. هل لك أن تعطينا فكرة عن السنوات الأولى من حياة والدك: مكان الولادة، الأهل، المهنة، أصل العائلة إلخ؟
. وُلِد آية الله محمود الطالقاني عام ١٩١١ في قریة في طالقان وهي منطقة في جبال البورز على بعد حوالي ١٠٠ كلم إلى الشمال الغربي لطهران. نشأ في أسرة عُرِفت بعلمائها، والده آية الله أبو الحسن الطالقاني، وهو عالم دين ورجل سياسيّ كان من أصدقاء آیة الله مدرّسي ويُعتبر من المناهضين لسياسة رضا شاه.
درس محمود الطالقاني في الحوزة الدينيّة في قم، وسافر بعد ذلك إلى النجف في العراق لإكمال دراسته، ورجع عند إنهاء تعليمه إلى طهران.
. متى بدأ الإمام نضاله السياسي؟ وكيف؟ وأين؟ وما هي المراحل التي مرّ بها وصولاً في النهاية إلى الثورة؟
. بدأ الطالقاني نشاطه السياسي ضد ديكتاتوريّة رضا شاه في الثلاثینیّات من القرن الماضي. یذکر أن حكم رضا شاه بهلوي مرّ بعدّة مراحل.
ففي بداية حكمه نادى بالجمهورية، ولكن بعد الانقلاب العسكري الذي دعمته بريطانيا بوضوح، وإثر اكتشاف النفط في إيران، كان البريطانيّون بحاجةٍ إلى سلطة مركزيّة قوّية لحماية آبار النفط واستخراجه حسب اتّفاق (دارسي)، بالإضافة إلى محاربة المدّ الشيوعي في إيران ومحاصرة الاتّحاد السوفييتي في حينه وقمع الحرکات الثوریّة.
في بدایة حکمه، خدع رضا شاه الكثير من المثقفين، ولکن بعد استقرار سلطته أقام سلطته السوداء في البلاد.
کان والدي من أنصار الحركة الدستوريّة التي أطلقت في بدایة القرن الماضي، وكان يعتبر ثورة الدستور حرکة ديمقراطية لا تتناقض مع الدین والإسلام، على اعتبار أنّ الديمقراطيّة جزء من الإسلام، وفي هذه النقطة بالذّات كان الإمام خارج السرب کثیراً بالقياس إلى العديد من علماء الدين. وکان یدخل في خانة رجال الدین المشارکین في ثورة الدستور والمدافعين عنها، ومنهم آیة الله نائیني، وقد ترجم الطالقاني کتابه الشهیر «تنبیه الملّة و تنزیه الأمّة» ووضع له مقدّمة في الدفاع عن أهداف ثورة الدستور وتنتقد السلفیّین والرجعیّین الدینیّین وأنصار الشیخ فضل الله نوري الذي أعدمه ثوّار بسبب دفاعه عن دیکتاتوریّة محمّد علي شاه وروسیا القیصریّة.
یُذکر هنا أیضاً أنّ الحرکات الدینیّة في إیران منذ ثورة الدستور ومروراً بحرکة تأمیم النّفط الإیراني بزعامة الدکتور محمّد مصدّق شهدتْ تیّارات متعدّدة، وقد انقسمت الثّورة إلی المناهضین للدستور والمدافعین عن تطبیق الشریعة مثل الشیخ فضل الله نوري، والمدافعین عن الثورة مثل آیة الله بهبهاني ونائیني، وهذه التیّارات انقسمت خلال حرکة تأمیم النفط إلی:
- تيّار آية الله كاشاني، وكان من رجال الدين المرتبطين بالتجار (البازار)، وهو تيّار وسطي.
- تيّار سلَفيّ إرهابيّ «فدائيّي الإسلام»، وترأسه نواس صفوي، یطالب بتطبیق الشریعة ويؤمن بضرورة استخدام العنف ضد نظام الشاه وحكومة مصدّق على حدّ سواء. وقد اغتال هذا التيار عدّة نواب ووزراء في حكوم مصدق، من بينهم وزير الخارجيّة، والکاتب والمؤرّخ الشهیر أحمد کسْروي. ومن هذا التيّار خرجت نظریّة ولایة الفقیه وتخرّج العديد من أنصار آیة الله الخمیني وخامنئي وغیرهم.
