العدد ٢٨-٢٩ - ٢٠٢٠

مصرف لبنان وأوهام الاستقلال الماليّ

«أيّها اللبنانيّ، لا وجود لاستقلالٍ سياسيٍّ بدون استقلال اقتصاديّ ولا استقلال اقتصاديًّا بدون بيت المال اللبنانيّ «أي المصرف المركزي اللبناني». وإلّا، سنرى زراعتنا وصناعتنا وتجارتنا ومصايفنا معرّضة للأخطار». (من عريضة منشورة لأحزاب سياسيّة وهيئات تجاريّة وصناعيّة وعمّالية لبنانيّة، 1953)

في عام ١٩٥٣، أنهت الحكومة السوريّة من جانبٍ واحدٍ امتياز «بنك سورية ولبنان»، بصفته بنك الدولة، ثم أحلّت محلّه مصرفًا مركزيًّا وطنيًّا. وقد لعب مصرف سورية دورَ الأداة الأوّليّة لدعم الدولة في تنمية الاقتصادَين الزراعي والصناعي. أما في لبنان، فقد تابع المدير الفرنسي لـ«بنك سورية ولبنان» رينيه بوسّون (René Busson)، الذي نادرًا ما يُذكَر في النصوص التأريخيّة اللبنانيّة، عملَه حاكمًا ماليًّا فعليًّا للبلاد. وهكذا، تابعت سياسة «بنك سورية ولبنان» النقديّة خلقَ اقتصادٍ حُرّ كانت فيه اليدُ العليا لقطاع الخدمات. وقد احتفظ البنك بامتيازه مدّة عقدين بعد الاستقلال، وعندئذٍ حلّ محلّه مصرفٌ مركزيٌّ وطنيّ.

افتُتح الأخير في 1 نيسان/ أبريل 1964، ورأت فيه السلطاتُ اللبنانيّة الرمزَ الأوّل للسيادة الاقتصاديّة والخطوة الأخيرة نحو الاستقلال التامّ. ووصفت الصحافة المصرف بأنه وسيلة لنشر سلطة الدولة وتعزيز الكبرياء الوطنية. وكانت هذه الأقوال، ولا تزال، من قَبيل أوهام الاستقلال المالي. فأُسُس لبنان الماليّة، موضوع هذا الكتاب، تشي بقصةٍ أشدَّ تعقيدًا، وأكثر ارتباطًا بالتاريخ الماليّ الإقليمي والعالميّ لتلك الحقبة.

إنّ نظام لبنان الماليّ، كما يبيّن هذا الكتابُ، هو نتاج التفاعل بين السيطرة النقديّة الاستعماريّة، وبناء مؤسّسات دولة ما بعد الاستقلال، والتيّارات العالميّة للإصلاح الماليّ التكنوقراطي، ومصالح خاصّة لرأس المال. وقد حدث هذا التفاعلُ تحت وطأة حقبتين تاريخيّتين: الحكم المالي الفرنسي (1919–1948) وإعادة الهيكلة الماليّة اللبنانيّة (1948–1975)، وصبّ بالمحصّلة في خدمة طغمةٍ ماليّة محليّة وتبعيّة بنيويّة خارجيّة.

تحت الحكم الفرنسيّ، كان «بنك سورية ولبنان» العمودَ الفقريّ للنظام الماليّ الذي ربط اقتصاد المستعمرات باقتصاد المركز في فرنسا (metropole). وقد انحازتْ سياسة البنك الائتمانيّة، بالتضافر مع معيار صرف الفرنك، الذي ربط الليرة بالعملة الفرنسيّة، لصالح الاستثمار الرأسماليّ الفرنسيّ، على حساب التنمية الاقتصاديّة المحليّة.

بعد الحرب العالميّة الثانية، تولّى المصرفيّون اللبنانيّون بالتّدريج مهمّة «المراقبة الاستراتيجيّة» للاقتصاد اللبناني، من خلال القطاع المصرفيّ، وفاوضوا باستمرار من أجل حصّتهم في السلطة الماليّة على المسرح السياسيّ. وتحت إشرافهم، أُعيد تشكيلُ الأسس الماليّة في البلاد، في سياق الهيمنة الماليّة الأميركيّة، وتدفّقات رأس المال الكبيرة على الإقليم، وشبكات المعرفة العالميّة في شؤون المال. وكان المسؤولون الأميركيّون العاملون في بيروت حريصين على أن يرَوا «بنك سورية ولبنان» وقد حلّ مكانه مصرفٌ مركزيّ وطنيّ، يتوقّف عن محاباة رأس المال المرتبط بفرنسا، بدلاً من منافسيه الأميركيّين.

