كان أحمد فارس الشدياق يكتب عادةً في ليالٍ مليئة بالأرق، إذ سمح له هدوءُ الليل بمواجهة أفكاره والبحث عن مفهوم جديد للأدب يمكن أن يسكنَه ويحاور به أسلافَه. وظّف ساعةَ الأرق كمسافةٍ نقديّة تسمح له باستحضار السلَف الأدبيّ وتبعدُه عن الصراعات الأدبيّة في التفكير المنتشر في القرن التاسع عشر حول اللغة العربية. وبينما ترك معاصروه أنفسَهم عُرضةً لإغراءِ مجاز عصر النهضة ويقظة الأمّة، ساءلَ الشدياق بأرقِهِ المجازَ الزمنيّ والسرديّة الناتجة من النهضة، بدءاً من تصوّرها للذات المستحدَثة ووصولاً إلى الاقتراحات التي قدّمتْها حول الأدب وتعبيره عن الرغبة الوطنيّة. خلال أرقِه، يفهم الشدياقُ الأدبَ كوليمةٍ شهيّة، كمأدبة، ويلتهمُ هذه «المأدبةَ» الأدبيّة من خلال «لسانِ قلم يتمتّق»1 ويتذوّق في كتب السلف. في هذه المقالة، أقرأ الشدياق لأستكشفَ المجازاتِ الجسمانيّة للأرق وللوليمة وأتتبّع نهجَ الشدياق تجاه المتْن الأدبيّ المكرّس، فأستعير من فرانك كيرمود مفهومه للجسمانيّ والروحيّ لأبيّن كيف اعتمدَ الشدياق في بناء مفهومه للأدب على الجسديّ بهدف إنتاج مساحةٍ غير منتجةٍ للأدب لمواجهة حركةِ النهضة في محاولتها لتسخير الأدب من أجل خدمة مشروعِ التمدّن والتحضّر الخاصّ بها.
زمن النهضة
لعلّ النموذجَ الأمثلَ في ممارسة التقسيم الزمنيّ الذي يعتمد مجازَ اليقظة يأتينا من جرجي زيدان. بحسب فهم زيدان للنّهضة، انتقلت الحضارةُ عبر دوراتٍ متكرّرة من السُبات واليقظة إلى أن وصلْنا إلى الحداثة، وهذا ما سمّاه الحقبةَ «العصريّة» التي اتّسمتْ عنده بالنهضة. عرّفَ زيدانُ بالنهضة، كما فعل كتّابٌ قبلَه وبعدَه، بربط يقظتِها بمجموعةٍ من الممارسات الأدبيّة التي تعنَى بمهمّة تنوير الأمّة وإنقاذ اللغة العربيّة من مَعقل التقاليد والإسلام. وباعتبارها رمزاً لفترةٍ من التعابير الثقافيّة، تُعتبر النهضةُ فترةً تزامنيّة تقويميّة، تضبط إيقاعَ الزمن حول تاريخ وحدث معيّنين. يصبح هذا التاريخُ ساعةَ استيقاظٍ تقدّمُ نفسَها على أنّها تنفصلُ عن وقت النوم الذي عرّفَه كتّابُ النهضة بالانحطاط. لتفكيك هذا المجاز الزمنيّ للنهضة، أستعير من هيثم الورداني رؤيتَه عن اليقظة كمجازٍ للزمانيّة الثقافيّة التي تُنتجُ افتراضاتٍ حول الحقيقة المُطلَقة التي تتغلّب على السبات المطلق في حقل مجازيّ يحمِّل التمزّقَ والقطيعةَ مع الزمن السابق يقيناً لاهوتيّاً في حبْكته السرديّة.
على النقيض من كتّاب النهضة، رفضَ الشدياقُ اليقظةَ كمجازٍ يحدّد وظيفةَ الأدب الاجتماعيّة، ورَفضَ كذلك ثنائيّات القطيعة والاستمراريّة التي أطّرت النهجَ النهضويَّ في التكريس الأدبيّ. بل على عكس ذلك كان الأرقُ عنده عبارةً عن يقظةٍ مفرطةٍ اتّخذَها وسيلةً بالابتعاد عن تصريحات النهضويّين الكبرى والفضفاضة عن الماضي. هذا ما نجدُه عند الشدياق. يقرأ مَن سبَقه بتواصليّة ترفضُ التكرارَ وتسعى إلى الخلق. لم يُقارب الشدياق التراثَ الأدبيَّ من خلال ثنائيّات القطيعة والتواصل التي تفتح الأدب على نظرةٍ تاريخيّةٍ حداثويّة. إنّما قدّم زمانيّةً أدبيّةً مؤرّقة وقائمة على فائضٍ أدبيٍّ يسعى إلى عملٍ نقديٍّ متجاوزٍ الأفقَ المطروحَ عند مُعاصريه.