- تيّار تنويري لیبرالي وديمقراطي، منه تيّار «نهضة الحریّة» بزعامة نوري بازرکان ووالدي، وهو التيّار الذي ضمّ علماء الدین الوطنیّین المدافعین عن حرکة مصدّق.
اعتُقل والدي عدّة مرّات، وأمضى سنين كثيرة في السجون، وعلى عكس الكثير من رجال الدين السیاسیّین، كان منفتحاً فکریّاً ويناقش الجميع، وفي كلّ مرّة يدخل السجن كانت هذه التجربة تضيف إليه الجديد.
في المرّة الأولى التي اعتقل فيها أثناء حكم رضا شاه، التقى في السجن بالدكتور آراني وهو من منظّري ومؤسّسي الحزب الشيوعي الإيراني، ورغم أن اللقاء كان لفترة قصيرة، إلّا أنّها أثّرت فيه وأثّر فيه الدكتور آراني بشكل مباشر، فقد اطّلع الإمام على إرث الحركة الماركسيّة وأُعجب به، واستمرّت لقاءاته مع المارکسسیّین والتیّارات الفکریّة المتعدّدة في السجون وخارج السجون.
ينبغي أن ننوّه إلى أنّ الإمام من خلال نشأته في طالقان كان يلتقي بالفلّاحين الفقراء وتأّثر بمعاناتهم، وفي طهران عاش في منطقة شعبيّة وارتبط بهموم الطبقات الشعبيّة، وهو ما دفعه عندما كان إماماً لمسجد هدايت في طهران للاهتمام بالشباب بنحو خاصّ وأن يكون هذا المسجد منبراً للدفاع عن قضايا المستضعفين. وقد تحوّل هذا المسجد إلى مركز للمعارضة الإيرانيّة للشاه فيما بعد.
هنا يكمن عداؤه لنظام رضا شاه ومحمّد رضا ونضاله ضدّ السلطة السياسيّة والطبقیّة حينذاك، وانحيازه إلى حكومة مصدّق وثورة الدستور. كان يرى في مصدّق رجلاً ديمقراطيّاً ووطنيّاً، وعندما أمّمت حكومته النفط كان من أوّل الداعمين لهذا القرار والمدافعين عنه. ورافق طالقاني تجذیر شباب «نهضة الحریّة» وانحيازهم إلی جانب الکادحین ونضالهم ضدّ الأمبریالیّة وتحوّل العديد منهم إلی «مجاهدي الشعب الإیراني»، واستكمل نضاله إلى جانب مجاهدي خلق أو مجاهدي الشعب حتى لحظة انطلاق الثورة.
. ما هي مساهمات الإمام الفقهيّة؟
. لم يكن للإمام أيّة مساهمات فقهيّة لأنّه كان يعتقد أنّ ذلك من اختصاص المراجع. وهو لم يكن مرجعاً بالمعنى التقليدي أو الديني للكلمة. كما أنّه كان ينتقد الفقه التقليدي باعتباره لا يلبّي متطلّبات العصر.
والمعروف أنّ علم الفلسفة كان ممنوعاً تداولُه في الحوزات في حين كان طالقاني يريد إصلاح المؤسّسة الدينيّة والفقهيّة. ومن خلال تطوّره الفکري إلی جانب مؤسّسي منظّمة «مجاهدي الشعب» اقتنع فکریّاً بکثیر من الأطروحات المارکسیّة کعلم «الثورة» واعتبار الإمبریالیّة والطبقات المسیطرة على أنّها العراقیل الأساسیة – يسمّيها «سدود في سبیل الله» أمام التطوّر وأمام «المشیئة الإلهیّة المنحازة إلی جانب المستضعفین المسحوقین» ووجوب إزالتهم.
