العدد ٣٥ - ٢٠٢٢

مسرحية «الطابور الخامس»

الحُب، الجاسوسية وجحيم الحرب

ننشر في ما يلي مقاطع من «الطابور الخامس»، المسرحية الوحيدة التي ألّفها إرنست همنغواي في أواخر ١٩٣٧ تحت وقع القذائف في مدريد المحاصرة بقوات فرانكو، الجنرال الفاشي المنقلب على الجمهورية. تستلهم المسرحية بعض الشخصيات والأحداث الحقيقية: فندق فلوريدا وبار «تشيكوتي» المجاور وكلاهما حقيقي. على أنّ القصة قصة يساري أميركي هو فيليب رولينغز، من «الفيلق الأممي» الذي يضمّ متطوعين متعددي الجنسيات للقتال إلى جانب الجمهوريين ضد الانقلاب الفاشي. يعمل فيليب في الأمن، فرع جهاز مكافحة عناصر «الطابور الخامس». والحرب الإسبانية هي الحرب التي أطلقت التسمية: كانت مدريد محاصرة من أربعة طوابير عسكرية تابعة لجيش فرانكو، وفي داخل العاصمة طابور خامس من العملاء السرّيين مهمتهم التخريب والاغتيالات والقنص وترويج الشائعات وبث الرعب وإرشاد المدفعية، إضافةً إلى جمع المعلومات. أما الصحافية الشقراء دوروثي بريدجز، فمستلهمة من المراسلة الحربية الأميركية مارثا غيلهرن، التي تعرّف إليها همنغواي العام ١٩٣٦ وكانت عشيقته خلال تلك الفترة، وقد تزوجها العام ١٩٤٠ وأهدى إليها روايته الشهيرة «عندما تُقرع الأجراس» وتطلّقا بعد خمس سنوات ليتزوج من الصحافية البريطانية ماري ويلش. ولكن، على عكس ما تبدو الصحافية المبتدئة في المسرحية، تحوّلت غيلهرن إلى واحدة من أبرع وأجرأ وأشهر المراسِلات الحربيات وقد غطّت الصين وإنزال الحلفاء في النورماندي وتحرير معسكرات الاعتقال النازية، وغيرها. وقصتها مع همنغواي موضوع فيلم بعنوان «همنغواي وغيلهرن» (٢٠١٢) تجسّدها فيه نيكول كيدمان.
«الحرب هي الجحيم»، هي الرسالة التي تطلقها المسرحية. يتساءل فيها عنصر مكافحة الجاسوسية عن جدوى المهمة التي تطوّع للقيام بها، ويعيش معلّقًا بين ما تعد به عشيقته الشقراء من حياة رخاء ورفاه خارج جحيم إسبانيا، وإغراء إسبانيا الأرض والحرب والغانية المغربية العربية آنيتا.
نُشرت المسرحية في العام ١٩٣٨ مع عدد من القصص القصيرة. وعُرضت للمرة الأولى في الأربعينيات. لم تلقَ رواجًا كبيرًا وما لبث أن سحبها مؤلفها لأن المخرج تمادى في التعديلات عليها خلافًا لإرادته. ولم تُعرض كاملةً إلا في العام ٢٠٠٥ على أحد مسارح نيويورك.

 

bid35_p.92-93.jpeg


مقاتلون أناركيون في برشلونة، تموز/يوليو 1936

 

