العدد ٢٨-٢٩ - ٢٠٢٠

بيروت ١٩٨٢

إتيل عدنان

آهٍ لوحشةِ القلبِ الرّقيقة

يومَ ماتت بيروت

تحتَ وابلٍ من الأزهار الحمراء.

قبلَ ذلك، غادرتنا أمّ كلثوم

كانت تغنّي للملائكة والأحصنة

ثم لحق فلسطينيّون

صامتون

بالموكب

كما في جداريّات

أسلافهم.

الوحوش الضاريـة ليســـــت في حدائق الحيـوان.

«بِ» يعني «بيغن»

الذي انضمّ إلى ميثولوجيا الشرّ

بثلاثةِ مليارات من الدولارات

لقتلِ طفل

لقتلِ غابةٍ من الرجال.

آنَ الأوان

لمنعِ الكلماتِ المُستعارة

من أن تغادر

حضيضَ

حُزننا.

وجوهنا متجعّدة

قدر أخاديد

«وادي الروم»

والعظام البشريّة

الملقاة في شوارعِ بيروت

تختلط ببرازِ الحيوان.

سَمّوا اطفالَكم

دير ياسين

قلقيلية

صبرا وشاتيلا

حتّى لا ننسى.

لمْ أعتقدْ مرّة

بأنَّ الثأر

سيكون شجرةً

تنمو في حديقتي.

الأشجارُ تنمو في كلّ اتّجاه

ومثلُها الفلسطينيون:

مقتلعين

وبلا أجنحة،

على عكس الفراشات،

مقيّدون بالأرض،

ومثقلون بحب

حدودِهم وبؤسِهم.

لا يُمكنُ لشعبٍ أن يعيشَ

إلى الأبد

خلفَ القضبان

أو تحتَ المطر.

زملاؤهم شعراء

روسيا وأميركا

وهنود غواتيمالا.

أيّتها البراكينُ المطفأة

أين جدرانك إن لم تكن محترقة؟

أين النار

التي تلتهمُ الجبال

بشراهة أكبر من شراهة

الطوفان؟

لن نبكي أبدًا بدموعٍ:

بالدّم نبكي.

عندما خَلقنا

ملاكَ الصحراء السورية

ظهرَ مرتديًا

الريح، هناك

حيث لم تبقَ أوراق

على أجمات

الجزيرة العربية المتيبّسة

فنادَينا

عازفَ الناي في القبيلة

وسألناه

عن سِحر أمواج المتوسّط

فأجابنا بلحن جنائزيّ.

ما أكثرَ الجنازات التي مشيناها

وما أكثرَ عددَ السنين.

وحدَه الثلج

يستطيع

أن يمحوَ آثار أقدامنا.

ولا ثلجَ في أريحا.

أحمد ومحمّد

يدقّان على البوّابة

النوويّة:

«لننقذ العالم»، قالا

«كمهمّة عاجلة،

ولنكُن مخبّلين».

لا مكان

لمن لا يملك أوراقًا ثبوتيّة

في سيّارات التاكسي ببيروت.

وأحمد لا اسمَ له

أحمد هو الأزرق مثل شجرة موز من

صيدا.

وهو الأصفر مثل برتقالة

رعاها جدُّه في يافا.

لكن محمد مرتبك

يهذي

كلّ ليلة

أمام الراديو

ويتقيّأ الأخبار.

لنشيّعه في جنازةٍ طويلةٍ من

الأزهار.

هل تعلم؟ هل سمعت؟

هل أبلغوك

أنّ الناسَ تركض

في الشارعِ باحثةً

لا عن أحذيتها

بل عن أقدامها؟

ولا تبحث في الكوابيس

بل أمام التلفزيون تبحث؟

 

قيظُ شمس

قويّ في لبنان لدرجة

أنّ الكاميرات اختفت.

هل علمت؟ هل أبلغوك

أنه نبتت جلود فِيَلة

على عيوننا

ونبت شعرٌ أسود خلفَ آذاننا؟

آه ما أجملَ الهواءَ بين

غَيمتين

على جبلِ صنّين

في تشرين!

لكنّ المجزرة وقعت في

الظلمة.

استغرقت ثلاثةَ أيّامٍ وثلاثَ ليال

بعدد الأيامِ التي قضاها المسيح في القبر.