ضد القطيعة
على عكس اليقظة، يقطع الأرقُ نومَ الليل دون أن يشكّلَ لحظةَ استيقاظٍ مُنعشة. الأرقُ مهووسٌ بنفسه وبكَونه يقع خارجَ الزمنيّة الجماعيّة لأوقاتِ النوم المتعارَف عليها. يبقى الشدياقُ مستيقظاً لتربية نفسه على التمييز والتفرقة في علاقته بالتراث الأدبيّ، وتستند أفعالُ التفرقة التي يتبعُها إلى عمليّات التغلّب على الجسد كمنهج للوصول إلى أنماطٍ تفكيرٍ أكثر ديمومةً من اللحم. يحمل الأرقُ إمكانيّاتٍ لتمييز الذات، وكما يلاحظ الورداني، يُعَدّ الأرقُ حالةً من رفض «التخلّي عن عالم نُكران الذات». يسمح الأرقُ للشدياق باجتراح مَوقعه الخاصّ الخارجِ عن إيقاعات العالَم الحديث المُتَزامن.
خلال نَوبات الأرق، يقوم الشدياقُ بتأليف رسالةٍ في اللغة بعنوان «سرّ الليال في القلب والإبدال». لا تتموضعُ هذه الرسالةُ داخلَ مدرسةٍ فكريّةٍ معيّنة وإن كان الشدياقُ يستمدّ البعضُ من كلامه من علماء المعتزلة لتوضيح السيرورة التاريخيّة للغة العربية. تجادل الرسالةُ بأنّ اللغةَ العربيّة تُقدّم المثالَ الأفضلَ لفهم السيرورة التاريخيّةِ للّغات البشريّة وأنّ اللغةَ تتطوّر انطلاقاً من الأشياء الحسّيّة والمادّيّة لتنتقلَ مجازيّاً للتعبير عن الأشياء المعنويّة. يبرهنُ الشدياقُ ذلك بالإحالة الى مَن سبَقه من العلماء العرب، ويلخّص أهمّيّة اللغويّين كحَمَلة أسرارِ اللغة وشذَرات حقيقتها. يوظِّف الشدياقُ مَن سبّقه كي يتواصلَ مع الفكر المكرَّس إلّا أنّه يبتكر رؤيةً تاريخيّة تسمح له بأن ينظرَ في اللغة كموضوع فلسفيٍّ عام، من خلال التعمّق بالعربيّة كنموذج. هكذا يغدو اللغويّون السابقون جزءاً من سرديّةٍ كبرى يستنبطُها هو ويصقلُها للوصول إلى حقيقةٍ جديدة. إنّ زمنَ الكتابة الأرِقة يمكّن من هذا التجديد في النظرة إلى اللغة والتي تقوم على علاقةٍ تواصليّةٍ ونقديّةٍ مع علماء الماضي. يكتب الشدياق:
«فإن يكن المتقدّمون قد اشتغلوا بهذه اللغة الشريفة، فإني قد عشقْتُها عشقاً، وكلفتُ بها حقّاً، حتى صرتُ لها رقّاً، فأزهرتُ لها ذبالي، وسهرت فيها ليالي، مُعملاً فيها النظر، باحثاً عمّا خفيَ منها واستَتر، وخَفا وجَهَر، فلم يشغلْني عنها همّ، ولم يصدفْني أرب خصّ أو عمك فكانت أنسي عند الوحشة، وسلواني عند الحزن، وصفْوي عند الكدر، وسروري عند الشجن».2
ينتظمُ النّصّ على إيقاع النشاط الليليّ وزمنه. يحِلّ الأرقُ محلَّ الحاجة إلى مقارباتٍ زمنيّة أسطوريّةٍ وتاريخيّة لمَتْنٍ المكرّس الأدبيّ المتداوَل بين معاصريه. على عكس ذلك يستعيض الكاتبُ عن سرديّة النهضة باستيطان موقع زمنيٍّ مُغايرٍ لدراسة اللغة. هذا الزمنُ هو زمنُ الجسد الذي يبذلُ جهداً لإتمام الدراسة. في إيقاع هذا الزمن الحميم، تتجسّد العربيّة لتصبحَ رفيقتَه وكليمتَه الموثوقة. وحتى عندما يقتبسُ الشدياقُ من مشاهير العلماء وخبراء المعاجم العرب، فإنّ النسَقَ «المجسّد» يدفع المنهجيّةَ الفهرسيّةَ والحاجةَ البحثيّةَ للاقتباس من التراث الأدبيّ بحاضر القارئ من خلال حضور الكتاب الحسّيِّ بين يدَي القارئ وعبْر فوريّة تجربةِ القراءة.
