أود أن اتطرق الى الدور المحتمل للشفافية في الإضاءة على جانب من تجارة الأسلحة ينبغي الانتباه له: العلاقة التفاعلية بين نقل الأسلحة واستغلال الموارد الطبيعية. أعتقد أنّه يوجد علاقة حميمة وتكافلية بين هاتين الظاهرتين، مع مساهمة كل منهما في نمو الأخرى ــ بالترافق مع نتائج خطيرة وغير مرغوبة. ينطبق ذلك على طرفي المعادلة: فمن جهة يؤدي السعي وراء المواد الخام إلى زيادة بيع الأسلحة، مع تهديد إضافي للسلم والامن الدوليين؛ وفي الجهة الأخرى، يؤدي السعي وراء السلاح إلى استنزاف متسارع للموارد، مع ما يرافق ذلك من ضرر على البيئة، والأهداف التنموية، والأمن الإنساني. يتطلب هذا الطرح وقتًا لتطويره، لكن دعوني، على الأقل، اتطرق الى بعض النقاط الأساسية.
الدول العربية المنتجة للنفط اكبر مشتر للاسلحة
بداية، دعونا نبدأ بما هو واضح: خلال الأربعين سنة الماضية، كانت الدول المنتجة للنفط في الشرق الأوسط أبرز مشتري الأسلحة التقليدية. وفق تقرير صدر أخيرًا عن «وحدة الأبحاث في الكونغرس» التابعة لمكتبة الكونغرس الأميركي، مثّلت دول الشرق الأوسط اكثر من نصف الأفرقاء (٥١ في المئة) الذين تعاقدوا مع العالم الصناعي بين ٢٠٠٧ و٢٠١٠ على شراء اسلحة. خلال تلك الفترة، كانت المملكة العربية السعودية ــ أكبر مصدر للنفط في العالم ــ اكبر مستورد للأسلحة في العالم أيضًا، وقد أنفقت ٢٨.٩ مليار دولار أميركي على عقود أسلحة جديدة، ما يشكل حوالي ١٦ في المئة من إجمالي قيمة الصفقات مع العالم الصناعي. الإمارات العربية المتحدة والعراق، كانتا من ضمن الأكثر شراء للأسلحة في الفترة نفسها، مع ١٥.١ مليارًا و٧.٤ مليارات على التوالي، صرفت على طلبات جديدة١. كذلك دخلت كل من الجزائر، وايران، والكويت، وليبيا، وعمان، وقطر في اتفاقات على مبالغ كبيرة ايضًا لشراء أسلحة جديدة في السنوات القليلة الماضية٢.
يقول خبراء تجارة الأسلحة التقليدية تعليقًا على حقيقة كون دول النفط الشرق أوسطية السوق الأبرز للأسلحة المستوردة، إنّ الموضوع يتعلق بثروة تلك الدول الكبيرة، ورغبة الدول المستوردة للنفط في كسب ود أكبر مزوديها بالطاقة. كذلك يمكن اعتبار الخلافات والانقسامات الموجودة في المنطقة منذ زمن، أحد أسباب سعي الدول الشرق اوسطية وراء الأسلحة الحديثة٣. لكن البحث الدقيق يتوصل الى علاقة اقرب واكثر حميمية بين تداول الأسلحة وانتاج النفط، يترابط فيها الاثنان مباشرة. تطورت تلك العلاقة بداية في السبعينيات، خلال ولاية الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون. بعد زيادة اسعار النفط الخام بأربعة أضعاف، كما أعلنت منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، اصبح الرئيس نيكسون ومستشاروه قلقين من الأثر الاقتصادي المعاكس للزيادة الكبيرة في خروج الدولارات الأميركية من البلاد لشراء النفط المستورد. لذلك، أسس نيكسون لمجموعة عمل ما بين وكالات أميركية عدّة، يترأسها نائب وزير الدفاع وليم بي. كليمنز جونيور، لتحفيز الصادرات الأميركية لدول «أوبك»، وخصوصًا الأسلحة٤. قال كليمينز وقتها، خلال شهادة له أمام الكونغرس، إنّ اي تباطؤ في تصدير الأسلحة الأميركية لتلك الدول «يقلل من احتمال مساهمة البيع... في تعزيز أمن العالم الحر وميزان المدفوعات الأميركي»٥. بسبب ذلك، أشرف نيكسون على زيادة كبيرة في بيع الأسلحة الأميركية لإيران والسعودية. في ذلك الوقت، كانت الحكومة الفرنسية ايضًا قلقة بنحو مماثل حيال تبعات مسألة ميزان المدفوعات، مع تزايد استيراد النفط ذي الكلفة العالية، فسعت إلى زيادة بيع الأسلحة لإيران والسعودية٦.
