لا حاجة الى تكرار البداهة: لقد دخلت الثورات العربية مرحلة جديدة من تطورها لاكثر من عامل وسبب.
حققت الحركات التي تستحق ان تسمّى «اطول ثورات في التاريخ» انجازات استثنائية. أسقطت اربعة حكام إستبداديين بقوة النضالات والبطولات والتضحيات الشعبية، وفرضت محاكمة اثنين منهم بتهم القتل والفساد، وإن تكن لم تنجح في منع اعفاء احدهم من المحاسبة لقاء تنحيه عن الرئاسة. وانعقدت انتخابات حرّة الى هذا الحد او ذاك فازت بها أحزاب اسلامية في تونس والمغرب ومصر كما فاز عضو قيادي في «جماعة الاخوان المسلمين» برئاسة الدولة المصرية. وبعد اربعة عقود او اكثر من الاستبداد والاستنقاع، ها هي شعوب حطّمت حاجز الخوف، تستعيد ثقتها بنفسها وبقدرتها على تقرير مصيرها بنفسها، واكتسبت زادا معنويا وخبرات نضالية ذات قدرات فعلية لا تقدّر.
مراحل الانتقال
افتتحت هذه التطورات وسواها مراحل انتقالية مركبة، متفاوتة بين بلد وآخر، معقدة المسارات، يدور فيها الصراع على مصير الانظمة الاستبدادية وطبيعة النخب السياسية التي سوف تخلفها. وابرز اوجه هذا الصراع المعارك الدائرة على الدساتير (راجع ملف هذا العدد) لتقرير بنية وآلية تشغيل الانظمة السياسية الجديدة وترجمة التوازن الجديد بين الحكام والمحكومين، وتعيين طبيعة العلاقات بين السلطات الثلاث، وخصوصا بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، وتحديد موقع الحقوق الاقتصادية والاجتماعية من حقوق المواطنة.
وقد استدرجت الثورات اشكالا مختلفة من التدخلات الخارجية، من التدخل العسكري الاطلسي السافر في ليبيا والبحرين الى اشكال التدخل الاميركية ــ الاوروبية الاقل سفورا لاستيعاب العمليات الثورية وضبطها بناءً على المصالح الغربية واولوية «الامن والاستقرار» لدائرة النفط وانظمتها والقواعد العسكرية الاميركية وحدود إسرائيل ومسار الاقتصاديات النيوليبرالية. وابرز آليات الاستيعاب والضبط والسيطرة التي تجلّت الى الآن: الحفاظ على الامر الواقع في دائرة النفط ولو بالتدخل العسكري؛ تنحية رئيس الدولة لصالح نائبه مقدمة للسعي إلى انقاذ النظام في ثوابته واساساته؛ معالجة النزاعات بما هي نزاعات اثنية وجهوية ودينية؛ الدعوة الى تعددية سياسية وانتخابية وصحافية تسند الليبرالية الاقتصادية وتتعايش مع الركيزة العسكرية للانظمة؛ ايثار الجهاز التنفيذي على التشريعي؛ اخراج قوى الثورة الحية من الساحات والميادين ومن المعادلات السياسية.
بهذا المعنى، تشكل المراحل الانتقالية ميدانا جديدا من ميادين الصراع والتوازن بين قوى داخلية وبين هذه وقوى التدخل الخارجي.
ليس مستغربا ان تحوي العمليات الثورية مكونات متفاوتة ومتناقضة من حيث تمثيلها للقوى والمواقع الاجتماعية ورؤاها ومشاريعها ومصالحها. ويمكن التمثيل على ذلك بالثورة الايرانية التي اطاحت نظام شاه ايران العام ١٩٨٩ بواسطة مكوّنين متمايزين بل متناقضين. فمن جهة، جناح علماني مدني ديمقراطي يساري يتكوّن من تنظيمات ماركسية مارست الكفاح المسلح لسنوات وابرزها «فدائيي الشعب» و«مجاهدي الشعب»، ومن جهة اخرى، حركات إسلامية ناضلت تحت رايات «ولاية الفقيه» بقيادة مدنيين او علماء دين شيعة، كانت ابرزها بقيادة الامام الخميني. مثلها، تنطوي العمليات الثورية المناهضة للاستبداد في العالم العربي على ائتلاف ديمقراطي قومي يساري يعمل من أجل بناء دولة مدنية ديمقراطية تنموية، من جهة، ومن جهة اخرى قوى اسلامية ذات ايديولوجية «ثقافوية» ــ تعرّف البشر التعريف الديني ــ وتعطي الاولوية للارتداد على بقايا التشريعات والقيم والمؤسسات العلمانية والمدنية في الدولة العربية الحديثة تحت شعار «الاسلام هو الحل» الذي تراوح اعلان النية في تطبيقه بين الدعوة إلى استعادة الخلافة وأسلمة الدولة والمجتمع او الاكتفاء بأسلمة الدولة.