تقديم همنغواي

«كُتبتْ هذه المسرحية في خريف وبواكير شتاء العام ١٩٣٧ فيما نحن نتوقّع هجومًا عسكريًّا. شنّ «جيش الوسط» ثلاث هجمات أساسية في ذلك العام، إحداها على بُرونيتّي. خيضت المعركة، وقد بدأت على نحو رائع لكنها انتهت بمعركة دموية من غير حسم، وكنا ننتظر هجومًا من الهجومين التاليين. لم يأتِ هذا ولا ذاك. ولكن فيما كنّا ننتظر، كتبتُ هذه المسرحية.
كنّا نتعرّض للقصف يوميًّا من بطاريات المدفعية خلف لاغانيس وخلف مدرّجات تلّة غارابيتاس. وفيما أنا أكتب المسرحية، أصيب فندق فلوريدا حيث نقيم ونعمل بأكثر من ثلاثين قذيفة شديدة الانفجار. فإذا لم تكن مسرحية جيّدة فلعلّ تلك هي العِلّة التي أصابتها. أما إذا كانت مسرحيةً جيدةً فلعلّ الفضل في ذلك يعود إلى أنّ تلك القذائف الثلاثين قد أسهمت في كتابتها.
عندما كنت أذهب إلى الجبهة- وأقرب نقطة منها لا تبعد أكثر من ألف وخمسمائة ياردة عن الفندق- كنت دومًا أدسّ نصّ المسرحية داخل فراشي المطويّ. وعندما أعود وأجد الغرفة والمسرحية سالمتين أسرّ دومًا لذلك. فرغت من كتابتها وبيّضتها وأرسلتها خارج البلاد قبل احتلال تيروييل.
كتبت هذه المسرحية لكي تمثّل على الخشبة. على أنّ مخرجها توفّي بعدما وقّع عقد إخراجها وذهب إلى كاليفورنيا للبحث عن ممثلين. فوقّع مخرج آخر عقدًا آخر إلا أنه وجد صعوبة في جمع المال [لتمويل الإخراج].
يشير العنوان إلى قولٍ لأحد قادة الضبّاط الانقلابيين الإسبان في خريف العام ١٩٣٦ إن لهم أربعة طوابير تزحف على مدريد وطابورًا خامسَ من الأنصار داخل المدينة للهجوم على المدافعين عن المدينة من الخلف. وإذا كان العديد من أفراد الطابور الخامس قد ماتوا الآن فيجب أن ندرك أنهم قُتلوا في حربٍ لم يكونوا فيها أقلّ خطورة ولا أقلّ تصميمًا من أيٍّ من أولئك الذين قُتِلوا في الطوابير الأربعة الأخرى.
كانت الطوابير الأربعة الزاحفة على مدريد تقتل أسراها. وعندما يقع أفراد الطابور الخامس في الأسر1 داخل المدينة في الأيام الأولى من الحرب كانوا يُقْتَلون هم أيضًا. لاحقًا، صاروا يقدَّمون للمحاكمة وتصدر بحقهم أحكامٌ بالسجن أو الانخراط في معسكرات العمل أو بالإعدام وفقًا للجرائم التي ارتكبوها ضد الجمهورية. لكنهم في الأيام الأولى [من حصار مدريد] كانوا يُعدمون. كانوا يستحقون ذلك، وفقًا لقوانين الحرب، وهم كانوا يتوقعون الإعدام.
إنّ البعض من المدافعين المتزمّتين عن الجمهورية الإسبانية- والمتزمّتون ليسوا خيرة أصدقاء أي قضية من القضايا- سينتقدون المسرحية لأنها تعترف بأن أفراد الطابور الخامس كانوا يُعدَمون. وسيقولون، بل هم قد قالوا بالفعل، إن المسرحية لا تعرض ما انطوت عليه قضية الشعب الإسباني من نُبل وكرامة. إن المسرحية ليست تسعى إلى ذلك أصلاً. سوف يستغرق الأمر مسرحيات عدة وروايات عدة للتعبير عن ذلك، على أنّ أفضل هذه المسرحيات والروايات هي ما سوف يُكتب بعد أن تضع الحرب أوزارها.
هذه مسرحية تتعلّق فقط بمكافحة الجاسوسية داخل مدريد. من مساوئها أنها كُتبت زمن الحرب. وإذا كان لها من مغزًى أخلاقيّ فهو أنّ المناضلين في منظّمات معيّنة ليس لديهم متسعٌ كبيرٌ من الوقت للحياة العائلية. في المسرحية فتاة تدعى دوروثي ولكن كان يمكن أيضًا تسميتها «نوستالجيا». ولعلّ الأفضل لكم الآن أن تبدأوا بقراءتها والأفضل لي أن أتوقف عن الحديث عنها. ولكن إذا كانت كتابة مسرحية تحت قصف النيران تفسّر مساوئها، فلعل ذلك منحها بعض الحيوية. ومهما يكن، فأنتم القرّاء سيكون لديكم منظور أفضل إلى هذا الأمر منّي أنا».
- إرنست همنغواي.

الفصل الثاني/ المشهد الأول

غرفة في المقر المركزي للأمن. طاولة عادية، مجرّدة إلا من قنديل ذي غطاء أخضر. كل النوافذ مغلقة والستائر مسدلة. خلف الطاولة رجل قصير يبدو متقشفًا له وجه رقيق الشفتين وأنف صقر وحاجبان كثيفان. فيليب جالس على كرسي قرب الطاولة. والرجل ذو وجه الصقر ممسك بقلم رصاص. وعلى كرسي أمام الطاولة يجلس رجل ينتحب بتشنجات قوية وراجفة. أنطونيو (وهو الرجل ذو أنف الصقر) ينظر إليه باهتمام شديد. إنه الرفيق الأول من الفصل الأول، المشهد الثالث، حاسر الرأس، خلع معطفه، والحمّالتان اللتان تشدّان سرواله الوسيع من زيّ «الفيلق الأممي» متدلّيتان على جانبَي سرواله. عند ارتفاع الستارة، فيليب واقف ينظر إلى الرفيق الأول

فيليب: (بصوت متعب) أودّ أن أطرح عليكَ سؤالاً آخر.

الرفيق الأول: لا تسَلْني. أرجوك لا تسألني. لا أريدك أن تسألني.

فيليب: كنتَ نائمًا؟

الرفيق الأول: (يتشرّق كأنه يختنق) نعم.

فيليب: (بصوت رتيب متعب جدًّا) وتعلم عقوبة ذلك؟

الرفيق الأول: نعم.

فيليب: لماذا لم تقل من الأول وتوفّر علينا الكثير من العناء؟ لن آمر برميك بالرصاص من أجل ذلك. كلّ ما في الأمر خاب أملي فيك الآن. تظنّ أن الناس يقتلون بعضهم البعض لمجرّد التسلية؟

الرفيق الأول: كان عليّ أن أخبرك. كنتُ خائفًا.

فيليب: بلى. كان عليك أن تخبرني.

