العددان ٣-٤ خريف ٢٠١٢ / شتاء ٢٠١٣

ذاكرات خصبة: عن خيبات جيل واكتشافات آخر

النسخة الورقية

في أربعة أفلام وثائقية حديثة الإنتاج، يروي كل من داميان أونوري ومهدي فليفل وأحمد غصين ورامي نيحاوي حكاية فرد من عائلته، مدفوعاً بأسباب عديدة، ترواح بين الشخصي والعام والوعي بموقعه كشاهد ووسيط وبأدوات السينما التسجيلية وقدرتها على التفكيك وإعادة التركيب.

لا يكتفي أيٌّ من هؤلاء المخرجين الشباب بـ«البطولة» (المحقّة) المسبوغة على الشخصية التي اختارها، بل يبحث عن الفرد خلف حكايات البطولة المنسوبة إليه، أو يسعى إلى اكتشاف بطل آخر في حيوات كُرِّست البطولة فيها لآخر. ينفضون الغبار عن شخصيات أقامت في الظل، في ظلّ الرجل- الأب والرجل-الزوج، ويفكّون أسر التاريخ من سجنه في روايته، تلك التي على بهائها، تحوّلت جماداً، تنزع عن صاحبها إنسانيته وفرديته. والحصيلة شهادات من زمن مضى، تنتمي إلى جيل جديد من المخرجين، يرى إلى تجارب من سبقوه حكايات إنسانية مذهلة وإلى دوره حارساً لذاكرة مثقوبة، لا سبيل إلى رأب شقوقها إلا من خلال مد جسور المعرفة والتجربة والتسامح بين زمنين وجيلين وتاريخين.

الأمر أشبه بـ»موعد أعمى»، جمع أولئك المخرجين من الجزائر وفلسطين ولبنان حول موضوع نبش تاريخ عائلته. على مدى ثلاث سنوات أو أكثر بقليل، كان أونوري يعدّ لفيلمه «فدائي» مشتغلاً على أفلمة حكاية «الهادي»، خال والده، الذي انضوى تحت لواء جبهة التحرير الوطني في الجزائر فدائياً متطوّعاً، بينما كان فليفل يشق طريقه إلى «عالم ليس لنا» وسط ذكرياته وأفلام والده المنزلية عن مخيم عين الحلوة في مدينة صيدا اللبنانية. أما غصين ونيحاوي، فعملا، من دون اتفاق أو تنسيق، على حكاية الأم، المسلمة الجنوبية زوجة الشيوعي في «أبي مازال شيوعياً»، والمسيحية الشيوعية زوجة البعثي السوري في «يامو». أبصرت المرويات الأربع النور بين أواخر العام 2011 والعام 2012، لتشكّل مجتمعة شهادات مذهلة في أكثر من اتجاه: شخصيات الأفلام وعلاقتها بماضيها وذاكراتها؛ الحوار بين جيلي الشخصيات والمخرجين؛ موقع المخرج كشاهد على الشاهد؛ ردَّ الإعتبار لجيل سابق يُختزل بجيل الخيبات الوطنية والإيديولوجية ولجيل المخرجين المتهم باللامبالاة والإنفصال عن تاريخه وواقعه.

اللحظة الراهنة محفّز لنبش الماضي

ثمة لحظتان راهنتان ترسمان موقع هذه الأفلام الأربعة زماناً ومكاناً، إحداهما زمن الفيلم والثانية الزمن خارج الفيلم. فأن تبصر هذه الأفلام النور في حمأة التحوّلات السياسية والإجتماعية التي تعيشها المجتمعات العربية لأمر يبعث على سؤال، وإن مباشر: هل من علاقة مباشرة بين ما يحدث على اتساع خارطة العالم العربي من جهة وبين اتجاه هؤلاء المخرجين إلى حكايات شخصية فردية من جهة ثانية في هذا الوقت بالتحديد؟ الإجابة ليست مباشرة بالقدر نفسه ذلك انه يصعب تحديد زمن العمل السينمائي أو لحظة ولادته كمشروع، إذا ما سلّمنا بأن خروج الفيلم، أي فيلم، إنما هو تتويج لعملية مخاض طويلة، بدأت لحظة تصارع أفكار وصور وغايات وإرادة، أفرزت مجتمِعة التفكير بمشروع سينمائي. ولكن يمكن الحديث عن دور للحظة الزمنية الراهنة كمحفّز في عملية صنع الفيلم وكعنصر مؤثر على خروجه بشكله النهائي. كما يمكن التأكيد بشيء من الجزم على تأثير اللحظة الراهنة في تلقّفنا تلك الأفلام وقراءتها.

