العدد ١٧ - ٢٠١٧

توفيق صالح:

عندما تلتزم السينما العربيّة بالواقع

في العام ٢٠٠٦، قصدتُ القاهرة للقاء أحد كبار المخرجين المصريّين: توفيق صالح. إعجابي بفيلميه: «المتمرّدون» (١٩٦٦) و«المخدوعون» (١٩٧٢) قادني إلى اكتشاف باقي أفلامه وهي سبعة أفلام روائيّة طويلة. وجدت سينما مفيدة بالمعنى الذي تحدّث عنه أرباب الواقعيّة الجديدة في إيطاليا (بالأخصّ الثنائيّ زافاتيني / دي سيكا)، سينما تتحدّث عن قضايا المجتمع وتحمل بعداً سياسيّاً وتعكس زمنها. سينما فيها موقفٌ وبحثٌ في اللغة السينمائيّة.

استوقفني حديث لصالح قال فيه: «كنت في بداية عملي في السينما أسير في الطريق الآخر وقد كلّفني ذلك الكثير ولكنّي لست نادماً. فليس هناك بالنسبة إليّ اختيار بين صنع سينما استهلاكيّة يمكن الاستغناء عنها أو سينما ملتزمة تحاول الإسهام في تغيير الواقع الذي أعيش فيه»١.

عندما التقيت بالرجل، شعرت وكأنّني بوجه أبٍ سينمائيّ توقّف عن صناعة الأفلام منذ سنة ١٩٨٠ فيما استمرّ في مهنة التّدريس. كان التواصل الإنسانيّ كبيراً وبدأنا مجموعة من اللقاءات نسترجع فيها أبرز المحطّات في مسيرته.

كنت أخشى أن ألتقي بالمخرجين الذين أحبّ أفلامهم بعد بعض التجارب السلبيّة لكنّ صالح كان على تجانس مع أفلامه وبالأخصّ أفلامي المفضّلة في مسيرته، وكان يشبه بعض شخصيّات هذه الأفلام كشخصيّة الدكتور (شكري سرحان في «صراع الأبطال») الذي يحاول مواجهة الجهل ويعمل على الاهتمام بقضايا مجتمعه. هكذا وجدت توفيق صالح الذي يعتبر أن الأفلام هي وسيلة لتحريك وعي النّاس الاجتماعيّ والسياسيّ.

أدّت لقاءاتي مع صالح إلى تصويره ضمن السلسلة الوثائقيّة: «العدسة العربيّة» من إنتاج قناة «الجزيرة» لكنّ المدّة التلفزيونيّة الموجزة لم تكن تسمح بتغطية جميع المراحل ونقل كلّ حديث صالح الشيّق والصادق والذي كان مليئاً بالحسرة.

عند وفاته سنة ٢٠١٣ عن عمر ٨٧ عاماً، أعدتُ تفريغ المقابلات ومشاهدة الأفلام للحفاظ على هذه الذّاكرة السينمائيّة العربيّة المهدّدة في زمن النسيان. وها أنا اليوم أنقلها.

بدأت الحديث مع صالح حول اكتشاف السينما وزمن الدّراسة والتّجربة في فرنسا ومن ثمّ العودة إلى مصر وتصوير فيلمه الأوّل: «درب المهابيل» (١٩٥٥) وفشل الفيلم وتغيير الاستراتيجيّة مع «صراع الأبطال» (١٩٦٢) وصولاً إلى المحطّة البارزة سنة ١٩٦٦ مع «المتمرّدون». واكبت هذه المرحلة التغيّراتِ المهمّة التي حصلت في مصر منذ ثورة الضّبّاط الأحرار سنة ١٩٥٢ إلى صعود جمال عبد النّاصر ومن ثمّ تأميم السينما وبداية الإخفاقات في الستينيّات مع فشل الوحدة المصريّة السوريّة سنة ١٩٦١ ودخول مصر حرب اليمن والكارثة الكبرى سنة ١٩٦٧ التي تمّ تلطيفها بتسميتها: «النّكسة».

من اللافت كيف تنقل أفلام صالح الأولى الواقع من الحارة الفقيرة إلى زمن الأبطال والأحلام الناصريّة بتطوير المجتمع وصولاً إلى زمن الهزائم حيث «يتمرّد» المرضى ضدّ إدارة المستشفى وتفشل «ثورتهم».

«السينما دي بتاعة النّاس اللي ما معهمش شهادة»

«كان والدي طبيباً في ما يسمّى الكرنتينا التي أصبحتْ في ما بعد مركز الحجْر الصّحّي وكنّا نتنقّل في الموانئ. أمضيت كلّ طفولتي ما بين السويس وبور سعيد إلى أن استقررنا في الاسكندريّة. في الاسكندريّة، دخلت مدرسة إنكليزيّة. كنت أحبّ محمّد عبد الوهاب وكنت أقعد في البيت وأغنّي أغانيه».

«بدأت أحبّ السينما في هذه الفترة. لم أكن أرغب بالدّخول إلى الجامعة بل الذّهاب إلى القاهرة والعمل في السّينما. توفّي والدي قبل أن أنتهي من المدرسة. فتجمّع بعض الأصدقاء والأقارب وقالوا لي: «السينما دي بتاعة النّاس اللي ما معهمش شهادة. أنت ابن فلان ويجب أن تقوم بدراسة جامعيّة». دخلت كليّة التّجارة ثمّ تركتها بعد سنة ودخلت كليّة الآداب. كان مجالها يفيدني جدّاً من قراءات في الآدب».

«بعد الانتهاء من دراستي الجامعيّة، ذهبت إلى القاهرة لأعمل في استوديو نحّاس. انتقلت عبر الأقسام المختلفة لأكتشفها وبعد أكثر من شهر، تمّ طردي بعد خلاف حدث بيني وبين الممثّلة الأولى في أحد الأفلام٢. بعدها حصلت على «بعثة»٣ وسافرت إلى فرنسا».

«كنت قد درست الإنكليزيّة ولكننّي لم أفكّر في الذهاب إلى لندن أو أميركا. فضّلت الذهاب إلى باريس. عشقت باريس. كانت مصدر نورٍ وثقافة. في وقت من الأوقات، اتّهموني بأنّي متأثّر بالواقعيّة الجديدة الإيطاليّة ولكننّي أرغب أن أقول لك إنّه عندما عُرضت هذه الأفلام في الإسكندريّة مثل: Sciuscià ٤ و«سارق البسكلات»٥، لم أشاهدها ولم أكن مهتمّاً بها. كنت أحبّ السينما الأميركيّة ولكنّني شاهدت هذه الأفلام الإيطاليّة فيما بعد في باريس وأحببت أفلام دي سيكا مثل «سارق البسكلات» و«معجزة في ميلانو»٦. اكتشفت أنواع الواقعيّة في السينما من أيّام الثلاثينيّات في أفلام جان رينوار وبدأت أهتمّ بها. وعندما عدت إلى القاهرة، كان أوّل فيلم كتبته يحتوي على شيء من هذه الواقعيّة.

