... إلا ارباح المصرفيين والعقاريين!
«هيئة التنسيق النقابية»، مهما كانت مطالبها ونتائج تحرّكها، مثّلت علامة فارقة بوضوح عن المشهد العام القائم واحتمالاته، وربما كانت بمثابة مفاجأة حقيقية، لا سيما في اعتصامها الاخير على طريق بعبدا عندما نجحت في الصمود والمحافظة على وحدتها على الرغم من الضغوط الهائلة، لقد كانت المرّة الاولى منذ فترة طويلة جدّاً التي تنجح فيها حركة نقابية عمّالية بتجاوز الضغوط الهائلة التي مارسها رئيس مجلس النواب نبيه بري لإعلان تعليق هذا الاعتصام من عين التينة عشية جلسة مجلس الوزراء الشهيرة في ٢١ آذار الماضي، اي الجلسة التي تمّ فيها، وبالتزامن، فرط الحكومة باستقالة رئيسها واتخاذ القرار مجدداً بإحالة مشروع تصحيح سلسلة الرتب والرواتب على مجلس النواب «المعطّل» أصلاً.
في الواقع، لا يزال مشروع السلسلة معلّقاً، والهيئة لم تحقق مطلبها فعلياً، بل إن اضطرار مجلس الوزراء إلى اتخاذ خطوة تتيح للهيئة تعليق إضرابها المفتوح بعد صموده لمدّة تتجاوز الشهر، كان ينطوي على خداع كبير، إذ إن تأخير إحالة المشروع على مجلس النواب منذ ايلول الماضي وإعلان الإفراج عنه مع استقالة الحكومة وعشية انتهاء ولاية مجلس النواب نفسه، هي افعال بدت مقصودة بهدف وضع المشروع في مرتبة أدنى من مرتبة تشكيل الحكومة الجديدة والتوافق على قانون الانتخاب أو التمديد وإعادة بعض الانتظام الى عمل المؤسسات الدستورية... اي تركه مؤجلاً.
كسبت هيئة التنسيق النقابية معنوياً بصمودها والاحتضان الواسع لها وأكسبت بعض الفئات الاجتماعية الكثير من المعنويات، لكن للأسف، هذه الجولة ربحها مجدداً تكتل اصحاب الرساميل، الذي استطاع حتى الآن فرض كل شروطه، فتصحيح السلسلة لن يموّل من الضرائب على ارباح المصارف والفوائد والاسهم والارباح العقارية، بحسب ما قرره مجلس الوزراء، بل بحجّة التمويل جرى تكريس منافع هائلة لبعض مكوّنات هذا التجمّع من خلال خفض الغرامات على احتلال الاملاك العامّة البحرية من ٥ اضعاف الرسم الذي يسدده صاحب الترخيص الى ضعف واحد، وكذلك السماح استثنائياً للشركات والافراد بإعادة تقييم قيمة أصولهم من الاسهم والعقارات بضريبة مخفوضة تتراوح ما بين ١.٥٪ و٣٪ (تبعاً للحالات) وذلك قبل البدء بتطبيق ضريبة جديدة على إيرادات البيوعات العقارية التي حُددت بـ١٥٪ فقط وأعفيَت منها الشركات المكلّفة بضريبة الدخل (عملياً معظم المتاجرين بالعقارات).
الجدير بالاشارة أن قيمة البيوعات العقارية المصرّح عنها في عام ٢٠١٢، وبحسب احصاءات وزارة المال، بلغت نحو ٩.٥ مليارات دولار، وعلى فرضية أن ثلث البيوعات فقط لا يتم التصريح عنها، يمكن تقدير قيمة البيوعات العقارية بأكثر من ١٣ مليار دولار، نصفها على الأقلّ أرباح غير خاضعة لأي ضريبة. ويضاف إلى هذه الريوع مئات ملايين الدولارات سنوياً الناتجة من احتلال نحو ١٠ ملايين متر مربع من الأملاك العامّة على الشاطئ والبحر.
لم تكن هذه الجولة محصورة بمطالب المعلّمين والموظفين في إدارات الدولة والجيش وإنما كانت أيضاً فصلاً مهمّاً من فصول الصراع على سبل تمويل العجز المتنامي في الموازنة «الافتراضية» للدولة في ظل عدم إقرار أي قانون لها منذ عام ٢٠٠٦. فتصحيح السلسلة وزيادة غلاء المعيشة لن يرتّبا إنفاقاً إضافياً إلّا بقيمة ٨٦٨ مليار ليرة في هذا العام، في حين أن الإنفاق العام الإجمالي ارتفع من ١٧.٦ الف مليار ليرة في عام ٢٠١١ الى ٢٠ الف مليار ليرة في عام ٢٠١٢ ويقدّر أنْ يبلغ ٢٢ ألف مليار ليرة في هذا العام، بينما مجمل الإيرادات الضريبية وغير الضريبية المحققة في نهاية العام الماضي يبلغ ١٤ ألف مليار ليرة، ما يعني أنّ هناك حاجةً لتأمين تمويل ٨ آلاف مليار ليرة في هذا العام وليس فقط ٨٦٨ مليار ليرة، وهذا غير متاح في الأوضاع القائمة إلا من خلال طبع النقد، وهذا لا ينسجم مع أهداف السياسة النقدية المعتمدة في لبنان ولذلك هو مستبعد حالياً، أو من خلال زيادة الاستدانة أو زيادة الضرائب، وهنا بيت القصيد.