. ماذا عن ولاية الفقيه: متى وكيف طرحت؟
. طُرحت مسألة ولاية الفقيه في بداية سبعينيّات القرن المنصرم في الدروس الخارجيّة لآية الله الخميني في النجف في العراق، وقد طبَع طلبته هذا الدرسَ في كرّاس صغير. وعندما كان الإمام طالقاني في المنفى اطّلع على هذا الكرّاس وقال لي إنّ ولاية الفقيه نظريّة خاطئة لأنّها تتناقض مع الديمقراطيّة ولن تؤدّي إلّا إلی الاستبداد الدیني. في ذلك الحين كانت مسألة ولاية الفقيه لا تزال وجهة نظر هامشيّة بين وجهات نظر عديدة يتبعها قلّة من أنصار الخمیني ذاته.
. ماذا عن القضيّة الاجتماعيّة في الإسلام؟
. كما أسلفت، كان الإمام مدافعاً عن الطبقات الشعبيّة والفلّاحين الفقراء. واستنبط من القرآن {ونريد أن نمنّ على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمّة ونجعلهم الوارثين} (القصص ٥)
وكان جلُّ جهد الإمام إخراج الدين من العزلة ودمجه في الحركة الاجتماعيّة وتنقیته من الخرافات والتفسیرات الرجعیّة والسلفیّة والاستبدادیّة. وكان يرى إلى المجالس الشعبیّة أعلی مراحل الدیمقراطیّة التي یطالب بها الإسلام تحت اسم «الشوری».
وبالنسبة إلى مسألة الحريّات، کان یعتبر أنّ الحريّة من صلب الإسلام والإنسان، ولها معنى واسع، وعلى الإنسان أن يبقى حرّاً حتّى يظلّ إنساناً، ومن الطبیعي أنّه کان یعارض تطبيق الشريعة بشدّة. وانتقد بقوّة فرض إلزاميّة وضع الحجاب على المرأة الذي حاول الخمینیّون تطبیقه في الأشهر الأولی بعد الثورة.
. متى تعرّف الوالد إلى الإمام الخميني وفي أيّة ظروف؟
. لم يتعرّف والدي إلى الإمام الخميني قبل الثورة بشكل مباشر، لكنّه أيّد معارضته للشاه ومرجعيّته الدینیّة، مع الكثير سواه من المراجع، ليعطي للخميني نوعاً من الحصانة منعاً لإعدامه إثر خطابه الشهیر ضدّ الشاه. بعد اتخاذه هذا الموقف بدأت العلاقات بینهما، واستمرّت عبر الرسائل بعدما نُفي الخمیني إلی النجف.
. ماذا عن شخصيّات المعارضة الأخرى؟
. کان الوالد، بوصفه قطباً للمعارضة ضدّ الشاه، یستقطب کافّة التیّارات المعارضة الدینیّة والوطنیّة والدیمقراطیّة إضافة إلی «مجاهدي الشعب» وشخصیّات «نهضة الحریّة»، ومنهم بازرکان والدکتور سحابي والدکتور سامي (؟؟؟؟من سامي)وقیادات «الجبهة الوطنیة» والکتاّب والصحافیین والشعراء ورجال الدین المعارضین للشاه مثل الدکتور بهشتي ورفسنجاني وخامنئي ومنتظري وغیرهم.
. كيف تصف علاقة الوالد مع علي شريعتي؟
. كان يلتقيه ويلتقي والده باستمرار. وكان والده من مؤيدي مصدّق في مشهد وخطيباً في جامع (هدايت) في طهران وهو الجامع الذي كان والدي إماماً فيه كما أسلفنا.