في فرنسا، كان من المفروض أن أدخل الإيدك IDHEC، أي معهد السينما في باريس٧. في السّنة الأولى، لم أدخل إلى المعهد. ذهبت إلى السينماتيك Cinémathèque ونوادي السينما واكتشفت تاريخ السينما كما يجب، فكنت أشاهد الأفلام التي قرأت عنها.

في السنة الثانية، قرّرت أن أدخل مدرسة التصوير «Vaugirard»٨. داومت لمدّة يوم أو يومين، لأنّني لم أستطع الاستيقاظ باكراً.

التجربة الثالثة، كانت في جامعة السوربون حيث كان هناك تخصّص جديد اسمه filmol أي دراسة السينما كجزء من علم الجمال. أمضيت هناك فترة وكأيّ جاهل، اعتقدتُ أنّني أفهم كلّ شيء. بعد هذه المرحلة، تدرّبت في فيلمين.

لم أعدْ أذكر اسم مخرج الفيلم الأوّل الذي كان من مخرجي الدّرجة الثّالثة في فرنسا، لكنّ الفيلم كان من بطولة شارل ترينيه Charles Trenet ٩. بما أنّ مساعد المخرج ارتكب أخطاء عدّة، بدأت أتدخّل، فانتبه المخرج إلى ملاحظاتي وأخذ يطلب منّي أن أحضّر العمل بدل أن يطلبه من مساعده. فرفع هذا الأخير شكوى للنّقابة. من ثمّ نفد منّي المال وعدت إلى مصر».

لا شكّ أنّ التّجربة الباريسيّة أكسبت صالح ثقافة واسعة في السينما وباقي الفنون ووسّعت آفاقه. عاد إلى القاهرة وبدأ يعمل على كتابة فيلمه الأوّل «درب المهابيل».

مع نجيب محفوظ

«لدى عودتي إلى مصر، بدأت أشاهد في سينمات الدّرجة الثّانية كلّ ما أُنتج من أفلام في غيابي. ولفتني اسم نجيب محفوظ في فيلمين اكتشفت فيهما تركيبةً مختلفة عن السّرد الذي كان موجوداً في السينما المصريّة. كان هناك بناء مختلف تماماً عن سرد الحدّوتة المعتَمدة في الأفلام.ذهبت وتعرّفت إلى نجيب محفوظ وسألته إذا كان يقبل أن يعمل معي على المعالجة التي كنت بدأت أكتبها في فرنسا لسيناريو فيلمي الأوّل، فوافق.

إنتقد أشياء أساسيّة في المعالجة وطلب منّي أسبوعاً ليُعيد كتابتها بطريقة مختلفة. وبعد أسبوع تحديداً جاء مع تسعة مقاطع من أربع ورقات. صُعقت لأنّه غيّر الشخصيّات التي أصبحت شخصيّات مصريّة حقيقيّة، كما أعطى للفيلم عنواناً فاجأني: «درب المهابيل». ودربُ المهابيل هي حارة مع كلّ تفاصيلها الواقعيّة بالنّسبة إلي، يعود الفضل في الواقعيّة في السينما المصريّة إلى نجيب محفوظ. كما له الفضل في واقعيّة «درب المهابيل». اكتشفتُ فيما بعد مدى تأثير نجيب محفوظ في السّينما الواقعيّة وأهمّية دور محفوظ في هذا الإطار كما اكتشفتُ مدى تأثير محفوظ في صلاح أبو سيف.

وصلاح أبو سيف كان مستشاراً لشركة الهلال للإنتاج وكان يقرأ السيناريوهات ويعطي الموافقة على الإنتاج. عندما قرأ سيناريو فيلم «درب المهابيل»، اعتبر أنّ الفيلم فاشل. وقارنه بفيلم: «السوق السوداء»١٠، الذي عرف فشلاً كبيراً وقال إنّ مصير فيلمي سيكون مشابهاً. صدمني الأمر. بحثت عن كلّ من يمكن أن يُنتج هذا الفيلم إلى أن قرأ السيناريو عبد الحميد بودا الصحّار ومحمّد فرج وهما من معارف محفوظ ويريدان إنتاج أفلام. أعجبهما السيناريو. وهكذا صوّرنا الفيلم في استوديو الأهرام، وكان مهندس الدّيكور ماهر عبد النّور.

عندما أنهينا الفيلم، تقرّر عرضه في سينما ريفولي خلال فترة العيد. كنت أذهب إلى السينما وأستمع إلى أقوال النّاس بعد عرض الفيلم، من هؤلاء سيّدة خرجت وهي تتشاجر مع زوجها قائلةً: «دي فسحة تفسّحني بيها؟ ردّ عليها: إسكتي يا مرا ده فيلم واقعي. فأجابته: ما أنا عايشة فيه كلّ يوم. أنا عايزة أتفسّح!».

كانت هذه إشارة! طبعاً، لم يكن الجمهور معتاداً على هذا النّوع من البناء والسّرد الفيلمي، فسقط الفيلم سقطة مدوّية في البداية. وتزامن هذا السّقوط مع عرض فيلم «رنّة الخلخال»١١ مع الممثّلة نفسها١٢ التي تلعب في «درب المهابيل». وعرف «رنّة الخلخال» نجاحاً وكان فيه الكثير من الإيحاءات الجنسيّة عكس «درب المهابيل».

بعد هذه التّجربة، حاولتُ أن أعمل مع عدّة منتجين لكنّ أحداً منهم لم يشأ أن يعطيني أيّ فرصة. قالوا إنّ تجربة «درب المهابيل» تكفي. وهكذا بقيتُ عاطلاً عن العمل لمدّة خمس سنوات. بعدها بأربع أو خمس سنوات أقامت الدّولة أوّل مهرجان قوميّ للسينما وأعلنت أنّه يجوز تقديم الأفلام التي أُنتجت في السنوات الخمس الأخيرة، فدخل «درب المهابيل» في المسابقة وجاءت النتيجة كالآتي: الجائزة الأولى: فيلم «شباب امرأة»١٣ لصلاح أبو سيف. فاز فيلمي بالمرتبة الثّانية بجائزةٍ مشتركة مع فيلم عزّ الدين ذو الفقار «رُدّ قلبي» الذي عُرض بالألوان.

حزن الراحل عزالدين ذو الفقار، وسأل من هو توفيق صالح؟ وما هو هذا الفيلم الذي ينافس «ردّ قلبي» وهو فيلم عن الثورة؟ كان مريضاً في البيت فطلب نسخة ٦١ ملم من «درب المهابيل» وعرضها في غرفة نومه. أُعجب بالفيلم وبإخراجه. فاتصل بي وسألني: «ما بتحضّرش حاجة؟ قلتلّه: لأ، فقال لي تعال» وطلب منّي أن أنجز فيلماً اسمه «صراع الأبطال»».

مع فيلمه الأوّل «درب المهابيل» (١٩٥٥)، أظهر توفيق صالح بأسلوب واقعيّ الحارة المصريّة الفقيرة التي يتنازع أهلها على ورقة يانصيب. ماذا يحصل عندما يفوز مجنون الحارة بورقة يانصيب؟ ارتبطت التجربة الواقعيّة هنا بخبرة الأديب نجيب محفوظ الذي شارك في كتابة السيناريو وجعل الفيلم مصريّاً بكلّ معنى الكلمة. مع «درب المهابيل» امتزج أسلوب أفلام الواقعيّة الشعريّة الفرنسيّة في الثلاثينيّات، حيث كان يتمّ التصوير في الاستوديو وتلعب الإضاءة دوراً مهمّاً مع الوجوه الشعبيّة المختارة بدقّة وكأنّنا أمام نموذج من الواقعيّة الجديدة الإيطاليّة. ودخل الغناء على سكّان الحارة وكأنّه طريقة تعبير شعبيّة عفويّة بعيداً عن نمط الفيلم الغنائيّ المصري.