ما يحصل في ظل هذه «الحاجة» أنّ الظروف تصبح مؤاتية لإحداث تعديلات في السياسات العامّة، إلا أن طبيعة هذه التعديلات وحجمها يخضعان بالضرورة لميزان القوى القائم، والواضح جداً أنه لا يزال يميل كثيراً لناحية تكتلات المصالح الريعية، لا سيما في المصارف والعقارات والاحتكارات والأملاك العامّة وشبكات التهريب. صحيح أن هيئة التنسيق النقابية طرحت نفسها كقوّة مقابلة من خلال خطابها الداعي الى فرض الضرائب على الريوع وجباية الغرامات على احتلال الأملاك العامّة ومكافحة التهريب والتهرّب الضريبي، إلا أنها لم تخض هذه المعركة فعلياً، نظراً لنوعية تمثيلها الفئوي المحصور في القطاع العام والتعليم، وعدم قدرتها على توسيع قاعدة تمثيلها في ظل الانهيار شبه التام للعمل النقابي في القطاع الخاص.
كان مبرراً لهيئة التنسيق النقابية أن ترفع مطلباً وحيداً هو إحالة مشروع السلسلة على مجلس النواب، ولكن لا بد من الإقرار أيضاً بأن تمحور التحرّكات الضاغطة حول هذا المطلب وعدم وجود قوى أخرى جاهزة للانخراط في هذه التحرّكات ورفع سقف المطالب، سمح لأمور كثيرة أن تحصل بهدف تمكين تجمّع أصحاب الرساميل من تحقيق أهدافه ومنع أي تعديلات يمكن أن تصيب مصالح مكوّناته.
المصرف المركزي: «الأمر لي»
بتاريخ ١٤/١/٢٠١٣، قرر مصرف لبنان، بموجب التعميم الوسيط رقم ٣٦٣، أن يضخّ نحو ٢٢٠٠ مليار ليرة من أمواله في المصارف بفائدة لا تتجاوز ١٪. حجّته للقيام بهذا العمل «الكبير» هي إعادة تحفيز النمو الاقتصادي، ولكن بهذه الحجّة ستستفيد المصارف ممّا لا يقلّ عن ٧٠ مليون دولار أرباحاً إضافية تجنيها هذا العام من خلال إعادة توظيف هذه المبالغ عبر قروض لزبائنها بفائدة تصل الى ٥.٥٪.
ليس هذا فحسب، جرى تخصيص ٦٠٪ من هذه المبالغ لتمويل القروض السكنية المصممة لخدمة العرض كما هو قائم، أي من دون التأثير على نوعيته وأسعاره واتجاهاته! وبالتالي جرى بهذه الطريقة دعم المضاربات العقارية بدلاً من تغريمها، وتم تفادي تعريض بعض زبائن المصارف من المضاربين للخسائر.
قد يبدو للوهلة الاولى أنّ مصرف لبنان تدخّل في هذا التوقيت لاستباق مفاعيل تصحيح سلسلة الرتب والرواتب، لا سيما أنه جاء على وقع تهويل منظّم بوجود مخاطر جدّية على ثبات سعر الصرف واتجاهات وشيكة نحو تسجيل نمو سلبي للناتج المحلي الاجمالي وانهيار واسع لمؤسسات صناعية وتجارية وسياحية، وبالتالي جرى التلويح بارتفاع الفوائد وزيادة العجز في الموازنة وزيادة المديونية العامّة... تم إيقاظ كل تلك المخاوف دفعة واحدة وفجأة، بذريعة أن مجلس الوزراء «تسرّع» في ايلول الماضي بإقرار مشروع قانون مؤجّل طيلة ١٥ عاماً.
ببساطة، ضخ مصرف لبنان ٢٢٠٠ مليار ليرة من المال العام لدعم أرباح المصارف والمضاربين العقاريين وبعض المؤسسات التجارية، في الوقت الذي كان فيه تجمّع أصحاب الرساميل يحذّر من أنّ نقل ١٥٠٠ مليار ليرة سنوياً عبر الموازنة العامّة الى مداخيل نحو ٢٥٠ الف معلم وموظّف وأجير ومتعاقد ومتقاعد، يشكّلون ثلث العاملين بأجر، ستكون كارثة حقيقية!