يحدّد الشدياق الوجود الحسّيَّ لفكر القدماء وفقاً لمعاييرَ خاصّة تسهّل هضمَ المكرّس الأدبيّ واستهضامَه في تفكيرٍ جديد. وهنا، تنهلُ معاييرُ الشدياق الانتقائيّة من نظريّته في علم المعاني. بشكلٍ ملخّصٍ، ينظر الشدياق إلى المعنى من خلال العلاقات الحسّيّة والمجازيّة معاً في الكلمة الواحدة، فيقول إنّ «الأمورَ المعنويّة أو العقليّة مأخوذةٌ من أشياءَ حسّيّة». إنّ هذا الانزياحَ من الحسّيّ إلى المجازيّ نجدُه أيضاً عند الناقد الأدبيّ فرانك كيرمود في توصيفه لماهيّة التكريس الأدبيّ. يُميّز كيرمود بين الجسديّ والروحيّ كوظائفَ تأويليّة، مع تحديد الأدب كعمليّةٍ تغلّب الروحيَّ على الجسديّ3. بالنسبة إلى الشدياق يصبح الأدب مساراً للتغلّب على الجسمانيّ أو ما سمّاه الحسّيَّ من أجل توليد معنى جديدٍ، يعتبره الشدياقُ معنىً معنويّاً ولكنّي أستبدلُه أنا من خلال كيرمود بالروحيّ لقدرة هذا المفهومِ على الإحاطة بتناقضاتِ الجسد والأدب في كتاب «الساق». وهذا التجريدُ هو ما يتأطّر في إبداعيّةٍ أدبيّةٍ متجدّدة.
ضدّ الاستمراريّات المتزمّتة
زمانيّاً، يأخذ الشدياقُ من الأرق حجةً ضدّ مَراجعِ التواريخِ الأدبيّة التي نُشرتْ في عصر النهضة من قبَل كتّاب كالبستاني والطهطاوي وغيرهما. ويعوّض هذه النزعةَ لدى المنظومة التأريخيّة التي أسّسها عند معاصريه من أدباء النهضة بالتموضعِ خارجَ تلك التأريخيّة. إنّ رغبة الشدياق في التأليف جعلتْه يركّز على الجنس الأدبيّ وفنون النصّ المختلفة كالمقامة والشعر والمُعجم وغيرها من الأنواع بدل التركيز العموديّ في التحقيب الأدبيّ أي مقاربة الأدبِ من منظارِ تسلسل العصور الأدبيّة. ولم تكن رائعتُه «الساق على الساق» سوى فهرست مستفيضٍ لأنماطٍ أدبيّة مختلفة. ففي هذا الكتاب يطرح الشدياق هويّة الجنس الأدبيّ على أنّها تنطوي على مفاهيم المكان كون الجنس الأدبيّ يشكّلُ وعاءً يحدّد هويّة النصوص لكي يقومَ بقطيعةٍ مكانيّةٍ مع الأجناس الأدبيّة المكرّسة، وذلك على عكس الكتّاب النهضويّين الذين مارسوا قطيعةً زمانيّةً في سردهم لتاريخ الأدب العربي.
نلتمّس التفضيلَ للمكان على الزمان في فهم الشدياق للإبداع وما يولّده من قطيعةٍ مع السلَف في طريقةِ تفاعُله مع المقامة كجنس أدبيٍّ مكرّسٍ في التراث. يعلنُ الشدياق في «الساق» أنّ المقامة هي بمثابة «رِجل من الخشب» للكلام4، فيقوم بتأليف أربع مقاماتٍ تتعدّى على القيود المتعارَف عليها لهذا الجنس الأدبيّ من أجل اختراع هويّةٍ أدبيّةٍ جديدة. يبتكر الشدياق اسمَ بطل هذه المقامات بالمزْج بين عمليّتي القَلب والنّحت الموجودتين في العربيّة فيأخذ كلمة «سهر» و«هشام» ليسِمَ بطلَ مَقامته «الهارس بن هثام». يأتي اسم البطل من عمليّة قلبٍ لغويّ لحروف الجذر الثلاثيّ، وهو اسم الفاعل من هرس، أي الدّقّ والكسْر، فالهارسُ هو نتاجُ ليلةٍ أعبّئها ملأَ فراغَها الكاتبُ بالتأليف اللغويّ. ثمّ إنّ دراسةَ عمليّة القَلب أو التحوّل هذه تشكّل محورَ «سرّ الليال» فالشدياق اكتشف القلب والإبدالَ في الطروحات اللغويّة لابن جنّي وابن فارس والفيروز آبادي وغيرهم، ليزعمَ أنّ اللغة العربيّة مَبنيّة على مبدأ دلاليٍّ مُتعدّد الأوجه، حيث تُحملُ الحروفُ الثلاثة (في أغلب الأحيان) المكوِّنة لجذر الكلمة على المعنى وعكسه داخل بنْيته. تُعرَف العمليّةُ عند اللغويين باسم الاشتقاق، إذ يمكن قَلب ترتيبِ الحروف حتى «يشقلب» معنى الكلمة إلى ضدّه. هذا ما يميّز اللغةَ العربيّة من غيرها إذ «إنّك لا ترى فيها الإبدالَ والقَلب على اطّراد»5. في «الساق» يسخّر الشدياق الاشتقاقَ اللغويَّ إبداعيّاً في ساعات الأرق التي يستثمرُها لصالح ابتكاره الأدبيّ. هذا «الهرس» إذاً ليس إلا النشاطَ الذي يتمّ تنفيذُه أثناء نَوبات السهر ومن خلال تأثيرات الرهص، أي الإرهاقِ الذي يُثقلُ كاهل الكاتِب الأرِق حين يقرأ في التراث. سيعمل الهارس - وهو أيضاً محاكاةٌ ساخرةٌ لاسم الراوي في مقامات الهمذاني عيسى بن هشام مفروماً مع بطل الحريري الحارث بن همام فيأتي الثاني بلدغِ الأوّل ليصبح البطل الهارس بن هثام - على اجتراح موقعٍ خاصٍّ بالكاتب يميّزه من كلّ من ألّفَ في جنس المقامات.
