احتفل لبنان في هذا العام بالذكرى المئة لولادة الاديب والمفكر العربي التقدمي الكبير رئيف خوري (١٩١٣-١٩٦٧). اسهاما في تكريم رئيف والتعريف به، ننشر فيما يلي صفحات من الكتاب الجامع الذي يعدّه عنه الدكتور أحمد علبي بعنوان «رئيف خوري، داعية الديمقراطية والعروبة»
رئيف يعرّب «أَنصار ماركوس»
في عام ١٩٤٨ وحركة الأَنصار الشيوعيّين في اليونان في أوجها، وقد حرّرت الكثير من الأرض واكتسحت العاصمة اليونانيّة أثينا، وذلك بقيادة الزعيم الشيوعيّ ماركوس، وبمساعدة الرفاق في البلقان، وبخاصّة الرفاق اليوغسلاف، المتاخمين لهم، وعلى رأسهم تيتو. في هذا الوقت العصيب جرى حلّ الأُمميّة الشيوعيّة، أي «الكومنفورم» الذي خَلَفَ «الكومنترن»، وهو مركز إعلاميّ مشترك للأَحزاب الشوعيّة على النطاق الأُمميّ. وقد رحّب رئيف خوري بهذا الحدث وعلّق عليه قائلاً: «وقد وافقت الأَحزاب الشيوعيّة على اقتراح الحلّ، ومنها الحزب الشيوعيّ السوريّ اللبنانيّ. ونحن، وإن كنّا لم نشكّ يوماً في صدق وطنيّة الحزب الشيوعيّ في سوريا ولبنان، نعتقد أنّ حلّ الأُمميّة الشيوعيّة سيقنع جميع حسني النيّة الذين كانت تخامرهم ريبة بأنّ الحزب الشيوعيّ من الوطن وللوطن؛ وسيكون عاملاً من العوامل القويّة لتوحيد الصفوف وخلق جبهة وطنيّة متّحدة تخدم البلاد»١. بيد أن الحلّ، كما بيّنت الأَيّام، كان شكليّاً؛ بدليل أنّ حلّ الكومنفورم اقترن بشأنٍ آخَرَ خطير، هو طرد الحزب الشيوعيّ اليوغسلافيّ من الأُمميّة الشيوعيّة، وذلك بسبب الخلاف الذي شَجَرَ بين تيتو وستالين. والسبب المعلن هو الميول القوميّة لدى تيتو. وهنا وقع الرفاق اليونانيّون في مأزق مدمّر. فقد انعكس الخلاف بين تيتو وستالين على حركتهم الثوريّة، التي كان يناوئها الملك والطغمة العسكريّة اليونانيّة والحلفاء من الإنكليز، الذين نزلوا اليونانَ لمساندة الملك والرجعيّة. وحلّت المأساة بالشيوعيّين اليونان الذين تفرّقوا أَيديَ سبأ، كما نقول في العربيّة، لاجئين بالآلاف إلى أَنحاء أوروبّا الشرقيّة والغربيّة، خوفاً على أنفسهم من سيف الغدر والانتقام. في هذا الوقت، والحملة المعادية لتيتو انطلقت شعواء، إذ إنّ أيّ مخالفةٍ للمركز موسكو، ولسيّده المطلق ستالين، كانت بمنزلة الهرطقة والعمالة للامبرياليّة والخيانة العظمى، إلى آخِر النعوت التي كانت رائجة عهدذاك؛ في هذا الوقت أصدر رئيف خوري كتابه المترجم: في زيارة أَنصار ماركوس، وقد عرّبه وقدّم له٢. يقول كريم مروّه في مقالته، السالفة الذكر: «لقد اعتبر الحزب صدور الكتاب المذكور وثيقة اتّهام لرئيف، إذ اتُّهم بالانحياز إلى تيتو في صراعه مع ستالين، الذي كان رئيف قد كتب الكثير عنه ونظم في تمجيده أجمل القصائد. أصبح رئيف، إذن، «تيتويّاً»!٣
على أنّ هاشم الأمين، الذي كان معاصراً يوماً بيوم لترجمة هذا الكتاب، ينفي تماماً ما ذهب إليه كريم مروّه من أنّ ترجمة هذا الكتاب كانت من الأَسباب الدافعة إلى إبعاد رئيف خوري عن الحزب. «لقد أخذ رئيف بترجمة كتاب «أَنصار ماركوس» بأمر من اللجنة المركزيّة. فلمّا وقع الخلاف بين ستالين وتيتو، وطُرد الحزب الشيوعيّ اليوغسلافيّ من الحركة الشيوعيّة، توقّف رئيف عن متابعة الترجمة... وطلبني يوماً خالد بكداش إلى مقابلته، وكان مختبئاً، فكان في جملة حديثه لي أن سألني: أين وصل رئيف بترجمة كتاب «أَنصار ماركوس»؟ فقلتُ: توقّف عن متابعة الترجمة. وبيّنت له السبب. فقال بكداش: لا، لا، هذا لا يمنع من ترجمة الكتاب وطبعه. أَبْلِغْ رئيفاً أن يواصل الترجمة وأن يطبع الكتاب. وهكذا كان»٤. ثم إنّ رِضْوان الشهّال ـ الذي سيكون لاحقاً في كورس المهاجمين الشرسين لرئيف ورفاقه، إثر خلافهم مع الحزب ـ رِضْوان هو الذي رسم غلاف الكتاب.
أمّا أنّ رئيف خوري كان، برغم حماسته لثورة أكتوبر والبلاشفة وإشادته الدائمة بالاتحاد السوفياتيّ وعلى رأسه ستالين، كان عاتباً على الرفاق السوفيات، فهو لم يخفِ عتبه عنهم بل قاله جِهاراً: «ولم أجد تجاه العرب، في حقل السياسة الخارجيّة التي يتبعها الاتحاد السوفياتيّ، ما لا أؤيّده، سوى اقتراع المندوب السوفياتيّ في جامعة الأُمم المتّحدة بالموافقة على تقسيم فلسطين... ولو أنّه دلوٌ أُلقي في ثلاثة وثلاثين دلواً... ولعن الله من فتح البئر!»
فشيوعيّة رئيف لم تطفئ حسّه القوميّ، وهو المغرم بالعرب والعروبة وبالأدب العربيّ وبالتراث؛ فالأُمميّة الحقيقيّة تدعو إلى الحسّ القوميّ السليم، وهما أشبه بالأَواني المستطرَقَة. ورئيف قد عاين، بلا ريب، ما حلّ بقائدٍ شجاع يُشيد الرفاق قاطبةً بأخلاقيّته واستقامته وسداد رأيه، وهو فرج الله الحلو. إنّ رئيفاً من «نابَيْه»، فوق إنطلياس في المتن الشَّماليّ؛ وفرج الله من «حصرايل»، فوق عَمْشيت في بلاد جبيل. فهذا الجبل اللبنانيّ أعطى في هذين المنبتين، وفي غيرهما من عشرات المنابت الجبليّة، رجالاً أحراراً في شرقنا العربيّ نادوا بأَفكار العَلْمانيّة والتنوير، ودعوا إلى مناهج العدالة الاجتماعيّة، وارتضوا العروبة لواء خفّاقاً، أو كما يقول رئيف خوري في عنوان إحدى دراساته الباكرة: «القوميّة العربيّة الجامعة طريق الخلاص»٥.
