العدد السادس - صيف ٢٠١٣

«السيدة العربية الأولى» في الصحافة الغربية

تمكين المرأة والوجود الاستعماري في العالم العربي المعاصر

النسخة الورقية

مقدمة

«كيف يمكن ثورةً عظيمة كالثورة المصرية أن تؤدي إلى وجود سيدة أولى محجبة من رأسها إلى قدميها؟»، سأل مهندس في الثلاثين من العمر، في معرض تعليقه على صورة انتشرت على الإنترنت تقارن ملكة مصر في الثلاثينيات ناظلي - ترتدي «فستاناً عصرياً» بشعرها المصفف والمكياج يغطي وجهها - بنجلاء محمود، زوجة أول رئيس مصري منتخب بعد ثورة ٢٠١١ في لباس تقليدي، وهي تضع الحجاب على رأسها، وترتدي عباءة.

بعد انتخاب محمد مرسي رئيساً لمصر، تناقلت مواقع التواصل الاجتماعي هذه الصورة، وغيرها، التي تقارن نجلاء بالسيدتين الأوليين السابقتين: جيهان السادات وسوزان مبارك، غير المحجبتين. ثم تداولت المواقع النكات التي تسخر على نطاق واسع من لباس نجلاء التقليدي ولهجتها الشعبية؛ وقلقت النخبة المصرية من صورة نجلاء، وبالتالي صورة مصر في الخارج. «لا أستطيع أن أسمّيها سيدة أولى تحت أي ظرف»، قال أحمد صلاح، المصرفي ذو التسعة والعشرين عاماً الذي كان يتناول القهوة في الزمالك على شاطئ النيل مع أصدقائه. وأضاف: «لا يمكنها أن تكون صورة نساء مصر». بالنسبة إلى هذا الجيل الشاب، مثلت نجلاء الرجعية والصعيد الذي يخشونه (الشيخ، ٢٠١٢). انتشرت نقاشات موازية عن نجلاء في الصحافة الغربية. فعلى على سبيل المثال، لحظت صورة شخصية عنها في صحيفة «نيويورك تايمز» أنّها «على عكس من سبقها من سيدات أول لمصر أنيقات ويحملن الجنسية البريطانية، فإنّ القصر الرئاسي المصري يرحب بربة منزل من مدينة صغيرة تحب أن تسمى بطريقة تقليدية بوصفها والدة ابنها البكر». فئات اجتماعية أخرى في مصر اعتبرتها تمثل «صورة التغيير» وتمثل المرأة المصرية الحقيقية، لا الأخريات؛ لأنّها تشبه «أمّنا» أو «أختنا» ومعظم «النساء اللواتي تلتقي بهن في شوارع مصر».

لماذا يركّز شبان مصر بعد الثورة على صورة «السيدة الأولى» وليس على ما تمثله سياسياً؟ ما هو نموذج السيدة الأولى الذي أراد البعض الحفاظ عليه، فيما كان آخرون سعداء بأنّه أصبح جزءاً من التاريخ؟ في هذا العرض سأناقش صورة وممارسات السيدات الأول اللواتي اعتُبِرن مثال المرأة المُسلمة والعربية العصرية، في العالم العربي والغرب على حد سواء. أولى المتقدمات لهذا الدور التقليدي كانت جيهان السادات وسوزان مبارك من مصر، والملكة نور من الأردن، والشيخة موزة من قطر. لكن أكثر السيدات الأول أهمية، رمزياً بالطبع، كانتا الملكة رانيا من الأردن، وأسماء الأسد من سورية. أكثر من أي مواطن في المنطقة، رأت الصحافة العربية والغربية والعالمية، والسياسيون والمنظمات الدولية، إلى هاتين المرأتين على أنهما أهم ممثلتين للمرأة العربية الجديدة: امرآة «تحديثية»، متمكنة، وملتزمة مباشرة في مروحة واسعة من النشاطات الاجتماعية والسياسية التي تهدف إلى «سدّ الفجوة» بين الشرق والغرب، بين «التقليدي» و«الحديث». بذلك تعطي صورتا رانيا وأسماء فرصة ثمينة لمساءلة نقدية تجاه خطاب تمكين المرأة وسياسات التمثيل.

سأحاجج في هذا المقال أنّ صورة وممارسات رانيا وأسماء تساعد على التركيز على الطرق المختلفة ترفع الثقافة من خلالها إلى مراكز القوة في الحاضر الكولونيالي. في كل أدبيات التمكين، نلقى وضع رانيا وأسماء «القوي»، هو وضع مشروط وخاضع، ولا يعتمد على صفتهما كزوجتي رجلين قويين، بل على استعدادهما وقدرتهما على مساندة مشروع نيوليبرالي واستعماري جديد ــ مشروع يقوم بشكل أكبر على إضعاف النساء (والرجال) في المنطقة عموماً. وكما تشير كل الأحداث الناتجة من الربيع العربي في عام ٢٠١١، فإنّ هؤلاء النساء حين لا يخدمن مصالح ذاك المشروع العام، يمكن التخلص منهن بسهولة (مثل أسماء الأسد)، أو إخفاؤهن عن الحياة العامة (مثل رانيا)، وكل ما كان يحتفى به في هوياتهن وممارساتهن يصبح بسرعة نقطة سوداء على سجلاتهن.