أثناء مرحلة التكوين هذه، صارت بيروت، عاصمةُ لبنان، المقصدَ الماليّ في المشرق العربي، بفضل تدفّق الكثير من البترودولار ولجوء دفقٍ رأسماليٍّ هاربٍ من التأميم في البلدان المجاورة، مثل سورية والعراق ومصر. وبين عامَي 1945 و1960، زاد عددُ المصارف في لبنان بشكل مطّرد، من 9 إلى 85. وتحوّل لبنان إلى «جمهوريّة التجّار» حيث النُّخَبُ الحاكمة، التي اعتمدت ثرواتُها إلى حدٍّ بعيدٍ على الواردات والخدمات الماليّة للمنطقة، حَمَتْ بشراسةٍ نظامَ عدم التدخُّل الاقتصاديّ، ووصفته بأنّه الحلّ الناجع لازدهار البلاد الاقتصاديّ.

سيطرت سرديّة الجمهوريّة التجاريّة ولازِمَتُها، أي نموذج حريّة التجارة(laissez-faire)، على كتب التاريخ الكلاسيكيّة للبنان الحديث. في هذه التواريخ، قُرئ الاقتصاد الحرّ اللبناني من خلال منظار الروح الرياديّة المُفترضة لدى الطبقة التجاريّة الماليّة، والشبكات غير الرسميّة للعلاقات العائليّة والطائفيّة، أو في حالات أكثرَ موضوعيّةً، من خلال منظار التحليل البنيويّ للنموّ القطاعيّ الاقتصاديّ. في المقابل، نادرًا ما جرى تفحُّص البنية المؤسَّسية لسياسة التنظيم الماليّ والنقديّ، التي دعمت سياسة عدم التدخّل. لا شكّ في أنّ هذه الدراسات الحديثة والبصيرةَ للاقتصاد السياسيّ للبنان بعد الحرب العالميّة الثانية قطعتْ شوطًا بعيدًا في تبديد أوهام «الروح الرياديّة» تلك. لكن بخلاف استثناءاتٍ نادرة، تبقى هذه الدراساتُ، مهتمّةً إلى حدٍّ بعيد، بمسألة دور الدولة اللبنانيّة، في العقد الأوّل بعد الاستقلال، في إنشاء السوق الحرّة، من خلال عدم تقنين الدفَق الرأسماليّ.

لكن يمكن طرحُ المسألة بالشكل المعاكس، أي البحث عن كيفيّة تشكيل الدولة، وعلى رأسها أهمّ مؤسّسةٍ ماليّة المصرف المركزيّ من قبَل قوى السوق، وهو ما أقوم به بين دفّتَي هذا الكتاب. يكشف الكتابُ، وبالاعتماد على المعطيات التاريخيّة والأرشيف، لا التحليل النظريّ فقط، كيف ساومتْ قوى السوق والمال بمن فيهم المصرفيّون وخبراءُ المال والمسؤولون الإداريّون، لتشكيل الدولة ومؤسّستها الماليّة الكبرى، أي المصرف المركزيّ. ففي مرحلة الاستقلال بعد الحرب العالميّة الثانية، كانت مؤسّسات الدولة الماليّة، مثل المصارف المركزيّة، أداةً أساسيّةً لهندسة الاقتصاد الوطني في الكثير من بلدان «العالم الثالث». ولبنان، بغضّ النظر عن اقتصاده الليبرالي الحرّ، لم يكن استثناءً. كان نظامه القائل بالاقتصاد الحرّ، نتاجَ سياسةٍ متعمّدة للدولة على رأسها تصميمُ المصرف المركزيّ. لقد كان الضامنُ الأوّلُ لإطالة عمر سياسة عدم التدخّل ونفوذ المصرفيّين، هو مصرف لبنان هذا، لا اليد الخفيّة لقوى السوق، أو روح الريادة الابتكاريّة، كما يحلو للبعض الادّعاء.

دولة المصارف

إنّ سجلّ التاريخ في محفوظات الأرشيف التي اطّلعتُ عليها لا يترك مجالاً للشّكّ أنّ البنية الإداريّة والوظائف النقديّة في مصرف لبنان التي تمّ إنشاؤها بعد الاستقلال، كانت مُملاةً إلى حدّ بعيد، من ديناميّات السلطة السياسيّة ومنطق الربحية لفئة خاصّةٍ من المجتمع، لا من مفاهيم تنمية الاقتصاد الوطني. وقد خدم المصرفُ المركزيّ مصالحَ القلّة الماليّة الحاكمة آنذاك، مثل الأخَوين ريمون وبيار إدّة، اللذين اعتمدا على الدولة أكثر بكثير من اعتمادهما على السوق لإعادة إنتاج سيطرة القطاع المصرفيّ في الاقتصاد. كان الأخَوان إدّة مفاتيح أساسيّة في وضع لبنات العمودَين المؤسَّسِيَّيْن اللذين حوّلا القطاع المصرفيّ في البلاد إلى جماعة سياسيّة جيدة التنظيم، لها حصانة في العموم، حيال سلطة الدولة.