الرفيق الأول: حقًّا، أيها الرفيق المفوّض.

فيليب (لأنطونيو ببرود): هل تعتقد أنه كان نائمًا؟

أنطونيو: وكيف أعرف؟ هل تريدني أن أستجوبه؟

فيليب: لا، مِي كورونيل، لا. نريد معلومات. لسنا نريد اعترافات.

(موجّهًا كلامه إلى الرفيق الأول)

اسمع. بماذا كنتَ تحلم عندما غفوت؟

الرفيق الأول: (ينتحب ويتردّد ثم ينطلق): لست أتذكر.

فيليب: حاولْ مجرد محاولة. خذْ وقتك. أريد فقط أن أتأكد، هل تفهمني؟ لا تحاول أن تكذب. سأكتشف كذبك.

الرفيق الأول: إنني أتذكر الآن. كنت مسندًا إلى جدار وبندقيتي بين فخذيّ عندما انحنيت، وأذكر (يتشرّق) في الحلم ظننت أنّ صديقتي كانت معي وأنها كانت تفعل بي شيئًا ما- شيئًا غريبًا – تفعله بي. لست أدري ما هو. كان مجرد حلم. (يتشرّق)

فيليب (لأنطونيو): أنت راضٍ الآن؟

أنطونيو: لم أفهم الأمر تمامًا.

فيليب: حسنًا، أخمّن أنّ لا أحد يفهم الأمر كليًّا، لكنه أقنعني.

(إلى الرفيق الاول)

ما اسم صديقتك؟

الرفيق الأول: آلما.

فيليب: أوكي. عندما تكتب لها قل لها إنها جلبت لك الكثير من الحظ.

(إلى أنطونيو)

في ما خصّني، تستطيع أن تطلق سراحه. إنه يقرأ [جريدة] «العامل». ويعرف دجو نورث. له صديقة اسمها آلما. وله سجلّ جيّد مع «الفيلق الأممي» وقد غفا، الأمر الذي سمح لأحد المواطنين بأن يتسلّل وأن يطلق النار على صبيّ يدعى وِلكنسون ظنًّا منه أنه أنا. المطلوب إعطاؤه الكثير من القهوة القوية والحيلولة دون أن يضع بندقيةً بين فخذيه. اسمع، يا رفيق، يؤسفني إن كنتُ تحدثت إليك بفظاظة خلال أدائي مهمتي.

أنطونيو: أودّ طرح بعض الأسئلة.

فيليب: اسمع، «مِي كولونيل». لو لم أفلح في هذه المهمة لما كنتَ سمحتَ لي بأن أواصل خلال تلك المدة الطويلة. هذا الصبي لا شكوك حوله. وأنت تعلم أنّ لا أحد فوق الشبهات على نحو مطلق. لكنّ هذا الصبي فوق الشبهات إلى حدّ كبير. كلّ ما في الأمر أنه غفل وأنا لست العدالة على كلّ حال. أنا مجرّد شخص يعمل عندك ومن أجل القضية ومن أجل الجمهورية وأمور من هذا القبيل. وكان لنا في أميركا رئيس اسمه لنكولن، كما تعلم، كان يخفّض عقوبات الإعدام بالرصاص على جنود الحراسة الذين يقبض عليهم وقد غفلوا خلال نوبات حراستهم، كما تعلم. لذا أرى أن نخفّض عقوبته بعض الشيء إن كنت لا تمانع. الحال أنه ينتمي إلى «فيلق لنكولن»، وهو فيلق رائع. إنه فيلق رائع وقد أتى أفعالاً سيصدع لها قلبك إذا حدّثتك عنها. ولو كنتُ في عديد ذلك الفيلق لشعرتُ بالكرامة والفخر بدلاً ممّا أنا شاعرٌ به على ما أفعله الآن. ولكنني لستُ في عِداده، كما ترى؟ أنا شرطي من الدرجة الثانية يزعم أنه صحافي من الدرجة الثالثة. ولكن اسمع أيها الرفيق آلما- (يلتفت إلى السجين)- إذا عاودتَ الإغفاء خلال نوبة الحراسة مجددًا وأنت تعمل في خدمتي فسأطلق عليك الرصاص بنفسي، مفهوم؟ هل تسمعني؟ وأكتب ذلك لصديقتك آلما.

أنطونيو (يقرع الجرَس. يدخل حارسان من «فرقة المكافحة»): خذوه. إنك تتكلم بطريقة مضطربة جدًّا يا فيليب. لكنك لا تزال تملك بعضًا من رصيد لم تستهلكه بعد.

الرفيق الأول: شكرًا، أيها الرفيق المفوّض.

فيليب: أوه، لا تقل شكرًا خلال حرب. هذه حرب. لا يحق لك أن تقول شكرًا خلالها. مع ذلك، لا شكر على واجب، مفهوم؟ وعندما تكتب إلى آلما فقل لها إنها جلبت لك حظًّا كثيرًا.