واذا كان الائتلاف الثوري الضامن هاتين القوتين قد صمد في مرحلة اسقاط الحكام، فالواضح انه آخذ في الانفكاك باشكال ووتائر مختلفة بعد ان انتقل احد الجناحين الى قيادة المراحل الانتقالية التي يفترض الا تتجاوز أطولها السنتين. وتكمن اولى نقاط الاحتكاك بين الجناحين في مقاومة القوى الديمقراطية المدنية لمساعي الحركات الاسلامية تحويل التفويض الشعبي المؤقت الى تسليم ثابت بالسلطة.
واذا ما صدقت قراءة المؤشرات الراهنة، يمكن القول بجنوح متزايد للولايات المتحدة نحو البديل الاسلامي «الوسطي» الذي تمثله الاحزاب المتحدرة من «جماعة الاخوان المسلمين» ولو مطعّماً بحضور عسكري وازن يضمن «الامن والاستقرار».
مصر: حقل الاختبار
إن مجرد انتخاب محمد مرسي رئيسا لجمهورية مصر حال دون اكتمال الانقلاب الذي أعد له المجلس العسكري لايصال مرشحه احمد شفيق الى الرئاسة بعد حلّ مجلس الشعب ومصادرة صلاحيات رئيس الدولة. وسجّل مرسي بادرة بالغة الاهمية في انصياعه للدستور بعد نقض المحكمة الدستورية قراره بالغاء حلّ مجلس الشعب. والاهم ان الرئيس المنتخب وحزبه وجماهير الثورة مستمرون في معركة إلغاء «التعديل الدستوري المكمّل». بانتظار حصيلة هذه المعركة ومقدار المساومة الشاملة بين «الاخوان» والمجلس العسكري حول تقاسم السلطة، يمكن القاء نظرة على باقي مشروع الاسلام «الوسطي» من خلال «مشروع النهضة» الذي اصدره حزب «الحرية والعدالة» المصري حيث تورية شعار «الاسلام هو الحل» تحت تسمية بناء «الدولة المدنية».
سقط الرئيس مرسي في الامتحان الاول لدولته «المدنية» في دلالتها الزمنية عندما اعلن نيته تعيين قبطي وامرأة نائبين له، وتراجع امام اعضاء في حزبه والسلفيين الذين أثاروا عدم جواز خلافة مسيحي للرئيس المسلم في حال الوفاة.
اما «المدنية» في المجال الاقتصادي الاجتماعي، فتعبّر عن نفسها بنزعة شعبوية محافظة مختلطة بليبرالية اقتصادية. ونعني بالشعبوية مخاطبة كل فئة اجتماعية بـ«لغتها» وإغداق الوعود المتفاوتة والمتناقضة عليها. في خطاب الانتصار، توجه الرئيس المنتخب الى «مصر العميقة» بلغة الانتماء للاهل والعشيرة تثبيتاً لنزعة محافِظة اجتماعية متمحورة حول الاسرة. لكنه عند مخاطبته أهالي المدن، متعهدا بناء «الدولة المدنية»، كرر لغة «الاهل والعشيرة» إذ حصر مهمة «المجتمع المدني» بـ«دعم رسالة الاسرة وتوعية أفراد الاسرة بتحديات الواقع ومتطلبات المستقبل»، واعلن ضرورة ضبط حرية الاعلام في حدود «القيم المصرية الاصيلة». و«مجتمعه المدني» في الحالين مصروم الصلة بالمواطنة والأفراد الاحرار ينضوون طوعا في مؤسسات وطنية على حساب الانتماءات والولاءات الاسروية والجهوية والدينية والاثنية.