في المقامة الأولى الواردةِ في كتاب «الساق» يسترسل الشدياقُ ذاتَ ليلةٍ أرقةٍ في سردٍ طويل عن علاقة المتعة بالكتابة ويتلخّص بأنّ الشدياقَ كان يعترضُ من خلال شخصيّته الأساسيّة الفارياق على المتعة كإحساسٍ دافعٍ إلى الكتابة. في تلك الليلة، أراد الكاتبُ / البطل أن يتهرّب من هَوَس الأرق من خلال البحث بين كتبه على ما يهوّنُ عليه، فتقعُ يده عشوائيّاً على كتابٍ لابن حزم الأندلسيّ، فيفتحُه بحثاً عن المغزى من التحصيل المعرفيّ. يجد في هذا الكتابُ أنّ ابن حزم من مناصري المتعة كدافع للكتابة، فيحاجج بأنّها وعدُ الفكر وحلوانتُه. ينزعج الفارياقُ من هذه الفكرة فيلعنُ «الأرَق الذي كان السببَ في أن أكون لمعلّمي الصبيان مكالِما»6. فعلى عكس ابن حزم، يجادل الشدياقُ، بأنّ الكتابةَ تنبثق من الوجع وليس من المتعة وبذلك يضفي على الأرق شرعيّة بصفته زمناً لتحرير الكتابة من معتقدات المجموعة ويفسح لنفسه المجالَ لبلورة علاقةٍ نقديّة بالتراث.
تفتتحُ المقامةُ الثانيةُ بجملة «لا يمكن أن أبيتَ الليلةَ مستريحاً حتى أنظمَ اليوم مقامة»7. في هذه المقامة، يسخر الهارس مرّةً أخرى من عيسى بن هشام، الذي عُرِف أنّه يتطفّل على مجالس أهل المعرفة والعلم. بدوره يدخل الهارس، على مثل هذا المجلس ليجدَ «نفَراً عليهم عمائمُ مختلفة ولهم وجوه مؤتلفة»8، يمثّلون مذاهب دينيّةً مسلمةً ومسيحيّة. يستمع الهارسُ إلى نقاش هؤلاء الرجالِ حول الاختلافات العقائديّة في ممارسات الطلاق فيلاحظ كيف تتّفق جميعُ المدارس على حقّ الرجل في طلاق زوجته كيفما شاء ويختلفون فقط على العواقب التافهة المترتّبة على هذا المبدأ العام. لذلك، يقترح على زملائه عكس ذلك، لأنّه
«أن يكون الطلاق يوماً حللا
للزوج أيّان ابتغاه فعلا
فليس عندي رشدا أن تحظا
زوجتُه عنه ولا أن تعضلا
إن لم يصيبا للوفاق سُبُلا
فدعهما فليفعلا ما اعتدلا
أيّان شاء طلّقا وانفصلا»9
يسخر العلماءُ من جرأة تبنّي الهارس بن هثام لِحَقّ المرأة أن تطلّق زوجها «فضحكنا من افتخاره ما لم يذكر في الكتب* وقلنا له إلى الحمار، عن كثب* فما نرى رأيك إلا بدعا* ولقد اسأت الإجابة بعد أن أصبت سمعا»10. التفاوتُ هنا هو بين المقامة كجنسٍ أدبيّ موروثٍ له قواعدُه في الشكل والغرَض، وأرَقِ الفارياق الذي يشرّع له البابَ لإعادة النظر في علاقة المقامة بالواقع الحاضر. على خلاف المقامات المشهورة، خصوصاً تلك التي ألّفَها مجايلوه كناصيف اليازجي ومحمّد البربير، يُقحمُ «الهارس» خطاباً ينظر في شؤون الحاضر خاصّةً من خلال طرح حق المرأة بخلع زوجها ليجدّد أكثر الأجناس الأدبيّة فشلاً في محاكاة الواقع.