أين مصالح التجار؟
يُفترض ألّا يثير تصحيح الأجور بعد تجميدها منذ عام ١٩٩٦ كل هذه المخاطر. ولا علاقة لذلك بالمعارضة التقليدية التي يبديها الرأسماليون، فمعارضتهم ليست العنصر الحاسم في اتخاذ القرار عندما يتعلق الأمر بحسابات أوسع ترمي الى تأمين ربح اجمالي في اقتصاد السوق، أو المفاضلة بين المصالح تبعاً لميزان القوى. فالأجر ليس عنصر «كلفة» في حسابات كل مؤسسة فحسب، وإنما هو القناة الرئيسة لتمويل استهلاك السلع والخدمات القابلة وغير القابلة للتبادل المنتجة محلياً أو المستوردة. بمعنى أنّ تصحيح الأجور في القطاع الخاص أو في القطاع العام يؤدّي الى زيادة الطلب الاستهلاكي، وبالتالي لن يؤثّر سلباً على أكثرية المؤسسات الصناعية والتجارية والخدمية المختلفة، حتى ولو ترافق التصحيح مع التضخّم أو زيادة الضرائب، ففي هذه الحالة تكون المؤسسات قد غطّت «الكلفة» من زيادة الأسعار أو زيادة الإنتاجية، وهذا يمكن أن يزيد من أرباح الكثير من هذه المؤسسات وليس العكس، ولا سيما في ظل سوق خاضع للاحتكارات والكارتيلات.
في الحالة اللبنانية الواقعية، حيث تسيطر الاحتكارات على نصف المبيعات تقريباً وتدرّ أرباحاً ريعية قدّرها البنك الدولي عام ٢٠٠٦ بنحو ١٦٪ من الناتج المحلي، أي ما يساوي اليوم أكثر من ٧ مليارات دولار سنوياً، تبدو حسابات «السوق» أكثر ميلاً للحاجة إلى تصحيح الأجور، لأنها معززة أيضاً بوقائع إضافية «ظرفية» أو «طارئة»، فالأوضاع السائدة في لبنان والمنطقة عموماً أسفرت عن تراجع الطلب الخارجي الناتج بشكل خاص من انفاق السيّاح واللبنانيين المقيمين في الخارج وشراء العقارات المبنية والتصدير عبر البر... وبالتالي يحتاج الاقتصاد ومؤسساته بإلحاح الى تعويض هذا التراجع عبر تحفيز الطلب المحلي، وإلّا فستكون هناك مشكّلات جدّية، وهذا تماماً ما برر به مصرف لبنان خطوته بالتدخّل عبر ضخ التسليفات المدعومة الى المصارف ومنها الى الزبائن. لقد قام بـ»العمل» نفسه الذي يبذل تجمّع اصحاب الرساميل كل مقاومة يمتلكها لمنع القيام به عبر تصحيح الاجور وسلسلة الرتب والرواتب!
يصعب التعامل مع تدخّل مصرف لبنان في هذا التوقيت بمعزل عمّا كان يحصل على «الجبهة»، فالنظام مرتبك بفعل صراعات المتحكّمين به وغياب «الوصاية» الحاسمة التي كانت تفرض الانضباط على اللاعبين الرئيسيين، وهو ما اضطر التجمع الذي ينتحل صفة «الهيئات الاقتصادية» الى تسلّم الدفّة من مجلس الوزراء (الذي يُفترض أنه يمثّل مصالحه) وإعلان «الأمر لي» لمنع إحالة مشروع السلسلة الى مجلس النواب منذ إقراره في ايلول الماضي، وكان الرهان يقوم بوضوح على استخدام صناعة «القلق» المعتادة لإيهام فئات واسعة بأن مصالحهم تتعارض مع مصالح فئة المعلّمين والموظّفين في الدولة التي تصوَّر دائماً على أنها طفيلية وتجسّد الصور النمطية عن الفساد والبطالة المقنّعة والعبء الفائض. وبالتالي كان الهدف عزل هيئة التنسيق النقابية التي تمثّل هذه الفئة وإضعافها تمهيداً لإخضاعها وزعزعة وحدتها وضعضعة قاعدتها، إلا أنّ ما حصل لاحقاً لم يكن متوقّعاً، فهيئة التنسيق كانت قد نفّذت في عام ٢٠١٢، بالاستناد الى التقرير السنوي للمرصد اللبناني لحقوق العمّال والموظفين، ١٤ إضراباً و٦٠ اعتصاماً و٤ تظاهرات حاشدة ومؤتمرين نقابيين ومقاطعة للامتحانات الرسمية... ولم يظهر عليها الوهن بل ظهرت موجة تفاعل لافتة مع خطابها «الصدامي» الذي تبنّته ضد تجمّع أصحاب الرساميل مباشرة، وهو ما سمح لها بتنفيذ إضراب مفتوح استمر أكثر من شهر وشمل معظم إدارات الدولة.
