شفيق المعلوف (1905–1977) من أبرز شعراء المهجر الأميركيّ الجنوبي. وُلد في زحلة عام 1905 ودرس في الكليّة الشرقيّة. رافق والده المؤرّخ عيسى إسكندر المعلوف إلى دمشق خلال عمل الوالد في عضويّة «المجمع العلمي العربي». وفي دمشق باشر الفتى عمله الصّحافي إذ رأس تحرير جريدة «ألف باء» بين 1923 و1925، يوقّع مقالاته باسم «فتى غسان» و«أندلسي». غادر بعدها شفيق المعلوف إلى المهجر البرازيليّ حيث عمل في الصناعة. وفي البرازيل، أسهم في تأسيس «العصبة الأندلسيّة» عام 1933 رابطةً لأدباء وشعراء في المهجر الأميركيّ الجنوبيّ ضمّت الشاعر القرويّ رشيد سليم الخوري وميشال المعلوف ورشيد أيّوب وعقل الجرّ وغيرهم. ترأّسها وحرّر مجلّتها «العصبة».
لشفيق المعلوف عدّة دواوين شعر أشهرها ملحمة «عبقر» (1936 وأعيد طبعها في نسخةٍ موسّعةٍ عام 1949) و«لكلّ زهرة عبير» (1951) و«نداء المجاذيف» (1952) و«عيناكِ مهرجان» (1961) وغيرها.
قصيدة «على أسوار أورشليم» من بواكير شعر المعلوف. فيها الكثير من ضعف البواكير. ونثْبتها هنا لا لقيمتها الشعريّة، وإنّما لأنّها من أوائل الأعمال الأدبيّة في لبنان التي تدين الخطر الصهيونيّ على فلسطين. نظَمها الشاعر الشابّ إثر زيارةٍ للقدس في فصح العام 1926. ونشرها والده في مجلّته «الآثار» (السنة الخامسة، الجزء الرابع، نيسان/ أبريل 1928، ص 159 161).
تبدأ القصيدة بوقفةٍ على الأطلال. وبعد وصلةٍ من حوارٍ متخيَّلٍ مع السيّد المسيح يدور مدارَ نزوله بين البشر، تتناول القصيدة في المقطع الأخير مسألةَ الهجرة اليهوديّة إلى فلسطين يعلن فيها الشاعرُ احتجاجَه على تحكّم «الطّريد الشريد» بأمر سكان البلاد الأصليّين. وهو موقفٌ من الهجرة اليهوديّة الصهيونيّة سوف يشيع عربيًّا. وهو يلقى صداه مثلاً في قصيدة نزار قبّاني الشهيرة «قصّة راشيل شوارزنبرغ». ويختم الشاعر المعلوف يتوعّد الغزاة الظالمين بانتصار الحقّ ويهاجم وعد بلفور مفاخرًا باسم أمجاد الماضي العربي. وجديرٌ بالذكر أنّ العام 1925 شهد حدثين بارزين في فلسطين. الأوّل هو وصول «الموجة الرابعة من الهجرة» اليهوديّة وبلغ عددُها 34 ألف مهاجر جديد. والحدث الثاني هو زيارة آرثر بلفور إلى القدس لحضور افتتاح الجامعة العبريّة، فقامت تظاهرات عنيفة ضدّه في كلّ أنحاء فلسطين، ولمّا انتقل إلى دمشق استقبلتْه تظاهرات لا تقلّ عنفًا فأسرعت السلطات الانتدابيّة الفرنسيّة إلى نقله إلى بيروت ليعود منها إلى بلاده عن طريق البحر.
