نبّهت تقارير وكالة ويكيليكس الى اهمية الوثائق الرسمية الاميركية كمصدر للمعلومات والابحاث والتحاليل عن السياسة الخارجية للولايات المتحدة. ننشر فيما يلي خمس وثائق أميركية عن التدخل العسكري السوري في لبنان في ربيع-صيف العام ١٩٧٦ بعثها المبعوث الاميركي الى لبنان دين براون (نيسان-حزيران ١٩٧٦) الى رئيسه وزير الخارجية الاميركية هنري كيسنجر اضافة الى محضر اجتماعين مخصصين للبنان لاعلى هيئة امنية في البلاد، «مجلس الامن الوطني».
لم يفرَج بعد عن برقيات كيسنجر الى بروان ولا عن جيميع برقيات هذا الاخير الى كيسنجر. مع ذلك نملك ان نعرف الكثير من افكار ومواقف ومقترحات كيسنجر في اجتماعي «مجلس الامن الوطني» المذكورين اعلاه كما في مذكراته التي صدرت العام ١٩٩٩.
غني عن القول ان هذه الوثائق لا تختصر كل المصادر المتعلقة بمهمة دين براون والتدخل السوري في الازمة اللبنانية. ثم ان المصدر الاميركي هو مصدر واحد من عدة مصادر رسمية متعلقة بتلك الحقبة ليس اقلّها المصادر الرسمية الاسرائيلية والسورية ناهيك عن اطراف كانت على صلة وثيقة بالاحداث البنانية مثل فرنسا وبريطانيا والاتحاد السوفييتي. ما نقدمه أدناه مساهمة نظن انها تلقي اضواء جديدة على حقبة هامة من «حرب السنتتين» ( ١٩٧٥-١٩٧٦ ) علّها تحفز على توسيع دائرة المصادر والمراجع وتعميق التنقيب والبحث، اضافة الى دورها في استثارة النقاش والنقد.
تقديم
عندما كان وزير الخارجية الاميركي هنري كيسنجر يشرف على سياسة «الخطوة خطوة» التي اعتمدها مع مصر إفتتاحا لمسار ادى الى اتفاقية السلام المصرية-الاسرائيلية، لفت نظره اعلان الرئيس حافظ الاسد في مقابلة على الـ «بي. بي. سي» عن استعداده لتسوية مع اسرائيل تكرسها إتفاقية سلام. ومعلوم ان كسينجر كان شديد الإهتمام بإدراج سورية في عملية السلام وهو صاحب المعادلة الشهيرة «لا حرب في الشرق الاوسط دون مصر ولا سلام دون سورية».
لاحت الفرصة مع مباشرة دمشق الوساطة في الازمة اللبنانية العام ١٩٧٥. في كانون الثاني/يناير ١٩٧٦ إمتدحت الادارة الاميركية المبادرة السياسية السورية لحل النزاع في لبنان ولكنها كانت لا تزال تعارض «اي تدخل عسكري خارجي» حسبما اعلن كيسنجر في مؤتمره الصحفي يوم ١٤ يناير ١٩٧٦. قبل ذلك بيومين، اعلن مصدر مصري رسمي ان مصر لن تقف مكتوفة الايدي فيما لو حصل تدخل عسكري سوري في لبنان. وفي ٢٨ منه أعلن وزير الدفاع الاسرائيلي اسحق رابين انه اذا دخلت وحدات عسكرية سورية الى لبنان سوف تتحرك وحدات عسكرية اسرائيلية بإتجاه نهر الليطاني.
يوم ٢٢ يناير وقّع رئيس الجمهورية سليمان فرنجية ورئيس مجلس الوزراء رشيد كرامي في دمشق اتفاقا سمّي «الوثيقة الدستورية» من ابرز بنودها إعادة توزيع الحصص الطائفية بتعزيز صلاحيات رئيس الوزراء (السني) على حساب صلاحيات رئيس الجمهورية (الماروني). أيدت الادارة الاميركية الاتفاق فيما رفضته الحركة الوطنية التي كانت تطالب بالغاء نظام الطائفية السياسية برمّته واعتماد قانون مدني اختياري للاحوال الشخصية. تعقدت الامور عندما انشق «جيش لبنان العربي» في مطلع اذار وأعقبه إنقلاب العقيد عبد العزيز الاحدب في ٨ آذار الذي طالب باستقالة رئيس الجمهورية سبيلا وحيدا لحل الازمة.
يوم الرابع عشر من آذار، أبلغ العماد حكمت الشهابي السفير الاميركي في دمشق روبرت مورفي رغبة الحكومة السورية في ادخال وحدات عسكرية نظامية الى الارض اللبنانية بعد ان فشلت وحدات «جيش التحرير الفلسطيني»، القادمة من معسكراتها في سورية، في تثبيت وقف اطلاق النار. يوم ١٨ آذار أكد الرئيس الاسد لمورفي رغبة سورية في التدخل عسكريا في لبنان تلبية لطلب من الرئيس فرنجية. واستطرد قائلا انه يأمل ان تتولى الولايات المتحدة إفهام اسرائيل ان لا علاقة لها بهذا الشأن العربي الداخلي.
تحرّكت الدبلوماسية الاميركية على الخط الاسرائيلي. في ٢٣ آذار/مارس، كان الجواب الاول لرئيس الوزراء الاسرائيلي الاميركيين ان القوات الاسرائيلية سوف تحتل مواقع استراتيجية على الاراضي اللبنانية في جنوب لبنان في حال التدخل العسكري السوري. ولكن في اليوم التالي، صدرت مذكرة اسرائيلية عن مجلس الوزراء ترفض اي وجود عسكري سوري على الاراضي اللبنانية يفوق حجم لواء (أربعة آلاف إلى خمسة آلاف جندي) وتعلن ان اسرائيل لن تحتمل حركة للقوات السورية فيما يتجاوز عشرة كيلومترات جنوبي طريق بيروت ــ دمشق. والواضح ان ما سوف يسمّى «الخط الاحمر» ارتفع قليلا: القبول بقوات نظامية بحجم لواء والتنازل عن الوجود شمالي طريق دمشق ــ بيروت1.
كانت الاتصالات الاميركية مع كل من سورية واسرائيل لا تزال جارية والادارة الاميركية غير حاسمة في موافقتها على تدخل عسكري سوري كثيف الى لبنان عندما وافق الرئيس فورد على إقتراح لكيسنجر بايفاد السفير دين بروان الى لبنان وتسلّم شؤون سفارة الولايات المتحدة في بيروت مؤقتا خلال الغياب المستمر للسفير غودلي الذي كان يقضي فترة نقاهة بعد عملية جراحية. وصل بروان الى بيروت في ٣١ آذار/مارس وقد اعلن الفريقان المتحاربان وقفا لاطلاق النار تسهيلا لمهمته. ويروي كيسنجر في مذكراته إنه كلّف براون بما يلي: ١) تقدير الموقف ٢) تحقيق وقف اطلاق نار ٣) العمل للتوصل الى حل بناءً على وثيقة ٢٢ يناير [الوثيقة الدستورية] ٤) محاولة اتصال ما مع منظمة التحرير الفلسطينية ومحاولة فصل جنبلاط عن م.ت.ف. واقناعه بالحل ٥) يجب ان لا ينهزم المسيحيون ٦) يجب إبقاء السوريين خارجا [بالمعنى العسكري]2.
يوم ٩ نيسان ١٩٧٦ دخلت وحدات من منظمة «الصاعقة» لبنان من الحدود السورية وباشرت رفع الحصار عن مدينة زحلة، وهو الحصار الذي أسهمت المنظمة الفدائية الموالية لسورية في فرضه أصلا على عاصمة البقاع. في الوقت ذاته، ظهرت دبابات سورية داخل الاراضي اللبنانية في عنجر، على بعد بضعة كيلومترات من نقطة الحدود في جديدة يابوس، وفي بيادر العدس، الأبعد جنوبا. إستفسر كمال جنبلاط من براون عن وجود القوات السورية فطمأنه براون بأنها موجودة لتحرير طرقات البقاع وأنكر انها تشكل اي نوع من انواع الاحتلال. ولما قيل له ان تأمين الطرقات لا يتطلب هذا الحجم من القوات، وعد براون بالتحقيق في الحجم الحقيقي للقوات السورية. مهما يكن، لم يكتم براون امله في ان يخدم التدخل العسكري السوري في السيطرة على الفلسطينيين كتب لرئيسه يقول: «اذا كان للمرء ان يفسح في المجال امام الخطط في هذا العالم الناقص، فلن يكون مستبعدا ان «يفرض» السوريون تطبيق اتفاق القاهرة ضد الفلسطينيين».
يوم ١٢ نيسان/ابريل القى الرئيس الاسد خطابا شنّ فيه هجوما عنيفا على الحركة الوطنية ومنظمة التحرير واصفا قادتها بالمجرمين الذين يبيعون ويشترون في السياسة والثورة قبل ان يعلن تصميم بلاده على التدخل في لبنان «للدفاع عن كل مضطهَد ضد كل مضطهِد».
يمكن الافتراض بأن كيسنجر أبلغ براون بأجازة التدخل العسكري السوري والتأكد من عدم اعتراض اسرائيل على ذاك التدخل، بعد الاتفاق على «الخطوط الحمر»، قبيل او في اثناء اجتماع «مجلس الامن الوطني». فكتب في برقيته الى رئيسه يوم ١٣ نيسان يؤكد عملية البناء التدريجية للقوات النظامية السورية ويقول «اذا كان جار لبنان الشرقي لم يزعِج جارَ لبنان الجنوبي على نحو سافر فلا يمكن قول الشيء ذاته عن اليسار اللبناني والفلسطينيين» مشيرا الى ان التدخل العسكري السوري سوف يتم على حساب هذين الطرفين.