الدكتور علي شريعتي كان خطيباً في حسينيّة الإرشاد في طهران. وقد هاجمه كثير من رجال الدين وكذلك الشاه أيضاً. تحوّلت الحسينيّة إلى مركز لاستقطاب المجاهدين والتيارات الدینیّة المعارضة. للدكتور علي شريعتي مدرسته، لكنّه تأثّر أيضاً في والدي، فكلاهما كان يميّز بين التشيّع الصفوي الذي خدم النظام، والتشيّع العلوي الذي كان يخدم الشعب حسب رأیهما. وكان الوالد وعلي شريعتي متفقيْن علی ضرورة مکافحة مثلّث «الذهب والقوّة والتزویر» وکان شريعتي یترجمه على أنّه «رأس المال والاستبداد ورجال الدین المزوّرین» ومن هذا المنطلق کان والدي والدكتور شريعتي والمجاهدون يكمّل بعضهم بعضاً في جبهة الدینیّین التقدمیّین الوطنیّین والدیمقراطیّین.
. ما هي علاقة الإمام بالمجاهدين وفدائيّي خلق؟
. كان والدي عضواً في اللجنة المركزيّة لحركة «نهضة الحریّة»، اعتقل وحكم عليه عشر سنوات بالحكم النافذ قضاها في سجن « قزل قلعة» وسجن « قصر» المركزي. بعد إطلاق سراحه في اواخر الستينيّات، بدأ شباب «حريّة إيران» يتجذّرون في مواقفهم السياسيّة، حيث تجاوزوا شعار الملكيّة الدستوريّة نحو إسقاط النظام الملكي والنضال ضدّ الإمبریالیّة والانحیاز إلی جانب الکادحین. وبعد أحداث ١٩٦٣١، توصّلوا إلى قناعة أنّه لم يعد مجال للعمل السلمي ضدّ النظام، ويجب البحث عن أساليب جديدة، فقاموا بتأسيس حركة «مجاهدي الشعب» التي تبنّت نهج الكفاح المسلّح سبيلاً للخلاص. أمّا «فدائيّو الشعب» فكانت المجموعة الأولى منها إطاراً جبهوياًّ للقوى الماركسيّة الثورّية.
كان والدي على اتصال مباشر مع «المجاهدين» باعتبار أنّه نظر إليهم على أنّهم تلامذته فکریّاً وتنظیمیّاً، حيث كان التأثير متبادلاً بينهما. وقبل أن يصبح التنظيم علنيّاً كانوا يرسلون له بعض الكتب والكرّاسات لإبداء الرأي فيها. بالطبع لم تكن العلاقة علنيّة تحسّباً لجهاز السافاك الإيراني.
حتّى عند نفي والدي في المرّتين الأولى والثانية وخلال الفترة التي كان فيها تحت مراقبة أمنيّة دائمة، كان يتّصل بالمجاهدين من خلالي ومن خلال وسائط أخرى، لذا أستطيع القول إنّه كان الأب الروحي للمجاهدين خلال فترة الكفاح المسلّح في عهد الشاه.
عندما أعلنت منظّمة مجاهدي الشعب انتسابها إلى الشيوعيّة، أصبحتُ شيوعيّاً وأرسلت إلى والدي في السجن رسالة شرحت له فيها كيف أصبحت شيوعيّاً بعدما كنت مسلماً متديّناً، ودعوته إلى اعتناق الماركسيّة. كان ذلك العام ١٩٧٦. وقد نشر رجال الدّين الرسالة بعد الثّورة قصد التشهير بالوالد.
. هل لك أن تحدّثنا عن سيرة الوالد عشيّة الثورة؟
. كان الوالد في السجن عشيّة الثورة أي في الفترة من العام ١٩٧٤ إلى العام ١٩٧٩. وعندما أُطلق سراحه، أصبح منزله في طهران عمليّاً مركزاً للثورة، ومن هناك كان يتمّ التوجيه السياسي وتمويل الإضرابات ولاسيّما إضرابات عمّال النفط. الكثير من الجنود كانوا يفرّون ويسلّمون أسلحتهم في المنزل قبل مجيء الخميني.
وفي أول تاسوعه (التاسع من محرم)، نزل إلى الشارع على رأس مظاهرة مليونيّة، وفي يوم عاشوراء الذي تلاه نزل من جدید الملايین إلى الشوارع الإیرانیّة.