التلازم بين النفط وأمنه وتجارة الاسلحة
لكن لم يكن ذلك الدافع الوحيد لزيادة مبيع الأسلحة لأهم الدول المنتجة للنفط. كان الرئيس نيكسون أيضًا قلقًا بشأن الخطر الذي يتهدد أمن النفط اثناء نقله من منطقة الخليج، خصوصًا بعد رحيل القوات العسكرية البريطانية في ١٩٧٢. بعد المراجعة المكثفة لخيارات الولايات المتحدة الاستراتيجية في الخليج، اعتمد نيكسون استراتيجية عرفت باسم «الاستراتيجية البديلة» او «عقيدة نيكسون»، التي بموجبها ستسلح الولايات المتحدة حليفيها الأبرز في المنطقة ــ إيران والسعودية ــ وبالتالي تسمح لهما بأن يكونا «الشرطة الإقليمية» التي ترعى المصالح الأميركية النفطية. وكما قال نائب مساعد وزير الدفاع جيمس إتش. نويس آنذاك «الاستنتاج الأبرز (للمراجعة) كان أنّ الولايات المتحدة لن تتولى دور الحامي الذي كانت تتولاه بريطانيا في منطقة الخليج، إذ إنّ مسؤولية السلام والاستقرار يجب أن تتولاها بشكل أساسي دول المنطقة. استنادًا إلى «عقيدة نيكسون»، نحن مستعدون لمساعدة دول الخليج لكن ننتظر منها تحمل المسؤولية الرئيسية في قضية الدفاع الخاص بها، والتعاون في ما بينهم لتأمين السلام والاستقرار الإقليميين»٧.
العرض القاضي بـ«مساعدة» دول الخليج، عنى وقتها تأمين أسلحة وخدمات عسكرية لها، بنحو غير مسبوق. في الأساس، كانت إيران أبرز متلقّ لتلك المساعدة، هي التي كان يحكمها الشاه، المدعوم من الغرب. فيما كانت اتفاقات بيع الأسلحة الأميركية الى ايران قد بلغت بين ١٩٥٠ و١٩٧٠ حوالي ٤٤ مليون دولار سنويًا، ارتفعت إلى ١٩،٩ مليار دولار خلال السنوات الثماني التالية، او ما يعادل ٢،٥ مليار دولار سنويًا٨. بعد سقوط الشاه، وصعود النظام المعادي للغرب في طهران، سعت الولايات المتحدة لتعزيز القدرة العسكرية لحلفائها في المنطقة، وخصوصًا السعودية والكويت والإمارات العربية المتحدة٩. مذّاك، أصبحت السعودية المتلقي الأبرز للسلاح الأميركي، مما ساعدها على أن تكون اول زبون عالمي للأسلحة.
أدّت الولايات المتحدة، مع الوقت، دورًا عسكريًا اكثر مباشرة في الخليج، لكنها لا تزال تعتمد على صفقات الأسلحة لتعزيز القدرات العسكرية لشركائها الأمنيين في مواجهة إيران والتأكد من امن تدفق نفط الخليج. يبدو ذلك جليًا، مثلًا، في القرار الأميركي الأخير بمنح السعودية ما يوازي الستين مليار دولار من الأسلحة المتقدمة ــ وهي اكبر صفقة تسليح لدولة واحدة حتى الآن. حين أعلن عن الاتفاق، في ٢٠١٠، قال مساعد وزيرة الخارجية أندرو جاي. شابيرو إنّ (الصفقة) «ستكون رسالة شديدة اللهجة لدول المنطقة تفيد بأننا ملتزمون بأمن شركائنا الرئيسيين في الخليج العربي والشرق الأوسط. كذلك، ستعزز الصفقة قدرة السعودية على دحر التهديدات على حدودها والدفاع عن نفسها في وجه تلك التهديدات، وتلك التي تستهدف بنية نفطها التحتية، التي هي أساسية لمصالحنا»١٠.