اللحظة مؤاتية، في تصوّرنا، لنبش الماضي، هذا التمرين الذي لم نتمكن يوماً من ممارسته على مستوى تاريخ أو ماضٍ غير متفق عليه، ممتد إلى ما لا نهاية وما طوي من فصوله طُوي قسراً من دون أن تتسنى لنا مراجعته او قراءته. واللحظة مؤاتية أيضاً للقبض على مرويات لن يبقى من يشهد عليها قريباً. واللحظة مؤاتية أيضاً وأيضاً لربط ما يجري اليوم بما جرى بالأمس. كل هذه إسقاطات، ربما، إلا انها تقود إلى جلاء مفارقة تصب في صالح استقلالية تلك الأفلام الأربعة وفرادة أصوات صانعيها. ذلك ان زمن الأفلام الذي يفترض به أن يكون الحاضر، ليس إلا سفر بين ماضٍ مجهول وحاضر معلّق، حيث العلاقة بين الإثنين المجسّدة بشخصيات الأفلام ومخرجيها تباعاً، تُنسج على وقع انتظار يعيشه الجيلان. تفترض العودة إلى الماضي تجميداً للحاضر أو خروجاً منه للدخول في الزمن الخاص بالشخصيات، مجسّداً باختيار المكان.

على هذا النحو، يصور غصين مشاهد «ابي مازال شيوعياً» في قريته الجنوبية، ويختار نيحاوي في «يامو» أماكن شبه مهجورة لتسجيل محاوراته مع والدته أمام الكاميرا، بينما يقود أونوري خاله «الهادي» في الشوارع الفرنسية المفقرة التي شهدت يوماً على تنفيذ المهام الموكلة إليه من جبهة التحرير الوطني. أما فليفل فيختار مخيّم عين الحلوة الذي على اكتظاظه يشكّل الإستعارة المطلقة لمعنى العزلة. بتلك الخيارات المكانية، تتاخم الأفلام الوثائقية الأربعة الروائي، وتحسم علاقة الشخصيات الإنفصالية عن الحاضر وخارج سيرورته.

في المقلب الآخر، ثمة علاقة مختلفة بين المخرجين واللحظة الراهنة. إنها لحظة وعي وإدراك، تحرّكها إعادة اكتشاف الذاكرة من منظور «الآن وهنا». في أشرطة الكاسيت التي كانت الأم ترسلها إلى الأب على مدى نحو خمسة عشر عاماً اثناء هجرته إلى الخليج، يعثر غصين على طفولته وكل الصور والأفكار التي شكّلت علاقته بوالده ووالدته، كما بمحيطه وبيئته. يقرر نشرها- متخذاً من هذا الفعل عنواناً فرعياً لفيلمه «أسرار حميمة للجميع»- وتشريعها على الأسئلة وعلى الترميم الذي لا يخلو من اللعب. بخلافه، ينطلق نيحاوي من هاجس انه لا يتذكر شيئاً عن طفولته، أو هكذا يتراءى له، فيستعين بوالدته لإعادة ترميمها، متخذاً من تلك العملية، كما غصين، وسيلة لمحاولة فهم غياب الأب. يقود بحث كل من غصين ونيحاوي إلى مواجهة قاسية مع الماضي، ينأى فيها كل منهما بنفسه وبفيلمه عن الحنين. في كلتا المحاولتين تصفية حساب مع الطفولة والماضي والحاضر والأب الغائب والكثير الكثير من العاطفة تجاه الأم، يرافقها إسقاط «القدسية» عن شخص «الأم»، وإعادة صوغ العلاقة بها بعيداً من إملاءات التقاليد والعائلة.

