ترجمة فيفيان عقيقي
يمكن تمييز المُجمّعات السكنية المُسوّرة في لبنان بوصفها مباني سكنية تحتوي على شقق ومدن نموذجية مُسوّرة ومجمّعات فلل تطغى عليها المنازل العائلية الفردية أو المنازل المُتلاصقة. تُخصص هذه المُجمعات للسكن الرئيسي، لكن هناك أيضًا العديد من المنتجعات الساحلية والجبلية المُسوّرة، بالإضافة إلى قريتين مسوّرتين للتزلج، تُستخدم غالباً كمقرّات ثانوية للسكن. تَجمَع هذه المشاريع بين الملكية المُشتركة والملكية الفردية للوحدة السكنية، أي الحق في استخدام شقّة أو منزل مع بعض القيود على الوصول إلى المساحات المُشتركة من خلال البوابات أو الأسوار أو الجدران. تقدّم جميعها خدمات الصيانة والأمن على مدار ساعات اليوم، بالإضافة إلى مرافق خدمية طبيعية (مثل الشاطئ والمناظر الطبيعية)، واصطناعية (مثل المسبح وملعب التنس). تُدار المساحات المُشتركة ذاتيًا عبر جمعية المالكين، فيما تشكّل هذه العقارات مُجتمعة نحو ١٪ من المعروض السكني في لبنان.
أولها «الشاليهات»
تشمل أقدم أنواع المُجمعات المُسوّرة في لبنان كلّاً من المُنتجعات الساحلية والجبلية، التي تتألف من ٥٠ إلى ٨٠٠ شقة صغيرة تُسمى «شاليهات». أُطلِقت المشاريع الأولى في أواخر الستينيات على الساحل وفي الجبال. على الرغم من التشكيك بمنطق تعريف هذه المشاريع السياحية باعتبارها مجمّعات سكنية مُسوّرة، إلا أنها شكلت سابقة لمبانٍ سكنية مُسوّرة برزت لاحقًا. انتشرت معظم المُنتجعات في الثمانينيات عندما توقفت السياحة في لبنان بسبب الحرب الأهلية (١٩٧٥-١٩٩٠). والواقع أن تدفّق المسيحيين من الطبقات الوسطى والعليا، هرباً من بيروت وطرابلس إلى كسروان، حيث تسيطر المليشيات المسيحية، خلق طلبًا كبيرًا على الملاجئ المريحة والآمنة.
أدّى هذا الهجوم البشري إلى فورة في الطلب خلال الثمانينيات، بحيث حُوّلت الفنادق القائمة إلى مُجمعات من المُنتجعات التشاركية، فيما استجابت أعمال التوسيع والمشاريع الجديدة للوظيفة المُتغيرة لهذه المباني، وقدّمت شققاً أكبر وخدمات أساسية للإقامة الدائمة. ومع تدهور الوضع الأمني في كسروان في أواخر الثمانينيات، انتقلت الفورة العقارية شمالًا إلى الساحل المُمتد بين البترون وطرابلس، وقد اعتُبِرت هذه المنطقة آمنة لوقوعها تحت سيطرة الجيش السوري. في الأساس، لم تتجاوز مساحة معظم المُنتجعات الساحلية على الشاطئ الهكتارين، لاحقاً ضاعف عديد منها المساحة المُستغلة ضعفين أو ثلاثة أضعاف. في فترات غياب سلطة الدولة وضعفها أو فسادها، استغل المطوّرون العقاريون الأملاك العامّة على طول الساحل وخصخصوا بشكل غير قانوني الولوج إلى الشواطئ.