صورة السيدات الأولى في الإعلام

لأكثر من عقد من الزمان، منذ عام ١٩٩٩ (في حالة رانيا) وعام ٢٠٠٠ (في حالة أسماء) كانت الملكة رانيا وأسماء الأسد من أكثر النساء العربيات والمسلمات اللواتي يظهرن في الصحافة الغربية، وليس فقط في قسم الأخبار الدولية، بل في مجلات الأزياء، والثقافة الشعبية والكتابات عن أخبار المشاهير، مثل مجلة «فوغ»، و«پاري ماتش» و«إيل»

(Vogue Magazine, Paris Match, Elle). بحث بسيط على الإنترنت ينتج ٤ ملايين موضع ذكرت فيه الملكة رانيا ونحو ٨٠٠،٠٠٠ ذكرت فيه أسماء الأسد. ولرانيا مئتا ألف صورة على الإنترنت، بالمقارنة بـ٢٢،٠٠٠ لأسماء.

يُشار في معظم هذه المقالات والتقارير الإعلامية، إلى المرأتين بوصفهما امرأتين «عصريتين» تحاولان «تحديث» و«لبرلة» بلديهما، العالم العربي بشكل أعم (في حالة رانيا)؛ إذ إن أسماء الأسد سورية مولودة في بريطانيا، وعملت لدى مصرف «جي بي مورغان» ودرست في «كينغز كوليدج» في كامبريدج، وكذلك في جامعة هارفرد، فيما رانيا درست في الجامعة الأميركية في القاهرة، و«تتحدث لغة إنكليزية جميلة». على سبيل المثال، تصف «رويترز» أسماء بأنها «جميلة، حديثة، متعلمة، وهي كنفحة من الهواء المنعش»، فيما صحيفة «الغارديان» رأتها بما هي «الأميرة ديانا السورية لشبابها وغِواها والتزامها في مشاريع تتنوع من مراكز للأطفال إلى الحفاظ على الآثار». وتصوّر تقارير أخرى، أسماء الأسد على أنها «قوة تحرر وحداثة في سورية»، وأنها أيضاً «...امرأة جميلة وذكية قد تتمكن أفكارها الليبرالية يوماً ما من خرق المراتب القمعية لنظام الأسد». وعلى الغرار ذاته، توصف الملكة رانية منذ وصولها إلى العرش، بأنّها «ملكة عصرية» آلت على نفسها تحديث الأردن. وتقول صحيفة «سانداي تلغراف» إنّ الملكة ذات الـ ٣٨ سنة عصرية ومتابعة لآخر التقليعات»، فيما مجلة «فوغ» تدعي أنّ «الأردن والعائلة المالكة العصرية جداً يؤدون دوراً متزايد الأهمية على الساحة العالمية».

كرر السياسيون الغربيون كل هذه الأقوال. يروي وزير الخارجية الفرنسي الأسبق برنارد كوشنير، أنّ الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي قال رداً على ما يقال بأنّ الرئيس السوري يتصرف بعنف في قمعه الانتفاضة في سورية: «بوجود زوجة عصرية مثل زوجته لا يمكن أن يكون سيئاً بالمطلق». في المقابل، قال السفير الفرنسي إلى سورية، إريك شوفالييه، بعيد زيارة أسماء الأسد لفرنسا، إنّها «استطاعت أن تجعل الناس يأخذون في الاعتبار إمكانات دولة تحاول تحديث نفسها وتمثل علمانية متسامحة في منطقة تقع على برميل متفجر بوجود متطرفين وأصوليين يضغطون في كل الجهات والقوة الدافعة لكل هذا تقع على عاتق ثنائي واحد». بشكل مماثل، قال السفير الأميركي السابق إلى الأردن إن «رانيا عصرية للغاية: فهي ترى إلى كونها ملكة على أنه وظيفة».

طغيان الشكل الخارجي

إن أكثر التجليات الصادمة في تصوير أسماء ورانيا هو التركيز على جسديهما ومظهريهما الخارجيين. تركز الصحافة الغربية على الطريقة التي تظهر فيها المرأتان، وكيف تمشيان، وتتحدثان وتلبسان. حتى حين يغطّي الإعلام نشاط رانيا وأسماء الاجتماعي والسياسي، يُشار إليهما بشكل متكرر بوصفهما «عصريات»، «جميلات» و«أنيقات». وتوصف رانيا بأنّها «ممشوقة القوام» وذات «عنق مثل عنق البجعة»، «أنيقة، مدهشة، جميلة، طويلة، رشيقة، نحيفة، ناعمة الأصابع، كثيفة الشعر، لونه بني، وعيناها داكنتان»، وتتمتع بـ«ابتسامة غنج»، «حاجب كثيف»، و«شكل قلب يمتد من عظمة وجنتيها حتى رقبتها في اتساق حليبي ناعم».

في المقابل، لا تنال أسماء الأسد توصيفاً مفصلاً كذاك الذي تناله رانيا، لكن الصحافة الغربية مليئة بوصف لشكلها الخارجي، وُشار إليها بوصفها «جميلة، وأنيقة»، مع تعليقات على خدَّيها الورديين، وشعرها الطبيعي، وابتسامتها الجميلة، وساقيها الطويلتين النحيفتين، ومشيتها التي تشبه مشية عارضات الأزياء.

شكل آخر من توصيف الإعلام لرانيا وأسماء هو التركيز المهووس بملابسهما، والماركات والموضة والتسوق. حين حلت رانيا ضيفةً على برنامج «أوبرا وينفري» التلفزيوني، وصفتها المذيعة الشهيرة بأنّها «رمز عالمي للموضة». فقد صُنِّفت رانيا واحدةً من النساء العشر الأكثر إغراءً» في العالم، والملكة الثانية الأكثر أناقة، والمرأة العاشرة الأكثر تميزاً. في معظم البورتريهات عن رانيا وأسماء تُذكَر أسماء كثيرة لمصممين: «إذا كانت (أي رانيا) ترتدي أزياءً من عند غاليانو أو ديور أو المصمم اللبناني إيلي صعب، كما في تلك الليلة، فهي دوماً أجمل امرأة بين الحضور».