ليس بعيداً من الأسئلة التي يطرحها «أبي مازال شيوعياً» و«يامو» لجهة العلاقة بالذاكرة، يغوص «عالم ليس لنا» في أرشيف الفيديو المنزلي الذي دأب والد فليفل على تصويره بين عين الحلوة، مسقط رأس العائلة، والدنمارك إلى حيث هاجرت ودبي حيث استقرت. هنا مواجهة صريحة بين ذاكرات عدة: الذاكرة الصورية المتجسدة في أرشيف الفيديو والذاكرة الشخصية للمخرج في عين الحلوة وتلك الناتجة عن اصطدام الأخيرتين بالواقع المتبدّل داخل المخيم الذي لم ينقطع فليفل عن زيارته. أما مدخل أونوري إلى حكاية «الهادي» فأرشيف صحفي يعود إلى العام 1962، يبيّن جانباً من نشاطه السياسي تحت مظلة جبهة التحرير الوطني.

الموقع- الموقف

احتاج المخرجون الأربعة إلى ذاكرة موثقة بالصورة أو الصوت أو الكلمة. أرادوا مدخلاً إلى تجارب لم يعيشوها أو كانوا جزءاً منها من دون أن يعتبروا أنفسهم شهوداً أو أصحاب سير وتجارب جديرة بأن تُروى بما هو اختلاف أساسي عن الجيل الذي سبقهم من السينمائيين الذين كانوا في قلب الصراع السياسي والإيديولوجي وصنعوا أفلامهم بحدّ النقد والمساءلة والمحاسبة ومن مسافة زمنية فاصلة عن تجاربهم: رندة الشهال في «حروبنا الطائشة»، محمد سويد في «عندما يأتي المساء» و«حرب أهلية»، برهان علوية في «رسالة من زمن المنفى» و«إليك أينما تكون»، ماهر أبي سمرا في «شيوعيين كنّا» وسواهم. هؤلاء اجترحوا في تجاربهم الموقف، فيما يحدد كل من أونوري وفليفل وغصين ونيحاوي علاقته بفيلمه من خلال موقعه. على الرغم من ظهورهم في أفلامهم وضمير المتكلّم الذي يصوغون به الحوارات والشريط الصوتي، لا يشعر المشاهد انهم مركز الفيلم. إنهم بمعنى ما يقفون على هامش تجارب الشخصيات التي يتناولونها بحب وشغف كبيرين، باحثين عن شخصيات مهمّشة هي الأخرى (الأم في فيلمي غصين ونيحاوي و«ابو اياد» في شريط فليفل) أو عن الجانب المهمّش في شخصية بطولية مثل «الهادي» ومن هنا اختيار العنوان بصيغة النكرة («فدائي») وليس التعريف («الفدائي»).

إلى الحب والشغف الظاهرين في علاقة المخرجين بشخصيات أفلامهم، يتيح البحث عن «الموقع» (في مقابل الإبتعاد من «الموقف») مشاكسة محببة ومساحة حرة للعب مع الشخصيات والذاكرة والتاريخ. يعدّل غصين الصور الفوتوغرافية العائدة إلى طفولته فيدخل الأب إليها في محاولة لتعويض غيابه وبناء ذاكرة جديدة، يكون الأب فيها حاضراً حيث يجب أن يكون. ويناكف نيحاوي والدته بأسئلة تفصيلية رافعاً الغطاء عن مفاهيم مسلّم بها كالخلط بين قسوة الأب وقوته، حب الزوج والإعتياد عليه، تضحية الأم بطموحها وإنشاء عائلة... ولا يتوانى أونوري عن جر خاله السبعيني إلى لعبة يعيد من خلالها تمثيل عمليتي الإغتيال السياسي اللتين اضطلع بهما بتكليف من جبهة التحرير الوطني. أما فليفل فيطلق العنان لذاكرة الطفل والمراهق وأشرطة الفيديو المنزلية الفائضة بالحنين لتغوينا وتستدرجنا إلى عين الحلوة في وصفه «المكان الأكثر إثارة» على وجه الأرض قبل أن يعرّي الواقع الأليم.

