العدد السادس - صيف ٢٠١٣

تلاقي الأضداد

الموقفان الإيراني والتركي من سقوط «إخوان» مصر

النسخة الورقية

أحد أهم تناقضات المشهد الإقليمي حالياً هو تلاقي أشد الخصوم في الموقف من حدث أو أزمة أو قضية إقليمية، فيما يقفان على طرفي نقيض، وأحياناً في تواجههما في أزمة أو قضية أخرى. وقد كان موقف كل من إيران وتركيا من إسقاط حكم جماعة الإخوان المسلمين في مصر تجسيداً حياً لمثل هذا التناقض، حيث التقى الخصمان الإقليميان في موقفهما الرافض لإنهاء حكم الجماعة، وإدانة وجود الجيش المصري في المشهد السياسي، لكن اختلفت لغة الرفض وخطابه، وبالتأكيد دوافع كل طرف، التي تعبّر بالأساس عن طبيعة مصالحه، وحجم خسائره من تغيير السلطة في مصر، بعد أن كان على رأسها جماعة أقرب انتماءً (أيديولوجياً وسياسياً) إلى تركيا من إيران. فهذه الأخيرة كان العامل المشترك بينها وبين تلك الجماعة هو كونها تنظيم إسلام سياسي، وإن اختلف أيديولوجياً. لذا بدا الموقفان متقاطعين، ما يتعين معه ضرورة قراءة أسباب التلاقي، وحدوده، وطبيعته، للإجابة عن تساؤل: «هل هو تلاقٍ يمكن اعتباره اصطفافاً لخصمين؟»، أم أنّ الظرف الموضوعي فرض على أحدهم (إيران) اتخاذ موقف يبدو متقاطعاً مع خصمه، فحاول بكل الطرق، وعلى مستوى الخطاب والتصريحات، التأكيد أن موقفه في محدداته، وحدوده، يختلف عن مواقف خصومه؟

الاختلاف في درجة الرفض وطبيعة الخطاب

في البداية، لم يبدُ أنّ ثمة اختلافاً كبيراً بين موقف إيران وموقف تركيا من عزل الرئيس محمد مرسي في ٣ يوليو/ تموز الفائت، فكما أدان رئيس وزراء تركيا، رجب طيب أردوغان، عزل الرئيس مرسي، واعتبره الرئيس الشرعي لمصر، وممثل إرادة الشعب المصري، ورفض بشدة ما وصفه بالانقلاب العسكري على حاكم جاء عبر انتخابات ديمقراطية، وذلك في موقف تتوافر كل دوافعه لدى تركيا، الحليف الإقليمي الأكبر لجماعة الإخوان، أدانت إيران أيضاً عزل مرسي، على الرغم من أن علاقاتها مع الإخوان، عندما كانوا على رأس السلطة، اتسمت بالتقارب الحذر من قِبلهم، والمحاولات الحثيثة من قِبل إيران لخلق أي صيغة للتعاون. ومع ذلك انتقدت الخارجية الإيرانية، على لسان المتحدث باسمها، عباس عراقجي، في ٧ يوليو/ تموز، «تدخل الجيش في السياسية لإطاحة من تمّ انتخابه ديمقراطياً». لكنّ بيان الخارجية الإيرانية اعترف في الوقت نفسه «بعدم كفاءة الرئيس مرسي في إدارة البلاد، وخاصة الشؤون الخارجية»، ولا سيّما أنّ سياسته تجاه إيران ذاتها كانت أبرز دلائل انعدام رؤيته الخارجية، وعشوائية سياساته، وتخبطها.