ويروى أنّ أسماء صديقة لكريستيان لوبوتان، مصمم الأحذية الفرنسي الذي يملك قصراً في حلب. وأسلوب «البساطة والطبيعية»، وتلبس «بطريقة غير لافتة للنظر»، وتتجنب «الفساتين اللافتة» وتفضل «الأسلوب البسيط والعصري». وخلال زيارات رسمية للغرب، ركز الإعلام الغربي على التسوّق الذي قامت به رانيا وأسماء. تقول رانيا: «أحاول أن أقتطع ساعتين من وقتي للتسوق في لندن أو أميركا. ربما الثياب هي طريقة للتعبير المبتكر لدي، لأني لا أستطيع أن أعبّر عن نفسي بشكل مبدع خلال مهماتي الرسمية». هذا التركيز الكثيف على جسدي رانيا وأسماء هو طريقة للتشيؤ ولجنسنة النساء، ويثير القلق من مدى ما صار المثال الأعلى للنساء العرب والمسلمات يتكئ على الترويج للتشيؤ الجنسي والصور النمطية الجنسية. إخضاع جسد النساء العاري لنظرة الرجل التي تحوله إلى شيء هي أيضاً طريقة لقمع النساء وإضعافهن. وهو الوجه الآخر للتركيز على النساء المحجبات بوصفهن مقموعات. بالطريقة ذاتها، إن تأطير النساء العربيات والمسلمات العصريات والمتحررات بوصفهن لا يهتممن إلا باستهلاك البضائع الفاخرة يوحي أيضاً بتنميط جنسي لدور النساء في المجتمع الاستهلاكي المعاصر.

السيدة السورية الاولى اسماء الاسد خلال احتفال في السويداء في ١٤ تشرين الاول ٢٠٠٨.

وإذا كانت إحدى المسائل هي مسألة التشيؤ الكامل لتلك النسوة، فإن المسألة الأخرى هي كيف يتم تصوير أولئك النساء باعتبارهن نوعاً مختلفاً من الناس في المجتمع والدولة.

هل هما فعلاً مختلفتان؟

بالإضافة إلى شكليهما الخارجيين وعاداتهما في الاستهلاك، هناك تركيز كبير على نشاطات أسماء ورانيا. يجري الحديث عنهما في العادة بوصفهما عناصر شابة، جديدة، تعملان للتغيير بالطرق الديمقراطية، وتمثلان قطعاً راديكالياً مع بنى السلطة التقليدية في العالم العربي. على سبيل المثال، يتم وصفهما بأنهما جزء من «الحرس الجديد» الذي يمثل «التغيير والمرونة، والانفتاح، والعولمة» تخوضان الصراع مع «الحرس القديم» الذي لطالما تورط في ممارسات استبدادية، زبائنية وفاسدة، ويقاوم التغيير. وعلى عكس الحرس القديم، تروّج المرأتان للديمقراطية. من وقت لآخر، يتم التركيز على النشاطات المحلية للسيدتين الأوليين من اجل اعتبارهما ديمقراطيتَين، ليبراليتَين، حنونتين، ومتعاطفتين، وداعيتَين للمساواة وأمَّين وزوجتين. في احد التقارير، توصف أسماء بأنها تدير منزلاً «ديمقراطياً جداً» حيث أولادها الثلاثة يقررون عن الأهل (ومن ضمنهم رئيس سورية) حول الأثاث الذي يجب شراؤه للمنزل، وأين يجب وضعه. فيما رانيا تصوَّر على أنها «تمارس الديموقراطية في المنزل. فيجب أن نعلّم الأولاد كيف يكونون ديموقراطيين وإلا فلن يتغير شيء. لدينا نظام تصويت في البيت وأصوات البنات تساوي أصوات الصبيان»، تقول وهي تضحك. تصويرهن على أنهن حرس جديد يحارب الحرس القديم، هو سوء تمثيل أساسي في قواعد القوى والممارسات السياسية لدى رانيا وأسماء في الأردن وسورية. وصلت الاثنتان إلى الحيز العام بعد زواجهما بـ«حرس قديم». والاثنتان متهمتان بممارسة طويلة للاستبداد. على سبيل المثال، يقال إن رانيا استخدمت سلطتها السياسية في الأردن لسرقة أموال من خزينة الدولة، وتسجيل أراضٍ باسم عائلتها. وأسماء، إلى جانب قدرتها على الوصول إلى ٩٠٪ في المئة من المساعدات الأجنبية، يقال إنها ساعدت شقيقها لتنفيذ مشاريع تنموية كبيرة في سورية.

الطريقة التي تصوّر من خلالها رانيا وأسماء على أنهما عصريتان وشابتان أمر أساسي، لكن لا يتم الاكتفاء بذلك، بل يتم الترويج لهما بصفتهما جسور ثقافية بين الشرق والغرب.

