خمس واربعون سنة مرت على استشهاد ارنستو تشي غيفارا. في قرية «لا هيغويرا» في بوليفيا يوم ٩ اكتوبر ١٩٦٧، وقع المغوار في كمين لاحدى فرق «الرينجرز» البوليفية التي درّبها وقادها ضباط من وكالة الاستخبارات الاميركية (السي آي إي). أعدم بأمر من هؤلاء الضباط على يد جندي نعرف اسمه الآن وهو «فيليكس رودريغيز». ثم عرضت الجثة على مزود ماشية قبل ان تقطع يدا غيفارا وتقتلع اضراس من فمه لاغراض التأكد من جثته. ودفن في مكان سرّي اكتشف في ما بعد واعيدت رفات غيفارا لتلقى التكريم الذي تستحقه في كوبا.
في ما يتعدى الصورة الكازيزمية، ومساهمة منا في تحرير الرجل وذكراه من «الـ تي ــ شيرت» الذي حبسته فيه العولمة الاستهلاكية، نضع في ما يلي بتصرّف الذين تعلّقوا به مثالاً وأمثولة، مختارات موجزة من الافكار والقيم التي ألهمت الطبيب الارجنتيني، ذا الرئتين المنهكتين بالربو، والجسم الناحل، لكي يصنع من نفسه «التشي». ان يوافق القارئ على هذه الافكار او ان لا يوافق، ان يناقش او يصرف النظر، هذا شأنه. المهم ان يتعرّف اليها.
الامبريالية والتحرر الوطني ونقد المعسكر الاشتراكي
«منذ ان سيطرت الرأسمالية الاحتكارية على العالم، أبقت القسم الاكبر من البشرية في الفقر، واقتسمت الارباح بين مجموعة من اقوى الدول. ان مستوى معيشة تلك البلدان ينبني على الفقر المدقع لبلداننا. لذلك، فمن اجل رفع مستوى معيشة الامم المتخلفة يجب ان نناضل ضد الامبريالية. (...)
«كلما تحرر بلد [من الاستعمار] يسدد هزيمة للنظام الامبريالي العالمي. ولكن علينا ان نتوافق على ان مثل هذا الانقطاع لا يتحقق بمجرد اعلان الاستقلال او تسجيل انتصار عسكري في ثورة. انه يتحقق عندما يتم القضاء على السيطرة الاقتصادية الامبريالية على شعب من الشعوب. لذا، فإن تحقيق البلدان الاشتراكية لقطيعة حقيقية [مع الامبريالية ] يلبّي مصلحة حيوية لتلك البلدان. يفرض علينا واجبنا الاممي، الواجب الذي تمليه العقيدة التي نسترشد بها، ان نوظف كل جهودنا لتحقيق ذلك العمل التحرري باسرع وقت وباعمق شكل ممكن.
الخلاصة من كل هذا: يجب على البلدان الاشتراكية ان تساعد في تمويل تنمية البلدان المتخلفة التي تباشر مسيرة التحرر. (...) ان الاشتراكية لن تتحقق دون تغيير في الوعي يعبّر عن علاقة اخوية جديدة تجاه الانسانية على الصعيد الفردي، داخل الدول التي تبني الاشتراكية او التي قد بنت الاشتراكية، كما على الصعيد العالمي، تجاه جميع الشعوب التي لا تزال تعاني من الاضطهاد الامبريالي.
نؤمن بأنه يجب مقاربة المسؤولية عن مساعدة البلدان التابعة بمثل هذه الروح. فلا يجوز ان يستمر الكلام عن تنمية التبادل التجاري، القائم على المنفعة المشتركة، بناءً على اسعار يفرضها على البلدان المتخلفة قانون القيمة وتفرضها العلاقات الدولية الناجمة عن هذا القانون.
فكيف تكون «منفعة مشتركة» عندما تباع بأسعار السوق العالمية موادّ اولية تكلّف البلدان المتخلفة مقادير من العرق والعذاب لا تقدر بثمن، فيما يتم الشراء بأسعار السوق العالمية الآلات التي تنتجها حاليا المصانع العاملة على الأتمتة.
