يوجد نوعان من رأس المال يسيطران على المشهد المصري اليوم: ما تملكه المؤسسة العسكرية وما يملكه الإخوان المسلمون. فيما المشروعات المربحة للجيش قادمة من موروث التحديث الذي منح القياد للدولة لتقيم الإنتاج الكبير، خرجت علينا مشروعات الإخوان من رحم النموذج النيوليبرالي الذي يمنح القياد لرجال الأعمال ليتربحوا من الاستهلاك الكبير. النموذجان الحداثي والنيوليبرالي ــ على المستوى النظري على الأقل ــ يهدفان في نهاية الأمر لرفاهة الطبقات الوسطى والدنيا في الدول القومية، لكن رأسمالية العسكر والإخوان لا تلوي على هذا المأرب وهي أبعد ما تكون عنه.
في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، انتشرت النظريات الحداثية التي تبنتها النظم ما بعد الكولونيالية في دول العالم الثالث بوجه عام، والنظم العسكرية العربية بوجه خاص، حول الجيوش كحاملي مشعل التنمية والتقدم في دولهم. ومع وجود الاتحاد السوفياتي بنموذجه الاشتراكي الذي تدير فيه الدولة ومؤسساتها الاقتصاد، وحيث كانت التكتلات الصناعية للجيش السوفياتي أحد معاقل التطور التكنولوجي والانتاج في الدولة، كان من السهل على النظم العسكرية العربية الحليفة للقطب الروسي أن تتبنى النموذج نفسه. بالرغم من أن عبد الناصر منشئ النظام العسكري الاشتراكي في مصر قد مات وماتت تجربته معه، إلا أن الجيش لا يزال يتمتع بتركة كبرى ورثها من حقبة الستينيات، تجعله مالكاً لمنشآت صناعية وزارعية وتجارية ضخمة، وهو لا يزال يُروّج لنفسه بخطاب الحداثة القديم على أنه يسهم في التنمية الوطنية.
في العقدين الأخيرين، انتقل الاقتصاد العالمي لتبني النظرية النيوليبرالية المطلقة، التي تنادي بانسحاب الدولة من إدارة الاقتصاد ومنح حريات أكثر لرجال الأعمال، خاصة بعد أن سقط النموذج الاشتراكي وبقيت الولايات المتحدة ــ التي ابتدعت النيوليبرالية في السبعينيات والثمانينيات مع صديقتها بريطانيا العظمى ــ كإمبراطورية وحيدة مهيمنة على الكون بما فيه من عرب وعجم. تخبرنا النظرية النيوليبرالية ــ أو نظرية اقتصاد السوق ــ أنه يجب ترك الحرية لأصحاب رأس المال ليتوسعوا ويزدادوا ثراءً، لأنهم هم من يقومون بخلق الوظائف لغيرهم من الطبقات الأدنى، ولا ينبغي أن نقلق ففي النهاية سوف تتساقط الثروة من أعلى على رؤوس تلك الطبقات. الهَمّ الأول للرأسمالية الأميركية هو شحذ الطبقات الوسطى والدنيا للاستهلاك المُرفّه، حتى وإن تجاوز احتياجاتهم ومدخولاتهم، لأجل تعظيم ثروة رجال الأعمال، الذين توقفوا عن الإنتاج واخذوا يستأجرون الورش والعمالة الرخيصة في آسيا والدول الفقيرة ليؤدوا تلك المهمة عنهم. لسبب ما، يحب الإخوان المسلمين تلك النظرية ويطبقونها الآن في مصر بعد وصولهم للحكم فيها، خاصة فيما يتعلق بتعظيم سلطة رجال الأعمال وتشجيع الاستهلاك المُرفّه، ولكنهم يمنحون النيوليبرالية نكهة قروسطية مميزة، بخلطها بمفاهيم الدولة الإسلامية الكلاسيكية.
المؤسسة العسكرية في ظل قوانين الربح والسوق
ستقوم هذه المقالة بتفكيك خطاب وواقع حال الرأسمالية الحداثية للمؤسسة العسكرية، والرأسمالية المتأمركة للإخوان المسلمين، وعلاقة كل منهما بالطبقات الفقيرة والوسطى في مصر، تلك الطبقات التي قامت بثورة اختطفها الطرفان المذكوران أعلاه ولم يحصلوا علي شئ منها بعد.
