قليلون يعرفون ان حزباً شيوعياً مستقلاً هو الحزب الشيوعي الهندي (ماركسي) حكم ولايتين من اكبر وأهم ولايات الهند لاكثر من اربعة عقود من الزمن انتهت مع مطلع هذا العام. الكاتب والمؤرخ الهندي يروي قصة التجربة ويحلل اسباب الهزيمة الانتخابية التي منيت بها حكومتا اليسار العام ٢٠١١
فيجاي براشاد
منذ العشرينات من القرن الماضي والحركة الشيوعية الهندية تنمو، تذوي ثم تشبّ مجددا، وتتحرر من توجيهات موسكو وتنتج قيادة وكوادر ماركسية شديدة التعلّق باستقلاليتها. في ١٩٥٧، فاز الحزب الشيوعي بقيادة اي. ام. اس. نامبوبراباد الاستثناني بالانتخابات في ولاية كيرالا في الجنوب الغربي من البلاد، وبعد ذلك بسنتين لجأ حزب المؤتمر بقيادة جواهر لال نهرو الى وسائل غير برلمانية لاخراج الشيوعيين من الحكم. عاد الشيوعيون الى الناس وبعد عشر سنوات من ذلك في العام ١٩٦٧ عادوا الى حكم الولاية. منذ ذلك الحين وتحالفات بقيادة الشيوعيين او حزب المؤتمر تتناوب على السلطة خلال ١٣ دورة انتخابية للجمعية التشريعية. حاليا، تمسك «الجبهة الديمقراطية الموحدة» بزمام السلطة في الولاية فيما «الجبهة اليسارية الديمقراطية» بقيادة الشيوعيين تمارس دورها في المعارضة.
طريق برلماني من نمط جديد
ان خطا نضاليا داخل الحركة الشيوعية منذ اربعينات القرن الماضي قسّم بين الذين يؤمنون بأن حزب المؤتمر قادر على ان يكون حليفا للثورة الهندية (خط موسكو) والذين يؤمنون بأن «المؤتمر» لا يمكن الوثوق به لقربه من البرجوازية الهندية. تحول التيار الثاني الى «الحزب الشيوعي الماركسي» بعد انشقاق كبير حصل العام ١٩٦٤ (يتعاون الحزبان الآن تعاونا وثيقا علما ان الحزب الماركسي هو الاكبر).
بين ١٩١٨ و١٩٢٢، قدّمت الحركة الشيوعية العالمية ثلاثة سبل للانتقال نحو نظام اجتماعي ثوري:
١) دعوة ادوارد برنشتاين الى الانتقال التدريجي الى تسلّم سلطة الدولة التنفيذية، مع الاحتفاظ بالمؤسسات الرئيسة للديمقراطية البرلمانية؛
٢) دعوة كارل كاوتسكي الى الحفاظ على المؤسسات البرلمانية جنبا الى جنب مع انشاء منابر شعبية للنضال الجماهيرة؛
٣) دعوة لينين لتحطيم الشكل البرلماني وانشاء بنية للديمقراطية البروليتارية على النمط السوفياتي.
لم تعمّر مجالس السوفيات طويلا في التاريخ الروسي. كان على حزب لبنين، الذي نشأ عن الثورة الروسية للعام ١٩٠٥، ان يمهد الطريق بانتظار لحظة الانتفاضة. وعندما اندلعت الانتفاضة مطلع العام ١٩١٧، كتب لينين ان الحزب يجب ان يتعاطى «مع الثورة بما هي فن». وقد حاجج لينين ان اندفاعة عفوية من تحت يجب ان يقف الى جانبها حزب جاهز الاستعداد، ليؤسس الشكل التنظيمي للديمقراطية البروليتارية (وهي مجال عمل مجالس السوفيات، في الحالة الروسية).
في نقاش حول «الشيوعية الاوروبية» العام ١٩٧٨ لاحظ پيري اندرسن انه في حين ان اقصى اليسار حمل نقدا حادا لاول سبيلين من سبل الانتقال المذكورة اعلاه، الا انه «لم يبذل الا الجهد القليل لتنمية الخيار الثالث وتوفير شكل معاصر له... فكانت النتيجة ان علامة سؤال ضخمة ظلت معلقة فوق ذلك الخيار الذي شكل التراث الكلاسيكي للاشتراكية الثورية».
