في الرابع عشر من فبراير/شباط ٢٠١١، غداة الأحداث في تونس ومصر، دعت مجموعات من النشطاء البحرينيين الشباب إلى اعتصام في دوار اللؤلؤة بالمنامة. وما لبث هذا الحراك أن امتد فووجِه بالقمع من قبل النظام البحريني. كانت مطالب المحتجين في البداية متمحورة حول الإصلاح، لكن تصلب الملك في الاستجابة لها دفع الحراك نحو المزيد من التصلّب والراديكالية.
عشر سنوات من الانتظار
جاءت الدعوة إلى الانتفاضة الشعبية في البحرين يوم ١٤ فبراير/شباط ٢٠١١ في تاريخ ذي مغزى كبير. ففي اليوم نفسه قبل عشر سنوات، تم الاستفتاء على «ميثاق العمل الوطني»، الذي توافق عليه الملك (الأمير سابقًا) حمد بن عيسى آل خليفة والمعارضة بعد أزمة سياسية طويلة امتدت لربع قرن، وتعمقت خلال عقد التسعينيات. لكن الحكم سرعان ما انقلب على الوثيقة التي تعتبر الأساس لمشروع الإصلاح الدستوري بعد عام فقط، فأقدم في ذكرى الاستفتاء على إصدار دستور جديد تحولت «دولة» البحرين بموجبه إلى «مملكة» البحرين التي يرأسها الملك وقد أعطى لنفسه صلاحيات تشريعية وتنفيذية وقضائية وسياسية واسعة على حساب مجلس النواب والسلطة القضائية.
ويعدّ إصدار دستور العام ٢٠٠٢ انقلابًا صريحًا على ميثاق العمل الوطني وعلى إرادة شعب البحرين الذي وافق عليه بنسبة 98.4٪ كمقدمة لاسترجاع دستور العام ١٩٧٣، وهو الدستور الذي كافح شعب البحرين طوال ربع قرن من أجل استرداده، بعد أن عُلّق العمل به في ٢٦ أغسطس ١٩٧٥.
نص الميثاق على تعديلين فقط هما: تغيير اسم دولة البحرين إلى مملكة البحرين وبالتالي تغيير لقب رأس الدولة من أمير إلى ملك؛ واستحداث مجلس شورى مُعيّن للاستشارة فقط بينما تبقى السلطتان التشريعية والرقابية بيد مجلس النواب المنتخب. وأعلن رئيس لجنة الميثاق، وزير العدل والأوقاف الشيخ عبد الله بن خالد الخليفة، أن الميثاق وثيقة استرشادية وأن الدستور هو المرجعية الأساسية.
كان واضحًا للمعارضة وللشعب أن الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة الذي تولى الحكم في ٦ آذار/مارس ١٩٩٩ كان يريد إضفاء الشرعية على حكمه، وتجديد شرعية حكم عائلة آل خليفة. وكانت المعارضة والشعب مستعدّين لذلك مقابل الالتزام بخطة الإصلاحات الدستورية. لكن الملك وضع المعارضة والشعب أمام الأمر الواقع، وباغت المعارضة الخارجة لتوها من العمل السري إلى العمل العلني، حيث سمح لها بالعمل بوصفها جمعيات لا أحزاب كما كانت تطالب. استغرق الأمر سنتين لكي تستعيد المعارضة تنظيم صفوفها في مؤتمر دستوري عقد أول دورة له في ١٤ فبراير /شباط ٢٠٠٤، واعلن تأسيس حركة معارضة واسعة تضم أحزابًا وشخصيات سياسية ومجتمعية تطالب بإلاصلاح الدستوري، وبدستور عقدي، يكون مرجعية للإصلاح الشامل والجذري للنظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي للدولة والمجتمع.
وأطلقت المعارضة عريضة شعبية في منتصف عام ٢٠٠٤ تطالب الملك بالاستجابة لمطلب الإصلاح الدستوري، وقع عليها نحو ٨٥ ألف مواطن. ونظمت العديد من الفعاليات مثل الندوات والتظاهرات والاعتصامات لطرح مطالب الإصلاح الدستوري. لكن الملك رفض استقبال وفد يحملها ورفض الديوان الملكي تسلمها بالبريد المسجّل، واعتقلت قوات الأمن عددًا من جامعي التوقيعات على العريضة.