وكما وقف رئيف وقفة العاتب واللائم من الاتحاد السوفياتيّ٦، فإنّ فرج الله جرى على الموجة ذاتها. فقامت قيامة خالد بكداش عليه، والذي كان مولجاً بالترويج لكلّ ما يصدر عن المركز موسكو، برغم حلّ الأُمميّة الشيوعيّة ومكتبها الكومنفورم. وهناك رسالة شهيرة دُعيت «رسالة سالم»، وهو الاسم الحركيّ السرّيّ لفرج الله؛ وهو يقوم فيها بدور النقد الذاتيّ العنيف الشامل، لما اتهمته به القيادة المركزيّة في الحزب الشيوعيّ اللبنانيّ السوريّ من أَخطاءٍ وانحرافات وميول كوسموبوليتيّة وقوميّة شوفينيّة؛ وقد عمّمت القيادة المركزيّة، في أواسط شباط ١٩٥٢، هذه الرسالة على جميع منظّمات الحزب٧.
«رسالة سالم» لفرج الله الحلو
ونحن أميل إلى الاستغراب في نسبة «رسالة سالم» إلى قلم فرج الله نفسه، لأنّ فيها من اضطراب العبارة وتشوّشها، كذلك من ركاكة الفكر أَحياناً وغرقه في أسلوب سرديّ يكرّر الشعارات؛ ممّا لا يأتلف مع ما عرفنا لفرج الله من كتابات حاشدة في جريدة «صوت الشعب»، أو في «كتابات مختارة»، أو خصوصاً في التقرير الذي قدّمه في اجتماع اللجنة المركزيّة للحزب الشيوعيّ في سوريا ولبنان، المنعقد بدمشق في حزيران عام ١٩٣٧. ففي هذا التقرير المعنون: «قوّة الحزب الشيوعيّ في تنظيمه الديمقراطيّ وقيادته الديمقراطيّة»، نقع على صفاء التفكير، ونصاعة التعبير، وسلامة الموقف، ونبالة الوطنيّة، والانضباط الحزبيّ، والرقيّ الأَخلاقيّ٨؛ فهي كلّها معانٍ سامية تناقض تماماً ما اشتملت عليه رسالة الانتقاد الذاتيّ من المخازي التي ينسبها فرج الله لنفسه، بحيث يبدو وكأنّه المتآمر الفذّ على حزبه والمخرّب الأعظم؛ بحيث بات مهدَّداً بالطرد من الحزب، لولا اعترافه الصريح العاري بتلك المخازي. أمّا خالد بكداش فهو الرفيق الأكبر، النصوح، الهادي، القائد الملهَم الذي ينمّي لدى رفاقه الحقد الطبقيّ على الاستعمار وعملائه. «كلّ هذا، ولم أَحفل بالانتقادات المستمرّة التي توجَّه إليّ، ولا التنبيهات الأخويّة والتحذيرات الشديدة. لقد كانت هناك أَشياء تمنع وصول الانتقاد إلى أَعماق قلبي، حتّى سمّيتُ انتقادات الرفيق بكداش مرّة «وعظاً»٩.
ونحسَبُ أنّ جميع المآخذ على فرج الله كانت إطاراً وديكوراً، فبيت القصيد، في هذا الموّال كلّه، هو موقف فرج الله الحلو من موضوع تقسيم فلسطين، كذلك موقفه من قضيّة رئيف خوري ورفاقه من المثقّفين.
بكداش يُرسل فرج الله إلى حتفه
على أنّنا، في واقع الحال الذي نعرفه، يمكن أن ندرك ونفسّر ما اشتملت عليه «رسالة سالم» من اضطراب في المبنى والمعنى كليهما. إنّ كاتبها قائد مرموق، ترك في نفس كلّ شيوعيّ عرفه عن كثب انطباعاً لا يُنسى، من سعة الأفق ودماثة الخُلُق والتواضع الجمّ، «وكان دائماً يوصلك إلى القناعة بفكرة يريدها هو، أي فرج، ويجعلك تعتقد أنّك أنت صاحب الفكرة»١٠. ويقول صاحب هذا التقييم، عزيز صليبا، كلاماً مؤثّراً يدور على أَلسنة كثير من الشيوعيّين الذين عايشوا فرج الله: «كنتُ أُحبّه حبّاً غير عاديّ. وهو كان إنساناً غير عاديّ»١١. وهذا الإنسان غير العاديّ اعتقله رجال المباحث في دمشق، حيث ذهب، بعد قيام الوحدة المصريّة - السوريّة، لإدارة دفّة العمل السرّيّ، وتعرّض لتعذيب وحشيّ مريع، فصمد في وجه الجلاّدين، برغم أنّه كان يتداوى على الدوام من مشاكل في القلب؛ وعندما صار جثّة بين أَيديهم ألحدوه مرّتين، ولكنّهم كانوا خائفين من اكتشاف موضع الجثّة، فقطّعوها وأذابوها بالأَسيد١٢.
والسؤال الملحّ هو: لماذا غادر خالد بكداش إلى بيروت فبراغ؛ كذلك لماذا لم يبقَ أحد من قيادة الحزب الشيوعيّ السوريّ هناك بل لجأوا جميعهم إلى بيروت؟ وبعد ذلك، كما جاء في كتاب أرتين مادويان: «حياة على المتراس»، وكتاب يوسف خطّار الحلو: «أَوراق من تاريخنا»، فقد اقترح خالد بكداش أن يتولّى فرج الله العمل السرّيّ الصعب جدّاً في دمشق، مع العلم، كما يقول فرج الله نفسه، أنّه لم يتبقَّ أحد من الكادر للقيام بالمهمّات. وكان بكداش يلحّ ويصرّ على عودة فرج الله إلى دمشق، من بيروت، وأن لا يتأخّر في هذه العودة. وهي العودة التي قادته إلى حتفه. ألم يكن بكداش أَوْلى بهذه القيادة للعمل السرّيّ المرهق؛ وقد علّمنا التاريخ كيف خاض الأُمناء العامّون لأَحزابهم الشيوعيّة هذه المهامّ، وخاضوا المحاكمات التاريخيّة وألقوا الخطب التي حفظها التاريخ في أَلواحه الباقية؟ «كانت رسائل خالد بكداش تلحّ دوماً على ضرورة أن يبقى فرج في دمشق»١٣. مع أنّ فرج الله لم يكن مقتنعاً بجدوى هذه الإقامة، وحاول عبثاً إقناع رفاقه بوجهة نظره هذه. لهذا حامت الشكوك حول خالد بكداش، وهي شكوك مبرّرة طبعاً، وخصوصاً أنّ بكداش قد قاد قبل سنوات عشر حملته الشهيرة لتحطيم فرج الله، الرافض لموقف الاتحاد السوفياتيّ في تقسيم فلسطين، وتمّ له إقصاء فرج تماماً عن قيادة الحزب، وصار عامل مطبعة١٤.