في ٢١ نيسان/ابريل ١٩٧٦، أعلنت اسرائيل موافقتها العلنية على التدخل السوري مصحوبا بشروط: نهر الليطاني بعد انعطافه نحو البحر عند قلعة الشقيف هو «خط احمر»، واي تقدم سوري جنوبيه سوف يعتبر تهديدا لامن اسرائيل. وهو تنازل كبير نسبيا في «الخطوط الحمراء» قياسا الى كيفية تحديدها سابقا. سوف يتبيّن خلال «ازمة الصواريخ» في ربيع وصيف ١٩٨١ ان «الخطوط الحمر» كانت تتضمن ايضا تحريم تحليق الطيران الحربي السوري في الاجواء اللبنانية والسماح فقط باستخدام السمتيات لنقل الجنود ومنع نقل اية دفاعات صاروخية جوية سورية الى الاراضي اللبنانية. 3
وفي الاول من جزيران ١٩٧٦ اعلن الرئيس الاسد في حضور رئيس الوزراء السوفياتي كويسغين انه قرر الاستجابة لاستغاثة بعث بها أهالي قريتي القبيات وعندقت في عكار ــ القريتين المسيحيتن اللتين تعرضتا لهجوم من وحدات من «جيش لبنان العربي» (بقيادة ضابط عرف فيما بعد بعلاقته بالاجهزة السورية) ــ وانه أمر بدخول ٦٠٠٠ جندي سوري الى لبنان، إرتفع عددها بعد ايام معدودة الى ١٥،٠٠٠ جندي هو الرقم الذي تحدث عنه براون اصلا عندما تحدث عن الحاجة الى ثلاثة الوية لفرض وقف لاطلاق النار في لبنان.
إختفى براون في الوقت المناسب قبل ان تجري الانتخابات الرئاسية يوم ٨ آب ١٩٧٦. عشية مغادرته، ألمحت صحيفة «لوس أنجليس تايمز» الى ان الولايات المتحدة تدعم الياس سركيس. كذلك ترددت اخبار تفيد بأن براون لعب دورا في اقناع الرئيس فرنجية بأن لا يجدد ولايته.
1• تقدير موقف: الموارنة يريدون ان ينقذهم السوريون
وزارة الخارجية/تلغرام/ سرّي/نسخة ١/١٥
سري/ بيروت ٠٢٨٦٦ ٠٢٠٠٠١
النسخة رقم ١ من ١٥.
---------------------------------------
صفحة ٠١ بيروت ١٣٢٩٧ ٪١٤٠٧٥٨
الاول من نيسان، الساعة ١٢ و٢٨ دقيقة ١٩٧٦
من: السفارة الاميركية بيروت
الى: وزير الخارجية، واشنطن، دي. سي. فلاش ٩٣٣٠ BTO
سرّي بيروت ٢٨٦٦
الى الوزير من بروان
الموضوع: انطباعات اولى
١. أمضيت يوما مرهِقا ولكنه قد يكون مفيدا وأنا اتقافز بالسمتيات عبر البلد مع ملاحي طائرات سمتّية (هليكوبترات) يطيرون أقرب الى الارض حتى من الملك حسين. سوف ابعث بتقرير منفصل عن محادثاتي مع الزعماء الموارنة. وقد تحدثتُ ايضا الى رئيس المجلس النيابي [كامل الاسعد] ورئيس مجلس الوزراء [رشيد كرامي] كما الى جمع من العسكريين من كل الرتب الممكنة. واللبنانيون، كما تعلم جيدا، يحبّون الكلام والاطالة فيه، والجنود هنا ــ كائنا ما كان معتقدهم ــ قد ملّوا الحرب إلا انهم عاجزون عن التعبير عن سلم ممكن.
٢. المسيحيون (ولعلني يجب ان اوضح: اعني الموارنة) خائفون. ثمة الكثير من الحماسة والتبجح عن القتال الى النهاية في الجبال. اتصور ان هذا ممكن، في اسوأ الاحوال. لكنهم لا يريدونه. يريدون ان ينقذهم السوريون4. بل انهم يريدون منا ان نروّج لتلك الامكانية بنشاط ويصعب عليهم، بداية، إدراك اننا لا نستطيع الزام الاسرائيليين بالامر. هؤلاء هم طبعا، كما اشرت سابقا، اللبنانيون انفسهم الذين قالوا باستمرار انه لا يحق للولايات المتحدة ان تفرض على لبنان سياسته الداخلية، واني اعتقد اضافة الى ذلك اني قد بدأت في ايصال فكرة تقول إن ما احد ينقذ بلدَ الآخر وانه لا يمكن القاء القرارات الصعبة حول لبنان على عاتقنا. على انه، في حال انهيار هذا المكان، تأكدوا ان الموارنة سوف يبررون الامر بالقاء اللوم على حكومة الولايات المتحدة وأفترض ان اصدقاءنا في اوروبا الغربية سوف ينضمون الى الجوقة. من بين الامور التي طالبتَني النظر فيها موضوع قدرة المسيحيين على الصمود. السياسيون يعطون انفسهم عشرة او عشرين يوما وقد تطول المدة اذا وردت شحنات [اسلحة] كبيرة من الغرب. تحدثتُ الى ضباط جيش وبحرية وصولا الى درجة عماد في قاعدة جونيه. انهم اقل درامية، يقولون انهم مزوّدون بما يحتاجون وان المزيد في طريقه اليهم. لدي شعور تقريبي بأنهم ليسوا في وضع محزن، مع اني لم احص ِ كل مواردهم. والارجح انهم يستطيعون الصمود الى ما لا نهاية في وجه القوات اليسارية ــ الاسلامية وحدها الا اذا مَحَض الفدائيون هؤلاء الدعم الكامل.
٣. هذا الصباح عُيّن لي موعد مسائي مع جنبلاط. الا انه تأجل للغد، لاسباب امنية، كما قيل، واحسب ان جنبلاط يريد ان يترسخ وقف إطلاق النار بحيث يعزى الينا. خيرٌ على خير. سوف اضعه غدا امام إلتزاماته، حسب توجيهاتك.
٤. يوجد اهتمام كبير جدا بالمهمة التي انتدبتَني لها. انها تسمح للبنانيين بالتفكير في أمر آخر وهم يبالغون في اهميتها. كان لها تأثير مهديء على وضع متفجّر.
٥. الوضع جيد الى الآن.
سري
مفرج عنها
لا يجوز استنساخها دون اذن السكرتير التنفيذي
براون
وثائق مهمة براون والتدخل السوري
- بلاغ صحفي بتاريخ ٣٠ اذار/مارس عن تعيين السفير دين براون لمهمة تسلّم سفارة امريكا مؤقتا في بيروت خلال غياب السفير غودلي الذي يقضي فترة نقاهة في اميركا.
ــ خمس برقيات مرسلة من براون الى كيسنجر بتاريخ ١ و٤ و١٣ و١٤ و٢١ ابريل ١٩٧٦ تتعلق بموضوع التدخل العسكري السوري مباشرة. وبرقية واحدة بتاريخ ٢٠ ابريل ١٩٧٦ تتعلق بالمهام التي سوف يواجهها الرئيس اللبناني الجديد في مجالات فرض الامن وسلطة الدولة وتنفيذ الاصلاحات واعادة الاعمار. وقد جرى رفع السرية عنها جميعا في العام ١٩٩٠
وهذه البرقيات هي:
ــ برقية براون إلى كيسنجر، 1 نيسان/أبريل 1976.
ــ برقية براون إلى كيسنجر، 4 نيسان/أبريل 1976.
ــ برقية براون إلى كيسنجر، 13 نيسان/أبريل 1976.
ــ برقية براون إلى كيسنجر، 14 نيسان/أبريل 1976.
ــ برقية براون إلى كيسنجر، 21 نيسان/أبريل 1976.
ــ محضر \جلسة «مجلس الامن القومي» الاميركي عن لبنان وبلدان اخرى بتاريخ ٧ ابريل ١٩٧٦
ــ محضر جلسة «مجلس الامن القومي» الاميركي عن لبنان وبلدان اخرى بتاريخ ١٣ نيسان ١٩٧٦
ــ عشرون تقريرا من السفارة الاميركية في بيروت عن متابعة الصحافة اللبنانية لزيارة براون تمتد من ٥ ابريل الى ٢٦ يونيو من العام ١٩٧٦.
ــ رسالة بتايخ ٦ آب من روبرت ماكلوكسي، مساعد وزير الخارجية للعلاقات مع الكونغرس، الى ادلاي ستيفنصن، عضو مجلس الشيوخ، تؤكد ان مهمة دين براون في لبنان لا تتضمن اللقاء مع ممثلين عن منظمة التحرير الفلسطينية.
ــ برقية بتاريخ ١٥ يونيو ١٩٧٦ من وزير الخارجية الى السفارة في جدة لتسليم وزير الخارجية السعودي الامير سعود الفيصل رسالة من كيسنجر يشرح فيها موقفه من التدخل العسكري السوري.
ــ برقية من براون الى الوزير كيسنجر عن القضايا التي تواجه رئيس الجمهورية الجديد للبنان من حيث استعادة امن حكومته وسلطتها وتحقيق الاصلاحات واعادة الاعمار. برقية. وزارة الخارجية. مكتوم. تاريخ الاصدار ٢٠ نيسان ١٩٧٦. تاريخ الافراج: ٢١ فبراير ١٩٩٥. كامل. عدد الصفحات ٩.
برقية براون إلى كيسنجر في الأول من نيسان 1976 عن الوضع العسكري
2• الجيش لا يستطيع فرض الامن وبدائل للتدخل العسكري
وزارة الخارجية/تلغرام
سري/بيروت ٠٢٩٣٦ ٠١٤٩٠١٧ / صفحة ٠١
٤ نيسان الساعة ١٦ و٢٢ دقيقة ١٩٧٦
من السفارة الاميركية، بيروت
الى وزير الخارجية، واشنطن دي. سي. فوري ٩٣٦٩
سرّي بيروت ٢٩٣٦
[كلام مشطوب بالحبر الاسود]
الى الوزير من بروان
الموضوع: الوضع اللبناني
١. هل تستطيع الحكومة اللبنانية تجميع ما يكفي من القوة لفرض سلطتها؟ لقد طرحتَ عليّ هذا السؤال. وأنا بدوري أطرحه على نفسي وعلى جميع الذين أتحدث اليهم، بطريقة او باخرى.
٢. الجواب هو «لا» في المدى القريب. لقد اختفى الجيش. البحرية موجودة في جونيه، والطيران مجمّد على الارض بحراسة «جيش التحرير الفلسطيني». والجيش، إذ إختفى، إنقسم الى أربعة أقسام: قسم واحد هو [بقيادة احمد] الخطيب وقد جمّعه من [الجنود] المسلمين غير المنظمين، قسم آخر إنضم الى الموارنة، وثمة قسم منشقّ بقيادة زعيم الانقلاب [العسكري، عزيز] الاحدب العضو السابق في هيئة الاركان، وقسم لا يستهان به قد اختفى ببساطة. الامر ذاته ينطبق على الشرطة مع التشديد على اختفائها.