بلى، إنّ الرومان واليهود

ينتظرون خلفَ

حائطِ المبكى

الذي يسوّرُ مدنَ الصفيحِ الفلسطينيّة.

يا أيّها اللاجئون،

ملجؤكم

لا يصلح حتى

مدفنًا لكم.

إنّه مكبّ قمامة المدينة الخالدة

ومجارير بيروت!

لنتمهّل

في إعلان

قيامِ الساعة

ولنتوقّف ونتأمّل البحر.

إنّي أتكلّمُ من عالمِ

الموتى

وأنا أتطلّعُ إلى جَمالِ

السماءِ الصافية

أمّنا.

لقد خبِرنا مبلغ عطش القمم

ومدى جفاف القلب.

لا توجدُ لغةٌ تحوي كلماتٍ لوصفِ

الوحشِ البشري.

إنّنا لا نطالب، إنّنا

لا

نأمل

وبعد سماع الأخبار، استحممنا

وصافحنا الطقس.

صعدتُ خطوات جبل «تملباييس»

على عكازَين

لأشاهدَ غروبَ الشمس

لكنّي سقطتُّ في مجارير

صبرا وشاتيلا المفتوحة.

مسبحةُ مجازر لرهبان لبنان

المسيحيّين

وللمجرمين الذين سوف يولَدون.

يوجد بشر

أكثر من الحشرات

هذه الأيّام

ومُبيدات الحشرات إلى تناقص

لذا

ســــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــوف نمضي من إبادة
شــــــــــــعبٍ إلى إبادةِ آخَر

على شواطئِ الأرض المجنونة.

أحذّركِ، أيّتها الغيوم

سوف يطلقون عليكِ النار

أنتِ أيضًا

لأنكِ أحسن

منّا.

تقف شجرةُ صنوبر على بابي

مثل ملاك الموت

لكنّي قلت له

إنّه يحرس شبحي.

شجرات الموز في صيدا

زرقاء ومجرّحة.

لقد تدرّبَ العدوّ على

قتال الدبّابات

في البساتين

لمنع الحصاد والسلام.

يجب ألّا ننسى لون

البحر.

أيّها الشعراء

غيِّروا العالَم

أو لازموا بيوتَكم

•••

مباركون أولئكَ الذين يقاتلون

الطائرات

بقبضات الأيدي.

مباركة أعراسُهم

مباركة مقابرهم!

صدّقوني

سوف نبعث أحياء.

السماء ربداء مثل الفولاذ

ربداء مثل البوارج الحربيّة

والأشجار المسكينة خضراء.

ونحن تحيط بنا

مساحاتٌ من الماء.

والإرادة الإلهيّة لم تعُد تتكلّم معَ

النارِ والكلمات.

لقد هجرتْنا منذ زمن طويل.

لكنّ بيروت المحاصرة حَمَت

نساءها وهنّ يرقصْن

نعم

رقصنَ رقصةَ البطن

بطن الأم

بطن المرأة.

حافظت بيروتُ على

شرفها حيًّا.

رقصت بيروت تحت

وابلٍ من القنابل الفوسفوريّة.

ومفخرة المدينة

أغنية عربية.

كثبان أرض الرمال الألفيّة

تستأنف

مسيرتها

وأمنا الأرض كفنٌ.

تركتم لنا الأناشيدَ الجنائزيّة

لكنها أجمل

من رجالِكم.

وتركتمونا تحتَ المطر

وفي البطنِ طعنات خنجر

لكن صبيًّا ميتًا في عين الحلوة

يستحقّ القتالَ من أجله

إلى أن تبصقَ نساؤكم

الدمَ

في نهرِ الأردن.

لن نزرعَ الحبوبَ

على المدافن

أو في راحةِ الأيدي

إننا غاضبون مثل عاصفة.

العدد ٢٨-٢٩ - ٢٠٢٠

إضافة تعليق جديد

تهمّنا آراؤكم ونريدها أن تُغني موقعنا، لكن نطلب من القراء أن لا يتضمن التعليق قدحاً أو ذمّاً أو تشهيراً أو تجريحاً أو شتائم، وأن لا يحتوي على أية إشارات عنصرية أو طائفية أو مذهبية.