العدد ٢٨-٢٩ - ٢٠٢٠

جميل المعلوف: الاتحاد العربي والعلمانيّة

يتميّز الصحافي والمفكر السياسيّ جميل المعلوف من ضمن أبناء جيله من الاستقلاليّين اللبنانيّين والعرب بدعوته إلى الاتحاد العربي، وعدم اقتصاره على الوحدة السوريّة، ونزْعته العلمانيّة الجذريّة، والنتيجة الفاجعة لاعتقاله في المجلس العرفيّ العثماني عام ١٩١٥.

ولد في زحلة في ١٥ شباط/ فبراير ١٨٧٩. والده إبراهيم المعلوف عضوُ مجلس إدارة جبل لبنان زمن المتصرّفية. أشقّاؤه جورج وميشال وفدعا وقيصر، وشقيقته عفيفة زوجةُ عيسى إسكندر المعلوف. درس في المدرسة الأسقفيّة ببلدته ثم في مدرسة «صليما للآباء الكبوشيّين» وبعدها في مدرسة «الحكمة» ببيروت. ومنها انتقل إلى «المدرسة السلطانيّة» حيث أتْقن اللغةَ التركيّة وحاز شهادةَ المكتب الرشيدي.

حزب «سورية الفتاة»

هاجر جميل المعلوف إلى الولايات المتّحدة عام ١٨٩٦ بطلبٍ من عمّه يوسف نعمان المعلوف صاحب جريدة «الأيّام» التي أصدرها عام ١٨٩٧، وهي أوّل جريدة عربية مصوّرة في المهجر الأميركي وأوّل منبرٍ صحافيٍّ هاجم الحميديّين وناصَرَ دعاة الدستور العثماني. وكان خليل غانم (١٨٥٧–١٩٠٣) مراسل «الأيّام» في باريس وقد اختير لاحقًا نائبًا في «مجلس المبعوثان العثماني».

في نيويورك أسّس جميل المعلوف جمعيّةً أدبيّة اسمُها «الحلقة الأدبيّة الأفغانيّة» نسبةً إلى جمال الدين الأفغاني. وفي عام ١٨٩٩ كانت له المبادرة في تأسيس جمعيّةٍ سرّية سُمّيت «سورية الفتاة» شاركه فيها عيسى الخوري ويوسف شديد أبي اللمع وشبل دمّوس (نائب زحلة لاحقًا في «لبنان الكبير»). وكان أعضاء المجموعة، مثلهم مثل كثيرٍ من دعاة اللامركزيّة العرب، قد خاب املُهم في الدستور العثماني، يخشَون من مساعي حركة «تركيّا الفتاة» تتريك العناصر المكوِّنة لجسم الدولة العثمانيّة وأن «يقود الظلمُ والاستبدادُ الأمّةَ العربيّة إلى الخضوع والخنوع». فخلَصوا إلى أنّه يترتّب على الشباب العربيّ المثقّف أن يكون له جمعيّةٌ مبدؤها الأساسيّ «سورية للسوريّين» تتولّى ربْط الأقطار العربيّة في وحدةٍ واحدة شريطةَ أن يكون لكلِّ قُطرٍ استقلالُه الداخليّ على غرار الولايات المتّحدة الأميركيّة.

أصدرت الجمعيّة منشورَها الأوّل مكلّلًا بالراية السوريّة: الأحمر فالأبيض فالبنفسجي في خطوطٍ مربّعة وفي وسطها نجمةٌ وعليها شعار «الحرّية أو الموت»1.

ووضع المؤسِّسون القانونَ الأساسيّ للجمعيّة ومن أهمّ بنوده:

  • السعي لاستقلال سورية بـ«حدودها الطبيعية»، من رأس العقبة إلى عريش مصر.
  • التفاهم مع باقي الأقطار العربيّة لإنشاء الاتحاد العربيّ.
  • فصل السلطة الدينيّة عن السلطة المدنيّة فصلًا تامًّا.
  • ضبْط جميع أملاك رجال الدين وتعيين هيئةٍ خاصّة تقوم باحتياجاتهم والانتفاع بما تبقّى من تلك الثروة الطائلة لإنشاء المشاريع العامّة كالمدارس الوطنيّة ودُور الكتب والمستشفيات ودُور العجّز وتوحيد طريقة التعليم في الأنحاء السوريّة كلّها.
  • الخدمة العسكريّة الإلزاميّة لأنّ الشعب الذي لا جنديّة له لا وطنيّة له.

