العدد ٢٨-٢٩ - ٢٠٢٠

يوسف السودا: الاستقلال أوّلاً!

محامٍ وصحافيّ وسياسي ودبلوماسي. وُلد يوسف السودا في بكفيّا العام ١٨٨٨ ودرس في مدرسة الحكمة وفي جامعة القدّيس يوسف (اليسوعيّة).

انتقل إلى مصرَ العام ١٩٠٩ وتخرّج من كليّة الحقوق في جامعة الإسكندريّة.

أسَّس «الاتحاد اللبناني» مع أنطون الجميّل وإسكندر عمّون، الحزب الجامع للنّخبة الملتقيةِ على المطالبة بـ«لبنان الكبير». رأَس السودا فرعَ الإسكندريّة ورأَس المهندس أوغست أديب فرع القاهرة. وكان للحزب فروعٌ في لبنان والمهجر وقد ضمّ مجموعةً متنوّعةً من السياسيّين والمثقّفين منهم بترو طراد، أيوب ثابت، بشارة الخوري وميشال شيحا، وغيرهم.

عارض «الاتحاد» ضمَّ جبل لبنان إلى السلطنة مطلعَ الحرب. وأسهم في الدعوة إلى زيادة عدد أعضاء مجلس إدارته، وانتخابِه مباشرةً بدورةٍ واحدة، وتوسيع صلاحيّاته الضريبيّة والماليّة وصولًا إلى المطالبة بانتخاب حاكمٍ لجبل لبنان من الأهالي. وخلال الحرب العالميّة الأولى طالب «الاتحاد» بحياد لبنان، وبالاستقلال «دون حمايةٍ أو ضَمّ» ودعا إلى «جمهوريّةٍ مستقلّة ديمقراطيّة متعدّدة الانتماءات الطائفيّة» (في سبيل الاستقلال، ٧٢ــــــ٧٣).

والسودا من أوّل دعاة «لبنان الكبير». طالب باستعادة لبنان «حدودَه الطبيعيّة والتاريخيّة» إلّا أنّ محاجّته كانت اقتصاديّةً بالدرجة الأولى: تأمين الاكتفاء الذاتيّ بضمّ سهل البقاع، اتّقاءً لتجدّد كوارث المجاعة، وحيازة الجبل لميناءٍ على المتوسّط، بعدما أحبطَت المصالحُ الاقتصاديّةُ الفرنسيّة والمحليّة لمرفأ بيروتَ محاولةً لفتْح ميناء جونيه للتجارة الدوليّة. وقد انطلق السودا من معادلةٍ تقول «لبنان الصغير موتٌ اقتصاديّ والاتحاد مع سورية موتٌ سياسيّ»، وكان جوابُه هو «لبنان الكبير» متعدّد الطوائف والذي يقيم العلاقاتِ مع سورية على أساس المصالح المشترَكة والاحترام المتبادَل لاستقلال البلدَين وسيادتهما.

تباينتْ مواقفُ أعضاء «الاتحاد» بعد الحرب وإعلان الانتداب. غادر أوغست باشا أديب ليتولّى رئاسةَ أوّلِ حكومةٍ شكّلها الجنرال غورو عقب إنشاء «لبنان الكبير» في ظلّ الانتداب. فاستقال من رئاسة الاتحاد وخلَفَه إسكندر عمّون الذي ما لبث أن انضم الى الأمير فيصل في دمشق وتولى تمثيل الحكومة العربية في واشنطن. في المقابل، عاد بشارة الخوري وميشال شيحا من القاهرة ليسهما في تأسيس «حزب الترقّي» العام ١٩٢١ وشعاره «الحفاظ على استقلال لبنان الكبير في ظل الانتداب الفرنسي» وقد ضم مناصري الانتداب من رجال اعمال وسياسيين وفي مقدمتهم اميل اده.

انفرد السودا بنزعته الاستقلالية غير المساومة. طرح موضوع الاستقلال اللبناني من منظار الحق في تقرير المصير. وطالب بالاستقلال المطلق «بلا حماية ولا ضمّ» ولكنْ بضمانة القوى الدوليّة. وعارض الانتدابَ الفرنسيَّ من منظارٍ نادرًا ما وَرَدَ في أدبيّات تلك الفترة معلناً أنّ «الاستعمار الفرنسيّ في لبنان سوف يفيد حفنةً من الرأسماليّين الاحتكاريّين الفرنسيّين وأقليّةً من طالبي الوظيفة بين اللبنانيّين» (في سبيل الاستقلال، ٢٠٤ــــــ٢٠٥).