كان أوّل هذين العمودين، قانون السريّة المصرفيّة لعام 1956. قال ريمون إده، مهندس القانون، للصحافة قبل عامٍ من إقرار السريّة المصرفيّة، إن «طموحـ[ـه] الأكبر هو تحويل لبنانَ إلى بنكٍ للعالم العربي»، تمامًا مثلما أنّ سويسرا هي بيت المال في أوروبا. وحقّق له القانونُ غرضه المزدوج باجتذابه مبالغ كبيرة من رأس مال دول الخليج، وبحمايته، هو والمصرفيّين، من مراقبة الدولة ومن الضريبة عقودًا لاحقة من السنين. أما العمود الثاني فهو جمعيّة مصارف لبنان، وهي أوّل جمعية من نوعها في العالم العربيّ، وقد تأسّستْ عام ١٩٥٩ بقيادة شقيق ريمون الأصغر، بيار، الذي كان رئيسًا لبنك بيروت الرياض، في ذلك الوقت. وكان هدف جمعيّة مصارف لبنان الدفاعَ عن مصالح القطاع، أي العمل كـ«لوبي» خاص، كما بيّن تقريرها السنويُّ الأوّل الذي ينصّ على أنّ أحد الأهداف الرئيسيّة هو « تأمين الدفاع الجماعيّ عن مصالح [أعضائها] المهنية، ولهذه الغاية تأمين التمثيل الجماعي [لهم] لدى الإدارات العامّة أو غيرها».

واللافتُ من وجهة نظرٍ تاريخيّة أنّه بخلاف مؤسّسات الدولة التي كثيرًا ما خضعت للدراسة، مثل مجلس النواب، أو رئاسة الجمهورية، أو محاكم الأحوال الشخصيّة، أو المجالس الدينيّة، لم يكن لجمعيّة مصارف لبنان، وكذلك لمصرف لبنان، طابَعٌ طائفيّ بارز، لكنّهما في الوقت نفسه شكّلا الأساس البنيويَّ العميق لإعادة إنتاج السلطة الاقتصاديّة، التي تُديم هذا النظامَ الطائفيّ. وإن كانت الكوتا الطائفية قد حَدّدتْ إلى حدٍّ ما مَن يتولّى ماذا في مصرف لبنان، فإن التوجّه العقائديَّ لمن تولّى الإدارة كان أكثر أهمّيّة. ففي زمن تأسيس مصرف لبنان، كان أجدرُ الأشخاص بتولّي رئاسته هو جوزف أوغورليان، الذي عمل طويلاً مستشارًا في «بنك سورية ولبنان»، وكان مخضْرمًا في النظُم المصرفيّة. لكنّ هويّته الطائفيّة الأرمنيّة حصرتْ مهمّته في أن يكون نائبَ الحاكم بدلاً من حاكم. ومع ذلك، فقد ترك بصْمته الإداريّة المحافِظة في كل مفصلٍ أساسيٍّ من بناء النظام المالي، من فكّ ارتباط الليرة اللبنانية مع الفرنك عام 1948، إلى عام 1963، حين حُرِّر قانون النقد والتسليف، الذي أسَّس المصرف المركزي. عدا عن أنّ أوّل حاكم، فيليب تقلا، لم يكن مارونيًّا. وعلى نفس المنوال، لم تكن جمعية مصارف لبنان مسوقةً بالاعتبارات الوطنيّة، ناهيك بالطائفيّة. ففي بدايتها، كان الفرز من ناحية هويّة أعضائها مبنيًّا على التحالف مع أو معارضة الرأسمال الفرنسي. واحتفظت فيها المصارف اللبنانيّة بأغلبيّة الأصوات، لكنّ المصارف الأعضاء المؤسِّسة كان بينها مصارفُ محليّة وعربيّة وأميركيّة. وكان جوليوس تومسون، مدير بنك «تشايس مانهاتن»، ومقرّه في بيروت، عضوًا مؤسّسًا في مجلس إدارة الجمعيّة.

وقد أمدّت جمعيّة مصارف لبنان بارونات القطاع المصرفيّ بإطارٍ رسميٍّ ومؤسسيّ، لا عائليّ أو طائفيّ، يتدخّلون من خلاله بالسياسة النقديّة، بعد أن اشتدّت المطالبة بتنظيم القطاع. ففي منتصف الخمسينيّات، تصاعَدَ الضغط من المؤسسات الماليّة الدوليّة (IFI) كصندوق النقد الدوليّ والخبراء المحليّين من أجل تأسيس مصرفٍ مركزيٍّ قويّ. وكانت جمعيّة المصارف ناجحة جدًّا في الحثّ على أن يكون المصرف المركزي بلا أنياب، حتى لو كان يحتفظ بدرجةٍ من الاستقلال الإداري، ولو وصف مسؤولو الدولة إنشاءه بأنه ذروة الاستقلال الاقتصاديّ. لكن انهيار «إنترا»، أكبر مصرف في البلاد، بعد ثلاثة أعوام، كشَفَ هشاشة سياسة عدم التدخّل طليقةِ اليد في القطاع المصرفيّ، وعدم إمكان الاستمرار بها.