يكتب يوسف إبراهيم يزبك بإعجابٍ عن طريقة عيش مجموعة «سورية الفتاة» المتقشّفة في فندقٍ من غرقتين يتقاسم أعضاؤها كلَّ شيء «على الطريقة الاشتراكيّة»، إلّا أنّه يعزو فشلَهم لكونهم لم يكونوا من صميم الأمّة العربيّة ولا هم على درايةٍ بكيفيّة بناء الأحزاب السرّيّة الحقيقيّة، حسب تعبيره.2

أثار الحزبُ ردود فعلٍ متناقضةً في صفوف الجاليات العربيّة في الخارج وأبناء الداخل. أيّده نجيب صوايا صاحبُ جريدة «الكون» ويوسف نعمان المعلوف في جريدة «الأيّام»، وعيسى ميخائيل الخوري، ونسيب شبلي، الذي يكتب في الصحف الأميركيّة والعضوُ في الحزب الجمهوريّ الأميركي. وفي القاهرة حظي الحزبُ بتأييد سليم سركيس الذي نشر بيانًا باسم أنصار الحزب في مصر، إلّا أنه ما لبث أن انقلب ضدّه على صفحات جريدة «المشير» في نيويورك، بعد أن صار مواليًا لـ«تركيا الفتاة». ومن مُعارضي «سورية الفتاة» فرح أنطون وزميلُه نعّوم مكرزل، لأسبابٍ ليست واضحة.

عام ١٩٠٨، التحَقَ جميل المعلوف بأخوته في البرازيل وعمل معهم في التجارة، لكنّه عاد إلى نيويورك ليتزوّج إليانور ماري لا مونتين، حفيدة حاكمٍ سابقٍ لكندا.3 وتنقّل بين البرازيل ولبنان وأمضى عامَي ١٩١٢–١٩١٣ في باريس حيث ترافق مع جبران خليل جبران وجرجي زيدان وخيرالله خيرالله وأمين الريحاني. وقد تبادل عددًا من الرسائل مع صاحب «النبي» باح فيها الأخيرُ للمعلوف بحبّه لميشلين ووصَفَ سهرةً حميميّةً عند شاعرةٍ أميركيّة.4 وانتخبتْه الجالية العربيّة في الاغتراب مندوبًا عنها إلى «المؤتمر العربي» عام ١٩١٣ فكان عضوًا في لجنته التحضيريّة مع شكري غانم وعبد الغني العريسي وندرة مطران وعوني عبد الهادي وجميل مرْدم بك وشارل دبّاس ومحمّد المحمصاني.

حكم الإعدام والإفراج والجنون

في آب/ أغسطس ١٩١٥ اعتُقل جميل المعلوف من ضمن حملة القمع والاعتقالات الواسعة التي شنّها جمال باشا على الاستقلاليّين العرب، وأصدر المجلسُ العرفيّ التركيّ الحكم عليه بالإعدام. لم يُعدَم وأطلق سراحُه عام ١٩١٧. تتفاوت الروايات حول الكيفيّة التي أُنقذ بها من حبل المشنقة. في روايةٍ لابن شقيقته الشاعر رياض المعلوف أنّ عيسى إسكندر المعلوف أبرز رسالةً من جميل يروي فيها عن اجتماعه في باريس بأحد المسؤولين الأتراك5 وأنّه علِمَ منه أنّ الدولة العثمانيّة قرّرت منح لبنان والبلاد العربيّة الاستقلال، فكتب إليه رسالةً يدعو فيها إلى الاعتدال في مناوأة الحكومة العثمانيّة. تقدَّم عيسى المعلوف بطلب الشهادة أمام المجلس الحربيّ وأبرزَ الرسالة فأنقذتْ جميلًا من الشنق.6 ويروي رياض المعلوف أنّ خاله لمّا أدرك أنّه سوف يُشنق كتب قصيدةً سلّمها إلى أحد أصدقائه ليسلّمها إلى أهله في حال استشهاده وختَمَها بهذه الأبيات:

شئنا النعيمَ لكم وما شئتم لنا إلّا النقم
إن تعدموا أجسادَنا فنفوسُنا فوق العدم
رأس الغشوم وإنْ علا ستدوس علياه القدم
شتانَ بين المخْلصين وبين من خانوا العلَم7

وفي روايةٍ أخرى يوردها صقر أبو فخر، دون ذكر مصدرها، أنّه أخليَ سبيل جميل المعلوف بسبب إصابته بمرضٍ عصبيّ جرّاء التعذيب في السجن.8

مهما يكن من أمر، أودِع جميل المعلوف عند إطلاق سراحه في مصحّ الأمراض العصبيّة في العصفوريّة وأطبق عليه الصمت إلى حين إعلان وفاته في ٣٠ كانون الأوّل/ ديسمبر عام ١٩٥١ عن ٧٢ سنة. القليل الذي نعرفه عنه خلال تلك السنوات أنّ زوجته الكنديّة بقيتْ في لبنانَ ولازمَت ابنتها الوحيدةَ سلمى التي تزوّجتْ من طبيبٍ سوريّ من آل المعلوف ورُزقا ولدًا سُمّي جميل على اسم جدّه.

«المسألة الشرقية» و«المسألة الأوروبية»

كان المعلوف يجيد التركيّة والفرنسيّة والإنكليزيّة والإسبانيّة. له عدّة أعمال تعريبٍ، منها «الدستور العثماني» و«قانون الصحافة العثمانيّة»، ١٩٠٩، «العقد الاجتماعي» لجان جاك روسّو، و«حكم نابليون الأوّل»، ١٩٢٧. من مولفاته «تركيّا الجديدة وحقوق الإنسان»، (١٩٠٨) «وصيّة فؤاد باشا»، (١٩٠١ و١٩٠٨) و«دولة المرأة». نشر مسلسلًا في مجلة «الآثار» ابتداءً من العام ١٩٢٧ أو ١٩١١/ راجع مجلة الآثار ١٩١١، من مقالاته «الأتراك والفنون الجميلة»، «لجنة التاريخ العثماني» ١٩٢٧، ومن المخطوطات: «المسألة اللبنانيّة قبل سنة الستّين»، «أبناء عمّنا الأتراك» في ثلاثة أجزاء، «الحرّيّة أم المدفع»، «تاريخ تركيّا الحديث»، إلخ.

جميل المعلوف مفكرٌ سياسي ومصلحٌ اجتماعي. جمَعَ بين تقليد الثورة الفرنسيّة والفكر الدستوري الأميركي. وللأسف، إنّ ما نملكه من نتاجه يكاد يتلخّص بكتابه «تركيا وحقوق الإنسان».

كان المعلوف يكتب في حقبةٍ انتشرتْ فيها الحوارات والسجالات بين المثقّفين العرب والأتراك عن «التفرنج» في فوائده ومضارّه: في الملبس (الطربوش أو القبّعة الفرنجيّة؟) أو العادات أو الفكر أو اللغة أو النظم السياسيّة والاجتماعيّة، إلخ. أسهَمَ المعلوف في النقاش بأنْ قلَبَ معادلة «المسألة الشرقية» رأسًا على عقب. نفى وجودَ مسألةٍ شرقيّة بل هناك «مسألة أوروبيّة»، وخَلاص الشرق يتوقّف على تفهّم التغييرات العظيمة التي حصلتْ في أوروبا وأميركا منذ مائتي عام، بما فيها من تطوّراتٍ سياسيّةٍ واجتماعيّة وضعت حدًّا فاصلًا بين حياة العصور الغابرة وحياة العصر. فالعبرة في «المسألة الشرقيّة» هي بالزمان لا بالمكان.