حقيقة الامر ان هذه الشعبوية، مدّعية «الوسطية»، أكثر تعبيرا عن مصالح «برجوازية مؤمنة»، ترتكز على قاعدة في الطبقة الوسطى المهنية وعلى جمهور شعبي لا يجوز الاستهانة بحجمه ووزنه. وهي قد نمت وترعرعت وحققت تراكمها الاولي في جُزُر القطاع الخاص التي أفلتت من هيمنة القطاع العام، ركيزة الانظمة الدولتية منذ الخمسينيات، وها هي الآن تتأهب للحلول محل كومبرادورية استئثارية استبدادية ظلت عاجزة عن التحرر من طابعها الدولتي رغم سعيها إلى تطعيم نفسها بتعديلات هيكلية نيوليبرالية.
لكن فيما الشعبوية المؤمنة تكثر من الوعود الاقتصادية والاجتماعية تضيّق الليبرالية فرص التنفيذ والتحقيق، فهي لا تملك من السياسات الاقتصادية ما يختلف كثيرا عن سياسات عهد مبارك، بما فيها الاستعانة بالاستثمارات الخارجية، تضاف اليها ما تيسّر من صناديق الاستثمار الاسلامية ومؤسسات الصدقة والإحسان الاسلامية من زكاة واوقاف. اما شبهة التغيير الوحيدة في هذا المشروع فهي الدعوة الى «التحول من اقتصاد ريعي الى اقتصاد قيمة مضافة في اطار مجتمع المعرفة والانتاج»، ما يعني الانصياع لشروط «منظمة التجارة العالمية» من حيث الغاء الرسوم الجمركية واعتماد الضرائب غير المباشرة، وتبنّي مشروع «بناء مجتمع المعرفة» الذي تدعو إليه «تقارير التنمية البشرية العربية» ولم نعد نسمع به منذ اندلاع الثورات.
ويرد «المجتمع المدني» في دلالته الليبرالية الصرفة في تأكيد المشروع الاسلامي على «الاستقلال المالي للمجتمع المدني» تجاه الدولة وتحديده دورها في حدود إملاءات المؤسسات المالية الدولية الى حد تبني ترسيمة «تنمية الناتج المحلي الاجمالي» مقياسا للجدوى الاقتصادية على الرغم من اقرار المؤسستين الدوليتين، بعد ثورتي تونس ومصر، بأنه لا يسهم في خلق فرص عمل.
.. فلا ينبغي ان تفاجئنا الحدةُ التي بها صَرَف الكاتب محمد حسنين هيكل «مشروع النهضة» على أنه «كلام لا معنى له» جاء لـ«يستبدل شعار «الاسلام هو الحل» الذي فقد بريقه». ولا من داع لاستغراب تأييد «الايكونومست» البريطانية انتخاب مرسي للرئاسة. ولا عجب ان يرحّب البنك الدولي بفوز مرشح الاخوان المسلمين وتكرار استعداده لتمويل مشاريع اقتصادية مصرية.
السودان: البداية
تؤكد مطالع الانتفاضة الشعبية ضد نظام الاستبداد والفساد والحروب، الذي يتربع على رأسه عمر البشير منذ ٢٣ سنة، عمق التيارات الجوفية التي تعتمل في العالم العربي من المحيط الى الخليج، وعلى تماثل العوامل التي تطلق الثورات، نعني رفض قطاعات واسعة من الجماهير الشعبية والشباب لسياسات الفساد والتقشف والإفقار التي تحصل تحت رايات تحرير الاسواق والتعديلات الهيكلية وفرض انسحاب الدولة من اداور الخدمة والتوزيع الاجتماعيين.
يلوح خلف الازمة الاقتصادية في السودان عاملان. الاول، ترييع الاقتصادات السودانية الذي حوّل البلد الذي كان مؤهلاً ليضمن الامن الغذائي للعالم العربي برمته، الى مستورد للمواد الغذائية بمليارات الدولارات. والثاني، ارتدادات الانفصال الجنوبي. رفض عمر البشير استثمار الفترة الانتقالية التي وضعت حدا لحرب العشرين عاماً بين شمال وجنوب من اجل اقناع اكثرية الجنوبيين بالبقاء داخل الكيان السوداني. وأصرّ على الاستئثار بالشمال وعلى استصدار دستور جديد إسلامي «مئة بالمئة». وسهّل عملية الانفصال الجنوبية على امل ان ترفع الادارة الاميركية قرارات العزل والعقوبات بحقه لدوره في جرائم الحرب المرتكبة في دارفور. والحصيلة، فرّط البشير في وحدة السودان وخسر جراء الانفصال ثلثي عائدات السودان من النفط، وها هو يسعى إلى استعادة بعض ما خسره بفتح جبهتي حرب جديدتيَن في جنوب كردفان والنيل الازرق.