حيكتْ حول أزمة «إنترا» نظريّات مؤامرة غالبًا ما تفتقد إلى السند التاريخيّ وتختصر القضية بفلسطينيّة بيدس أو دوره المزعوم في تعزيز الرأسمال الوطنيّ المعادي لمصالح الولايات المتحدة. يفنّد الكتابُ هذه النظرياتِ ويطرح بديلاً يعتمد على وثائقَ من الأرشيف الأميركيّ ومصادر أخرى تشير إلى دور عوامل اقتصادية بنيويّة، إلى جانب المنافسة بين الطغمة المالية، بدلاً من الصراع الهويّاتي في حدوث الأزمة ودور الرأسمال الاجتماعي والسياسي في تحديد الخاسر والرابح.

والأهمّ في سياق البحث عن أسس لبنان الماليّة أنّ أزمة «إنترا» كانت نقطة تحوّلٍ في تاريخ سلطة المصرفيّين اللبنانيّين هزّت أركان النظام الاقتصاديّ الحر. وصار تدخُّل الدولة، بشكل مباشر، من خلال مصرف لبنان، ضرورةً سياسيّة واقتصاديّة في آن. فعاد مسؤولو الدولة وإداريّو المصرف المركزيّ إلى المربّع الأوّل لتنظيم القطاع. أغرقوا بنك «إنترا»، لكنّهم أنقذوا القطاع المصرفيَّ بإنشاء بنًى إدارية جديدة مرتبطة بمصرف لبنان، كلجنة الرقابة على المصارف والهيئة المصرفيّة العليا ونظام الضمان بودائع الاحتياط المستوحى من نظيره في الولايات المتحدة. كذلك اتّفقوا على اتّخاذ إجراءاتٍ تنظيميّة، مثل فرض حدٍّ أدنى من الاحتياطيّ الإلزاميّ على المصارف، وتصنيف مؤسّسات التسليف طويلِ الأجَل، في مقابل التسليف قصيرِ الأجل. غير أنّ هذه التدابيرَ التنظيميّة الجديدة مأسستْ سياسةَ عدم التدخّل، بدلاً من لجمها، وذلك بجعل النظام المصرفيّ الحرّ أكثرَ مقاومةً للصدمات في المستقبل.

سياسة عدم التدخّل وأطبّاء المال

لم يكن النزاعُ في شأن القواعد التنظيميّة الماليّة والتوجّه الاقتصاديّ اللبناني مجرّدَ نزاعٍ بين مصالح، بل كان صراعًا إيديولوجيًّا أيضًا. كان أعلى الأصوات المعبّرة بقوّة عن فكرة أنّ لبنان أنشئ ليكون بطبيعته سوقَ اقتصادٍ حرّ هو صوت ميشال شيحا. بعد الاستقلال عام 1943، اعتمدتْ إدارة الخوري بحماسٍ آراءَ شيحا سياسةً للدولة، ونُشِرتْ عبر المحافل الفكريّة والمراكز الثقافيّة في الخطاب العام. ففي السياسة، كرّس الميثاقُ الوطنيّ عام 1943، الذي وَضعه الخوري ورئيسُ الوزراء رياض الصلح، بصفة كل منهما ممثلاً لمجتمعهما النخبويّ من مسيحيّين ومسلمين، النظامَ الطائفيّ الذي أقامه الفرنسيّون، والذي يقضي بأن يكون المنصب السياسيّ مرتبطًا بالانتماء الطائفي.

أمّا في الاقتصاد، فأُزيلت بالتدريج قيودُ السوق التي نشأت أثناء الحرب العالميّة الثانية، بما في ذلك مراقبة دفَق رأس المال وأسعار صرف العملات. وفي الخطاب العامّ، كانت سياسة إزالة القيود مُضمَرةً في داخل عقيدة شيحا القائلة بعدم التدخّل، التي أسست لهاجس استقرار الأسعار على حساب النموّ الاقتصادي المتوازن. وتولّت المؤسسات المُنشأة حديثًا مثل «الجمعيّة اللبنانيّة للاقتصاد السياسي»، والمنتدى الشهير للنقاش العلني، «الندوة اللبنانيّة»، مهمّة القنوات الثقافية لنشر العقيدة الشيحاويّة.

لقد افترضت السرديّاتُ التقليدية وتلك النقديّة على السواء، أنّ العقيدةَ الشيحاويّة كانت تهيمن بشكلٍ غير متنازعٍ عليه على فكر النخبة اللبنانيّة الحاكمة، في سنواتِ تكوُّن لبنان المستقلّ. وقد عزّز هذا الأمرُ سرديّة فرادة لبنان كجمهوريّة تجاريّة، بصفته نموذجًا فريدًا لسياسة عدم التدخُّل غير المقيّدة وعزل تاريخ تكوّنه عن سيرورة الاقتصاد العالمي في تلك الحقبة. لكنّ العقيدة الشيحاويّة، على الرغم من سطوتها إبّان الاستقلال، واجهت شيئًا فشيئًا، وفي أوجّ الجمهورية التجارية، عقيدةً منافِسة، لكن غير مناقِضة، هي عقيدة بورجوازيّة ليبراليّة لكن تكنوقراطيّة تبغي التحديثَ في إدارة الدولة. وأثّرت هذه العقيدة كثيرًا في تأسيس القواعد الماليّة بعيدة المدى للدولة اللبنانيّة.