فضحت قصّة ورقة اليانصيب حالة الفقر والطمع والعلاقات بين سكّان الحارة والصراع للحصول على المال داخل المكان الواحد وكأنّ الحارة مجسّمٌ عن البلد. الكلّ بحاجة إلى معجزة مثل فيلم فيتوريو دي سيكا: «معجزة في ميلانو» (١٩٥١) لكنّ المعجزة هنا مصدر خلاف لأنّها فرديّة ونهايتها غير سعيدة إذ تلتهم الماعز الثروة التي خبّأها المجنون!

يحتوي «درب المهابيل» على عناصر مميّزة من خلال القصّة والأسلوب، لكنّ فشل الفيلم على شبّاك التذاكر لن يسمح لصالح بمتابعة هذا الاختبار. رغم أنّ اهتماماته الاجتماعيّة ستبقى طاغيةً مع فيلمه التّالي «صراع الأبطال» (١٩٦٢) الذي يطرح موضوع مواجهة العلم للفقر والجهل من خلال شخصيّة طبيب. إلّا أنّ صالح سيخضع لشروط الميلودراما والحوارات المباشرة التي تحجّم في بعض المشاهد القدرة السينمائيّة مقابل إيصال الفيلم بطريقة أسهل للجمهور.

تجري أحداث الفيلم في الأربعينيّات وتحديداً أيّام مأساة الكوليرا سنة ١٩٤٨، لكنّه يُجسّد من خلال شخصيّة الطبيب شكري (شكري سرحان) خطاب المرحلة الناصريّة ومشروع تطوير المجتمع ومحاربة الإقطاع والفساد ونشر العلم.

سينما لفهم المجتمع

«عندما تمّ إنتاج «صراع الأبطال»، كنتُ مقتنعاً بالنّظام في مصر. مقتنعاً وأحبّذه وسعيداً بالرئيس عبد النّاصر شخصيّاً. وكان هناك اهتمام كبير جدّاً بتطوير المجتمع.

بالنّسبة لي، يجب أن يقوم الشخص المتعلّم بخدمة مجتمعه. وهذا محور مهمّ في الفيلم واقتناع حقيقيّ عندي. لذلك عندما كانوا يسألونني عن الفيلم، كنت أقول لولا وجود الثّورة والرغبة في تطوير البلد والوصول إلى مستقبل أفضل، لم يكن من الممكن كتابة السيناريو بهذا الشكل. عندما كُلّفت بهذا الفيلم، كنت أريد أن أنجز فيلماً ناجحاً.

كانت الميلودراما هي السائدة، فقرّرت أخذ هذه التقنيّة ومن خلالها إيصال أفكاري بأمانة وبوضوح في قالبٍ سينمائيّ. واجهنا عقبات كبيرة مع رفض الصّالات عرض الفيلم إلى أن وافقت سينما مترو على ذلك وحاز على نجاح كبير.

كنت أعلم أنّ عبد النّاصر يرفض تحويل السينما إلى قطاع عامّ، لكنّه فجأة وافق بعدما شاهد «صراع الأبطال» وقال: «لو تعملوا أفلام من هذا النوع يبقى كويس. واتعمَل القطاع العام»».

تمّ تأميم السينما في مصر سنة ١٩٦٣ واستمرّت هذه المرحلة حتى سنة ١٩٧١. وفيما انتقل العديد من المخرجين إثر هذا التأميم إلى لبنان، قام صالح بإخراج أفلامٍ من إنتاج القطاع العام وما لبث أن واجه الصعوبات مع دور الرّقابة والتقييد على الحريّات، واستمرّ يصارع كالطبيب شكري لإنتاج سينما تُطوّر المجتمع وتطرح الأسئلة المحوريّة.

«أنا مقتنع بأن السينمائي يجب أن يراقب ما حوله ويستلهم ما يستطيع ممّا حوله. السينما المصريّة عاشت ولا تزال عائشة على استلهام فكرة من فيلم أجنبيّ وتعيد صياغته بطريقة مصريّة ونِكَت مصريّة. وأنا كنت أنادي وأقول هذه أفلام ليست مصريّة. حتى قبل أن أعمل في السينما، أي عندما كنتُ لا أزال في الجامعة، كنت مقتنعاً ومؤمناً أنّ السينما يجب أن تساعد المتلقّي على فهم المجتمع الذي يعيش فيه لكي يستطيع أن يطوّره، ولذلك أحد مبادئي أنّه عندما يشاهد اثنان فيلماً ويخرجان يتناقشان في الموضوع أو في الصراع الموجود في الفيلم، فإّنني أعتبر أن الفيلم مفيد لأنّ السينما ليست كأيّ فنّ.

ومن مبادئي أنّ السينما ليست كأيّ فنّ، لذلك أعتبر الفيلم مفيداً، هي فنّ بصريّ قادر على تحويل وعي المشاهد ويجب على كلّ فيلم أن يحتوي على فائدة للمشاهدين.

كانت بدايتي طموحة جداً. كنت أعتقد أنّني تعلّمت ودرست في السوربون ولم تكن الأفلام المصريّة تعجبني. كنت أبحث عن لغة خاصّة للفيلم المصريّ وهذا ما حاولت اختباره في فيلم «درب المهابيل». صحيح أنّ إطار «درب المهابيل» مصري ّ وكذلك العقدة، لكنّني لا أستطيع أن أدّعي أنّني عرفت أن أتوصّل إلى هذه اللغة التي أبحث عنها.

عندما فشل هذا الفيلم وجاء «صراع الأبطال»، لم أكن أبحث عن لغة مصريّة (سينمائيّة) بل كنت أبحث عن فيلم ينجح».

أظهر «صراع الأبطال» الوباء الحقيقي الذي يفتك بالشّعب وهو الفقر، وجسّدت المواجهة بين الطبيب وقابلة القرية، الصّراع بين التقدّم والعلم وإقامة المجتمع العصريّ مع التخلّف والمعتقدات البالية.

يبدأ الفيلم مع وصول الطبيب (شكري سرحان) في القطار لمباشرة مهمّته في القرية البعيدة وينتهي مع إتمام مهمّته وانطلاقه مجدّداً في القطار نحو مهمّة في قرية أخرى أو نحو «بداية جديدة». عند وصوله، يستقبل الدكتور شكري مأمور نقطة القرية. عند مغادرته، يودّعه جميع أهل القرية وحتّى البيه (صلاح نظمي) الذي تحوّل دراماتيكيّاً وكأنّنا أمام مصالحة طبقيّة. قد تُذكّرنا صورة شكري المنتصر في نهاية الفيلم وهو يغادر في القطار ويحيّي أهالي القرية بصورة الرئيس عبد الناصر وهو يجوب مصر في القطار فيما الجماهير تتدافع لتحيّته. إنّه زمن الأحلام الكبيرة التي ستتبدّد تدريجيّاً وتتحوّل مع فيلم «المتمرّدون» حيث يتطرّق توفيق صالح إلى الثورة وإخفاقها.