في العام الأول بعد الثورة، تَكَشف للشعب المصري البائس أن المؤسسة العسكرية التي قفزت لحُكمه بعد سقوط نظام مبارك تمتلك مصالح اقتصادية هائلة، لا تجعلها بأية حال طرفاً محايداً في الصراع على السلطة كما كانت تَدعي. يدير الجيش عددا كبيرا من المصانع والشركات والمزارع والفنادق ومحطات الوقود والمتاجر والمخابز، وغيرها، ويتمتع بامتيازات خاصة في إدارتها من مثل إعفائه من الضرائب والجمارك، واستخدام بنايات الدولة مجاناً، وشراء الحكومة لمنتجاته، وليس من حق البرلمان أو أية جهة حكومية مراقبة ميزانية تلك المشروعات، فتظل مكاسبها سرية لا يَطلع عليها أحد ولا يعرف أحد فيما يتم إنفاقها. وعندما ضَّيق نشطاء الثورة الخناق على الجيش داعين إياه للكشف عن حجم ما يملك وبأي حق يملكه دون باقي مؤسسات الدولة، ساق قادة القوات المسلحة للتبرير خطاباً تقليدياً مُكرراً عن أن تلك المشروعات مُقامة لأجل الاكتفاء الذاتي الجيش، ولأجل ضبط الأسعار ومنع الاحتكارات المسيئة للاقتصاد، وللإسهام في عجلة التنمية بالوطن.
ان الخطاب الذي يتحدث عن إسهام الجيش في التنمية خطاب قديم قدم الدولة الناصرية. لكنه ارتدى ثوباً جديداً في عهد مبارك. فقد انفرد قادة الجيش المصري في إدارة الاقتصاد بشكل سلطوي في الستينيات، ثم حدثت نكسة ١٩٦٧ وما تلاهما من فقدان الأرض، فتراجع الجيش لثكناته للتركيز على مهامه القتالية التي كان قد تخلي عنها فجلب الهزيمة. ثم حقق الجيش انتصاره في السبعينيات، ووقعت دولة السادات اتفاقية سلام، ولم يعد لدى قادة العسكر ما ينشغلون به بعد أن القوا بسلاحهم. فكان أن انخرط الجيش في إنشاء مشروعات مدنية، وقال إنه من خلال الإنتاج المدني يحقق الاكتفاء الذاتي لنفسه حتى لا يثقل كاهل ميزانية الدولة بنفقاته الكثيرة، وأنه أيضاً يسهم في الاقتصاد الوطني بطرح سلع جيدة بأسعار معقولة للطبقات الوسطى والدنيا، ويساعد على ضبط الأسعار. وكان هذا هو الحال طوال الثمانينيات، أو العشر سنوات الأولى من حكم مبارك.
ولكن في العشرين سنة التالية تبدل الواقع، ولم يتبدل الخطاب. حوّل مبارك مصر لاقتصاد سوق، متخلياً عن أية بقايا قائمة من اشتراكية زالت، ومُطلقاً يد رجال الأعمال في إدارة موارد الدولة. وجدت المؤسسة العسكرية نفسها في بيئة كل من حولها يتكسب عبر الأسواق المفتوحة والتعاون مع رأس المال العالمي، فقرر قادة القوات المسلحة أن يأخذوا نصيبهم، وتحولت المؤسسة العسكرية في مجملها من آلة للدفاع والأمن إلى مشروع كبير هادف للربح. في حين ظلت القوات المسلحة في كل بيان رسمي لها تُصر على أن مشروعاتها المتسعة كانت لا تزال تهدف للاكتفاء الذاتي والإسهام في الاقتصاد الوطني، كان الواقع يخبرنا أنها في كثير تشتغل كجهة رأسمالية منافسة لرجال أعمال التابعين لمبارك الأب والابن، وتهدف لتراكم أرباحها مثلهم.
