يعتبر التصوير الحربي عند خليل رعد محطة مفصلية لأسباب عدة: فهو يلقي ضوءاً جديداً على ناحية من عمله لا نعرف عنها إلا القليل، وتتعارض مع اعتباره مصوراً للمشاهد الطبيعية والصور الشخصية في المقام الأول، إضافة إلى تغير المفهوم السائد بشأنه بأنه مصور توراتي تبنى واستبطن الصورة الاستشراقية للأراضي المقدسة. على سبيل المثال، تشير أناليس مورز إلى أن «رعد استخدم معظم الأحيان في تقديمه للفلسطينيين العرب الدلالات التوراتية التي اختزلت حياتهم في لحظة واحدة من الزمن». وفي صوره لمشاهد الحرب والقتال، التي سأناقشها هنا، كان رعد موضوعياً و«واقعياً» وكثير الانغماس بالأجندة السياسية للدولة العثمانية في سورية وفلسطين. ولكن في الملخص الشامل لأعمال رعد الذي نشرته رونا سيلاع، لا تتوافر صورة واحدة عن التصوير الحربي. وفي مؤلفين آخرين يستخدمان أعمال رعد التصويرية - «قبل الشتات» لوليد الخالدي و«الفلسطينيون: صورة أرض وشعب» لالياس صنبر - توجد مراجع قليلة لصور احتجاجات جماهيرية وصور قادة عسكريين أتراك مثل أنور وجمال باشا، ولكن هذه الصور مهمشة بسبب التركيز على رعد كمصور مشاهد طبيعية وفنان استوديو.
من التصوير السياحي الى الحربي
مساء الاثنين ٢٩ آذار ١٩١٥، استدعي خليل رعد من قبل نائب قائد حامية القدس، نهاد بيك، إلى «المنزل»، أي مفوضية الجيش السلطاني الرابع في بناية نوتردام المنعزلة قرب باب الجديد، حيث نظم الأميرالاي علي روشن بيك، رئيس المنزل، بأمر من جمال باشا جلسة تصوير سينمائية دعائية لتحضيرات الجيش العثماني في فلسطين، وخصوصاً في مناطق النبي صموئيل والبقعة في القدس١. وكانت الغاية من فعالية ٣١ آذار ١٩١٥ المخصصة للتعبئة الجماهيرية لقوارب تابعة للبحرية العثمانية في البحر الميت، توفير مؤن القمح عبر الأردن إلى أرض المعركة في بئر السبع - سيناء في جبهة سيناء.
اختير رعد لتلك الفعالية الخاصة لالتقاط صور ساكنة - بينما كُلف السويدي لارس لارسون الذي كان رئيس القسم الفوتوغرافي في البعثة الاميركية في القدس تصوير أفلام سينمائية. التقط رعد صورة تاريخية لقائد مفوضية المنزل العسكري وطاقمه بينما كانوا يُحَمِّلون القارب على العوامة الخشبية المتحركة التي تنقل المعدات إلى أريحا والبحر الميت. ومنذ ذلك الحين، بدأ رعد رحلة طويلة من التعاون مع جمال باشا والجيش العثماني، ذهب خلالها إلى بئر السبع وغزة والعريش وحافر وجبهة سيناء والسويس.