في كل ذلك، تستنطق الأفلام شخصياتها وتدفعها بـ«مكر» إلى البوح وإسقاط «الوهم»، ليس بهدف المحاكمة بل في محاولة لإعادة تفعيل الصلات الإنسانية بوعي ووفق ذاكرة، يشترك الطرفان، المخرج وشخصية فيلمه، في بنائها. وليس ذلك من قبيل التشكيك في تاريخ أي من الشخصيات بقدر ما هو بحث عن «البطولة» في مكان آخر غير المتعارف عليه: صلابة الأم وعظمتها في احتمال مشقات تربية عائلتها وحيدة وسط انعدام الدعم العاطفي، التأكيد على بطولة «الهادي» في احتماله النكران وذهاب قناعاته وتضحياته في سبيل وطنه هباء، وتأكيد الإنتماء إلى المكان (عين الحلوة) بما هو عليه اليوم من شقاء.

بالعودة إلى المقارنة بالجيل الذي سبقه، تبدو هذه التجارب خالية من المرارة وبعيدة من الخلاصات. تقفل الأفلام الأربعة على نوتة حزينة ومصائر معلّقة. لا تدعي الإحاطة الشاملة بموضوعاتها ولا ترمي إلى اكتشافات كبرى إلا بما تحقق على صعيدي الإكتشافات الشخصية والتواصل مع جيل الآباء. إنها- أي الأفلام- أشبه بحجر أساس في مسيرة صنّاعها، تكشف عن تورط عاطفي وذهني عميق، وهواجس منطلقها شخصي فيما مدركها عام.

اللغة السينمائية

تتشارك الأفلام الأربعة محور هذا النقاش على أرضية مفادها ان الفيلم هو في المقام الأول تظهير سينمائي لموضوع استوفى شروط الأفلمة من بحث وتفكير لدى مخرجه. الفيلم بهذا المعنى ليس مخبراً مفتوحاً على الإرتجال والمواجهة واكتشاف إلى أين ستقود الأخيرة، بل هو خطوة محسوبة تجسّد مونولوغاً داخلياً وحواراً مع الآخر انطلق قبل فكرة الفيلم. الدلالة هنا شديدة الأهمية بما تؤشر إليه من نضج فني لدى كل من المخرجين الذين لم يتجاوزوا منتصف العقد الثالث ويخوضون بأفلامهم تلك التجارب الأولى في حقل الفيلم الوثائقي الطويل. إنهم أبناء مدرسة السينما الوثائقية الإبداعية، تلك المدرسة التي أرسى أسسها وبصعوبة بالغة الجيل الذي سبقهم من السينمائيين التسجيليين (عمر أميرالاي ومحمد سويد على سبيل المثال لا الحصر)، ممن اشتغلوا على تكريس الفيلم الوثائقي الإبداعي في العالم العربي.

أفلام هؤلاء الشباب ليست منصة لطرح أفكار وإدارة سجالات وتمرير رسائل بل هي تجارب إبداعية لا غلبة فيها للموضوع على الشكل ولا العكس، وإنما الغلبة لبناء مركّب ولغة بصرية بامتياز. هكذا يراكم مهدي فليفل في «عالم ليس لنا» خامات بصرية متعدّدة لكل منها دلالاتها قبل أن يطوّعها في تركيبة تغدو هي خصوصية الفيلم. الصورة عند فليفل هي المدخل إلى الموضوع. من أرشيف الفيديو الخاص بوالده يدخلنا إلى عالم الأخير من دون أن يكون جزءاً من زمن الفيلم نفسه. ومن أرشيف الفيديو الخاص بالمخرج الذي راكمه على مر زياراته لعين الحلوة نستطيع أن نفهم دينامية العلاقة بينه وبين شخصيات الفيلم لاسيما «أبو اياد» وجده و«سعيد». بعيداً من الأرشيف، يصوّر فليفل المخيّم اليوم بمزيج من الإلفة والإغتراب. يترك لعدسته أن تجوب الأماكن التي حفظها عن ظهر قلب من دون أن تتحوّل جزءاً من المكان. إنها عينه الآن وقد فقدت «براءة» النظرة وعفوية الإنتماء.