كان في لبّ هذه الحركة المناوئة للفكر الشيحاوي، مجموعةٌ من الخبراء الاقتصاديّين في الجامعة الأميركيّة في بيروت. فقد ارتأى أعضاء في هذه المجموعة، مثل سعيد حماده وسليم الحص، في تقنين الشأن المالي، وبالتحديد تأسيس مصرفٍ مركزيٍّ، ضرورةً مؤسَّسيّة. والمفارقة أنّ أسماء هؤلاء وأعمالهم تملأ الحواشي وتذيّل الإحصائيّات في معظم دراسات الاقتصاد السياسيّ لتلك الحقبة، لكن نادرًا ما ظهرت أسماؤهم هذه في السرديّة الكبرى للجمهوريّة التجاريّة. إنّ قصّتهم التي أروي في هذا الكتاب تشير إلى الأبعاد العقائديّة والمؤسَّسية لانتقال لبنانَ من تأثير النفوذ الاقتصاديّ والسياسيّ الفرنسي، إلى النفوذ الأميركيّ، وهي أبعادٌ حجَبَها طغيانُ قصة النفط وسياسات الحرب الباردة والصراع العربي الإسرائيلي على تأريخ النفوذ الأميركي في المنطقة عمومًا ولبنان خصوصًا.

لقد لعب التنمويّون المؤسَّسِيّون، كما أسمّيهم، دورًا رائدًا في بثّ ونشر أفكار عن تنمية الاقتصاد الوطني، تحاكي النموذج الرأسماليَّ السائد عالميًّا آنذاك عبر إصلاح ومأسسة النموذج المهيمن في لبنان، القائل بالاقتصاد المالي غير المنظّم. كذلك أسهموا بالمقدار ذاته، في بلورة فكرة لبنان كبلد مستقلّ، لا أقل من العقيدة الشيحاويّة، بتوفيرهم للعقيدة المذكورة وجودًا إحصائيًّا منفصلاً، من خلال احتسابهم الناتج المحلّي الإجمالي في لبنان، في الوقت الذي كانت فيه المنظّمات الدولية، مثل الأمم المتحدة وصندوق النقد الدولي، تكافح من أجل تمييز الداتا الاقتصادية اللبنانية عن تلك السوريّة. وتجاوز كثيرًا نفوذُ وباعُ هؤلاء الاقتصاديّين، إفراديًّا ومؤسَّسيًا، من خلال معهد الأبحاث الاقتصاديّة الذي أنشؤوه عام 1953، نطاقَ دوائر الأكاديميا والأبحاث. فهم أطلّوا على رأي النخبة العامّ، بما في ذلك الندوة اللبنانيّة، واخترقوا الجهازَ الإداريّ في الدولة، في عزّ الجمهوريّة التجاريّة أثناء رئاسة كميل شمعون (١٩٥٢–١٩٥٨) ذي الميول الأنغلوفونيّة، أي قبل بروز الشكل المعتدل للدولة التكنوقراطية، المرتبط برئاسة فؤاد شهاب (1958 1964).

كانت الفلسفةُ الاقتصاديّة والخبرة الماليّة لدى هؤلاء الأكاديميّين جزءًا من التحوّل العالمي في السياسات والممارسات النقديّة بين أوائل القرن العشرين ومنتصفه. وكان يقود هذا التحوّل إلى حدٍّ بعيد، التوسّعُ الاقتصاديُّ الأميركيّ في الخارج، وبروز الدول الوطنيّة في العالم الثالث. ففي أوائل العقد الأوّل من القرن العشرين، أرسلت الولايات المتحدة بعثات الخبراء الماليّين، مثل باركر ويليس وإدوين كيميرر، إلى بلدان الكاريبي وآسيا الواقعة تحت نفوذ أميركي، ككوبا والفيليبين، من أجل «إصلاح» نظم النقد وربطها بالدولار الأميركي. وفي ثلاثينيّات القرن العشرين، كان معظم «الإرساليّين الماليّين» الأميركيّين الذين تحوّلوا إلى طبقة مهنيّة من المستشارين الماليّين، أو كما أُطلق عليهم لاحقًا «أطباء المال»، من خرّيجي التجربة الاستعماريّة. وبعد الحرب العالمية الثانية، نما عمل هذه البعثات من كونها المنفّذة والمرسّخة لاستقرار النظم النقدية المرتبطة بالدولار الأميركي، لتصبح المبادِرة والمشرفة على وضع خطط المراقبة المالية التي شملت كل نواحي الإدارة الماليّة، بما فيها نظم الضريبة، وتنظيم القطاع المصرفي الخاص، والإصلاح النقدي.