انخرط رعد في التصوير الفوتوغرافي في الحيز العام سنة ١٩١٣ بعد أن كان متخصصاً في التصوير الداخلي (استوديو)، والمشاهد التوراتية عندما تزوجت ابنة أخته نجلا جون ابن معلمه، ولاحقاً منافسه في شارع يافا، المصور كرابيد كريكوريان. عقد هذا الزواج شراكة أنهت منافسة شرسة لسنوات طويلة بين رعد وكريكوريان. تضمنت الصفقة تقسيم العمل، بحيث يتخصص استوديو كريكوريان في التصوير الشخصي، بينما يكرّس رعد عمله في مجال تصوير الفعاليات العامة وأحداث القدس وفلسطين٢ وكانت أولى أعماله في تلك الفترة عدداً من اللقطات أخذها رعد لعملية تنفيذ أحكام شنق نفذها الجيش الرابع في جنود متهمين بالتعاون مع البريطانيين. التقط رعد هذه الصور عند باب العمود في منتصف عام ١٩١٥ قبل الإعدامات المشهورة لقيادات وطنية عربية في بيروت ودمشق. ولكن رعد استمر في العمل في مجال التصوير الخاص داخل الاستوديو خلال الحرب، وكان قد طوّر نفسه في هذا المجال أثناء عمله مع كريكوريان. وبإمكان المشاهد التأمل في المزايا الاستثنائية للصور الشخصية التي نفّذها في البورتريه الشهير لخليل السكاكيني (رعد ١٩٠٦)، وهي صورة التقطها رعد للكاتب كتذكار لخطيبته سلطانة عبدو، قبل رحلته المشؤومة إلى أميركا. نرى في هذه الصورة دراسة نفسية متأملة للسكاكيني في مطلع شبابه أصبحت لاحقاً أيقونة لمجموعة الصعاليك الأدبية التي تزعمها.
خلال الحرب، أصبح شائعاً بين المجندين من الطبقة الوسطى في بلاد الشام أن يلتقطوا صوراً لهم في زيّهم العسكري وهم يحملون البنادق والسيوف ومعدات عسكرية أخرى متوافرة لدى الاستوديو في وضع متناقض مع الخلفية الطبيعية الرعوية (غالبا الأوروبية). ولأسباب عديدة، شكلت الطرقات الريفية المحاطة بالأشجار على الجانبين والغابات المجاورة خلفية لمعظم الصور. وكانت غالبية هذه الصور تتضمن وضعيات بطولية معيارية، والقصد منها أن تكون صوراً تذكارية للعائلة أو الخطيبة أو الأصدقاء قبل نقل هؤلاء الأشخاص إلى الجبهة أو مواقع عسكرية أخرى. نرى صوراً عديدة شبيهة في أعمال كريكوريان وسافيديس وصابونجي وصوابيني ومصورين آخرين محليين، أغلبهم من الأرمن. وعلى أية حال، وخلال الحرب، وربما بسبب انخراطه المباشر في العسكرية، بدأ رعد بالتقاط صور للجنود في وضعيات أكثر حراكاً وحيوية اختلفت عن صور الجنود التقليدية. نشاهد هذا التنوع في صور أخوين من عائلة الخالدي، وهما طبيبان شابان من مدينة القدس تم تجنيدهما في أوائل عام ١٩١٥ بعيد تخرجهما من كلية الطب في بيروت. التقط رعد صورة حسن شكري وحسين فخري الخالدي وجهاً لوجه ينظران إلى ما وراء الكاميرا، مع إدراك وخوف مرتقب للأحداث التي ستحدث لهما؛ إذ سرعان ما نقل حسن إلى «جناق قلعة» (غاليبولي)، حيث أصيب بجروح خطرة، بينما استطاع حسين البقاء قريباً من مدينته وأصبح في ما بعد رئيس بلدية القدس.
شباب الطبقة الوسطى في الزيّ العسكري
في بداية الحرب، استطاع رعد الوصول إلى الدوائر الرسمية والمنشآت العسكرية العثمانية - وتعززت هذه الإمكانية من خلال صداقة شخصية بين والده وجمال باشا٣. وفقاً لبدر الحاج، كلف جمال باشا خليل رعد التقاط مجموعة من الصور لتكون بمثابة دعاية لمنشآت الجيش العثماني وأنشطته، والتي «كان واضحاً استخدامها كدعاية للقوات العثمانية». كما تتذكر روث رعد، ابنة خليل، أن أحمد جمال باشا أعطى والدها حرية كاملة بالوصول إلى جبهة مصر وفلسطين ليقوم بهذه المهمة٤. وباستثناء المجموعة المحفوظة في أرشيف كلية سانت أنتوني في أوكسفورد، فقد اختفت كل المراجع المتعلقة بهذه المجموعة. ومن المحتمل جداً أنّ رعد أخفى هذه الصور خوفاً من معرفة سلطات الاحتلال البريطاني بها مما كان سيعرضه لاتهامات التعاون مع العدو. ومن المؤكد أيضاً أنّ هذه الصور لا تظهر ضمن موجودات كتالوغ رعد لعام ١٩٣٣؛ إذ إن البريطانيين كانوا قد عاقبوا عدداً من الشخصيات الفلسطينية العامة من ضمنها عبد القادر المصغر والشيخ أسعد الشقيري، مفتي الجيش الرابع، لتورطهما في إدارة جمال باشا لسورية.