(يخرج الرفيق الأول مع الحارسين)

أنطونيو: نعم والآن ماذا؟ هذا الرجل أفلت من غرفتك رقم ١٠٧ وأطلق الرصاص على ذلك الصبي ظنًّا منه أنه أنت، فمن هو ذلك الرجل؟

فيليب: أوه، لست أدري. أخمّن أنه «بابا نويل». لديه رقم. لديهم أرقام «أ» مرقّمة من واحد إلى عشرة، و«ب» مرقمة من واحد إلى عشرة، و «ج» مرقّمة من واحد إلى عشرة، وإنهم يطلقون النار على الناس وينسفون بالمتفجرات ويمارسون جميع أعمالهم المعروفة لديك تمامًا. وهم يبذلون الكثير من الجهد مع أنهم ليسوا عظيمي الكفاءة حقًّا. لكنهم يقتلون العديد من البشر الذين لا يسمح لهم بقتلهم. المشكلة أنهم يعملون على طريقة «ألف باء الكوبية» التي تقول إن لم تحصل على رجل من الداخل يساعدك، فلا جدوى من جهودك. كأنك تقطع رؤوس البثور بدلاً من مشاهدة برنامج تلفزيون. يعني، صحّح لي إن كنت مربكًا.

أنطونيو: ولماذا لا تعامل هذا الرجل بما يكفي من القوة؟

فيليب: لأني لن أستطيع أن أجازف بإحداث جلبة عالية تخيف آخرين نحتاجهم أكثر من حاجتنا إليه. هذا مجرد قاتل.

أنطونيو: بلى. كثيرون هم الفاشيون الذين ما زالوا موجودين في مدينة من مليون نسمة، وهم يعملون في الداخل، على الأقل أولئك الذين يملكون الجرأة على ذلك. لا بدّ أنّ لدينا عشرين ألفًا منهم ينشطون هنا.

فيليب: بل أكثر. لدينا ضعف ذلك. ولكنهم يرفضون الكلام عندما نعتقلهم، باستثناء السياسيين.

أنطونيو: السياسيين. بلى، السياسيين. شاهدت سياسيًّا يدبّ على الأرض في تلك الزاوية من الغرفة ولا يقوى على النهوض عندما حان الوقت ليخرج. شاهدتُ سياسيًّا يزحف في الشقّة على ركبتيه وقد حاوط رجلَي بذراعيه وأخذ يقبّل قدميّ. شاهدته عالقًا بجزمتي بينما كل ما كان عليه هو أن يفعل أمرًا بسيطًا: أن يموت. شاهدتُ كثيرين يموتون ولم أشاهد سياسيًّا واحدًا يموت بطريقة مشرّفة.

فيليب: لا أحب أن أشاهدهم يموتون. لا بأس إن كنتَ تحب المنظر. أنا لا أحبه. أحيانًا لست أدري كيف أتحمّله. اسمعْ، من هو الذي يموت ميتةً لائقة؟

أنطونيو: أنت تعرف. لا تكن ساذجًا.

فيليب: إي أخالني أعرف.

أنطونيو: أنا أستطيع أن أموت ميتةً مشرّفة. لا أسأل أحدًا أن يبذل المستحيل.

فيليب: أنت خبير في هذا الموضوع. قل لي، عزيزي طوني. من يموت ميتةً لائقة؟ هلمّ، قلها. تحدّث عنها، يعني، يفيدك أن تتكلم عن مهنتك. ثم تكتشف فجأةً أنك نسيتها. بسيطة، إيه؟ أخبرني عن الأيام الأولى من الحركة.

أنطونيو: (بشيء من الافتخار) تريد أن تسمع؟ تعني الحديث عن أشخاص معيّنين؟

فيليب: لا. أعرف شخصًا أو اثنين. عنيتُ تصنيفهم على أساس طبقي.

أنطونيو: فاشيون. فاشيون حقيقيون. شبابهم. جيدون جدًّا. لهم أسلوب متقن، أحيانًا. إنهم مخطئون لكنّ لهم أسلوبهم المميّز. الجنود، بلى، معظمهم لا بأس. القساوسة، كنت ضدهم كل حياتي. الكنيسة تناصبنا العداء. ونحن نناضل ضد الكنيسة. أنا اشتراكي منذ عدة سنوات. نحن أقدم حزب اشتراكي في إسبانيا. ولكن أن تموت – (يفتل يده ثلاثًا من المعصم وهي الحركة الإسبانية التي تقول ذروة الإعجاب) أن نموت؟ قساوسة؟ بديع. تعلم: قصدت قساوسة عاديين، لم أقصد الأساقفة.

فيليب: وأنطونيو. أحيانًا قد تقع أخطاء، هيه؟ ربما عندما نضطر للتصرّف على عجلة. أو، أنت أدرى، أننا نرتكب مجرد أخطاء، كلنا يرتكب الأخطاء. ارتكبت خطأ صغيرًا بالأمس. قل لي، أنطونيو، هل ارتكبتُ خطأ آخرَ قط؟

أنطونيو: أوه، بلى، أكيد. وقعت أخطاء. أوه، بلى، أخطاء. بلى. بلى. أخطاء مؤسفة جدًّا. قلّة قليلة منها.

فيليب: وكيف ماتت الأخطاء.

أنطونيو: الكل فيه خير وبركة.