لقد اتُّهم فرج الله الحلو في رسالة القيادة المركزيّة «أنّه كان لا يزال واقعاً تحت تأثير العقليّة البورجوازيّة»١٥. مسكين فرج الله الحلو، يتّهمونه بالبرجزة؟! وهناك واقعة أتى عليها المستشرق المرموق، مكسيم رودنسون، وقد أمضى معظم الأَربعينيّات من القرن المنصرم بين ظهرانَيْنَا، وذلك أنّه كان، بسبب الحرب، في التجنيد الإجباريّ، وجاء، عام ١٩٤٠، إلى سوريا ولبنان، الواقعتين تحت الانتداب الفرنسيّ. ثم تمّ تسريحه، بعد استسلام فرنسا؛ وبقي يعمل في لبنان، حيث علّم في مدرسة المقاصد في صيدا؛ ثم انتقل للعمل في قسم الآثار القديمة الفرنسيّ ببيروت١٦، والذي ما زال قائماً في مبناه القديم قُبالة مبنى الستاركو عند باب إدريس. وكان رودنسون على صلة وثيقة، وهو الشيوعيّ الفرنسيّ عهدذاك، وذلك بالحزب الشيوعيّ السوريّ اللبنانيّ. وقد ذهب رودنسون إلى العراق، من خلال عمله في قسم الآثار. يقول مكسيم رودنسون، مستذكراً تلك الحقبة: «وعند عودتي إلى بيروت تناولتُ وجبة الغداء في السوق، بصحبة فرج الله الحلو، أمين الحزب الشيوعيّ اللبنانيّ. سألني عن رحلتي، فأخبرته أنّني نزلت في فندق ٍفخمٍ للغاية، على نفقة المفوضيّة الفرنسيّة. ففاجأتني ردّة فعله: ألم يزعجك أن تُمضيَ يومين في ترفٍ منقطع النظير؟ وكانت هذه الرؤية مثيرة جدّاً للاهتمام بحدّ ذاتها، لأنّ فرج الله كان رجلاً متواضعاً. أمّا رفيقه من سوريا، خالد بكداش، فما كان ليطرح عليّ هذا السؤال أبداً. فليس في ذلك، بالنسبة له، أيّ شيءٍ مثير للدهشة. ولقد سألته أحد الأَيّام عن هذا الموضوع: تظهر في صحيفة «صوت الشعب» كلّ مرّة تذهب إلى سوريا، وأنت تنزل في أجمل فنادق حلب الخ. لِمَ تفعل ذلك وأنت قائد حزب بروليتاريّ على كلّ حال؟ فأجابني: هذا ما علّمونا إيّاه في الاتحاد السوفياتيّ. وصدمني ذلك، كما صدمتني من جهة أخرى عادات الترف عند أصدقائنا في سوريا - لبنان»١٧. وكما عرفتُ رودنسون فقد كان، على شاكلة فرج الله، متواضعاً، بسيطاً جدّاً في نمط عيشه؛ برغم ما يكنز في إهابه الرَّبْعَة من علمٍ واسع وذهنٍ وقّاد. ولهذا أحبّ رودنسون فرج الله كثيراً، وبادله فرج الحبّ نفسه. وفرج، عند رأي رودنسون، «كان ناعماً وعقلانيّاً ولطيفاً للغاية، ويبدو لي أنّه يتمتّع بصفاءٍ كبير وصدق ٍ فائق. لم يكن مُندفعاً وراء طموحات شخصيّة». في حين أنّ بكداش «كان يبدو بنظري مترفّعاً ومدّعياً»، و«كان ستالينيّاً مخلصاً». لهذا «لم يكن بكداش يبعث الثقة في نفسي، لكنّه كان يعجبني»١٨.
بيار الجميل في منزل فرج الله الحلو
وهناك حادثة كنت شاهداً عليها، وذلك عندما أذاع الحزب، عام ١٩٦١، نبأ مقتل فرج الله في دمشق على أيدي جلاّدي عبدالحميد السرّاج الذي غدا حاكم الإقليم الشَّماليّ، أي سوريا، في دولة الوحدة المصريّة - السوريّة، غير الميمونة مع الأسف الشديد؛ فكيف تدوم وأَجهزة المخابرات هي الحاكمة الآمرة الناهية! والبعثيّون الذين سعَوْا إليها متعجّلين، لإزاحة الشيوعيّين، لم يكن في بال عبدالناصر أبداً، بخلاف ما كانوا يتوهّمون، أن يفوضهم أمر سوريا. المهمّ الآن أنّ الشيوعيّين في لبنان شرعوا يتقبّلون التعزية بقائدهم الكبير. وجاء بيار الجميّل، رئيس حزب الكتائب، للقيام بواجب التعزية، في بيت فرج الله الذي كان عبارة عن غرفتين مع منتفعاتهما، وذلك في طرف الأشرفيّة عند المقلب المطلّ على محلّة الدورة. ودخل بيار الجميّل إلى هذا البيت وأدّى التحيّة عند التابوت الرمزيّ، ثم خرج ليخفّ إلى لقائه، وهو خارج، المحامي نخلة مطران؛ وكان كلّ منهما يعرف الآخَر على نحو وطيد، وذلك أنّ الرفيق نخلة كان كتائبيّاً في السابق، قبل أن ينخرط في صفوف الحزب الشيوعيّ. وكانت علائم الدهشة والاستغراب بادية على وجه الشيخ بيار، وهو يخاطب نخلة مطران قائلاً له بالفرنسيّة: أهذا هو بيت فرج الله الحلو؟!
و«رسالة سالم» التي دبّجها فرج الله مرغَماً، وذلك لخوفه من أن يُطرد من بيته، أي من الحزب؛ ويُنقل عنه، وهو الإنسان الكبير المتفاني، الذي أرهق جلاديه بصموده وعِناده، أنّه كان يقول مبتهلاً، خلال تلك الأزمة: دخيلكم ما تطردوني من الحزب! وكان بكداش دارياً بنقطة الضعف والسموّ في آن، التي كانت تعتلج في صدر فرج. لهذا جرى ابتزاز فرج الله طويلاً. يقول يوسف خطّار الحلو: «حضرتُ بعض الاجتماعات التي نوقش فيها مشروع «رسالة سالم»، وفي كلّ هذه الاجتماعات كانت تتمّ إملاءات على فرج، لتضمينها الرسالة، التي استمرّ إعدادها منذ عام ١٩٤٩ إلى ربيع عام ١٩٥٢»١٩. وهكذا «فُرض عليه كتابة انتقاد ذاتيّ كان يُرفض ويُعاد كتابته مرّة بعد مرّة»٢٠. ويُخبر المسؤول الشيوعيّ، الذي كان مولجاً بطباعة هذه الرسالة، أنّ المتداوَل منها الآن، والذي عوّلنا عليه، هو النسخة الثالثة؛ أي أنّ الإذلال لفرج الله أخذ مداه. وخلال هذه المدّة «التأديبيّة» المديدة اشتغل فرج الله، بعد أن صار عضواً عاديّاً، بالترجمة؛ إذ إنّ الأَحزاب الشيوعيّة في العالم كانت تُصدر جريدة حاملةً أَخبارَها وتقاريرها، وكانت تُدعى «في سبيل سلم دائم، في سبيل ديمقراطيّة شعبيّة». وأذكر أنّ نظري وقع عليها ذات مرّة، وكانت في أربع صَفَحات، فهالني كيف أنّ الموادّ تتكدّس فيها وتنحشر، بحيث لم يكن فيها بصيص بياض، ولم تكن تحظى بأيّ إخراج. وكان فرج الله يُكبّ على ترجمة هذه الجريدة التي كانت تصدر نشرتها العربيّة في بيروت على نحوٍ سرّيّ. وقد أخبرني أحد المسؤولين أنّها كانت تُطبع على ورق عاديّ، هو الذي وقع عليه نظري؛ كما تُطبع أيضاً على ورق ناعم جدّاً، بحيث تُطوى فتصير صغيرة الحجم، وتُرسل سرّاً إلى الحزب في سوريا.