بالتالي، فإني اعتقد انّ حقيقة كون دول الشرق الأوسط النفطية هي المتلقي الأول للأسلحة التقليدية تعود، في جزء كبير منها، إلى رغبة الدول الكبرى المستوردة للنفط في استعادة قسم من المال الذي تنفقه على واردات النفط، ومن أجل التأكد من أمن نقل النفط عالميًا. كان الامر كذلك لفترة طويلة، ويستمر حتى اليوم على المنوال ذاته.
في الفترة الأخيرة، أضيف سبب جديد إلى تلك السابقة، من اجل الدفع قدمًا بصفقات الأسلحة الى الشرق الأوسط (وغيرها من المناطق المنتجة للنفط): هو الجهود المبذولة من ابرز الدول المستوردة للنفط من لتثبيت علاقات مميّزة مع ابرز الدول المنتجة للنفط وغيره من موارد الطاقة. مع تزايد الطلب على النفط وغيره من مصادر الطاقة بشكل كبير، وانخفاض الاحتياطي منه، سعت ابرز الدول المستوردة للنفط، وعلى رأسها الولايات المتحدة، والصين، واهم القوى الأوروبية، إلى تثبيت علاقات حميمة مع قادة الدول المنتجة للنفط ــ من أجل تأمين عقود طويلة الأجل لتدفق النفط و/ أو تأمين الفرص أمام شركاتها النفطية الكبرى للمشاركة في انتاج النفط.
بالطبع، حافظت الولايات المتحدة لفترة طويلة على علاقات عسكرية وثيقة مع دول الخليج، وأخيرًا، خلال إدارتي كلينتون وبوش الابن، سعت إلى تعزيز تلك الروابط مع دول بحر قزوين المستقلة حديثًا، والدول المنتجة للنفط في شرق أفريقيا. الصين، من جهتها، سعت إلى مثل تلك العلاقات مع أنغولا والسودان وإيران وكزاخستان وفنزويلا، واخذت تنافس واشنطن على النفوذ في دول الخليج الأخرى. وتسعى دول أوروبا الكبرى احيانًا إلى علاقات مماثلة مع مستعمراتها السابقة، خصوصًا في أفريقيا. خلال تطوير علاقات مشابهة، تستخدم الدول المستوردة للنفط كل الوسائل المتوافرة، من الاعتراف الدبلوماسي، والزيارات الرسمية، والتعاون التعليمي والعلمي، والمساعدات والقروض التنموية، وعقد صفقات الأسلحة بنحو متزايد. مع وجود كل تلك المغريات، ليس من المستغرب أن يرحّب قادة الدول المنتجة للنفط بالانفتاح التنافسي، وان يسعوا إلى مضاعفة ارباحهم، ومن ضمن ذلك تأمين حرية الوصول الى أسلحة متقدمة ومعدات عسكرية في العديد من الحالات١١.
ان تنافس الدول المستوردة للنفط في عقد اتفاقات مماثلة، يؤدي، من وجهة نظري، إلى وضع يمنح الدول المصدرة للنفط القدرة على الوصول الى اكثر الأسلحة المتوفرة تطورا. مع سعي الولايات المتحدة، والصين والدول الأوروبية إلى كسب ود قادة تلك الدول، ليس مفاجئًا قدرتهم على الحصول على اسلحة غالية الثمن وتقنيات اكثر تعقيدًا على مر السنين. أعتقد أنّ تلك الدينامية عامل اساسي في ارتفاع مستويات نقل الأسلحة للشرق الأوسط وافريقيا. فبناءً على ارقام «وحدة الأبحاث في الكونغرس»، ارتفعت طلبات الأسلحة التقليدية من قبل دول الشرق الأوسط من ١١٤.٤ مليار دولار إلى ١٤٠.٦ مليار دولار في الفترة الممتدة بين ٢٠٠٣ و٢٠٠٦، بزيادة قدرها ٢٣ في المئة. كذلك ارتفعت قيمة الصفقات التي وقعتها الدول الافريقية خلال المدة نفسها من ثلاثة مليارات دولار إلى ٤،٢ مليارات، أي بزيادة قدرها ٤٠ في المئة. خلال هذه الفترة، كانت ابرز الدول المصدرة للسلاح هي الأكثر استيرادًا للنفط، أي: الولايات المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة وفرنسا والمانيا والصين١٢.
