زفافٌ في السماء
- أمّي
- نعم حبيبتي
- هل الله متزوّج؟
- كلّا، ليس متزوّجاً.
- حقّاً؟
- حقّاً.
- أريدُ أن أتزوّج الله.
- لماذا؟
- لأنّي أحبّه. أرغبُ بزفافٍ كبيرٍ في السّماء. هناك، فوق تلك الغيمة. أترينها؟ تلك الّتي تُشبه رأس اللعبة الّتي تملكُها منى. أريدُ أن أضع فوق رأسي تاجاً كبيراً مرصّعاً بماساتٍ مُبهرة. سيتناسبُ المشهدُ مع النّجوم! مممم. على شكل قلوبٍ وأزهار. أريدُ أن أرتدي فستاناً طويلاً جدّاً ناصع البياض. يجب أن يكون مصمّماً خصّيصاً كي يتناسبَ مع جناحيّ الجميلين.
- وهل أخبرتِه بحقيقة مشاعرك تجاهه؟ ورغبتك الزّواج منه؟
- كلّا.
- لماذا؟
- أخشى أن يرفض. هل يُمكنكِ أن تطلبي منه ذلك ماما؟
- لا مانع لديّ. لكنّي لو كنتُ مكانكِ لتريّثتُ قليلاً.
- لماذا؟
- حتّى أصبح امرأةً ناضجة. حتّى أصبح أجمل، حتّى يصبح شعري طويلاً جدّاً ورائع الجمال. عندها يُصبح الفستان أكثر تناسقاً على جسدي، والتّاج أكثر سحراً على وجهي. حتّى أحصل على أعلى الشّهادات الجامعيّة. كيف ستُحاورين الله وأنتِ لستِ متفوّقة في المدرسة؟
- نعم! أريدُ أن أكون الأجمل على الإطلاق. أريدُ أن أكون الأذكى أيضاً. لكن، هل سيبقى الله يحبّني؟
- بالطّبع. وفق شرطٍ واحد
- ما هو؟
- أن تستمرّي في حبّه، وحبّ عمل الخير.
- سوف أستمرّ في حبّه. بل إنّي سوف أحبّه أكثر من الآن!
الكفّار من يحبّهم؟
- أمّي
- نعم حبيبتي
- هل الله متزوّج؟
- متزوّج؟! كلّا، ليس متزوّجاً! فالله لا يتزوّج.
- لماذا؟
- لأنّ الله واحدٌ أحد، لا امرأةَ له ولا ولد، ولا شريكَ له في الملك.
- هل يعاني اللهُ من مرضٍ معيّن؟
- ما هذا السّؤال؟ بالطّبع لا!
- إذا كان سليماً، فلمَ لا يتزوّج؟ كلّ الرّجال يتزوّجون
- الله ليس رجلاً.
- هو امرأة؟
- كلّا طبعاً!
- رجلٌ وامرأة؟ ما هو؟
- ليس رجلاً وليس امرأة، إنّه شيءٌ لا مثيلَ له.
- إذا كان لا مثيلَ له، ألا يجدر به حبّ إلهة لا مثيلة لها وإنجاب طفلٍ لا مثيلَ له؟
- الله لا يحتاجُ إلى الحبّ والزّواج وإنجاب الأطفال. إنّه الإله القادر الكبير الواحد الأحد كما قال في كتابه العزيز، ثمّ لا وجود لإلَهة، فهذا يتنافى مع التّعا..
- هل تعنين أنّ الله لا يحبّ أحدًا؟
- بل على العكس، يحبّ الجميع.
- يحبّ الكفّار؟
- كلّا طبعاً!
- إذاً هو لا يحبّ الجميع.
- يحبّ المؤمنين.
- بوجوده؟
- نعم.
- والكفّار من يحبّهم؟
- يحبّهم الشّيطان.
- لأنّهم يؤمنون بوجوده؟
- كلّا، لأنّهم يتبعون تعليماته. المؤمنون بالله يؤمنون أيضًا بوجود الشّيطان.
- ألا يؤمن الكفّار بالشّيطان؟
- بعضهم يؤمن، وبعضهم يُنكر وجوده هو والله معًا.
- ما تقولينه أنّ جزءاً من الكفّار لا يُؤمن بوجود الشيطان؟
- المشركون.
- المُشركون لا يؤمنون بوجود الشّيطان؟
- هم لا يؤمنون بأيّ قوى خارج الطّبيعة.
- إذاً المُشركون أكثر ولاءً للّه من المؤمنين.
- ما هذا الكلام!
- هم لا يؤمنون بوجود عدوّ الله، بينما المؤمنون يفعلون.
- من أينَ تأتين بهذا الكلام؟! انتهى النّقاش. هناك الله. هناك الشّيطان.
- وهل الشّيطان متزوّج؟
- كلّا.
- لماذا؟ هو أيضاً واحدٌ أحد لا شريكَ له؟
- كلّا طبعاً!
- تقصدين هناك أكثر من شيطان.
- كلّا، هناك شيطانٌ واحدٌ كبير.
- كبير؟ إذاً هو يُوازي الله! أمّي، الله والشّيطان متشابهان! لا يتزوّجان، لا يُنجبان الأطفال، لديهما أتباع، لديهما مؤمنون بهما. لن أتزوّجَ الله بعد الآن! كلّا! كلّا! لن أحبّهُ بعد الآن! لن أحبَّ أحداً يُشبه الشّيطان! الشّيطان مُخيف!