الصورة في شريط غصين، «أبي مازال شيوعياً»، هي صورة قيد الإنشاء، تماماً كبيت العائلة المصنوع من الباطون. الصورة عنده تخترع المسافة من الشخصي والحميم جداً الذي تظهره التسجيلات الصوتية. هناك في تلك التسجيلات التي تختزل تحولات زوجين وعائلة ومجتمع وبلد، يقيم الفيلم، أما الصورة فتصنع المسافة وتداوي جراح غياب الأب. بخلافهما، يشرّع داميان أونوري صورة «فدائي» على أدق تفاصيل «الهادي»، شذرات حكاياته وذكرياته في الأمكنة. الصورة هنا وثيقة والكاميرا مسبَر إلى أعماق حياة سرية تقدم إلى العلن للمرة الأولى. ولكن هدوء أونوري مثير للإعجاب. فهو لا يستعجل الحكاية ولا يلهث خلف تفاصيل حسية، بل يرسم بورتريه «الهادي» بين أفراد عائلته التي لا تعرف الكثير عنه تاركاً للرجل السبعيني أن يقوده إلى أمكنة في الجزائر وفرنسا شكّلت محطات وذكريات في مسيرته الفدائية. لا يبدو مهتماً كثيراُ بإنجازات «الهادي» بقدر اهتمامه بكيفية تعاطي الأخير مع ذاكرته السرية، يحرّضه بأسئلته على استعادتها، تاركاَ لعدسته تسجيل تحوّلاته في مشهدين اساسيين: الأول كيفية استعادته لمهارة استخدام السلاح والثاني تسلّل المرض إليه بعيد استعادة ذاكرته المثخنة بالعنف والقتل والتعذيب.

بدأب مماثل، يتابع رامي نيحاوي يوميات والدته في «يامو» من صحوها المبكر وذهابها إلى المدرسة حيث تعلّم، ومن ثم مزاولة عملها الليلي بائعة في أحد المحلات. الحديث عن الذات والذاكرة الغائبة والعلاقة بالأب لا تلبث أن تتراجع أمام ذلك الحضور الآسر لوجه الأم، المحمّل بين طياته معاناة سنين طويلة، لم تفقدها على الرغم من كل شيء ذلك العنفوان والتعلّق بالحياة. في الواقع يصنع نيحاوي فيلمين أو الأصح يرسم في فيلمه مسارين صوريين: مسار مباشر لمحاواراته مع أمه وآخر من لقطات «يسرقها» سرقة للفتاتها وتقاسيم وجهها يحمّلها كل الحب والحنان اللذين لم يستطع قولهما مباشرة.

الظاهر والباطن

على الرغم من الحضور القوي للشخصيات والأمكنة وحكاياتها المباشرة في الأفلام الأربعة، هناك في كل منها خط سردي باطني لحكايات وشخصيات غائبة. الأب قاسم مشترك، حاضر بغيابه في فيلمي غصين ونيحاوي، مانحاً فليفل مبرّراً لصنع فيلمه من خلال أرشيفه، ودافعاً بأونوري إلى اقتفاء أثر خاله كما ينبئنا إهداء «إلى أبي» في آخر الفيلم. حكاية الحرب الأهلية اللبنانية وانقسامات شعب تعبق في فضاء «ابي مازال شيوعياً» و«يامو»، بينما يجبرنا الإنفصال الكلي لفيلم «فدائي» عن واقع الجزائر اليوم إلى استعادة هذا الواقع بكل عنفه ودمويته على مدى الخمس عشرة سنة الأخيرة. لا يجهد المخرجون في التفسير والشرح ولا يساومون على اللغة السينمائية في سبيل «التوضيح». الشقوق متروكة ليملأها المشاهد والخلفية والسياق يمكن فهمهما من مصدر آخر. أما الأفلام فموطن الإحساس.

دامين أونوري «فدائي» ٢٠١١

دامين أونوري «فدائي» ٢٠١١

رامي نيحاوي «يامو» ٢٠١١

أحمد غصيب «أبي ما زال شيوعيًا» ٢٠١١

مهدي فليفل «عالم ليس لنا» ٢٠١٢

أحمد غصيب «أبي ما زال شيوعيًا» - ٢٠١١ - ملصق الفيلم

العددان ٣-٤ خريف ٢٠١٢ / شتاء ٢٠١٣

إضافة تعليق جديد

تهمّنا آراؤكم ونريدها أن تُغني موقعنا، لكن نطلب من القراء أن لا يتضمن التعليق قدحاً أو ذمّاً أو تشهيراً أو تجريحاً أو شتائم، وأن لا يحتوي على أية إشارات عنصرية أو طائفية أو مذهبية.