في مؤتمره الاول العام١٩٦٤ اشار الحزب الشيوعي الماركسي الى ان تجربة ولاية كيرالا للعام ١٩٥٩ اثبتت ان نظام «المؤتمر» لن يسمح ابدا لليسار بأن يتسلّم السلطة «بالوسائل البرلمانية وحدها. لذا فإن الطريق الذي سوف يقودنا الى الحرية والسلام، والى الارض والخبز، يجب ان نلقاه في مكان آخر ». فإتجه بعض ناشطي الحزب الشيوعي وجهة طريق العمل المسلّح العام ١٩٦٧ وانحازوا الى الطروحات الماوية (وهم الذين يسمّون الآن «ناكزاليين»). الا ان الجسم الرئيسي للحزب نشط من اجل احراز الانتصارات الانتخابية وبناء مؤسسات سياسية اخرى تتعدى المؤسسات الانتخابية. وحاجج الحزب الشيوعي الماركسي انه لا يمكن تفادي المعارك الانتخابية لاسباب عدة: «فعدا عن دورها في السماح بحل عدد محدود من القضايا المحلية، فإن العمل داخل المؤسسات البرلمانية سوف يرفع المعنويات الديمقراطية للجماهير اينما كان ويعزز بالتالي الحركة الديمقراطية بمجملها. ويمكن المعارك الانتخابية ان تصبح اسلحة بين ايدي الجماهير في نضالها ضد السياسات المعادية للشعب التي ترسمها الحكومة المركزية، ما سوف تزيد في الآن نفسه من حدّة النضالات بين قوى التقدم وقوى الرجعية داخل الحزب الحاكم نفسه.ً
بناء على هذا التحليل، وعلى تجارب حكومات «الجبهة الوطنية» في كيرالا وبنغال الغربية، وضع الحزب الشيوعي الماركسي، وقد بات اكبر الاحزاب الشيوعية في البلاد، تحليله البرنامجي (مقررات ابريل ١٩٦٨):
«ان حكومات «الجبهة الوطنية» يجب التعاطي معها وفهمها بما هي ادوات نضال بيد الشعب، اكثر مما هي حكومات تمتلك السلطة الكافية التي تستطيع ان ترضي الشعب ماديا ومعنوبا. بعبارات طبقية، ان مساهمة حزبنا في مثل تلك الحكومات هو شكل واحد مميز من اشكال النضال من اجل كسب المزيد من الناس والمزيد من الحلفاء الى جانب البروليتاريا وحلفائها في النضال من اجل قضية الديمقراطية الشعبية والمرحلة الاشتراكية التي سوف تليها».
اصلاح زراعي، لا مركزية، ادارة محلية
في العام ١٩٧٧ فاز الحزب الشيوعي الماركسي ومعه حلفاؤه في «الجبهة اليسارية» في الانتخابات النيابية في بنغال الغربية ودخلوا حكومة الولاية. وفاز اليسار بثمانية انتخابات متتالية في بنغال الى حين خسارته الحكم في العام ٢٠١١. من ضمن الحدود الدستورية التي يفرضها النظام الفيدرالي على حكومة ولاية، واخذاً بالاعتبار الانقطاعات والتشوهات المحيقة باي حكومة يمارسها بشر، أمكن «الجبهة اليسارية» ان تحقق عددا من الانجازات الهامة: اصلاحات زراعية (توزيع اراض) أفادت ثلاثة ملايين فلاح ومليون ونصف من المرابعين؛ حكم ذاتي محلي لا مركزي وديمقراطي ادخل الفلاحين الى الادارة المحلية والتنمية المناطقية؛ وادارة علمانية مستقرّة حققت الانسجام والسلم بين الجماعات. ونظرا للهجوم الحاد على العمال الزراعيين وتصاعد العنف بين الجماعات على امتداد البلد، ليست هذه بالانجازات التي يمكن الاستهانة بها.
