العدد ٣٠ - ٢٠٢١

ما هي النيوليبرالية؟

أردنا لهذا العدد أن يحمل ملفًّا يعرّف بالظاهرة التي تحكم معيشتنا وحياتنا منذ أكثر من أربعة عقود من الزمن تقريبًا دون تسمية. الدافع الرئيس هو شحّة الأدبيات، النقدية خصوصًا، عن هذا الموضوع في بلادنا، في مقابل طوفان ما تضخّه المؤسسات المالية والتنموية من نظريات ومفاهيم ذات مرجع مشترك هو النيوليبرالية.

في زمنٍ يُراد فيه إقناعنا بنهاية زمن الأيديولوجيات، هذه أيديولوجيا متكاملة تشتمل على نظرة شاملة للحياة والكون وتقدّم نفسَها على أنها مذهب طبيعي جبري لا بديل عنه، حسب عبارة مارغريت ثاتشر الشهيرة، بل هي عقيدة إيمانية لا تخلو من السحر إذ تبشّر بـ«اليد الخفية» التي تحرّك السوق.

منذ نهاية الحرب الباردة والنيوليبراليةُ هي الوجه الاقتصادي للإمبريالية الأميركية الجديدة. وليس أبلغ تعبيرًا عن التلازم بين مذهب اقتصادي يُملي البنك الدولي وصندوق النقد الدولي تطبيقاته وقوة الولايات المتحدة العسكرية، من عبارات الصحافي توماس فريدمان: «إنّ اليد الخفية للسوق تحتاج إلى القبضة الحديدية للبنتاغون الأميركي و“همبرغر” ماكدونالد ليس بديلاً من منتجات “ماك دوغال”»، أكبر مصانع الأسلحة الأميركية.

نفتتح الملف بموجز تاريخي تعرّف فيه سوزان جورج جوهرَ النيوليبرالية على أنه تحكّم آليات السوق في مصائر البشر وفرْض الاقتصاد إرادته على المجتمع. وتروي فصول الردّة النيوليبرالية ضد «دولة الرعاية» بقيادة رونالد ريغان ومارغريت ثاتشر.

يستعرض جورج مونبيوت مفاهيم وشبكات ترويج أيديولوجيا تسيطر على حياتنا لكنها بلا اسم، مع أنها أيديولوجيا واعية تسعى إلى إعادة تشكيل الحياة البشرية ونقل محور السلطة التي تتحكّم بتلك الحياة. ويذكّر مونبيوت بمسؤولية النيوليبرالية عن الأزمات الاقتصادية الرئيسة التي عرفتها البشرية في ظلّها وأبرزها الأزمة الماليّة العالميّة ٢٠٠٧- ٢٠٠٨.

تكشف آرونداتي روي التلازمَ بين سَحب دور الدولة في الخدمة الاجتماعية والتوزيع الاجتماعي وبين تدخّل المنظمات غير الحكومية للعب هذا الدور، ولكن بإمكانات ما دونها بكثير. وتشير إلى أنّ كبريات تلك المنظمات تحظى بتمويل من الدول الغربية والبنك الدولي وسائر المؤسسات الدولية. وتخلص روي إلى التحذير من دور الأنجيووز في تبديد الغضب الشعبي وإضعاف المقاومة الشعبية السياسية.

ترافق التبشير بالليبرالية وتطبيقها مع إحياء أفكار المفكّر الليبرالي النمساوي فريدريش فون هايك (١٨٩٩-١٩٩٢) الذي غابت تعاليمه الاقتصادية خلال الثلاثينيات وفترة «دولة الرعاية» بعد الحرب العالمية الثانية عندما غلبت مبادئ الاقتصادي البريطاني جون ماينارد كينز، داعيةً تدخّل الدولة في الاقتصاد لوقف الأزمات الدورية للرأسمالية. يعرض فواز طرابلسي لأبرز أوجه نظام فون هايك الاقتصادية والحضارية والفلسفية والسياسية ومحوره مركزية السوق التنافسية ومجابهة المساواة بالحرية.

تقدّم جيسيكا وايت كتابها الأخير «أخلاقيات السوق» (٢٠١٩) الذي تشدّد فيه على أنّ النيوليبرالية مذهب سياسي وأخلاقي وليست مجرد مذهب اقتصادي، وتؤكد أنّ العلاقة بين حقوق الإنسان والنيوليبرالية أوثق بكثير ممّا يعترف به دعاة تلك الحقوق، وتخلص إلى التشكيك في قدرة تلك المنظمات على تحدّي الآثار البنيوية لآليات السوق.

يكتب إدواردو غاليانو، بأسلوبه الذي لا يضاهى، عن إبادة الكوكب على يد حفنةٍ من كبريات الشركات والسياسيين يسمّمون الهواء والغذاء والبشر ويحوّلون بلدان الجنوب إلى مكبّ للنفايات الإشعاعية. يصف غاليانو عالمًا فيه مرائب ولا حدائق، مستهلكون ولا مواطنون، شركات عامة ولا شركاء، علاقات عامة ولا علاقات، والزهور فيه بلاستيكية.