شكّلَ العامُ ١٩٣٦ مطلعّ مرحلةٍ انتقاليّةٍ حاسمةٍ في حياة لبنان حفلتْ بالتطوّرات المتسارعة: مفاوضات الاستقلال لسورية ولبنان، انطلاقة التحرّكات الاجتماعيّة الجامعة ضدّ شركة «الريجي» واحتكار زراعة التبغ في جبيل والبترون وفي بنت جيبل وجبل عامل، الإضرابات ضدّ شركة الكهرباء والنقل. ومن أبرز التداعيات السياسيّةِ في تلك الفترة قيادةُ البطريرك عريضة لمعارضة شركة «الريجي» وانعقاد الصلة بين بكركي والمعارضة الوطنيّة السوريّة، والانشقاق الذي قاده رياض الصلح وابنا عمِّه كاظم وتقي الدين عن «مؤتمر الساحل» داعينَ إلى تجاوز جدل «الاتصال والانفصال» بين لبنان وسورية وإيلاء الأولويّة للنضال المشترك من أجل الاستقلال.

قابَلَ السودا هذا التطوّرَ بالمبادرة إلى طرح «ميثاقٍ وطنيٍّ» للتعايش بين اللبنانيّين العام ١٩٣٨ شاركه في صياغته والدعوة اليه تقيُّ الدين الصلح والمحامي نصري المعلوف. ويمكن اعتبار ذلك الميثاق المبكّر تأسيسًا للاتفاق اللاحق الذي انعقد بين بشارة الخوري ورياض الصلح العام ١٩٤٣. ومعروفٌ عن يوسف السودا أنّه أوّل مَن أطلق النداء إلى اللبنانيّين للتظاهر ضدّ اعتقال قادة الاستقلال في ١١ تشرين الثاني/نوفمبر ١٩٤٣.

بعد الاستقلال، مارس يوسف السودا العملَ الدبلوماسيَّ وشَغَلَ منصب وزيرٍ مفوَّضٍ في البرازيل (١٩٤٦ــــــ١٩٥٢) وفي الفاتيكان (١٩٥٣ــــــ١٩٥٥). وعُيّن وزيرًا للعدل والأشغال العامّة في الوزارة التي شكّلها رشيد كرامي عقب «ثورة» العام ١٩٥٨. وهي الحكومةُ التي لم تعِشْ لنيل الثقة أمامَ البرلمان وقد أعلن حزب الكتائب «الثورة المضادّة» عليها. احتجاجًا على مشاركته في تلك الحكومة، أحرق مسلّحو الحزب بيتَ السودا في بكفيّا.

تُوفي يوسف السودا في الأوّل من آب/أغسطس العام 1969. وله مؤلفاتٌ متنوّعة في القانون والسياسة والعلاقات العربيّة والتاريخ واللغة والاهتمام بالشباب، منها «المسألة اللبنانيّة»، ١٩١٠، «في سبيل لبنان» ١٩١٩، «بين القديم والحديث: بحث قانونيٌّ في نظام لبنان القديم ونظامه الحديث»، ١٩١٩، «تقرير عن الامتيازات الأجنبيّة»، بيروت، ١٩٢١، «لبنان وبروتوكول الإسكندريّة»، ١٩٤٤، «رسالة الى الشباب»، ١٩٥٦، «الأحرفيّة: دعوة لتبسيط اللغة العربيّة»، ١٩٦٠، «في سبيل الاستقلال»، ١٩٦٧، و«تاريخ لبنان الحضاري»، ١٩٧٢.

العدد ٢٨-٢٩ - ٢٠٢٠

إضافة تعليق جديد

تهمّنا آراؤكم ونريدها أن تُغني موقعنا، لكن نطلب من القراء أن لا يتضمن التعليق قدحاً أو ذمّاً أو تشهيراً أو تجريحاً أو شتائم، وأن لا يحتوي على أية إشارات عنصرية أو طائفية أو مذهبية.