اعتمد هؤلاء المستشارون الماليّون الأميركيون نظرةً أبويّة فوقيّة إلى الأمم الأضعف، لا تختلف عن نظرة القوى الإمبرياليّة السابقة، بريطانيا وفرنسا. لكن بعد الحرب العالميّة الثانية، تباينت آراء بعضهم في شأن إصلاح المصارف المركزية، مع آراء نظرائهم الأوروبيّين. فلطالما عارض المسؤولون الماليّون البريطانيّون والفرنسيّون إقامة مصارف مركزيّة يمكنها أن تقوّض سيطرتهم المالية بعد أن كانت دولتاهم قد فقدتا النفوذ العسكري والسياسي. لذلك، فإنهم اقترحوا إصلاح مجالس النقد التي تم تأسيسها أثناء الاستعمار مع الإبقاء على ربط العملات المحليّة بالفرنك أو الاسترليني.

بالمقابل، كان مستشارو المال الأميركيّون غير التقليديّين، مثل مسؤول الاحتياط الاتحادي الأميركي روبرت تريفين، يشجّعون ويساعدون في تأسيس مصارف مركزيّة وطنيّة. فقد فهم تريفين الحاجة إلى دعم الوطنيّة الاقتصاديّة التي تتبنّى إنشاء مصرفٍ مركزيٍّ قوي في المستعمرات الأوروبيّة السابقة، من أجل إعادة توجيه اقتصاد هذه المستعمرات السابقة بعيدًا عن الحواضر الاستعمارية القديمة أي الأوروبية من جهة، وعن البدائل الشيوعيّة من جهة ثانية، نحو السوق الدوليّة الخاضعة لنفوذ أميركي. وبذلك أصبح إصلاح المصرف المركزي في دول «العالم الثالث» تلك، جزءًا لا يتجزّأ من سرديّات أوسع عن «علم» التحديث الاقتصادي، وهي السرديّات التي اعتنقها الألوف من الخبراء العرب ودول «العالم الثالث» الأخرى، الذين تدرّبوا في الولايات المتحدة، فأرسوا بذلك السلطة الاقتصاديّة الأميركيّة في الخارج.

وفي لبنان، دعا المستشارون الماليّون، في الجامعة الأميركيّة في بيروت، وهم خريجو جامعات الولايات المتحدة، إلى إصلاحٍ ماليٍّ مستوحًى من صيغ معدّلة من الكينزيّة والمؤسَّسيّة الاقتصاديّة، التي قالوا إنها تناسب أكثر أسواق المال غير المتطوّرة. وقد وفّرت فلسفتهم الاقتصاديّة ذات الاتجاه التجريبي، حلولاً ماليّة من دون أن تزعزع الأساس العقائديّ لسياسة الاقتصاد الحرّ الشيحاويّة. وأتاح هذا لنظريّتهم المنافِسة أن تكسب موطئ قدم في الدولة، وفي الخطاب العلني في عهد الجمهورية التجارية. لكنه أيضًا قلّص مسألة الرقابة الاجتماعيّة لتطوير الآليّة الإحصائيّة في الدولة، وجهازها الإداري، من أجل عقلنة بنية الاقتصاد اللبناني المختلّة، لا من أجل التغيير الراديكالي لهذه البنية التي يسيطر عليها اقتصاد الخدمات. وفي مثل هذه التركيبة، بات، وللمفارقة ربما، التطوّرُ المحليُّ أسهل انقيادًا لخدمة مصالح رأس المال العالمي ووكلائه المحليّين، بدلاً من أن يفيد عامة الناس. وهكذا عقد خبراء الجامعة الأميركيّة المؤسَّسيون «صفقة فوستيّة» مع الغرب. فقد ساعدت «صفقتهم»، ولو متأخرةً، على دمج نظام لبنان المالي في النظام المالي الدوليّ بشكل أفضل، على أمل ضمان نموٍّ اقتصاديٍّ متوازن للمستقبل البعيد. لكن بفعل تحصُّن المصالح المحليّة لدى الطبقة التجاريّة الماليّة، لم يظهر سوى القليل من التطوّر الاقتصادي. فبقي لبنان متّكلاً على قطاع الخدمات المتضخّم للغاية، وتدفّق رؤوس الأموال الخارجيّة، من أجل بقائه الاقتصاديّ، وعلى التدخّل الخارجي من أجل بقائه السياسي.