ولا بدّ أن يُصاب المرء بالذهول من أنّ مجرّد إبداء فرج الله الحلو الأسف لموقف الاتحاد السوفياتيّ من قضية فلسطين وموافقته على قرار التقسيم؛ هو ضلال وانتهازيّة وعداء للثورة، وتخلٍّ لاعن الأمميّة المرادفة للولاء للاتحاد السوفياتيّ والثقة المطلقة بأي موقف يَتّخذه حول أيّ موضوع. إبداء الأسف هذا «البرهان على موقف انتهازيّ، موقف ارتداد وعداء للثورة، فقد كان مجرّد خطور الفكرة على بالي، فكرة إبداء الأسف، خضوعاً وتراجعاً أمام تهويش الاستعمار وعملائه الرجعيّين، وتقديم تنازل مبدئيّ وفكريّ وسياسيّ لهم. وكان ذلك من شأنه توجيه طعنة لسمعة حزبنا الوطنيّة والمبدئيّة، لم يكن ليتسنّى له الشفاء منها قبل مضيّ وقت طويل»٢١. ولا بدّ أن يلاحظ القارئ جسامة الاستخفاف بالعقول، فالموقف الخاطئ للحزب من الموضوع القوميّ هو الذي جلب له الاتهام والانعزال، لا موقف فرج الله المبدئيّ السليم. «لقد كان موقفي نتيجة عدم الثقة التامّة بسياسة الاتحاد السوفياتيّ، وانطباقها التامّ على مصالح الشعوب. ماذا تعني فكرة «الأسف» لموقف الاتحاد السوفياتيّ من قضيّة فلسطين، إنّها تعني بلا مراء بأنّ الاتحاد السوفياتيّ قد اتخذ موقفاً ضدّ مصلحة سكّان فلسطين، أو قسم منهم، أي الجماهير العربيّة. لقد كانت فكرة إبداء «الأسف» تضليلاً وكذباً بالنسبة للشعب، وافتراء على الاتحاد السوفياتيّ»٢٢.
دفاع إنشائيّ لا معنى له سوى التبعيّة والخنوع والإخلال بالموقف القوميّ المبدئيّ، الذي طالما دافع عنه الحزب في أدبيّاته قبل حلول قرار التقسيم. «فإنّ كثيرين بين الجماهير، ورغم كلّ أَكاذيب الدعاية الاستعماريّة، رأوا أنّ التقسيم قد يكون في صالح العرب، ما دام الاتحاد السوفياتيّ، صديق الشعوب العربيّة الأمين، قد وافق عليه»٢٣. ولكنّ الصديق قد يخطئ وقد يخون. ويبلغ الموقف أقصاه من الدعاية الفجّة والمغالطة التاريخيّة: «لقد أقنعت الحوادث الآن حتّى أشدّ الغلاة، كم هو موقف الاتحاد السوفياتيّ متّفق مع مصالح الجماهير العربيّة في فلسطين، وكم كان موقفاً بعيد النظر، وكم كان يرمي إلى توفير مآسي وآلام الجماهير العربيّة في فلسطين، وأن يخطو بالنضال الوطنيّ التحرّريّ خطوة كبرى ضدّ الاستعمار في الشرق الأدنى»٢٤.
اي نضال تحرّريّ، وأيّ خطوة كبرى ضدّ الاستعمار، وقيام إسرائيل هو الاستعمار بعينه! «إنّي أرى الآن فظاعة تلك الفكرة، فكرة إبداء الأسف، إذ كانت تخلّياً منّي عن الأُمميّة التي تعني، قبل كلّ شيء، الثقة بالاتحاد السوفياتيّ، والالتفاف حوله، والأمانة التامّة للحزب البلشفيّ، ومعلّم الشغيلة ومرشدهم وقائدهم وصديقهم الرفيق ستالين. وهكذا أيضاً نسيت قول ستالين إنّ السياسة الصحيحة هي السياسة المبدئيّة، فهي التي لها المستقبل»٢٥ . فأين المبدأ في التخلّي عن شعب عربيّ، وضَيَاع بلده لقمة سائغة في فم الصهاينة المستعمرين، المتوافدين على فلسطين للاستيلاء عليها عَنْوةً، في زمن انحسار الاستعمار في المعمورة، وقيام الكيانات الوطنيّة المستقلّة؟ ونختم هذه الرسالة العجيبة، حول فكرة إبداء الأسف، بقول سالم المنسوب إليه: «إنّ موقفي ذاك، الذي كنتُ أَعدّه هفوة عابرة، هو، في الواقع، نموذج لعمق المنحدر الذي صرتُ إليه، في الابتعاد عن الطريق الثوريّ، طريق اللينينيّة الستالينيّة، ودليل على مدى انغماسي في الانتهازيّة، وعلى مدى الخفّة والاستهتار اللذين كنت أُواجه بهما مسائل الحزب الحيويّة الخطيرة»٢٦.
فرج الله ورئيف خوري
يبقى المحور الثاني الحقيقيّ، في «رسالة سالم»، وكان موضع لومٍ وتقريع لفرج الله الحلو، وهو موقفه من رئيف خوري ورفاقه. «أمّا عدم اهتمامي بالنضال ضدّ الانتهازيّين والانهزاميّين، وخصوصاً عدم اهتمامي بالنضال ضدّ المخرّبين التيتويّين، من هاشم الأمين، إلى باشابزيان٢٧، وقدري قلعجي، ورشاد عيسى، ومير مسعد، ورئيف خوري، وإميلي فارس إبراهيم، وغيرهم، فمن أَسبابه الرئيسيّة استصغاري لشأنهم، واحتقاري لدورهم»٢٨. ويتابع سالم: «ولم أكن أُقدّر الأهميّة التي يعلّقها الاستعمار على مروق العصابة التيتويّة وخيانتها، وسعيه إلى تعميم الخيانة التيتويّة في جميع الأَقطار وفي سورية أيضاً، وتقسيم صفوف الحركة الديمقراطيّة بواسطتها»٢٩. وتعلو النبرة الاتّهاميّة ضدّ «الزمرة التيتويّة»، «المعادية للحزب الشيوعيّ وللطبقة العاملة وللشعب»: «وقد اعتبرتُ أنّهم «ماتوا» سياسيّاً واندثروا، منذ أن ساروا في اتجاه القطيعة مع الحزب، أو لن يلبثوا أن يموتوا ويندثروا، وهذا صحيح. لقد ماتوا كجماعة مفروض فيها أنّها ثوريّة، ولكن لن «يموتوا» كخونة وجواسيس ومخرّبين إلاّ بالنضال الدائب لفضحهم وعزلهم»٣٠.