تنبع جرأةُ الخطاب البديل في نقد التقاليد ومواجهة اللامساواة بين الرجال والنساء، فتتحوّلُ هذه المقامةُ إلى محاكاةٍ ساخِرةٍ مضطربة - مُضحكة ومُسَيّسة للغاية. في هذا الصراع الساعي إلى ابتكار علاقةٍ جديدة مع الواقع، يقوم الأرقُ برعاية الذات وحمايتها. الثمن هو الإرهاق الشديد، ويتمّ التعبير عن عواقب هذا الجهد في التأليف في كتاب «الساق». في فصله الأوّل، يصف الشدياق اللياليَ بأنّها كانت «راهصة، ضاغطة» أثناء بحثه عن سبلٍ للتعبير «حتى لم أجد لصنبور أفكاري ما يسدّه عن أن ينعتق على ميزاب القلم في وجوه هذه الصحائف»11. يتيح الأرقُ للفارياق الوقتَ المناسبَ لجلساتِ استحضار أفكاره وكتاباتها. في زمن الأرق والإرهاق الجسمانيّ يقوم الشدياق بتفعيل معنى الأدب جسديّاً. كان يدركُ أنّ الأدبَ ليس مشتقاً فقط من جذر كلمة «مؤدّب»، ولكنّه أيضاً من جذرٍ لكلمة «مأدبة». والأدب الذي يستسيغُه الشدياق يأتي من النوع الثاني المشتقّ من أخلاقيّات المائدة وآداب الطعام. هذه اللذة الأدبيّةُ تسمح للشدياق بتطوير المغزى الأدبيّ على مستويَين: أوّلاً الجسمانيّ والنظر في أحواله لينتقل للعمل فيه مجازياً. العلاقة مع الجسمانيّ تنتج بديلاً عن أطرِ عصر النهضة التي سخّرت الوظيفة الأدبيّةَ لخدمة الأهداف الوطنيّة. السلطة المهيمِنة تؤطّر صلاحيّاتِها في تكريس نصوص تُشبعُ هذه الأهدافَ وتؤكّد على سطوتها. ينبثق الأدبُ المغايرُ للمؤسّسة والناقدُ لها من العمل داخلَ هذه الأطرِ من خلال مفاوضة هذه المنهجيّة التكريسيّة المهيمِنة من أجل إيجاد سبلٍ لفصل الذات الكاتِبة عن الاستقطاب المؤسساتيّ المدعَّم بالقوّة القسريّة وسطوة المؤسّسة المادّيّة. لنأخذ كمثالٍ على ذلك يومَ قام الفارياق بزيارة أمير الدروز، وهو الحاكمُ الفعليّ لجبل لبنان حتى خمسينيّات القرن التاسع عشر، بدعوةٍ من شقيقه الذي كان يعمل سكرتيراً لذلك الأمير. مكثَ الشدياق / الفارياق عند الأمير فترةً تكفي ليجد أنّ عاداتِ الدروز وآدابَهم على المائدة منفِّرة: فهم مفرطو الشهوانيّة جدّاً على طاولة العشاء، «فكان إذا الفارياق آكلهم قام جوعانا* ومَعَتْ عليه أمعاؤه في الليل بات سهرانا»12. أدّى مشهدُ الهيَجان الشهوانيّ على الطعام إلى إصابة الفارياق بالأرق في تلك الليلة، فهجَرَ فراشه وقعد يقرّظ قصيدةً من أبياتٍ ساخرة شاركَها شقيقَه في اليوم التالي. وافقَه أخوه على فظاظةِ أهل الجبل، لكنّه حاول الدفاعَ عنهم بلطف متذرّعاً: «إنّ القوم ذوو نخوة ومروّة* وشهامة وفتوّة* وإنّهم إن يكونوا سيّئي الأدب على الطعام* فهم متأدّبون في الفعَال والكلام* لا ينطقون بالخَنى* ولا يُعرف بينهم لواط ولا زنا* غير أنّ الفارياق كان يرى الأدبَ كلَّه في المأدبة»13. وسرعان ما انتشرت القصيدةُ بين الناس فأغضبت الأميرَ، إلّا أنّه تحسّباً من لسانِ ناظمها الحادّ، قرّر احتواءَ شرّه بدعوته إلى مأدبةٍ خاصّةٍ على شرفه، حيث يضطرّ الفارياق إلى نَظْم أبياتٍ جديدة في مديح الطعام المقدَّم له. فيقومُ الفارياق بإلقاء بضع كلماتٍ بظرافته المعتادة، لكنّه يقسم إنّه «لا يعقد فيما بعد ناصيتَه بذنب أحدٍ من كبراء الناس»14، وخاصة تلك التي تطالبه بأن يصبح شاعرَ بلاط. في هذه القصّة، يصبح الطعام والوليمة حافزاً للممارسة الأدبيّة، ويرتّب الشدياق السرد على زمن الأرق ليستبدل معنى الأدب الملازم للتأدّب بذلك المشتقّ من المأدبة، وبذلك يتشكّل مسار الجهد الأدبيّ المبذول على العمل من خلال الجسمانيّ وهضْم المأدبة مجازيّاً. بتأطير آداب المأدبة كمدخلٍ مغاير إلى المتن الأدبيّ، يؤكّد الشدياقُ على تموضع الأدب في الجسد فيأتي الأرق ليقوّيَ قدرةَ المؤلّف على توظيف المجاز للتَّغلُّب على الشهوانيّة المؤسساتيّة.
ولقد حلم الفارياقُ بذلك ذات مرّة: «ها هو الفارياق جالساً على كرسيٍّ وأمامَه مائدةٌ عليها كتبٌ كثيرةٌ ليس بينها صحفة من صحف الطعام، وبين أصابعه قلمٌ طويلٌ وبين يديه دواةٌ فيها حبر كالزفت»15. في هذا الحلم الهاضم للتراث يقفز الشدياق مجازيّاً ومجاوزاً من الطعام إلى الكتب. هكذا تتمّ مساواةُ المكرّس الأدبيّ بالجسمانيّ: فيتحوّل الأوّل إلى طبقٍ دسمٍ يتفاعل مع الثاني في قراءةٍ حيويّة ترتقي المستوى الروحي.