التين والزيتون... والكرز؟
لا يعجبُه لون الأحمر على شفتيها. «إيه اللّي انتِ بتعمليه في نفسك كده»؟ الشّرائط الصّغيرةُ المتدلّيةُ من الكنبة المُتعَبة إلى جانبها تُذكّرها بفستان نبيلة عبيد. أحمرُ قانٍ. تزمُّ شفتيها. لطالما حلُمت باكتناز الشّفة السُّفلى. صيفاً، كانت تقودُها مخيّلتها الجامحة إلى صورةٍ أكثر لهيباً من حرّ الأماكن. تمرّر حبّةً على "السُّفلى". السّرّ هناك. كمُذنبةٍ بريئةٍ، تكوّر شفتيها نحو الدّاخل، تجول بناظريها على الحضور. تشعر بالأمان، فتُكمل سردَ أحداثها الهلاميّة. تحبّ الكرز. القانيات منه. لم يكن والدُها يكترث إن هي أحبّتها، أم لم تفعل. في لحظة، بدأ يفعل.
لصغر سنّها، لم تلحظ التّراكم الّذي بُنيت عليه أسس التّغيير. هكذا، من لا شيء، وجدت والدها بلا شاربين. كلّما أطال لحيته، كره حبّات الكرز. لم تفهم العلاقة بين طول اللحية والكرز. كلّما نبتت شعيراتٌ فوق شفتيه الرّقيقتين، وجدتْه يحاول نزعهما بأدواتٍ لم تعتَد رؤيتها بين أيدي الرّجال.
خانتها دقّةُ الملاحظة. دقائقَ إضافيّةً يقضيها مستمعاً إلى الشّيخ عبد الحميد كشك. تدريجيّاً، خَفت بريق ألوهيّة صالح عبد الحيّ. لم يكن في الأصل يحبّ الاستماع إلى عبد الوهاب. لكنّ صالح حالة فريدة. إنّه الأصلي. ولا مقارنة بين الأصل والتّقليد. أصبح ممكناً قطع وَصْلة "عاشق يقول للحمام". ثمّ استحال واجباً. لم يعُد يمتلك حشريّة معرفة ما سيلي عبارة "يا ريت جناحك يوم". بموت الحشريّة، تنتفي ملَكة الموسيقى.
وفي ليلةٍ من ليالي أغسطس/آب انتهى وعاء الكرز.
- لا كرز بعد اليوم
جاءها الردّ صاعقاً.
- بسّ يا ماما
- قلت ما فيش، مُش عاوزة مشاكل.
أصبحت تكرهُ دخول المطبخ كي لا تقع عيناها على سلال التّين. في البدء كانت سلّة. مع الأيّام، تكاثرت. بدأت تشعر أنّ التّين يُحاصرها. التّين والزّيتون. متى ينتهي موسم الصّيف، يستعين بالمجفّف. فهمت المُعادلة. كيف لأحدٍ أن يرى نورَ الله في كوز فاكهة؟
- أبي هل نستطيعُ نحن اختيار فاكهة الله؟
- التين/ الزّيتون
- والكرز؟ أمّي؟
النظر إلى الشرائط الصغيرة المتدلّية من الكنبة المُتعَبة أضحى أقصى أمانيها. تنسُج منه فستاناً على قياس مخيّلتها الخجولة. تزمّ شفتيها سرّاً. في علبةٍ جوانبُها محكمة الإغلاق تجلسُ بهدوء. تخلّت الصّور حولها عن أبعادها الثّلاثيّة. بعدٌ واحد. هذا جلّ ما تقوى على نسجه. ولكن للأشياء نهاية.
- أمي؟
- مش عاوزة مشاكل.
في إحدى المرّات خاطبها الشّيخ. «أتوجّه بهذا السّؤال لطلبة الصّفّ الخامس ابتدائي». انزلقتْ من العِرق الأخضر. استقرّت على الرأس المدبّب. أسندت وجنتها اليُمنى إليه. صغيرةٌ في عالم الكرز.
- "رغبت إحدى الممثّلات في الزّواج، فتقدّم لها في ستّة أيّام ١٢٤ عريساً، المطلوب كم عريساً تقدّموا لها في اليوم؟".
قبل أن يبدأ الشّيخ عبد الحميد بالإجابة اشتغل العدّادُ في رأسها. ١٢٤ على سبعة.
- سبع تعشر
- إي؟
- الجواب يابا، سبع تعشر عريس!
- هو ده اللي همّك يا بت؟ نبيلة عبيد وعرسانها؟ إي اللي إنتِ بتعمليه في نفسك ده؟
- الشيخ بيقول عشرين عريس، ده يبقى حمار؟ بيحب ياخد يوم أجازة شكلو، أو عاوز يكبّر عرسانها بأيّ طريقة ممكنة. همست ملاحظتَها.
فجأة، تقلّص حجمُها. وضعت رُكبتيها على رأس الحبّة المُدبّب. تسلّقتها بخفّة، حتّى وصلت إلى رأس العِرق الأخضر. ومن هناك، شاهدت عمامة الشّيخ كشك، وابتسمت.
إضافة تعليق جديد
تهمّنا آراؤكم ونريدها أن تُغني موقعنا، لكن نطلب من القراء أن لا يتضمن التعليق قدحاً أو ذمّاً أو تشهيراً أو تجريحاً أو شتائم، وأن لا يحتوي على أية إشارات عنصرية أو طائفية أو مذهبية.