على سبيل المثال، دخل الجيش في السنوات القليلة الماضية في صناعات استراتيجية ثقيلة، حاول أن ينافس في سوقها بعض من ديناصورات البيزنس في مصر، من مثل صناعة الحديد والصلب والأسمنت والكيماويات. فتحت المؤسسة العسكرية مصنعاً هائلاً للحديد والصلب في أبو زعبل عام ٢٠٠٥. في أكتوبر ٢٠١١، اي بعد الثورة، افتتحت مجمعاً لإنتاج الكيماويات بالفيّوم، وفيه ثلاثة مصانع أحدها لإنتاج الأسمدة. ثم في أبريل الماضي، افتتحت مصنعاً ضخماً للأسمنت في العريش. وتظهر قوائم الأسعار منتجات تلك المؤسسات انها مساوية لأسعار المصانع الأخرى من قطاع خاص وعام، بالرغم من أن منتجات الجيش تمتاز عليها بأن الدولة تعفيها من الضرائب والجمارك ومن أجر المرافق ومن رسوم الخدمات من مياه وكهرباء، الخ، أي أن رأسمالية المؤسسة العسكرية ذات الوضعية المميزة تحقق أرباحاً أعلى من ارباح الرأسمالية الخاصة.
تسخير المجنّدين كعمالة مجانية
أما عن علاقات رأسمالية العسكر بالطبقات الدنيا والوسطى، فهي قائمة على الاستغلال والقمع المُطلقين. أحد أهم أسباب تحقيق المؤسسة العسكرية مكاسب كبرى مقارنة برأس المال الخاص هو تسخيرها للمجندين كعمالة مجانية. باستخدام خطابات تقليدية حول الواجب الوطني المقدس الذي دونه الخيانة العظمى، يقوم نظام التجنيد في مصر على الإجبار، حيث لا بد لكل شاب تخرج حديثاً من الجامعة أو من مدرسة تعليم متوسط من أن يُسلّم نفسه للوحدات العسكرية، ليقوم بالخدمة فيها لفترة ما بين سنة وثلاث سنوات بحسب مؤهله الدراسي وحاجة الجيش اليه. وطوال تلك الفترة لا يتلقى المجندون أية تدريبات جادة متعلقة بالقتال أو الدفاع، وإنما يتم تشغيلهم كعمال مسخّرين بدون أجر في مشروعات القوات المسلحة. يتسبب ذلك في حنق قطاع عريض من الفئات الاجتماعية على المؤسسة العسكرية، التي تضيّع أعواما من عمر أبنائهم هدراً، حتى انها لا تقدم لهم أية مساعدة في الحصول على عمل بعد انتهاء خدمتهم في الجيش ــ كما يحدث في الجيش الإسرائيلي على سبيل المثال. ولكن لا مفر من التجنبد الإجباري، والتهرب منه موضع إدانه قانونية ووصمة عار اجتماعية، ويُفضي قطعاً إلى السجن.
رأسمالية الاخوان المسلمين الريعية
في مقابل الأنشطة المتشعبة لرأسمالية الجيش ذات الخبرات المتراكمة عبر عقود، تنحصر رأسمالية الإخوان المسلمين في الأنشطة التجارية الريعية غير المنتجة، أي في بيع السلع الاستهلاكية المستوردة. وتتمثل مشروعات الإخوان الكبرى في سلاسل متاجر بيع الأغذية ومساحيق الغسيل والمنظفات، الخ.، وأغلبها ماركات مستوردة. ويمتلك الاخوان سلسلة متاجر لبيع الأثاث التركي المستورد في أفخم «المولات» المنشأة على النمط الأميركي في أحياء القاهرة الراقية، ومثلها سلسلة متاجر للملابس التركية باهظة الأثمان. وفي سلسلة محال «التوحيد والنور» الشاسعة المنتشرة في كل حي من أحياء القاهرة ويقصدها القاصي والداني من مختلف الطبقات، يبيع رجال أعمال الإخوان كل شئ صيني رخيص بداية من جلباب الصلاة وسجادتها حتى المفروشات والأثاث. ومنهم من يمتلك محالا للأطعمة السريعة على النمط الأميركي ولها أفرع في دول الخليج. ومنهم من يمتلك معامل لإنتاج اللبن والزبادي. والعمالة التي يشغلونها في تلك المحال غير ماهرة، يجري تدريبها السريع على صف المنتجات فوق الرفوف ومحاسبة الزبائن باستخدام تكنولوجيا أميركية الصنع.