في مقابل استمرار حدة خطاب أردوغان تجاه ما يحدث في مصر، خفضت إيران من لهجتها بعد غضب الإدارة المصرية المؤقتة، ما اعتبرته تدخلاً في الشأن المصري من قِبل إيران، ما اضطر وزير خارجيتها للتصريح بأنّ «الشعب المصري هو الذي يجب أن يحدد مصير بلاده»، وأنّ «الجيش المصري هو جيش وطني»، مع تأكيده إدانة مقتل الأبرياء. وهو ما بدا حرصاً على عدم قطع ما وصل بين البلدين أثناء حكم مرسي، وإن لم يكن على المستوى الذي تريده إيران.

جاء فضّ اعتصامي «رابعة العدوية»، و«النهضة» وما نجم عنه من ضحايا وأحداث، ليجمع الخصمين مرة أخرى، وإن لم يكن أيضاً في مستوى التصعيد، لكنه كان التقاءً على مستوى توصيف الحدث والاتفاق على إدانته، فقد اتفقت إيران مع تركيا في وصف ما حدث في فضّ اعتصامي جماعة الإخوان بـ«المجزرة»، كما جاء في بيان للخارجية الإيرانية أدانت فيه ما قامت به الحكومة المصرية، واعتبرته يهدد بنشوب «حرب أهلية». وفي عزاء قدمه الرئيس الإيراني، حسن روحاني، إلى الشعب المصري في «الفاجعة التي ألمّت به»، مبدياً تعاطفه معه، في ١٧ أغسطس/ آب، وجّه روحاني حديثه إلى الجيش المصري، مذكراً إياه بأنّ «الشعب المصري شعب حر وعظيم، وطريق الشعب هو طريق الديمقراطية والإسلام؛ فعلى العالم بأسره أن يحترم إرادة الشعب المصري».

على الرغم من هذا الموقف الواضح والحاد من قبل إيران، الذي أعقب أحداث فضّ الاعتصامين مباشرة، فإن التصعيد عملياً كان من ناحية تركيا، التي استدعت في اليوم التالي (١٥ أغسطس/ آب) سفيرها لدى القاهرة للتشاور، وهو ما ردت عليه الخارجية المصرية باستدعاء السفير المصري لدى تركيا، وصعّدت الحكومة المصرية في اليوم التالي بإعلانها وقف التدريبات البحرية المشتركة «بحر صداقة» مع أنقرة، فضلاً عن أنّ رئيس الوزراء التركي دعا الأسرة الدولية، وعلى رأسها مجلس الأمن الدولي والجامعة العربية، في ١٥ أغسطس/ آب، إلى وقف ما وصفه بـ«المجزرة» في مصر فوراً.

في مقابل ارتفاع حدة أردوغان، على مستوى التصريحات، خفّت حدة الموقف الإيراني، الذي تضمن منذ البداية، وبرغم رفضه خلع مرسي، الاعتراف بأخطائه وفشل جماعة الإخوان، بينما استمر أردوغان يُثني على مرسي وحكمه، ويتهم كل معارضيه. وفي تصريح له، في ١٧ أغسطس/ آب، وصف «الذين صمتوا عن الانقلاب العسكري في مصر» بأنهم «أثبتوا ازدواجية معاييرهم؛ لأنهم يعرفون أن مرسي كان سيطور مصر، ويعطيها دفعة للأمام، وهو الأمر الذي لا يناسبهم». بل إن أردوغان ادعى أن لديه وثائق تثبت «وقوف إسرائيل وراء الانقلاب في مصر»، فيما اكتفت إيران بتمنياتها للقائمين على الحكم في مصر بأن «يتحلوا بالوعي اللازم، والانتباه إلى أنّ المنتفع الحقيقي من وراء النزاع في مصر هو الصهاينة».