طفرة الحرب
أُنشِئت المباني السكنية المُسوّرة الأربعة الأولى في لبنان خلال منتصف الثمانينيات في كسروان، وقدّمت شققًا كبيرة مُخصصة للإقامة الدائمة. تألفت هذه المشاريع من ٥٠ إلى ٤٠٠ شقة مُكتّلة في ١٠ مجمعات، وكانت غالبية زبائنها من مسيحيي الطبقات العليا والمتوسطة الذين غادروا بيروت أو طرابلس. عاش كثير منهم في هذه المُنتجعات الساحلية التي شكّلت ملجأ لهم وباتوا يقدّرون هذا النوع من المساكن. عند اتخاذهم قرار البقاء في المنطقة، بحث كثيرون عن شقق أكبر في مبانٍ سكنية. يعكس المسح الذي أُجرِي في العام ١٩٩٦ على المباني الموجودة في جبل لبنان وبيروت طفرةَ البناء التي شهدتْها كسروان خلال الحرب الأهلية. ففي حين يتبيّن أن نحو ١٩٪ من مجمل المباني الموجودة في محافظتَي بيروت وجبل لبنان (أقضية: جبيل، وكسروان، والمتن، وعاليه، والشوف) تعود إلى فترة الحرب المُمتدة بين العامين ١٩٧٦ و١٩٩٠، هناك ٢٦٪ من مباني كسروان شُيِّدت خلال فترة الحرب الأهلية (ACS, 1997).
خلال الحرب، شكّلت المُنتجعات والمباني السكنية جيوباً حيث إمدادات المياه والكهرباء مضمونة وآمنة، بالمقارنة مع محيط توقّفت فيه الخدمات العامة عن العمل (Awada, 1988; Dajani, 1990). ساهمت المولّدات وآبار وخزّانات المياه الضخمة في تأمين الاكتفاء الذاتي في هذه المُجمعات. يُظهِر المسح الذي أجرته إدارة الإحصاء المركزي أن ٩٪ فقط من مجمل مباني محافظتَي جبل لبنان وبيروت كانت تمتلك آباراً مُستقلة في العام ١٩٩٦، و١٢٪ منها تمتلك مولّداتٍ كهربائية (ACS, 1997)؛ في الواقع، جُهِّزت جميع المباني الواقعة ضمن المُجمعات السكنية المُسورة بمولّدات وآبار مياه وخزّانات كبيرة.
نظراً إلى ارتباط الكثير من المطوّرين العقاريين بالمليشيات المسيحية، وقدرة جمعيات المالكين على التعبير عن احتياجات سكانها بطريقة مُنسّقة، استفاد المقيمون في المُجمعات السكنية المُسوّرة من علاقة مميّزة مع السلطات الحاكمة. فضلًا عن ذلك، قدّم مجتمع المباني السكنية، التي تستفيد من خدمات الحماية الأمنية، درجة معيّنة من الحماية ضد تهديدات الحرب الأهلية. يوضح أحد المقيمين في هذه المباني المُسورة: «أردتُ التأكد من أن عائلتي لن تكون وحدها في أوقات القصف، والتأكد أيضاً من عدم إمكانية دخول أي شخص إلى هنا».
خلال الفورة العقاريّة التي أعقبت الحرب في أوائل التسعينيات، أُطلِق أكثر من ١٥ مشروعًا جديداً لمبانٍ سكنية، أصبحت نموذجاً معيارياً لمشاريع مُماثلة من حيث الحجم في لبنان. سُوِّقت معظم هذه المشاريع عالميًا، واستهدفت المغتربين اللبنانيين في دول الخليج وأوروبا وأميركا وأفريقيا، وكذلك الطبقة العليا المحلّية من مختلف الجماعات، عبر نشر صفحات إلكترونية وكتيّبات باللغتين الإنكليزية والفرنسية (انظر على سبيل المثال: (www.dohahills.com; www.cibco.com/al-majal/; www.mechref.com.lb)