لم يكن تجمّع أصحاب الرساميل مستعدّاً كفاية لهذا السياق، اعتقد في البداية أنه سيواجه جولة أصعب قليلاً من جولة تصحيح الأجور في القطاع الخاص التي تم فيها إخضاع الاتحاد العمالي العام لمشيئته. استبعد أن يواجه تحرّكاً نقابياً حقيقياً قادراً على التفلّت من قبضة الزعامات السياسية... عندما بدأت الصورة تتوضّح في أواخر العام الماضي، سارع مصرف لبنان الى التدخّل لصالح تجمّع أصحاب الرساميل، إذ إن ضخ السيولة في السوق سيمنح هذا التجمّع مزيداً من الوقت قبل أن تبدأ مصالح مكوّناته المختلفة بتوسيع مروحة الخيارات على المستوى السياسي، في مجلس الوزراء أو في مجلس النواب. الوقت كان يشكّل هدفاً ثميناً، فإذا كان لا بد من الرضوخ في النهاية لمطلب هيئة التنسيق النقابية بإحالة مشروع السلسلة الى مجلس النواب فلا بد في المقابل من أن يضمن تجمّع أصحاب الرساميل أنّ مصالحه مصونة. وهو نجح في تحقيق ذلك.
أرباح تمويل عجز الخزينة
يبدو الاعتقاد أنّ مصرف لبنان تدخّل في هذا الوقت لدعم أرباح المصارف فقط مفرطاً في التبسيط، خصوصاً أنّ مصرف لبنان لم يتوقف يوماً عن توفير هذا النوع من الدعم وفق آليات أخرى كثيرة، فضلاً عن أن أرباح المصارف الصافية المصرّح عنها ارتفعت من ١٥٨٠ مليون دولار في عام ٢٠١١ الى ١٦٢٠ مليون دولار في عام ٢٠١٢، وهي، أي المصارف، لا تواجه أصلاً خطر تراجع أرباحها حتى وفقاً لأسوأ سيناريوهات «الانهيار» المشاعة. فزيادة المديونية التي تؤدّي الى رفع الفوائد تسعد المصارف حقاً، وهي ليست صادقة أبداً عندما تبدي قلقها في هذا المجال لأنها فعلياً لا تقوم بأي وظيفة تدرّ على اصحابها والمساهمين وكبار المودعين كل هذه الريوع الطائلة إلا وظيفة شفط المال العام. المصارف، بجردة سريعة، تحمل سندات خزينة بقيمة ٤٦٩٣٠ مليار ليرة، منها ٢٧٢١١ مليار ليرة موظّفة في سندات بالليرة بفائدة تبلغ ٦.٥٨٪، و١٩٧٢٠ مليار ليرة في سندات بالعملات الاجنبية بفائدة تبلغ ٧.١٨٪، وهي توظّف ٢٣٠٧٣ مليار ليرة في شهادات الإيداع التي يُصدرها مصرف لبنان لامتصاص سيولتها الفائضة بكلفة تبلغ ٩.٢٨٪، وتضع ودائع لديه بقيمة تصل الى ٧٩١٧٩ مليار ليرة بفائدة تبلغ ٢.٧٥٪. وبالاستناد الى هذه المعطيات العلنية الصادرة عن «جمعية مصارف لبنان» يمكن ببساطة الانتباه الى أنّ المصارف تحصل على ريوع بقيمة لا تقل عن ٧٥٢٥ مليار ليرة سنوياً من المال العام عبر تمويل العجز في الموازنة ومراكمة الخسائر في ميزانية مصرف لبنان! ما يعني أن الفوائد التي تُعتبر اليوم أداة إعادة التوزيع الرئيسة المستعملة لزيادة تركّز الثروة بمعدّلات أسرع وأكبر بكثير من نموّها وتراكمها، ينتج جزء مهم منها عبر افتعال الضغوط المالية والنقدية التي تؤدّي الى تبرير رفع أسعار الفائدة، سواء التي تتحمّلها الموازنة لتغطية العجز أو التي يتحمّلها مصرف لبنان لضمان استمرار تثبيت سعر الصرف في ظل دولرة مرتفعة جدّاً وتكاد تكون شبه شاملة.
كذلك، لا تعاني المصارف اللبنانية من نقص في السيولة يستدعي تدخّل مصرف لبنان، إذ تفيد الإحصاءات المعلنة حتى نهاية العام الماضي بأن قيمة السيولة التي بحوزتها تبلغ نحو ٤٤.٤ مليار دولار، وبما أنها غير ملزمة بالاحتفاظ بأكثر من ٣٠٪ من ودائعها، أي نحو ٣٨.١ مليار دولار، فهذا يعني أنّ السيولة الفائضة لديها والقابلة للتوظيف فوراً تبلغ ٦.٣ مليارات دولار. وبالتالي كان يجب أن تُترك لتقوم بوظيفتها في تمويل القروض للزبائن بأكلاف مقبولة منهم لا أن يقوم مصرف لبنان بهذه الوظيفة عنها.