إيران ومحاولة الحفاظ على مكاسب هشّة

لم يكن لإيران أن تثبت وتصمم على موقف معارض حادّ من الحكم الجديد في مصر مثل خصومها، إقليمياً ودولياً، تركيا والولايات المتحدة؛ فبالنسبة إلى الأخيرة ثمة مصلحة إيرانية في توتير العلاقات بينها وبين مصر، أياً كان السياق؛ إذ إنّ أي حسم من نفوذ الولايات المتحدة في مصر يصبّ في مصلحة إيران، وخاصة أنّ دفء العلاقات المصرية - الأميركية بعد ثورة يناير/ كانون الثاني، فترتي حكم المجلس العسكري وجماعة الإخوان، كان من عوامل عدم تقدم العلاقات الإيرانية مع مصر، وفقاً لرغبة إيران وإرادتها، التي ارتكزت على تجنب العودة إلى سياسات نظام مبارك، واعتبار إيران خصماً لمصر.

تدرك إيران أنّ سياسة الإخوان الإقليمية لجهة العلاقات معها، كانت حذرة وبراغماتية، ولم تعبّر عن أي تغيير جذري في الاستراتيجية والتوجهات، وقامت على رد الفعل. لكن يبدو جلياً اليوم أمام إيران أنها أخطأت التقدير في التعويل على براغماتية جماعة الإخوان، التي لم يخف على أحد ترددها وتذبذبها وتقدمها خطوة وتراجعها خطوتين في علاقتها مع إيران، نتيجة ضغوطات داخلية من قِبل التيار السلفي، وأخرى خارجية تتعلق بالتزامات الجماعة تجاه داعميها من الغرب؛ إذ فقدت إيران بذلك كثيراً من التيار المدني الذي رحب بعد الثورة بإقامة علاقات معها من منطلق التوازن الإقليمي، وإعادة هيكلة السياسة الخارجية المصرية ورفض توجيهها من قِبل أي طرف إقليمي أو دولي، كان يُملي على مصر السياسات التي تتوافق ومصالحه. لكن الدعوات لتفعيل العلاقات مع إيران ما لبثت أن تجمدت إثر التدخل الإيراني في الأزمة السورية، ثم محاولات نظام مرسي التقارب من إيران، التي كانت مثار انتقاد معظم التيار المدني، باختلافاته وتبايناته الأيديولوجية، من منطلق معارضة النظام الإخواني وكل ممارساته، وانعدام الثقة في نيات الجماعة على المستويين، الداخلي والإقليمي، فضلاً عن حرص جزء من التيار المدني على العلاقات مع دول الخليج، ورفض أي محاولة من قبل الإخوان لتوتيرها، وفقدان الدعم الخليجي لمصر. وثمة سبب آخر يتعلق بطبيعة النظام الإيراني الديني الذي يجلس على قمته مرشد أعلى، وهو ما مثل فزاعة للتيار المدني من سيطرة مرشد الإخوان على النظام والحكم، وتمثيله لإرادة فوقية تعصف بمدنية الدولة ومسار تحولها إلى الديمقراطية.

لذلك، في إطار مراجعة حساباتها، حرصت إيران على عدم تصعيد موقفها، وتبني خطاب معادٍ بشكل واضح لحكم ما بعد الإخوان في مصر؛ من أجل الإبقاء على إمكانية التعاون مستقبلاً، فجاء اعتراضها على تدخل الجيش في السياسة، لا هجوماً مباشراً على الحكم الجديد، الذي ينفي بدوره أنّ الجيش يتدخل في المسار السياسي، وذلك حرصاً منها على: أولاً: تحسين الصورة لدى معظم التيارات المصرية بعد تأثير حكم الجماعة المرفوض من قبل هذه التيارات على تفعيل العلاقات مع إيران، لكونها ذات نظام ديني، وبالأساس لأنها تعاونت مع الإخوان. ويأتي هذا الحرص خشية أن تخسر المكاسب الهشة التي حصلت عليها في علاقتها مع مصر، فترة حكم الإخوان. ثانياً: استغلال حالة التوتر، وإن كانت مؤقتة، بين الإدارة الأميركية والحكومة الحالية في مصر، حتى إن كانت لن تؤدي إلى تغيير استراتيجي، بما يؤثر على أمن «إسرائيل»، أو يدفع تلك الحكومة تجاه إيران، نظراً إلى عدة اعتبارات أهمها عدم وجود نظام سياسي واضح التوجهات بعد في مصر، وارتباك الوضع الداخلي، أمنياً وسياسياً، وعدم قدرة المؤسسة العسكرية المصرية خلال هذه الفترة الانتقالية على القيام بمثل بتغيير كهذا؛ إذ تَشكل شبه تحالف بين الحكم الجديد ودول الخليج التي سارعت إلى دعم تحرك الجيش، وحكومة ما بعد ٣ يوليو/ تموز، في وقت يواجه فيه اصطفافاً دولياً معارضاً، وتهديدات بقطع المساعدات الأميركية والأوروبية، وهو ما أجادت استغلاله بعض دول الخليج التي أسرعت بتقديم الدعم المادي للحكومة، ما جعلها الداعم الرئيسي للحكم الجديد، الذي من غير المتوقع تخليه عن بقاء قضية «أمن الخليج» على رأس أولوياته في الأجندة الخارجية.