السيادة الماليّة والتبعيّة البنيويّة لا الطبقيّة

من السهل أن يُنسَب هذا الاعتماد للطبقة اللبنانيّة التجاريّة الماليّة على الأسواق الخارجية سعيًا للربحيّة، وعلى التدخّل الأجنبي سعيًا للبقاء السياسي، إلى تكالب «الطبقة الكومبرادوريّة» في لبنان على تنفيذ الأجندة الطبقيّة لراعيتها في باريس، أو واشنطن، أو بعض العواصم الغربيّة الأخرى. غير أنّ النزاع في شأن النظام المالي اللبناني بعد الاستقلال، يرسم صورة أكثر تعقيدًا. ففي بعض المفاصل التاريخيّة، وجد كبارُ المصرفيّين اللبنانيّين وإداريّي النقد أنفسهم في وضعٍ متناقض حيال نظرائهم الأجانب الذين نظر هؤلاء اللبنانيون إليهم طلبًا للدعم الاقتصاديّ والاستلهام الثقافي. فحين أرسل صندوق النقد الدولي بعثاتٍ في الخمسينيّات من أجل تقنين قطاع المصارف، سَخِر ميشال شيحا مثلاً، ومصرفيّون مثل جوزف أوغورليان، قبل أن يصبح نائبًا أوّلَ لحاكم مصرف لبنان، من عجزٍ مزعومٍ لدى هؤلاء الخبراء الدوليين عن فهم فرادة الاقتصاد اللبناني. ودافع شيحا عن نظام عدم التدخّل الاقتصادي في مواجهة الإصلاح، أكان ليبراليًّا أم اشتراكيًّا.

لم يكن شيحا وأنصاره يعارضون دمج الاقتصاد اللبناني من حيث المبدأ في النظام المالي العالمي. بل العكس، سعوا إلى مزيدٍ من التبعيّة للأسواق العالميّة وعملوا طلبًا للرعاية السياسيّة الغربيّة من أجل التعويض من خسارة الرعاية الفرنسيّة، ومواجهة القوى الاشتراكيّة الصاعدة في المنطقة. إلا أنهم لم يريدوا أن يتآكل وضعهم المميّز بصفتهم وسطاءَ بين الأسواق العالميّة وتلك الإقليميّة، وهو وضعٌ كانت تضمنه الممارسات الماليّة غير المقيّدة. ولكن في النهاية، دفعتْهم أزمة «إنترا» إلى القبول بمزيد من التصحيح البنيويّ، من أجل مناسبة القواعد المصرفية الدوليّة، من غير أن يزعزعوا أسس موقعهم المميّز محليًّا. من هذه الزاوية، كانت تبعيّة لبنان الماليّة بعد الحرب العالميّة الثانية، بحسب عبارة مهدي عامل، تبعيّةَ بنية من علاقات الإنتاج، لبنية أخرى من علاقات الإنتاج، لا «مجرد علاقة بسيطة من التبعيّة بين طبقتين».

يلقي تفحّص الأشكال البنيويّة لا الطبقية للتبعيّة الماليّة الضوء على علاقةٍ متشابكة بين القوميّة الاقتصاديّة والسيادة في الشرق الأوسط. فالصيغة الاقتصادية للقوميّة في «العالم الثالث» غالبًا يعبَّر عنها بمسألة الامتلاك «القومي» لرأس المال، مقابل الامتلاك «الأجنبي»، أو بمسألة طبيعة النشاط الاقتصادي، مثل التصنيع الذي يرمي إلى «تنمية ثروات البلاد بأقل ما أمكن من مساعدة البلدان الأجنبيّة». وهاتان المقاربتان ضرورتان لكنهما ليستا كافيتين بمعزلٍ عن مفهومَي السيادة الاقتصاديّة والماليّة. والأخيران يتمحوران حول دور الدولة والقرار السياسي بدلاً من دور السوق والاستثمار الخاص. تُعنى السيادة الاقتصاديّة بمسألة استقلاليّة صنع القرار في مجال السياسة الاقتصاديّة. والاستقلال المالي ضروريٌّ للسيادة الاقتصاديّة. وهو مهدَّد من جراء الاقتراض السيادي، خصوصًا من مصدر أجنبي، وبسبب الافتقار إلى مراقبة حركة رأس المال، وتقنين علاقات الائتمان في داخل سوق النقد المحليّة (التي تسيطر عليها عادةً المصارف في الأسواق غير المتطوّرة). ونظرًا إلى كون المصارف المركزيّة تُعنى بكلٍّ من الاقتراض السيادي والإشراف على التسليف، يغدو فهمُ بنية ووظيفة مصرف لبنان المركزي مدخلاً ضروريًّا للنظر في مدى وجود وممارسة السيادة الماليّة في لبنان. وهي تتيح ذلك، ليس فقط حيال الأطراف الخارجيّة، بل داخليًّا حيال الأطراف المحليّة مثل المصرفيين.