«المتمرّدون» و٥ يونيو والرقابة

«نحن في الستينيّات، منذ أيّام حرب اليمن ونحن ننزل سياسيّاً خطوة خطوة.

بين ١٩٦٥ و١٩٦٦، كتبت فيلم «المتمرّدون» فيما كان الوضع السياسيّ في مصر إلى انهيار. عندما تشاهد «صراع الأبطال»، تجد نظرة للمستقبل وحماسةً وتجد شخصاً (شخصيّة الدكتور) يضحّي من أجل خدمة المجتمع. في «المتمرّدون»، تجد إدارة المستشفى لا تخدم شعبها ولا تخدم المرضى. والمرضى في ثورة بدون وعي. يغضبون ويتمرّدون ويتظاهرون من دون أن تُحلّ مشكلتهم». «بدأت تصوير «المتمرّدون» يوم ٥ حزيران / يونيو) ١٩٦٦ وكان جاهزاً تقريباً في تشرين الثاني / نوفمبر مع الانتهاء من الميكساج. لكنّ الفيلم لم يُعرض. عند إرساله إلى الرقابة، تأخّرت النتيجة، فذهبت لأرى ما هو سبب التأخير. وجاء أحدهم يسألني عن رمزيّة الماء في الفيلم وآخر يسأل عن رمزيّة الشمس وأنا أقول لهم: الماء ماء والشمس شمس، لكنّهم اعتبروا أنّ لكلّ لقطة ولكلّ شخصيّة أبعاداً رمزيّة علماً أنّ الفيلم من إنتاج القطاع العامّ. مُنع الفيلم لمدّة سنتين ولم يُعرض إلّا سنة ١٩٦٨».

تدور أحداث الفيلم (نقلاً عن رواية صلاح حافظ الذي شارك أيضاً مع صالح في كتابة السيناريو) في إحدى المصحّات الحكوميّة الواقعة وسط الصحراء والتي ينقسم مرضاها إلى نوعين أحدهما نخبة تنعم بالمال والرعاية والعلاج، والنّوع الثاني في الأقسام المجّانيّة يفتقدون لأبسط شروط العيش من ماء ودواء. يموت هؤلاء المحرومون من العطش فيتدافعون لشرب الماء من الخزّانات. الشعب مريضٌ والسلطة فاسدة تسيطر عليها البيرقراطيّة.

يزداد التمرّد الشعبي ويرتفع شعار: «لا سكوت بعد اليوم». فتنطلق الثورة التي تستولي على الإدارة ويتمّ اختيار الدكتور عزيز، الطبيب القادم إلى هذه المصحّة زعيماً لهذه الثورة. لكنّ المشاكل تتضاعف مع عدم حسن إدارة الثورة وطغيان الفوضى وسيطرة الجوع بحيث لا تختلف الإدارة الجديدة عن القديمة. من اللافت في هذا الإطار أنّ الممثّل شكري سرحان يلعب مرّةً جديدة دور الطبيب لكنّ دوره هنا اختلف عن النّظرة الإيجابيّة والمثاليّة التي ارتسمت في «صراع الأبطال». في «المتمرّدون»، يصبح الطبيب مريضاً ومكسوراً ويقول: «كنت أحلم بحاجة مستحيلة»و«ضيّعت عمري على سراب».

انكسرت أحلام التّغيير والنكسة قادمة. السّلطة بيد الشعب تؤدّي إلى الفوضى ولا تلبث السلطات أن تقضي على المتمرّدين لنعود من جديد إلى الإدارة القديمة.

يطغى إذاً على الفيلم الطابع السياسيّ بحيث يرسم بقساوة واقع مرحلة تصويره كما يمكن الاستعانة به اليوم لتبيان الحالة المصريّة والعربيّة عموماً بعد معظم الثورات الأخيرة.

يتميّز الفيلم بكيفيّة تصويره حالة التمرّد والحركة الشعبيّة التي تصبح ثورة فيما تكتفي الموسيقى كالعادة بالشحن العاطفي. لكنّ هذا الفيلم البارز في مسيرة صالح يعمل على تطوير المقاربة النقديّة التي ستتجلّى أكثر فأكثر في السينما المصريّة بعد هزيمة ١٩٦٧. ورغم أنّ «المتمرّدون» هو أوّل أفلام توفيق صالح من إنتاج القطاع العام في السينما لكنّه سيتعرّض للرّقابة.

سيستمرّ هذا الالتزام بقضايا المجتمع في أفلامه التالية من «يوميّات نائب في الأرياف» (١٩٦٨) حيث يعالج بسخرية علاقةَ القانون بالواقع إلى «السيّد البلطي» (١٩٦٧ - ١٩٦٩) إذْ يطرح موضوع الصراع بين القديم والجديد وصولاً إلى القضيّة الفلسطينيّة مع أجمل أفلامه: «المخدوعون» (١٩٧٢). ما العلاقة المستمرّة بين أفلام توفيق صالح والسياسة؟

«كثيرون حتى اليوم يعتبرونني شيوعيّاً بينما آخرون يقولون إّنني ناصريّ إذ إنّ أفلامي سياسيّة. أنا أشعر بالرغم من كلّ شيء، بالحريّة: في الاختيار والتصرّف والقول. وهذه الحريّة تجعلني أختلف عن الذين يخشون أن يتكلّموا».

تكشف مسيرة توفيق صالح مدى صعوبة التعامل مع القطاع العام وتخلّف الأنظمة العربيّة في فترة رُفعت فيها الشعارات الثوريّة والتقدّميّة والتصحيحيّة. وتشكّل تجربة صالح نموذجاً عربيّاً بامتياز عن واقع السينمائيّ بوجه السلطة.

بعد «المتمرّدون»، قام توفيق صالح بإخراج «السيّد البلطي» في أيلول / سبتمبر ١٩٦٧، أي بعد ثلاثة أشهر من الهزيمة العربيّة أمام إسرائيل. صوّر الفيلمُ مجتمع الصيّادين حيث عائلة «البلطيّة» وهي عائلة كبيرة يغيب عنها السيّد البلطي فيصبح كلّ فرد يسير على هواه.

«السيّد البلطي» هو كبير العائلة الذي يتحوّل إلى أسطورة ويبدو وكأنّ زمنه قد انتهى، فيما ابنه (عزّت العلايلي) يبحث عن سراب الوالد ليدلّه على الطريق معلناً أن «الحمْل ثقيل».

نحن ندخل في مرحلةٍ جديدة وكأنّ السيّد البلطي يمثّل بعض الشيء أسطورة عبد النّاصر الأب وفي حال غيابه، تتفكّك العائلة وينتهي زمن الأساطير.