٣. هل يمكن اعادة بنائه؟ لا توجد طريقة، مثلا، لانشاء جيش او قوة شرطة فعلية خلال ثلاثة اشهر. اذكر ان هذه هي واحدة من المهل المقترحة للتدخل سوري. الاكثر تشاؤما بين اللبنانيين يقول لي ان السوريين سوف يبقون هنا لسنتين، ربما بعد تخفيض عديد قواتهم، قبل ان تستطيع القوات اللبنانية المسلحة تولي حفظ الأمن. قد تكون المهلة اقصر ولكن ثمة مشكلات.
4. الاساسي في العملية هم الرتباء من ضباط و صفوف الضباط. هؤلاء لعبوا دورا بارزا مع هذا الفريق او ذلك وسوف ترفضهم اكثرية الناس. والعديد منهم ممن وقف على الحياد او توارى عن الانظار، سوف يكون موضع إستهزاء. مهما يكن، يوجد بين هؤلاء الاخيرين نواة وحدة عسكرية مستقبلية. يمكن ان يتم تجنيد جنود جدد ولكن وجود قوة من الضباط او ضباط الصف امر جوهري.
٥. كيف يمكن ان يتم ذلك؟ واحدة من الطرق تكون بتشكيل لجنة مشتركة: لبنانية ــ فلسطينية ــ سورية. نشهد اليوم محاولات لتشكيل مثل هذه اللجنة (بقيادة اسمية لزعيم الانقلاب الأحدب) وإن إقتصرت مهمتها على محاولة توفير الامن لكي ينعقد مجلس النواب في الايام القليلة القادمة ليستطيع الموارنة القول انهم تمكنوا من حضور جلسة المجلس لأن قوة عسكرية لبنانية أسهمت في توفير أمن الجلسة. الحقيقة الحزينة هي أن الجيش اللبناني، في الوضع الحاضر، لا يبدو أنه يستطيع تجميع اكثر من المئتي عنصر الذين هم تحت امرة [العقيد عزيز] الأحدب لتحقيق تلك المهمة. وعلى الرغم من ذلك، فمجرد تحقيق ذلك يوفر لنا الفرصة للنظر في الوضع، وتفحّص ما اذا كان شغالا، وما اذا كان يحمل بذورا للمستقبل. ومع انني متشكك، فالامر يستحق النظر فيه لاسيما ان البدائل تطرح مشكلات حقيقية بالنسبة الينا.
٦. اذا نصل الى الوقائع الاكثر أساسية. اللبنانيون اكثر انقساما من ان يستطيعوا توفير الامن الجوهري المطلوب. إن اعادة بناء ما كان لهم في السابق من جيش وبحرية وطيران ودرك وشرطة محلية (كلها تلعب الدور ذاته جوهريا وما من واحدة منها قادرة على قتال عدو خارجي) محاولة خرقاء لانها سوف تكون هادرة في استخدامها لطاقة بشرية محدودة.
بديلان لا اكثر
بديلان لضبط الأمن: وحدات مشتركة من الكتائب والفلسطينيين أو التدخل العسكري السوري.
٧. لذلك يوجد واحد من بديلين، كلاهما يحمل مشكلات حقيقية: اولا، الامن من خلال [وحدات مشتركة من] الكتائب والفلسطينيين (بما فيهم وحدات بقيادة سورية) والقوى اليسارية. قد يبدو هذا ضرب من الجنون ولكنه يصير ممكنا اذا اتفق عرفات والاسد عموما على السيطرة على اليساريين في العملية الجارية. ثم ان التعاون الفلسطيني ــ الكتائبي قد يبدو ضربا من الجنون هو ايضا لمراقِب خارجي غير ان هذين الفريقين على اتصال واحدهما بالآخر. وقد تنجح المحاولة.
٨. البديل الآخر هو التدخل السوري. وقد يتطلّب الأمر ٣ او ٤ الوية اضافة الى قوات إسناد، ذلك ان قوات اصغر حجما قد لا تستطيع معالجة التعدد الكبير في الجبهات المفتوحة. إن بيروت تتطلب تظاهرة قوة حقيقية والكثير من القسوة لقمع المجموعات غير المنضبطة التي تنهب وتقتل لمجرد اللّذة وحدها.
٩. ما يجب القيام به الان هو التفكير في المستقبل. انا متحفظ/متشكك بصدد قوة شرطة دولية. غير ان المهمة الرئيسة في المدى الطويل هي اعادة الاعمار، المتمحورة حول اعادة بناء بنية البلد التحتية. هذا يتضمن الامن. ففي حين لا يوجد توافق على الاطلاق هنا حول ما قد يفعله المجتمع الدولي لوقف القتال وتحقيق السلام، فالتوافق متوافر على ان المساعدة الخارجية ستكون مطلوبة لاعادة اعمار البلد. ان كلا من إدّه وسركيس (المرشحان البارزان لمنصب رئيس الجمهورية) متفقان على هذا الرأي ويريان الى ان اعادة الاعمار الدولية تتضمن عددا واسعا من الخبراء، العديد منهم خبراء في المشكل الامني، بما فيه حفظ الامن والخفارة والتدريب.
١٠. ليس هذا بمخرج من الورطة الحالية. على اني اعتقد انها طريقة من الطرق للتحرك نحو المستقبل. فربما يمكن لكونسورسيوم دولي ان يؤشر للافرقاء اللبنانيين ان الامر يمكن توفيره ضمن اطار جهد اعادة اعمار مدعوم خارجيا. في كل الاحوال، آمل ان تدرس الوزارة هذه الامكانية. ثمة زواية حسّاسة سوريًا لا بد من التبحّر فيها بحذر.
١١. في الخلاصة، سيدي الوزير، لست اعتقد ان اللبنانيين يستطيعون حل المشكلة الامنية بمفردهم. لم يستطيعوا ذلك في الماضي وبالتأكيد فانهم لا يستطيعونه اليوم. يجب ان نتفكر في البدائل بعناية: ١) السماح للسوريين بأن يصعّدوا ما قد بدأوه وإني مدرك المشكلة التي سوف نواجهها في هذا الخيار، او ٢) دفع الفلسطينيين الى التصرّف بطريقة أوسع انتشارا مما يفعلون الان. وفي نظري ان هذا البديل الاخير يتطلب منا التحرك، وعن هذا سوف ابرق لك غدا.
بروان
3• محضر اجتماع «مجلس الامن الوطني»
البيت الابيض/واشنطن
محضر
اجتماع «مجلس الامن الوطني»
التاريخ: الاربعاء ٧ ابريل، ١٩٧٦
الوقت: ٢:٣٥ بعد الظهر الى ٤:٠٠ بعد الظهر.
المكان: غرفة مجلس الوزراء، البيت الابيض.
الموضوع: لبنان
الحضور الرئيسيون:
نائب الرئيس [نيلسون روكفلّر]،
وزير الخارجية هنري أ. كيسنجر
وزير الدفاع دونالد رامسفيلد
الاميرال جايمس هولوواي رئيس العمليات البحرية (الرئيس بالوكالة في غياب الجنرال براون)ومدير المخابرات المركزية، جورج بوش [الاب].
حضور آخرون:
الدفاع: نائب وزير الدفاع وليام كليمنتس
البيت الابيض: ريتشارد تشايني
برنت سنوكروفت
وليام هايلاند
مجلس الامن الوطني: روبرت أوكلي
[اشارات اضافية: سرّي جدا. تاريخ الاصدار ٧ ابريل ١٩٧٦. تاريخ الافراج عنه: ٢٥ ايار ١٩٩٩. غير منظف. غير كامل، ١٥ صفحة.]
الرئيس: ظننت انه يجب علينا ان نعقد اجتماعا ليطّلع الجميع في «مجلس الامن الوطني» على آخر تطورات الوضع في الشرق الاوسط، وخصوصا المشكلات التي نواجهها في لبنان. انا وهنري نتابع الوضع بوتيرة شبه يومية ونحلل الاحداث ونتخذ الخطوات العملية لضمان استمرار ضبط النفس من قبل كل الاطراف. الاسبوع الماضي، خلال زيارة الملك حسين، ارسلنا دين براون لتسلّم المسؤولية عن سفارتنا والتحدث مع كل الاطراف للتأكيد على أهمية المحافظة على وقف اطلاق النار والتوصل الى حل معتدل. وصل الى هناك يوم الجمعة، على ما اعتقد. وهو يقابل الجميع.
كيسنجر: الحقيقة، سيد الرئيس، انه وصل مساء الاربعاء. غادر على طائرة خاصة فور موافقتك على [مهمته]. وهو يتقافز منذ ذلك الحين ويؤدي مهمته بامتياز.
الرئيس: نعم، انه يؤدي مهمته بامتياز. وقف اطلاق النار قيد التطبيق مع ان الوضع لا يزال قلقا. والوضع معقد الى حد يتحدّى المنطق. ونحن ننصح كلا من اسرائيل وسورية بضبط النفس.
رامسفيلد: الوضع يستعصي فعلا على المنطق كما حاول هنري البرهنة عليه امام قيادة الكونغرس هذا الصباح.
الرئيس: جاؤوا مشوشي الذهن حول الموضوع، كما هي حالتهم عادة.
سنوكروفت: وغادروا وهم لا يزالون مبلبلين ولكن على مستوى ارقى.
كيسنجر: يجب ان يعرفوا تماما مدى تعقيد الحالة وان يفهموا ان الامر ليس مسألة دفع قوات [عسكرية] الى لبنان ببساطة. اذا كان الرئيس يحتمل ذلك، سوف أستعيد التقرير الذي قرأته هذا الصباح.
الصراع على علمنة الدولة
في الاساس، توجد ثلاثة مستويات متداخلة تفعل فعلها هنا: النضال المحلي تخصيصا حول اعادة توزيع السلطة؛ النزاع بين المعتدلين والراديكاليين بما يتضمنه من تأثير القوى الخارجية؛ والاعتبارات المتعلقة بالعلاقات العربية. ان تقاسم السلطة لا يزال قائما على اساس الاحصاء السكاني للعام ١٩٣٢ الذي لا يمنح المسيحيين رئاسة الجمهورية وحسب وانما ايضا معادلة ٦ الى ٥ في الوظائف الادارية العليا ومقاعد مجلس النواب. غير ان اجمالي السكان ليس [يقصد العكس] ١٠ ــ ١٥٪ فلسطينيا والباقي قد يكون ٦٠٪ من المسلمين. وهكذا فإن هذا الضغط يتراكم من اجل إعادة توزيع السلطة وهذا مستوى واحد من مستويات الصراع.