يجاهر المعلوفُ بالدعوة إلى التفرنج والاقتباس. ومحاجّتُه أنّ التفرنج ليس ملْك الفرنجة بل ملك العالم بأسره وهو مُلكٌ للشرقيّين خصوصًا لأنّ «الغربيّين قد بنَوا مدنيّتهم الحاضرةَ على مدنيّة الشرق السابقة» (تركيّا الجديدة، ٣٥).

لكنّ التفرنج الفكريّ والثقافيّ يقف بالنسبة إليه عند حدود التفرنج السياسيّ. فهو داعيةُ تحرّرٍ من الاتفاقات العثمانيّة مع أوروبا معلنًا أنّ «تآمر الأوروبيّين على العثمانيّين هو ظلمٌ واختلاس» ويمثّل على ذلك بعدم التكافوء في العلاقات بالنسبة للمعاهدات والامتيازات والرسوم الجمركيّة، وسواها.

الدستور العثمانيّ وحقوق الإنسان

استبشر المعلوفُ بأنّ انقلاب «تركيّا الفتاة» يضع العثمانيّين على أبواب ثورة، وبأنّ الحريّة قد أهلّت ولا أنصاف حلولٍ معها. وهو ما يؤكد أنّ اصلاح الشرق ليس مستحيلًا وأنّ حقوق الإنسان ستنتصرُ فيه كما انتصرتْ في «مدينة الباستيل». حتى إنّه توسّم في الانقلاب العثمانيّ فرصةً لاستقلال سورية وسائر البلدان العربيّة. مع أنّ أمَلَه في ذلك سيخيب سريعًا. ومهما يكن، فقد طالَبَ المعلوف بثورةٍ تستبدل المبادئ لا مجرد الأشخاص.

تأثّر جميل المعلوف في مقاربته للدستور العثمانيّ الذي صدر عام ١٨٧٦ واستُعيد عام ١٩٠٨، بفكر طوماس پاين (١٧٣٧–١٨٠٩) المفكّر السياسيّ الذي سُمّي أبا الثورة الأميركيّة وداعيةَ حقوق الإنسان والديمقراطيّة الجذريّة. وانطلق في بحثه الدستوريّ من مقولة پاين «الحكومة بلا قانون أساسيّ هي قوّة بلا حقّ». والمعلوف داعيةُ قوّة الحقّ في مواجهة القوّة. لكنّه في نقده استخدامَ القوّة يبدو كأنّه يتحدّث عن النزاعات اللبنانيّة عندما يقول إنّ استخدام القوّة العسكريّة للمحافظة على الكيان يؤدّي إلى «فناء الكيان في الحروب الأهليّة، فما هي فائدة الفلّاح المستكين من ترْك أرضه وأعمال زراعته من أجل مقاتلة رفيقه أو جاره؟»(١٧).

مأخذُه الأوّل على الدستور العثمانيّ أنّه صدَرَ استجابةً لضغوط القوى الأوروبيّة لا استجابةً لإرادة الشعب، إذ يجب أنْ يصدر عن الشعب لتكون له قوّةُ الحقّ (٦٧). لكنّه يعترف للقانون الأساسيّ بإنجازَين: حرّيّة الصحافة ومجلس الأمّة. ويقترح استبدال اسم «مجلس المبعوثان» بمجلس الأمّة أو مجلس النواب. ويدعو إلى فصْل هذا الأخير فصلًا تامًّا عن الحكومة باعتبار أنّه مُلك الشعب، أو بعبارة أكثر حداثةً: دعا إلى فصْل السلطة التشريعيّة عن السلطة التنفيذيّة

لكنّه يرى إلى الدستور على أنّه يظلّ محكومًا بمنطق القوّة على حساب الحقّ، ما دامَ أنّه لم يعلن المساواة الصريحةَ بين العثمانيّين وما زال يُعطي السلطانَ غيرَ المسؤول سلطاتٍ غيرَ محدودةٍ لنقض كل ما يَصدر عن المجلس التشريعيّ «مجلس المبعوثان» وهذا ما يُزيل الفوارقَ بين الحكومة النيابيّة والحكومة الاستبداديّة المطلَقة.