يمكن تصنيف صور رعد الحربية ضمن خمس فئات:
- صور شخصية لقادة عسكريين عثمانيين (وألمان) التقطت في الفترة بين ١٩١٥ – ١٩١٨، إضافة إلى عدد هائل من الصور النمطية لمجندين إلزاميين وضباط جيش في الفترة ذاتها.
- منشآت عسكرية وتحضيرات معارك ومشاهد معارك من الجبهة العثمانية (١٩١٥-١٩١٨)، ومعظم هذه الصور التقطها رعد بتكليف من أحمد جمال باشا كصور دعائية.
- دخول الجيش البريطاني إلى فلسطين واحتلال القسم الجنوبي في كانون الأول ١٩١٧.
- مشاهد من تظاهرات جرت في الفترة ١٩٢٨-١٩٢٩ وثورة ١٩٣٦-١٩٣٩، تظهر منع التجوال ونقاط تفتيش الجيش ومطاردة سكان مدنيين ومشاهد شوارع من إضرابات المدن. والملاحظ هنا هو الغياب الكلي للثوار ضمن صور رعد. (باستثناء الصورة المفترضة للقسام المنشورة هنا).
- الوجود العسكري البريطاني في أربعينيات القرن الماضي.
كنعان بعدسة كريكوريان- ١٩١٥. المصدر: كريكوريان.
الجنرال فردريك كرس فون كرسنثتاين.
تراوح الأعمال التي كُلف رعد القيام بها من قبل القوات العثمانية بين صور شخصية رسمية للقادة العسكريين (علي فؤاد باشا، أنور، أحمد فؤاد، الجنرال فالنهاين، علي روشن بيك)، ولمنشآت عسكرية (مدافع مضادة للطيران، وحدات إشارة، خنادق، ورش عمل هندسية، مستشفيات للجيش، ومطابخ ميدانية)، ومناورات في القدس وبئر السبع وسيناء، وخطوط تلغراف وسكك حديد، وفعاليات سياسية (احتفالات عيد ميلاد السلطان في المنزل العسكري واستعراض الجيش قبل الذهاب إلى المعركة)، والوفود البرلمانية من إسطنبول تزور الجبهة (أعيان القدس يستضيفون ضباطاً ألمانيين، إلخ)٥.
يمكن إيجاد الكثير من هذه الصور في المجموعات الفوتوغرافية العثمانية (مثل مجموعات ماتسن ويلدز)٦، وخصوصاً تلك التي تضمنت شخصيات رفيعة المقام. ولكن قلة من الصور كانت ذات صفة عسكرية مأخوذة في مناطق محصورة أو في جبهة المعركة. وبما أن هذه الصور كانت مطبوعة كبطاقات بريدية وأحرزت تداولاً واسعاً، لا بد أن القصد من ذلك كان نيل إعجاب الجمهور الأوروبي (ومن المحتمل أيضاً زرع الإيهام في استخبارات العدو) أو رفع معنويات الجماهير في جبهة الوطن. وتعتبر صور المدافع المضادة للطائرات التي التقطت عندما كان سلاح طيران العدو يهدد مواقع عثمانية متقدمة في السويس وبئر السبع ذات أهمية خاصة٧. وتبين صورة أخرى (مجموعة ساوندرز ٥/١/١٠) الجنود من وحدة الإشارة في النبي صموئيل. وفي معظم تلك الصور يقف الجنود في وضعيات معينة أو في خلال تمارين تدريبية منظمة، والقصد منها إظهار الانضباط والاستعداد والقيادة الحديثة في التقنيات العسكرية (خطوط التلغراف، الهواتف الميدانية، البنادق المضادة للطائرات ذات القوة العالية وما إلى ذلك). إحدى أكثر الصـور اللافتة للانتباه بين تلك التي التقطها، صورة تظهر مخبأً سرياً في النقب للمنشآت العسكرية، وتقنيين سريين لإصدار «جريدة جول»، لسان حال الجيش العثماني في بئر السبع٨. (انظر الصور المرافقة للمقالة).
