ولدتْ إينسيّا آرمان (١٨٧٤ - ١٩٢٠) لدى أسرةٍ فنيّة، ابنة لمغنّي أوبّرا باريسيّ، نشأتْ في كنَف عمّتها وجدّتها. عاشتْ في موسكو. عملتْ مدرّسة. تزوجتْ من الكزندر آرمان، ابن أسرة فرنسيّة - روسيّة من كبار صناعيّي النسيج، وهي في سنّ الـ١٩ وأنجبتْ منه أربعة أطفال. وبعد عقد من الزّمان هجرتْ زوجها لتعيش مع شقيقه الأصغر فلاديمير، الطالب والثوريّ البالغ ١٧ من العمر. تجيد أربع لغات وذات قدرات إداريّة مرموقة. ظلّ زوجها الكزندر يرعاها. وتبنّى ابنها أندريه الذي أنجبتْه من شقيقه العام ١٩٠٣.
بدأ نشاطها البلشفيّ مع ثورة العام ١٩٠٥ التي شاركت فيها وانضمّت خلالها إلى الحزب الديمقراطيّ الاشتراكيّ حيث أسستْ الفرع النسويّ التّابع للّجنة المركزيّة للحزب. لمّا فتحتْ جامعة موسكو أبوابها للفتَيات، انضمّت إليها إينيسّا لدراسة الحقوق. خلال تلك الفترة اعتُقلتْ أربع مرّات آخرُها في العام ١٩٠٧ عندما نُفيتْ إلى سيبيريا لكنّها تمكّنت من الفرار. في العام ١٩٠١ تُوفّي عشيقُها فلاديمير آرمان بالسلّ العامّ فلجأتْ إلى فرنسا وانضمّتْ إلى مجموعة لينين.
سرعان ما تحوّلت إينيسّا آرمان إلى مساعدة لينين الرّئيسة. وسرعان ما نشأت علاقة غراميّة بينهما. عَرضتْ ناديا كروبسكايا على لينين الهجر لكنّه طلب منها البقاء. وقد سكنتْ إينيسا في بنايةٍ مجاورة للبناية التي يسكنها لينين وكروبسكايا في دائرة باريس الرّابعة عشرة (هي الشقّة التي اشتراها الحزب الشيوعيّ الفرنسيّ وحوّلَها إلى متحفٍ ما لبث أن أغلق أبوابه العام ٢٠٠٧).
في أيلول / سبتمبر ١٩١٠ رافقتْ إينيسّا لينين إلى «مؤتمر الأمميّة الاشتراكيّة النسويّة» في كوبنهاغن. ومطلع ١٩١١ بدأتْ تدريس الاقتصاد السياسيّ في مدرسة الكوادر الحزبيّة البلشفيّة في لونجومو قرب باريس. ومن المهمّات النضاليّة العديدة التي تولّتْها أنّها عادتْ إلى روسيا للمساهمة في إعادة تنظيم فرع الحزب البلشفيّ في سان بطرسبرغ الذي تلقّى ضربة قويّة من الشرطة. أُلقي القبض عليها رغم تخفّيها بزيّ فلّاحةٍ بولونيّةٍ وحُكم عليها بالسّجن لستّة أشهر. خرجتْ من الاعتقال وعاشتْ لسنتَين في العمل السرّيّ وقد أعيد اعتقالُها ونُفيت مجدّداً إلى سيبيريا. لكنّها تمكّنت من الفرار قبل محاكمتها العام ١٩١٣ وانضمّت إلى لينين الذي كان يعيش قرب كراكوف في بولونيا.
في نهاية ١٩١٣ قرّر لينين وقْف علاقته بإينيسّا. ويتبيّن من الرسالة الوحيدة المعروفة عن تلك الحادثة مدى تعلّقها بالقائد البلشفيّ: «أستطيع أن أتحمّل حرماني من قُبلاتك، ولكن كم يكون فرحي عظيماً، لو أنّي أستطيع أن اظلّ أراك بين حينٍ وآخر... وهذا لن يؤلم أيّ أحد، فلماذا تحرمني منه؟»١.
لم يحرمْها. تبادلا الرسائل التي تحمل تعليماتٍ حزبيّة ونقاشات نظريّة وسياسيّة تتخلّلها عباراتُ شعور لينين بالذّنب والحزن والحرص الشديد عليها. نُشرتْ بعض رسائله في «مؤلّفات لينين الكاملة»، وحُجبت الرسائل الشخصيّة الحميمة التي لا تزال محفوظة في «معهد الماركسيّة - اللينينيّة» بموسكو.