ومن المؤكّد أنّه كان هناك تناغم وتطابق بين موقفي رئيف وفرج الله من قرار التقسيم، ومن الموقف الصائب من المثقّفين، ومن العداء الضمنيّ لعبادة الفرد المهيمنة على الحزب والمتمثّلة بخالد بكداش. لهذا يقول سالم في رسالته: «لقد كانت نظرتي إليهم نظرة سطحيّة وغير علميّة، نظرة مجرّدة عن وجود الاستعمار واحتدام النضال الطبقيّ. ولم أَتعمّق في النظر إلى ما كان يبلغني من «مديحهم» إيّاي، وإلى مقاصدهم من وراء ذلك. وكنت أَشعر أنّ ذلك المديح مهين لي، ولكنّي كنت أَحسب أنّه محاولة مسكينة منهم لخلق انقسام مستحيل في قيادة الحزب؛ وكنت أَحسبه أحياناً نوعاً من «التغطية» لتطاولهم الوقح على الرفيق خالد بكداش. لكنّهم في الواقع كانوا يمدحون فيّ نقصاً وضعفاً، يمدحون خطّتي التي كانت تعبيراً عن رغباتهم في الحزب لا عن رغبات الشعب»٣١.
رئيف خوري
فرج الله الحلو
خالد بكداش
اعتذر الحزب من فرج، فلماذا لم يعتذر من رئيف؟
هذه الوثيقة، «رسالة سالم»، تنضح بالنفاق والرياء والأَكاذيب، وكانت وصمة عار أُلصقت بسيرة فرج الله. «كان إقصاء فرج الله عن الناس وإبعاده، حسداً من الشعبيّة التي كان يتمتّع بها، والنفوذ الذي يحظى به، والعلاقات الواسعة التي أقامها في البلاد في أَوساط أَهل السياسة والفكر والثقافة»٣٢. وقد أرسله بكداش إلى حتفه في دمشق، أَيّام الوحدة المصريّة - السوريّة، حيث عُذّب وقُطّعت جثّته، كما أوضحنا؛ وكان فرج الله متردّداً في الذهاب، لعدم جدوى المهمّة آنذاك، ولكنّه امتثل للأَوامر الحزبيّة. أمّا بكداش فكان، كعادته، يتعاطى المسكرات في براغ فموسكو، ويجري وراء تنانير النساء، كما في التعبير الفرنسيّ! ومع تأكيد القادة الشيوعيّين في لبنان على أنّ إرسال فرج الله إلى دمشق كان بإلحاح من بكداش، فإنّ الرفيق عزيز صليبا يصرّ على القول: «وهنا أَرفض كلّ ما قيل إنّ خالد بكداش تقصّد إرسال فرج الله إلى دمشق لـ«يخلص منه». الذي جرى، وأنا متأكّد منه، أنّ فرج الله أصرّ على أن يذهب هو إلى دمشق»٣٣. لهذا عندما انعقد المؤتمر الثاني للحزب الشيوعيّ اللبنانيّ، الذي استقلّ عهدذاك عن الحزب الشيوعيّ السوريّ وقيادة بكداش، وذلك في تمُّوز ١٩٦٨، كان من جملة قراراته: «سحب الوثيقة المعروفة باسم «رسالة سالم» من ملفّات الحزب بوصفها مناقضة للحقيقة»: «إنّ المؤتمر الثاني للحزب الشيوعيّ اللبنانيّ يعتبر أنّ الانتقاد الذاتيّ، المعروف باسم رسالة سالم، هو وثيقة اضطر رفيقنا الشهيد إلى تسطيرها في وقت كانت تشوب في حياة الحزب انتهاكات لقواعد العمل اللينينيّة، ناجمة من طغيان عبادة الفرد؛ وبأنّ الاتهامات التي تضمّنتها تلك الرسالة هي اتهامات باطلة، لا تستند إلى أيّ أساس، ولا يمكن لها بأيّ حال من الأَحوال أن تطمس في نفوس الشيوعيّين وفي نفوس أَبناء شعبنا، صورة فرج الله الحلو المناضل الذي تحلّى بالصلابة الثوريّة وصفاء الفكر والاستقامة الخلقيّة، والذي عاش حياة الثوريّ، وكان على الدوام قدوةً ومثالاً»٣٤.
ومن حقّي أن أَتساءل: لماذا أهمل الحزب الشيوعيّ اللبنانيّ الخوض، رسميّاً ومن خلال وثائقه، في موضوع رئيف خوري ورفاقه، وقد ظُلموا أيّما ظلم؛ وبخاصّة رئيف الذي عاش هذه التراجيديا وأُفعمت نفسه الأبيّة بالمرارة، ومع ذلك ظلّ نبيلاً نظيفاً متعالياً كبيراً؟ وإذا كان هناك من تصويب واعتذار فلم يبدر عن الحزب، كما فعل مع فرج الله؛ وإنّما قد خصّته به مجلّة «الطريق» عام ١٩٨٢، عندما أصدرت عدداً مزدوجاً لمضيّ أَربعين سنة على صدور «الطريق»، وكتب محمّد دكروب عن رئيف خوري كأحد أَعلام «الطريق» المؤسّسين: «ولكنّ صَفَحات «الطريق» التي حملت إلى القرّاء العرب، طَوَال هذه الأَعوام، كشوفات رئيف خوري في ميادين الثقافة والفكر والنقد والسياسة على السواء، حملت كذلك، خلال عام أو أكثر ـ في آخر الأربعينات وأَوائل الخمسينات ـ صَفَحات ظالمة بحقّ رئيف خوري. صفحات لم تكن لتعبّر، حتّى في وقتها ذاك، إلاّ عن ضيق أُفق ٍ، في الثقافة وفي السياسة على السواء، أصاب الحركة التقدّميّة عندنا في تلك الفترة، أدّى إلى انعزالها عن الحركة الشعبيّة وإلى إبعاد العديد من المثقّفين الديمقراطيّين عنها. ومن هؤلاء رئيف خوري بما يحمله من تراث ثقافيّ فكريّ كفاحيّ، هو تراث الحركة التقدّميّة نفسها، فلا يصحّ إلغاؤه (وبرهن الزمن أنّه يستحيل إلغاؤه) بقرار مزاجيّ يُطلقه هذا الفرد أو ذاك، مهما كانت الصفة التي يشغلها هذا الفرد»٣٥.
ثم يتحدّث محمّد دكروب، في مقالته تلك، كيف سعى مع حسين مروّه، خلال انعقاد المؤتمر الثاني للأُدباء العرب ببلودان في سوريا، وذلك في أيلول عام ١٩٥٦، إلى التواصل مع رئيف خوري، وكان من المعلّقين الرئيسيّين على المحاضرات التي أُلقيت في المؤتمر. «في هذا المؤتمر وجدنا، حسين مروّه، وأنا، أنّ إعادة الصلة مع رئيف خوري هي من الأُمور الطبيعيّة والضروريّة؛ بل شعرنا، خلال العمل معه، أنّ قطع الصلة، أصلاً، مع رئيف خوري، لم يكن أبداً أمراً طبيعيّاً. ورأينا، خلال عملنا المشترك هذا مع رئيف خوري، أنّ وجهه كلّه أضاء بفرحةٍ مدهشة، هي مزيج من الاعتزاز، والإعزاز، واللوم، والعتاب العميق، معاً»٣٦. وعندما أصدرت «الطريق»، بعد ذلك بسنوات ، عدداً شبهَ خاصٍّ برئيف خوري، توّجته بهذا العنوان: «كلمة وفاء أمام رئيف خوري: إنّ فضل رئيف خوري على «الطريق» كبير جدّاً. وأَصحاب «الطريق» مدينون له بالوفاء، ومدينون له، على الأخصّ، بالتكفير عن ذنب قديم. والواقع أنّ ذلك الذنب القديم لم يُرتكب فقط بحقّ رئيف خوري، بل بحقّ الثقافة إجمالاً، وبحقّ التفكير العلميّ والديمقراطيّة وبحقّ الحزب الشيوعيّ نفسه أَوّلاً وأخيراً»٣٧.