عبد الناصر و«يوميّات نائب في الأرياف»

انطلق الفيلم من مفهوم أنّه إذا قام الشعب بخلق أسطورة من شخصيّةٍ ما، يتوقّف عن العمل معتمداً على هذه الشخصيّة التي ستعالج كلّ الأمور وستحلّ المشاكل والنتيجة تكون الهزيمة. هذا هو المحور الأساسيّ لفيلم «السيّد البلطي»، لكنّ المشكلة أنّ الفيلم ناقش معظم الأفكار من خلال الحوار فقط. «تركتُ مصر بعد «السيّد البلطي» لأنّهم حذفوا الكثير من المشاهد. كما اعتبرت أنّ النّقد الذي طاول الفيلم كان بمثابة الإهانة الشخصيّة».

رغم كلّ المصاعب التي واجهها في فيلمه السّابق، عاد صالح وتعاون مع المؤسّسة العامّة للسينما التي أنتجت الفيلم نقلاً عن رواية صالح مرسي. ولم تغب، كالعادة، يد الرقابة لتتدخّل في تعديل الفيلم. وكما أعلن عزّت العلايلي في الفيلم أنّ الحمْل أصبح ثقيلاً، يبدو أن صالح لم يعد يتحمّل كلّ هذا الثقل في العمل.

ولكن قبل أن يغادر مصر، أخرج توفيق صالح فيلماً نجح فيه بنقل السّخرية التي تميّز أسلوب توفيق الحكيم من خلال اقتباس كتابه: «يوميّات نائب في الأرياف». وكتب صالح السيناريو مع ألفريد فرج.

تمّ إنتاج هذا الفيلم سنة ١٩٦٨ مقتبساً كتاب «يوميّات نائب في الأرياف» لتوفيق الحكيم عن الرّيف المصري في ثلاثينيّات القرن العشرين يطرح فكرة العدالة وانتقائيّة القانون والبيروقراطيّة والفساد والقهر. وبما أنّ السّرد السينمائي يقوم في جوهره على السخرية، لم تتأخّر كالعادة مشاكل صالح مع الرّقابة:

«لإعطاء إجازة عرض لهذا الفيلم، اشترط وزير الداخليّة أن أقوم بإخراج فيلم قصير (٢٠ دقيقة) عن الشرطة في خدمة الشعب وأن يكون تصوير الفيلم بالألوان.

ولا يُعرض فيلم «يوميّات نائب في الأرياف» إلّا مع هذا الفيلم القصير. رفضتُ هذا الشّرط. استمرّت القصّة لمدّة شهرين وكوّن الوزير لجاناً لمشاهدة الفيلم لتقترح ما هي المشاهد التي يجب حذفها. فكنت أذهب إلى وزارة الداخليّة وأسلّم اللجنة علب الفيلم وعددها ١٢، لتتفرّج عليه.

تناوبت خمس لجان على مشاهدة الفيلم من دون التوصّل إلى اتّخاذ قرار بخصوصه. ثمّ ترأّس شعراوي لجنةً أخرى وأخذوا يقارنون بين الكتاب والفيلم ليحذفوا أيّ مشهد قد أضفته. نحن نتحدّث عن توفيق الحكيم ولا يوجد أيّ مثّقف مصري لم يقرأ هذا الكتاب. إلّا أنّ عمل الرقابة استمرّ مع لجنة مركزيّة من وزارة الداخليّة.

سمع الرئيس عبد النّاصر بهذه القصّة فطلب مشاهدة الفيلم. اتّصل بي مدير مكتبه ثروت عكّاشة في السّاعة السّابعة صباحاً وأرسلت له الفيلم. يبدو أنّ عبد الناصر شاهد الفيلم في الليل في منزله وأصدر الأمر بعدم المسّ بأي «كادر» من الفيلم وقال لو أنّ المؤسّسة العامّة للسينما أنتجت أربعة أفلام مثل «يوميّات نائب في الأرياف»، فإنّه سيضاعف ميزانيّتها».

هكذا خاض صالح معارك قاسية مع الرّقابة من خلال أفلامه الثلاثة: «المتمرّدون» (١٩٦٦) و«السيّد البلطي» (١٩٦٧) و«يوميّات نائب في الأرياف» (١٩٦٨). وتعكس هذه التجربة مدى صعوبة إنجاز أفلام فيها مضمون سياسيّ واجتماعيّ وتجعل المشاهد يفكّر بواقعه. ويبدو أنّ ثقل هذه التجربة أدّى إلى اتّخاذ صالح قرار الرّحيل وكأنّ الصّراع انتهى بهزيمة على عكس انتصار الطّبيب الذي أراد إنهاض شعبه في «صراع الأبطال» (١٩٦٢).

«المخدوعون»: القضيّة الفلسطينيّة سينمائيّاً

انتقل صالح من مصر إلى سوريّة حيث سيقتبس رواية الكاتب والمناضل الفلسطينيّ غسّان كنفاني: «رجال في الشمس» في فيلم «المخدوعون».

أصدر كنفاني رواية «رجال في الشمس» في بيروت عام ١٩٦٣ وتجري أحداثها سنة ١٩٥٨، أي بعد عشر سنوات من نكبة ١٩٤٨. لكنّ المستجدّات الدراماتيكيّة التي حصلت بين ١٩٦٧ و١٩٧٠ كانت لا شكّ ستأخذ من يبغي اقتباس هذا الكتاب سينمائيّاً إلى بعدٍ نقديّ أوسع وأقوى من ظروف كتابته بالأخصّ بعد هزيمة عربيّة جديدة سنة ١٩٦٧ قضت على ما تبقّى من أرض فلسطين التاريخيّة وأراضٍ عربيّة أخرى. وقد تأثّر صالح بكلّ هذه الخلفيّة لينجز فيلماً أساسيّاً ليس فقط في مسيرته بل في تاريخ السينما العربيّة وفي مسيرة الأفلام التي بدأت تتناول القضيّة الفلسطينيّة بطريقةٍ جدّيّة قبل أن يقوم الفلسطينيّون بأنفسهم بنقل واقعهم سينمائيّاً من الدّاخل والخارج.

كنّا قد شهدنا على بعض الأفلام الروائيّة التي صُوّرت في لبنان سنة ١٩٦٩ مثل «كلّنا فدائيّون» لكاري كرابيتيان والتي ركّزت على عنصر الحركة وإبراز «السوبرمان» الفلسطيني الذي يواجه جنود الاحتلال. لكنّ المقاربة السينمائيّة مع «المخدوعون» اختلفت كليّاً، فالموضوع ليس قضيّةً تجاريّة تلعب على مشاعر الجمهور بل هو التزامٌ بقصّة أفراد فلسطينيّين يحاولون الهروب من واقعهم المأساوي. وتأتي هذه المقاربة في زمن الإعلان عن «السينما البديلة» في مهرجان دمشق السينمائي سنة ١٩٧٢ وبروز سينما عربيّة ملتزمة بقضايا المجتمع تُعطي الدَّور الأساسيّ لسينما المؤلّف بوجه السينما التجاريّة.

يتناول فيلم «المخدوعون» قصّة ثلاثة فلسطينيّين (أبو قيس وأسعد ومروان) يحاولون الهرب إلى الكويت بحثاً عن المال والاستقرار، فيوافقون على الاختباء داخل خزّان بغية عبور الحدود العراقيّة الكويتيّة في شهر آب / أغسطس الحارّ. يشبّه سائق الشّاحنة أبو الخيزران الخزّان بالمقلى ويعلن أن الخزّان سيصبح من الدّاخل فرناً حقيقيّاً، أمّا أسعد فبمجرّد أن يسقط رأسه داخل الخزّان يُعلن: «هذه هي جهنّم!».