ينتقد المعلوفُ «الدينَ في الدولة» لأنّه يجعل الدولةَ مسؤولةً أمام الله لا أمام الشعب. ومع أنّه يسلّم بأنْ يكون للحكومة دينٌ خاصٌّ بها، إلّا أنّه لا يجوز التسليمُ بتديّن مجلس الأمّة لأنّه «ليس صنيعَ الحكومة وإنّما صنيعُ الشعب».

علمانيّةٌ جذريّة

تزيد حدّة المعلوف تجاه ربْط كلّ شيءٍ بالدين في الشرق. بل يعلن أنّ كلّ بؤس الشرق ناجمٌ عن الأديان. ويلاحظ العلاقةَ الوثيقةَ بين المؤسّسات الدينيّة وأنظمةِ الاستبداد والتأخّر: «إنّ كل بلادٍ ظالمةٍ مستبدّة وخاملة كان الدين فيها إلى جانب العرش». فيخلصُ إلى ضرورة فصْل الدين عن الدولة: «إنّني أعتقد بأنّ جعْل الحكومات كلّها عالميّةً محضةً هو الأضمن لتقدّمها في هذا العصر». وهو ينسب العلمانيّة إلى العالم (العَلْم)، وليس إلى العِلم، على عكس الشائع. من هنا تمييزُه بين عالمين: الدنيويّ والأخرويّ، ذلك أنّ «الديانة هي علاقة بين الإنسان وخالقه فيما يختصّ بالعالم الثاني».

يعزو المعلوفُ احتماءَ الأقليّات الدينيّة العثمانيّة بأوروبا إلى عدم المساواة في الحقوق والواجبات، وإلى غلَبَة الإدارة الدينيّة على الإدارة السياسيّة. لكنّه يحذّر من أنّ علاقة المسيحيّين الدينيّة بالأمم الأوروبيّة «لم تدفعْ عنهم قطُّ عار الانتساب إلى حكومةً استبداديّة منحطّةٍ ولا قدروا هم على أن يتبرّأوا منها» (٩٥). في المقابل، تتلخّص دعوتُه في أنْ تتقدّم «ديانة الوطنيّة» على كل «ديانة» أخرى. وفي هذا السياق، يختم بمعادلةٍ ليست تشكو من القوّة والصدم فيقول إنّه لو أراد أن يختار لأبناء وطنه بين الكفر والتعصّب لاختار الأوّل «لأنّه به يتوحّد مبدؤهم فيكسبون الدنيا على الأقلّ، بينما في الثاني يمزّق شمْلَهم ويقعون في أذيّة بعضهم البعضَ فيجْنون على أنفسهم وعلى الباري تعالى ويخسرون بذلك الدنيا والآخرة» (٩٨).

الإصلاح الاجتماعيّ

يقدّم المعلوف نفسَه بما هو مصلحٌ اجتماعيّ: «كل إصلاحٍ سياسيٍّ ومدنيٍّ لا يُدعَم بالإصلاح الاجتماعي هو بناءٌ بلا أساسٍ وعملٌ وهميٌّ مجرّد عن الحقيقة».

ينطلق في كتاباته عن مسألة المرأة من المقولة السائدة لدى الجيل الثاني من النهضويّين التي تقول إنّ لا نهضة للشرق إلّا بتحرّر المرأة الشرقيّة والتركيز على أهمّيّة تعليم المرأة بسبب دَورها في تربية الأجيال الجديدة.

ولا يتردّد المعلوف في نقد تحجّب المرأة وتعدّد الزوجات على أنّه يخالف العصر و«يحجُبُ عن المرأة نُور العلم والمعرفة ويحرم الأمّة نصف قوّتها» فيقول «لو قُدّر لي أنْ أولد مسلمًا لكنت أفني الحياةَ في مقاومة أسْر المرأة» (٤٠).