المستوى الثاني هو النزاع بين المعتدلين والراديكايين داخل المعسكر المسلم، فالمسيحيون جميعا تقريبا معتدلون او محافظون. في الجانب العربي، يوجد جناح معتدل يريد الحفاظ على الوضع القائم، وعلى النظام القائم. الجناح الراديكالي يريد علمنة الدولة وبالتالي حرمان المسيحيين من موقعهم ودفاعاتهم. مثلما الحالة في روديسيا وجنوب افريقيا، ترى الاقلية الى تسليم مواقعها على انه تهديد لوجودها ذاته. هذه الاجنحة تتلقى الدعم من الخارج. المسيحيون يتلقّون السلاح من اسرائيل، وهذا ما لا نعارضه طالما انه يساعد على الحفاظ على التوازن. والجناح الراديكالي يحظى بدعم قوي من ليبيا والعراق والحزب الشيوعي اللبناني يلقى بعض التشجيع من الاتحاد السوفييتي. انهم منقسمون فيما بينهم الى مجموعة اكثر إعتدالا ــ هي منظمة التحرير الفلسطينية (م.ت.ف.) ، هذا اذا جاز لنا اعتبار عرفات معتدلا. ثم هناك المجموعة السورية وثم راديكاليو جنبلاط. جنبلاط يتلقى المساعدة من ليبيا والعراق وقليلا من السوفييت والى حد ما من مصر لأن مصر غاضبة جدا على سورية.
الاصطفاف العربي غريب. سورية المفترض انها تقف تقليديا في صف الراديكاليين تطور الوضع بحيث صارت تقف الى جانب المسيحيين والمسلمين المعتدلين وتحاول الحفاظ على النظام القائم. فإذا انجرف لبنان في الموجة الراديكالية فسوف يزداد تدفق السلاح من الاتحاد السوفييتي فتجد سورية نفسها محشورة بين لبنان وايران. الاسد يريد تفادي هذا الخطر. وسورية تريد ايضا السيطرة على م.ت.ف من خلال «الصاعقة»، واستبدال عرفات برجلها [زهير] محسن، وزيادة قوتها في العالم العربي. جنبلاط يميل طبيعيا الى تحطيم المسيحيين. لذلك فإن دور سورية بنّاء جدا ويخدم مصالحنا على المدى القريب. ولكن على المدى البعيد، الخوف الاسرائيلي من التدخل العسكري السوري وجيه، لأن سورية تستطيع تدعيم قوتها خلال سنتين وإحتلال موقع يمتد من لبنان عبر الاردن ويشكل خطرا راديكاليا رئيسيا تمشيا مع تقاليدها السابقة. العربية السعودية تلعب دورا بالغ التعقيد، في تأييدها م.ت.ف من اجل كبح تجاوزاتها ولكنها تعارض الراديكاليين. انها تريد ان ترى انتصارا سياسيا سوريا ولكنها ليست تريد ان تتدخل سورية عسكريا. يبدو ان الاردن منحازٌ كليا الى جانب السوريين، على الاقل اذا حكمنا على ما قاله [الملك] حسين عندما كان هنا.
الرئيس: قال لنا حسين انه يؤيد التدخل العسكري. قال ان الاردن صفّى الراديكاليين العام ١٩٧٠ ولدى سورية فرصة رائعة لاستكمال هذه المهمة الآن.
كيسنجر: سوف يكون ذلك جيدا لسنتين او ثلاث. وهو صحيح بالنسبة لجبهة الرفض وسوف يؤدي الى تحقيق الاستقرار في المنطقة كلها. ولكن فيما بعد، قد ينمو النفوذ السوري اكثر مما يجب، وسوف نضطر للتعاطي مع مشكلة ضخمة.
لقد إنهارت تسوية ٢٢ يناير التي انجزها السوريون عندما تفكك الجيش وانحاز المسلمون الى جانب الراديكاليين. هكذا ارسلتْ لنا سورية مذكرة رسمية تطلب فيها نصيحتنا بصدد تدخلها عن طريق وحدات عسكرية نظامية لوقف القتال واستعادة النظام. اتصلنا بالاسرائيليين الذين قالوا انهم سوف يتحركون الى جنوب لبنان اذا دخلت وحدات سورية نظامية. وقالوا انهم قد يحتملون عددا اقل ــ لا يزيد عن فوج ولكن هذا كان ملتبسا ــ اذا بقيت القوات شمال طريق بيروت ــ دمشق. وهكذا اذا ادخلت سورية قوات نظامية، سوف تَدْخُل اسرائيل. وهذا سوف يقلب التوازن العربي برمته ويجبر سورية على مهاجمة اسرائيل. لن يحتمل السوريون الوقوف مكتوفي الايدي ومواجهة تهمة تجزئة البلد من اجل إقتسامه مع اسرائيل. سوف يضطرون الى الهجوم. وسوف يكون على السعوديين والاردنيين ان يؤيدوا سورية. وبما ان مصر خارج الصورة عسكريا، سوف تقع كارثة إذ تكتسح اسرائيل بسرعة وتسحق سورية. وسوف يتدخل السوفييت إذذاك ونواجه قطع النفط.
«اذا دخل الاسرائيليون الجنوب سوف يصعب اخراجهم»
لهذا كنا نؤيد الخطة السياسية السورية في ٢٢ يناير [«الوثيقة الدستورية]، ولكننا قلقون من إجتياح سوري. وهذا ما سوف يعطينا الفرصة لتنمية علاقة ثقة مع سورية بالمساعدة على تلبية حاجاتها الحد الادنى. مرة اخرى نجد اننا البلد الوحيد القادر على الحديث مع كل الاطراف واننا مسيطرون على الوضع بطريقة جيدة للحظة الراهنة، مع انه ليس مؤكدا كيف سوف يتطور هذا الوضع. لقد استخدمْنا السعوديين لحث م.ت.ف. على ضبط النفس ولم نثنِ اسرائيل عن إعادة تموين المسيحينن [بالسلاح] واننا نؤيد ان تتولى سورية قطع الامدادات العسكرية على م.ت.ف. بحرا وبرا ولم تعترض اسرائيل على تحركات البوارج الحربية السورية. ارسَلوا لنا مذكرة تحتج على سلاح البحرية [السورية] فرددنا ان بلدا مسؤولا عن دعم فريق من افرقاء النزاع يجب ان يبذل كل الجهود لوقف القتال. نعلم الآن انهم يضغطون من اجل وقف لاطلاق النار. لدينا وقفا لاطلاق النار لكنه هش. نحتاج الى تثبيته. براون يؤدي مهمته على اتم وجه. ولكننا لا نستطيع ان نسبق السوريين كثيرا.
الحاجة الكبرى هي تأسيس سلطة مركزية، وثمة ثلاثة طرق للقيام بذلك:
واحد، ان تتوصل كل الاطراف الى اتفاق فيما بينها. وهذا مشكوك فيه جدا.
اثنين، ان توافق كل الاطراف على انتشار عناصر مسلحة تابعة لقوة مركزية موضوعة تحت إمرة الرئيس. وهذا يتطلب منا ان نتحدث الى م.ت.ف. بما هي واحدة من تلك الاطراف.
ثلاثة، تسلل المزيد من القوات السورية الي لبنان، بدلا من الدخول العلني لعدد كبير من القوات النظامية. لقد تعاونا تعاونا وثيقا مع السوريين الى الآن. تحرك فوج الى طرابلس بهدوء خلال عطلة نهاية الاسبوع. وقد قطعوا طرق الإمداد بالسلاح بحرا في طرابلس وسواها. وهم يفرضون بذلك الحصار على وصول السلاح الي اليساريين ارضا وبحرا. لم نثنِ السوريين عن افعالهم ولا الاسرائيليون فعلوا. حاليا، الاسرائيليون يتواطأون ولكن سورية لن تستطيع ان تذهب بعيدا، لن تستطيع ان ترسل قوات نظامية بأعداد كبيرة. القوات النظامية السورية، و[منظمة] «الصاعقة» وجيش التحرير الفلسطيني مجرد فريق من اربعة افرقاء. اليسار اللبناني، م.ت.ف والمسيحيون هم الآخرون. الى الان لم يفلت الوضع من السيطرة ولكن اذا جرى تصعيد الموقف نتيجة الدخول السوري وأعقبه تدخل اسرائيلي في الجنوب، سوف تقع حرب عربية. لن تقف اسرائيل داخل الحدود فقط ولكنها سوف تتقدم نحو نهر الليطاني. واذا وصلوا الى هناك لن نستطيع ان نخرجهم منه ابدا. سوف يكون الامر مثل العام ١٩٦٧. واذا دخلوا وتمركزوا ثمة احتمال كبير لاندلاع حرب كبيرة. علينا التخطيط لذلك.
مخاطر اندلاع حرب وأكلافها
رأيي الشخصي انه اذا اندلعت حرب جديدة علينا ان نخمدها بسرعة وان نستخدمها نقطة انطلاق لحل المشكلة الشرق اوسطية بمجملها. اعتقد ان حربا جديدة، تزيد احتمال تدخل السوفيات بشكل او بآخر. لن يسمحوا بسحق سورية مرة ثانية. ان سماح السوفيات لبلدان عربية يسلحونها ويدعمونها ان تنهزم للمرة الرابعة سوف يشكل اهانة كبيرة لهم. وربما ان ذلك سوف يؤدي الى نهاية الاسد. والارجح ان الاردن سوف يدعم سورية عسكريا ويتعرض للسحق هو ايضا. وسوف تدعم العربية السعودية الاثنين ايضا وتقطع إمدادات النفط. وسوف تضطر مصر الى التدخل. والطريقة الوحيدة لوقفها [الحرب] هو طلب وقف اطلاق نار بإسم [العمل من اجل] تسوية شاملة [للصراع العربي الاسرائيلي].
روكفلّر: لن يقتصر الامر على قطع إمدادات النفط. لدى العرب موجودات اميركية بقيمة عشرين مليار دولار يمكنهم سحبها. سوف يكون البتر رهيبا.