افريقيا: الاسلحة مقابل صفقات النفط
تثير الزيادة في مبيع الأسلحة الى افريقيا الانتباه. رغم انّ حجم الأسلحة المورّدة الى افريقيا اقل بكثير من تلك الخاصة بآسيا والشرق الأوسط (في القيمة المالية)، فإنّها تتضمن الكثير من اسلحة المشاة، السلاح الأفضل للحروب الاهلية ــ وهي انواع الحروب الأكثر انتشارًا في القارة.
وفيما يمكن اعتبار مسألة تجارة السلاح مع افريقيا ذات ابعاد معقدة، يمكن ملاحظة علاقة واضحة بين السعي وراء النفط (والموارد الطبيعية الأخرى) وتسليم الأسلحة. فعلى سبيل المثال، تلقت نيجيريا اسلحة من الولايات المتحدة والصين، وهما دولتان تسعيان إلى زيادة وارداتهما النفطية إلى هذا البلد. ولا يمكن التغاضي عن حقيقة زيادة تسليم الأسلحة لنيجيريا بعد اتفاق الرئيسين اولوسغون اوباسانجو النيجيري ونظيره الصيني هو جينتاو على زيادة التعاون في المجال النفطي١٣. بنحو مماثل، زادت الولايات المتحدة مساعداتها العسكرية لنيجيريا بعد تزايد اعتمادها على النفط النيجيري. وبما أنّ «نيجيريا خامس اكبر مصدّر لواردات اميركا النفطية»، وبسبب ان عدم الاستقرار في دلتا النيجر يمثل خطرًا على امن منشآت النفط النيجيرية، أعلنت وزارة الخارجية الأميركية عن خطط لتعزيز قدرات محاربة التمرد لدى الجيش النيجيري، خصوصًا في «منطقة استخراج النفط في دلتا النيجر الحساسة»١٤. كذلك عززت كل من الولايات المتحدة والصين مساعداتها العسكرية لدول نفطية أخرى في المنطقة، واحيانًا عبر التنافس بينهما على موقع الحظوة لدى الدول الصديقة للطرفين (نيجيريا)، او السعي الى اتفاق احادي (كما في علاقات الصين مع النظام في الخرطوم)١٥. يمكن ملاحظة نمط مماثل، على ما اعتقد، في حوض بحر قزوين، حيث تسعى كل القوى الكبرى إلى السيطرة على انتاج الطاقة ونقلها.
اذًا، تشكل المنافسة بين أبرز مستوردي النفط عاملًا آخر مهمًا في تجارة الأسلحة التقليدية.
السلاح البحري للتسابق على النفط
لقد تحدثت، حتى الآن، بشكل عام عن المحفزات التي تدفع الدول المصدرة للسلاح إلى الدخول في صفقات لبيع الاسلحة، لكن من الأهمية بمكان التوقف عند محفزات الدول المستوردة للسلاح. كما هناك علاقة جيدة بين السعي وراء النفط وسائر الموارد الطبيعية الأخرى من قبل الدول المصدرة للسلاح، كذلك اعتقد أنّ ثمّة علاقة مماثلة بين الموارد والسعي وراء الأسلحة من قبل الدول المصدرة للموارد. العديد من متلقي الأسلحة التقليدية هم دول منتجة للموارد الطبيعية تواجه مخاطرًا من دول مجاورة او من مجموعات معارضة في الداخل، بطريقة او باخرى، لتأمين حدودها و/او قمع التمردات والحركات الانفصالية داخل الحدود، يسعى قادة تلك الدول إلى الحصول على اسلحة حديثة من كل الانواع، على عكس قادة دول العالم الصناعي المعرضة للخطر. لكن في البيئة التي تناولتها، بالاضافة الى تنافس الدول المستوردة للموارد بعضها ضد بعض على النفوذ على الدول المصدرة للموارد، تعرض كل منها على الزبائن أعدادًا كبيرة من الاسلحة ويجري تطوير أسلحة تزيد على تلك التي تعرض على الدول غير المنتجة للموارد الأولية.