تبنت جميع أحزاب المعارضة، وهي الوفاق الوطني الإسلامي (وفاق)، جمعية العمل الوطني الديمقراطي (وعد)، جمعية المنبر الديمقراطي التقدمي (المنبر)، جمعية العمل الوطني الإسلامي (أمل)، التجمع القومي الديمقراطي (تجمع)، التجمع الوطني الديمقراطي (الديمقراطي)، جمعية الإخاء الوطني (إخاء) ــ في برامجها السياسية والانتخابية ــ مطلب وضع دستور عقدي للبلاد وإدخال الإصلاحات الدستورية والتشريعية والمؤسساتية في أجهزة الدولة، بحيث تتحول مملكة البحرين إلى مملكة دستورية ديمقراطية. وكان في لب هذه الإصلاحات الدستورية إعادة التوازن بين مختلف السلطات مع استقلالها وتعاونها، وأن يكون الملك رمز سيادة البلاد ووحدتها فقط.
«إذا كان سقفك السماء، وفراشك الأرض وجميع من يحيطون بك من الأصدقاء فأنت في دوار اللؤلؤة».
الملك ينقلب على الميثاق
بعد صدور دستور ٢٠٠٢، استند إليه الملك ليصدر ٥٦ مرسومًا ملكيًا، خلال الأشهر الثمانية الفاصلة بين إصدار الدستور في فبراير والانتخابات البرلمانية في أكتوبر. وبناء على تلك المراسيم تحول الملك الى حاكم مطلق الصلاحيات.
وقد تمّ من خلال هذه المراسيم هندسة شاملة للدولة، والتحكم بنظامها، بحيث يستحيل إدخال أي تعديلات دستورية أو إصدار دستور جديد أو إدخال تشريعات جوهرية أو تغييرات في بنية الدولة دون موافقة الملك. واحتكر الملك صلاحيات تعيين رئيس الوزراء والوزراء وكبار المسؤولين العسكريين والمدنيين والدبلوماسيين والقضاة وعزلهم. كذلك امتلك حق إصدار التشريعات والقوانين واللوائح في الفترات التي لا يكون فيها مجلسا السلطة التشريعية (مجلس النواب ومجلس الشورى) منعقدين. ويحتاج تعديل تشريعاته وقوانينه ولوائحه الى ثلثي أعضاء المجلسين في جلسة مشتركة (المجلس الوطني) برئاسة رئيس مجلس الشورى المعروف بولائه الشديد للملك. وللملك حق التصرف بجميع الأراضي الاميرية في المملكة. ولا تخضع ميزانيته لمناقشة وإقرار من قبل السلطة التشريعية، ومعظمها لا يدخل في الميزانية العامة للدولة.
وتستأثر الأسرة الحاكمة بالسلطة والثروة كأمر واقع، ويحتل أفرادها المناصب القيادية العسكرية والأمنية والمخابراتية والمدنية في الدولة، ويشكّلون نخبة الطبقة التجارية والشريك للعائلات التجارية والمشاريع التجارية والصناعية، ويتفوقون عليها في الملكيات العقارية، ويتمتعون بحصانة الأمر الواقع.
وهناك مواد في الدستور غير قابلة للتعديل بما في ذلك نظام المجلسين، في حين يحتاج أي تعديل دستوري إلى موافقة ثلثي أعضاء المجلسين في جلسة مشتركة، ويستطيع الملك رد أي قانون يقره المجلسان، ويحتاج إعادة إقراره إلى ثلثي أعضاء المجلس في جلسة مشتركة. أما السلطة التنفيذية، فلها الأولوية في تقديم مشاريع القوانين، كما أنها تعيد صياغة القوانين التي يتقدم بها أعضاء مجلس النواب في صورتها النهائية.