كيسنجر: تقول «غرينسبان»5 ان الطريقة الوحيدة ليحافظ الاوروبيون الغربيون على مستوى معيشة ضمن امكاناتهم هو بفضل الودائع العربية. فإذا خرج السعوديون والكويتيون من دائرة الجنيه الاسترليني، سوف ينهار الجنية. فاذا دخلت سورية علينا بذل جهد كبير لابقاء اسرائيل خارجا. سوف يترتب علينا ان نصوغ اقتراحا يبقي سورية شمال طريق بيروت ــ دمشق ونضع جدولا زمنيا لانسحابها. اذا تحركت سورية، تقضي مصلحتنا ان نحاول ابقاء اسرائيل خارجا. ولكن الافضل ان نتوصل الى حلّ دون ان تتحرك سورية.
للتوصل الى حل قد نضطر لطلب إذنك للتعامل مع م.ت.ف، سيدي الرئيس. لن يكون ثمة تغيير في موقفنا من م.ت.ف. في المسألة الشرق اوسطية ولكننا لسنا ملتزمين تجاه اسرائيل بأن لا نتحدث مع م.ت.ف. عن الوضع في لبنان حصرا. قد يساعدنا ذلك بالنسبة للوضع في الشرق الاوسط.
الرئيس: لدينا فكرة إجلاء قبالة الشاطيء، اليس كذلك، يا رون [كنية دونالد رامسفيلد]؟
رامسفيلد: نعم، سيدي (يقدم للرئيس خريطة تبيّن الموقع)
كيسنجر: لسنا مضطرين لمواجهة مسألة م.ت.ف. الآن ولكننا قد نضطر لذلك لاحقا. سوف اعود اليك حول هذا الموضوع.
الرئيس: ماذا عن جهود الوساطة الفرنسية؟
كيسنجر: انهم قطيع من بنات آوى. جاؤوا الينا ناقلين طلبا سوريا ان نردع الاسرائيليين واقترحوا فكرة الضمانات الدولية. حذرناهم اننا لا نراهن على وقف اسرائيل لكننا قلنا لهم اننا نحتاج الى معلومات محددة حول نوايا سورية لتكون لنا فرصة لذلك. قالوا ان السوريين صدّوهم وقالوا [الفرنسيون] للاسرائيليين شيئا مختلفا تماما. إن «الكاي» [الكاي دورساي، مقرّ الخارجية الفرنسية] مليء بالديغوليين الذين يمارسون سياسات مكيافللية رخيصة. لا ينطبق هذا على جيسكار ولكن على العديدين ممن هم حوله من حملة الاتجاهات الديغولية اللامسؤولة.
الرئيس: هل لدينا خططا للطوارئ،؟
رامسفيلد: يوجد فريق عمل يجب ان يجتمع لوضع تلك الخطط.
سنوكروفت: لقد اجتمع فريق العمل فعلا وجرى تحيين كل الخطط، العسكرية منها والسياسية والاستخبارية والاقتصادية.
«ليتولَّ الاسرائيليون تسليح المسيحيين»
كيسنجر: في حال نشوب حرب جديدة، سوف نضطر الى ضخ قوات في المتوسط لردع السوفييت. تقديري ان احتمال تحرك سوفييتي هو اكبر الآن مما كان في الماضي.
الرئيس: متى تجهز الخطط؟
هايلاند: يوم الثلثاء، سيدي الرئيس. سوف ننجز تحيين للخطط. نحن نستقبل الآن المعلومات الاستخبارية. لدينا خطط طوارئ بخصوص الاجلاء في سيناء ولبنان. وزارة الخارجية تعمل على خطط طوارئ سياسية ودبلوماسية ولكن يصعب التأكد مما سوف تكونه الظروف؛ لذلك لن استطيع ان اكون بالغ الدقة. لدينا ايضا خطط طوارئ اقتصادية مستفيضة تشمل قطع إمدادات النفط الكامل او الجزئي و[كيفية مواجهة] المصاعب المالية. لقد انجزتْ «السي. آي. إي» للتو تحيينا لمخزون العالم الحر من النفط والنفط المنتج خارج دول «اوبك». نحن متقدمون جدا عن العام ١٩٧٣. ولدينا قوات في تلك المناطق. ونحن في حالة تأهب. ان تخطيطنا لحالات الطوارئ يتبلور بطريقة جيدة الى حد كبير.
سنوكروفت: سوف يتعيّن علينا ايضا وضع تقرير واحد منسق عن الوضع للحيلولة دون الارتباك الذي حصل في الماضي.
كيسنجر: لقد تعلمنا الكثير. نعلم ان السوريين مذعورون من الاسرائيليين بحيث يجب استبعاد فكرة الهجوم السوري استبعادا شبه كامل. اننا نبالغ في اهتمام اسرائيل بدخول لبنان ولكن سورية ليست على أهبة شن حرب إن امكن تفاديها. فقط فيما لو اضطروا الى دخول لبنان ودخل الاسرائيليون ايضا. تعلمنا ايضا ان السوفيات ليسوا مهتمين بحرب. انهم يساعدون الحزب الشيوعي اللبناني وعناصر اخرى محلية، بما فيها م.ت.ف.، ولكنهم بالجملة عامل ضبط نفس. ان الحزب الشيوعي اللبناني شديد التعاون لكن يبدو ان السوفيات ينصحون السوريين بعدم التدخل. انهم يريدون الاحتفاظ بكعكتهم وأكلها في الآن ذاته. السوفيات لا يبحثون عن المشاكل ولكنهم قد يُجبَرون على التحرّك بدلا من خسارة كل مواقعهم في الشرق الاوسط في حال اندلاع حرب جديدة.
سنوكروفت: وضع مصر سيء. قد يحتاجون الى اسبوع للاستعداد وسوف تُهزَم سورية في تلك الاثناء.
الرئيس: متى تنتهي مهلة وقف اطلاق النار في لبنان؟
كيسنجر: يوم الاثنين. لكن الامور تسير بإتجاه جيّد لذلك فلدينا اسبوعان. يجب ان ننشئ قوة ما ولو مؤلفة من عناصر رئيسية من اجل فرض نوع من الامن. فكرنا في منطقة حيادية ولكن كثيرة هي العناصر الاجرامية غير المنضبطة وما احد يفرض الامن عليها. لن ينفع انشاء منطقة عازلة من دون قوة ما.
بوش: هل تصدق ما يقوله الاسرائيليون لنا عن الوضع العسكري للمسيحيين؟
كيسنجر: تحدث براون الى الزعماء المسيحيين وتحدث ملحقنا العسكري مع مسؤوليهم العسكريين. نعتقد ان بإمكانهم الصمود لثلاثة اسابيع في حال وقع هجوم جديد ولكن قد يحدث الكثير من الاهتراء في صفوفهم خلال تلك الفترة.
رامسفيلد: جاءنا الملحق العسكري اللبناني طالبا السلاح والذخيرة. قلنا له ان يقدّم طلبه عبر القنوات الدبلوماسية الى وزارة الدفاع.
كيسنجر: ليتولَّ الاسرائيليون هذا الامر. انهم يسلّحون المسيحيين اصلا.
رامسفيلد: لدينا حاملة الطائرات «ساراتوغا» تبعد عن لبنان مسير ٢٤ الى ٣٦ ساعة.
الاميرال هولوواي: يستطيعون تقديم الدعم الجوي في غضون ١٢ ساعة.
رامسفيلد: لدينا ايضا «غواداكانال» وهي اقرب من ٢٤ ساعة من بيروت. الى ذلك، نستطيع استخدام النقل الجوي او النقل البحري للمدنيين او العسكريين.
افهم ان المسار المشترك بين الوكالات شغّال. تجري إزاحة الغبار عن الخطط وتحيينها. سوف نعمل على ان لا يكون ثمة فجوة في النقل في المتوسط. بعد ان يراجع الفريق المشترك بين الوكالات الخطط سوف نتخذ اجراءات اخرى.
سنوكروفت: نستطيع ان نعقد اجتماعا ثانيا لـ«مجلس الامن الوطني».
رامسفيلد: سوف تكون خططنا جاهزة للنظر فيها يوم الثلثاء القادم. ماذا عن الاحتمالات العسكرية؟ ماذا عن دور الاردن؟
الاردن وسورية على طريق الوحدة الفيدرالية
كليمنتس: في آخر مرة كنت هناك شعرت ان نبضهم يميل نحو إتحاد فيدرالي بين الاردن وسورية. ثمة عدد كبير من المؤشرات لاحتمال ان يتحقق ذلك. ان الاردن وسورية يقتربان جدا واحدهما من الآخر لغير صالح العربية السعودية.
الرئيس: انطباعي من [الملك] حسين ان الاردن وسورية وثيقا الصلة طالما ان الاسد في الحكم. اما اذا جاء فرد اكثر راديكلية الى السلطة في دمشق فسوف يبتعد الاردن.
كيسنجر: ان الاردن يلعب لعبة خطيرة. انهم يقولون للسوريين كل شيء بحيث لن نستطيع ان نقول لهم ما كنا نقوله في السابق بعد الان.
كليمنتس: انت على حق يا هنري. ان الاردن يلعب لعبة خطيرة جدا. انهم يمشون علي بيض. واذا نجحوا في تحقيق تفاهم كامل مع سورية حول لبنان، فهذه مشكلة.
كيسنجر: تلك مسألة فرعية. السوفيات هم المسألة الكبرى اذا انتقلنا الى نزاع جديد. لن تلقى اسرائيل مشكلة مع سورية والاردن.
سنوكروفت: والآن تستطيع اسرائيل ان تلتف حول الجولان من خلال لبنان ولم تعد مضطرة لتسلّق الجبال.
رامسفيلد: لدينا مسألة ما اذا سوف يطلب من قوتنا المشتركة ارساء المراسي ام لا. الفارق في ذلك هو الـ ٢٤ ساعة المطلوبة للوصول الى لبنان، لأنهم سوف يضطرون الى إشعال المراجل وما الى ذلك.
الاميرال هولوواي: لم تعد هذه مشكلة حقيقية الآن. نستطيع تجهيز السمتيات [هيليكوبرتات] للاجلاء في غضون ٢٤ ساعة. على ان وحدة تنفيذ المهمات سوف تحتاج الى الرسو لتخفيف الضغط على افرادها، بمن فيهم «المارينز»، ولكن ليس للتو. صحيح ايضا ان الابحار يكلف اكثر من الرسو. يوجد موقع للرسو مقابل السواحل التركية، الا ان سفيرنا متردد في طلب الاذن من الاتراك ونحن لا نحتاجه الآن. ولكن خذوا بعين الاعتبار ان فترة طويلة في البحر تضعف من الجهوزية بعض الشيء. نطرح الامر الى الوزير [رامسفيلد] اذا اقتضى الامر اللجوء الى الرسو.