إن التشديد على التبعيّة البنيوية لا الطبقيّة يتحدّى كذلك ثنائيّة الرأسماليين «الوطنيين» مقابل «الأجانب». ففي مرحلة ما بعد الاستقلال، استغل المصرفيّون اللبنانيون انتقائيًّا هذه الثنائيّة، من أجل أن تتدخّل الدولة لحماية حصّتهم في سوق المال، لا من أجل حماية الاقتصاد الوطني عمومًا. كان تصنيفهم للرأسمال الوطني مقابل الأجنبي نابعًا من كون مصارفهم محصورة في الأسواق المحليّة، مقابل أخرى أجنبيّة لها مدخلٌ على الفروع الدولية التي يمكن أن تستمدّ منها الدعم في أوقات الأزمات. إضافة إلى ذلك، إن تصنيف المصارف العاملة في لبنان بعد الحرب العالميّة الثانية، بين أجنبيّة ووطنيّة، وبحسب لوائح ملكيّة هذه المصارف الموْدعة في الأرشيف الأميركي، لا يبيّن بدقّة نوع الشراكة العابرة للحدود، وشبكات الأعمال الإقليميّة، والرعاية السياسيّة التي نقلتْ بنية امتلاك رأس المال والحركة الماليّة، من الهيمنة الفرنسيّة إلى الولايات المتحدة، والأسواق العربيّة.

لم تكن الأطراف المحليّة والدوليةُ التي قادت هذا الانتقال، تعمل بمعزلٍ عن بعضها البعض. فغالبًا ما كانت القنوات الدبلوماسيّة الأميركيّة ومنتديات المؤسسات الماليّة الدوليّة (IFI) تعمل كصلة وصلٍ بين الدوائر المحليّة والدوليّة. لكن التعاون لا ينبغي أن يؤخَذ على أنه علاقات قوى النّدّ للنّدّ. إذ كانت الشبكات السياسية الأميركيّة فائضةُ الوجود خارجَ الولايات المتحدة تتمتّع بمواقع التفوّق في المساومة، بالمقارنة مع الأطراف المحليّة أو الإقليميّة. وكانت هذه الشبكات تَستخدم رجالاً يضعون رِجْلاً في عالم المال ورِجلاً في السياسة الخارجيّة، مثل بول باركر، الذي كان مستشارًا لبنك إنترا وممثلا سابقاً لوزارة المال الأميركيّة في الشرق الأوسط، وكذلك الرئيس السابق للبنك الدولي يوجين بلاك، الذي كان مستشار الكويت المالي. لقد لعب كلا الرجلين أدوارًا محوريّة في حلّ أزمة «إنترا»، حين كانت الولايات المتحدة تعمل من أجل إصلاحٍ مالي سريع في لبنان كي تتجنّب انهيار اقتصاد سوقٍ حر، هي، بعيون الإدارة الأميركية وبحسب وثائقها الرسمية «نكرانٌ حيٌّ» للاشتراكيّة العربية، وهو ما يطرح الشك في النظرية التي تقول بوجود مؤامرةٍ أميركية خلف انهيار «إنترا». وقد جيّر هذا المَخرجُ الأزمةَ لمصلحة الولايات المتحدة. ووافقت عليه النُّخَب اللبنانيّة المحلية لحماية مصالحها الخاصة على حساب «إنترا».

وكان من أمر الحل التنظيميّ الماليّ الذي اعتُمد إثر أزمة «إنترا»، أن يقوّي قبضة المصرفيّين المُطبِقة على الاقتصاد المحلّيّ. وحين نشبت الحرب الأهلية عام 1975، لم يتأذَّ المصرفُ المركزيُّ بشدّة، بخلاف مؤسسات الدولة الأخرى، ولم ينحَز بشكل فاضح إلى الفصائل المتحاربة. وفي نهاية الحرب، عام 1990، برز المصرفيّون، وعلى رأسهم حاكمُ المصرف المركزيّ رياض سلامة، لتنصيب أنفسهم حرّاسًا لاستقرار الدولة. واليوم، بعد أكثر من ربع قرن، تمكّنوا من أن يحتكروا أسطورة تأسيس لبنان الاقتصاد الحرّ. لكنّ ثمّة «أرشيفًا» زاخرًا لم يستَفدْ منه، يروي قصّةً مختلفة. هذا الأرشيفُ يحتوي على برقيّاتٍ دبلوماسيّة أميركيّة وفرنسيّة، وتقارير وتعليمات لصندوق النقد الدولي، وتقارير سنويّة قديمة لمصرف لبنان، وجمعيّة مصارف لبنان، وأبحاثٍ غير منشورة لاقتصاديّين في الجامعة الأميركية في بيروت وتكنوقراطٍ في الدولة، وصحف ومجلّاتٍ محليّة وأجنبيّة، وقوانين ومراسيم في القطاع المصرفيّ المركزيّ والخاصّ، ويوميّاتٍ ونصوص سِيَر ساسةٍ ومصرفيّين لبنانيّين. وهذا التاريخُ البديل والمهمَّش رغم كلّ تلك الوثائق، بنزاعاته، وتناقضاته، وتسوياته، وأحداثه هو الذي يسعى هذا الكتاب إلى إحيائه.

العدد ٢٨-٢٩ - ٢٠٢٠

إضافة تعليق جديد

تهمّنا آراؤكم ونريدها أن تُغني موقعنا، لكن نطلب من القراء أن لا يتضمن التعليق قدحاً أو ذمّاً أو تشهيراً أو تجريحاً أو شتائم، وأن لا يحتوي على أية إشارات عنصرية أو طائفية أو مذهبية.