عجز عن خلق وظائف جديدة
يدرك اللاعبون الرئيسيون أن تصحيح الأجور سيحصل وسيتكرر، ليس فقط لأن هيئة التنسيق قادرة على استئناف ضغوطها تحت هذا العنوان، بل أيضاً لأن النموذج الاقتصادي المرتكز كثيراً على التدفقات الخارجية لزيادة الودائع وتمويل العجز والاستهلاك بات تحت ضغوط هائلة، أولاً بسبب نتائجه السلبية الواضحة على سوق العمل، ولا سيما على صعيد ارتفاع البطالة بين الشباب الى أكثر من ٣٤٪، ثم بسبب الأوضاع القائمة في المنطقة العربية والمتغيرات التي تفرضها، ولا سيما على الدور الذي انغمس فيه لبنان لخدمة اقتصاد إقليمي ريعي لم يعد يحتاج إليه إلا في مجالات هامشية ومضرّة، تتضمن الخدمات السياسية والنفعية وخدمات تبييض الاموال ... يقول تقرير جديد صدر أخيراً عن البنك الدولي بعنوان «الحاجة الى توفير وظائف مناسبة» إن الاقتصاد اللبناني يحتاج إلى تأمين وظائف أكثر بستة أضعاف من الوظائف التي يوفّرها حالياً، وذلك على الرغم من ضعف المشاركة الاقتصادية، إذ إن ٤٧٪ فقط من الذين في سن العمل ينشطون فعلياً، وعلى الرغم من الهجرة التي وصل رصيدها في العقدين الماضيين إلى أكثر من ٤٠٠ الف مهاجر، أكثريتهم من العمالة الماهرة. لقد بدأ هذا الواقع يضغط بشدّة ويخلق توترات يمتصّها الانقسام السياسي والاصطفاف المذهبي حتى الآن، فالاقتصاد فعلياً لا يوفّر فرص العمل المطلوبة وبأجور مقبولة، ويرمي بأكثر من ٥٠٪ من القوى العاملة في نشاطات غير نظامية يفتقرون فيها إلى أي نوع من أنواع الحماية. لقد نما الناتج المحلي الإجمالي بمتوسط سنوي يبلغ ٣.٧٪، إلّا أنّ معدّل التشغيل لم يرتفع إلا بمقدار ١.١٪ فقط، وهناك ٥٠٪ من اللبنانيين من دون ضمان صحي و٧٥٪ من دون ضمان شيخوخة.
لا شك في أن هذه المؤشّرات ضاغطة بذاتها، وهي ليست مجرد أرقام، فالصيغ السابقة لامتصاص ضغوط سوق العمل لم تعد قابلة للاستدامة، ولا سيما صيغ التوظيف الملتوية التي اعتُمدت في المؤسسات العامّة والبلديات وإدارات الدولة ومدارسها وجامعتها وأسلاكها الدبلوماسية والقضائية والأمنية والعسكرية، إذ ليس هناك جدل حول حقيقة أنّ القوى السياسية المسيطرة تسابقت على شراء الولاءات من جماعاتها عبر تحويل وظيفة الدولة إلى أداة «توزيع» ضخمة. للأسف هذا يشمل «أجوراً» و»إنفاقاً اجتماعياً»، لكنه يشمل أيضاً «دعماً» و»فوائد»، بمعنى أنّ ما جرى في العشرين سنة الماضية من تركيز إضافي هائل للثروة، ومصدره الأساسي ريوع الدولة المعبّر عنها بالمديونية العامّة القياسية (نحو ٧٠ مليار دولار بما فيها ديون مصرف لبنان)، ما كان لينجح لو لم تواكبه أمور كثيرة، منها امتصاص جزء من نمو البطالة بين الشباب وضبط التوترات الاجتماعية وإطفاء الحالات النافرة منها.
كان موظّفو الدولة مكوّناً أساسياً من مكوّنات ما يسمى بالطبقة الوسطى سابقاً، فالوظيفة في الدولة كانت تجمع بين مغريات عدّة: الحصانة ومعاش التقاعد والضمان الصحي بعد التقاعد والأجر، فضلاً عن «الانتفاع» لمن استطاع إليه سبيلاً. غير أنّ هذه «الوظيفة» تحوّلت اليوم إلى ملاذ من جحيم سوق العمل وشروطه شبه التعجيزية لفئات واسعة من العمالة غير الماهرة وفئات من فائض العمالة الماهرة التي تواجه صعوبات جدّية في الحصول على الوظائف المتناسبة مع التخصص أو الحصول على الأجور التي تعتبرها مناسبة أو مقبولة، سواء في القطاع العام أو في شركات القطاع الخاص أو في العمل للحساب الخاص (متخرجو الجامعة اللبنانية مثلاً).