عند اندلاع الحرب العالميّة الأولى انتقلت إينيسّا لتسكن على مقربة من لينين وناديا في سويسرا، وحافظتْ على صداقتها مع كروبسكايا والزّمالة في العمل الثوريّ والنسويّ. وقد كتبتْ زوجة لينين عن الرّحلات الجبليّة التي كانت تعتزمها مع لينين وإينيسّا. لكن لم يخْلُ الأمر من توتّرٍ بين القائد ومساعِدته قويّة الشخصيّة. كلّفها بمهمّة حزبيّة إلى باريس مطلع العام ١٩١٦ ولم يكن راضياً عن كيفيّة تنفيذها المهمّة، فردّت بتعليقٍ غاضبٍ صادمٍ، فكتب ردّاً عليه «لن ننجز أمراً ... باستخدام كلمات نابية ... هذا لا يشجّع على مواصلة المراسلة».
عقب اندلاع ثورة شباط / فبراير١٩١٧ كانت إينيسّا في عداد الفريق الذي عاد مع لينين إلى روسيا وسمحتْ له السلطات الألمانيّة بالمرور عبر الدولة العدوّ في «القطار المُغلق» الشهير. بعد انتصار ثورة أكتوبر انتُخبتْ إينيسّا لعضويّة اللجنة التنفيذيّة لسوفيات موسكو، لترأس لاحقاً اللجنة النسائيّة التابعة للّجنة المركزيّة للحزب البلشفيّ المعروفة باسم «جينوتدال» Jenotdal وهي اللجنة التي مُنحت الحقّ في إصدار القوانين المتعلّقة بالنّساء وكلّفتْ بتحقيق المساواة بين الرجال والنّساء في الحزب وفي النّقابات.
لمّا أصيب لينين في محاولة اغتيال نفذتْها إحدى المنتسبات إلى «الحزب الاشتراكيّ الثوريّ» طلَبَ أن تكون إينيسّا الى جانبه خلال فترة نقاهته. لم ترافقه كروبسكايا وما لبثتْ أن غادرتْ الكرملين قبل أن يعود. أعادتْ تلك الفترة وصْل العلاقة بإينيسّا وقد انتقلت للسّكَن في شقّة بالكرملين ومُنحتْ خطّ هاتفٍ على الشبكة الداخليّة المقفلة الموصولة مباشرةً بلينين.
انكبّتْ إينيسّا آرمان على العمل ١٤ ساعة باليوم في سنوات الحرب الأهليّة والمجاعة وانتشار وباء الإنفلونزا. أصيبتْ بذات الرئة فأرسلها لينين للنّقاهة في مصحّة في جبال القوقاز، ما لبثتْ أن غادرتْها بعدما طوّقت الجيوشُ البيضاء المنطقة. في إحدى المحطّات على الطريق، خرجتْ إينيسّا من القطار لجلب طعام لأحد المصابين بالسلّ فالتقطتْ وباء الكوليرا.
توفّيتْ إينيسّا آرمان في ٢٤ أيلول / سبتمبر ١٩٢٠. سجّي جثمانها في «بيت النّقابات» محاطاً بحرس من النّساء، ودفنتْ في اليوم التالي عند جدار الكرملين في الساحة الحمراء في إثر تشييعٍ رسميّ. وَضَع لينين باقةً من الزّنبق الأبيض على القبر. وكتبت ألكسندرا كولونتاي عن وطأة الحزن على لينين دامع العينين، حتى ظَنّ من حولَه أنّه قد ينهار في أيّ لحظة. وختمتْ قائلةً إنّ لينين لم يتجاوز قَطّ وفاة إينيسّا.
- ١. Michael Pearson, «Lenin’s Lieutenant», The Guardian, 29 Septembre, 2017
إضافة تعليق جديد
تهمّنا آراؤكم ونريدها أن تُغني موقعنا، لكن نطلب من القراء أن لا يتضمن التعليق قدحاً أو ذمّاً أو تشهيراً أو تجريحاً أو شتائم، وأن لا يحتوي على أية إشارات عنصرية أو طائفية أو مذهبية.