وقام الحكم بتقسيم مملكة البحرين انتخابيًا إلى أربعين دائرة، متفاوتة في عدد الناخبين تفاوتًا شديدًا بحيث مُنحت الدوائر ذات الولاء للحكم ثقلًا مرجّحًا. إن ستة عشر ألف ناخب في الدائرة الأولى يمثلهم نائب واحد، بينما يمثل ستة نواب العدد نفسه تقريبًا في المحافظة الجنوبية الموالية للحكم. إضافة إلى ذلك، استخدم الحكم أصوات منتسبي الجيش والأمن والاستخبارات والمجنّسين حديثًا لاعتبارات سياسية لإسقاط مرشحي المعارضة وضَمان أغلبية في مجلس النواب، فلم تتمكن المعارضة متمثلة بجمعية «الوفاق» من الحصول على أكثر من ثمانية عشر مقعدًا من أصل الأربعين مقعدًا التي تؤلف العدد الكلي لأعضاء مجلس النواب، رغم أنها حصلت على ٦٤٪ من مجموع أصوات الناخبين في انتخابات أكتوبر/تشرين الأول٢٠١٠. ولم تحز بقية تنظيمات المعارضة على أي مقعد. غير أن صمام الأمان للحكم يبقى مجلس الشورى المُعيّن من أربعين عضوًا، ويتمتع بصلاحيات تشريعية مساوية لمجلس النواب، في حين يتمتع رئيسه برئاسة الجلسات المشتركة للمجلسين (المجلس الوطني) الذي تدار جلساته حسب نظام مجلس الشورى ويكون صوت الرئيس مرجّحًا إذا تساوت الأصوات.
وهكذا بات الأفق مغلقًا أمام أية إصلاحات دستورية من خلال مجلس النواب. وكما رفض الحكم الاستجابة إلى عريضة المعارضة المرخصة، رفض لاحقًا عريضة شعبية أطلقتها حركة «حق للحريات والديمقراطية» غير المرخصة، وقّع عليها ما يزيد على مئة ألف مواطن خلال عام ٢٠٠٩، موجهة إلى الأمين العام للأمم المتحدة تطالب الأمم المتحدة بالاشراف على تنظيم النظام الدستوري في البحرين. تسلم العريضة ممثلٌ عن الأمين العام في نيويورك، لكن لم تتخذ المؤسسة الدولية أي خطوة بشأنها.
تياران في حركة «14 فبراير»
إن انسداد هذا الأفق هو أحد أسباب الإحباط من العملية السياسية، وقد أدى إلى تخلي العديد من الناشطين السياسيين عن التنظيمات السياسية المعارضة المرخصة والانخراط في تنظيمات معارضة غير مرخصة، وهي حركة «حق» بزعامة حسن مشيمع وحركة «الوفاء» بزعامة عبد الوهاب حسين وحركة «أحرار البحرين الإسلامية» وزعيمها الدكتور سعيد الشهابي المقيم في لندن، وكلها انشقاقات عن التنظيم الإسلامي الشيعي الأم «جمعية الوفاق الوطني الإسلامي» وزعيمها الشيخ علي سلمان.
في ظل أجواء الاحتقان التي كانت تعيشها البلاد وانسداد أفق العملية السياسية، جاء الإعصار المنطلق من تونس ليجتاح الوطن العربي عابرًا الحدود ومستنهضًا الجماهير العربية الساخطة. وسرعان ما وصل إلى البحرين، بداية فبراير/شباط عندما دعت مجموعة من الشباب عبر مواقع فايسبوك البحرينيين إلى تحرك احتجاجي يوم ١٤ فبراير/شباط ٢٠١١. وتجاوب مع الدعوة ما يزيد على ٧٠ ألف مواطن. وسرعان ما تحولت الحركة الاحتجاجية إلى حركة جماهيرية واسعة استطاعت أن تستقطب جميع القوى المعارضة المرخصة وغير المرخصة، والعديد من منظمات المجتمع المدني والشخصيات وعامة الجماهير المطالبة بالتغيير، فتدفق الى الشوارع والساحات عشرات من الآلاف ممن لم يسبق لهم أن شاركوا في العمل السياسي.
شارك الشباب والنساء على نطاق واسع في مختلف النشاطات الاحتجاجية، مثل التظاهر والاعتصام والندوات والمناظرات التي حفل بها «دوار اللؤلؤة» على امتداد شهر عاصف، وشاركوا ايضا في صياغة المواقف السياسية وتحديد الأهداف، وفي حضور اجتماعات قيادات المعارضة. وكان لهم دور كبير في التأثير على المفاوضات الجارية حينها بين المعارضة والسلطة ممثلة بولي العهد الشيخ سلمان بن حمد الخليفة.
وإنقسمت المعارضة البحرينية إلى تيارين: التيار المعارض المرخص والتيار المعارض غير المرخص. يشمل الأول الأحزاب والجمعيات الأهلية المرخصة، ويعمل في إطار القوانين السارية والمقيدة بشدة لحرية التنظيم والتجمع والتعبير. ويشمل الثاني عناصر سياسية وحقوقية منضوية في التنظيمات الثلاثة المذكورة اعلاه وفي عدد من المنظمات واللجان الحقوقية. وينتشر نفوذ هذا التيار بشكل خاص في أواسط الشباب وخصوصًا الشيعة منهم، في ظل الفقر والتهميش لمناطقهم والبطالة المرتفعة في أوساطهم، علمًا بأن الشيعة محرومون من الانضمام إلى الجيش والأمن والمخابرات، مع استثناءات في مناصب مدنية.