نهجٌ توفيقيّ لمقاربة المكرَّس الأدبيّ
بينما يقلب الفارياق ويحوّل ويشتقّ ويتجاوز أثناء تناوُله الطعام، تقوم شريكتُه، الفارياقيّة، على تحدّي أعماله وقَلبها. بواسطة الفارياقيّة، ينتقد الشدياق الثنائيّات المسيطِرة على الأدب والمجتمع فنَمضي مع الفارياقيّة في تساؤلاتها حول المكرّس وهي تتحدّى هذه المنظومةَ المؤسّساتيّة في ما تقْبل به أدباً وما ترفض الاعتراف به هو الأدب. تنتقد الفارياقيّة المؤسسةَ الأدبيّة فور وصولها إلى مالطا. هناك يقوم الشدياق الكاتبُ بإخضاع الزوجين لتجربة القلب الجندريّ (ولو على حين)، فيتبادلان الملابسَ ويخرجان إلى المدينة. يكتب: «جعل المارّون وأصحابُ الدكاكين يتعجّبون منهما، ولم يكونوا يعرفون أنّ زوجته امرأة* فكان بعضهم يقول أرَجلٌ هذا أم امرأة وبعضهم يتعقّبهما* وبعضهم يلمس أثوابهما ويحدّق في وجهيهما ويقول ما رأينا كاليوم قطّ* شيء لا هو رجل ولا امرأة»16. تدفع هذه الانقلاباتُ الفارياقيّة إلى الحديث عن تفاصيل اللياقة البدنيّة عند الذكَر التي تثيرها جنسيّاً، ومن هناك، تنتقل إلى الحديث عن عجزها عن القراءة والكتابة، وتؤكّد لزوجها أنّها «لو كنتُ أعرف القراءة والكتابة ألّفت على الرجال والنساء أكثرَ ممّا ألّفَ في جميع العلوم ذلك الشيخُ الذي ذكرتَ لي اسمَه سابقاً وقد نسيتُه لكونه ميتاً* قلت هو الإمام السيوطي* قالت نعم أكثر من السيوطي وجميع السيوطيين»17. تشير الفارياقيّة للإمام السيوطي ومجلّداته المخصّصة للحياة الجنسيّة. يأخذ الزوج المتعلّم القارئَ جانباً ليعلّق على رغبات زوجته في التعبير ويكشفَ عن رضاه السرّيّ لكونها أميّة، لأنّه يخاف ممّا كانتْ ستكتبه عن الرجال الذين لا يُشبعون شبَقَ النساء. إذاً، من خلال زوجة تتحوّل إلى الملابس الرجاليّة وتُعربُ عن رغبةٍ جامحةٍ في الجنس والكتابة معاً، يؤدّي الفارياق - وبالتالي يفضح الشدياق - خوف المنظومة الذكوريّة في القرن التاسع عشر من الكتابة النسوية.
تتزامن رغبة الفارياقيّة في الكتابة مع عجزها عن استحضار اسم أحد أكثر العلماء العرب تنوّعاً في مؤلّفاته وشهرة في الكتابة عن الجنس ويؤكّد النسيانَ على أمّية الفارياقيّة، لكن هذه الأمّيّةَ لا تَحول دون استقبال الفارياقيّة لكاتبٍ مكرّسٍ كالسيوطي. في الواقع، يتناقض نسيانُها مع ما تتذكّره من مضمون كتُبه: أي أنّها غير راضية عن ذكوريّة السيوطي المفرطة في تعاطيه مع الرغبة الجنسيّة. بينما يجمحُ خيالُها ويتهيّج وهي تذكرُ مفاتنَ الرجل الجسديّة التي تثيرها، تؤكّد الفارياقيّة على حقّ المرأة في إشباع الغريزة الجنسيّة، لتنتقلَ إلى الحديث عن رغبتها في أن تؤلّف وتكتبَ كي يكون لها صوت. من خلال نسيانها (أو سهوها؟) لاسمه، تقوّض الفارياقيّة مكانةَ السيوطي الأدبيّة المكرَّسة مع إبقاء سخطها منه ومن المكرّس الأدبيّ الذي يُقصي بل يُلغي صوتَ النساء من متْنه، كما يمنع المرأة من تولّي أيّ نوع من السلطة في المجتمع. هذا النسيانُ الفعّال يمكّن الفارياقيّة من طرح منهجيّة تفكيرٍ توفيقيّةٍ، انتقائيّة وغير إقصائيّة. هذا الاستقبالُ الانتقائيّ للمكرّس العربي يتزاوج عند الفارياقيّة مع اللغة الإنكليزيّة التي بدأتْ في اكتسابها تدريجيّاً. في فصلٍ يخصّصه الشدياق للفارياقيّة واكتسابها للغة الإنكليزيّة تطلب هذه من زوجها أن يساعدها على فهم قصيدةٍ إنكليزيّةٍ وترجمة معانيها. إليكم القصيدةَ التي يدوّنها الشدياق بالإنكليزيّة
up up up thou art wanted,
she is weary and tormented,
do her justice she is hunted,
by her husband, she has fainted.