تركيا وتهديد المشروع والنموذج

بالنسبة إلى تركيا، فخسائرها من سقوط جماعة الإخوان أكبر، ما يفسّر موقفها الأكثر حدة على الإطلاق في كل المواقف الإقليمية والدولية، وليس فحسب مقارنة بالموقف الإيراني؛ إذ بخلاف الانتماء الأيديولوجي الجامع بين إخوان مصر وتركيا، فإن فشل تجربة الإخوان في مصر يعرّض مشروع تركيا الإقليمي للإجهاض، ليس فحسب المشروع الذي بدأت تدشينه بعد وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم في تركيا، والذي حاولت بلورته في ما سمي «النموذج التركي»، وسعت لتصديره إلى المنطقة كنموذج لحكم دولة يجلس على رأس السلطة فيها حزب إسلامي «معتدل» استطاع تحقيق نجاحات على مستويات عدة، لكن أيضاً المشروع الجديد، الذي كان قيد التدشين في الفترة الأخيرة من حكم جماعة الإخوان. ويتمثل هذا المشروع في إعطاء تركيا الوكالة كالقوة الإقليمية الأكبر في المنطقة من قِبل الولايات المتحدة، بعد المصالحة بينها وبين «إسرائيل» برعاية أميركية، ولرعاية مصالحها، التي يضمنها وجود تحالف استراتيجي بين حليفيها الاستراتيجيين، على حد قول أوباما.

وفي هذا التحالف الذي تتقدمه تركيا وإسرائيل تَحدد أن يكون موقع مصر الإخوان فيه تحت مظلة تركيا، على الرغم من تعارض ذلك مع مشروع الإخوان الأيديولوجي، لكن التزاماتهم تجاه الولايات المتحدة، وحرصهم على استمرار دعمها، من أجل البقاء في الحكم، كان من الممكن أن يضمن تبلور هذا التحالف، ورضوخ الإخوان للدخول فيه بالشروط الأميركية وبقيادة تركية إقليمية.

وبغض الطرف عن عدم بلورة تحالف كهذا حتى الأيام الأخيرة من حكم الإخوان، فإن تركيا استفادت بعلاقاتها معهم، أكثر مما قدمته لهم، فبدت الطرف الإقليمي الأقوى، الداعم الرئيسي لتنظيم إسلام سياسي، يحكم دولة مركزية، ويبدو في حاجة لدعمها على عدة مستويات لكسر الحصار المفروض حوله إقليمياً. وبرغم تعاليه على فكرة الانضواء تحت نموذجها، لم يستطع فرض نموذجه الخاص، بل أضحى أكثر ما يستطيع فعله هو التغني بنجاح الحليف الإقليمي الإسلامي «المعتدل»، وإثبات أن ثمة إمكانية لتحقيق نجاح مماثل.