رؤى ثقافوية للعالم العربي

لكونهما نتاجَ النظام التعليمي الأميركي والبريطاني، وتملكان مصالح مشتركة مع النخب العالمية، قامت السيدتان باعتناق الطرق الغربية في رؤيتهما إلى المشاكل المعاصرة في العالم العربي والترويج لهذه الرؤية. ومثل العديد من المعلّقين الغربيين، تتحدث رانيا وأسماء عن العالم العربي بوصفه يعاني من سلسلة من «الفجوات» أو «التراجعات» أو «النقص» مقارنة مع دول الغرب المتقدمة. وتقدمان نفسيهما بوصفهما تملكان القدرة على أن تكونا جسرين بين الشرق والغرب بسبب تعليمهما الغربي. فأسماء على سبيل المثال، تقول إنّها «كبرت بين ثقافتين، ما يعطيني رؤية مميزة أرى من خلالها جانبي المسائل ويمكّنني ذلك من أداء دوري كأم وكشخصية عامة». وتتحدث رانيا كثيراً عن الحاجة لتعليم «التسامح» في العالم العربي من أجل حل المشاكل العديدة في المنطقة، وكي يصبح في مصاف العالم العصري، وقد رعت العديد من المشاريع الثقافية والتعليمية في الأردن تهدف إلى نشر ثقافة جديدة عصرية ومتسامحة. قد يساعد التأطير الثقافي هذا مصالح أبناء النخب العربية أمثال أسماء ورانيا، لكنه لا يناسب سائر شعوب المنطقة. تتبع الامرأتان طريقتين مختلفتين للترويج للتسامح، انطلاقاً من دور بلد كل منهما في المنطقة وفي سياساتها. بما أنّ الأردن جزء من الحرب على الإرهاب (وقد أرسل جنوداً إلى أفغانستان، وسمح للولايات المتحدة باستخدام أراضيه قاعدة عسكرية) فإن الملكة رانيا تتحدث عن عدم التسامح كمرض في المجتمعات العربية، وتعتبر أنه يتعلق بمشاكل ثقافية وليست بنيوية. لم تتحدث عن الرؤية الأردنية الرسمية لصراع الحضارات. تتحدث رانيا عن «فجوة أمل» يجب ملؤها في العالم العربي للوصول إلى التسامح. وبما أنّ عدم التسامح في العالم العربي متجذر في الثقافة، فإن الحل يكون عبر برامج تعليمية وثقافية مثل «بِن وإيزي»، وهو سلسلة صور متحركة ترعاها.

«بن» مراهق أميركي وعصام مراهق أردني يكنّى «إيزي»، هم بطلا هذا المسلسل الذي ترى فيه رانيا واحدة من الأدوات «لبدء حوار بين الشرق والغرب». الهدف من هذا المسلسل كما قالت في خلال حفل عشاء في نيويورك للترويج له، «مساعدة الشباب العرب والأميركيين على الابتعاد عن الأفكار المسبقة الخاصة بأهلهم وأجدادهم، التي تأثرت باعتداءات ١١ أيلول وبحرب العراق. «بن» رمز لأميركا و«إيزي» يمثل العرب. في الحلقات الأولى لا يعجب أحدهما بالآخر، لكنهما لا يتقاتلان بالمسدسات والسكاكين، وفي النهاية يتعلمان أنّ التعاون يجعلهما يتفوقان على الجميع» (ستنبرغ ٢٠٠٦). إلى جانب بن وإيزي، كتبت رانيا قصة بالعربية عن سلمى، وهي مراهقة عربية، وعن ليلي، مراهقة أميركية، اللتين تحاولان «بناء الجسور رغم الاختلافات الثقافية» (جوردان تايمز، ٢٠٠٦).

ملكة الاردن رانيا في ثياب واكسسوارات من مصممين عالميين.

لكونها في المحور الآخر في الحرب على الإرهاب، لم تتحدث أسماء عن صراع الحضارات. لقد كانت تطلق دوماً نداءً عالمياً للغرب يقول بأن «السوريين يشبهونكم، وكلنا كائنات حية ويجب أن تنظروا إلينا بهذه الطريقة. فالسوريون يريدون السلام والحب والازدهار والتعليم. وهذا ما أنا أعمل من أجله».

والأهم هو ممارسة السيدتين في المجتمع التي تساعد في تسليط الضوء على الطرق التي يتم من خلالها تصويرهما والتعريف بهما... فبماذا تنخرط رانيا وأسماء؟

خطاب تمكين مشروط وخاضع

في الحقيقة، إنّ استعداد أسماء ورانيا للمشاركة الفعالة في حزمة من الإصلاحات النيوليبرالية والنيوكولونيالية في بلديهما والترويج لها، وهو ما اعتبره البعض يؤدي إلى إضعاف النساء والرجال في المنطقة على حد سواء، هذا الاستعداد هو ما أدى إلى شهرتهما. تم تصوير أسماء ورانيا قائدتين محليتين في عملية تنمية المجتمع المدني في العالم العربي، حيث مسار تطبيع المقاومة وفق السياسات النيوليبرالية قد حصل بالفعل. ولقد برزت أسماء ورانيا في فترة عدم استقرار بالنسبة إلى الملكية والجمهورية على حد سواء. في جزء منه، كان عدم الاستقرار ذاك سياسياً، بسبب التذمر الشعبي والنقص في التأييد للنظام الجديد بقيادة الملك عبد الله، الذي وصل فجأة إلى العرش بعد موت والده في عام ١٩٩٩، ولنظام الأسد الذي ورث الرئاسة عن أبيه الراحل هو أيضاً. لكن عدم الاستقرار كان في جزء آخر منه، عدم استقرار اقتصادي.