لا يتعلّم ديكتاتور ممن سبقه. استصغر البشير معارضيه واتهمهم بالعمالة للخارج وهددهم بصيف «يشوي»، ولجأ الى الاعتقالات والقمع. لكن الحراك الذي انطلق من الجامعة، انتقل الى الاحياء الشعبية وطاول المهن الحرة، من صحافيين واطباء ومحامين، فبادروا الى الاحتجاج وتشكيل النقابات المستقلة. وجرّ الحراك احزاب «الاجماع الوطني» المعارِضة فتأهبت للمعركة اقلاً باعلان برنامجها لانتقال السلطة والتغيير.
السابقة اليمنية
يشهد اليمن تطبيق الصيغة الاكثر اكتمالا للانقلاب على الثورات، في طبعته الاميركية ــ الخليجية. يشرف على تنفيذها السفير الاميركي في صنعاء (راجع مقالة جمانة فرحات) بعد ان تم فرض الامر الواقع بواسطة البَيعة الرئاسية وتشكيل وزارة ائتلافية باسم أولوية «الحرب ضد الارهاب» والتلكؤ في تصفية الجيش من اقرباء علي عبدالله صالح والتأجيل المستمر للحوار الوطني مع قوى الاحتجاج الرئيسة: حركة الحوثية، الحراك الثوري في منطقة تعزّ، الحراك الجنوبي، وائتلافات الشباب.
ويهدد تطبيق تلك المبادرة، على النحو الذي تتم به، باعادة انتاج نظام علي عبدالله صالح من خلال التحالف بين حزب الرئيس المخلوع والحزب الاسلامي ــ القبائلي الابرز في «المعارضة»، «التجمع اليمني للاصلاح»، يسيطران معاً على مراكز القوة في القوات المسلحة والادارة وعلى الاكثرية في مجلس الشعب والحكومة. ولا يكتفي هؤلاء باقصاء احزاب المعارضة اليسارية والقومية والشباب عن الهيئة التحضيرية لـ«الحوار الوطني»، بل يبذلون المساعي الحثيثة لإخراج قوى الثورة الشبابية من الميادين، وتسليط الجهاديين الوهابيين، المدعومين من العربية السعودية، لقتال الحركة الحوثية في الشمال الغربي، فيما يتناوب جهاز الامن المركزي وميليشيات «الاصلاح» على إرتكاب المجازر في حق متظاهري الحراك الجنوبي السلمي في المحافظات الجنوبية.
دائرة النفط
الحقيقة البسيطة التي تعلنها الثورات العربية منذ اندلاعها هي ان كل الانظمة العربية سائرة إما الى تغيير جذري وإما الى سقوط في هذا المخاض العظيم.
واهمةٌ انظمة الهدر والفساد والاستبداد في الجزيرة والخليج إن كانت تعتقد بأنها ستنجو بنفسها بالحماية الاميركية او الرشى النفطية او التبني التلفزيوني لثورات ضد اخرى والتمويل الكثيف للاحزاب الاسلامية والسلفية. العدوى فتاكة. وقد بدأ التململ الشعبي في ليبيا وتونس ومصر، فضلاً عن اليمن، ضد السعودة والقطرنة.
فيما يدخل عالم الثورات مرحلته الانتقالية، تشهد منطقة الجزيرة والخليج موجة جديدة من الاحتجاجات (راجع مقالات عبد النبي العكري وروزي بشير وايمان ناعس) في السعودية والبحرين اضافة الى اتحاد الامارات حيث تتصاعد موجات الاعتقال والقمع، وسلطنة عمان حيث يجري قمع مواقع التواصل الاجتماعي بتهمة «إعابة» السلطان. والحبل على الجرار.