فيليب: آه- (صوت قد يصدر عن ملاكم عندما يتلقّى لكمة قوية على جسمه) وهذه المهنة التي نمتهنها الآن. تعلم، ما هو الاسم السخيف الذي تتسمّى به؟ جاسوسية. مكافحة الجاسوسية. ألا تضغط على أعصابك؟

أنطونيو: (ببساطة) لا.

فيليب: إنها تضغط على أعصابي أنا منذ فترة طويلة.

أنطونيو: لكنك لم تمارسها إلا منذ وقت قصير.

فيليب: اثني عشر شهرًا لعينًا، يا بُنَي، في هذه البلد. وقبل ذلك في كوبا. هل سبق لك أن زرت كوبا؟

أنطونيو: زرتها.

فيليب: هناك جرى توريطي في كل هذا.

أنطونيو: كيف ورّطوك؟

فيليب: آه، بدأ الناس يثقون بي مع أنه كان عليهم أن يكونوا أدرى. وأفترض لأنه كان عليهم أن يكونوا أدرى، بدأت أصير، يعني، موضع ثقة نوعًا ما، ليس موضع ثقة بطريقة كاملة، يعني، موضع ثقة نسبية. ثم زادت ثقتهم بي قليلاً وهنا تصير في أحسن حال. ثم تصدّق نفسك. أخيرًا، يروق لك الأمر، على ما أعتقد. لديّ إحساس أنني لا أشرح الأمر بطريقة جيدة.

أنطونيو: أنت فتى جيّد. تعمل بجهد. والجميع يثق بك ثقة كاملة.

فيليب:... أكثر من اللازم بكثير. وأنا متعَب أيضًا، والآن، أنا مشغول البال. هل تدري ماذا أتمنى؟ أتمنى ألّا أضطر إلى قتل أخي زانية جديد طالما أنا على قيد الحياة، لا يهمّني من هو ولا لأي سبب. وأتمنى ألّا أضطر إلى الكذب أبدًا. وأتمنى أن أعرف مع من أنا في السرير عندما أستيقظ. وأتمنى أن أستيقظ في المكان ذاته كل يوم خلال أسبوع كامل. أتمنى أن أتزوج من فتاة لا تعرفها، اسمها بريدجز. لا تأبه لاستخدامي اسمها، يروق لي أن ألفظه. وأتمنى أن أتزوجها لأنّ لها أطول وأنعم ساقين مستقيمتين في العالم، وأنا لست مضطرًا للإنصات لها عندما تتكلم إذا لم يكن لكلامها معنًى عميق. لكنّ بي فضولًا أن أرى كيف ستكون ميّزات الأولاد.

أنطونيو: هي الشقراء الطويلة رفقة المراسل الصحافي؟

فيليب: لا تسئ الكلام عنها هكذا. ليست أي شقراء طويلة مع أي مراسل. إنها فتاتي. وإذا كنت أكثِر الكلام أو آخذ الكثير من وقتك الثمين، فما عليك إلا أن توقفني. أنت تدري أنني رجل خارق. أتكلم بالإنكليزية أو الأميركية. وقد ولدتُ في واحدة وكبرتُ في الثانية. وهذا هو مصدر عَيشي.

أنطونيو: (ساعيًا للتهدئة) أعرف ذلك. فيليب، أنت مُتعَب.

فيليب: حسنًا، الآن أنا أتكلم بالأميركية. وبريدجز بالاتجاه ذاته. لكني لست واثقًا أنها تجيد التكلم بالأميركية. معلومك أنها تعلمت إنكليزيتها في الكلية ومن نوع إنكليزية «اللوردات» الرخيصة أو المضجرة، ولكن الغريب في الأمر، كما ترى، أنني أحب فعلاً أن أسمعها تتكلم. لستُ آبه لما تقول. أنا مرتاح الآن، كما تعلم. لم أتناول أي مشروب منذ الفطور وأنا أشد سكْرًا ممّا لو كنتُ قد تناولته وهذه علامة سيئة. هل مسموح لأحد عملائك أن يأخذ قسطًا من الراحة، مِي كورونيل.

أنطونيو: عليك أن تأوي إلى سريرك. لقد أنهكت تعبًا، فيليب، وأمامك الكثير من المهام.

فيليب: صحيح. أنا منهك ولديّ الكثير من المهام. أنا على موعد مع رفيقٍ عند «شيكوتي». اسمه ماكس. لديّ الكثير من المهام ولست أبالغ في ذلك. ماكس، أعتقد أنك تعرفه، لا اسم عائلة له تأكيدًا على أنه رجل ممّيز، فيما أنّ اسمي العائلي راولينغز لا يزال هو ذاته بالضبط منذ البداية. هذا دليل على أنني لم أتقدم كثيرًا في هذه المهنة. عمّ كنت أتحدث؟

أنطونيو: عن ماكس.

فيليب: ماكس. تمام. ماكس. حسنًا لقد تأخر يومًا كاملاً الآن. إنه يسافر منذ حوالي الأسبوعين، الأحرى أنه يدور في دوائر لتفادي الفوضى خلف الخطوط الفاشية. هذا اختصاصه. وهذا ما يقوله، وهو لا يكذب. أنا أكذب. ولكني لم أكذب للتوّ. في كل الأحوال إنه متعب جدًّا، كما ترى، وأنا أيضًا مصاب بالقرف من عملي، وأنا متوتر عصبيًّا مثل لقيط لأني مشغول البال وأنا لا ينشغل بالي بسهولة.