ازداد نفوذ هذا التيار الثاني ونشاطه مع الإحباط المتزايد من جدوى العملية السياسية وارتفاع المواجهات مع قوات الأمن. وجرت حملات اعتقالات واسعة ترافقت مع انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان بما في ذلك التعذيب والاعتقالات الجائرة التي طالت العشرات طوال الفترة من ٢٠٠٦ إلى ٢٠١١، وكانت المفجِّر «لانتفاضة ١٤ فبراير ٢٠١١».
وفي الوقت الذي يلتقي فيه التياران في الكثير من المطالب والأهداف، فإن التيار المرخص يطالب بإصلاح النظام السياسي إصلاحًا شاملًا يهدف إلى إقامة نظام حكم ملكي دستوري ديمقراطي برلماني، بإصدار دستور عقدي من خلال مجلس تأسيسي منتخب كليًا استنادًا إلى مبدأ المواطنة المتساوية، وإدخال إصلاحات عميقة دستورية وتشريعية. وقد استخدمت الدولة جميع إمكاناتها لإضعاف هذه المعارضة المرخصة، سواء بشق هذه التنظيمات، أو اجتذاب قيادتها، أو التشهير بها في وسائط الإعلام العامة والخاصة التي تهيمن عليها الدولة، أو الهندسة المسبقة للانتخابات التي تمكّن الدولة من إسقاط من تشاء من مرشحي المعارضة لتبقى أقلية منها في البرلمان، بينما ليس لها أي ممثل في مجلس الشورى.
إن الذين أطلقوا حركة ١٤ فبراير هم بالدرجة الأولى الشباب في التيار الثاني، وبعض من ينتمون لتنظيمات الوفاق ووعد وأمل. ولقد طوروا وسائل التنظيم والتعبئة والحشد والدعوة إلى الاحتجاجات، على امتداد خمسة أعوام، باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي من فايس بوك وتويتر ومجموعات الاتصال والمواقع على الإنترنت، وقد استخدمت بكثافة في إطلاق حركة «١٤ فبراير» وقيادتها.
وتطورت مطالب حركة «١٤ فبراير» مع تطور الحركة ذاتها وتفاعل الجمهور معها من خلال الحوارات. ويمكن القول إن البحرين لم تشهد في تاريخها الحديث ورشة نقاش وجدل مثل تلك التي شهدتها إثر انطلاق حركة «١٤ فبراير»، حيث كان «دوار اللؤلؤة» يعج بعشرات الآلاف من المواطنين، من مختلف مناطق البحرين وطبقاتها وفئاتها الاجتماعية واتجاهاتها السياسية، يشاركون في مناقشات وندوات وحوارات تخصصية تستمر الى ساعة متأخرة من الليل.
على امتداد تلك الفترة، والتي انتهت باقتحام قوات الحكومة المدعومة من قوات مجلس التعاون الخليجي نهائيًا لـ«دوار اللؤلؤة» يوم ١٦ مارس/آذار، كانت تنظم مسيرات حاشدة في القرى والنواحي، انطلاقًا من الدوار أو باتجاهه. وسقط في المواجهات ما يقرب من ثلاثين شهيدًا والمئات من الجرحى. وتحت ضغط الشارع أطلق سراح قيادات حركة (حق) ونشطاء حقوقيين وآخرين حكم عليهم في العام ٢٠١٠ بدعوى «التآمر لإسقاط النظام».
مطالب وتصعيد
على وقع حركة «١٤ فبراير»، كانت المعارضة بشقيها تبلور مطالبها وتعقد اجتماعات ماراثونية بحضور ممثلي المجتمع المدني للاتفاق على قواسم مشتركة. وبلورت المعارضة المرخصة مطالبها، استجابة لمخاطبتها من قبل ولي العهد، فطرحت الآتي:
ــ إقالة الوزارة الحالية والتي بقي رئيسها، رجل النظام القوي الشيخ خليفة بن سلمان الخليفة عم الملك اثنين وأربعين عامًا في الحكم.
ــ تشكيل حكومة وفاق وطني منتخبة.