لا يمتلك الإخوان المسلمون أية مشروعات صناعية إنتاجية، وليس لهم أي خبرة تذُكر بإدارة ورش إنتاج والتعامل مع العمال المهرة. قبل قيام الثورة، تحجج رجال أعمال الإخوان المسلمين باضطهاد النظام السابق لهم، وأنه فرض عليهم عدم الدخول في الأنشطة الصناعية، وحدد لهم سقفاً للأرباح التي يحققونها. وكلما تجاوزوا هذا السقف تمت مصادرة ممتلكاتهم وألقي بهم في غياهب السجون العسكرية. وبعد الثورة، من المفترض أن كل تلك القيود القديمة قد زالت، والباب مفتوح أمام رأسماليي الإخوان للاستثمار في أي نشاط اقتصادي يرغبون فيه، ولكن لأنهم لا يمتلكون أية خبرة أو كفاءة خارج إطار تجارة السلع الاستهلاكية المستوردة، قام خيرت الشاطر ــ العقل الاقتصادي المفكر للجماعة ونائب المرشد ــ بافتتاح سلسلة جديدة من محال للبقالة في منطقة برجوازية بالقاهرة، وأطلق عليها اسم «زاد»، لأجل المزيد من استهلاك الطبقة العليا والوسطى الكبير للماركات الأجنبية من الأطعمة ومساحيق الغسيل.
وفيما واقع حال رأسمالية الإخوان متواضع يقف عند مستوى بيع ما ينتجه الآخرون وجني ما يفيء به الله عليهم من ربحِ حلال من ذلك، فخطاب الجماعة الرسمي في برامجها الانتخابية طموح يتجاوز حدود إمكاناتها وخبراتها. طرح الرئيس الحالي محمد مرسي في حملته الانتخابية قبل فوزه على الشعب ما أطلق عليه «مشروع النهضة»، والذي امتلأ بخطط موسعة عن برامج للصناعات الكبيرة والمتوسطة، ولكن بعد أن فاز مرسي، وقف هو وجماعته عاجزين عن تنفيذ «مشروع النهضة» هذا، لافتقادهم للخبرة اللازمة في ما يتعلق بشؤون الانتاج. ولذلك اضطر رجال أعمال الإخوان المسلمين للاستعانة برأسماليي نظام مبارك ليحملوا عنهم الأمر، فيما يستمرون هم في البيع المربح لما لا ينتجون. في مارس الماضي، أسس حسن مالك ــ أكبر الرأسماليين نفوذاً في الجماعة بعد خيرت الشاطر ــ جمعية «إبدأ» لرجال الأعمال، وهي نسخة من جمعية سابقة كان قد أسسها جمال مبارك لتضم دائرته المقربة من أصحاب الأعمال. ضم الإخوان إلى جمعيتهم رأسماليي النظام السابق ممن يشتغلون بالصناعة وهم على دراية بأمور الإنتاج.
تبنى الإخوان بعد صعودهم للحكم النموذج النيوليبرالي الأميركي، الذي يقلل من دور الدولة ويمنح حرية ومساحة واسعة لرجال الأعمال لإدارة الاقتصاد القومي. ولذلك يعقد مرسي لقاءات دورية مع لجنة شكّلها حسن مالك من رجال أعمال «الجماعة» ونظام مبارك البائد، في حين لا تتمتع نقابات العمال أو الفلاحين أو غيرهم بتلك الميزة من تواصل مباشر واجتماعات مغلقة مع رئيس الجمهورية. وأحد أهم المهام التي يطلع بها رئيس الجمهورية الآن هو جلب الاستثمارات الأجنبية لإفادة دائرته من رجال الأعمال، فكل سفرة يسافرها مرسي خارج مصر يأخذ معه على طائرته مجموعة منتقاة من الرأسماليين من إخوانه وحلفائهم، يقومون بلقاء نظرائهم الرأسماليين في دول مثل الصين وتركيا، بالإضافة إلى العلاقات الطيبة القائمة بين رأسماليي الإخوان وقطر بأميرها ومستثمريها على وجه السواء.