رغم أنّ اللبرلة الاقتصادية بدأت في الأردن في ١٩٨٧، وفي سورية في ١٩٨٩، تولى زوجا السيدتين تسريع العملية. خصخص الملك عبد الله معظم المؤسسات الحكومية الكبيرة. أما الأسد، فقد بدأ بتحويل الاقتصاد إلى ما يسميه «اقتصاد السوق الاشتراكي». أدت هذه السياسات إلى زيادة البطالة في الأردن وسورية اللتين انضمتا إلى الدول الريعية، وأدت أيضاً إلى تعميق الانقسامات الطبقية بين النخبة الجديدة (التي أفادت من الخصخصة ) والجماهير الأردنية (التي فقدت وظائفها في القطاع العام من دون الدمج في القطاع الخاص). وقد أثّر تراجع القطاع العام على توظيف النساء بشكل عميق، بما أنّ القطاع كان يعتمد كثيراً على العمالة النسائية. أصبح المجتمع المدني الحلبة التي يتم من خلالها الترويج للثقافة النيوليبرالية التي تؤله الشركات والسوق الحرة.

تترأس الملكة رانيا منظمات عدة في الأردن، وخصوصاً «منظمة نهر الأردن» وهي أكبر منظمة غير حكومية، وتنال نحو ٦٠ في المئة من كل تمويل المنظمات غير الحكومية في البلاد، وخصوصاً من قبل «وكالة التنمية الأميركية» والقطاع الخاص. وقد نشأت المنظمة الملكية بمرسوم ملكي في عام ١٩٩٧ برعاية الملكة نور، ولكن رانيا ما لبثت أن أزاحتها واستولت على المنظمة. وتستهدف المنظمة المجموعات الاجتماعية الريفية والمهمشة، عبر بناء القدرات وكذلك توفير التعليم والقروض الصغيرة، وهي تسعى إلى استهداف النساء في محاولة تشجيع توظيفهن وتأمين دخل ثابت لهن. وقد تخطت ميزانية المنظمة العشرة ملايين درهم أردني في عام ٢٠٠٩. وتأتي ٦٠٪ في المئة من الأموال من المنظمات الدولية، ٣٠ في المئة من الدعم الحكومي، ١٠ في المئة من القطاع الخاص.

حين وصلتْ الملكة رانيا إلى السلطة، كان المجتمع المدني قد بدأ نشاطه منذ فترة. في الحقيقة، تأسست أول منظمة غير حكومية في الأردن في عام ١٩٨٧، مباشرة إثر بدء تطبيق برامج التصحيح الهيكلي وكانت تترأسها الأميرة بسمة، شقيقة الملك. هذه المنظمة غير الحكومية الملكية لحقها عدد من المنظمات الملكية الأخرى، ترأستها نساء العائلة المالكة ومن ضمنهن الملكة نور. لكن ذلك لم يكن حال أسماء؛ إذ حين تزوجت «لم يكن مفهوم المجتمع المدني قد انتشر في سورية، وكانت الدولة مسؤولة عن كل شيء، فاضطررت إلى أن أعرّفهم به». في السنة الأولى من عهده الرئاسي، كان على الثنائي أن يبقى بعيداً عن الأضواء خلال فترة الحداد الإجبارية التي دامت ١٢ شهراً. سمح ذلك لأسماء بأن تتجول في البلاد، ليس بصفتها زوجة الحاكم، بل كزائر غريب. «أردت أن التقي السوريين العاديين قبل أن يلتقوا بي. كنت أشارك في المشاريع التي يجري العمل بها في المناطق الريفية. ولأن الناس لم يكونوا يعرفون من أنا، استطعت أن أراهم على طبيعتهم وأعرف ما هي مشاكلهم الحقيقية، وما يشتكون منه، وما هي آمالهم وطموحاتهم. ورؤية ذلك بنفسي تعني أنني لا أراه عبر عيون الآخرين».

بعد ذلك قررتْ أسماء تأسيس منظمتها الخاصة، وهي «مسار» التي تعنى بمساعدة الفقراء والمهمشين عبر استخدام خبراتها كمصرفية في قطاع صناديق التحوّط. وكما هو حال المنظمة غير الحكومية الخاصة بالملكة رانيا، تأسست منظمة أسماء بواسطة مرسوم جمهوري، في وقت افتقَدَت فيه البلاد لبنية قانونية خاصة بالمنظمات غير الحكومية. ومثل رانيا، اقتصر دور منظمة أسماء في اللبرلة الاقتصادية على المجتمع المدني، كوسيلة لتحقيق التغيير الذي من المفترض أن تمثله. لكن بوصفها أول سيدة أولى نشطة، أصبحت أسماء تمثل المجتمع المدني بنفسها وتجسده.

إلى جانب «مسار»، ترأست أسماء منظمة «فردوس» و«الصندوق السوري للتنمية»، الذي يهدف إلى تمكين الأفراد والمجتمعات من أجل المشاركة في التنمية المستدامة، والترويج للإصلاح وتوسيع فضاء المجتمع المدني ودوره في التخطيط القومي. ومثل «منظمة نهر الأردن»، كانت الفئة المستهدفة هي المجتمعات الريفية والمجموعات المهمشة، النساء والشباب الذين هم الأكثر تأثراً في العادة بالإصلاحات النيوليبرالية. كان هذا الصندوق شريكاً للوزارات والبلديات، والمانحين الدوليين، والبنك الدولي، والعديد من السفارات الأجنبية في سورية، إلى جانب القطاع الخاص. كانت ميزانية «الصندوق» في عام ٢٠١٠ ثلاثة ملايين دولار أميركي، صرفت ٧٠٪ في المئة منها على الترويج لايديولوجية السوق، ١٠٪ في المئة على التنمية الريفية، و٧٪ في المئة على التراث، ١٠٪ في المئة على الأقسام الإدارية. ونال «الصندوق» ٩٠ في المئة من الأموال المخصصة للمجتمع المدني في سورية في عام ٢٠٠٩. وكما في حال «منظمة نهر الأردن»، هناك تخمة في تمثيل النخب المدينية بين الموظفين ونقص في تمثيل النساء الريفيات الفقيرات اللواتي من المفترض أن يكنّ المستفيدات من هذه المنظمات غير الحكومية. يؤكد ذلك النظرية التي تقول إنّه في ظل النيوليبرالية خدمت المنظمات غير الحكومية أعضاء الطبقات الوسطى والفئة العليا منها، وهم الذين لجأوا إلى المجتمع المدني بعد الخصخصة (عبد الرحمن، ٢٠٠٨).