العلاقة بين الاستحواذ على الأسلحة وانتاج الموارد الأولية واضح ايضًا في الجهود الاخيرة لبعض الدول النامية لتعزيز قدراتها البحرية، خصوصًا تلك التي تريد استغلال بحرها الإقليمي الغني بالموارد الطبيعية. العديد من تلك الدول، مثل الصين وفييتنام وماليزيا وتايلاند واندونيسيا والفيليبين متورطة في صراع مستمر حول ملكية نفط بحري وحقول غاز طبيعي في بحر الصين الجنوبي. وهو خلاف أدى في مرات عدّة إلى اشتباكات بين البوارج الحربية للدول المختلفة المتورطة في ذلك النزاع١٦. وقد برز خلاف مماثل حيال حقل نفطي تحت البحر مقابل بورنيو تدّعي كل من اندونيسيا وماليزيا ملكيته. ونتيجة لتلك الخلافات البحرية، وغيرها المتعلقة بموارد طبيعية، حدّثت العديد من تلك الدول قواتها البحرية، وبشكل أساسي من خلال شراء البوارج البحرية المستوردة. تقول «وحدة الأبحاث في الكونغرس» انه بين الاعوام ٢٠٠٣ و٢٠٠٧، حصلت دول شرق وجنوب شرق آسيا مجتمعة على ٢٦ بارجة حربية كبيرة، ١٣٣ سفينة صغيرة، ١٤ غواصة، كلفت القسم الكبير من مبلغ ٧٢ مليار دولار الذي انفقته تلك الدول في تلك الفترة على استيراد الأسلحة١٧.
من هذه الأمثلة وغيرها، يبدو واضحًا بشكل لا لبس فيه، وجود علاقة قوية وتكافلية بين السعي وراء الموارد من قبل اهم الدول المستوردة للموارد الطبيعية، والسعي وراء الأسلحة من قبل أهم الدول المنتجة لتلك الموارد. وكما قلت في بداية مداخلتي، فإنّ هذه العلاقة ينتج منها العديد من الأمور المختلفة، فحين تؤمن الاسلحة للدول المنتجة للنفط، للأسباب التي ذكرتها، فإنّ ابرز بائعي الأسلحة يصرون على أنّهم يسعون فقط إلى الحفاظ على الاستقرار الاقليمي، وأنّ اعمالهم لن تؤدي الى العسكرة او تعزيز السباق الى التسلح. لكن نتائج نقل الأسلحة هي احيانًا غير متوقعة وخطرة. حين كانت ايران المتلقي الأبرز للأسلحة الأميركية، على سبيل المثال، انخرطت في عدد من الممارسات العسكرية العدائية، واستولت على جزر متنازع عليها في الخليج، وأرسلت جنودًا الى سلطنة عمان. كذلك، عندما قرر صدام حسين اجتياح ايران في العام ١٩٨٠ والكويت في العام ١٩٩٠، تأثر برأيي، بكونه نجح في الحصول على ترسانة كبيرة من الأسلحة المستوردة لقواته المسلحة التي كانت تتزايد عديدًا. كذلك اعتقد انّ توافر الأسلحة الحديثة في السوق الدولية يساهم في الجو المتوتر في بحر الصين الجنوبي، وفي مناطق بحرية أخرى غنية بالموارد، حيث يعتمد المتنافسون على استعراض القوة العسكرية لتعزيز ادعاءاتهم.
كذلك يمكن أن يكون لنقل الاسلحة تأثير على التطورات الاجتماعية والاقتصادية داخل تلك الدول. فرغم أنّ الدول المنتجة للموارد الطبيعية، بنحو عام، هي في وضع افضل لدفع المال لقاء شراء الأسلحة المستوردة من الدول الاخرى، فإنها تعاني احيانا من اجل تسديد كل الدفعات المستحقة عليها مقابل تلك الاسلحة الثمينة. هذه مسألة تزداد اهميتها حين تتراجع اسعار النفط او السلع الاخرى، كما يحصل دوريًا. في تلك الاوقات قد تضطر الدول التي طلبت أسلحة مستوردة غالية الى زيادة انتاجها من النفط والموارد الطبيعية، مما قد يلحق الضرر بالبيئة او بقدرة تلك الدول المستقبلية على الانتاج، او يوجب نقل الأموال من برامج التنمية الاجتماعية والاقتصادية، مما قد يزعج الشعب ويسبب التذمر١٨. بالاضافة الى ذلك، فإنّ الأسلحة التي من المفترض ان تؤمن الدفاع ضد العدو الخارجي غالبًا ما تستعمل في الصراعات الداخلية، ضد اقليات عرقية او مجموعات منشقة تسعى إلى زيادة حقوقها السياسية. رأينا ذلك في الفترة الأخيرة في ليبيا وسورية حيث الأسلحة المتطورة ــ واغلبها مستورد ــ استخدمت ضد المدنيين غير المسلحين.