ولكن مثلها مثل اي حزب سياسي يتبع بانتظام خط الجماهير ويخوض نضالاتها داخل المؤسسات البرجوازية الديمقراطية، تراوح سلوك «الجبهة اليسارية» بين النزعة نحو الاصلاحية وبين استخدام الاصلاحات بما هي «ادوات نضال». في العام ١٩٧٩، اي بعد سنتين من تدشين تجربة «الجبهة اليسارية» في بنغال الغربية، نشر پيري اندرسن تقريره الهام بعنوان «اعتبارات عن الماركسية الغربية.» ازاء صدمة الضمور الذي يعتري الحركات الشيوعية والاشتراكية والتروتسكية في اوروبا، اعلن اندرسن «ان العلاقة الفارقة المخفية للماركسية الغربية بمجملها هي انها سياسات مهزومة». فالتنظيمات اليسارية المهزولة تقود المثقفين المراكسيين الغربيين الى وضع لم يعيدوا «يشعرون فيه بأنهم بين اهلهم وسط الجماهير». فضوى الاهتمام بالسياسة الثورية والاقتصاد السياسي والتحريات الاجتماعية الثقافية وانقذفت الماركسية الغربية لولبيا نحو الفلسفة.
ان التشاؤمية التحليلية لپيري اندرسن نابعة من اقتراح لينيني بسيط هو ان «النظرية الثورية الصحيحة تكتسب شكلها النهائي فقط في علاقة وثيقة بالنشاط العملي لحركة ثورية جماهيرية حقا وثورية حقا». ففي غياب هذه الاخيرة، تصاب الحركات بالهزال. فتنكفيء على ذاتها وتسعى الى اعادة بناء نفسها بما هي تيار فلسفي.
نصب للحزب الشيوعي الهندي الماركسي، كيرالا
تبني متأخر لقضايا النساء والمنبوذين
لم يسعف الهند ان يكون لها مثل هذا الحظ. تفتحت الحركة الشيوعية فيها واستشعرب حماوة الانتقادات الاجتماعية المختلفة التي حفزتها نحو التوسع بدل الانكماش. ذلك ان النضالات النسائية وظهور «الداليت» (وهم الاصناف المغلقة caste الذين كانوا يسمون «المنبوذون» سابقا) ومعهم الحركة المعادية للنبذ في السبعينات، دفعت الشيوعيين الى الخوض مباشرة في اسئلة الاضهطاد الاجتماعي. وقد امتنعوا سابقا عن تبني البرنامج الاجتماعي للاقليات اللغوية او المنتمية الى الاصناف المغلقة المنبوذة ولا حتى تبنوا اطار النضال ضد التمييز النسوي والاجتماعي. ويجب وضع هذا الفشل في اطاره. انبثق الحزب الشيوعي في البنغال من البوتقة الطائفية، اي من «الحرب الاهلية» الضروس بين الهندوسيين والمسلمين في الاربعينات من القرن الماضي، فكان ينفر من اي تنظيم اجتماعي مؤسس على الهوية الاجتماعية السلالية، وهو موقف سمح للحزب بأن يتخذ موقفا مبدئيا قويا ضد صعود الفاشية الهندوسية. اما النسب الآخر لهذا الاغفال فهو نسق من الماركسية يغلّب الهوية الطبقية على الهويات الاخرى. ولكن لا هذا ولا ذاك هو السبب الوحيد. انه الخوف من الانقسام الاهلي الذي يدفع الى العمى عن الهويات الجمعية. ولكن هذا ليس يعني ان الحزب الشيوعي الهندي والحزب الشيوعي الماركسي تفاديا كليا هويات الاصناف المنبوذة او الهويات الدينية. كانت الاصلاحات الزراعية مصممة بحيث توفر العدالة الاجتماعية للريف، ولكن بما هي - العدالة الاجتماعية - نتاج فعل سياسي له محرّك طبقي.