أنطونيو: واصل. لا تكن مزاجيًّا.

فيليب: إنه يقول، أعني ماكس يقول ـ وأين هو الآن؟ أتمنى بحق الجحيم أن أعرف - يقول إنه عاين موقعًا، مركز مراقبة، كما تعلم. إنه يراقبهم وهم يتساقطون ويقول إنه الموقع الخطأ. واحدٌ من تلك المواقع. حسنًا، يقول إن الموقع يرتاده قائد سلاح مدفعية الحصار التي تقصف هذه المدينة ومعه سياسي رائع. معلومك: إنه قطعة أثرية في متحف. السياسي يرتاد الموقع هو أيضًا. يعتقد ماكس. وأنا أعتقد أيضًا أن الرجل مخبّل. لكن ماركس يفكر أحسن مني، وأنا أفكر بطريقة أسرع، لكنه يفكّر أحسن مني. إننا نستطيع القبض على هذين المواطنين. والآن اسمعني بعناية كاملة، مي كورونيل، وصحّح لي كلامي على الفور. أعتقد أن الأمر رومنطيقي جدًّا. لكن ماكس يقول، وماكس ألماني، وهو عملي جدًّا، وقادر على أن ينتقل إلى خلف خطوط العدوّ بالسهولة التي تذهب بها أنت إلى دكّان الحلّاق، أو إلى أي مكان من هذا النوع. المهم، إنه يقول إن المسألة عملية جدًّا. لذا أنا فكّرت، وأنا ثملٌ نوعًا ما الآن- لأني لم أتناول أي مشروب لوقت طويل- أنّ علينا تعليق سائر المشاريع التي كنّا نعمل عليها مؤقتًا، وأن نحاول القبض على هذين الرجلين. لست أعتقد أن الألماني سيكون ذا منفعة عملية لك، لكن له قيمة تبادلية عالية بالتأكيد، وهذا المشروع يروق لماكس بمعنى ما. أنا أقول: لنضع المسؤولية على القومية. ولكن إذا قبضنا على المواطن الآخر، سيكون لديك صيدًا ثمينًا، مي كورونيل. لأنه رهيب جدًّا جدًّا، رهيب. معلومك أنه خارج المدينة. لكنه يعرف من هم الذين في الداخل. ثم إنك ستأتي به وتلاطفه فتعرف من هو الموجود داخل المدينة. لأنهم جميعهم يتواصلون معه. إنني أُكثِر من الكلام، أليس كذلك؟

أنطونيو: فيليب.

فيليب: سي، مي كورونيل

أنطونيو: فيليب، اذهب الآن إلى شيكوتي واسكر مثل أي ولد عاقل ونفّذ مهمتك، وارجع إليّ أو اتصل بي عندما تكون لديك أخبار.

فيليب: وماذا أتكلم، مي كورونيل، بالإنكليزية أم الأميركية؟

أنطونيو: كما تريد. لكن لا تهذر بالكلام. اذهب الآن. أرجوك. إننا صديقان حميمان وأنا أحبك حبًّا جمّا، لكني مشغول جدًّا. اسمع: هل الخبر عن موقع المراقبة صحيح؟

فيليب: بلى.

أنطونيو: يا خبر!

فيليب: خبر مثير للإعجاب، مع ذلك. عجيب جدًّا جدًّا، مي كورونيل.

أنطونيو: اذهب، رجاءً، وباشر بالعمل.

فيليب: سوف أتكلم الإنكليزية إذًا. يا الله، أستطيع أن أكذب بسهولة أكبر بكثير بالإنكليزية، يا للأسى.

أنطونيو: ارحل، ارحل، ارحل، ارحل.

فيليب: سي، مي كورونيل. شكرًا للحديث المختصر المفيد. سأذهب إلى «تشيكوتي» الآن. سَلود، مي كورونيل.

(يؤدي التحية، يلقي بنظرة على ساعته ويغادر)

أنطونيو: (على المكتب، يودّعه بنظره، ثم يقرع الجرس. يدخل حارسان من فرقة التدخّل السريع. يؤديان التحية) والآن هاتوا لي الرجل الذي اعتقلتماه سابقًا. أريد أن أتجاذب أطراف الحديث معه قليلاً بمفردي.

 


ستارة


 

الفصل الثاني/المشهد الثاني

(طاولة في زاوية ببار تشيكوتي. إنها أول طاولة إلى يمينك وأنت داخل من الباب. الباب والشبـاك مدعّمان بأكياس رمل بعلوّ ثلاثة أرباع ارتفاع هذا وذاك. فيليب جالس إلى الطاولة مع آنيتا. يتقدّم نادل من الطاولة)

فيليب: لديك ويسكي في البراميل؟

النادل: لم يبقَ شيء الآن من المشروب الحقيقي إلا الدجِنّ.

فيليب: دجِنّ جيّد؟

النادل: الأصفر، علامة «بوث». الأجود.

فيليب: مع كأسين من المشروب المُرّ.