«الدولة تاجر فاشل»
في حالتها القائمة، لم تعد الدولة قادرة على استيعاب المزيد من «عمالة» لا تحتاج إليها، ففي ذروة الجنوح إلى توزيع الدولة كغنائم بعد الحرب كان يصار إلى الاستعاضة عن مهام كثيرة تؤدّيها الدولة بأخرى تؤدّيها الشركات الخاصة، وكان ذلك يفرض تدمير الإدارة العامّة تدميراً منهجياً لتبرير عجزها عن القيام بمهامها. فجرى ترويج وصف للدولة على أنها «تاجر فاشل»، وقد لاقى هذا الوصف إقبالاً واسعاً، وجرى التشكيك بقدرة الدولة على إدارة وتشغيل وصيانة مرافق الاتصالات والكهرباء والمياه والنقل ومباني الوزارات ومؤسسات الاستشفاء والتعليم وجمع النفايات ومعالجتها، وتنفيذ الأبحاث العلمية وإقامة المختبرات وتخطيط المدن والطرقات وإنشاءات البنى التحتية. لقد مُنعت الإدارات والمؤسسات العامّة من تلبية حاجاتها الفعلية لمعالجة الشغور في ملاكاتها وتم ملء جزء من هذا الشغور عبر صيغ التوظيف المؤقتة (أجَراء ومتعاقدون وميامون أو مستشارون ومقدّمو خدمات)، وفي الوقت نفسه تم نقل اكثرية المهام التي يمكن أن تحتاج الى عمالة من هذا النوع إلى شركات من خارج القطاع العام، وبعضها يعتمد على عمالة اجنبية كثيفة («سوكلين» وأخَواتها مثلاً و«النقل المشترك» وأعمال تشغيل وصيانة معامل الكهرباء وخدمة المباني الحكومية والجامعة اللبنانية والمواقع الطبيعية والأثرية.. وآخرها خدمات توزيع الكهرباء والجباية). في المحصّلة، ساهم هذا التلازم، في ظل المنحى الريعي للاقتصاد، في المزيد من التشويه لسوق العمل وبنية الأجور فيه وشجع على التفلّت من تطبيق قوانين العمل والضمان الاجتماعي. إذ يجدر الانتباه الى أن نسبة الأجراء النظاميين تدنّت الى ٢٩٪ فقط من القوى العاملة، نصفهم تقريباً يعملون في إدارات الدولة ومؤسساتها. وهذا مؤشر سلبي بكل المقاييس وبات يستدعي تحرّكاً سريعاً حرصاً على قواعد ديمومة النظام. وأيضاً لا علاقة لذلك بمواقف الرأسماليين الذين لا يرون مشكلة في التعامل مع اقتصاد لا يحتاج ليعمل الى «شعب». في الواقع لا يمكن استبدال كل الشعب ولا يمكن شراء ولاءات كل من لا يمكن استبداله، ليس هكذا تسير الامور عادة، فلم تبلغ الراسمالية بعد هذه المرتبة من «الكفاءة»، الذي يتمناه رأسماليو لبنان، إلا إذا كانوا يحلمون بالوصول إليها عبر التطور مجدداً من نظام الرقّ الى حكم تجربة الولايات المتحدة في استبدال السكان الاصليين.
العمالة الرخيصة
ليس واضحاً عدد المقيمين في لبنان غير اللبنانيين، ليس المقصود هنا الفلسطينيين، وهم أبرز ضحايا التمييز في سوق العمل وأكثرهم تعرضاً للاستغلال، ولا مئات آلاف النازحين من سورية مؤقتاً لأسباب أمنية وإنسانية، بل آلاف الوافدين من بلدان أكثر فقراً تمّ استقدامهم الى لبنان لاستغلالهم بشروط عمل تتنافى كلياً حتى مع شروط القوانين اللبنانية التي تعتبر منحازة كلياً لصاحب العمل مع حدّ أدنى من الضوابط الشكلية... لقد شكّلت هذه الفرصة حافزاً قوياً لتضخّم خدمات مربحة لم يعد إنتاجها مكلفاً في ظل تنامي ظاهرة الاستغلال في سوق العمل، ولجأت الصناعة إلى تعويض كلفة إنتاجها المرتفعة بإحلال عمالة متدنية الأجر، وهو ما حدّ كثيراً من تطوّرها ومواكبتها لتطوّر حاجات الاستهلاك وتنوّعه، وصارت الوظائف الجديدة تتركز شيئاً فشيئاً في نشاطات لا تحتاج الى عمالة كثيفة أو ماهرة، وفي الحالتين يمكن التهديد دائماً بأنه يمكن الحصول عليها من الخارج. وهذا ما جعل النسبة الأكبر من الوظائف التي تذهب الى غير المقيمين في لبنان تتيحها النشاطات الاستهلاكية الأكثر ازدهاراً أو تلك المكفولة ريوعها من الدولة ، كالبناء وتجهيز البنى التحتية والسياحة والجنس والعتالة والتنظيف ومحطات الوقود ومواقف السيارات... فضلاً عن وظائف جديدة بنسبة أقلّ تتيحها النشاطات الصناعية والتجارية.