تحقق فهم اشمل لاهمية أطر الهوية النسوية والاجتماعية من الثمانينات الى الوقت الحاضر. في مقال حديث، يلاحظ براكاش كارات، الامين العام للحزب الشيوعي الماركسي:
«توجد في مجتمعاتنا شرائح وجماعات ليس تعاني فقط من الاستغلال الطبقي وانما ايضا من اشكال مختلفة من القمع الاجتماعي. ان الطبقات المالكة تستحوذ على الفائض من خلال الاستغلال الرأسمالي وشبه الاقطاعي فيما هي تستخدم الاشكال المختلفة للقمع الاجتماعي من اجل الحفاظ على هيمنتها. لهذا السبب، من الضروري ان نخوض النضال ضد القمع الاجتماعي جنبا الى جنب مع خوض الصراع الطبقي. ان النبذ الممارس ضد «الداليت» يتشابك مع الاستغلال الوحشي الذي يتعرّضون له بما هم عمال زراعيون وممارسون لانواع اخرى من العمل المقيّد، والاستغلال الوحشي للقبائل («اديفاسيس») يصاحبه تدمير بيئتهم السكنية وثقافتهم؛ ثم ان القيم الاقطاعية والابوية تؤبّد التمييز والقمع الاجتماعيين لعمل النساء. ولقد اخذ الحزب المبادرة القيادية في السنوات الاخيرة للنضال ضد النبذ ومختلف اشكال القمع الاخرى التي يعاني منها «الداليت» في ولايتي «اندرا براديش » و«هايرانا»، ودعا الى مقاومة الاملاءات الاقطاعية المفروضة على النساء كما دافع عن حقوق الاقليات في ولايتي «كارناتاكا» و«اوديشا».»
ولقد كان على الماركسية، وعلى الحركة الشيوعية، إما التعاطي مع تلك الوقائع الاجتماعية الجديدة وإما الاخلال في المسؤولية تجاه الحركات الاجتماعية الجارية.
خارج الساحة البرلمانية، بنى الحزب الشيوعي الماركسي تنظيمات حليفة (نقابات عمالية، منظمات طلابية ونسائية، وهيئات لمحو الامّية وغيرها) وعمل على تكثيف المؤسسات الموازية بغرض جعل الديمقراطية أرحب تمثيلا من الناحية الاجتماعية عن طريق أجهزة الحكم الذاتي («البانشايات»). وقد فتح الدستور الهندي المجال امام الديمقراطية المباشرة بما هي من بقايا تراث المهاتما غاندي وحركة التحرر الوطني. وما من حزب آخر اخذ نظام «البانشايات» على محمل الجد. وحده اليسار في بنغال الغربية كما في كيرالا استخدم هذا النظام بما هو وسيلة لخلق حالة من إزدواجية السلطة. في العام ١٩٧٨، اصدر الحزب الشيوعي الماركسي، وقد كان حديث العهد في الحكم، منشورا عن «البانشيات» يشرح هذا المنطق.
«فقط عندما يبلغ سكان القرى الوعي السياسي، يمكنه الاضطلاع بالمهمات الهامة المحالة على «البانشيات». في الديمقراطية البرلمانية البرجوازية، لا يملك عامة الناس دورا سياسيا مستداما في التنمية الريفية. وعندما يدرك عامة القرويين هذا الدور، سوف يكسبون الثقة بالنفس، ويبادرون جمعيا من اجل العمل على تغيير حياة فقراء الريف وطبقته الوسطى. وحتى في حدود القوة المحدودة التي نملك، نستطيع ان نحقق بعض الانجازات في القرى وإيقاظ وعي جماعي بين سكان الارياف. ان الوعي والتفكير الجمعيين سوف يعيدان ايقاد شعلة الحياة لدى فقراء الريف. »
في التسعينات من القرن الماضي، عمّقت حكومة اليسار في كيرالا الحكم الذاتي المحلي من خلال «الحملة الشعبية للتخطيط اللامركزي». ولاحظ ت. م. طوماس ايزاك، وهو احد مشرّعي الحزب الشيوعي الماركسي ان «اللامركزية الديمقراطية في مجال التخطيط تفترض ان الناس يمكن اشراكهم ليس فقط في المطالبة وانما في اتخاذ القرارات حول كيفية تحسين حياتهم وجماعاتهم. لقد ارتبطت الديمقراطية في كيرالا الى الآن باعادة التوزيع، الا ان كيرالا تسعى الآن الى ربط اعادة التوزيع بزيادة الانتاج». والفكرة هنا هي الانتقال من توزيع العائدات الضريبية الى تنظيم الحياة الاجتماعية والاقتصادية من خلال عملية التخطيط. «ان تجهيز خطط التنمية المحلية اكثر تعقيدا بكثير من تعليم الالفباء. الامر يتعلق بثلث ميزانية الولاية» يقول طوماس آيزاك. في الدولة البرجوازية-الاقطاعية الموظف التنقراطي هو الذي يتولى عادة عملية انتاج الخطة والنتيجة «ان ممارسات ادارة البيانات والمؤسسات في البلد تنمو بطريقة تلائم متطلبات انظمة ادارية وتخطيطية عالية المركزية.» ابتكرت «الحملة الشعبية للتخطيط اللامركزي» وسائل جديدة مثل استخدام الخرائط بدلا من الجداول ووسائط اخرى لاستدعاء خبرات الناس وتنميتها، وكان انتاج الخطط جزءا من الحملة لاستدعاء تلك الخبرات والقدرات الشعبية.