حظيت أولى المباني السكنية الجديدة القريبة من بيروت بإقبال شديد وبيع معظمها، خصوصاً أن العديد من المالكين الجُدد عاشوا، بالفعل، في مجمعات سكنية في السعودية، أو في مبانٍ سكنية في أميركا اللاتينية، أو في مجتمعات مُسوّرة في الولايات المتّحدة، وبالتالي بحثوا عن سكن مماثل عند عودتهم إلى لبنان بعد الحرب. أمّا المشاريع التي تقع على مسافة أبعد من بيروت وانتهت بعد العام ١٩٩٦، فبالكاد وجدت مُشترين نتيجة تراكم فائض هائل من الشقق الفاخرة وبسبب الأزمة الاقتصادية الحادّة التي عصفت بالبلاد منذ نهاية التسعينيات. في غضون سنوات قليلة، تحولت المُجمعات السكنية المُسوّرة في لبنان من سوق يحرّكها الطلب إلى سوق يقودها العرض. يُحدد Aveline (٢٠٠٠) ثلاثة أسباب لهذه الحالة المُتناقضة في سوق الإسكان اللبناني حيث توجد آلاف الشقق الفاخرة الفارغة وغير المُباعة، وفي الوقت نفسه تعاني أجزاء كبيرة من المجتمع من نقص في المساكن المتوفرة بأسعار معقولة؛ أولًا، أدّى قانون الإيجارات الصادر في العام ١٩٤٠، والذي يمنع رفع أسعار المأجور، إلى ابتعاد المُستثمرين من بناء شقق مُخصصة للإيجار (حُرِر القانون جزئيًا في العام ١٩٩٢). ثانياً، ندرة القروض. فمن ناحية، لا تستطيع أسر الطبقة المتوسطة شراء شقّة بواسطة قروض مصرفية لأن الفوائد مُرتفعة وفترات التقسيط قصيرة (١٠ سنوات كحدّ أقصى)، ومن ناحية أخرى، لم يكن معظم المستثمرين مُجبرين على بيع شققهم بأسعار منخفضة أو تأجيرها، لكونهم موّلوا بناءها برأس مالهم الخاص. نتج من ذلك، مليارات عدّة من الدولارات المُجمدة في مبانٍ فارغة. ثالثاً، يؤدي غياب الدراسات المُحترفة عن السوق إلى تحوّل الجميع إلى مُستثمرين، وهو ما برز خلال الفورة العقارية ما بعد الحرب، حين مال الجميع تقريباً نحو نماذج الأعمال التي بدت مُربحة (انظر Anchassi, 2001).
«كأنك في ميامي!»
تُظهِر المقابلات التي أُجرِيت مع سكان، يمتلكون أو امتلكوا محالّ إقامة رئيسية في مبانٍ سكنية مُسوّرة، بعض الاختلافات في دوافع اختيار هذا النوع من الإقامة. انجذب الأشخاص الذين انتقلوا إليها أثناء الحرب إلى عنصر الأمان في معظم الحالات. بعد الحرب، وخلال التسعينيات، أصبح دافع الحماية أقل أهمية، وباتت رغبة الإقامة في أماكن مُماثلة مدفوعة بالبحث عن بيئة تسهِّل الحصول على أسلوب حياة عالمي وحديث كما تعِد هذه المشاريع السكنية في إعلاناتها. على سبيل المثال، وعد مشروع كبير بالقرب من بيروت بـ«منازل لمجتمع المستقبل»١. جذبت هذه الصورة الأسر الشابّة من الطبقة المتوسطة بشكل خاص. مع ذلك، يتحدث طبيب لبناني اشترى شقّة في تلك المباني عن بعض التوقعات التي لم تُلبَّ على الرغم مما وعدت به هذه الإعلانات: «... اعتقدنا أن هذا المشروع سوف يكون عالميًا، وسوف نحصل على بعض الجيران الفرنسيين أو الأميركيين (...) جذبتني هذه الدعاية للشراء هناك – لكنني لن أعاود الكرّة». في المقابل، تحققت توقّعات أشخاص آخرين بدرجة أكبر؛ عاد شابّ لبناني إلى بلاده بعدما عاش في الأميركيتين الجنوبية والشمالية لسنوات عدة، وهو يصف حياته في مجمّع «المجال» السكني بالقول: «أشعر وكأنني ما زلت أعيش في ميامي؛ هناك ملعب لكرة السلة، وبركة سباحة، وسوف يصلنا طريق سريع بالمدينة».