حصل ذلك في لحظة القبض على الاتحاد العمالي العام في مطلع التسعينيات، لم يكن هناك حركة نقابية عمّالية قوية بعد حرب مدمّرة على كل المستويات، لذلك كان سهلاً إخضاعها بالتزامن مع تحوّلات جوهرية في بنية سوق العمل وشروطه تماشياً مع تعمّق البنية الاحتكارية للتجارة وازدهار المضاربات العقارية والمالية وتراجع نوعية التعليم وازدياد وتيرة هجرة العمالة الماهرة والرساميل الصناعية.
التدفقات النقدية والنقابات
اليوم باتت بنية الاقتصاد لا تولّد فرص عمل كافية وأجوراً مقبولة، وتعاني من هشاشة بالغة وتسيطر عليها تكتلات المصالح المصرفية والعقارية، غير أنها في الوقت نفسه لا تبدو مهيأة لنشوء نقابات عمّالية مستقلة وقوية وذات قاعدة تمثيلية واسعة. لم تعد بنية سوق العمل تبشّر بعودة سريعة للعمل النقابي المنظّم في سوق العمل بسبب ضعف الاقتصاد الحقيقي الى جانب عوامل الاستتباع الاخرى الممارسة على المستويين السياسي والاجتماعي، فالأرقام مقلقة في مجال التعبير الكمي عن مأزق هذا الاقتصاد، وبحسب تقرير للبنك الدولي في إطار ورشة عمل عقدت في بيروت في عام ٢٠١١، استقبل لبنان ١٤٧ مليار دولار من التدفقات النقدية بين عامي ١٩٩٢ و٢٠١٠ ذهب اكثر من ١٢١ مليار دولار منها لتمويل عجز الميزان التجاري، وهذا يشكّل دليلاً اضافياً على أن الاقتصاد اللبناني صار أكثر ارتباطاً بمداخيل غير منتجة في لبنان لتمويل استهلاك محلي. تخيّلوا فقط مكانة المصارف وحصّة السياحة في اي حديث عن الاقتصاد ومدى القلق الذي يثيره مجرد التفكير بأنّ دول الخليج النفطية تنوي معاقبة اللبنانيين، فضلاً عن الجهد المبذول لتصوير ارتفاع أسعار العقارات كما لو أنه مكسب للاقتصاد!
هذا الواقع ساعد أيضاً على تقويض قوّة نقابات عمالية لا تزال قائمة، ولا سيما نقابات العمّال والمستخدمين في المؤسسات العامّة التي تخضع لنفوذ القوى السياسية المسيطرة على الدولة، ونقابة موظفي المصارف التي تمكّنت جمعية المصارف من تجاهلها حتى الآن في مفاوضات تجديد عقد العمل الجماعي المتواصلة منذ ٣ سنوات، فالنقابة تضم عدداً كبيراً نسبياً من المنتسبين يعملون في المصارف الصغيرة في حين ان المصارف الثلاثة الأكبر التي تستحوذ على أكثر من نصف أرباح القطاع المصرفي (٨٨٨ مليون دولار) تحظّر على العاملين لديها الانضمام الى أي نقابة، وهم حتى الآن يلتزمون بذلك خوفاً من فقدان الوظائف في ظل المنافسة الشديدة عليها. وهناك أيضاً نقابات المهن الحرّة، ولا سيما نقابة المهندسين، التي بدأت تواجه ضغوطاً متنامية من المنتسبين إليها العاطلين من العمل أو العاملين بأجر، وهي ستواجه ضغوطاً أكبر في ظل احتمالات تراجع فرص العمل المتاحة في الخارج.
ظهر الخضوع في القطاع الخاص جلياً في تحرّكات هيئة التنسيق النقابية، إذ لم تجد روابط المعلمين في المدارس الرسمية وموظفي الإدارات العامّة حليفاً عضوياً واحداً لها في القطاع الخاص، ما عدا نقابة المعلمين في المدارس الخاصّة التي علقت مشاركتها بالإضراب المفتوح بعد أسبوعين من بدء تنفيذه على الرغم من أنّ المنتسبين إليها هم من المستفيدين مباشرة من سلسلة الرتب والرواتب وهم الفئة الوحيدة التي لم تتقاض بعد زيادة غلاء المعيشة التي أُقرّت اعتباراً من شباط عام ٢٠١٢. حتى النقابة الوحيدة من القطاع الخاص ذات المصلحة المباشرة بالتحرّك الأخير لم تكن مشاركة فعلية فيه، ورضخت في النهاية لضغوط أصحاب المدارس الخاصة، ولا سيما الطائفية منها.
لقد عبّر تجمّع أصحاب الرساميل عن قلقه من أن يؤدّي انتصار هيئة التنسيق النقابية في معركتها الى تشجيع المطالبة بتصحيح الأجور في القطاع الخاص بنسبة ارتفاع مؤشّر الأسعار في عام ٢٠١٢ والتي بلغت أكثر من ١٠٪. جهّز نفسه لوأد أي محاولة لتأسيس نقابات عمّالية مستقلة، وهو ما ظهر بشكل فاقع في إرهاب عمّال وعاملات شركة «سبينيس» ومنعهم من الانضمام الى نقابتهم بعد فرض ترخيصها بمعركة مكلفة أدّت الى خسارة ٤ مؤسسين لعملهم. إلّا أن أي شيء يبرر هذا القلق لم يحصل طيلة فترة الإضراب المفتوح، ولا شك في أن تحييد القطاع الخاص يعدّ نجاحاً في اختبار قدرة منظومة الضبط على مواصلة عملها.