آنيتا: لم تَعد تحب؟

فيليب: لا.

آنيتا: أنت ترتكب غلطة كبيرة مع هذه الشقراء الطويلة مثل برج والضخمة مثل حصان.

فيليب: وشقراء مثل حقل قمح.

آنيتا: ترتكب غلطة. امرأة ضخمة. غلطة كبيرة.

فيليب: ما الذي يجعلك تظنين أنها ضخمة إلى هذا الحدّ؟

آنيتا: ضخمة؟ إنها ضخمة مثل دبابة. انتظر حتى تحمل لك طفلاً. ضخمة؟ هي شاحنة «ستوديبيكر».

فيليب: «ستوديبيكر»، هذه كلمة جميلة، كما تلفظينها.

آنيتا: بلي، إنها أفضل من أي كلمة إنكليزية أعرفها. «ستوديبيكر». جميلة. لماذا أنت لا تحب؟

فيليب: لست متأكدًا، آنيتا. تدرين؟ الأمور تتغير.

(ينظر إلى ساعته اليدوية)

آنيتا: كنتَ تحب تمامًا. لا يوجد تغيير.

فيليب: أعرف ذلك.

آنيتا: كنتَ تحب من قبل. تحب من جديد. ما عليك إلا أن تجرّب.

فيليب: أعرف.

آنيتا: عندما يكون الأمر جيدًا لا تريد أن تغادر. المرأة الضخمة كثيرة المشاكل؟ أعرف. خبرت ذلك لمدة طويلة.

فيليب: أنتِ فتاة رائعة آنيتا.

آنيتا: هذا بسبب أن الجميع ينتقدني لأني عضضتُ مستر فرنون تلك المرة؟

فيليب: لا. طبعًا، لا.

آنيتا: أعترف لك بأنني مستعدة للتضحية بالكثير تكفيرًا عن فعلتي.

فيليب: أوه، لا أحد يتذكر ذلك.

آنيتا: تعرف لماذا عضضته؟ الكل يعرف أنني أعضّ ولكن لا أحد يسأل لماذا.

فيليب: لماذا؟

آنيتا: حاول أن ينشل ٣٠٠ بيزيتا من جوربي. ماذا كان عساي أن أفعل؟ أقول «بلى انشلها. لا عليك. تفضّل خذها»؟ لا، أنا عضضته.

فيليب: وكنتِ على حق، أيضًا.

آنيتا: تعتقد؟ حقًّا؟

فيليب: نعم.

آنيتا: أوه، أنت لذيذ، أكيد. اسمع. لستَ تريد أن تكرر الغلطة الآن مع هذه الشقراء الضخمة.

فيليب: تدرين، آنيتا. أخشى أني سأفعل. كلّ المشكلة أنني خائف. أريد أن أرتكب غلطة كبيرة بالمطلق.

(ينادي النادل. ينظر إلى ساعته اليدوية. للنادل:)

ما الساعة معك؟

النادل: (ينظر إلى الساعة المعلّقة فوق البار وإلى ساعة فيليب)

هي الساعة ذاتها كما عندك.

آنيتا: ستكون غلطة كبيرة بالتأكيد.

فيليب: لستِ غيورة؟

آنيتا: لا. إني أكره ذلك فقط. ليلة أمس حاولت أن أكون محبّة. قلت «هوكاي»، كلنا رفاق. جاء القصف العنيف. ربما يموت الجميع. يجب أن يكون الجميع رفاقًا كلُّ واحد مع الآخر. يجب أن ندفن الأحقاد. لا ينبغي أن أكون أنانية. ولا محبّة للذات. أحبَّ عدوّكَ مثل نفسك. وكلّ هذا الهراء.

فيليب: أنتِ رهيبة.

آنيتا: لكن هذا الهراء لا يصمد لأكثر من ليلة. هذا الصباح. استيقظت. أول شيء فعلته أنني كرهتُ تلك المرأة طوال اليوم.

فيليب: لا ينبغي أن تفعلي، حقًّا؟

آنيتا: ما الذي تريده منك؟ تأخذ رجلاً مثلك كما الواحد يقطف زهرة. وهي لا حاجة لها بها. إنها تقطف فقط لتزيين غرفتها. ثم إنك تروق لها لأنك كبير. اسمع. أنتَ تروق لي حتى لو كنت قزمًا.

فيليب: لا آنيتا، لا. اهدئي.

آنيتا: اسمع جيدًا. أنت تروق لي ولو كنتَ مريضًا. تروق لي ولو كنتَ مهزولاً وبشعًا. لكنتَ تروق لي ولو كنتَ أحدبَ.

فيليب: يا لحظّ الحُدُب.

آنيتا: أنتَ تروق لي ولو كنتَ أحدبً طائحَ الحظّ. تروق لي ولو كنتَ مفلسًا. تحتاج إلى مال؟ سوف أعمل لتحصيله لك.

فيليب: هذا هو الأمر الوحيد الذي لم أجرّبه في هذه المهنة.

آنيتا: أنا لا أمزح. أنا جادة. فيليب، اترِكْها لحالها. عُدْ إلى حيث الأمور «هوكاي».

فيليب: أخشى أني لن أستطيع.