ذكر أشخاص انتقلوا إلى مجمعات سكنية مسوّرة خلال الحرب دافعين آخرين هما إمكانية لعب الأطفال في محيط آمن وأخضر، وإمدادات المياه والكهرباء المؤمّنة. حتى بعد إعادة تثبيت سلطة الدولة، لا يزال السكان ينجذبون إلى الخدمات الخاصة المؤمّنة داخل المُجمعات السكنية المُسوّرة، والتي تقدّم بالتساوي بين جميع المقيمين في دول الرفاهية الحديثة، الأمر الذي يجعل المُجمعات السكنية المُسوّرة تملأ الفجوة التي خلّفها النقص في إمدادات الخدمات العامة.
غلبة الخاص على العام
يأتي انتشار المُجمعات السكنية المُغلقة في لبنان كنتيجة مباشرة لضعف الرقابة العامة وتوجيه النمو الحضري. في الواقع، تُعد أدوات التخطيط العام قاصرة، وبالكاد كُيفت أو طُوِّرت منذ منتصف القرن العشرين. ٢٠٪ فقط من مجمل الأراضي اللبنانيّة مُنظمة، وبالتالي يمكن بحكم الأمر الواقع استخدام كل متر مربّع للبناء. هذا الوضع، بالتوازي مع الإمكانية القانونية لتطوير قطع واسعة من الأراضي وتقسيمها إلى مساحات أصغر (تشريع التقسيمات)، يُشجع على التوسّع العمراني الذي يدمّر أجزاء واسعة من المناظر الطبيعية في لبنان.
من الأمثلة المُعبرة عن عدم تكيف المُشترع، هو ما يُسمى بالمجموعات الكبرى، أي المشاريع الإسكانية الشاهقة واسعة النطاق. تأثّرًا بأفكار الحداثة على طريقة لو كوربوزييه، أجاز المُشترع اللبناني إمكانية تخطّي جميع الأنظمة المُتعلقة بارتفاع المبنى والحد الأقصى لعدد الطبقات في المشاريع المُمتدة على مساحة تتجاوز ١٥ ألف متر مربّع (٣ آلاف متر مربّع داخل المدن)، بعد موافقة المجلس الأعلى للتنظيم المدني. اليوم، يتيح هذا التشريع إنشاء مبانٍ سكنية مُكتفية ذاتياً، ومُسوّرة في الغالب، تضمّ مئات الشقق، وتقع في مناطق طبيعية أو زراعية بعيدة من البنية التحتية الحضرية.
يعود السبب الأساسي لضعف التنظيم المدني العام في لبنان إلى «طبيعة العلاقة الجدلية بين التنظيم المدني بوصفه استراتيجية عقلانية للتحكّم بالموارد وتخصيصها، وبعض السمات الراسخة للمجتمع التعدّدي (مُتعدد الطوائف) والقرابة، والولاءات الطائفية، وشبكات الزبائنية، وغيرها من الارتباطات البدائية» (Khalaf, 1985, 214). بعبارة أخرى، من أجل تنظيم مدني عامّ ناجح، لا غِنَى عن مؤسسات الدولة التي تعمل ككيانات مُستقلة عن الشبكات الاجتماعية أو المجموعات، وتضمن بالتالي تحقيق المصلحة العامة العقلانية٢. لكن لا تلبّي الدولة اللبنانية فكرة هذه المؤسسات «العقلانية» المُستقلة. في الواقع، تنقسم سلطة الوظائف العامة ومواردها تبعاً لتمثيلٍ نسبي للطوائف الدينية. لذلك، بالكاد يجد أيّ تنظيم عام قبولًا بوصفه تنفيذًا لمصلحة عامة بل يُنظر إليه على أنه محاولة غير مشروعة لتوسيع سلطة مجموعة مُعيّنة. على سبيل المثال، يُجمِع كبار المسؤولين في المجلس الأعلى للتنظيم المدني على استحالة رفض إقامة أي مشروع بعد تشريع المجموعات الكبرى، لكونه سوف يُفسَّر على أنه محاباة وتغيير غير عادل للقواعد. بالتالي، أُجهِض التنظيم العام بسبب سياسة عدم التدخل المُتبعة.