إلّا أنّ الفارياق، وهو يترجمها إلى العربيّة، يتعمّد العبَثَ بمغزاها فيشرحُ للفارياقيّة «أنّ الشاعرَ يشكو من شطط امرأة عليه» ويقوم بترجمتها خطأ. ولكنّها لا تكلّ وترفض ترجمة زوجها فطريّاً لأنّ الإنكليزيّة برأيها «ألا ما أحسنَ هذه اللغة موقعاً في السمع والخاطر وما أخفَّها على اللسان»18. في سرده للاختلاف بين الفارياق والفارياقيّة، يكشف الشدياق من خلال القراءتين المختلفتين للقصيدة عن الاقصاء المتعمّد للفارياقيّة من قبَل زوجها عن محاولته لحجب العِلم عنها وعن محالة إجهاضه لرغبتها للخروج من الجهل. فبإصرارها على تعلّم الإنكليزيّة تؤكّد الفارياقيّة على شرعيّة فعلها ولكن من خلال اللامعرفة، وتتعمّد التحوّل من شكلٍ ولغةٍ معرفيّةٍ إلى أخرى.
يتمّ تكرار موقف الفارياقيّة التوفيقيّ تجاه المكرّس الأدبيّ في النزعة الاستطراديّة التي تتخلّل كامل نصّ «الساق»، وخاصّةً في كيفيّة كتابة النصّ على شكل تجريب الأجناس الأدبيّة المختلفة الذي يكرّس المنهج التوفيقيّ كأسلوبٍ أدبيّ يسمح للكاتب بالخروج عن المكرّس من غير القيام بقطيعةٍ زمنيّة. يصبح الأدب لدى الشدياق مساحةً لتأكيد التوفيقيّة كوسيلةٍ لاستجواب عالَمٍ لم تعدْ أشكاله المعرفيّة القديمة صالحةً بينما تبدو أشكال العولمة الأوروبيّة مفروضةً عليه عنوةً من الخارج. وبذلك يفاوض النصّ هذا التناقضَ من أجل إيجاد صيَغٍ تنبثق من الاحتياجات المحلّيّة للمناطق العثمانيّة العربيّة.
إنّ الكتابة الهضميّة التي يمارسها الشدياق تهرس العناصر التوفيقيّةَ في الأدب من أجل إعداد طبَقٍ أدبيّ دسم. يكشف النصُّ اهتمامَ كاتبه بهذه الكتب من مكرّس التراث وهو يتفاخر برأس مالٍ فكريٍّ قائمٍ على السرقة والاقتباس من هذا المكرّس، قائلا: «إنّي ابتدأت الكتابَ الأوّل بما يدلّ على إلمامي بشيءٍ من العلويّات» 19. وهو إذ يهضُم نصوص التراث المكرّسة، يرفض معاملة الأدب وكأنّه مجرّد أداة لتحقيق هدفٍ غيرِ أدبيّ. وإذا أردنا أن نصف اهتمامه الأدبيّ فهو يتعمّد الابتعاد عن الوظيفة الاجتماعيّة والوطنيّة للأدب التي ترسّختْ في عصر النهضة وإنّما يقوم بالتأكيد على مكانة الذات الأدبيّة وعلى التمسّك بها كنقطة الانطلاق في المغامرة الأدبيّة، تسهم، إنْ أسهمتْ بشيء، في الارتقاء بسمعة الكاتب وهَيبته الأدبيّة فقط. فإذا كان ثمّة غرَضٌ لنتاجه بالفعل، كما أعلن في الجزء الثاني من «الساق»، فهو السعىُ إلى قلب أسطورة سيزيف. فعلى عكس الكدْح العبثيّ الذي يقاصَص به البطلُ الإغريقيّ، يصف الشدياق كتابَه باعتباره [دحرجة] جلمودٍ من أعلى قنّة رأسي إلى أسفل حضيض المسامع* فإنْ وقفتَ إلى تصوّبه من دون أن تتعرّض له وتحاولَ توقيفَه مرّ بك كما تمرّ السعادة علىّ* أي غيرَ أنْ يصيبَك منه شيء* وإلّا أي إن استسهلتَ حبْسَه عن منحدَره كَرّ عليك ودفعَكَ تحته* والعياذُ بالله ما وراء هذا الدفع* فانظرْ إليه ها هو متحرّكٌ للسقوط* ها هو متصوّب* فالحذرَ الحذرَ* قفْ بعيداً واسمع دويّه ما يقول20.