يؤدي ذلك الى الاعتقاد بأنّه يجب ان نخصص المزيد من الانتباه لتلك العلاقات المعقدة والمهمة. قد توجد اسباب قانونية في ميثاق الأمم المتحدة، تتيح بيع وشراء الأسلحة التقليدية. لكني اعتقد انّ تلك الأهداف تم تشويهها بسبب السعي وراء الموارد الطبيعية من قبل الدول المصدرة للأسلحة، مع نتائج خطرة محتملة قد تقوّض ذلك الميثاق. انّه لأمر اساسي بالتالي، ان نفهم تلك التقاطعات بنحو افضل، وافضل طريقة لتنمية ذلك الفهم والترويج له هي زيادة الشفافية في تجارة الأسلحة.
- ١. المرجع نفسه، الجدول ١٢، ص ٤٥.
- ٢. المرجع نفسه، الجدول ١١، ص ٤٣ ــ ٤٤.
- ٣. للمزيد من المعلومات يرجى الاطلاع على جيرالد ستاينبرغ The Middle East and the Persian Gulf: an Israeli Perspective وعبد المنعم سعيد The Middle East and The Persian Gulf: an Arab Perspective في كتاب اندرو جي. بيار Cascade of Arms, Washington DC, Brookings University Press, 1997، ص ٢٢٧ ــ ٢٥٢، و٢٥٣ ــ ٢٨٣، على التوالي.
- ٤. انظر، اندرو جي. بيار The Global Politics of Arms Sales, Princeton, NJ, Princeton University Press, 1982، ص ٢٤.
- ٥. الكونغرس الأميركي، مجلس النواب، لجنة العلاقات الخارجية، قانون التنمية والتعاون المشترك لعام ١٩٧٣، جلسات الاستماع، الكونغرس الثالث والتسعين، الجلسة الاولى، ١٠٧٣، ص ١١٠.
- ٦. بيار، المصدر ذاته، ص ٢٤.
- ٧. الكونغرس الأميركي، مجلس النواب، لجنة العلاقات الخارجية، اللجنة الفرعية، جلسات استماع، الكونغرس الثالث والتسعين، الجلسة الأولى، ١٩٧٣، ص ٣٩.
- ٨. وزارة الدفاع الأميركية Foreign Military Sales, Foreign Military Construction Sales, and Military Assistance Facts, طبعة ١٩٧٨، واشنطن دي. سي. الارقام كلها في الدولار الأميركي.
- ٩. للمزيد يمكن الاطلاع على كتاب كلير American Arms Supermarket, ص ١٢٧ ــ ١٦٢.
- ١٠. وزارة الخارجية الأميركية Briefing on Pending Major Arms Sale, واشنطن دي. سي، ٢٠ تشرين الأول ٢٠١٢، ويمكن الاطلاع على الملف على الموقع الإلكتروني: www.state.gov (تم سحب الملف في ١٤ تشرين الأول ٢٠١١).
- ١١. للمزيد يمكن الاطلاع على كتاب مايكل تي. كلير Rising Powers, Shrinking Planet, New York: Metropolitan Books, 2008، الفصول ٥ و٨.
- ١٢. Grimmett, Conventional Arms Transfers to Developing Nations, 2003-2010، الجدول رقم ٦، ص ٣٦.
إضافة تعليق جديد
تهمّنا آراؤكم ونريدها أن تُغني موقعنا، لكن نطلب من القراء أن لا يتضمن التعليق قدحاً أو ذمّاً أو تشهيراً أو تجريحاً أو شتائم، وأن لا يحتوي على أية إشارات عنصرية أو طائفية أو مذهبية.