من السخرية بمكان أنّ رانيا وأسماء اللتين تعتبران مثالين على الحداثة والتمكين والترويج للديمقراطية والتسامح، حصلتا على سلطتهما لأنهما جزء من دول أوتوقراطية ووراثية: الأردن هو ملكية، وسورية جمهورية تديرها سلالة عائلية. والاثنتان جزء من السيطرة الكاملة للدولة والنظام على منظمات المجتمع المدني في بلديهما والتي تراها النخبةُ الحاكمة كمكان مناسب للسيطرة على الشعب والتحكم به. بالتالي، يجب أن تطرح اسئلة عن المعنى الحقيقي لنشاط أسماء ورانيا في المجتمع المدني الخاص بالتمكين والتحديث وتحرير المرأة في بلديهما. لأننا حين نلقي نظرة قريبة على مشاريع التنمية لـ«مسار» و«منظمة نهر الأردن» نجد أنهما تروجان لأيديولوجية معنية من النيوليبرالية عبر برامج القروض الصغيرة وبرامج التدريب الخاصة بهما.

زفاف أنور وجيهان السادات.

يجب إثارة العديد من الأسئلة عن النشاط المدني لرانيا وأسماء. بداية، هو في الحقيقة نوع من التنظيم المتأثر بشكل كبير بالدولة التي تسيطر عليه: رانيا وأسماء هما بطبيعة الحال متجذرتان في الشبكات الداخلية لنخبة الدولتين السورية والأردنية. تستهدف المنظمتان المجموعات المهشمة التي تأثرت أكثر من غيرها باجتذاب خدمات الدولة، أي المجموعات التي تأثرت بإجراءات التقشف. ثانياً، تموّل صناديق المنظمتين بشكل كبير من المانحين الدوليين للدولة في هذا البلد أو ذاك، ومن ثم يحصل تحويل المال إلى المنظمات عبر عملية توكيل خدمات الدولة للمجتمع المدني. ثالثاً، الأهداف المعلنة للمنظمتين هي تمكين المجموعات المستهدفة والمساعدة في بناء القدرات والترويج للمشاركة والقيادة عبر القروض الصغيرة، وبرامج تصبّ في السياسات النيوليبرالية. رابعاً، تهدف هذه البرامج إلى خلق شخص نيوليبرالي هو المتطوع، القائد، المقاول، الذي يضفي على مشاكل المجتمع الصفة الذاتية ويبحث عن حلول فردية كوسيلة لقمع الاحتجاج الاجتماعي ضد السياسات التي تعتبر استبدادية (سكرية ٢٠١٢).

إذاً، حين نراقب عمل منظمات المجتمع المدني الخاص بأسماء ورانيا، فإنّ أبرز ما يجب الانتباه إليه هو التناقض الذي يبرز؛ إذ نجد السيدتين بوصفهما المثال المفترض للمرأة العربية العصرية، لكن يروج لعكس ذلك تماماً، وهو الثقافة العربية التقليدية الخاصة بالمرأة.

الثقافة بوصفها «بِزنس»

المنشورات الخاصة بكل من «منظمة نهر الأردن» و«فردوس» تظهر نساءً يمارسن أشغالاً حرفية، لا ينظرن إلى الكاميرا، بل إلى الأعمال التي يقمن بها، لكنهن يبتسمن. هن في بيئتهن الطبيعية، وسعيدات دوماً، وهن ملتزمات عملاً منتجاً، ولو على نطاق ضيق، بطريقة تحوّل المرأة الفقيرة إلى مقاول صناعي نشيط. هذه الصور الإيجابية يجري قراءتها في سياق خطابات عن أخلاق العمل والمسؤولية الفردية، وفي سياق فكرة أنّ النساء الفقيرات هن اللواتي يستحققن المساعدة مقابل الرجال الفقراء الذين لا يستحقون ذلك. التمكين هو هدية من قبل السيدات الأول، ونشاط المقاولات سيحل المشاكل الاقتصادية، ليس فقط للنساء، بل أيضاً لمجتمعاتهن ويؤدي إلى المساواة الجندرية.

إذاً، الصورة الإيجابية للنساء في مسألة القروض الصغيرة تتطلب أيضاً تقويماً إيجابياً لثقافتهن وتقاليدهن. الطرق السلبية التي من خلالها ينظر إلى الثقافة العربية من أجل السماح لتدخل على مستوى الدول يُحتفى به على مستوى المجتمع المدني في الثقافة، وكمشروع تجاري في تلك المنظمات غير الحكومية. «نحاول العمل داخل بنى العائلة عبر تأمين عمل للنساء يستطعن القيام به في منازلهن من أجل المحافظة على الأدوار التقليدية»، تقول مهى الخطيب وهي مديرة «منظمة نهر الأردن»، في مقابلة خاصة. نسمع ذلك في ادعاء أسماء أنّ ما هو مميز في عمل منظمتها مع النساء هو «احترام التقاليد والقيم الثقافية للمجتمعات الريفية حين يرتبط الموضوع بدور النساء في المجتمع». معظم برامج القروض الصغيرة مفصلة بشكل يعزز العمل التقليدي للنساء: الحياكة، التطريز، الحرف التقليدية، وكذلك التموين. ما تفعله النساء في بيوتهن يتحول إلى سلعة تباع من خلال منظمات المجتمع المدني إلى المستهلك في المدينة، أو إلى المجتمع الدولي عبر المَعارض، حيث تروِّج للتقاليد والحياة القروية.