كان من واجب الحزب الشيوعيّ اللبنانيّ أن يسوّيَ قضيّة رئيف خوري وصَحْبه على نحوٍ مبدئيّ، كما فعل مع موضوع فرج الله الحلو. ولسوف نرى لاحقاً، أنّ الصَّفَحات الظالمة بحقّ رئيف خوري، التي حملتها «الطريق»، إبّان عام ١٩٥٠ على وجه الخصوص، كانت جارحة ومسفّة، وتركت أثراً غائراً في نفس رئيف، ولسوف نعرضها بالتفصيل لاحقاً. فأن تتّهم إنساناً راقياً مناضلاً متفانياً ألمعيّاً، بشكل اعتباطيٍّ وعشوائيّ ظلوم مُغْرض، على أنّه عميل، هكذا بكلّ بساطة ودناءة، فهذا عمل هو أكثر من جريمة، إنّه الاستباحة المطلقة لتاريخ أديب كبير ومفكّر نهضويّ متميّز، بغية تشويهه والحطّ من نصاعته وسطوعه. وخلال هذه الفبركة الإعلاميّة ضدّ رئيف ورهطه من المثقّفين، ساقت الماكينة الحزبيّة لهم تهمة التيتويّة ـ إن كانت تستوي على أنّها تهمة! ونحسب أنّ أُموراً عدّة تقاطعت عهدذاك. فهناك قرار التقسيم الذي صدر بحقّ فلسطين، وقد أثار بالتأكيد في صفوف الحزب إرباكاً؛ فرئيسه فرج الله الحلو كان آسفاً للموقف السوفياتيّ الذي يتناقض مع سياسة الحزب التي كانت مناصرة للقضيّة الفلسطينيّة بطبيعة الأَحوال. ومرّ بنا ما حلّ بفرج الله من تسفيه واضطهاد من خلال «رسالة سالم». ورئيف أيضاً كان من رأي فرج الله بالتأكيد. وقد حصل الخلاف الطنّان بين ستالين وتيتو، الذي أفضى إلى طرد تيتو والرفاق اليوغسلاف من صفوف الأُمميّة. وكانت التهمة الموجَّهة إلى تيتو هي النزعة القوميّة؛ فهو لم يمتثل لأَوامر ستالين، وسعى إلى شقّ طريق خاصّ بالتجرِبة الاشتراكيّة اليوغسلافيّة، قائمة على التسيير الذاتيّ للمصانع.
حكاية التيتويّة
كانت يوغسلافيا، بعد معاهدة فرساي، قد تكوّنت من ولايات مشتملة على عدّة قوميّات، لكلٍّ منها تاريخها الوطنيّ البعيد، لكنّ توحيدها جرى على نحوٍ فيه إكراه، لهذا يقول تيتو: «وكانت يوغسلافيا المركزيّة مَلَكيّة يرأسها مغتصب أكثر منه ملكاً، يحيط به جماعة فاقدة الأَخلاق، جشعة مثله إلى الكسب والثراء»٣٨.
والدليل الفاضح على هذا الحكم الاستبداديّ الرجعيّ أنّه جرى طرد ٥٨ نائباً شيوعيّاً من المجلس الوطنيّ دفعة واحدة. وعندما احتُلّت يوغسلافيا من قِبَل النازيّ، فإنّ الحلّ الأمثل للمسألة الوطنيّة عند الشيوعيّين اليوغسلاف كان بطرد المحتلّ، وبالحؤول في الآن نفسه دون عودة المَلَكيّة ومَنْ حولها من أُجراء وخونة. وهكذا بُنيت الجمهوريّة الاتحاديّة الشعبيّة اليوغسلافيّة، كما ينبئ اسمها على نحو اتحاديّ، بحيث تتكفّل كلّ قوميّة في الاتحاد بتطوّرها وفي الوقت نفسه بتلاحمها مع أُسرة الشعوب اليوغسلافيّة. ويرى تيتو أنّ هناك ثلاثة أَنواع من الديكتاتوريّة: ديكتاتوريّة الحاكم المطلق، شأن فرانكو في إسبانيا. وديكتاتوريّة الرأسمال الفاحش الطامع بالتوسّع الاستعماريّ، ويغطّي فحشه الطبقيّ بقناع من الديمقراطيّة الكاذبة. وهناك ديكتاتوريّة البروليتاريا «ديكتاتوريّة الأكثريّة الساحقة من الشعب ضدّ الأقليّة المستثمرة. وقد تبيّنتْ ضرورتها على أثر ثورة أكتوبر (تشرين)، لتحقيق تعاليم ماركس وإنجلز ولينين وستالين، وللمحافظة على الانتصارات الثوريّة من الاعتداء الأجنبيّ على دولة العمّال الناشئة»٣٩. وهناك في مقالة تيتو أمران جديران بالتوقّف عندهما. إنّ وجود الاتحاد السوفياتيّ بنظامه ونجاحاته الكبرى قد وفّر الشرط اللازم، نظريّاً وعمليّاً، لنشوء «نظام اجتماعيّ أفضل في كلّ بلد من البلدان». أمّا الأمر الثاني المهمّ، ونحسب أنّه الشرارة التي كبرت بعد ذلك، فهو تأكيد تيتو أنّ طريق كلّ بلد لبلوغ النظام الاجتماعيّ الجديد لا يماثل طريق ثورة أكتوبر، وخلاف ذلك هو خروج على الماركسيّة والديالكتيك. «ولكنّ الشروط الخاصّة، وصفة التطوّر الداخليّ، تعيّن أيضاً الطرق الخاصّة للوصول إلى خلق نظام اجتماعيّ أحسن في كلّ أُمّة وكلّ حالة، وفي بلادنا، للوصول إلى الديمقراطيّة الشعبيّة»٤٠.