السرعة هي هدف الآخر لهذا النص الذي يدحرج الصخور على من سبَقَه. ففي وتيرة النصّ الطويلة واللاهثة تسمحُ السرعةُ للكاتب بالخروج عن محاولةِ محاكاة المكرّس الأدبيّ بل ويرتقي به إلى الموسوعيّة في عمله. «إنّ كلّ شيءٍ يمرّ عليه يفوق كُنهَه وإدراكَه ويفوق تأمّلَه». ما يمكنُ أن يتمنّاه النّصّ هو انتشالُ العالَم من قوقَعته الأليفة وهي ألفةٌ لا تَدَعُ إيجاد «مكانٍ للتعجّب»21. سعياً وراءَ الدّهشة (والإدهاش) تتمحورُ نقاطُ البداية في النّصّ حول الجسمانيّة لتكون المنطلقَ الروحيَّ الذي يجتازُ احتياجاتِ الجسد بما يطلُبُه من طعامٍ وجنس. إنّ هذا التركيز على الجسد عند الشدياق جعلَ بعض النقّادِ يُسيئون فَهْمَ الرواية فينعتونَها بالمجون. قد يكون المجونُ سمةً من سِمات الرواية الأساسيّة وكان بإمكاني أنْ أبيّنَ قدرةَ الشدياق على الخروج من الجسَد إلى الروح باستعمال أمثلةٍ ومَجازاتٍ جنسيّةٍ تعجُّ بها «الساق». لكنّ اقتصارَ البحث على هذا الجانبِ هو بمثابة تغافُلٍ لهذه النقطة تماماً. ليست الجسمانيّة مجرّد صنْفٍ من اللحم البشريّ، إنّما يمكثُ في «قلبها» التراثُ الأدبيّ نفسُه، ويتحوّلُ جسمانيّاً لكونِه مكرّساً ومؤسّساتيّاً وبالتالي التراثُ جاهزٌ ليكونَ الضيْفَ والوليمةَ معاً، بينما العالمُ من حَول المؤلّف يغطّ في النّوم. أمّا الشدياقُ، فبالتهامِه لهم، ينزِّل علينا بدائعَه الأدبيّةَ، مدحْرِجاً إيّاها من أعلى جبَل المكرّس الأدبيّ الأشمّ، وبذلك يحرّر مساحتَه من أيّ سطوةٍ قد يمارسُها عليه ذلك التراثُ.
- 1. Ahmad Faris al-Shidyaq, Leg over Leg. or The Turtle in the Tree: Concerning the Fariyaq, What Manner of Creature Might He Be: Vol. 2 (New York: New York University Press, 2013), 9
- 2. أحمد فارس الشدياق, سر الليال في القلب والإبدال: مقدمة ومختارات (بيروت: دار الغرب الإسلامي (2006، 1868). 112
- 3. Frank Kermode, The Genesis of Secrecy: On the Interpretation of Narrative, 1977 - 1978, The Charles Eliot Norton Lectures (Cambridge, Mass: Harvard University Press, 1979)
- 4. Ahmad Faris al-Shidyaq, Leg over Leg. or The Turtle in the Tree: Concerning the Fariyaq, What Manner of Creature Might He Be: Vol. 1, trans. Humphrey Davies (New York: New York University Press, 2013), 148
- 5. الشدياق، سر الليال في القلب والإبدال: مقدمة ومختارات, 120
- 6. al-Shidyaq, Leg over Leg. or The Turtle in the Tree: Concerning the Fariyaq, What Manner of Creature Might He Be: Vol. 1, 194
- 7. Ahmad Faris al-Shidyaq, Leg over Leg. or The Turtle in the Tree: Concerning the Fariyaq, What Manner of Creature Might He Be: Vol. 2 (New York: New York University Press, 2013), 174
- 8. al-Shidyaq
- 9. al-Shidyaq, 184
- 10. al-Shidyaq
- 11. al-Shidyaq, Leg over Leg. or The Turtle in the Tree: Concerning the Fariyaq, What Manner of Creature Might He Be : Vol. 1, 36
- 12. al-Shidyaq, 110
- 13. al-Shidyaq, 112
- 14. al-Shidyaq, 114
- 15. Ahmad Faris al-Shidyaq, Leg over Leg. or The Turtle in the Tree: Concerning the Fariyaq, What Manner of Creature Might He Be: Vol. 3 (New York: New York University Press, 2014), 176
- 16. Ahmad Faris al-Shidyaq, Leg over Leg. or The Turtle in the Tree: Concerning the Fariyaq, What Manner of Creature Might He Be: Vol. 3 (New York: New York University Press, 2014), 158
- 17. al-Shidyaq, 170
- 18. al-Shidyaq, 156
- 19. al-Shidyaq, Leg over Leg. or The Turtle in the Tree: Concerning the Fariyaq, What Manner of Creature Might He Be: Vol. 2, 8
- 20. al-Shidyaq, 8
- 21. al-Shidyaq, 10
إضافة تعليق جديد
تهمّنا آراؤكم ونريدها أن تُغني موقعنا، لكن نطلب من القراء أن لا يتضمن التعليق قدحاً أو ذمّاً أو تشهيراً أو تجريحاً أو شتائم، وأن لا يحتوي على أية إشارات عنصرية أو طائفية أو مذهبية.