أثناء تلك الأحداث، وعشيّة الثّورة راح الأميركيّون يبحثون عبر الجنرال هايدر عن مخرج بعدما وصلوا إلى قناعه أنّ الشاه قد انتهى. رجّحوا الخميني وبازركان بديلاً للشاه من أجل أن لا يكون هناك أيّ تغيير حقيقي، وكانوا يعتقدون أنّهم بواسطة الإسلاميين سوف يستكملون الحزام الأخضر حول السوفيات من جنوب إيران، وأنّهم من أفضل القوى المرشّحة لقمع اليسار في إيران والحیلولة دون شراکتهم في السلطة.
في هذه الفترة وقعت انتفاضة مسلّحة غير متوقّعة في طهران بتاريخ ١٠ فبراير/شباط ١٩٧٩. استسلم الجيش بعد يومين وأصدرت قيادته بياناً تضمّن الإعلان عن عدم تدخّلها في السياسة. بعد ذلك ألقى والدي خطاباً من إذاعة طهران كان الأوّل من نوعه، حيث طلب من المحتجّين عدم التعدّي على الممتلكات الخاصّة والعامّة. وبالفعل لم تحدث سرقات أو اعتداءات أو أيّ شكل من أشكال التجاوزات. لكنّ الذي حصل كان مصادرة اکثر من ٣٠٠ ألف قطعة سلاح من الجيش والشرطة وتوزيعها على الشعب والمتظاهرين.
كان والدي يعمل جاهداً على ألّا يكون البديل عن الشاه رجلاً من رجال الدين، وكان يدفع القوى الوطنيّة حينذاك لتأسيس جبهة موحّدة. بعد الثورة كان قلقاً خصوصاً من رجال الدّين الذين کانوا یُعدّون أنفسهم للقبض على السلطة عبر قمع المعارضین الآخرین الذین شارکوا في انتصار الثورة، حيث تعرّض للتهجم من قبلهم وحدث شرخ كبير في العلاقة فيما بينهم خصوصاً مع رفاقه السابقين.
بعد الثّورة، ظللتُ دائماً مع والدي، ولكنْ كنت أحاول عدم الظهور حتى لا أسبّب إحراجاً له. كنت مسؤولاً عن حراسته في المنزل. وقد اختطفَنا حراسُ الثورة أنا وأخي. وتعرّضنا للاستجواب والاتهام بالنجاسة والتهديد بالإعدام قبل أن يُطلَق سراحُنا.
في البداية كان هناك نوع من التنسيق بين مكتبه ومكتب الخميني، لكن والدي لم يكن لديه أيّ طموح سياسي. بعد مرور شهر على الثورة، وفي أوّل ظهور علنيّ ألقى خطاباً تضمّن قوله أنّ جميع من شارك في الثورة عليهم أن يشتركوا في إدارة شؤون البلاد، وهذا كان مشروعه السياسي الذي عرضه على الخميني واختلفا عليه. آمن الإمام بنظريّة المجالس الشعبيّة، واعتبرها الشكل الأمثل لإدارة الحكم في البلاد، وكان ينادي بقيام «الجمهوريّة الديمقراطيّة الإسلاميّة» كما سمّاها، وكان هذا بديلاً عن طرح الخميني، فعارض ولاية الفقيه من منظور سياسي وديني لأنّه اعتبر ذلك تأسيساً لاستبداد رجال الدين. وكان مؤمناً بالنّظام الانتخابي وبمنح المرأة حقّ الانتخاب والترشيح، وعارض ارتداء المنديل الشرعي باعتبار أن الحجاب في الإسلام ليس فريضة، وكذلك عارض تصدير الثورة إلى الخارج وخصوصا إلى العراق، لاسيما من منطلق طائفيّ، ورکّز کلّ جهوده لمنع اندلاع الحرب الأهلیّة في إیران والحرب مع العراق، وكانت له علاقات مميّزة مع كوبا والجزائر ولیبیا والحرکات الثوریّة في العالم. وساند القضيّة الفلسطينيّة منذ زمن حكومة مصدّق، حيث دعم موقف حكومة الأخير في قطع العلاقات مع الكيان الصهيوني.