هكذا يبدو أنّ على الشخصيّات الدخول إلى جهنّم للهروب من واقعٍ أسود يعيشون فيه ولكنّ الموعد مع الموت حتميّ في غياب الحلّ العربيّ والجماعيّ لقضيّتهم.

إنّهم «المخدوعون» الذين يمثّلون شعباً مخدوعاً ينتظر استعادة الوطن المسلوب.

«ذهبت إلى سورية وقابلت أحد المسؤولين في المؤسّسة العامّة للسينما. تلقّيت عرضاً بإخراج فيلم أختار موضوعه. فوافقت مباشرةً خصوصاً أنّ أكثر من كان يهاجمني في مصر كان من القطاع العام وكان من المستحيل تلقائيّاً أن أحصل على إنتاجٍ مصريّ جديد.

قرّرت أن أنجز «المخدوعون» بإنتاج سوريّ لأنّه يتناول المشكلة الفلسطينيّة ولن يواجه معارضةً سوريّة. وتمّت الموافقة. كنت قد كتبت معالجةً أولى في مصر لكن بعد وفاة عبد النّاصر١٤ وأحداث أيلول الأسود١٥ ومشاعر الحزن والألم والغضب التي خلّفها هذان الحدثان، أعدتُ قراءة كتاب غسّان كنفاني «رجال في الشّمس» وقرّرت أن أحتفظ بكلّ ما في الكتاب وأن أضيف أشياءً بسيطة تضع القصّة في الإطار الزمنيّ الحالي.

في روايته، يقول غسّان كنفاني إنّ النّاس تموت في الخزّان بصمت من غير أن تقاوم١٦. قمت بتعديل هذا الأمر وجعلتهم يخبّطون على جدار الخزّان. لكن بسبب صوت المكيّف في مكتب الحدود الكويتي لم يسمعهم أحد وماتوا. ورغم كلّ الصّعوبات الإنتاجيّة والتقنيّة، أنجزنا الفيلم».

«عندما عرضنا الفيلم لموظفي المؤسّسة العامّة للسينما، قالوا إنّ المخرج اقتبس الكتاب صفحةً صفحة وكان بوسع أيّ مساعد مخرج أن يقوم بهذا العمل، أي أنّه لم يكن هناك حاجة لمخرج.

بالطّبع أغضبني هذا الكلام بعد كلّ المجهود الذي بذلتُه لإنجاز الفيلم. ذهب هؤلاء الموظّفون عند مدير المؤسّسة وكتبوا تقريراً يُفيد بأنّ الفيلم دون مستوى العرض وأنّ من العار على المؤسّسة السّوريّة للسينما أن تعرضه. فأعطى الوزير الأمر بالاحتفاظ بالفيلم في المخازن.

بعد شهرين أو ثلاثة، أُقيم في سورية مهرجانٌ عن السّينما البديلة وكان من بين المشاركين الأساسيّين النّاقد السينمائيّ المصريّ سمير فريد فطلبت منه مشاهدة الفيلم وإبداء رأيه به. فقال عنه إنّه فيلمٌ عظيم وأنّه سيجعل المهرجان يعرضه.

بعدها، جاء صديقي الطّاهر الشريعة، وهو مؤسّس مهرجان قرطاج السّينمائي وشاهد الفيلم فأبدى حماسةً لا توصف وطلب إعادة العرض في اليوم التّالي لمجموعة من النقّاد الفرنسيّين. وإذا بمرسيل مرتان١٧ يصمّم على أنّه يجب عرض الفيلم في مهرجان كان لكنّه اكتشف أنّ ميعاد تقديم الأفلام قد انتهى. وبقيت هناك إمكانيّة لتقديم الفيلم ضمن فقرة جديدة هي La Quinzaine des réalisateurs. فقال إنّ على المؤسّسة أن ترسل الفيلم في اليوم التّالي، وكان هذا الموضوع غريباً على مدير المؤسّسة العامّة لكنّ مرسيل مرتان بقي عنده أربع ساعات للحصول على إذن إرسال الفيلم لأنّ الوزير كان معترضاً. سافر الفيلم أخيراً وتمّ اختياره في «الكانزان».

أرسل «مهرجان كان» دعوتين: واحدة لمدير المؤسّسة وأخرى لي. أخذوا دعوتي وقالوا: «إنت مش موظف عندنا، إنت بالعقد». وتمّ اختيار شخص ثانٍ يهتمّ بتوزيع الأفلام ليحلّ مكاني! حاز الفيلم على نجاح كبير وكتب عنه النقّاد تحت عنوان: «مفاجأة الفيلم السوري». وكان الأمر مذهلاً. لكنْ مع عودة الفيلم إلى سورية، استمرّ رفض عرضه.

بعد شهرين، عُرض الفيلم في مهرجان قرطاج السينمائيّ وحاز على الجائزة الأولى.

اعترض الوفد الكويتيّ على الفيلم وخرج أعضاؤه من السّينما وهم يشتمونه.

وقد علمتُ أنّ وزارة الخارجيّة الكويتيّة اتصلت بوزارة الخارجيّة السوريّة وأعلنت عن اعتراضها على الفيلم. لم تأتِ الموافقة على عرض الفيلم في سورية إلّا بعد عدّة أشهر وعُرض فقط لمدّة أسبوعين. ولم يعرض في الكويت إلّا بعد أكثر من سنة ومن ثَمّ عُرض على التلفزيون عدّة مرّات».

تمكّن «المخدوعون» من خلال شخصيّاته أن يتناول القضيّة الفلسطينيّة من منطلق تاريخيّ (موثّق أيضاً من خلال صوَر الأرشيف) واجتماعيّ مازجاً أيضاً الأجيال. ويشكّل الفيلم نموذجاً عربيّاً نادراً من «أفلام الطريق» (road movies) حيث الصحراء ليست كما في الأفلام الأميركيّة التي أنتجت في الفترة نفسها. في أفلام ما سمّي «هوليوود الجديدة»، شكّلت الصحراء فضاءً للتحرّر من جميع القيود الاجتماعيّة، بينما الصحراء في فيلم «المخدوعون» ستكون المقبرة التي تتحطّم فيها الأحلام وتحترق فيها الأرواح.

بالإضافة إلى شخصيّات المخدوعين الثلاثة، تبرز شخصيّة السائق الفلسطينيّ الذي يقودهم بشاحنته محاولاً تهريبهم ويعلن لأحدهم: «لازم تحط ثقتك فيّي، أنا القائد».

إلّا أّن القائد حُرم من رجولته بسبب إصابته من جرّاء لغم وكما يكتب ألدو نيكوسيا: «من السّهل اعتبار شخصيّة أبو الخيزران رمزاً عن القيادة العربيّة التي تفتقر للشرف والرجولة»١٨.