ــ انتخاب مجلس تأسيسي لوضع دستور جديد للبلاد على قاعدة صوت واحد للناخب الواحد، وجعل البحرين دائرة انتخابية واحدة.
ــ التحقيق في قضايا القتل والانتهاكات الواسعة لحقوق الإنسان من خلال لجنة مستقلة.
ــ التحقيق في قضايا الفساد ونهب الأموال والأراضي واعادتها للدولة.
ــ إطلاق سراح جميع المحكومين في قضايا سياسية وإطلاق الحريات العامة والاعتراف بالحق في التنظيم والتجمع والتظاهر والتعبير.
ــ إيقاف الإعلام الرسمي التحريضي ضد الانتفاضة ووضعه تحت قيادة وطنية.
لكن إعلان هذه المطالب لم يرقْ للمعارضة غير المرخصة التي صعدت التحرّك باحتلالها الطريق السريع (شارع الملك فيصل) و«المرفأ المالي» ودعوتها إلى العصيان المدني، كما صعدت مطالبها باتجاه شعار إسقاط النظام. وهكذا وقعت المعارضة المرخصة بين مطرقة النظام وسندان الشارع.
في تلك الاثناء، كلف الملك حمد ولي عهده الشيخ سلمان بطرح مبادرة للحوار مع المعارضة للخروج من الأزمة. وقد تقدم بمبادرته بتاريخ ١٣/٣/٢٠١١ التي عرفت بمبادرة النقاط السبع وهي:
ــ حكومة تعبر عن الإرادة الوطنية.
ــ إعادة تقسيم الدوائر الانتخابية لتكون أكثر عدلًا.
ــ تعديل صلاحيات مجلس النواب ليمتلك سلطات تشريعية ورقابية أوسع.
ــ التحقيق في قضايا الانتهاكات وتعويض المتضررين.
ــ التحقيق في قضايا الفساد واتخاذ إجراءات مناسبة.
ــ ضمان سلامة المحتجين السلميين بما في ذلك المعتصمين في «دوار اللؤلؤة» بشرط عدم إعاقة الحركة المرورية.
ــ المصالحة الوطنية الشاملة.
بيد أن الدعوة للحوار استثنت قوى المعارضة غير المرخصة. وإزداد الموقف تعقيدًا عند مبادرة الاخيرة إلى طرح شعار «الجمهورية» والدعوة إلى استفتاء شعبي بإشراف الأمم المتحدة لاختيار النظام السياسي. وقد أدى ذلك إلى نتائج سلبية عديدة، منها تردد النظام في التعاطي مع مطالب المعارضة، وانحياز قوى سياسية ومجتمعية سنّية إلى النظام في مواجهة استحقاقات الإصلاح وتشكيلها «تجمع الوحدة الوطنية» المناوئ لحركة ١٤ فبراير. لكن أسوأ النتائج كان انحياز دول مجلس التعاون للنظام البحريني.
قبلت المعارضة التفاوض على أساس مبادرة ولي العهد لكنها طالبت بإيضاحات وبضمانات خليجية أو دولية للتنفيذ. غير أن المبادرة أجهضت باجتياح القوات السعودية البحرين، واجتياح قوات النظام دوار اللؤلؤة والاستيلاء عليه وعلى مجمّع السلمانية الطبي، الذي كان يستقبل الضحايا المصابين، وتحول بدوره إلى مركز للحركة الاحتجاجية. وأعلنت الحكومة حالة الطوارئ مساء ١٤ مارس/آذار، وتم في ظلها تفويض القائد العام لقوة دفاع البحرين صلاحيات الحاكم العرفي. وشهدت البلاد حملة قمع لا سابق لها أطلق عليها بعضهم اسم «الغزو الثاني»، تمت بقيادة رئيس الوزراء، حيث جرى الانتقام من كل من ساهم في الاحتجاجات، ووقعت البلاد عمليا تحت احتلال قوات الجيش والأمن البحرينيين وقوات مجلس التعاون الخليجي، وترتب على ذلك مقتل العشرات بالرصاص أو تحت التعذيب، واعتقال الآلاف، وسَوق المئات إلى المحاكم العسكرية.
