي من حيث كون تلك الزوايا البديلة في الوقت ذاته آليّات تسويق تعمل ضمن ظروف رأسماليّة عالميّة أكبر على الأقلّ من وجهة نظر من يضعون سياسات التّمويل. لا تفوتنا هنا الإشارة إلى تحليل باحثة الاجتماع، ساسكيا ساسن، المهمّ عن ميل النظام الرأسماليّ العالميّ لا لتجريف الأنظمة الاجتماعيّة وعلاقات الإنتاج والتعبير الفنّي في مجتمعات ما قبل الرأسماليّة وحسب، بل لتجريف الرأسماليّات المحليّة أيضاً، والتي قد تشكّل بعلاقات إنتاجها التقليديّة عقبة أمام منتجات ثقافيّة جديدة تنتمي لاقتصاد عالميّ أكثر تعقيداً وشمولاً. من هذه الوجهة قد تكون المحاباة النّقديّة لطرح أسئلة وموضوعات بعينها هي في الوقت ذاته أدوات لتجريف أسواق محليّة بديلة للإنتاج الثقافي١٣.

إذن، كيف يمكن للممارسات المعماريّة البديلة، كجزء من حراك رأسماليّ عالميّ ربّما يقع أحياناً على حافّة الاستشراق الذّاتيّ، أن تتحوّل إلى مشروعٍ جادّ للممارسة النقديّة المحليّة؟ إلى أيّ مدى يختلف، أو يتشابه، الانعتاق الصادر عن هذا الإنتاج المعرفيّ الكثيف مع ذاك الصادر عن الفنّ البرجوازيّ الذي كتب عنه المعماري والمؤرّخ الإيطالي منفريدو تافوري في سبعينيّات القرن الماضي: مجرّد عرَض جانبيّ لسياسات ثقافيّة عالميّة، غير معنيّة حقّاً بتحليل التناقضات الرأسماليّة الأساسيّة التي ينطوي عليها عمران المدينة، بل هي بالأحرى مكرّسة لتأطير هذه التناقضات كمنتجات فكريّة للبحث الجماليّ والنظريّ، وبالتبعيّة تحديد الوجهة السديدة والأكثر ربحيّة للإنتاج الثقافي ضمن سوق عالميّ.

تشير حنان طوقان، الباحثة بكلّيّة الدراسات الشرقيّة والأفريقيّة بجامعة لندن (سواس)، إلى أنّ ازدهار الإنتاج الثقافي المعاصر في عدد من دول العالم العربي يعود بشكل كبير إلى دور الدبلوماسيّة الثقافيّة الأوروبيّة التي تعمل في المساحة الواقعة بين مراكز تسويق إقليميّة كدبي والشارقة وبين منظّمات المجتمع الأهلي كقنوات اتصال محليّة لها، حيث عملت تلك الدبلوماسيّة على إعادة بناء وهندسة المشهد الثقافي في العالم العربيّ عبر دعم الفنّانين وابتعاثهم إلى الخارج وتمويل المؤسّسات والمشاريع الثقافيّة وتدريب العاملين بها وتوفير الموارد اللازمة لإقامة المهرجانات والمعارض وإنتاج الأعمال الفنيّة منذ مطلع تسعينيّات القرن الماضي، ما سمح اليوم بوجود ما يملأ قاعات العرض في دبيّ والشارقة. بحسب طوقان فإنّ نشأة المؤسسات الثقافية المستقلة ونموّها في عدد من الحواضر العربيّة كان بالأساس مدفوعاً بجهود حكومات غربيّة ومؤسّسات ثقافيّة مثل فورد وأوبن سوسايتي، هيّأت عبر شركائها المحلّيّين مساحة لإنتاج ثقافيّ «بديل» عن إنتاج آخر، اعتقدت بكونه أقلّ نقديّة أو أقلّ جودة. ولا شكّ في أنّ اقتران تلك المساحة بتصنيف دي فليغ، يفترض ضمناً صعوبة وجود إنتاج ثقافيّ جدير بالاعتبار خارج مظلّة دعمها، ويحتّم على المنتجين الثقافيّين الطليعيّين الالتحاق بها١٤.