ويتميّز موقفه من المرأة بتلك اللمسة الشخصيّة في الرابط الذي يقيْمه بين الحب والمساواة: «فأيّ حب حقيقيّ نقْدر أن نتوقّعه في عائلةٍ غيرِ مبنيّةٍ على المساواة والحاسّات [جمع حاسة] المتبادلة بين الزوجين؟».

ويوْلي المعلوف، مثلُه مثلُ أبناء جيله، أهمّيّةً كبرى للتعليم في صلَته بالتقدّم. ومبدؤه تعليمٌ حرٌّ وإجباريٌّ وموحّد. لكنّه منحازٌ إلى التعليم الرسميّ، فيدعو إلى تحديث المدارس الرسميّة. غيرَ أنّه يعتبر أنّ لا فائدةَ من إصلاح المدارس الأجنبيّة وأساسها المدارس الإكليركيّة بل ينبغي «هدمُها قطعًا وطَرْد أصحابها». ويدعو الشعب العثمانيَّ إلى الثورة ضدّها مثلما قامتْ ثوراتٌ ضدّها في البلدان المتقدّمة.

  • 1. راجع سلسلة المقالات التي كتبها المؤرّخ يوسف إبراهيم يزبك عن الجمعية وعن جميل المعلوف في «صفحة من البعث العربي» الطريق، المجلد الأول، الجزء الخامس، في ٦ شباط/ فبراير؛ والجزء الرابع في ٢٠ شباط/ فبراير؛ والجزء السادس في ٢٦ آذار/مارس، والجزء الحادي عشر في ٣٠ حزيران/يونيو ١٩٤٢، وأفرد يزبك مقالة خاصة بالمعلوف بعنوان «جميل معلوف، مؤسس حزب «سوريا الفتاة»»، الطريق، المجلد الأوّل، الجزء الثامن، في ٣٠ نيسان/أبريل ١٩٤٢.
  • 2. يزبك، الطريق، الجزء الخامس، المجلد الأوّل، ٦ شباط/ فبراير ١٩٤٢.
  • 3. رياض المعلوف، «في ذكرى الشهداء الأبرار. جميل المعلوف الشهيد الذي أنقذتْه رسالة من الإعدام»، جريدة الجريدة، بيروت ٦/٥/١٩٦٤.
  • 4. توجد ثلاث رسائل من جبران إلى المعلوف بين ١٩٠٦ و١٩١٣ ضمن محفوظات ابن شقيقته فوزي المعلوف نشَرَها أخوه شفيق في مجلّة «العصبة الأندلسيّة».
  • 5. الراجح أنّ المسؤول التركيّ المذكور هو الأمير محمد صباح الدين، (١٨٧٩–١٩٤٨) ابن أخت السلطان عبد الحميد، الذي كان عضوًا في «تركيّا الفتاة» وداعية قيام دولةٍ ديمقراطية في تركيا، وقد اضطُهد ونُفي في عهد الاتحاديّين كما في عهد الجمهوريّة. ومعروف بأنه أبو علم الاجتماع التركيّ.
  • 6. رياض المعلوف، «في ذكرى الشهداء الأبرار. جميل المعلوف الشهيد الذي أنقذته رسالة من الإعدام»، جريدة الجريدة، بيروت ٦/٥/١٩٦٤.
  • 7. رياض المعلوف، شعراء المعالفة، ١٩٦٢.
  • 8. صقر أبو فخر، «مجانين وملاعين وأشرار»، السفير ٤/٩/١٩٩٦.
العدد ٢٨-٢٩ - ٢٠٢٠

إضافة تعليق جديد

تهمّنا آراؤكم ونريدها أن تُغني موقعنا، لكن نطلب من القراء أن لا يتضمن التعليق قدحاً أو ذمّاً أو تشهيراً أو تجريحاً أو شتائم، وأن لا يحتوي على أية إشارات عنصرية أو طائفية أو مذهبية.