كانت «الحملة الشعبية للتخطيط اللامركزي» عملية استثنائية، الا ان اثارها تعرضت للتعطيل جراء المشكلات التي واجهها اليسار في العقد المنصرم. ذلك ان النمو السريع للاقتصاد الهندي على الاسس النيوليبرالية خلق مشكلة مزدوجة: الهجوم الكبير على حياة وموارد رزق القطاع الريفي دفع الفلاحين الى اعتماد سياسة بقاء على قيد الحياة بدلا من سياسة تغيير اجتماعي. هذا من جهة. اما من جهة ثانية، فإن الثقافة النيوليبرالية الاستهلاكية البرّاقة جذبت قطاعا من سكان المدن نحو اغراء السلع الاستهلاكية. وقد اعطت الاحزاب السياسية البرجوازية في الهند («حزب المؤتمر» و«الحزب الشعب الهندي»، وهو الحزب القومي الهندوسي اليميني) الاولوية في سياساتها للتحالف الاستراتيجي الوثيق مع الولايات المتحدة، ما عنى انهما قررا قصم ظهر اليسار. وقد اعيق عمل اليسار ايضا بسبب عجزه عن صد الهجمات الشرسة ضده وضد الاشتراكية وبسبب عدم رغبته النضال ضد الحكومة التي يقودها حزب المؤتمر على صفقتها النووية مع الولايات المتحدة (بما في ذلك تصويتها ضد ايران في «الوكالة الدولية للطاقة الذرية») وعدم قدرته جذب الطبقات المتضررة لمواجهة «الاصلاحات» النيوليبرالية.
الى هذه المشكلة، تضاف المشكلات الناجمة عن تجربة طويلة في ممارسة الحكم القاسي في بنغال الغربية وكيرالا، واخطاء خطيرة في الادارة ورسم السياسات. وإذ حُرمت حكومات «الجبهة اليسارية » من الموارد المالية المناسبة منذ التسعينات من القرن الماضي، فشلت في تعزيز القطاعات المعنية بتوزيع المواد الغذائية، والصحة، وكهربة الريف. وبسبب غياب الاحتياطات اللازمة لتقديم تلك الخدمات، لم تتمكن الحكومات اليسارية من معالجة المشكالت التي تعاني منها عامة الناس. ولما كانت المنظمات الجماهيرية والحزب في المنطقتين المعنيتين غير راغبة او غير قادرة عن خوض نضالات مستقلة ضد الحكومة حول تلك المقضايا، ما جلب الماء الى طاحونة السياسات النيوليبرالية. وما من شكك في ان وباء البيرقراطية اصاب بالعجرفة العديد من الاعضاء الحزبيين ما يفسّر نمط ردود الفعل الادارية تجاه سياسة التصنيع في سنغور ونانديغرام خلال عامي ٢٠٠٦و٢٠٠٧. في تلك المواجهات، التي تضمنت اطلاق الشرطة النار على الفلاحين المتظاهرين ما ادى الى سقوط ١٤ قتيل، ادت على ابتعاد حكومة الجبهة اليسارية عن الشعب. وإذا الهجمات على اليسار ذاته (بما فيها الاغتيالات بحق كوادره ) التي ارتكبها النكزاليون-الماويون فاقمت من الضعف السياسي للحركة الشيوعية. وهذا ما يفسّر الهزائم الانتخابية الكبيرة في العام ٢٠١١ (مع انه لا يزال يكسب الانتخابات في ولاية تريبورا في الشمال الشرقي للهند).