ينطبق الأمر ذاته على عدد كبير من المعماريّين المحليّين المتحوّلين إلى مجال الممارسات البديلة والذين تتقفّى ممارساتهم، عن قصد أو بدون، السياسات الثقافيّة الأوروبيّة في المنطقة. بشكل مشابه، وبفضل الدعم التمويلي والمحاباة من قِبل بعض الدوائر الأكاديميّة والثقافيّة في دول الشمال، ينجذب عدد كبير من المعماريّين الشباب من العالم العربي للعمل بالبحث العمرانيّ، سواء أكانوا حقّاً من المهتمّين به أم لا. وعلى تكرار محتوى عدد كبير من الأبحاث والمشاريع الفنيّة التي يقوم بها هؤلاء، والتي ربّما لا تحرز تقدماً حقيقيّاً، فيما خلا الترَقّي المهنيّ للعاملين بتلك الدوائر، كما في حالة توري دافيد مثلاً، فإنّ ترسّخ التمييز الناتج من تلك المحاباة يتحوّل يوماً بعد يوم إلى آليّةٍ نمطيّةٍ يستبطنها العمل الثقافي المحلّي، بشكل يضع أيّ صوت ناقد في مجابهة منظومة الإنتاج الثّقافي برمّتها. فانحسار الأبحاث والأعمال المنتجة بدعم من هذه المؤسّسات والصناديق والمنَح الدراسيّة ضمن عدد من التيمات المكرّرة عادة ما كان سبباً في تقليص المساحة المتاحة أمام عدد غير قليل من المعماريّين والباحثين النابهين، وإهمال طيف واسع من مسارات البحث الأخرى التي كان يمكن أن تُتّخذ في حال توزيع هذا الدعم بشكل مغاير. لا نملك إحصاءات واضحة يمكننا الحكم على أساسها، إلّا أنّ الأمر يبدو جليّاً بملاحظة أنّ هذا النّموّ المنتظم في الإنتاج المعرفيّ، بفضل الزيادة المطّردة في عدد المعماريّين المتحوّلين حديثاً للممارسات البديلة، لم يأت مصحوباً بنموّ مقابل في عدد المشاريع المعماريّة ذات الجودة العالية. الواقع العمراني يُدرس ويُمسح باستمرار من أجل إنتاجٍ لا يتوقّف من المعرفة، إلّا أنّ أحداً لم يتساءل لمن ولأيّ غرض تُنتج هذه المعرفة؟ يظهر هذا الإحساس من حينٍ لآخر في حديث وكتابات بعض المشتغلين بالممارسات البديلة الّذين يتساءلون عن مصير تلك المعرفة وفيمَ ستستخدَم. فإنْ لم تسهم المعرفة المعماريّة في تحسين الواقع المبني، أو على الأقلّ في تحسين الواقع المهني، فما هو تحديداً الهدف منها١٥؟

في مناخ من ملانخوليا ما بعد الثّورات، يبدو إنتاج المعرفة كبديل أخير لا تتطلّب ممارسته الاعتراف ضمنيّاً بفشل المشروع الجمالي البديل الذي انطوت عليه ثورات الربيع مصر مثالاً ما قد يترتّب عليه خسارة موطئ قدَمٍ هامٍّ على خريطة التمويل الأجنبي. تجاوزُ هذا الاعتراف دفع بالكثير من المعماريّين إلى حالة من الرهبنة الأكاديميّة، بل وصل الأمر بالبعض بدافع من الضغوط الاقتصاديّة التي استلحقتها الثورات، وتحطم أيّ أمل في عمارة أفضل كان من المنتظر أن تأتي، إلى هجران العمارة بالكامل والتحوّل إلى مهَنٍ أخرى١٦.

بالتأكيد لا جديد في القول بأنّ قطاعاً كبيراً من المشهد المعماري والفنّي في العالم العربي يعتاش بشكل مباشر وغير مباشر على أنماط غابرة ومعاصرة من التبعيّة الكولونياليّة لدولٍ ومؤسّسات تقوم نيابة عن الفاعلين المحلّيّين بتحديد أولويّات العمل الثقافي والتي تأتي في غالبها كصدىً متأخّر للسياسات الثقافيّة الأوروبيّة المتعلّقة بدعم التنوّع الثقافي لاحتواء الآخر في أوروبّا نفسها. إلّا أّنه لم يعد من المقبول النظر بعين البراءة لهذا الاحتفاء الزّائد بالعمارة التقليديّة وجماليّات الإسكان غير الرسمي ضمن تصوّر جامد عن الخصوصيّة الثقافيّة، أو إعادة كتابة تاريخ الحداثات المحليّة لمغازلة نوستالجيا بورجوازيّة تعتاش على اجترار ماضٍ طليعيٍّ مفترَض، أو حتّى الحديث الحالم عن فاعليّة المعماري والفنّان في مواجهة العسف السلطوي. عادة ما تتّسم تلك التيمات في أوساط الفاعلين الثقافيّين المحليّين بزخم نقديّ يفترض ضمناً ثوريّتها كما يؤمن بحتميّة أن يُفضي الاشتغال بها إلى تقدّم نقديّ ما كما لو كانت تعمل في معزل طوباويّ عن الأيديولوجيا. واقع الحال، أنّه في ظل الانتصار الحالي لقوى الديكتاتوريّة في دول الربيع تبدو تلك التيمات كبديل راديكاليّ فعّال للمقاومة، تكتسب قيمة في ذاتها، وتصبح شكلاً من الفعل السياسي. إلّا أنّ تلك الممارسات يمكنها أيضاً في أحيان كثيرة أن تدفع عديداً من الفاعلين المحليّين عفويّاً للانخراط ضمن حقل للإنتاج الثقافي تمّت هندسته مسبقاً بوعي أو دون وعي، والاشتراك في إنتاج نقد قصير النّظر عن الواقع، ما يفقد المشهد المحلّي قدرته على إنتاج عمارة ثوريّة بحقّ.