رامسفيلد: سوف تكون خططنا جاهزة يوم الثلثاء. هل نلتقي مجددا الاسبوع القادم؟
الرئيس: ما هو جدول اعمالي؟ هل سوف اكون في المدينة؟
تشايني: سوف تكون في تكساس نهاية هذا الاسبوع ولكنك في المدينة طوال الاسبوع القادم.
الرئيس: لنعقد اجتماعا جديدا نهاية الاسبوع القادم.
رامسفيلد: خلال حرب اكتوبر [١٩٧٣] عانينا من مشكلة مع حلفائنا في الحلف الاطلسي، لم يريدوا منحنا الاذن باستخدام أراضيهم. في اسوأ السيناريوات، سوف نضطر لاستخدام بعض القوات [الاميركية] التابعة للحلف الاطلسي على انه عندما................................ [عبارة او عبارات محذوفة] جاء كانوا متوترين. قد لا نستطيع الاعتماد على ايطاليا او المانيا في المرة القادمة ولذلك قد تضطرنا خطة الطواريء الى ان لا نموضع قواتنا في بلدان الحلف الاطلسي، خصوصا هذين البلدين.
إدخال سورية وابقاء اسرائيل في الخارج
الرئيس: دعونا نجتمع ليس بعد يوم الخميس.
كيسنجر: اعتقد ان لدينا وضعا متحسنا وقد أجدنا السيطرة عليه. اذا ما دخلت سورية على الرغم من جهودنا، يجب ان نبذل قصارى جهودنا لابقاء الاسرائيليين في الخارج.
الرئيس: عندما كان حسين هنا، قدّر ان المسيحيين قد يصمدون للا أكثر من ٤٨ ساعة. وهذا ما لم يحصل.
كيسنجر: لست اعتقد ان هجوما شاملا سوف يشنّ على المسيحيين. يجب ان نحافظ على موقفنا اياه ــ فلا نشرح معني E وِ E يعني حتى لا نرعب الناس بسبب وجود الاسطول ولا نتحدث عما اذا كان ثمة من انزال للماريز ام لا. نرسل تهديدات للآخرين ونقدّم لهم الاعذار لما سوف يفعلون او يحجمون عن فعله. لقد كانت تحركات الاسطول مفيدة.
نائب الرئيس: اليس لدينا نفوذ على اسرائيل؟ مع كل ما نقدمه لهم، لماذا لسنا نستطيع ان نقول لاسرائل ببساطة ان لا تدخل.
كيسنجر: نريد ان نبقي تهديد اسرائيل قائما للوقت الحاضر. انه امر صحّي. ولكن اذا ما تحركت سورية يتعيّن علينا ان نضع مصالحنا في الصف الاول.
بوش: ............................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................
رامسفيلد: .....................................................................................................................................................................
بوش: ............................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................
سنوكروفت: .................................................................................................................................................................. ...............................................................................................
...............................................................................................
[هنا ينتهي القسم المخصص للبنان وينتقل الاجتماع لبحث التطورات المتعلقة بكوبا. المداخلات الاربع الاخيرة محذوفة بواسطة سطور من النقاط.]
صفحة الغلاف من محضر جلسة «مجلس الأمن القومي» الأميركي عن لبنان وبلدان أخرى بتاريخ 7 أبريل 1976.
الصفحة 12 من محضر جلسة «مجلس الأمن القومي» عن لبنان وبلدان أخرى بتاريخ 7 أبريل 1976.
4• كيسنجر يتوقع سقوط عرفات
ويخشى سقوط الأسد
البيت الابيض
واشنطن
محضر محادثة
الدكتور هنري كيسنجر، وزير الخارجية
دونالد رامسفيلد، وزير الدفاع،
برنت سنوكروفت، مساعد الرئيس لشؤون الامن الوطني
الزمان: الثلثاء ١٣ ابريل ١٩٧٦
المكان: المكتب البيضاوي.
الرئيس: ما الذي يجري في لبنان؟
كيسنجر: ان مشكلتنا الكبرى الان هي مصر التي تريدنا ان نخرِج السوريين............................[كلام محذوف ] عرفات يطالب مصر باخراج السوريين.
الرئيس: كان عرفات يهاجم مصر منذ فترة.
كيسنجر: اعتقد اننا على ما يرام في مسارنا الحالي. واعتقد ان التطورات اللبنانية سوف تفيد في المدى البعيد. اعتقد ان عرفات سوف يفقد نفوذه لصالح [منظمة] «الصاعقة» [الموالية لسورية بقيادة زهير محسن]. وهذا ما سوف يرفع الفيتو الذي تضعه منظمة التحرير الفلسطينية على النشاطات السورية. الخطر هو ان يطاح بالرئيس الاسد.
الرئيس: ولكن اذا نجح هذا، الن يعزز ذلك من موقعه [الاسد]؟
كيسنجر: قد يطاح به على اي حال. لقد حكم لمدة اطول من اي حاكم سابق. واذا صح توقعي، سوف تنفتح لنا نافذة فريدة على السلام في العام القادم.
الرئيس: الن يساعد ذلك على التجديد لقوات حفظ السلام.
كيسنجر: لقد تحققنا من ان الاسد خائف حد الموت من الاسرائليين.
الرئيس: ماذا عن الاسطول السادس؟
كيسنجر: اعتقد انه يتعين علينا ابقاءه حيث هو الى حين انتخاب رئيس لبناني جديد.
رامسفيلد: المشكلة هي المال المصروف على ساعات الإبحار.
[باقي المحضر مخصص لابحاث تتعلق بالعلاقات العسكرية داخل الحلف الاطلسي]
برقية براون إلى كيسنجر، 13 أبريل 1976.
5• تدخّل سوري ضد جنبلاط وعرفات
وزارة الخارجية/تلغرام
صفحة ٠١ /بيروت ١٣٢٦٥ ٪٠٣٠٠١٦٢ /١٦
١٣ نيسان الساعة ٧ و٢٢ دقيقة ١٩٧٦
من السفارة الامريكية، بيروت، الى نظارة الخارجية، واشنطن، فوري ٩٥٥٢
مكتوم confidential بيروت ٣٢٦٦
[عبارة ممحوة بالحبر الاسود]
الى وزير الدولة من براون
الموضوع: الفترة واحدة ونصف
١. مع اننا كنا نتحدث عن مبادرة سورية سياسية، نؤيدها الى هذا الحد او ذاك، بالمقارنة مع تدخل عسكري سوري، الذي حذّرنا منه، فالظاهر انه يوجد منطقة وسطى بين المفهومين ونحن فيها في الوقت الحاضر. سمّها فترة واحد ونصف، او ما شئت، اننا الآن ــ اكرر الآن ــ نواجه مبادرة سورية سياسية مدعومة بما يكفي من القوات [العسكرية] الواقعة تحت الإمرة السورية، ما يجعلنا على الاقل في منتصف الطريق الى تدخل عسكري سافر.
٢. تمت عملية بناء القوات بطريقة تدريجية، ولكن لم يعد هناك شك فيها، واذا كان جار لبنان الشرقي لم يزعِج جارَ لبنان الجنوبي على نحو سافر فلا يمكن قول الشيء ذاته عن اليسار اللبناني والفلسطينيين، فهذه المجموعات، التي أبلِغتْ اول الامر انه لا يوجد حشد للقوات ذو شأن، تواجه الآن الامر الواقع، لا يخففه الا الضمان المزعوم (وهو كاذب بداهة) بأن التدخل [العسكري السوري] يهدف الى تدعيم مواقع اليسار. يدعو خطاب الاسد القاسي الى التفكير السريع بأن السوريين لن يسمحوا لعرفات او جنبلاط بعرقلة الخطوات السورية.6
بروان
6• لا نيّة للحوار ولا للاصل لدى «الجبهة اللبنانية»
وزارة الخارجية/ تلغرام
مكتوم
الصفحة 1 بيروت ٠٣٢٩٧ ٪١٤٠٧٥٨ / ١٢
نسخة عدد ١ من ١٥ نسخة
١٤ ابريل ١٩٧٦، الساعة السابعة وعشر دقائق
من سفارة الولايات المتحدة بيروت
الى ناظر الخارجية واشنطن دي سي فوري ٩٥٧٠
مكتوم بيروت ٣٢٩٧
عبارة مشطوبة بالحبر الاسود
إلى الوزير من بروان
الموضوع: زيارة يوم ١٣ نيسان الى جونيه ــ انطباعات عامة
١. لدي عدد قليل من الانطباعات عن زيارتي لجونيه يوم ١٣ نيسان. الاول هو الهاجس الامني الكاسح والاقتناع بأن سورية هي وحدها القادرة على توفيره. يدرك البعض ان توفير غطاء دولي للسوريين سوف يكون حذرا. معظم [الذين قابلتهم] مقتنعون بأن الاسد «نظيف الكف» (حسب تعبير [بيار] الجميّل) ولكن بعد سنوات عديدة من العداء التقليدي الماروني ــ السوري لا يزالون مرتبكين بعض الشيء تجاه هذا التطور.
٢. الانطباع الثاني هو انه يوجد تحسّن الى حد ما في الثقة [بالولايات المتحدة] مقارنة مع الوضع الذي كان قائما حين زيارتي السابقة. قال [الاباتي شربل] قسيس، رئيس الرهبنة المارونية، انه وجد تأييدا متزايدا [لقضية الموارنة] في اوروبا وهو العائد من زيارة اليها. طبعا، اسهم خطاب الاسد [في تحسين جو الثقة] كما اسهم ايضا تجدد زيارتي، اذا كان لي ان اصدق ما قيل لي تكرارا.
٣. الانطباع العام الثالث هو انه لا توجد رغبة حقيقية في الحوار مع الطرف الآخر، ذلك ان هوة انعدام الثقة من الاتساع بحيث لا يمكن تجسيرها.
٤. بالمناسبة، لعل [بيار] الجميل هو الاكثر مرونة [بين قادة «الجبهة اللبنانية»]. قال إنه بات مستعدا الآن للانصات الى اي اقتراح تقريبا يتعلّق بتعديل الدستور مع انه ذات مرة لم يكن مستعدا حتى للنقاش في اي تعديل للدستور. فاذا ما سنحتْ فرصة للحوار، فلعل الجمّيل سوف يكون المرشح الابرز لتمثيل الجانب المسيحي.