تظهر صور أحمد جمال باشا (الحاكم العسكري لسورية وفلسطين)، وجمال باشا المرسيني (قائد فيلق الجيش الخامس في فلسطين)، وفردريك كرس فون كرسنشتاين (١٨٧٠-١٩٤٨ قائد فيلق الجيش الثامن في الدفاع عن غزة) والأميرالاي علي فؤاد باشا (قائد فيلق الجيش العشرين وآخر من دافع عن القدس) وغيرهم كثيرون، درجة من الود والحميمية والألفة مع الأشخاص، وذلك في حالة تعارض مع صور رسمية أخرى لأشخاص رسميين التقطها خليل رعد٩. وهذا ما نلاحظه بشكل خاص في مجموعة الصور التي التقطها رعد لجمال باشا المرسيني على ظهر حصان في مجمع سانت جورج وصور أخرى مع مساعده وطفلين يلعبان مع المصور. وثمة صورة مأخوذة من مسافة قريبة لأحمد جمال باشا، وكان آنذاك وزير البحرية المعروف بسفاح سورية وفلسطين، وصورة ثانية له أيضاً وهو يتناول الشاي مع أطفال وسيدات «الأميركان كولوني» (تُنسب إلى رعد) توحيان بأن خليل رعد كان يتقصد إظهار «وجه إنساني» للقيادة العثمانية، التي بدأت تظهر عداءً واضحاً للسكان المدنيين.
كان جمال باشا على إدراك تام لضرورة تحسين سمعته والحاجة لتعميم الإنجازات العسكرية في فلسطين. وقد كلف خليل رعد التقاط مجموعة من ٤٠ صورة لمناورات الجيش ومشاهد من معارك الجبهة. سرعان ما تحولت هذه المهمة لمشروع تصوير سينمائي للقوات العثمانية في أريحا والبحر الميت (المشار إليها أعلاه) ثم انتقلت إلى غزة وبئر السبع وسيناء وجبهة السويس. كما رافق رعد القيادة العسكرية أثناء مهامها والتقط لها عدداً من الصور المشهدية، أشهرها صورة السيارة العسكرية وعلى متنها الجنرال كرس فون كرسنشتاين ومعه الجنرال فلكنهاين والأمير هوهنلوك التي التقطها رعد لهم في شارع يافا قبيل حملة السويس١٠.
من الخطأ افتراض أن عمل رعد مع الجيش العثماني كان محصوراً في الدعاية للنظام. فقد استطاع رعد ببراعة وذكاء، أن يظهر في عدة مناسبات في صورة الطابع الهمجي للحرب، وهنالك حالتان على الأقل يمكن أن تستخدما كدليل دامغ على سلوك جمال باشا القامع تجاه السكان المدنيين. الصورة الأولى «إعدام خائن في بوابة دمشق» (R-٥٥) تظهر شكلاً مروعاً لرجل مشنوق مع لافتة بالتركية والعربية تشير إلى جريمته المفترضة (التعاون مع العدو). الصورة الثانية لكتائب العمل التطوعي العثماني (طوابير الشغيلة) وهي تظهر عدداً من الرجال الكبار السن والضعفاء المغلوب على أمرهم يقومون بأعمال شاقة تكسر الظهر وهم يحملون الصخر بأيديهم لتشييد الطريق العسكري الجنوبي إلى بئر السبع (R-٥١٦، ١٥). لقد كان الإعدام وعمل السخرة القسري قضيتي خلاف بين السكان المدنيين مثلما كانت قضية نفي وإبعاد المجموعات «المشكوك» في أمرها. لا شك أن اختيار رعد التقاط هاتين الصورتين وعرضهما في ما بعد، خفف من دوره كأداة دعاية للسلطات.