أمّا موقفه من المكوّنات القوميّة المختلفة في إيران من عرب وكرد وبلوش، فقد دعاها إلى انتخاب مجالس محليّة کوسیلة لحلّ مشکلة كلّ واحدة منها وإقرار حقوقها في الحکم الذاتي وتقریر المصیر وتنظيم أمورها، علماً أنّه كان من مؤيّدي اللامركزيّة.
في أيّامه الأخير، كان الوالد قلقاً من ثلاثة أخطار: انقلاب مضادّ يقوم به الجيش بدعم أميركي، اندلاع حرب أهليّة بين الإسلاميّين واليسار والأكراد والتركمان والعرب مع السلطة المركزيّة، عودة الديكتاتوريّة تحت اسم الدين. وقد ألقى بهذا الصّدد خطاباً ناريّاً وكان خطابه الأخير، أكّد فيه أنّ الشعب هو مصدر السلطات وصاحب الثورة، وعلى رجال الدين أنْ يعودوا إلى مساجدهم. وهدّد أيضاً بفضح ملفّات تتعلّق بقضيّة الأكراد وبتجاوزات السلطة الجديدة.
. تقول إنّ الوالد قضى اغتيالاً ولم يُتوفّ وفاة طبيعيّة. هل لك أن تشرح ذلك؟ من تتّهم؟
. كنت دائماً ملازماً لوالدي، ولكن لضرورات عائليّة ذهبت مع والدتي إلى مشهد، استغلّ المتشدّدون غيابي فأبعدوا الحرس عنه وقطعوا خطّ الهاتف، وعندما أصيب بعارض صحّيّ، كان هناك أربعة مستشفيات قريبة من المنزل لم يُنقل إلى أيّ منها. وعندما طلبت العائلة تشريح الجثّة لمعرفة سبب الوفاة الحقيقيّ رفضت السلطات بحجّة أنّ المتوفّى رجل دين! وأعلنوا أنّ الإمام توفّي بسبب ذبحة قلبيّة.
في هذه الفترة سُرقت وثائق من مكتب الإمام والدي واغتيلت شخصيّات أخرى تبنّت مواقف ضدّ ولاية الفقيه، منها آية الله لاهوتي وآية الله شريعتمداري.
لست وحدي من يقول إنّ الوالد قضى اغتيالاً. وهناك شخصيّات أخرى من النظام اعترفتْ بأنّ الإمام لم يمت ميتة طبيعيّة وإنّما اغتيل اغتيالاً، منها الشيخ جعفر شجوني. والأرجح أنّ المتشدّدين اغتالوه، بعد ما حظي من شعبيّة واحترام كبيرين من قبل الشعب الإيراني. ومع مقتل آية الله الطالقاني نَحَت الثورة الإيرانيّة نحو الاستبداد بقيادة الخميني.
- ١. شهد شهر حزيران/يونيو ١٩٦٣ تظاهرات شعبيّة عارمة في معظم المدن الإيرانيّة ضدّ اعتقال الإمام خميني على أثر خطاب ألقاه هاجم فيه الشاه وإسرائيل. هاجم المتظاهرون مراكز الشرطة ومكاتب السافاك (المخابرات) والوزارات واستدعى الشاه الحرس الإمبراطوري لقمع الانتفاضة وقد سقط نتيجة ذلك مئات القتلى والجرحى واعتقل المئات أيضاً. وُضع الإمام خميني في الإقامة الجبريّة لعدّة أشهر قبل أن يطلَق سراحه ويعود إلى قم.
إضافة تعليق جديد
تهمّنا آراؤكم ونريدها أن تُغني موقعنا، لكن نطلب من القراء أن لا يتضمن التعليق قدحاً أو ذمّاً أو تشهيراً أو تجريحاً أو شتائم، وأن لا يحتوي على أية إشارات عنصرية أو طائفية أو مذهبية.