في زمن الإعلان عن ولادة السينما البديلة (١٩٧٢) كردّة فعل على الأفلام التجاريّة التي خدّرت الشّعوب بسذاجتها وإدخالها مشاهد الرقص في جميع أجناس الأفلام، يأتي هذا الحديث عن كوكب الراقصة معبّراً في قاعة مكيّفة فيما الآخرون في الخارج منسيّون. ويأتي «المخدوعون» كانطلاقة فعّالة في التطرّق للقضيّة الفلسطينيّة ممهّداً الطريق لفيلم آخر من إنتاج القطاع العام في سورية وهو: «كفر قاسم» (١٩٧٤) لبرهان علويّة.

يقول توفيق صالح: «بداية نضجي كمخرج هو «المخدوعون». لذلك أنا أقول: «يا خسارة أنا ما اشتغلتش بعد كده. ده كان ممكن يدفعني لحاجات أحسن، بس ما حصلْش».

«الأيّام الطويلة» في مديح صدّام

بعد التجربة السوريّة، انطلق صالح بتجربةٍ جديدة مع نظام بعثيّ آخر في العراق.

«بينما كنت أعدّ «المخدوعون»، زرت العراق لأستكشف البلاد وأوضاعها. كما سلكت طريق البصرة الكويت لأتعرّف إلى نوع الصحراء والمناظر التي عليّ تصويرها للفيلم والحصول على إذن تصوير. قابلت الصحّاف١٩ الذي كان مسؤولاً عن السّينما والمسرح ورئيساً للتلفزيون، وأعطاني تصريحاً. وعرض عليّ أن أنتقل للعمل في العراق. مع تجربة «المخدوعون» وصعوبة العمل في مصر وسورية، ذهبت إلى العراق مجدّداً لأدرس الوضع واتفقت مع العراقيّين على الإقامة في العراق والعمل فيها. لكنّ الخلافات لم تتأخّر في الظهور.

تمّ اختياري لأترأّس لجنة التحكيم في مهرجان قرطاج السينمائي، واختلفت مع الصّحّاف لأنّه منعني من السفر. لم أكترث لمنعه وسافرت إلى تونس. ولمّا عدت، كان من الظاهر أنّه قد بلّغ عنّي في المطار فتمّت معاملتي على نحو سيّىء. وعندما قرّرت أن أترك العراق وأعود إلى مصر، اتّصل بي وزير الثّقافة الجديد طارق عزيز واجتمعت به لمدّة ثلاث ساعات. انتقدتُ ما يحصل في العراق وكان مستغرباً، وفي النّهاية طلب منّي أن أقوم بإنجاز فيلم وثائقيّ عن الحضارة العراقيّة («فجر الحضارة»). وأعلمني أنّه سيتمّ نقل الصحّاف إلى وظيفة أخرى.

فيما بعد، طلب منّي صديق أن أقوم بإنجاز فيلم «الأيّام الطويلة» فاشترطْت أن أقابل صدّام حسين قبل أن أبدأ بكتابة السيناريو لأناقشه في بعض الأمور. نشأ مشروع الفيلم انطلاقاً من كتاب «الأيّام الطويلة». كان صدّام مريضاً وطالبتْه حاشيته بتسجيل كلّ حياته وبطولاته. حضر من الكتّاب وأخذوا يدوّنون ما يكتبه. كان أوّل من انتهى من الكتابة اسمه عبد الأمير معله وكان رئيس المؤسّسة العامّة للسينما والمسرح. كتب «الأيام الطّويلة» وهي قصّة تتناول أحداثاً عاشها صدّام حسين وهو في الـ١٩ من عمره، أوّل ما دخل في حزب البعث، ويتوقّف الكتاب عند محاولة اغتيال عبد الكريم قاسم الذي كان رئيس وزراء العراق. وقد تمّ اختيار أربعة أو خمسة شباب للقيام بهذه العمليّة، من بينهم صدّام حسين. فشلت العمليّة وأصيب صدّام حسين برجله».

يتابع فيلم «الأيام الطويلة» (١٩٨١) هروب صدّام حسين بعد فشل العمليّة واعتقال الآلاف من أعضاء حزب البعث. ويفتقر هذا الفيلم لأيّ بُعد نقدي لكون السّرد مبنيّاً على وجهة نظر صدّام حسين الذي يلعب دوره في الفيلم صدّام كامل. ويصبح لصدّام في هذا الإطار صفات أسطوريّة. «فنحن إزاء بطل من الفولاذ لا يشغله إلّا الوطن بتجريده المعمّم على طريقة الأناشيد»٢٠. «لم نره حتّى يشرب أو يأكل، فضلاً عن التّبوّل طبعاً»٢١.

وكأنّنا أمام فيلم دعاية في خدمة النّظام بعيدٍ كلّ البعد عن أعمال صالح السابقة التي كانت تفكّك الوضع وتظهر لنا الشخصيّات في لحظات ضعفها وفي طبيعتها الإنسانيّة الصرفة.

ومن المحزن أن يأتي هذا الفيلم بعد «المخدوعون» وأن يكون آخر أعمال صالح السينمائيّة وكأنّه خضع للنّظام هو الذي عمل طويلاً من الدّاخل من ضمن القطاعات العامّة المختلفة وواجهها. لكنّ صالح في حواري معه ظلّ متحفظّاً في إجاباته عن التجربة العراقيّة رغم كلّ الوقت الذي مرّ وسقوط النّظام البعثيّ العراقيّ وصدّام حسين سنة ٢٠٠٣.

ويذكر توفيق صالح: «من يشاهد الفيلم ويحلّله، يعرف أّنّني خرجت من النّطاق الضيّق. وقد أظهرت فيه كيف فشلتْ محاولة القتل وكيف تفكّك الحزب ليتكوّن من جديد خلال ١٥ يوماً. تمّ طبع ٣٧ نسخة من الفيلم لعرضه في جميع أنحاء العراق. وفي الأماكن التي كانت تفتقر لصالات العرض، عُرض في القاعات الكبيرة ومن بينها الأماكن المقدّسة مثل النجف وكربلاء. في تكريت، عُرض في قاعات الشباب. وكان للفيلم تأثير كبير جدّاً على شباب العراق. وأصبح الفيلم يُعرض في كلّ مناسبة وطنيّة وحفِظ الشعب العراقي كلّ حواراته».

العودة إلى مصر

بعد هذه التجربة الصّعبة في العراق والتّعامل المباشر مع النظام، عاد توفيق صالح إلى مصر وانتشرت أخبار مغرضة عن الأموال التي تقاضاها في العراق. لم يوفّق بفرصة جديدة تُمكّنه من استكمال المشروع السينمائيّ الذي جسّده فيلم «المخدوعون» وكم كنّا بحاجة لنرى كيفيّة تناوله المجتمع المصريّ في الثمانينيّات فيما كنّا نشهد على جيل جديد من السينمائيّين الواقعيّين.

«عدت إلى مصر لأعمل وكنت متحمّساً للعمل، لكنّني لم أوفّق. لم تؤدّ العلاقات مع المنتجين إلى أيّ مشروع يُذكر، فاتخذت قراراً بعدم القيام بأي مشروع فيلم، وهكذا توقّفت عن صناعة الأفلام. فقدت اهتمامي بالسينما وبحاجات كثيرة أخرى».