خارج قلاعها في بنغال الغربية وكيرالا وتريبورا، كانت الحركة الشيوعية نشطة في نضالات متنوعة، من تلك التي تؤثر في معيشة الناس الى تلك المتعلقة بكرامتهم ذاتها. فقد نمت المنظمات الجماهيرة للاحزاب على نحو ملحوظ، خصوصا في «الرابطة الديمقراطية لنساء الهند». وعلى الرغم من عمليات التضييق والقمع على الطبقة العاملة المنظمة، كانت النقابات تنظم هجماتها المعاكسة عن طريق عدة اضرابات شاملة للبلد والعديد العديد من التظاهرات. ومع ذلك، تواجه الحركة تحديات كبيرة قدر ما تبرز فرص جديدة للنضال. وكما يشرح براكاش كارات:
«في مسألة تنمية النضالاتوالحركات، من الضروري ان ندرس على نحو عياني اثر السياسات النيوليبرالية على طبقات الشعب وشرائحه المختلفة الاكثر تضررا من النظام النيوليبرالي. تشكل القطاعات غير المنظّمة من الطبقة العاملة القطاعات الاكثر تعرّضا للاستغلال ولا بد من ايلاء الاهتمام الجدي لنضالاتها من اجل وظائف مستقرة الانتفاع من الضمان الاجتماعي. في القطاع الزراعي، ضربت الازمة الاقتصادية على نحو عنيف فقراء الفلاحين والعمال الزراعيين واليد العاملة في الريف عموما. ان ملاك الاراضي واثرياء الريف يلقون باثقال الازمة على الفئات الافقر من السكان. ويتعرّض المرابعون للاستغلال الشديد. الى هذا يجب خوض النضال من اجل الارض والقضايا الاخرى المتعلقة بالاستغلال. وان النضال ضد السياسات النيوليبرالية لن يتقدم الا اذا تبنينا المطالبة المحلية المختلفة للناس وخضنا النضالات المنتظمة على هذا الاساس. ان السياسيات النيوليبرالية تمس كافة قضايا المعيشة والارض والضمان في العمل والاجور العادلة والتعليم والخدمات الاساسية. يجب تبنيها جميعا لخوض النضالات المحلية المستدامة من اجلها. ان نمو نفوذ الحزب وقواعده في اوساط الشعب الكادح سوف يعتمد على مدى النجاح في خوض تلك النضالات المستدامة وتعزيزها. على الحزب ان يولي اهمية خاصة للعمل في الاوساط المدينية، خصوصا بين افقر السكان في مدن الصفيح. ان النمو المتسارع للهجرة الريفية ونقصان تسهيلات السكن والتسهيلات الاساسية للجمهور الواسع من الشعب الكادح تحتاج العناية الملحة. ذلك ان تلوّث البيئة وتدهورها تمس حياة الناس مباشرة وهذا وتلك عادة ما ينجم عن الشراكة الفاسدة بين الرأسمالييين والبيرقراطيين. فعلى الحزب ان يتبنى القضايا البيئية ويحمي حقوق الشعب.»
ان الشيوعية الهندية مشروع غير مكتمل. هو سلس ومتحرّك في آن. لكنه منقسم والانشقاقات في صفوفه حادة تصل الى حدود العنف. التحديات ضخمة قدر ما هي المكاسب.
إضافة تعليق جديد
تهمّنا آراؤكم ونريدها أن تُغني موقعنا، لكن نطلب من القراء أن لا يتضمن التعليق قدحاً أو ذمّاً أو تشهيراً أو تجريحاً أو شتائم، وأن لا يحتوي على أية إشارات عنصرية أو طائفية أو مذهبية.