ولد خيرالله خيرالله عام ١٨٨٢ لدى أسرةٍ من تجّار الحرير في قرية جران بالبترون–جبل لبنان. درَسَ في مدرسة عين طورة للآباء العازارييّن. كان معدًّا للدخول في السلك الكنسيّ، فأرسله البطريرك الياس الحويّك عام ١٩٠١ لمتابعة دراسته العليا في اللاهوت في لييج، ببلجيكا. إلّا أنه عاد بعد ثلاث سنوات معتذرًا عن إتمام الدراسة لأنّها تتعارض مع «طموحي الوحيد... أنّ أكون مفيدًا لشعبي» على حدّ قوله، فكرّس حياتَه للتدريس والصحافة.
غادر خيرالله إلى باريس عام ١٩١١ حيث عمل في جريدة Le Temps وعلى صفحاتها دافَعَ عن تحرر الشعوب العربيّة من السلطنة العثمانيّة. أسّسَ مع الأديب والمسرحيّ شكري غانم «اللجنة اللبنانيّة» التي طالبتْ باستقلال لبنان وإعادته إلى حدوده «الطبيعيّة والتاريخية» في إطار سوريةَ مستقلةٍ. لكنّه كان حينها من دعاة الحماية الفرنسيّة لسورية ولبنان.
شارك خيرالله خيرالله بالمؤتمر العربيّ في باريس عام ١٩١٣. وعند اندلاع الحرب العالميّة الأولى تطوّع في الجيش الفرنسيّ لكنّه سُرّح من الخدمة بسبب اعتلال صحّته. وفي العام ١٩١٥، أصدر المجلسُ العرفيّ حكمًا غيابيًّا عليه بالإعدام بسبب كتاباته ومواقفه الصحافيّة.
ابتداءً من العام ١٩١٨، تحوّل خيرالله خيرالله من طالبٍ للحماية الفرنسيّة إلى داعيةِ لـ«لبنانَ الكبير» يبنيه المسيحيّون بالتعاون مع المسلمين. وكان يرى إلى أنّ الاستقلال اللبنانيَّ يتحقّق مع العرب وليس ضدّهم، بالتكامل والتضامن مع استقلال سورية وسائر البلدان العربيّة، «إخوتنا في الجنس واللغة». في العام ١٩١٩، انتخبتْه جالياتُ الاغتراب اللبنانيّ لتمثيلها في مؤتمر الصلح بباريس لكنّه مُنع من المشاركة لأنّ القوى الحليفةَ عَيّنت الأميرَ فيصل المتكلم الأوحدَ باسم جميع العرب.
خسر خيرالله عمَلَه في Le Temps بسبب معارضته الانتدابَ الفرنسيّ على سورية. لكنّه عاد إليها عام ١٩٢٠ ونظّمَ حملةً من أجل إطلاق سراح منفيّي كورسيكا من أعضاء مجلس إدارة متصرّفية جبل لبنان وزارهم في منفاهم.1
خلال الانتداب، نشط خيرالله في «الجبهة الشعبيّة»، التحالف السياسيّ الذي ضمَّ شخصياتٍ من الطبقة الوسطى الصاعدة في كسروان وجبيل والبترون ضدّ أسَر المقاطعجيّين السابقين والذين سمّاهم خيرالله «الزعامات البالية». ترشّح باسم الجبهة في البترون في انتخابات العام ١٩٢٥ لكنّه سقط بفارقٍ بسيطٍ في الأصوات. بعدها، تخلّى عن النشاط السياسيّ وعاد إلى العمل الصحفيّ في فرنسا.
توفّي خيرالله خيرالله عام ١٩٣٠ بحادث سيّارةٍ في تونسَ خلال مهمّة صحفيّةٍ لجريدة «الأهرام» القاهريّة.
لبنان الكبير واقتصادٌ إنتاجي
وخيرالله خيرالله هو أوّلًا داعيةُ توسيع حدود لبنانَ المتصرّفية الذي يَضيق بسكّانه ويهجرهم. يدعو، وقد تأثّر مثلُ مجايليه بنكبات المجاعة، إلى اقتصادٍ يعيد الاعتبار إلى الزراعة، وزراعة القمح خصوصًا، وتشجيع الصناعة وحمايتها من المنافسة.
يرى إلى اللغة العربيّة والتراث بصفتهما الجامعَ الأكبر للعرب ولا يتناسى المصالح المشتركة، والحاجاتِ اليوميّة بما هي قواعدُ الوحدة الوطنيّة.
في كتابه «سورية» (١٩١٢) يستعرض خيرالله مختلف أوجهِ الحياة الفكريّة والاجتماعيّة في سورية. كتب عن جبران خليل جبران في «الأرواح المتمرّدة»، وعن أمين الريحاني، في تمجيده قيمةَ العمل، والعاملين بالأرض، ووصف كلامه بأنه «اشتراكي». وتعهّد خيرالله من جهته بأن يبقى دومًا «من هذا الشعب»، الشعب المستغل والمقموع، (سورية،١٢٣) انتقد التمييزَ الطبقيَّ مع فرح أنطون: حيث «الشعب المرذول والمستغَلّ يئنّ تحت وطأة الطغيان الاجتماعيّ» وشاركه رؤياه لـ«أورشليم الجديدة» في عالمٍ توحَّدَ وطبقةٍ عاملةٍ تحرّرَتْ بفضل حقّ الاقتراع العامّ و«مجيء ملكوت المساواة الحقيقيّة» (سورية، ١٠٦) ودان التعصّبَ الدينيَّ بصفته العقبةَ الأولى في وجه الوحدة الوطنيّة والقوميّة واستشهَدَ بدعوة جميل المعلوف العلمانيّة الجذريّة ونَقده الدستورَ العثمانيّ الذي استجاب لضغوط القوى الغربيّة ولم يكن «نابعًا من إرادة الشعب» (سورية، ١٢٧).
