مطلع هذا العام توفي جون برجر، الناقد الأدبيّ والفنّي والراوي والرسّام والشاعر البريطاني. من أبرز أعماله الأولى العام ١٩٧٢ المسلسل التلفزيوني «وجهات في النظر» الذي صدر في كتاب فبات الآن أثراً كلاسيكيّاً لا غنى عنه لكلّ مَن يريد معرفةً بثقافة النظر والفنّ الحديث. في العام ذاته، نال برجر جائزة بوكر عن روايته «ج».
بعدها غادر جون برجر لندن ليعيش في قرية جرديّة نائية في جبال الألب الفرنسيّة.
من وحْي تلك الحياة كتب ثلاثيّته الرائعة عن ملحمة الحياة الفلاحيّة في العالم الحديث. وأعقبها بـ«إلى حفل الزواج»، روايته المأسوية عن مرض الإيدز. لكنّ هذا الروائيّ كان يحبّ أن يَرى إلى نفسه على أنّه «حكَواتي» يعرف كيف يُنصِت لكلام النّاس.
مع جون برجر الناقد الفنيّ نكتشف كيف يمكن للعين أن تتعلّم التقاط كلّ ما هو حميم ورهيف وجميل لأنّه ناتج من كدح الإنسان وتوقه للحرية والفرح والمساواة.
والأهمّ أنّ برجر يعلّمنا كيف للعين أن تقشع البداهة الّتي تتآمر على حجبها قوى الأمر الواقع، خلف كلّ أنواع الحيَل والنّفاق والخداع والقمع والتَّوريات.
وجون برجر الذي «يَخفق قلبه مع أبعد نجم في السماء» على حدّ تعبير ناظم حكمت، أحد شعرائه المفضّلين، قضى العمر نصيراً وشريكاً فاعلاً في كلّ نضالات الشعوب وحركاتها التقدّمية واليساريّة.
تبرّع بنصف جائزة «بوكر» لـ«الفهود السود» في بريطانيا، وكتب عن صورة تشي غيفارا شهيداً، مثلما كتب عن حياة طبيب في الريف البريطاني، راسل قائد الزاباتيستاس المكسيكيّين، وكتب عن العمّال الأتراك في ألمانيا، عارض الحرب على العراق، ورسم «غيرنيكا قانا» ليعلن شجبه العدوان الإسرائيلي على لبنان في العام ١٩٨٢.
زار فلسطين غير مرّة ومن وحيها كتب عن السجناء السياسيّين وأهدى إلى شباب فلسطين المقاوم الكونشرتو الخامس لبيتهوفن.
ظلّ جون برجر يكتب ويصوّر ويناضل حتّى الرمق الأخير ضدّ ما يسمّيه «هزيمة العالم الكبرى» تحت وطأة العولمة النيوليبراليّة.
عاش التزامه الخلّاق بالماركسّية في حياته وفكره. وظلّ يصرّ، بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، على أنّه لا يزال ماركسيّاً.
بغياب جون برجر يفقد العالم إنساناً كبيراً ومُنتجاً ثقافيّاً خلّاقاً ومورداً لا ينضب من الزخم والعناد والأمل.
منذ صدور العدد الأوّل من «بدايات» وجون برجر يزوّدنا بكتاباته المذهلة. مساهمة في التعريف بنتاجه الثريّ وإحياءً لذكراه جمعنا في هذا الملفّ مختارات متنوّعة من أعماله.
إضافة تعليق جديد
تهمّنا آراؤكم ونريدها أن تُغني موقعنا، لكن نطلب من القراء أن لا يتضمن التعليق قدحاً أو ذمّاً أو تشهيراً أو تجريحاً أو شتائم، وأن لا يحتوي على أية إشارات عنصرية أو طائفية أو مذهبية.