في بعض تلك الحالات، كما في حال الترويج للأزياء التقليدية، فإنّ النساء أنفسهن اللواتي يحكن هذه الثياب لا يملكن القدرة على شرائها، ويصنعنها لتباع وتستهلك من قبل نساء الفئة العليا من الطبقة الوسطى في المدن. ولسخرية القدر، فإنّ هاتين السيدتين المقدمتين بما هما مثالان على المرأة العربية المسلمة والمتمكنة لا تساهمان فقط في تقديم أشكال حكومة نيوليبرالية جديدة تقوم بإضعاف المرأة بشكل كبير (والرجال أيضاً) في بلادهما وحسب، وإنما يتبين أنّ عملهن يروج بشكل مباشر للأشكال التقليدية لعمل المرأة ووضعها في المنطقة.

في الحالتين، ينمّي العمل مع المجتمعات المحلية والتركيز على القروض الصغيرة وبناء القدرات هويات القرية والمجتمع والعائلة عبر التدريب على بناء القدرات من خلال القروض الصغيرة التي تستهلك معظم الأموال، وهي ٧٠٪ في المئة في حالة صندوق التنمية الخاص بأسماء ٦٠٪ في المئة في حالة «منظمة نهر الأردن». لقد أصبحت هاتان المنظمتان صلة الوصل بين المجتمع والدولة. أصبحت منظمات المجتمع المدني تمثل المجتمع عند الدولة، وفي الوقت نفسه تعلّم النساء الاعتماد على شبكة اجتماعية من أجل استقلاليتهن. يبدأ تدريب بناء القدرات التقليدي بالتركيز على أنّ «الثقافة العربية» هي «ثقافة جماعية» وكيف أنّ العرب يعرفون أنهم يساعد بعضهم بعضاً ويهتم بعضهم ببعض. فنحن «ثقافة تعاطف» وفق الملكة رانيا، أو «ثقافة تعاون وتبادل» وفق أسماء الأسد. إذاً، تتعامل النيوليبرالية مع التقاليد والشبكات الاجتماعية في المناطق الريفية بوصفها رأسمال، ومع الثقافة بوصفها تجارة يروَّج من خلالها لثقافة تحميل المسؤولية. هكذا تتحول ثقافة المساعدة التي ساعدت المزارعين والفقراء على الاستمرار، إلى مصدر اقتصادي لمبدأ القروض الصغيرة. والشبكة الاجتماعية للنساء اللواتي يعتبرن في قلب النظام البطريركي الذي تحاربه المنظمات غير الحكومية، تم تحويلها إلى مشروع اقتصادي تحت مسمى جديد: رأسمال اجتماعي يتم الحصول عليه عبر قيمة أمنية جديدة في سياق يبقى العاطلون من خلاله مشغولين ويعملون. وبالتالي، فالممارسات الثقافية التي من خلالها أعادت النساء الفقيرات إنتاج أنفسهن، لم تعد تعتبر رجعية، بل هي وسيلة يعتمدها الفقراء لمساعدة أنفسهم والتوفير في الوقت نفسه.

في خدمة الحاضر الكولونيالي

الطبيعة المشروطة والخاضعة لوضع رانيا وأسماء «المتمكنتَين» و«العصريتَين» ظهرت بشكل فاقع إثر الأحداث التي رافقت الربيع العربي ابتداءً من عام ٢٠١١؛ إذ فيما تغيرت السياقات السياسية بسرعة في المنطقة، لم تتمكن أيٌّ من السيدتين من الاستمرار في خدمة مصالح الرأسمال الغربي والدولي، فتم التخلي بسرعة عن السيدة أسماء واختفت الملكة رانيا من الإعلام. أصبحت الممارسات نفسها والمميزات نفسها التي تم الاحتفاء بها بسببها قبلاً، سبباً للرقابة الشعبية والإعلامية ضدهما. في الأردن، ظهور الملكة رانيا العلني، أو حجبها، مرتبط بشكل وثيق بالاستقرار السياسي أو عدمه، وكما يشرح الرنتيسي، وهو عالِم اجتماع ورئيس مركز أبحاث، حين يكون هناك «توتر في البلاد، يتم إسكات الملكة ويطلب منها الانسحاب من الحياة العامة من أجل امتصاص النقمة. وتظهر من جديد حين يكون لديها دور لتلعبه مجددا» (مقابلة خاصة، ١٢ آذار ٢٠١٢). أكثر من ذلك، وخصوصاً بعد الربيع العربي، نالت رانيا انتقادات من الملك والعائلة المالكة وأصبحت هدفاً للنقد من قبل داعمي الملكية أي قبائل الأردن. ففي بيان وقّعه ٣٦ من شيوخ قبائل البدو في الأردن، دُعي الملك إلى «إعادة الأرض والمزرعة التي مُنحت لعائلة الملكة إلى الخزينة. الأرض يملكها الشعب الأردني». وقد اتهمَت الرسالة رانيا ببناء مراكز لتعزيز سطوتها وخدمة مصالحها عبر سرقة الأموال العامة. وقد أتى البيان بعد احتفال الملكة بعيدها الأربعين في وادي رام الذي دعي إليه ٦٥٠ من المشاهير من كل أنحاء العالم، جيء بهم بالطائرات. «إنها تنفق الأموال الطائلة على الثياب والمجوهرات والأحذية... أريد من الملك أن يمنعها من ذلك. بعض الناس يصرفون الملايين وآخرون لا يملكون ما يأكلونه سوى الخبز والشاي. هذا مؤلم وحزين»، يقول فارس الفايز زعيم قبيلة بني شاكر.