لذلك فسقوط الجماعة في مصر، وتزامنه مع تصاعد حركة المعارضة الداخلية ضد حكم أردوغان، يهدد مشروع حزب العدالة والتنمية، ويزلزل الأرض تحت أقدام الإسلام السياسي «المعتدل» في المنطقة برمتها، ويهدد مشروعات الزعامة الإقليمية التركية. فمن الطبيعي أن يناهض الحكم في تركيا الحكم الجديد في مصر، بما يميزه عن أي موقف آخر، من حيث الدوافع والأهداف.

المرجعية الدينية أم المصالح الاستراتيجية؟

يطرح تفسير تقاطع الموقفين الإيراني والتركي من إزاحة جماعة الإخوان عن حكم مصر وتداعياته، تساؤلاً عن السبب الرئيسي في هذا التقاطع، والمتعلق بالمرجعية الدينية، وحدود تأثيرها في موقف كل طرف، أم أن الأمر يتجاوزها ويتعلق بالمصالح فحسب.

بالنسبة إلى تركيا، فقد ارتكزت نظرة الإخوان إلى النموذج التركي على «إسلاميته» وبراغماتيته، وكونه نموذجاً مُلهماً للسيطرة على مؤسسات الدولة، وفي القلب منها المؤسسة العسكرية، فهو نموذج ناجح لحكم الإسلام السياسي، فكان هذا هو الدافع الرئيسي للاتجاه بقوة إلى تركيا، أي اعتبارات مصالح التنظيم وليس الدولة. إذ لم تكن اعتبارات المصالح الإقليمية لمصر، وهي تندفع باتجاه قوة إقليمية منافسة، ضمن حسابات الإخوان، لذا فقد استمر ذلك هو الدافع حتى بعد إعلان إخوان مصر تحفظهم على فكرة تطبيق «النموذج التركي»، عندما صدمتهم تصريحات رجب أردوغان، وقت وجوده في مصر في أول زيارة له بعد الثورة، في سبتمبر/ ايلول ٢٠١١، عن هوية تركيا العلمانية. ثم جاء تطور الأحداث إبان حكم الجماعة ليفرض سبباً آخر يتعلق بالعزلة الإقليمية التي فرضت حول النظام، فلم يكن أمامه سوى تركيا كحليف إقليمي قوي، في حين أن حاكم تركيا الشديد البراغماتية كانت الأولوية، في أسباب تحالفه مع إخوان مصر، هي لإنضوائها تحت القيادة الإقليمية لتركيا، وإن وقفت أمام ذلك عقبات عدة، منها موقف السلفيين الرافض للنموذج التركي، وصعوبة قبول الجماعة ذلك لأسباب تتعلق بجوهر مشروعها. ثم جاء الانتماء الأيديولوجي في الترتيب الثاني، لذا فتفسير موقف تركيا الحالي من إزاحة الإخوان عن حكم مصر لا يرتبط بهذا الانتماء فحسب، الذي بالتأكيد له تأثير قوي على وجود الإسلام السياسي في مجمله كنموذج للحكم في المنطقة، ونموذج قدم نفسه على أنه «الإسلام المعتدل»، وما لبث أن سقط في مصر، بعد عام واحد من الحكم، سقط بممارساته وبخطابه «المعتدل»، لكنه يرتبط أيضاً بتسبب هذا السقوط في إفشال مشروع إقليمي ارتكز على دور محوري لتركيا في ترتيبات ما بعد الربيع العربي.