المعركة مستمرة
يقاتل تجمّع أصحاب الرساميل اليوم من أجل إبقاء السيطرة التي اكتسبها في العقدين الماضيين، فهو يريد أن تبقى مسألة الأجور خاضعة لميزان المصالح التي ترسّخت منذ عام ١٩٩٧، أي أن يتعامل معها عندما يضطر فقط وليس بانتظام. لا يريد أن يكرّس اي سابقة في هذا المجال تطيح تدريجياً المكاسب التي حققها عندما جُمِّدت الأجور من دون تجميد الأسعار التي ارتفعت بنسبة تجاوزت ١١٥٪ حتى نهاية عام ٢٠١٢، وعندما جمّد الإنفاق الاستثماري في الموازنة، ما ساهم بتراجع الخدمات العامّة والاستعاضة عنها ببدائل تزيد من كلفة المعيشة، ولكنها تدرّ ريوعاً كبيرة لمقدّميها (كهرباء، مياه، نقل، أدوية، استشفاء، تعليم... إلخ). النتيجة الأساسية لكل ذلك تجسّدت بتهاوي حصّة الأجور من الناتج المحلي من ٣٥٪ في عام ١٩٩٧ إلى أقل من ٢٥٪ حالياً، علماً أنها كانت تبلغ في عقد السبعينيات (عشية الحرب) نحو ٥٥٪. إلا أن الناتج المحلي نفسه ارتفع في الفترة نفسها (١٩٩٧- ٢٠١٢) من ١٦.١ مليار دولار إلى ٤٢.٦ مليار دولار، أي إنه تضاعف مرتين ونصف تقريباً. وبمعنى ما، تم شفط ٣٠ مليار دولار في هذه الفترة من الأجور الى الأرباح والريوع.
منذ معركة تصحيح الأجور في القطاع الخاص التي خاضها وزير العمل السابق شربل نحاس وصولاً إلى معركة هيئة التنسيق النقابية، تُستكمل المعركة الفعلية الواقعة حول إعادة توزيع الحصص في الناتج المحلي الإجمالي، غير أنّ المأزق الفعلي يكمن في أنّ ميزان القوى فيها يستمر مائلاً نحو مصالح التكتلات المصرفية والعقارية، ليس بسبب غياب النقابات العمّالية في القطاع الخاص القادرة على فرض بعض التوازن فحسب، بل لأن المكوّن الريعي في تكوين الارباح بات طاغياً على المكوّنات الاخرى إلى درجة يُصعب معها توقّع تضارب مصالح بين أصحاب الرساميل أنفسهم، وهذا ما يفسّر عدم ظهور اي تباين بين من يفترض أنهم من المنتجين وبين من يفترض أنهم ريعيون، يواظب الجميع على الظهور بموقف موحّد من قضايا اساسية، كقضية فرض الضريبة على الربح العقاري التي تفيد الصناعي والتاجر ولا تضرهما. إن هذه الغلبة الواضحة تجعل من الصعب أيضاً توقّع مسارعة القوى السياسية المسيطرة على الدولة الى القيام بهذه المهمّة طوعاً، ليس هناك اي دليل على وجود مثل هذا الميل، او على الاقل هذا ما اثبتته حتى الآن تجربة سلسلة الرتب والرواتب وتحييد الاتحاد العمالي العام كلياً من المعركة بعد إفقاده أي صفة تمثيلية للعمال ووضعه في منزلة «الخائن لطبقته».
لم تنته معركة هيئة التنسيق النقابية، وربما لا تزال في مراحلها الاولى، وبالتالي لا تزال الفرصة سانحة لمن يرغب في استلهامها من اجل تظهير حقيقة الصراع في لبنان... ليس امراً طبيعيا أتّا تستولد ملامح بداية حراك ذات طابع محاولات جدّية لإقامة اطر سياسية تحمل مشاريع تغيير فعلية. إذا كان هناك نجاح حقيقي حققته هيئة التنسيق النقابية فهو أن المجتمع اللبناني ربما بات جاهزاً لإطلاق الحياة السياسية مجدداً، وربما هذا هو الرد الحقيقي على صناعة القلق المستمرة من الحرب الأهلية.
إضافة تعليق جديد
تهمّنا آراؤكم ونريدها أن تُغني موقعنا، لكن نطلب من القراء أن لا يتضمن التعليق قدحاً أو ذمّاً أو تشهيراً أو تجريحاً أو شتائم، وأن لا يحتوي على أية إشارات عنصرية أو طائفية أو مذهبية.