العد العكسي في سورية
افتتح اغتيال القادة العسكريين والامنيين الاربعة في مبنى الامن القومي بدمشق مرحلة جديدة في مسار الثورة السورية، فالخرق الذي سمح بتنفيذ العملية تم في الحلقة الضيقة للنظام. غير أن الجديد هو الانقلاب السريع في حركة القوى العسكرية، الذي واكب العملية، مع انتقال الجيش السوري الحر الى المبادرة الهجومية بنقل القتال الى قلب مدينتي دمشق وحلب وتوسيع دائرة عملياته وسيطرته في الاطراف على مدار ١٨٠ درجة وانطلاق موجة جديدة من الانشقاقات العسكرية الواسعة عددا ونوعية.
هكذا فالخيار العسكري الذي تشبث به النظام منذ مطلع الاحتجاجات الشعبية استولد العسكرة المتزايدة والمتصاعدة للمعارضة. وما من شك في ان التدخل العربي والاقليمي والدولي قد ضاعف من هذه الظاهرة. ومهما يكن من امر حديث الحسم من الطرفين، فقد بدأ العد العكسي للنظام في سورية. لا يمكن استبعاد خوضه المغامرات العسكرية الوحشية الانتقامية، فقد تغرق سورية في مزيد من الاقتتال الاهلي لكنها لن تؤجل الاستحقاق.
غير أن انتقال مبادرة الحل الى الداخل لم تكتفِ بانهاء مهمة كوفي انان، وانما فضحت الاستهتار الدموي الذي به يعالج المجتمع الدولي الازمة السورية. تكتفي الولايات المتحدة ومعها اوروبا واسرائيل بالتفرّج على مشهد تفكيك اوصال سورية واضعافها دولة ومجتمعا وجيشا ومستقبلا، فيما تخوّض القيادة الروسية، ومعها الصين، في الدم السوري في سعيها إلى فرض الاعتراف بها دولة عظمى وتحقيق التوازن مع الولايات المتحدة في العلاقات الدولية. غير أن النظام السوري، الذي اقلم ثم عرّب وغرّب ثم دوّل ازمته وجاء بالدب الروسي الى كرمه، الى متى سيبقى قادرا على الافلات من مخالبه؟ وما الذي يستبعد تخلي نظام المافيات الامنية الروسي عن رأس النظام في مقابل تحسين موقعه في «التوازن الدولي» المنشود مع اميركا وإنقاذ مواقعه في سورية ذاتها؟
الامر الاكيد ان الشعب السوري «عارف طريقه» في الجمع بين المعارضة العسكرية والانتفاضات الشعبية السلمية. لكن الدرس الكبير الذي يتعيّن على المعارضة السورية ان تتعلّمه هو عدم الوقوع في فخ «الحل اليمني».
اخيرا، لقد أحيطت الثورات العربية بالاوهام النموذجية وابرزها ثلاثة: امكان القيام بالثورة دون فكر موجّه ومشروع مجتمعي (سمّي هذا وذاك «ايديولوجيا»)، والظن بأن العفوية تعني الاستغناء عن التنظيم، وان التغيير ممكن دون الاستيلاء على السلطة (راجع لينين ــ جيجك في هذا العدد).
واقع الحال ان القوى التي نجحت في مصادرة الثورة والوصول الى الحكم في المرحلة القادمة متخمة بهذه الثلاثة: هي احزاب منظمة منضبطة ومترعة بالايديولوجيا.
من هذه الحقيقة يبدأ الإعداد لخوض صراعات المرحلة الانتقالية. وليس صدفة ان الناشطين الشباب في مصر واليمن يتساءلون عن جدوى الاستمرار في الاعتصام في الميادين والساحات، وان ابرز تشكيل للشبيبة الثورية في مصر قد حلّ نفسه. وهذا يفتح باب الابتكار والخيال والمعرفة الذي آمل ان لا تغيب عنه صفحات «بدايات»
إضافة تعليق جديد
تهمّنا آراؤكم ونريدها أن تُغني موقعنا، لكن نطلب من القراء أن لا يتضمن التعليق قدحاً أو ذمّاً أو تشهيراً أو تجريحاً أو شتائم، وأن لا يحتوي على أية إشارات عنصرية أو طائفية أو مذهبية.