اذا اثبتنا وجود هذا النوع من العلاقة بين مجموعتي الامم، يتعيّن علينا إذذاك الموافقة على ان البلدان الاشتراكية متواطئة، الى هذا الحد او ذاك، في عملية الاستغلال الامبريالية. ويمكن المحاججة في ان نسب التبادل مع البلدان المتخلفة هي جزء غير ذي بال من اجمالي التجارة الخارجية للبلدان الاشتراكية. هذا صحيح كل الصحة. لكنه لا ينفي الطابع اللااخلاقي لذلك التبادل.
ان البلدان الاشتراكية تحمل واجباً أخلاقياً لوضع حد لتواطؤها مع بلدان الغرب المستغّلة».
(من خطاب ارنستو تشي غيفارا، باسم الوفد الكوبي، امام «مؤتمر التضامن الآسيوي الافريقي»، الجزائر العاصمة، ٢٤ فبراير/ شباط، ١٩٦٥)
الحوافز المعنوية اولاً
«لبناء الشيوعية، لا بد من بناء الرجل الجديد والمرأة الجديدة جنباً الى جنب مع بناء الاسس المادية الجديدة.
لهذا فمن الاهمية البالغة ان نختار الاداة المناسبة لتعبئة الجماهير. يجب ان تكون تلك الاداة أخلاقية الطابع، دون ان نهمل الاستخدام السليم للحوافز المادية، خصوصا تلك التي لها طابع اجتماعي».
الفرد في ظل الاشتراكية
«إن الافراد اكثر اكتمالا في ظل الاشتراكية، بالرغم من تنميطهم الظاهر. وبالرغم من النقص في الآلية الكاملة لتحقيق ذلك، فإن فرص التعبير عن الذات، وفرص فرض الذات داخل الجسم المجتمعي، هي اكبر بكثير [مما هي في ظل الرأسمالية].
لا يزال يلزم تعميق المشاركة الواعية، الفردية والجمعية، في الادارة والانتاج، وربطها بالفكرة القائلة بضرورة التربية التقنية والايديولوجية، بحيث يدرك الفرد ان تلك المسارات وثيقة الاتكال المتبادل في ما بينها وان التقدم فيها يسير بشكل متواز. هكذا يبلغ الفرد الوعي الكامل بما هو كائن اجتماعي وهذا يعادل تحققه الكامل بما هو انسان، ما ان تتكسر قيود الاغتراب.
وتكون ترجمة ذلك على نحو محدد في اعادة سيطرة المرء على طبيعته الحقيقية من خلال العمل الحر، وتعبير المرء عن شرطه الانساني من خلال الثقافة والفن.
لكي ننمّي ثقافة جديدة، يجب ان يكتسب العمل مكانته الجديدة. يجب ان ينتهي نظام البشرــ السلع لينشأ بدلاً منه نظام يعيّن حصة لكل فرد من انجاز الواجب الاجتماعي. يجب ان تكون وسائل الانتاج ملكاً للمجتمع، والآلة مجرد المكان الذي يمارس فيه ذلك الواجب.
يبدأ المرء بأن يتحرر من التفكير بواقع مزعج هو إضطراره الى العمل من اجل إشباع حاجاته الحيوانية. هنا يبدأ الافراد بأن يجدوا أنفسهم في عملهم وفي نتاج عملهم، ويفهموا المكانة الانسانية الرفيعة التي يبلغها البشر من خلال ما يصنعونه من اشياء، ومن خلال العمل المنجز. وهنا لن يستلزم العمل التفريط بجزء من كيان الانسان من خلال بيع قوة عمله، وهي قوة عمل لم تعد اصلاً ملكاً للفرد، وانما يصير العمل تعبيراً عن الذات ومساهمة في الحياة العامة ينعكس فيها كل فرد، وإنجازا لحصة الفرد من الواجب الاجتماعي.
(...) ان الانسان يبلغ الشرط الانساني الكامل حقاً عندما لا يعود ملزما الانتاج بدافع الحاجة الجسدية لبيع نفسه بما هو سلعة».
(من «الاشتراكية والانسان في كوبا»، المنشورة لاول مرة في «مارشا»، الاسبوعية الصادرة في الاوروغواي، في ١٢ مارس/ آذار ١٩٦٥)
إضافة تعليق جديد
تهمّنا آراؤكم ونريدها أن تُغني موقعنا، لكن نطلب من القراء أن لا يتضمن التعليق قدحاً أو ذمّاً أو تشهيراً أو تجريحاً أو شتائم، وأن لا يحتوي على أية إشارات عنصرية أو طائفية أو مذهبية.