باريس في ١٤ تشرين الثاني/نوفمبر الماضي: توفيت الفنانة والشاعرة والروائية إتيل عدنان عن ٩٦ سنة. خلّفت تراثًا مبهرًا من الأعمال في الفكر والفن والشعر في عشرات من المجموعات الشعرية والقصص والروايات والمسرحيات والمذكرات والرسائل وفي مئات من الرسوم واللوحات والمنسوجات.
ولدت في بيروت العام ١٩٢٥ من أب سوري، ضابط سابق في الجيش العثماني، وأم يونانية، لاجئة من إزمير. درست الفلسفة في فرنسا ودرّست في الولايات المتحدة. تنقلت بين لبنان وفرنسا والولايات المتحدة واليونان وكتبت بالفرنسية والإنكليزية، لكنها ظلّت عربية الخيار وإنسانية الانتماء والرؤية والفكر.
إتيل عدنان ابنة جيل النكبة الفلسطينية وانتصارات ونضالات حركات التحرر العربية والعالمية وهزائمها.
بدأت كتاباتها الملتزمة عندما اقتحمت الشعر الأميركي بقصائدها عن الهندي الأحمر وضد الحرب الأميركية على فيتنام. توقفت لفترة عن الكتابة بالفرنسية احتجاجًا على الحرب الفرنسية ضد الشعب الجزائري، وقررت أن «ترسم بالعربية». تخترق فلسطين بكل نتاجها بدءًا بـ«يبوس وإكسبرس بيروت-الجحيم» (١٩٧٣) حيث تودّع جمال عبد الناصر وتستقبل الفدائي الفلسطيني وتبشّر بأن «الثورة على الطريق». تفتتح روايتها «ِستّ ماري روز» (١٩٧٧) النصوص الروائية عن الحرب الأهلية اللبنانية. في تحفتها «سفر الرؤيا العربي» (١٩٨٠) الشاعرة «نبيّة أمّة عديمة النفع» تفجرّ اللغة الشعرية لتحاكي شظايا قنبلة أو أشلاء قتيل. «عن مدن ونساء. رسائل إلى فواز» (١٩٩٣) نسيج من العلاقات بين مدن ونساء ووصف جارح لبيروت الخارجة من الحرب. «في قلب قلب بلدٍ آخر» (٢٠٠٥) شاعرة تروي حياتها اليومية «في بطن الوحش» فيما قنابل الغزو الأميركي تدمّر بغداد. ولم تغب سورية مرة عن هموم إتيل: «سورية لها نهران/الفرات/ونهر من الدم»!
تبدأ إتيل النسوية من البداية ومن الأسطورة: المرأة هي ما فقده الرجل منذ آدم. والأنثى هي النقصان في الذكر. فكأن الرجل يقضي العمر والدهور لاستعادتها.
إلى عالم آخر ينقلنا الفن. الألوان مادية طبيعية تحاكي العناصر: شمس. قمر. بحر. جبل. غيم. ضباب. ولكنها تنقضها وتجرّدها. يضيق حجم الصورة ليتّسع المشهد. من خلال الحروفية العربية أدخلت اللون على الكتابة في دفاتر «الأكورديون» اليابانية (ليبوريللو) وعمّدتها «الكتابة رسم».
نتاج إتيل عدنان سعي متواصل لنسج علاقات بين الفلسفة والفن والشعر، ومبدأها أن «الحياة نسيج». يبقى أن الحب هو لُحمة تلك الحياة وسداها.
فقد عاشت إتيل عدنان وماتت عاشقةً على دين الحب.
باقة ورد حمراء في وداع هذه الإنسانة الاستثنائية. إتيل عدنان شريكة في «بدايات» منذ أيامها الأولى دعمتها وروّجتها وخصّتها بعدد من أجمل أعمالها (انظر الأعداد ٨-١١،٩، ١٢، ١٣، ٢٠-٢١، ٢٥، ٢٨-٢٩). ولا يعوّض عن حزننا العميق لفقدها غير ثقتنا بأن إتيل باقية في نتاجها المذهل، في شغفها بالحقيقة والحرية والجمال وفي إيمانها الذي لا يساوم بالعدالة والمساواة.
إضافة تعليق جديد
تهمّنا آراؤكم ونريدها أن تُغني موقعنا، لكن نطلب من القراء أن لا يتضمن التعليق قدحاً أو ذمّاً أو تشهيراً أو تجريحاً أو شتائم، وأن لا يحتوي على أية إشارات عنصرية أو طائفية أو مذهبية.