وثيقة المنامة
كان الحل العسكري الأمني محكومًا بالفشل، لأنه وبعد انتفاضة «١٤ فبراير» بات من المستحيل إخضاع الشعب الذي ذاق طعم الحرية، ولم يعد مستعدًا للخضوع للاستعباد مرة أخرى. لذلك ما إن رفعت حالة الطوارئ يوم ١٦ مارس/آذار ٢٠١١، حتى استعادت المعارضة المبادرة، وباشرت تنظيم صفوفها، وبدأت تحظى بدعم دولي، بعد ان انفضحت انتهاكات النظام الشاملة لحقوق الانسان وحملات الانتقام الواسعة النطاق التي شنّها بما فيها تسريح أكثر من أربعة آلاف مواطن بتهمة المساهمة في الاحتجاجات واستهدافه المواطنين الشيعة بنحو خاص.
في المقابل، وضعت المعارضة وثيقة جديدة بتاريخ ١٢ أكتوبر/تشرين الأول ٢٠١١ تحت شعار «الشعب يريد إصلاح النظام». عرف المشروع باسم «وثيقة المنامة»، أعادت المعارضة التأكيد على قبولها التفاوض بناء على مبادرة ولي العهد دون استثناء اي طرف. وكررت دعوتها إلى تلبية المطالب الخمسة الرئيسة: حكومة منتخبة تمثل الإرادة الشعبيّة؛ نظام انتخابي عادل؛ سلطة تشريعية من غرفة واحدة منتخبة بالكامل تنفرد بكامل الصلاحيات التشريعية والرقابية، سلطة قضائية مستقلة، وأمن للجميع عبر إشراك جميع مكونات المجتمع البحريني في تشكيل الأجهزة العسكرية والأمنية. وشددت على المعالجة الفورية لقضايا التجنيس السياسي، وإيقاف سياسة التمييز القبلي والطائفي والسياسي واستبدالها باعتماد مبادئ المساواة والعدالة وتكافؤ الفرص على قاعدة المواطنة المتساوية، والتوافق على سياسة إعلامية وطنية.
إجهاض الحوار الوطني
استشعارًا من الحكم بضغط الشارع والضغوط الدولية المطالبة بحل تفاوضي لإدخال إصلاحات عميقة وجذرية وشاملة للنظام السياسي، طرح الملك مشروع «الحوار الوطني» ابتداءً من أول يونيو/حزيران وكلف الملك رئيس مجلس النواب بالدعوة إلي الحوار الوطني والإشراف عليه. وقام الرجل بتشكيل طاقم للحوار من الجهات الحكومية المعنية، مستبعدًا وزارتي الدفاع والداخلية وجهاز الأمن الوطني. وتمت دعوة الجمعيات السياسية ومنظمات المجتمع المدني وثلاثمئة شخصية للحوار. وتمثّلت المعارضة بست وثلاثين شخصية فقط. وفي ظل التشكيلة ذات الأغلبية الموالية للحكم لم يتم تحديد القضايا الجوهرية التي طرحتها المعارضة. ورفعت مئات التوصيات التي تشمل تغييرات تشريعية وانتخابية وبرلمانية ومؤسساتها، لكنها لم تمس جوهر النظام السياسي. وكلف الملك مجلس الوزراء ومجلس النواب والشورى بتنفيذ التوصيات. لكن الحوار انتهى كحفلة علاقات عامة، وعادت الأزمة إلى المربع الأول.
كررت المعارضة تمسكها بالإصلاحات الدستورية، كما طرحتها وثيقة المنامة. لكنها بلورت البعض منها إذ شددت على مشاركة غير استئثارية للأسرة الحاكمة في الحكومة. واوضحت ان شعار الملكية الدستورية يعني ان الملك يملك ولا يحكم، وهو رمز وحدة البلاد، وهو رأس السلطات لكنه ليس رئيسها. وذاته مصونة ما دام لا يتدخل في تسيير شؤون الحكم.
بيد أن إصرار الملك على الحفاظ على جميع مكاسبه السياسية والاقتصادية، ورفض النظام التنازل عن أي من امتيازاته أو امتيازات العائلة المالكة جعلا من المستحيل التقدم خطوة في هذا المجال. لكن ما هو أكثر خطورة هو أن سلوك النظام يدفع بالبحرينيين إلى رفض الإصلاح وتبني مطالب أكثر جذرية لتغيير النظام من اساساته.
إضافة تعليق جديد
تهمّنا آراؤكم ونريدها أن تُغني موقعنا، لكن نطلب من القراء أن لا يتضمن التعليق قدحاً أو ذمّاً أو تشهيراً أو تجريحاً أو شتائم، وأن لا يحتوي على أية إشارات عنصرية أو طائفية أو مذهبية.