بقدر ما كان وقع هذا الحديث المباشر كبيراً عليّ، لفتني حديث آخر كان قد أدلى به صالح قبل بضع سنوات وقال فيه: «وقد فكّرت فعلاً في لحظة من اللحظات أن أعمل «سوّاق تاكسي» خاصّة أنّه حدث بعد عودتي وطوال خمس سنوات أنّ أحداً لم يتّصل بي»٢٢.

لم يبقَ أمام صالح سوى استكمال تجربة التعليم التي كان قد بدأها في العراق ومن ثمّ تابعها في مصر في المعهد العالي للسينما بأكاديميّة الفنون. وكان لهذه التّجربة وقْعها الكبير على الطلّاب، ومن خلال أحدهم وهو الصديق هاني عبد الساتر، تمكّنت من لقاء توفيق صالح وبناء العلاقة معه وتصويره فيما بعد.

كما كانت لي الفرصة أن أتعرّف إلى العديد من طلّابه من أجيال مختلفة، وفي كلّ مرّة كنّا نتحدّث فيها عن أستاذهم، كنت أرى هذا الإعجاب الكبير بالمعلّم الذي يقول:

«أنا تعلّمت من التعليم كيف أكون مخرجاً له لغةٌ واضحةً وله فكر واضح. جعلني التعليم أقرأ الكتب قبل أن أذهب إلى التّدريس. ومع الزّمن، جعلني أتعمّق بفهمي للسينما».

خيّبني المجتمع وزوّجني حياتي

«بالرّغم من المجهود الكبير الذي بذلتُه في أفلامي، إلّا أنّني أعتبر نفسي فاشلاً عندما أجد أنّني لم أصنع سوى سبعة أفلام في حياتي.

كان من المفروض أن أصنع أفلاماً بحسب رغبة الجمهور لكي أنجح. لكنْ بعد كلّ هذا العمر، أجد أنّ من الجيّد أنّني تركت فكرةً طيّبةً في الطلبة. صحيح أنّ أكثرهم خسروا عندما عملوا في السوق وكأنّنا لم ننصحهم. فلم يبقَ في حياتي سوى العائلة الصغيرة التي أسسْتها. نحبّ بعضنا البعض وأعتقد أنّ هذا أهمّ شيء أنجزْته في حياتي أكثر من الأفلام، والطلبة الذين يصنعون أفلاماً تجاريّة! ليست السينما التي خذلتني إنّما المجتمع الذي أعيش فيه. كنت بحاجة إلى أن أنجز أفلاماً تحرّك وعي الناس وتساعدهم في ظروفهم وحياتهم. كانت السينما كلّ تفكيري. صحيح أنّني كنت ألعب من وقت لآخر إنّما السينما كانت حياتي. بعدما قابلت زوجتي، غيّرت رأيي».

غيّب الموت توفيق صالح سنة ٢٠١٣ عن عمر ٨٧ سنة. بقيتْ أفلامه وقصص كواليس هذه الأفلام التي تكشف بعض الشّيء عن واقع السينما المصريّة والعربيّة، قصص أحلامٍ وانكسارات وتساؤلات مستمرّة يطرحها كلّ واحدٍ منّا يعشق السينما في بلادنا:هل يمكن للسينما أن تغيّر الواقع؟ هل يمكن أن تشارك في إصلاحه؟ هل السينما هي الحياة أم أنّها مجرّد مخدّر؟ هل هناك جدوى من معاركنا المستمرّة لإنجاز أفلامنا؟ أين تبدأ الحياة وأين تنتهي السينما؟

  • ١. سمير فريد، السينما المصريّة في نصف قرن (١٩٢٣-١٩٧٣)، الشركة التونسيّة للتنمية السينمائيّة والإنتاج (تونس) والمؤسسة العامة للخيالة (ليبيا) (١٩٧٣)، ص ١٦
  • ٢. الممثلة هي نعيمة عاكف زوجة مخرج الفيلم حسين فوزي
  • ٣. حصل توفيق صالح على هذه البعثة من رئيس القسم الفرنسي في كلية الآداب
  • ٤. Sciuscià (1946)- Vittorio De Sica
  • ٥. Le voleur de bicyclette (1948)- Vittorio De Sica
  • ٦. Miracle à Milan (1951)- Vittorio De Sica
  • ٧. IDHEC: Institut des Hautes Etudes Cinématographiques أصبحت الإيدك الفيميس (La Fémis) سنة ١٩٨٦: La Fémis Ecole Nationale Supérieure des Métiers de l'Image et du Son
  • ٨. أي École nationale supérieure Louis-Lumière
  • ٩. عنوان الفيلم: Bouquet de joie إخراج موريس كام سنة ١٩٥١
  • ١٠. «السوق السوداء» (١٩٤٥) من إخراج كامل التلمساني
  • ١١. «رنّة الخلخال» (١٩٥٥) من إخراج محمود ذو الفقار
  • ١٢. برلنتي عبد الحميد
  • ١٣. «شباب امرأة» (١٩٥٦) من إخراج صلاح أبو سيف
  • ١٤. توفي الرئيس جمال عبد الناصر سنة ١٩٧٠
  • ١٥. أحداث أيلول الأسود هي المواجهات العسكريّة التي حصلت بين الجيش الأردني والمقاومة الفلسطينيّة في الأردن في أيلول ١٩٧٠ وأدّت إلى انتقال قيادة المقاومة الفلسطينيّة إلى لبنان
  • ١٦. يمكن أن نقرأ في رواية غسّان كنفاني المقطع التالي في هذا الإطار: «دار (أبو الخيزران) حول نفسه دورة وكأنه خشي أن يقع فصعد الدرجة إلى مقعده وأسند رأسه فوق المقود: لماذا لم تدقّوا جدران الخزان؟ لماذا لم تقولوا؟ لماذا؟ وفجأة بدأت الصحراء كلها تردد الصدى: لماذا لم تدقّوا جدران الخزان؟ لماذا لم تقرعوا جدران الخزان؟ لماذا؟ لماذا؟ لماذا؟» (ص ٩٣)
  • ١٧. مرسيل مارتان: ناقد سينمائي فرنسي شيوعي مهمّ، مؤلّف لعدّة كتب كما كتب في «سينما ٥٥» و«مجلّة السينما»
  • ١٨. Aldo Nicosia, Il romanzo arabo al cinema, Carocci editore, Roma, 2014, p.61
  • ١٩. محمّد سعيد الصحّاف الذي اشتهر فيما بعد بالأخص كوزير للإعلام خلال الغزو الأميركي للعراق سنة ٢٠٠٣
  • ٢٠. محسن ويفى، سينما توفيق صالح، وزارة الثقافة المصريّة، القاهرة، ص ١٨٨
  • ٢١. المرجع السابق، ص ١٨٨
  • ٢٢. المرجع السابق، ص ٢٢٠
العدد ١٧ - ٢٠١٧
عندما تلتزم السينما العربيّة بالواقع

إضافة تعليق جديد

تهمّنا آراؤكم ونريدها أن تُغني موقعنا، لكن نطلب من القراء أن لا يتضمن التعليق قدحاً أو ذمّاً أو تشهيراً أو تجريحاً أو شتائم، وأن لا يحتوي على أية إشارات عنصرية أو طائفية أو مذهبية.