حضور القمع البريطاني وغياب الثوار
وعلى نقيض الفترة العثمانية، كان عمل رعد خلال فترة الانتداب أكثر تجاوباً مع نظرة الناس تجاه وجود جيش احتلال. وباستثناء الفترة الأولى للحكم العسكري البريطاني (١٩١٨-١٩٢٠) التي أظهرت الدخول المنتصر للجنرال اللنبي وجنود الحلفاء إلى القدس، فإن فترة العشرينيات والثلاثينيات تحتوي على صور كثيرة لظروف فرض منع التجوال وأعمال الشرطة ضد التظاهرات وتفتيش الجنود الهنود والبريطانيين للمدنيين بحثاً عن السلاح ووجود السيارات العسكرية والجنود المسلحين في الشوارع.
كذلك تخلو أعمال رعد بشكل ملحوظ من صور الثوار والأنشطة الثورية، على الرغم من أن بدر الحاج يدعي أن رعد هو الذي التقط الصورة الوحيدة المعروفة للمقاوم عز الدين القسام. إلا أنّ من غير المحتمل أن يكون رعد هو الذي التقط هذه الصورة ولا يوجد دليل على ذلك. لا تُظهر صور رعد خلال فترة أواخر العشرينيات والثلاثينيات الصدامات المدنية مع الشرطة في التظاهرات أية نزعة أو حالات بطولة مثل التي شاهدناها للجنود العثمانيين ولا تظهر كذلك الحميمية التي شاهدناها في صور رعد للقادة العثمانيين من أمثال جمال باشا وعلي فؤاد ومرسينلي وروشن بيك والجنرال كرس فون كرسنشتاين.
استمر خليل رعد في رصد الأحداث العامة خلال الانتداب. وتتضمن صوره الرئيسية ذات العلاقة بالحرب: دخول الجنرال اللنبي إلى المدينة من شارع يافا؛ قمع الشرطة للتظاهرات المعادية لبلفور في نوفمير ١٩٢٩؛ منشآت الجيش البريطاني خارج مدينة القدس؛ الجنود الهنود والبريطانيون يقومون بأعمال الحراسة في الأماكن العامة؛ شرطة مكافحة الشغب أثناء قمع التظاهرات (لا يوجد تواريخ)؛ منع التجوال والإضرابات خلال ثورة ١٩٣٦ في يافا والقدس؛ الوحدات الآلية البريطانية تتحرك إلى المدن (R-١٢٨٩, ١٢٩١, ١٢٩٦, ١٢٩٠). وتوجد صور عديدة تظهر الجنود ورجال الشرطة الهنود والبريطانيين يفتشون المدنيين في الشوارع (R-١٣١٨-١٣٣٧). وهذه الصور تتضمن عرباً ويهوداً والعديد من الشخصيات الدينية والمسيحية، وهذه هي الصور الوحيدة التي تظهر فيها النساء في محيط الصورة كمتفرجات أو مشاهدات أو رفيقات الرجال الذين يجري تفتيشهم، ولولا هذه الصور لكانت صور الحرب عند رعد محصورة بالرجال.