بروان
7• هواجس حول السيادة اللبنانية
وزارة الخارجية /تلغرام
مكتوم
صفحة ٠١ بيروت ٠٣٥٤٥ ٪٢١١٣٣٢/ ٤١
٢١ أبريل الساعة ١١ و٤٥ دقيقة ١٩٧٦
من سفارة الولايات المتحدة بيروت
الى وزير الخارجية، واشنطن دي. سي. ٩٦٩٢
مكتوم بيروت ٣٥٤٥
[عبارة مشطوبة بالحبر الاسود]
الموضوع: بعض الافكار عن الموارنة
١. كلما أمعنتُ التفكير في حال الإنتقادات الصادرة عن الموارنة والموجهة لاتفاق دمشق، كلما بدا لي ان الحديث الى الزعماء الموارنة من جديد وبسرعة بات أمرا جوهريا. يجب ان نحاول ابقاءهم متحرّكين على المسار الذي وضع لإنتخاب رئيس جديد [للجمهورية]. تبدو انتقاداتهم للوهلة الاولى على انها عقبة عابرة، لكنها تكبر مثل كرة الثلج من حيث الاهمية، خصوصا اذا صَدقتْ انباء اليوم المتعلقة بشروط فرنجية الجديدة للتوقيع على الاتفاق. التحايل الماروني الناتج عن ذلك يخلق مثالا إضافيا عن ظاهرة كلاسيكية من ظواهر هذه الازمة: قابلية التردد السياسي لإحداث إنهيار أمني، ذلك ان القوى النافرة من المركز [التقسيمية] قوية جدا والأهواء ملتهبة وفرص وقوع اشتباكات اكثر من ان تحصى، والمتدخلون سواء الداخليون منهم او الخارجيون اكثر توافرا من ان يردعهم اي رادع اللهم الا التطور السياسي اللاهوادة فيه. حتى لو كنا في احسن الاحوال في معرض المغامرة غير مأمونة النتائج.
٢. لا بد من الاعتراف بأن الشكوى المارونية من اتفاق دمشق7 تحمل بعض المنطق. ان يرى المرء فريقين غير لبنانيَين يعطيان الدروس في السياسة اللبنانية امرٌ مثيرٌ للحنق ولا شك. والمشاعر المسيحية حول مثل هذه الامور مفهومة. على اني لا استطيع منع نفسي من التفكير بأنه يوجد جانبٌ مُفتعل لغضبهم. فقد تذمروا سابقا من ان سورية لا تستطيع ان تجعل الاطراف اليسارية والفلسطينية الرئيسية تماشي البرنامج السوري، والآن عندما تتحرك سورية لتصالح اليسار من خلال الفلسطينيين، إذا الموارنة يقرعون ناقوس الخطر. هل كانوا يتوقعون حقا ان يتم ذلك دون تلطيخ سيادة لبنان الملطخة اصلا؟ اضف الى هذا ان اكتشافهم المفاجيء ان الفلسطينيين سوف يلعبون دورا رئيسيا في عملية حفظ السلام لا يوحي بالصدق. فقد كان للفلسطينيين دور في اللجنة المشتركة السابقة ايضا. كل ما تغير هو ان الفلسطينيين هم الان اقوى وان الجيش اللبناني قد انفرط ــ وهذان تطوران رئيسان، بالتأكيد، ولكن الاكيد انه لا مفاجأات في هذه المرحلة. يساورني شعور ان هدفا ضمنيا غير معلن يكمن جزئيا وراء التذمر الماروني، مستمد إما من وعد بالدعم من طرف خارجي ما او من استمرار الاعتقاد الذي لشمعون من انه يستطيع تدويل الازمة ما يجعلها اسوأ مما هي عليه.
٣. اذا ما قابلتُ الزعماء الموارنة، ما الذي ينبغي ان اقول لهم؟ يمكن تقديم بعض النقاط المذكورة اعلاه، على سبيل الصداقة، طبعا، ودون الزعم بوجود دوافع ضمنية. واستطيع ايضا ان اقول ان المسيحيين ليس عليهم ان يؤيدوا كل النقاط الواردة في اتفاق دمشق اذا كانوا لا يريدون ذلك ــ فقد كان [الاتفاق]، في التحليل الاخير، مجرد إعلان رأي لطرفين معنيين ولم يكن التزاما مقيِّدا لكافة الاطراف ــ على ان المسيحيين لا يجوز ان يستخدموا مثل هذا الخلاف كمناسبة لعرقلة مسار الحل السياسي. ان هذا المسار لذو اهمية فائقة. (ان تفسيرا مخففا لاتفاق دمشق كما قدمه شمعون قد يفيد هنا). وفوق اي شيء آخر، فالمسار مفيد للمصالح المسيحية خصوصا، ذلك ان استمرار القتال سوف يؤدي على الارجح الى المزيد من التدهور في وضعهم تجاه اليسار والفلسطينيين وليس العكس. على الموارنة ان يبلعوا بعض الكرامة بصدد السيادة اللبنانية لفترة من الزمن، ذلك ان هدف التسوية بالذات هو تحريك لمسار تستعاد السيادة اللبنانية بموجبه في نهاية المطاف. واذا هم في قنصهم على الاتفاق لا يفعلون غير تأخير اليوم الذي يستطيع فيه لبنان ان يرفع رأسه عاليا من جديد.
٤. بالنسبة للفلسطينيين خصوصا، اقترح ان نقنع الموارنة أن اقصى ما يستطيعون الطموح اليه بانتظار انتهاء النزاع العربي ــ الاسرائيلي هو حالة عدم اعتداء وليس حلا حقيقيا. ان صيحات الهلع حول خرق الفلسطينيين للسيادة اللبنانية هو اذا غير مناسِب طالما جرى التوصل الى تدبير قابل للنجاح. اذا اعترف المرء بوجود ثغرات في هذا العالم غير الكامل، فإني لن إستبعد ان يفرض السوريون تبطبيق اتفاق القاهرة ضد الفلسطينيين.
٥. ثمة امر آخر يتعلّق بالحاح المسألة: ان الثاني من ايار هو تاريخ انتهاء الدورة العادية للبرلمان وبدء دورته التمديدية. في الشرعانية المتمادية التي غالبا ما يلجأ اليها السياسيون هنا، يسود شعورٌ أن انتخابات رئاسية بُعيد ذلك التاريخ سوف تكون اقل «شرعية» مما لو حصلت قبلها. بغض النظر عما اذا كانت هذه النظرة صائبة ام لا، يمكن دوما استخدامها بما هي هراوة سياسية ضد الرئيس.
بروان
تعقيب
١. يثير اجتماع مجلس الامن الوطني موضوع الاستعدادات الحربية التي تداولتها القيادة الاميركية العليا واتخذت القرارات بشأنها. يبدو من المداولات ومن ما نعرفه عن تلك الفترة ان الولايات المتحدة اتخذت اجراءات استباقية ووقائية تحسبا لاحتمال نشوب حرب عربية اسرائيلية جديدة قد تشتمل على تطورين بارزين: الاول، قطع امدادات النفط العربي لاوروبا واميركا وسحب الارصدة والودائع العربية منها؛ والثاني مشاركة الاتحاد السوفييتي في الحرب لمنع إسداء هزيمة جديدة لسورية.
من جهة ثانية، لا شك ان البحث في خطط إجلاء سوف يغذي رواية مؤامراتية تقول ان دين براون جاء الى لبنان لتنظيم اجلاء المسيحيين من لبنان وتسليم البلاد للسوريين و/او الفلسطينيين. من يقرأ الوثائق لن يجد اثرا او واقعة او برهان تدعم هذه الرواية الشائعة، لا من حيث السلوك السياسي للادارة الاميركية ــ الذي لا لبس في انحيازه الى «الجبهة اللبنانية» ــ ولا من حيث ترتيباتها العسكرية. مهما يكن، يصعب ايجاد تفسير واضح لماذا جرى تخصيص سيناء ولبنان بمهمات الاجلاء اذا كان الغرض هو مجرد اجلاء الرعايا الاميركيين فقط.
٢. الوثائق ناقصة عندما يتعلق الامر بمقابلة براون لجنبلاط وإده. الواضح ان تعليمات كيسنجر قضت بفك ارتباط جنبلاط بياسر عرفات ومنظمة التحرير الفلسطينية وتوجيهه نحو التعاون مع سورية. تفيد تقارير السفارة الاميركية نقلا عن الصحافة اللبنانية ان بروان أطنب في مديح جنبلاط وبرنامج الاصلاحي للحركة الوطنية اللبنانية في لقاء مع الفعاليات الاقتصادية. ولكن يتبيّن مما تناقلته الصحافة ذاتها يومي ١٢ و١٣ نيسان مدى الدهشة والارتباك اللذين ينتابان جنبلاط ازاء طلائع التدخل العسكري السوري. يحدس انه يحظى بإجازة اميركية. وهو لن يصدق حجة براون الكاذبة الذي ابلغه أن دور القوات السورية التي عبرت الحدود يقتصر على فتح طرقات التموين. من جهة ثانية، يعرب جنبلاط لجريدة «المحرر» (١٣ نيسان ) عن خشيته من ان يؤدي التدخل السوري الى تدخل اسرائيلي. اما إده فكان سباقا الى إتهام كيسنجر بالسعي الى عقد اتفاقية سلام بين سورية واسرائيل من خلال الحرب اللبنانية (لوريان لوجور، ٢٤ كانون الثاني/يناير ١٩٧٦) وان الولايات المتحدة قررت منح سوريا لبنان بديلا عن الجولان.