نجلاء علي محمود، زوجة الرئيس المصري المعزول محمد مرسي. صورة من جريدة «اليوم السابع» المصرية – تصوير مي الشيخ وديفيد كيركباتريك.

بعد أشهر قليلة على اندلاع الانتفاضة السورية، انسحبت أسماء من الحيّز العام بعد ظهور واحد مع أولادها في خلال تظاهرة مؤيدة لزوجها. لقد أثار تسريب رسائل البريد الإلكتروني الخاص بأسماء في جريدة «الغارديان» الكثير من النقاشات في الإعلام. توجه اللوم إلى أسماء على القيم نفسها التي وضعتها في مصاف النساء العصريات: الاستهلاك. «السيدة السورية الأولى تنغمس في التسوّق المكثف»، كان عنوان الصحيفة. فهي قد أوصت على جهاز صنع الجبنة المنزلي، وعلى أحذية «لوبوتان»، بينها حذاء مرصع بالكريستال وسعره ٣٧٩٥ جنيهاً إسترلينياً، وأوصت على أثاث منزلي من متاجر «هارودز»، وعلى مجوهرات مرصعة بالأحجار الكريمة، كما قالت صحيفة «التلغراف». وها هي أحذية لوبوتان نفسها التي كانت رمزاً لعصرية أسماء أصبحت سبباً لشيطنتها.

شعر الإعلام الغربي بصدمة حين قررت أسماء البقاء مع «الديكتاتور». ما نسيه هذا الإعلام أنّ الأسد لم يكن قط ديموقراطياً، وأنّه «انتخب» رئيساً في عام ٢٠٠٠ حين وافق ٩٧ في المئة من السوريين على خلافته لأبيه. وكان من المتوقع أن تصفق الحشود حين يُذكَر اسم الرئيس حتى في أكثر المناسبات بساطةً. وقد أُجبر الآلاف من العناصر الأمنيين في الثياب المدنية الجميع على الانصياع. والسيدة أسماء التي يعلّم برنامج «مسار» الخاص بها الشبابَ على «المواطنية النشطة»، نسيتْ أن تذكر في مشاريعها وبرامجها أنّ الشباب الذين استخدموا الإنترنت للتعبير عن معارضتهم كانوا يسجنون بشكل روتيني (سعيد، ٢٠١٢). ومن المؤكد أنها سمعت عن الطلاب المدونين الذين سجنوا خمس سنوات بسبب «جرائم أمنية» مثل «التجسس». ورغم إشارة أسماء المتكررة إلى «التجانس الديني»، فقد كان والد زوجها هو من أمر بقتل ٢٠ ألف سُنّي في حماه عام ١٩٨٢. وما يحصل في درعا هو نسخة عمّا حصل في حماه (فيسك ١٩٨٦). لقد أبقت ممارسات مماثلة سلالة الأسد في الحكم لمدة واحد وأربعين عاماً، ولا شك أن أسماء والقادة الغربيين الذين تحدثوا عنها بوصفها «تحديثية» يعرفون تاريخ العائلة. لكن هذه الأخيرة كانت مقبولة، ما دامت تحمي مصالح الغرب.

خلاصة

حين أشيرَ إلى نجلاء بوصفها السيدة الأولى، رفضت اللقب، وقالت إنّها تفضل أن تنادى بـ«خادمة مصر الأولى». فقد ادعت زوجة الرئيس محمد مرسي أنّ «التصنيف كسيدة أولى تصنيف غربي، وقد انتهى الوقت الذي يفرض فيه الغرب علينا ما نسمي أنفسنا به»، كما صرحت في مقابلتها الأولى. لم ينشر ذلك في وسائل الإعلام العربية فقط، بل في الغربية منها، فقامت كل من صحف «هيرالد ترايبيون» و«نيويورك تايمز» و«غارديان» وكذلك «بوسطن غلوب» بنشر مقالات عن حياة السيدة المصرية الأولى الجديدة. وعلقت «هيرالد ترايبيون» بالقول إنّ نجلاء على «عكس سابقتيها، سوزان مبارك وجيهان السادات، بمعزل عن اتّباعها الموضة البريطانية وشعرها المصفف دائماً وشهاداتها العديدة، فإنّها لم تذهب إلى الجامعة، واحتفظت باسم عائلتها بعد الزواج». هل ستصبح صورة نجلاء صورة للسيدة العربية الأولى وقد تطلبت فترة ما بعد الربيع العربي زواجاً بين رأس المال والإسلام السياسي؟ إذا كانت النيوليبرالية المؤمنة تتطلب سيدة أولى محجبة، فهل ستكون ممثلة للنساء العربيات اللواتي تحررن من «الغرب» ككيان ثقافي، فيما هم يستمرون بالتحالف مع الرأسمالية الغربية؟

الوقت وحده سيجيب عن هذه الأسئلة.

العدد السادس - صيف ٢٠١٣
تمكين المرأة والوجود الاستعماري في العالم العربي المعاصر

إضافة تعليق جديد

تهمّنا آراؤكم ونريدها أن تُغني موقعنا، لكن نطلب من القراء أن لا يتضمن التعليق قدحاً أو ذمّاً أو تشهيراً أو تجريحاً أو شتائم، وأن لا يحتوي على أية إشارات عنصرية أو طائفية أو مذهبية.