أردنا الملف الملوّن لهذا العدد أن يكون صرخةً نُطلقها ضد القتل والتدمير والاستباحة والتجويع في اليمن في تلك الحرب| السور التي تقدّمها لنا بشرى المقطري. تروي الصور والرسوم والغرافيتي عن العالقين «بين رصاصة وقذيفة، بين غارة عمياء ومدفع، بين موت يترصّدهم في طرقات البلاد التي ما عادت لهم والعدوّ».

في «نون والقلم» نصّان يتعلّقان بالجسد. «في حضرة الجثة» يواصل وليد صادق الكتابة حول موضوعه الأثير: الحرب الأهلية في لبنان. ينطلق من مناسبة وفاة، للتفكير في الحِداد والفَقد في تداعياتٍ من علم النفس والمسرح والرواية تستمدّ مادتها ممّا يسمّيه صادق «صناعة الحرب الأهلية». والنص معرّب من الإنكليزية في صنعة حاذقة لفادي العبدالله.

يحضر الجسد عند رؤوف مسعد أيضًا وهو الذي يواصل شغله على إنتاج كتابة إيروتيكية عربية حديثة. في هذا الفصل من سيرة «البحر ينعس» يعود الشيخ إلى غفلته ليروي قصة حب بسيطة لكن القصّ لا يكتمل ولا الحب اكتمل.

نفتتح قسم «فيها نظر» بنشر نص تأسيسي لكارل ماركس. «أسس نقد الاقتصاد السياسي» Grundrisse كناية عن ملاحظات نقدية لم تكن معدّة للنشر تقع في سبعة دفاتر دوّنها ماركس لتوضيح أفكاره الاقتصادية في شتاء ١٨٥٧ و١٨٥٨ وخدمت في صياغة «رأس المال». أما المقدمة فمدخل ضروري إلى المادية التاريخية تتناول العلاقات المتبادلة بين الإنتاج والتوزيع والتبادل والاستهلاك، والشروط الاقتصادية والاجتماعية لولادة الفرد، و«سرّ» ديمومة الفن.

في «الفلسفة والحياة اليومية في ظلّ الرأسمالية»، يسعى توماس ويستون إلى ملء ثغرة متولدة عن تجاهل معظم فلاسفة القرن العشرين للحياة اليومية، مستعينًا بكتابات الفيلسوف الماركسي الفرنسي هنري لوفيفر الرائدة في هذا الموضوع.

في قسم «يا عين»، يواصل جاد تابت شغله الدؤوب عن إعادة الإعمار في لبنان بعد كارثة الرابع من آب/ أغسطس. يستعيد التجارب السابقة منذ منتصف السبعينيات مع تركيزٍ على النموذج النيوليبرالي الذي اعتُمد لإعادة الإعمار فترة ما بعد الحرب الأهلية (١٩٧٥-١٩٩٠). ويخلص إلى أنه لا بديل عن الدولة في إعادة الإعمار، إلا أنه يدعو إلى اعتماد آليات رقابة عليها بواسطة المجتمع الأهلي وعلى أهمية المحافظة على النسيج المديني للمناطق المنكوبة في تنوّعه.

بعد تجربة في الالتزام في الأدب والفن، يخوض الكاتب والسينمائي العماني عبدالله حبيب غمار فردانيّة التعبير عن التجربة الإبداعية وعن استقلاليتها ليروي تجربته الجديدة في فيلم «أصابع- فيلم شخصي» حيث يعتمد التوليف العمودي و«الكولاج».

في قسم «ذاكرة»، بحثٌ مستفيضٌ لمحمد الشحري عن آلهة الجنوب العربي قبل الإسلام، يدرس تحوّلات القمر والشمس والزهرة في أرض البخور القديمة في جنوب عُمان. ويتابع الباحث حضور تلك الآلهة المتواصل في اللغة والعادات والمعتقدات والشعائر الشعبية لدى أهل ظفار.

جيلبير النقّاش، الذي غادرنا مؤخرًا، رمز من رموز حركة «آفاق» («برسبكتيف») واليسار التونسي عمومًا. يكتب محمد صالح عُمري عن سيرة النقاش وفكره ونضاله ويحيي فيه أحد آخر سُلالة المثقفين العموميين من يهود الأراضي العربية الذين تمسكوا بحقهم في الانتماء الكامل إلى أرض مولدهم تونس، التي كتب فيها النقاش ونشر وقاوم وناضل وسُجن وفيها توفي.

ف.ط.

العدد ٣٠ - ٢٠٢١

إضافة تعليق جديد

تهمّنا آراؤكم ونريدها أن تُغني موقعنا، لكن نطلب من القراء أن لا يتضمن التعليق قدحاً أو ذمّاً أو تشهيراً أو تجريحاً أو شتائم، وأن لا يحتوي على أية إشارات عنصرية أو طائفية أو مذهبية.