اغتيل المحامي شكري بلعيد أحد أبرز رموز الي`سار التونسي صباح ٦ شباط ٢٠١٣ أمام بيته أعزل ودون حماية في حادثة أرجعت الى التونسيين ذكرى اغتيال الزعيم العمالي والوطني فرحات حشاد لستين سنة خلت. أصبح قتل بلعيد علامة فارقة في تاريخ تونس السياسي الراهن كما أكرمه شعبه بجنازة ضاهت جنازة حشاد. كان شكري بلعيد دائم الحضور بشجاعته ومواقفه ونضالاته، تلميذا وطالبا ثم محاميا وحقوقيا خلال الثلاثين سنة الماضية، وهو الآن دائم الحضور في حديث التونسيين ووعي التقدميين منهم بعد أن بلغ صوته كل بيت تونسي وجرى ذكره على كل لسان بفضل تحرر الاعلام وتقدم حرية التعبير، رغم اختلاف الآراء حول شخصه ومواقفه. كان بلعيد وجها أليفا جمع بين البشاشة والصرامة وصوتا بليغا، صريحا، يصف الأشياء كما يراها، ومحللا صافي الذهن، قوي الحجة. مارس بلعيد السياسة منذ سن التلمذة ضمن الوطنيين الديمقراطيين وتدرّج حتى أصبح زعيمهم وموحدهم بعد الثورة. كان متعدد اللغات والمصادر، متمكنا من دقائق الشأن التونسي تمكنه من الحضارة العربية الاسلامية، لا يرى في ذلك الا تجذيرا لفكره الكوني ورؤاه الاشتراكية والعمالية. وهو يمثل بذلك نوعا خاصا من المثقف العربي اليساري، من فصيلة حسين مروة الذي رثاه بلعيد واستلهمه في قصيد لم ينشر الا بعد مقتله.
ولكن بلعيد كان أيضا حركيا وميدانيا من صنف قيادات الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين التي استلهمها حين جمع القوى اليسارية والقومية التونسية تحت راية الجبهة الشعبية، والتي أصبحت بديلا لا يمكن تجاوزه أو تجاهله في الساحة السيساسية ومحركا أساسيا للاحتجاجات الشعبية. قتل بلعيد ولا يزال قتلته ينعمون بالحرية التي وهبها عمره، تاركا وراءه الأرملة المناضلة،بسمة خلفاوي وابنتين، وتحول الى رمز لتضحيات اليسار التونسي وعنوانا بارزا للمهام الجسيمة التي على رفاقه، تونسيين وعربا، التفكير فيها والالتفاف حولها في لحظة تاريخية فتحت فيها آفاق رحبة أمام الفعل التقدمي في مواجهة الليبرالية المتوحشة والزحف الاسلاموي الشرس في الوقت نفسه.
إضافة تعليق جديد
تهمّنا آراؤكم ونريدها أن تُغني موقعنا، لكن نطلب من القراء أن لا يتضمن التعليق قدحاً أو ذمّاً أو تشهيراً أو تجريحاً أو شتائم، وأن لا يحتوي على أية إشارات عنصرية أو طائفية أو مذهبية.