هناك نوع جديد من المُجمعات السكنية المُسوّرة، ظهر بعد الحرب، لكنه يمتلك مثيلًا منذ ما قبل الحرب (انظر Ghorra, 1975). يستجيب هذا النوع لضعف النظام العام بطريقة مُعيّنة: يعوّض مُطورو مجمعات الفلل المُسوّرة ونموذج المدن المُسوّرة عن ضعف التنظيم العامّ عبر وضع أنظمة خاصة لتنظيم المناطق والهندسة المعمارية، ويضمنون بالتالي لزبائنهم الأثرياء بيئة جميلة للمستقبل. تُعد مناطق الفلل عبارة عن مشاريع حصرية صغيرة مؤلفة من ١٠ فيلات إلى ٤٠ فيلا، ولا تقدّم الكثير من الخدمات، أمّا مشاريع المدن النموذجية المُسورة الثلاثة فهي واسعة النطاق وتغطي مئاتٍ عدة من الهكتارات. بعد الانتهاء منها، سوف تتضمن جميع الخدمات المُقدّمة في أي بلدة صغيرة (مثل المدارس والخدمات التجارية والطبية).
جزر من الامتيازات للأثرياء
في لبنان، يمكن تفسير تطوير المُجمعات السكنية المُغلقة بأنّه نتيجة قطاع عام ضعيف وهزيل. يقدّم القطاع الخاص جيوبًا من الراحة والخدمات وحلولًا للرفاهية صغيرة الحجم، يفترض من حيث المبدأ أن تكون من المتطلبات العامة على نطاق وطني. يجد معظم الزبائن الأثرياء بيئة للحصول على نمط حياة يتبع نماذج غربية معولمة. يلخّص شربل نحّاس الأمر في وصف المشهد الحضري اللبناني الناشئ على أنّه «جزر ذات امتيازات يرتبط بعضها ببعض عبر طرق سريعة رئيسة» (١٩٩٩). يُعتبر ضعف السلطات العامة المركزية في لبنان «إرثًا» عثمانيًا، بعدما رسّخت الإمبراطورية تقليدًا من الحكم الذاتي لمختلف الطوائف في بلاد الشام. مع ذلك، لا يُعدّ فشل الدولة في ضمان المصلحة العامّة العقلانية أمرًا خاصًّا بلبنان. بهذا المعنى، يمكن مقارنة تطوير المُجمعات السكنية المُغلقة في لبنان بالعديد من البلدان الأخرى حيث يحلّ القطاع الخاص على المستوى المحلّي مكان التنظيم العام، ويعرض خدماته على الزبائن الأثرياء (Glasze, 2001; Khalaf, 1985, 219). مع تنفيذ سياسات التصحيح الهيكلي، من المتوقّع أن ينشأ المزيد من الأنماط النيوليبرالية للحوكمة الحضرية في بلدان أخرى من العالم العربي أيضًا. على سبيل المثال، يتتبّع دينيس انتشار المشاريع الحصرية للمباني السكنيّة المُسوّرة في ضواحي القاهرة بدءاً من التغييرات التي طرأت على الإدارة الحضريّة إثر عملية التصحيح الهيكلي.