كما تختلف جماعة الإخوان أيديولوجياً مع نموذج حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، صاحب الطبيعة الصوفية، تختلف أيضاً مع إيران الدولة الدينية، الشيعية المذهب، اختلافاً أشد، لكن إيران التي انحصرت رؤيتها للثورة المصرية على أنها «صحوة إسلامية»، الأمر الذي أثار استياء كثير من القوى المصرية المدنية، وقتذاك، فضّلت وجود قوة إسلامية المرجعية على رأس السلطة في مصر، مع الاختلاف، ودعمت وحليفها، «حزب الله»، صعود مرسي إلى الحكم، اعتقاداً منها أن الفصيل إسلامي التوجه، وإن اختلف، فهو الوحيد الذي سيسمح بالخروج من دائرة تجمد العلاقات. لكنها وُوجهت بأنّ الاختلاف المذهبي كان من أهمّ العقبات أمام الإخوان في سعيهم إلى إقامة علاقات مع إيران، بل كان مُحدِداً رئيسياً لرفض السلفيين هذه العلاقات، وضغطهم على الجماعة من أجل تجميدها، ما اضطر الإخوان في أيام مرسي الأخيرة إلى التضحية بها تماماً، حفاظاً على تحالفهم الداخلي مع السلفيين في مواجهة التكتل المعارض، وهو ما بدا في سماح مرسي لحلفائه من الإسلاميين بسبّ الشيعة وتكفيرهم، على مرأى ومسمع من الجميع، الأمر الذي أعقبه حادث عنف طائفي بشع في محافظة الجيزة، فضلاً عن هجوم مرسي شخصياً على «حزب الله».

مع ذلك، فإن البعد الأيديولوجي كان حاضراً لدى إيران، وإن كانت المصالح تتقدم كل الاعتبارات بالنسبة إليها، لكنه لم يكن مُهماً بالنسبة إلى الإخوان، بل شكل إزعاجاً لهم من قِبل حلفائهم الداخليين الذين يعتبرون أن الشيعة ليسوا مسلمين بالأساس، ولا تجمعهم بهم مرجعية. بيد أن الإخوان اعتبروا العلاقات مع إيران ورقة للابتزاز الخليجي، ومناورة إقليمية. بشكل عام، إن الغلبة للمصالح على حساب الأيديولوجيا بالنسبة إلى الطرفين، الإيراني والتركي.

إجمالاً، فإن المشهد الإقليمي تتسم تفاعلاته بالسيولة والبراغماتية، وعدم وجود تحالفات متماسكة، أو مواقف متقاطعة في المطلق من أزمات وقضايا المنطقة، لذا فإن التقاء تركيا وإيران في موقفهما مما حدث في مصر هو جزء من سياق عام، اتفقت فيه تركيا في الموقف من سورية مع من اختلفت معها في ما يتعلق بمصر، وهي دول الخليج، التي تدعم المعارضة السورية، بإخوانها، عسكرياً وسياسياً، في الوقت الذي وقفت فيه تلك الدول مع الحكم في مصر في مواجهته لجماعة الإخوان. وإيران التي كانت تفضل حكم الإخوان في مصر وأعلنت رفضها لإزاحته، وتقاطعت في ذلك مع أشد خصومها الإقليميين (تركيا) - مع اختلاف درجة الرفض وأسبابه - تواجهه في سورية بتحالفها مع نظام بشار الأسد.

إذن، فالوقوف أمام نقاط التلاقي والاختلاف بين أيًّ من القوى الإقليمية أثناء محاولة قراءة المواقف وتفسيرها، يرتبط بضرورة القراءة الشاملة للتفاعلات الإقليمية، وسياقها العام، وتحديداً مصالح كل طرف كمحدد رئيس يحكم مواقفه، والخروج من دائرة التقسيمات الساكنة التي حكمت تفسيرات المشهد الإقليمي قبل عام ٢٠١١.

العدد السادس - صيف ٢٠١٣
الموقفان الإيراني والتركي من سقوط «إخوان» مصر

إضافة تعليق جديد

تهمّنا آراؤكم ونريدها أن تُغني موقعنا، لكن نطلب من القراء أن لا يتضمن التعليق قدحاً أو ذمّاً أو تشهيراً أو تجريحاً أو شتائم، وأن لا يحتوي على أية إشارات عنصرية أو طائفية أو مذهبية.