٣ . يلقي محضر مجلس الامن الوطني ضوءا كاشفا على وجه لم يظهر بالوضوح الكافي في ادبيات الازمة اللبنانية وهو التقارب السوري ــ الاردني. يتعدى الامر اكتشاف مدى متانة التأييد الاردني لدور عسكري سوري في لبنان ليصل الى توقع المسؤولين الاميركيين ان البلدين سائران نحو وحدة كونفدرالية. التركيز السوري على الاردن يؤكد ان التدخل السوري في لبنان جاء من ضمن رؤية استراتيجية للرئيس الاسد اراد بها تجميع ثلاثة بلدان وأربعة شعوب (سورية، الاردن، لبنان ومنظمة التحرير الفلسطينية) تحت قيادته تعويضا عن خسارة مصر. ولكن يجدر السؤال عن مصير ذلك التحالف: كيف إنفرط؟ ولماذا بهذه السرعة؟ وما دور الولايات المتحدة والعربية السعودية في ذلك؟
٤. هل تمت لقاءات اميركية ــ فلسطينية خلال الفترة التي تغطيها الوثائق؟ قال كيسنجر خلال جلسة مجلس الامن الوطني الاولى انه قد يطلب إذنَ الرئيس فورد للاتصال بمنظمة التحرير الفلسطينية. وتضمنت تعليماته لدين براون ان يجري اتصالا ما بالفلسطينيين. فهل إتصل براون بمسؤولين في منظمة التحرير الفلسطينية خلال زيارته لبيروت؟ نفى الطرفان ذلك. اعلن براون في مطلع مهمته انه لن يجتمع بمنظمة التحرير الفلسطينية وردّ ممثلو الفصائل الفلسطينية عليه بالتي هي احسن معلنين رفضهم الاجتماع به اصلا وهاجموا مهمته بنِسب متفاوتة من الحدة ووفق تحليلات متباينة عن اهدافها «التآمرية». ومن جهة ثانية، أكدت رسالة مساعد وزير الخارجية للعلاقات مع الكونغرس روبرت ماكلوكسي، بتايخ ٦ آب ١٩٧٦، الى ادلاي ستيفنصن، عضو مجلس الشيوخ، ان مهمة دين براون في لبنان لا تتضمن اللقاء مع ممثلين عن منظمة التحرير الفلسطينية، لأن هذه الاخيرة لا تعترف بدولة اسرائيل.
مهما يكن، لا معطيات تسمح بإعطاء جواب دقيق وحاسم على السؤال. ولكن يمكن الافتراض بأن تمرير التدخل العسكري السوري قد يكون أعفى الادارة الاميركية من الحاجة الى التفاوض مع منظمة التحرير الفلسطينية لتلعب دورا عسكريا في وقف القتال.
كذبة كيسنجر
٥. في مذكراته، إعترف كيسنجر بصراحة ووضوح بدوره في تنظيم الدخول العسكري السوري الى لبنان والحيلولة دون تدخل اسرائيل عن طريق تنظيم «الخطوط الحمر» الشهيرة. ولكنه في تلك الفترة من العام ١٩٧٦ كان جلّ همّه التمويه على هذا الدور. وهذا ما تكشفه برقية من كيسنجر الى وزير الخارجية السعودي الامير سعود الفيصل، بتاريخ ١٥ حزيران/يونيو ١٩٧٦، موجهة الى الملك خالد والامير فهد، ولي العهد. تلقي الرسالة ضوءا كاشفا على اسلوب المراوغة الذي مارسته الدبلوماسية الاميركية آنذاك بين الاطراف العربية المختلفة. يدعو كيسنجر الملك السعودي الى لعب دور في وقف النزف في لبنان والانتقال الى الحل السلمي السياسي. ويسأل عما اسفرت عنه الوساطة السعودية بين ممثلين عن سوريا ومصر وعن «حظ تلك الجهود من الوصول الى نتائج ايجابية ». ويستمزج آراء السعوديين عن فكرة تشكيل قوة ردع عربية لوقف القتال في لبنان، متحفظا عن مشاركة ليبيا فيها، مشجعا على مشاركة السعودية. على انه يختتم الوثيقة على وصلة من الكذب الكيسنجري الصريح حول دوره في التدخل العسكري السوري في لبنان. يقول في الفقرة F:
«... نعترف بأن لسورية دورا مهما تلعبه في حفظ السلام وانه من الجوهري ان يبقى الرئيس الاسد في موقع يمكنّه من لعب ذلك الدور. وكنا قلقين من ان تترتب على التدخل العسكري السوري في لبنان نتائج غير محسوبة على مستقبل عملية السلام وإستمرينا في التحذير من ان يؤدي تصاعد التدخل الى تنامي المخاطر. وقد ذهلنا إذ سمعنا ان البعض في المنطقة يشتبه في أننا تعاونّا مع سورية في أفعالها في لبنان. لم نُستشَر طبعا بصدد التحركات العسكرية السورية ولا نحن شجعناها. بل على العكس من ذلك، حذّرنا مرارا ضدها، في الوقت الذي نعترف فيه بأنه توجد عوامل عديدة يتوجب على الرئيس الاسد ان يوازن بينها في اتخاذه قراراته. وصحيح اننا نجحنا الى الآن في اقناع اسرائيل بأن لا تزيد في تعقيد الامور بردود الافعال تجاه التدخل العسكري. ولكنه من الخطأ الكبير الاستنتاج من ذلك انه كان ثمة تواطوء من اي نوع بين الولايات المتحدة وسوريا واسرائيل كما إتهم البعض».
٦. وافقت احزاب «الجبهة اللبنانية» على التدخل السوري بعد تأكدها من ان الحكومة اسرائيل ليست تنوي التدخل عسكريا في النزاعات اللبنانية حينها. تكثفت الاتصالات، التي افتتحت في ايلول/سبتمبر ١٩٧٥ عن طريق جورج عدوان مع السفارة الاسرائيلية في باريس، فقطعت شوطا من التقدّم في شهر آذار/مارس بالذات مع زيارة جوزيف ابو خليل الى فلسطين المحتلة، مبعوثا من بشير الجميل، ولقائين منفصلين عقدا بين دافيد كيمحي وبنيامن بن اليعازر («فؤاد») مع بيار بشير الجميل وكميل وداني شمعون في بيروت الشرقية. تعهُد الطرف الاسرائيلي خلال تلك الاتصالات بمنح حزبي الكتائب والاحرار السلاح والذخيرة والتدريب العسكري ولكنه كان قاطعا في عدم الرغبة في التدخل عسكريا في الحرب الاهلية.
هكذا، تدخلت سورية واسرائيل في وقت متقارب في الازمة اللبنانية وإفتتحا بالتالي ما اسماه إڤرون «الحوار الرادع» الاسرائيلي ــ السوري على الاراضي اللبنانية الذي سوف يختلّ خلال حصار زحلة و«ازمة الصورايخ» في صيف ١٩٨١ ويستدعي وساطة المبعوث الاميركي فيليب حبيب.8
لم يترك كيسنجر مجالا للشك في التلاقي، ولو المؤقت، بين مصالح القوتين الاقليميتين فكتب في مذكراته: «لقد شجّعنا اسرائيل على ان تمدّ المسيحيين بالسلاح حتى في وقت كانت سورية تعمل فيه ــ مؤقتا على الاقل ــ بصفتها حامية هؤلاء المسيحيين بالذات» (كيسنجر، المصدر ذاته، ص ١٠٤٢). وكانت لكيسنجر أسباب اخرى لاعلان فرحته بما انجزته دبلوماسيته في تحقيق «تغيّر الجبهات المدهش». فسورية، الداعي الرئيسي لإشراك منظمة التحرير الفلسطينية في مفاوضات السلام (التي ترفضها الولايات المتحدة) تقاتل منظمة التحرير او تمتنع عن التدخل فيما الميليشيات المسيحية تحاصر المخيمات الفلسطينية، [الإشارة الى حصار ميليشيات الجبهة اللبنانية لمخيم تل الزعتر واسقاطه]. والاتحاد السوفياتي، حليف سورية الرئيسي، آخذ في الانقلاب على دمشق بسبب الضغط السياسي والعسكري الذي تمارسه على الفلسطينيين. ولم يفت كيسنجر تسجيل مفارقة ان تكون مصر «المعتدلة» هي الطرف الذي يدعم «الراديكاليين».(كيسنجر، المصدر ذاته، ص ١٠٤٨)
في المقابل، لم تتحقق معظم توقعات كيسنجر. لم تنشب حرب. والملفت ان كيسنجر كأنه كان يتمناها على امل ان يجترح من خلالها حلّه الشامل للصراع العربي الاسرائيلي. ولم يسقط ياسر عرفات عن قيادة منظمة التحرير الفلسطينية لصالح «الصاعقة» ولا سقط حافظ الاسد عن الحكم في سورية. هنا ايضا كانت توقعات كيسنجر الدراماتيكية أقرب الى سيناريو فيلم كاوبوي اميركي يتواجه فيه عرفات والاسد فيقضى واحدهما على الآخر في مبارزة فوق ركام الحروب اللبنانية.
ف.ط.
- 1. Henri Kissinger, Years of Renewal (New York: Diane Pub. Co., 1999), p. 1045.)
- 2. كيسنجر، المصدر ذاته، ١٠٤١ ــ ١٠٤٢.
- 3. راجع Evron, War and Intervention in Lebanon: The Israeli-Syrian Deterrence Dialogue (London: Croom Helm, 1987).
- 4. للعلاقة الكتائبية ــ السورية سوابق. زار وفد كتائبي دمشق برئاسة بيار الجميل في ٦ كانون الاول ١٩٧٥ واجرى مباحثات مع القيادة السورية.
- 5. من كبريات شركات الاستشارة المالية الاميركية، على إسم اقتصادي شغل منصب رئيس الاحتياطي الفيدرالي ١٩٨٧-٢٠٠٦.
- 6. الخطاب الذي يشير اليه بروان، القاه الرئيس الاسد في مهرجان لشبيبة البعث، في ١٢ نيسان/ابريل ١٩٧٦، وشن فيه هجوما عنيفا على الحركة الوطنية ومنظمة التحرير واصفا قادتها بالمجرمين الذين يبيعون ويشترون في السياسة والثورة قبل ان يعلن تصميم بلاده على التدخل في لبنان «للدفاع عن كل مضطهَد ضد كل مضطهِد ».
- 7. يوم ١١ نيسان وقّعت الحكومة السورية ومنظمة التحرير الفلسطينية اتفاقا ينص على إشراك مقاتلين فلسطينيين في جهود وقف القتال في الحرب اللبنانية.
- 8. راجع عن هذه الفترة: جوزيف ابو خليل، قصة الموارنة في الحرب. سيرة ذاتية، بيروت، شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، الطبعة الثالثة ١٩٩٠؛ Alain Ménargues, Les secrets de la guerre du Liban, Paris, Albin Michel, 2004
إضافة تعليق جديد
تهمّنا آراؤكم ونريدها أن تُغني موقعنا، لكن نطلب من القراء أن لا يتضمن التعليق قدحاً أو ذمّاً أو تشهيراً أو تجريحاً أو شتائم، وأن لا يحتوي على أية إشارات عنصرية أو طائفية أو مذهبية.