على عكس لبنان، يبدو أن المُجمعات السكنية المُغلقة في السعودية تقدّم أمثلة عن الترتيبات الاجتماعية - المكانية الخاصّة بالدولة الإسلامية، بشكل جزئي على الأقل، وتعود إلى الأنماط الحضرية التقليدية في العالم العربي. يأتي الفصل الاجتماعي - المكاني للموظفين الأجانب نتيجة تلاقي التقسيم الحضري الاجتماعي - الديني التقليدي والنماذج الغربية للمُجتمعات المُسوّرة الرئيسية. تتيح المُجمعات السكنية لأشخاص من خلفيات ثقافية مختلفة العيش جنبًا إلى جنب كما فعلت أحياء الحكم الذاتي في بعض البلدات القديمة. فضلًا عن ذلك، أظهرت هجمات الأصوليين الإسلاميين في العام ١٩٩٩ على المُجمعات السكنية التي يسكنها البريطانيون والأميركيون، أن هذه المساكن توفّر بعض الحماية كما فعلت الأحياء القديمة في المدينة المنوّرة٣. تمثّل المُجمعات العائلية المُمتدّة ترتيبًا اجتماعيًا - مكانياً يعود قدمًا إلى المساحات المُشتركة المُستخدمة في المنازل التي تضمّ فناءً وأزقة مُغلقة في المدينة المنوّرة.
يمكن العثور أيضًا على مجمعات عائلية مُمتدة في معظم البلدان العربية، كذلك توجد مجمعات سكنية للأجانب الغربيين في بعض البلدان الأخرى في شبه الجزيرة العربية. مع ذلك، يرتبط انتشار هذه المُجمعات السكنية المُسوّرة في السعودية بالبيئة المحافظة التي ترعاها الدولة وبإعادة إنتاج الأعراف الاجتماعية الإسلامية التقليدية.
مراجع
Abu-Lughod J, 1987, “The Islamic City – Historic Myth, Islamic Essence, and Contemporary Relevance”, International Journal for Middle Eastern Studies, 19, 155 – 176.
Administration Centrale de la Statistique (ACS), Ed. 1997, Le mohafazat du Mont-Liban en 1996: Résultats du recensement des immeubles et des établissements. Etudes Statistiques 6, Beirut.
Anchassi R, 2001, «Back to ‘Realty’: Developers See Revival of Apartment Market» Lebanon Opportunities, March 2000, 10 – 15.
Aveline N, 2000, Marchés fonciers et immobiliers à Beyrouth Document N° 6 (CERMOC, Beirut).
Awada F, 1988, Les gestion des services urbains à Beyrouth pendant la guerre 1975-1985 (Pratiques Urbaines, Paris).
Dajani N H, 1990, “The role of urban institutions in the management of daily conflicts in Beirut.” Paper presented at the round-table meeting on “Les espaces publics de Beyrouth en 1990”, Maison de l’Orient Mediterranean, Lyon.
Gates C L, 1998, The Merchant Republic of Lebanon: Rise of an Open Economy (I.B. Tauris, London and New York).
Ghorra C M-F, 1975, Les centres résidentiels suburbains dans la croissance de Beyrouth, Unpublished Ph. D. Thesis, Université de Toulouse le Mirail, Toulouse.
Glasze G, 2001, «Geschlossene Wohnkomplexe (gated communities) als Enklaven des Wohlbefindens in der wirtschaftsliberalen Stadt», Stadt – der Lebensraum der Zukunft? Gegenwärtige raumbezogene Prozesse in Verdichtungsräumen der Erde.
Khalaf S, 1985, “Social structure and urban planning in Lebanon” in E Mauer, ed., Property, Social Structure and Law in the Modern Middle East, (State University of New York Press, New York) pp 213 - 235.
Nahas Ch, 1999, «Economie foncière et immobilière au Liban», Paper presented at the Centre culturel français de Beyrouth 14.01.1999, Beirut.
Raymond A, 1989, “Espaces publics et espaces privés dans les villes arabes traditionnelles”, Maghreb Machrek, 123, 194-202.
Raymond A, 1994, “Islamic City, Arab City: Orientalist Myths and Recent Views”, British Journal of Middle Eastern Studies, 21, 3-18.
إضافة تعليق جديد
تهمّنا آراؤكم ونريدها أن تُغني موقعنا، لكن نطلب من القراء أن لا يتضمن التعليق قدحاً أو ذمّاً أو تشهيراً أو تجريحاً أو شتائم، وأن لا يحتوي على أية إشارات عنصرية أو طائفية أو مذهبية.