  • ١. Tafuri, M. (1976). Architecture and Utopia: Design and Capitalist Development. Cambridge, MA: MIT Press. p.1
  • 2. Gleadell, C. (2008, October, 7). Art sales: Art blossoms in the desert. Retrieved December 15, 2016, from http://www.telegraph.co.uk/culture/art/artsales/3561776/Art-sales-Art-bl...
  • ٣. انظر نص البيان الصحافي لمقيمي الجناح الوطني المصري في الدورة الخامسة عشرة من بينالي البندقيّة للعمارة لعام 2016 Egyptian Pavilion, La Biennale di Venezia - 15th International Architecture Exhibition. (2016). Ahmed Hilal، «Reframing Back: Imperative Confrontations», Cairo, Egypt: Ministry of Culture Arab Republic of Egypt
  • ٤. Awan, N., Schneider, T., & Till, J. (2011). Spatial agency: Other ways of doing architecture. Abingdon, Oxon: Routledge. p. 27-28
  • ٥. راجع على سبيل المثال النصوص التعريفية للممارسات المعماريّة الواردة على قائمة موقع منصّة المبادرات العمرانيّة بالقاهرة .http://www.cuipcairo.org/
  • ٦. Awan, N., Schneider, T., & Till, J. (2011). Spatial agency: Other ways of doing architecture. Abingdon, Oxon: Routledge. p. 27-28
  • ٧. تتم ترجمة مصطلح deskilling على محركات الترجمة الإلكترونية لتعابير غير ذات دلالة محددة مثل «تخفيض المهارة» لذا رأينا عدم ذكر المصطلح والاكتفاء بشرح فحواه. للمزيد: Burn, I. (1981). «The Sixties: Crisis and Aftermath (Or the Memoirs of an Ex-Conceptual Artist)». (P. Taylor, Ed.). In Art & Text (pp. 49-65). Visual Arts Board Prahran College of Advanced Education
  • ٨. Singerman, D., & Amar, P. (2006). Cairo cosmopolitan: Politics, culture, and urban space in the new globalized Middle East. Cairo: American University in Cairo Press. p.26
  • ٩. Miessen, M. (2010). The Nightmare Of Participation: Crossbench Practice As A Mode of Criticality. New York: Sternberg Press. p. 46
  • ١٠. Hancox, D. (2014, August 12). «Enough Slum Porn: The Global North's Fetishisation of Poverty Architecture must End». Retrieved December 15, 2016, from https://www.architectural-review.com/archive/enough-slum-porn-the-global...
  • ١١. Bourdieu, P. (1993). The field of cultural production: Essays on art and literature (R. Johnson, Ed.). New York: Columbia University Press. pp. 40-42
  • ١٢. De Vlieg, M. (2008, May 23). http://eng.babelmed.net/cultura-e-societa/36-mediterraneo/3223-why-does-.... Retrieved December 15, 2016, from http://eng.babelmed.net/cultura-e-societa/36-mediterraneo/3223-why-does-...
  • ١٣. Sassen, S. (2010). «Expanding the Terrain for Global Capital: When Local Housing Becomes an Electronic Instrument». In M. B. Albers (Ed.), Subprime Cities: The Political Economy of Mortgage Markets (1st ed., pp. 74-96). Blackwell Publishing Ltd
  • ١٤. Toukan, H. (2010). «On being the other in post-civil war Lebanon: Aid and the politics of art in processes of contemporary cultural production». Arab Studies Journal, XVIII(1), 118-161
  • ١٥. Moursi, M. (2016, September 26). «What happens to the knowledge produced? On Egypt at this year's Venice Architecture Biennale». Retrieved December 15, 2016, from http://www.madamasr.com/en/2016/06/09/feature/culture/what-happens-to-th...
  • ١٦. Higazy, I. (2016, September 29). «Shahira Fahmy: A career that responded to a revolution». Retrieved December 15, 2016, from http://www.madamasr.com/en/2016/09/29/feature/culture/shahira-fahmy-a-ca...
العدد ١٦ - ٢٠١٧
بين عشوائيات ومجتمعات مسوّرة

إضافة تعليق جديد

تهمّنا آراؤكم ونريدها أن تُغني موقعنا، لكن نطلب من القراء أن لا يتضمن التعليق قدحاً أو ذمّاً أو تشهيراً أو تجريحاً أو شتائم، وأن لا يحتوي على أية إشارات عنصرية أو طائفية أو مذهبية.