وأفرد خيرالله فسحةً كبيرةً للتعريف بقضيّة المرأة في صحافتها وشخصيّاتها، مؤكدًا على الشعار المشترك لنهضويّي تلك الحقبة: إنّ نهضة الشرق بنهضة المرأة. وأَولى التعليمَ أهمّيّةً خاصّة، وقد خَصّص له كتابًا بذاته، ومن منظورِ ربط النظام التعليميّ بالوحدة الوطنيّة والاقتصاد الإنتاجي، دعا إلى توحيد المناهج وإلى نظامٍ تعليميٍّ ينسجم مع حاجات البلد الاقتصاديّة والصناعيّة، و«يحترم فرديّتَها وشخصيّتها المميّزة» (سورية، ١٤٣).
الاشتراكية
خيرالله من أوائل الاشتراكيّين في لبنان والمنطقة. شارك في الأوّل من أيّار/ مايو ١٩٠٧ في إحياء «حفلةٍ اشتراكيّةٍ» جمعتْ ثلاثين شابًّا على شاطئٍ معروف في الضبيّة، على ساحل جبل لبنان. عقد الشبابُ الكوفيّاتِ الحمراء وألقيَت الخُطَب واتفقوا على زرع شجرة مكرّسة للحرّية. بسبب ملاحقة رجال الأمن، اضطرّ ثلاثة من منظّمي الحفلة إلى مغادرة البلاد. وسوف يذكر خيرالله هذا الاحتفالَ المبكرَ بالأوّل من أيّار/ مايو في خطابه في الاحتفال بعيد العمّال الذي أقامه «حزب الشعب اللبناني» عام ١٩٢٥ في «سينما كريستال» ببيروت، وهو الذي كان يُعتبر أوّلَ احتفالٍ بتلك المناسبة.
ويروي خيرالله مناسبةً أخرى تتعلّق بالاشتراكيّة هي المسرحيّة التي عُرضت في بيروت احتجاجًا على إعدام المناضل الفوضويّ الإسبانيّ فرنسيسكو فيرير. وفيرير سائقُ قطارِ سكّة حديد ومناضلٌ فوضويٌّ في برشلونة، نُفي إلى فرنسا بسبب نشاطه السياسيّ حيث اهتمّ بموضوع التعليم. وعند عودته إلى مدينته، أسّسَ مدرسةً حرّة أراد لها أن تجمع بين عقلانيّة القرن الثامن عشر ورومنطيقيّة القرن التاسع عشر. يتحاشى المنهجُ التعليميُّ الجديدُ التلقينَ وتقديرَ أداء الطلاب بناءً على العلامات أو الامتحانات. ومع أنّ الكنيسة الكاثوليكيّة، المهيمِنة على التعليم، ناصبت المدرسة الجديدةَ العداء، انتشرتْ في كل أنحاء إسبانيا مدارسُ تأسّستْ على شاكلتها بلغَ عددُها ١٢٠ مدرسةً في غضون سنوات. اعتُقل فيرير في انتفاضةٍ عمّاليّة ببرشلونة أواسط العام ١٩٠٩ وأُعدم، وقد أثار إعدامُه موجةَ استنكارٍ عالميةً وصلتْ أصداؤها إلى المشرق العربيّ. وبعد ثلاثة أيّامٍ من شيوع نبأ الإعدام، عُرضتْ في بيروتَ مسرحيّةٌ عنه كتبَها داود مجاعص ومثّل فيها الشاب عزيز عيد دورَ المناضل الفوضويّ. سيق أعضاءُ الفرقة المسرحيّة إلى المحاكمة لكنّهم بُرّئوا (سورية، ١١٠).
ولم يقتصر اهتمامُ خيرالله بالاشتراكيّة على الالتزام الفكريّ. أسَّس «الحزب الاشتراكي العربي» أو «الفرع العربي من الأمميّة الاشتراكيّة». نعرف مِن شركائه فيه مسعود يونس وإبراهيم نجّار والنحّات يوسف الحويّك، ومن مَطالبه الضمانات الاجتماعية للعمّال وتأسيس صناديق التقاعد. وقد التقى ممثّلون عن الحزب الاشتراكي العربي وعن الحزب الاشتراكي المصري وأعلنوا تأسيسَ «التحالف الاشتراكي الشرقي» وانتُخب خيرالله أمينًا عامًّا له. بتلك الصفة، أرسل خيرالله مذكرةً إلى الأمين العام لعصبة الأمم يطالب فيها بتطبيق حقّ تقرير المصير في بغدادَ ودمشقَ وبيروت. ولسنا نعرف الموقفَ الذي اتخذه الحزبُ من إعلان بلفور. ومن المؤسف أنّنا لا ندري الكثيرَ عن الحزبَين المذكورَين ولا عن التحالف المشرقيّ ومصيره.
مراجع:
Khairallah Khairallah, La question sociale
et scolaire en Syrie, 1908.
La Syrie, 1912. Les régions arabes libérées, 1919.
Samir Khairallah, Khairallah Tannous Khairallah (1883_1930): La France, le Liban et la question arabe de l’Empire Ottoman, 2014.
- 1. راجع رواية اعتقال أعضاء مجلس الإدارة في مادّتي سليمان كنعان وعارف النعماني
إضافة تعليق جديد
تهمّنا آراؤكم ونريدها أن تُغني موقعنا، لكن نطلب من القراء أن لا يتضمن التعليق قدحاً أو ذمّاً أو تشهيراً أو تجريحاً أو شتائم، وأن لا يحتوي على أية إشارات عنصرية أو طائفية أو مذهبية.