في أعمال رعد، ثمة خصوصية تميز الشخصيات العسكرية العثمانية (أتراك وألبان وعرب) عن الشخصيات البريطانية، ألا وهي درجة الحميمية والألفة التي أعطاها رعد للمجموعة الأولى والبعد والجفاء الذي أظهره تجاه الثانية. ومما لا شك فيه، أن ذلك كان نتيجة العلاقة العائلية والمهنية التي أنشأها مع القادة العسكريين العثمانيين في القدس حتى في زمن توتر العلاقات بين الإدارة العثمانية وقيادة الجيش الرابع مع المواطنين العرب. وفي ما يتعلق بالبريطانيين، ثمة انطباع بأن رعد كان يتعامل مع جيش احتلال يعمل على السيطرة على السكان وقمع ثورتهم. ومن الصعب معرفة إذا ما كان هذا التمييز يفضح وجهات النظر السياسية للمصور تجاه الحكم التركي والبريطاني، ولكن ما نستطيع قوله هو أن خليل رعد، كفنان مصور وحرفي، بقي نتاجاً للعهد العثماني. فقد نشأ وتبلور مهنياً خلال الحكم العثماني لفلسطين ثم طور علاقات عمل وزمالات مع رجالات الإدارة العثمانية ومن ضمنهم روش بيك ونهاد بيك والجمالان - جمال باشا القائد العام، وجمال باشا الصغير قائد الجيش الخامس. ومن الواضح أيضاً أن تطوره الفكري تأثر بالمدينة والبلد كنتاج للمعتقدات التوراتية - التي حكمت عمله كمصور تجاري للسائحين والحجاج. لقد تشكل فن التصوير عنده من خلال تدربه ضمن التقاليد العثمانية - الأرمنية للتصوير الفوتوغرافي (كريكوريان وعبدالله إخوان)، ولكن الحرب العظمى خلقت انسلاخاً عن هذه التقاليد وأجبرت رعد على التفكير بحداثة فلسطين بمصطلحات جديدة تمليها الآليات العسكرية والطائرات وسكك الحديد والتلغراف وآلاف الرجال الذين عملوا في هذه التكنولوجيا. في السنوات العصيبة من سنوات الحرب، قدم لنا رعد سجلاً لهذه الأحداث بعيداً عن نظرة المستشرق والرؤية التوراتية.
ظهرت هذه المقالة في شكل سابق في «معرض مئوية خليل رعد» الذي نظمته ڤيرا تماري لصالح مؤسسة الدراسات الفلسطينية في رام الله وبيروت.
«طوابير العمالة» العثمانية أثناء بناء طريق عسكرية في بئر السبع.
الجنرال كرس فون كرسنثتاين والجنرال فالكنهاين و الأمير هوهنلوك.
الجنرال كرس فون كرسنثتاين والجنرال فالكنهاين و الأمير هوهنلوك.
- ١. هذا الحدث مشتق من مذكرات احسان حسن الترجمان، الذي كان شاهدا على التصوير السينمائي. أنظر سليم تماري. عام الجراد: الحرب العظمى ومحو الماضي العثماني من فلسطين. بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية. ٢٠٠٨.
- ٢. بدر الحاج, «خليل رعد، مصور القدس»، جي كيو، ١١:٣٧-٣٨.
- ٣. الحاج، جي كيو, ١١: ٣٨.
- ٤. منقولة عن الحاج.
- ٥. خليل رعد، مجموعة ساوندرز الفوتوغرافية. أرشيفات سانت أنتوني. جامعة أوكسفورد.
- ٦. لمجموعة يلدز، أنظر بالسي كريم. ٢٠٠٩. القدس في الصور التاريخية، اسطنبول: IRCICA. لمجموعة مكتبة الكونغرس، أنظر www.loc.gov/pictures/item/2005676184/ لا يظهر اسم رعد في المجموعة السابقة وهو مذكور في ثلاث أو اربع صور في مجموعة مكتبة الكونغرس.
- ٧. مجموعة ساوندرز. رقم ايتام ٥/١/١٠ البوم رعد في مجموعة سانت أنتوتي. جامعة أوكسفورد.
- ٨. مجموعة ساوندرز. رقم ايتام ٥/١/٧ البوم رعد في مجموعة سانت أنتوتي. جامعة أوكسفورد.
- ٩. يمكن الحصول على مرجعية هذه الصورة ومؤلفها رعد في «منتدى المحور» forumaxishistory.com/viewtopic.php?f=80&start+30 جرى الدخول على هذا الموقع في تشرين الأول ١، ٢٠١٢.
- ١٠. المرجع هنا وفي أي مكان آخر لرقم كتالوج رعد في IPS مجموعة رعد الفوتوغرافية في بيروت.
إضافة تعليق جديد
تهمّنا آراؤكم ونريدها أن تُغني موقعنا، لكن نطلب من القراء أن لا يتضمن التعليق قدحاً أو ذمّاً أو تشهيراً أو تجريحاً أو شتائم، وأن لا يحتوي على أية إشارات عنصرية أو طائفية أو مذهبية.