شاعر لبناني، من أبرز شعراء المهجر الأميركي الجنوبي (1905–1977)
على أسوار أورشليم
أكُبُّ على سورِها جاثيا وأستنبئ الطّللَ البالِيا
هياكل أنشدُها لا أرى لها في الثّرى أثرًا باقيا
طواها الفناءُ فلا مَعلَمٌ يُذكّركَ الهيكلَ الهاويا
صروحٌ أتى الفاتحونَ عليها وعاثوا بها غازيًا غازيا
وأرضٌ أرى فوقَها الغيمَ أحمرَ والفجرَ من خلفِها باديا
أمِن وهجِ الدّمِ فوق ثراها بدا الغيمُ في جوّها قانيا
فإنّي إذا دُستُها لتكادُ تلامس رجلي دمًا جاريا
• ••
أطوف بأورشليمَ وأرقى الرّوابي أو أهبط الواديا
أشاركُ عيسى بأوجاعِهِ وأحنو على قبره جاثيا
وأصعدُ رابيةَ العبَراتِ وأخلو بزيتونها باكيا
فيا ليَ من شبحٍ طائفٍ تَرى ظلَّهُ رائحًا غاديا
كأنّي نبيٌّ عَرَاهُ الذّهولُ فغادره رانيًا ساهيا...
• ••
وكانت بروقٌ وكانت رعودٌ فزلزلت الجبلَ الراسِيا
وصرْصَرَ بابُ السّماءِ فأقبلَ عيسى على غيمةٍ آتيا
على قدميه شذا المجدليّة ما زال مَنشقُه زاكيا
تشعُّ حواليه هالةُ نُورٍ تألّقُها يُبهرُ الرّائيا
هي السّامرةُ ألقت عليهِ لواحظَها الألقَ الزّاهيا...
• ••
جثوتُ على الطُّورِ والطرفُ ساجٍ وكلّمتُ في القمّة الفادِيا
فقلتُ علامَ التدنّي إلى الأرضِ وانتبذ الملأ العاليا
توخيتَ خلقَ الألوهةِ في النّاس والنّاسُ لن يدركوا ما هيا
ألم تُعجمِ العودَ قبلاً فكيفَ تليّن عودهمُ القاسيا
أما أتْخموا البُهمَ في دُورهم ولم يُشبِعوا الجائعَ الطّاويا
ولا أورَدوا ماءهم ظامِئًا فقيرًا، ولا أنعلوا حافيا
وكم من زناةٍ بثوب العفاف ترى أنّهم رجموا الزّانِيا
هو المرءُ أحقرُ من أن يثوب ويدرك مأربك الساميا
تمنّيته حَمَلاً طاهرا فكان ولمّا يزل ضاريا
عهدتَ إليه بغصن السلام فأصبح في كفّه داميا
وعاث بأعوادِ ذاك الصّليب فأضرمها شررًا حاميا
• ••
علوتُ بطَرْفي نحو الفضاء فألفيته خاليًا خاويا
ورحتُ أنادي الوفاقَ فلم أكُ أسمع إلا الصدى النائيا
تهاوَتْ سفينٌ بعُصبة صهيون فاندفعت تنشد الشاطيا
لعمرك لا يسلم القوم في اليمِّ ما غامروا موجه الطاميا
ولن يستقيموا على ثبجِ الموج والريحُ حطّمت الصاريا
فللحق ريحٌ عصوفٌ ستجتاحُ في غدٍ الظالمَ العاتيا
ألا من يبلِّغ بلفورَ أنّ لنا مجدنا الوارفَ الضافيا
وأنّ فخار العروبةِ ليسَ يُباعُ رخيصًا ولا غاليا
يقوم على قومنا مصلحٌ فيزعمه مفسدًا عاصيا
يحكّمَ فينا الطريدَ الشّريدَ وينصّبه آمرًا ناهيا
فيا لزمانٍ أمضَّ الكريمَ فصار الغريمُ به قاضيا
إضافة تعليق جديد
تهمّنا آراؤكم ونريدها أن تُغني موقعنا، لكن نطلب من القراء أن لا يتضمن التعليق قدحاً أو ذمّاً أو تشهيراً أو تجريحاً أو شتائم، وأن لا يحتوي على أية إشارات عنصرية أو طائفية أو مذهبية.