على خطى الدولة المملوكية
لكن من المثير للعجب أن الإخوان يسبغون على النيوليبرالية الأميركية نكهة قروسطية غير موائمة، من خلال وضع كلمة «إسلامي» في وصف كل نشاط اقتصادي يقومون به، وأيضاً في شكل علاقتهم بالطبقات الدنيا والوسطى، والمُستقى من نموذج دول إسلامية كلاسيكية. قامت الدولة الإسلامية ما قبل الحديثة على أن النخبة الحاكمة تجمع الضرائب من الرعية، وتمارس هي والأعيان احتكارات زراعية وتجارية وصناعية، ثم تقدم الخدمات الضرورية للرعية في صورة أوقاف أو صدقات جارية. أقرب نموذج يحتذي به الإخوان هنا هو الدولة المملوكية التي حَكمت مصر والشام والحجاز ما بين القرنين الثالث عشر والسادس عشر، حيث احتكرت نخبتها العسكرية الرأسمالية قطاعات معينة من تجارة الهند وزراعة قصب السكر وتصنيعه على سبيل المثال، وجمعت الضرائب، ثم قامت النخبة والأعيان الرأسماليون المرتبطون بها من تجار وأصحاب أراض وغيرهم بإنشاء البيمارستانات والمدارس والكتاتيب والأربطة والخوانق عن طريق وقف ريع بعض مما يملكون كصدقات جارية. بعكس الدولة الحديثة التي يحصل «المواطن» فيها على الخدمات العامة كحق، حصل «الرعية» على الخدمات في الماضي كعمل خير جادت به طيبة قلب السلاطين والأكابر من الخاصة، ويفضل الإخوان المسلمين الخيار الثاني.
قبل الصعود لسدة الحكم، كان رأسماليو الإخوان المسلمين ينفقون الكثير من مكاسبهم السرية على إنشاء المستشفيات الخيرية والمدارس الإسلامية والأعطية العينية للفقراء في المناسبات الدينية، وكان هذا بهدف استقطاب قاعدة شعبية من الطبقات الدنيا والوسطى لمؤازرتهم في مواسم الانتخابات البرلمانية والنقابية. كان بحق تكتيكاً ناجحاً، جلب لهم الكثير من أصوات الناخبين قبل الثورة وبعدها حتى أقعد مرسي على كرسي الرئاسة. ولكن الآن الأمر يختلف، الإخوان أصبحوا هم ورثة ومديرو دولة حديثة، تعتمد على جمع الضرائب من مواطنين لتقدم لهم في المقابل الخدمات الصحية والتعليمية وتنظف الطرقات في المدن وتوفر لهم وقود مطاهيهم وسياراتهم وخبزهم. لم يدرك الإخوان هذا بعد، وهم يعتقدون أنّ في إمكانهم إدارة الدولة بالأعمال الخيرية التي يضع رأسماليوهم أموالهم فيها. ما زال الإخوان يتحدثون عن تضافر الجهود التطوعية والخيرية لحل مشكلات جوهرية في المدن والقرى المصرية من مثل رفع القمامة وتوزيع أنابيب الغاز على المنازل وإنشاء المزيد من الوحدات الصحية الخيرية في الأحياء الفقيرة والريف.
وختاماً، ما لا يدركه رأس المال العسكري المتلبس ثوب الحداثة والإخواني المحب للنيوليبرالية أن الثورة إنما قامت ضد رأسمالية مبارك القمعية المستغلة للفقراء. الثورة صنعتها احتجاجات العمال وقتال الزاحفين من الريف وأحياء القاهرة المهمشة لميدان التحرير لإسقاط ابن مبارك رجل الأعمال وزمرته، الذين خلقوا هوة شاسعة بين بضعة أفراد ممن يملكون والملايين ممن يعانون ولم تتساقط عليهم الثروة من أعلى كما وعدتهم النيوليبرالية. ما لا يدركه الطرفان أنه كما أتت ثورة الطبقات الدنيا على مبارك، سوف تأتي على كل من يخلفه ويستغلهم مرة أخرى، مردداً خطابات عظيمة عن جنرالات جيش ورجال أعمال أثرياء لكنهم خيّرون كرماء.
إضافة تعليق جديد
تهمّنا آراؤكم ونريدها أن تُغني موقعنا، لكن نطلب من القراء أن لا يتضمن التعليق قدحاً أو ذمّاً أو تشهيراً أو تجريحاً أو شتائم، وأن لا يحتوي على أية إشارات عنصرية أو طائفية أو مذهبية.