هذا ما أسعفتنا به مجلّة «الطريق» للوقوف على نصٍّ لتيتو. ولكن عندما تفجّر الخلاف الشنيع بين جوزف ستالين وبروز تيتو ها هي المجلّة نفسها، أي «الطريق»، تزوّدنا بمقالة منتزعة من مجلّة الدراسات السوفياتيّة، عنوانها: تاريخ خيانة، تيتو وعصابته. ومؤدّى هذه المقالة العجيبة أنّ تيتو وأَعوانه هم عملاء للاستعمار، وقد تسلّلوا إلى قيادة الحزب الشيوعيّ اليوغسلافيّ، وهم يدّعون تنظيم المقاومة الباسلة الطاحنة ضد المحتلّ النازيّ، في حين كانوا على صلة مشبوهة بالغستابو الألمانيّ، وتخلّصوا من خيرة المناضلين الحزبيّين في حركة الأَنصار؛ وقد اتّصل تيتو بالقيادة الألمانيّة عام ١٩٤٣، كذلك كان لعصابته اتصال بالقيادتين الإنكليزيّة والأميركيّة وتعاون حافل بالجرائم والتخريب ٤١. «وبعد تحرير يوغسلافيا، من قِبَل الجيش السوفياتيّ، لم يعد في استطاعة العصابة التيتويّة أن تعمل جِهاراً. واضطرت، تحت ضغط الجماهير الشعبية، أن توافق، في الظاهر، على الإصلاحات الديمقراطيّة التي تمّت في البلاد. ولكن لمّا فضحها مكتب الأَنباء للأَحزاب الشيوعيّة والعمّاليّة، في حزيران ١٩٤٨، قامت بانقلاب مناهض للثورة، وانتزعت يوغسلافيا من المعسكر الديمقراطيّ. وسرعان ما اجتازت زمرة تيتو جميع مراحل الخيانة، من القوميّة البورجوازيّة، إلى الفاشيستيّة الخالصة، وأقامت في البلاد ديكتاتوريّة عسكريّة إرهابيّة»٤٢.
ويملأنا العَجَب، لأنّ حملة الشتائم التي سنوردها الآن ضدّ تيتو وعصابته، تذكّرنا بما ساقه كورس الحزب، وبالأخصّ المدعو وصفي البنّي، ضدّ رئيف خوري ورفاقه، من شتائم تكاد تكون متطابقة، مع اختلاف الموضوعين والموقعين والحالتين! «إنّ حكومة بلغراد الحاليّة ليست إلاّ عصابة من القَتَلة والجواسيس، تعمل لمصلحة الرجعيّة العالميّة، وليست إلاّ أداة في يد السياسة العدوانيّة التي تنتهجها الأَوساط الاستعماريّة في الولايات المتحدة وإنكلترا. إنّ حكّام بلغراد، الذين يشكّلون جبهة واحدة مع دعاة الحرب الإنكلو أميركيّين، يقومون بعمل تخريبيّ ضدّ حركة أنصار السلم، وضدّ الأَحزاب الشيوعيّة والعمّاليّة، وضدّ بلدان الديمقراطيّة الشعبيّة، وضدّ الاتحاد السوفياتيّ»٤٣.
وكانت العبادة لستالين العظيم هي السائدة، وبالتالي فمَنْ يتجرّأ على مخالفته ينهل عليه سيل التهم الجاهزة والنعوت الرائجة. وخالد بكداش هو فَرْخٌ ستالينيّ، ينفّذ أَوامر موسكو، مهما تكن مجحفة بالشأن القوميّ عندنا ومغلوطة. والسوفيات هم الذين كرّسوا مفهوم الأَنظمة التقدّميّة بين ظهرانَيْنا؛ ونعلم أنّ هذه الأَنظمة باعت فلسطين، وطحنتنا بديكتاتوريّات عسكريّة استهلكت نصف قرن من أَعمارنا. ولا ريب أنّ رئيفاً وصحبه عانوا، كما مرّ بنا، من عبادة الفرد؛ سواء على النطاق الأُمميّ متمثّلة بستالين، أو على النطاق المحلّيّ متمظهرة ببكداش. على أنّ ستالين كان محمَّلاً بالانتصارات العسكريّة الكاسحة، وبدحر الفاشيّة الظلاميّة؛ في حين أنّ بكداش يحتقب تاريخاً من السيرة الذاتيّة المخزية، ومن الافتراءات على رفاقه، وعلى المثقّفين منهم بخاصّة، الذين كان يخشى صعودهم فيرميهم بالتهم القبيحة المفتعلة. لا غرابة أن يكون رئيف وصَحْبه قد مالوا إلى تيتو، ربّما؛ أو أنّهم لم يستسيغوا طرد تيتو ورفاقه، وخصوصاً أنّ تيتو كان بطل المقاومة ضد النازيّ في بلاده، ووحّد يوغسلافيا تحت راية الاشتراكيّة. وصار تيتو رمزاً ساطعاً ليوغسلافيا الاشتراكيّة، باعتراف الجميع؛ ثم غدا بين ليلة وضحاها خائناً وعميلاً ومعادياً لكلّ ما هو اشتراكيّ؛ وهي تُهم ثبت بطلانها بعدئذٍ. فموضوع تيتو فيه جانب قوميّ؛ ورئيف وصحبه كانوا يعانون جرحاً قوميّاً غائراً، هو تقسيم فلسطين العربيّة، توطئة لضَيَاعها! ومرّ بنا أنّ رئيف خوري ترجم كتاب «في زيارة أَنصار ماركوس»، كما قدّم له. وقد فعل ذلك بناءً على طلب من اللجنة المركزيّة في الحزب؛ وحثّه، كما أوردنا سابقاً، خالد بكداش على إتمامه ونشره. والكتاب جميل وحافل، لأنّ مترجمه، رئيف خوري، مقتدر في اللغتين الإنكليزيّة والعربيّة، وبالتالي فالسبك اللغويّ مشرق والمعاني مصوغة بلغة عربيّة راقية. ومن أسفٍ أنّ رئيفاً لم يترجم كثيراً من الكتب، فرصيده منها خمسة كُتُب، بما فيها الكتاب الحاليّ الذي نتحدّث عنه. ومَنْ كان بمثل كفاءته الأدبيّة لجدير بنقل الروائع. ومع أنّ بكداش هو الذي حثّه على إتمام ترجمة الكتاب دون إبطاء والعمل على طبعه، كما أورد سابقاً هاشم الأمين؛ فلا غرابة أن يكون بكداش نفسه، مندفعاً بانتهازيّته، عمل على استعمال الكتاب سلاحاً ضد رئيف خوري، الذي تريّث في إكمال ترجمة الكتاب عندما تفجّر الخلاف بين ستالين وتيتو. لأنّه، في المحصَّلَة، فالكتاب هو في صالح الرفاق اليوغسلاف الذين كانوا يساندون الأَنصار اليونان ويمدّونهم بكلّ عونٍ رفاقيّ. وكان هناك تداخل بين الطرفين، حتّى إنّ الكتاب يأتي على ذكر فصائل العمل اليونانيّة، المتطوّعة في يوغسلافيا٤٤. على أيّ حال فالتيتويّة وجهة نظر وليست تهمة. وكانت النتيجة المأساويّة للخلاف بين ستالين وتيتو، أن أفضت إلى اندحار الأَنصار اليونان وجيشهم، الجيش الديمقراطيّ اليونانيّ الذي حارب الرجعيّة اليونانيّة والجيش الملكيّ والاحتلال الإنكليزيّ المساند لهما. وسبق أن حلّ باليونان الاحتلال الإيطاليّ فالألمانيّ. وهكذا دفع الأَنصار اليونان ثمن الخلاف بين ستالين وتيتو، وكانوا ضحيّة تاريخيّة له!
- ١. رئيف خوري: «في الآفاق»، مجلّة الطريق، س٢، ع١٠ (٢٠ حزيران ١٩٤٣)، ص ٣.