آنيتا: حاولْ، مجرد محاولة. ليس أي تغيير. أنت أحببت من قبل، ستحبّ من جديد. هكذا تسير الأمور دومًا، هكذا، عندما يكون الرجل رجلاً.

فيليب: لكني أتغير، ألا ترين ذلك؟ ليس أنني لست أرغب في ذلك.

آنيتا: أنتَ لم تتغير. أعرفكَ جيدًا. أعرفك منذ وقت طويل الآن. لستَ من النوع الذي يتغيّر.

فيليب: كلّ البشر يتغيرون.

آنيتا: ليس صحيحًا. يتعب المرء، بلى. يريد أن يبتعد، بلى. ينتقل من واحدة لأخرى، بلى. يغضب، بلى. يتصرّف بطريقة سيئة، بلى، كثيرًا. يتغير؟ لا. كلّ ما في الأمر أنه يبدأ بعادات جديدة. إنها عادة، هذا كلّ ما في الأمر. الأمر ذاته مع أيّ كان.

فيليب: موافق. نعم، هذا صحيح. ولكن هذا الذي حصل: يلتقي الواحد بالصدفة شخصًا من شعبه، وهذا ما يغضبك.

آنيتا: ليست من أبناء شعبك. إنها لا تشبهك. إنها من نوع آخر من البشر.

فيليب: لا، إنها من النوع ذاته.

آنيتا: اسمع، هذه الشقراء الضخمة مسّتك بالجنون. ستتخبّل قريبًا. لن تعود أنت نفسك، مثل الدم والصباغ. المظهر واحد فقط. عبوة دم. عبوة صباغ. حسنًا. ضع الصباغ في الجسم، بدلاً من الدم. ما الذي تحصل عليه؟ امرأة أميركية.

فيليب: أنتِ تظلمينها، آنيتا. مفهوم أنها كسولة ومدلّلة وبلهاء إلى حدّ ما، ومتطلّبة جنسيًّا باستمرار وبقوة. لكنها مع ذلك جميلة جدًّا، وَدود جدًّا، وساحرة جدًّا وبريئة إلى حدّ ما – وجريئة جدًّا.

آنيتا: هوكاي. حلوة؟ ماذا يفيد الجمال عندما تنتهي منه؟ إنني أعرفك. ودود؟ هوكاي، إنها ودود وتستطيع أن تصير غير ودود. ساحرة؟ بلى. هي ساحرة مثل الأفعى مع الأرانب. بريئة؟ دعني أضحك. ها ها ها ها. إنها بريئة إلى حين إثبات أنها مذنبة. جريئة؟ جريئة؟ إنك تثيرني للضحك مجددًا، إنْ بقي لي ضحك في معدتي. جريئة؟ حسنًا. إني أضحك، هو هو هو هو. ماذا كنت تفعل طوال هذه الحرب وأنت لا تستطيع التمييز بين الجهل والجرأة؟ جريئة؟ بربّي هذا-

(تنهض من على الطاولة وتصفق قفاها)

بناءً عليه أنا ذاهبة.

فيليب: أنتِ قاسية جدًّا عليها.

آنيتا: قاسية عليها؟ أودّ أن أرمي قنبلة يدوية في السرير الذي تنام فيه. إنها نائمة في هذه اللحظة بالذات. أقول لك الحقيقة. ليلة أمس، نفّذت كل التوصيات، بذلت كل التضحيات المطلوبة. كل هذا التخلي. تدري. الآن لدي شعور صحّي واحد. إنني أكره.

(تغادر)

فيليب: (للنادل) هل شاهدت رفيقًا من «الفيلق الأممي» يسأل عنّي هنا؟ اسمه ماكس؟ رفيق له وجه مشطوب نوعًا ما من هذه الجهة.

(يمدّ يده إلى فمه وحنكه)

رفيقٌ أسنانه نافرة إلى أمام؟ لثّته مائلة إلى السواد حيث أحرقوها له بالحديد الحامي؟ وله ندبة هنا؟

(يمرّر أصبعًا على أسفل حنكه)

هل شاهدتَ مثل هذا الرفيق؟

النادل: لم يأتِ إلى هذا المكان.

فيليب: إذا جاء مثل هذا الرفيق فهل لك أن تطلب منه أن يأتي إلى الفندق؟

النادل: أيّ فندق؟

فيليب: هو سيعرف أيّ فندق.

(يهمّ بالمغادرة وهو يلتفت إلى خلف)

قل له إني خرجت للبحث عنه.

 

  • 1. أطلق اسم «الطابور الخامس» على المجموعات الموالية لفرانكو داخل العاصمة المكلّفة بأعمال إرشاد المدفعية والتخريب والاغتيالات وبثّ الشائعات، إلخ.
العدد ٣٥ - ٢٠٢٢
الحُب، الجاسوسية وجحيم الحرب

إضافة تعليق جديد

تهمّنا آراؤكم ونريدها أن تُغني موقعنا، لكن نطلب من القراء أن لا يتضمن التعليق قدحاً أو ذمّاً أو تشهيراً أو تجريحاً أو شتائم، وأن لا يحتوي على أية إشارات عنصرية أو طائفية أو مذهبية.