- ٢. أوسكار دافتشو: «في زيارة أَنصار ماركوس»، قدّم له: رئيف خوري، عرّبته ونشرته: دار القارئ العربيّ، بيروت ١٩٤٨. وإن كان رئيف في الواقع هو الذي قام بترجمته عن الإنكليزيّة.
- ٣. كريم مروّه: «المثقّف والثورة، حقائق عن رئيف خوري»، مجلّة الطريق، ع١ (شباط/ فبراير ١٩٨٩)، ص ١٥ و١٦.
- ٤. هاشم الأمين: «ذكريات وحقائق عن رئيف خوري»، جريدة السفير، الحلقة الثانية (١٠/٣/١٩٨٩).
- ٥. رئيف خوري: «القوميّة العربيّة الجامعة طريق الخلاص»، مجلّة الطليعة، س٣، ع٢ و٣ (شباط وآذار ١٩٣٧)، ص ٩٩ - ١٠٩.
- ٦. رئيف خوري: «الثورة الروسيّة، قصّة مولد حضارة جديدة»، ص ٧١، بيروت ١٩٤٨.
- ٧. فريد فرح: «صراع من أجل الديمقراطية والحقيقة، محطّات من سيرة فرج الله الحلو الوطنيّة والقوميّة»، ص٢٦٩ و٢٧٠، دار الكنوز الأدبيّة، بيروت ٢٠٠٦.
- ٨. فريد فرح: «صراع من أجل الديمقراطيّة والحقيقة...»، ص٢٨٩ - ٣٠٥.
- ٩. فريد فرح: المرجع السابق، ص٢٧٦. وفي هذا الكتاب النصّ الكامل لرسالة سالم، ص ٢٧٢ – ٢٨٥. كما أنّ يوسف خطّار الحلو قد أدرج النصّ الكامل لرسالة سالم في كتابه: «أَوراق من تاريخنا»، ص ٣٩ – ٥٢، دار الفارابي، بيروت ١٩٨٨.
- ١٠. عزيز صليبا: «العمل السرّيّ في الحزب الشيوعيّ اللبنانيّ، مع صفحات من تاريخه»، ص ٦٠ و٦١، دار الفارابي، بيروت ٢٠٠٢.
- ١١. عزيز صليبا: «العمل السرّيّ في الحزب الشيوعيّ اللبنانيّ...»، ص ١١٢.
- ١٢. هناك تفاصيل وافية حول اغتيال فرج الله الحلو ترد في كتاب فريد فرح: «صراع من أجل الديمقراطيّة والحقيقة...»، ص٣٢٠ – ٣٤٠.
- ١٣. يوسف خطّار الحلو: «أَوراق من تاريخنا»، ص ٥٧.
- ١٤. عزيز صليبا: المرجع السابق، ص ٦٥.
- ١٥. فريد فرح: المرجع السابق، ص ٢٦٩ ـ يوسف خطّار الحلو: المرجع السابق، ص ٣٨.
- ١٦. فيصل جلُّول: «الجنديّ المُستعرب، سنوات مكسيم رودنسون في لبنان وسوريا (١٩٤٠ – ١٩٤٧)»، حوارات ساقها جلُّول وحرّرها وقدّم لها، ص٣٠، ٣٥ و٣٦، ٧٣، دار الجديد، بيروت ١٩٩٨.
- ١٧. مكسيم رودنسون: «بين الإسلام والغرب، حوارات مع: جيرار د. خوري»، ترجمة: نبيل عجّان، ص ١٥٠، دار كنعان، دمشق ٢٠٠٠.
- ١٨. فيصل جلُّول: الجنديّ المُستعرب، سنوات مكسيم رودنسون في لبنان وسوريا (١٩٤٠ – ١٩٤٧)، ص ٨١ – ٨٣.
- ١٩. يوسف خطّار الحلو: «أَوراق من تاريخنا»، ص ٥٢.
- ٢٠. عزيز صليبا: «العمل السرّيّ في الحزب الشيوعيّ اللبنانيّ...»، ص ١٩٨.
- ٢١. فريد فرح: «صراع من أجل الديمقراطيّة والحقيقة...»، ص ٢٨٠ و٢٨١.
- ٢٢. المرجع السابق، ص ٢٨١
- ٢٣. المرجع نفسه
- ٢٤. المرجع نفسه
- ٢٥. المرجع السابق، ص ٢٨١ و٢٨٢
- ٢٦. المرجع السابق، ص ٢٨٢
- ٢٧. هو اسم جديد علينا، ولا ندري عنه شيئاً، سوى ما وقعنا عليه في كتاب قدري قلعجي «تجرِبة عربيّ في الحزب الشيوعيّ» (ص٢٩٣) من أنّ خالد بكداش كان لديه «أربعة منازل يبيت فيها، منزل في دمشق، وثانٍ في عاليه، وشاليه على شاطئ البحر، وغرفة في بيروت بمنزل ماري باشابزيان».
- ٢٨. فريد فرح: المرجع نفسه
- ٢٩. المرجع نفسه
- ٣٠. المرجع نفسه
- ٣١. فريد فرح: المرجع السابق، ص ٢٨٢ و٢٨٣
- ٣٢. يوسف خطّار الحلو: «أَوراق من تاريخنا»، ص ٣٧.
- ٣٣. عزيز صليبا: «العمل السرّيّ في الحزب الشيوعيّ اللبنانيّ...»، ص ١١٢.
- ٣٤. «نضال الحزب الشيوعيّ اللبنانيّ من خلال وثائقه»، ج١ ص ٢٧٢، بيروت كانون الثاني ١٩٧١.
- ٣٥. محمّد دكروب: «رئيف خوري، المنوِّر الموسوعيّ»، مجلّة الطريق، س ٤١، ع ١ (شباط/ فبراير ١٩٨٢)، ص٢٤٢.
- ٣٦. دكروب: المرجع السابق، ص ٢٤٣
- ٣٧. مجلّة الطريق، عدد شبه خاصّ: «رئيف خوري، الكاتب والقضيّة»، س ٤٨، ع ١ (شباط/ فبراير ١٩٨٩)، ص ٤.
- ٣٨. الماريشال تيتو: «ديمقراطيّة من نوعٍ جديد»، مجلّة الطريق، س٦، ع ٥ و٦ (أيّار وحزيران ١٩٤٧)، ص ٨٥.
- ٣٩. الماريشال تيتو: «ديمقراطيّة من نوعٍ جديد»، ص ٩٠
- ٤٠. المرجع السابق، ص ٩٠ و٩١
- ٤١. مجلة الدراسات السوفياتيّة: «تاريخ خيانة، تيتو وعصابته»، مجلّة الطريق، س١٠، ع٢ (شباط ١٩٥١)، ص ٤٤ – ٤٩.
- ٤٢. «تاريخ خيانة، تيتو وعصابته»، ص ٥٠. مجلّة الدراسات السوفياتيّة.
- ٤٣. المرجع نفسه
- ٤٤. أوسكار دافتشو: «في زيارة أَنصار ماركوس»، ص ١٤٧.
إضافة تعليق جديد
تهمّنا آراؤكم ونريدها أن تُغني موقعنا، لكن نطلب من القراء أن لا يتضمن التعليق قدحاً أو ذمّاً أو تشهيراً أو تجريحاً أو شتائم، وأن لا يحتوي على أية إشارات عنصرية أو طائفية أو مذهبية.