(الأوّل من أيلول/ سبتمبر، ١٩٢٠)
(النصّ الكامل مترجَمًا عن الفرنسية)
قلتُ لكم في لحظةٍ حاسمة لبضعة أسابيع خلَت «إنّ اليوم الذي أمل بقدومه آباؤكم عبثًا، والذي سوف يشرق عليكم، أنتم الأسعد حظًّا، يقترب». إن ذلك اليوم، قد أزفّ!
أمام الشعب المتجمّع كلّه، الشعب من كافة المناطق التي يشرف عليها جبلُ لبنان، وكانت متجاورة في السابق، وها هي موحّدة من الآن فصاعدًا في وطنٍ قويّ بماضيه، كبير بمستقبله؛
في حضور السلطات اللبنانية، أبناء أعرق الأسَر، والقادة الروحيّين من كافة الطوائف والمذاهب، وعلى رأسهم بطريرك لبنان الكبير الذي أحيّيه بإجلال، وقد قدِم من جَبَله لإحياء هذا اليوم المجيد الذي يكرّس نضالات حياته، ويؤسفني أن لا أشاهد بينهم مندوبيكم إلى باريس، الذين كان دورُهم بالغَ الفائدة في دوائر الحكومة الفرنسيّة؛
بمساعدة ممثلي القوى التي خاضتْ، كلها تقريبًا، النضال الطويل إلى جانبنا من أجل الحقّ والحرية،
و[بحضور] ممثلي فرنسا، الذين يسعدني أن أحيّي بينهم الأميرال دُ بون، آمر «أسطول الشرق»؛
عند سفح هذه الجبال المهيبة التي صنعت قوّة بلدكم، لتبقى الحصن الحصين الذي يذود عن إيمانه وحريّته؛
وعند شاطئ هذا البحر الأسطوري، الذي شاهد سفن فينيقيا مثلّثة الأضلاع وسفن الإغريق وروما، التي أقلّت آباءكم المتسامين روحًا، المتمرّسين في التجارة والبلاغة،
أحمل إليكم، في عودة سعيدة، عربون صداقة عظيمة وعريقة ومنافع «السلم الفرنسي»؛
أمام جميع هؤلاء الشهود على آمالكم، وعلى نضالاتكم وانتصاركم، وإذ أشارككم فرحكم وفخركم، أعلنُ رسميًّا [إنشاء] لبنان الكبير، وأحيّيه باسم حكومة الجمهورية الفرنسيّة، في عظمته وقوّته، من النهر الكبير إلى أبواب فلسطين وقمم جبال لبنان الشرقية.
إنه لبنان بجبله حيث يخفق قلب البلد الحارّ.
مع البقاع الخصيب، الذي كرّس يومُ زحلة الذي لا ينسى في وحدته التعويضيّة،
مع بيروت، المرفأ الرئيس للدولة الجديدة، ومركز حكومته، المتمتّعة بحكمٍ ذاتيٍّ محلّي واسع، وبحصّةٍ في الموازنة وبمجلسٍ بلديٍّ واسع الصلاحيات، ومتصلة مباشرة بأعلى سلطة في الدولة،
مع طرابلس، المزوّدة هي أيضًا بحكم ذاتي إداريٍّ ومالي، بما فيها ضاحيتُها المسلمة،
مع صيدا وصور، صاحبتَي الماضي العريق، اللتين سوف تجدّدان شبابهما من خلال الاتحاد مع وطنٍ كبير،
هذا هو الوطن الذي احتفلتم به للتوّ.
قبل تعيين حدوده، استشرتُ المجموعات السكّانية وأستطيع القول، إخلاصًا لالتزامات فرنسا، وللمبادئ التي تلهم «جمعيّة الأمم»، لم يكن لي من قاعدة غير تلبية الأماني التي عبّرت عنها المجموعات السكانية بحرية وخدمة مصالحهم المشروعة.
مهما يكن، كل فعل إنسانيّ قابل للكمال، وإذا تكشّف هذا الفعل الذي ينفتح مستقبله اليوم عن ثغرات ونقاط ضعف، فإنّ فرنسا، التي سهرت على ولادته، والتي ستواصل الإحاطة به برعايتها في المستقبل، لن تتردّد، وفاءً لحبها واحترامها للحرية، في أن تقترح عليكم أن تعالجوها.
لكنكم أدرى من أن تستسلموا للنقد العقيم، في الساعة التي تُعرض عليكم مهمّة جسيمة وبديعة، هي مهمّةُ أن تمنحوا بلدَكم الجديد الحياةَ والأمنَ والازدهار بالتعاون من فرنسا.
الحياة التي سوف تخلق روح وطن عظيم ونفحة الإلهام التي تبني الأمم القويّة وتمنحها أبناء جديرين بخدمتها والدفاع عنها.
النظام، في ظل الأمن الذي توفّره القوّات النظامية الذي سبق أن طالب أبناؤكم البَواسل أن يخدموا في صفوفها، والتي سوف تتضخّم في الغد بانضمام جميع المتطوّعين إلى صفوفها يحْدوهم إيمانهم الوطني. إنه النظام، الذي وحده يسمح بقيام إدارةٍ حكيمة وعادلة وكريمة.
الازدهار، أخيرًا. ها هو هذا البلد الجميل يستيقظ. حرًّا، وقد أفلت من الأيدي الثقيلة التي رزحت عليه طوال قرون من الزمن، وسوف يستطيع الانصراف إلى تنمية الصفات المميّزة التي طالما ذهبتم وراء البحار، أنتم وآباؤكم.
سوف تتخلّون عما يُعتبر من الآن فصاعدًا خيانةً بحقّ الوطن، وتنكبّون بتصميمٍ للعمل في بلدكم ذاته.
وفرنسا الراعية، التي بوسعها أن تتلقّى الدروس من تجّاركم، سوف تمنحكم مساعدة صناعاتها، ورؤوس أموالها، ووسائط نقلها، وتجهيزاتها الاقتصاديّة القويّة ومستشاريها.
أيّها السادة، سوف أخون الثقة التي منحتموني إيّاها والتي بها أفتخر، إن لم أضفْ، في حضرة شعب حرّ يريد أن يصير شعبًا عظيمًا، إنه يترتّب عليكم واجبات لتنفيذها.
أوّلها والأقدس: الوحدة، التي سوف تصنع عظمتكم، مثلما المنافسة بين الأعراق والأديان صنعت ضعفَكم.
لقد نشأ لبنان الكبير لصالح الجميع. لم ينشأ ضدّ أحد. بما هو وحدة سياسيّة وإداريّة، لا يتضمّن من الانقسامات الدينيّة إلا تلك التي توجّه ضميرَ كل واحد منكم نحو معتقدات وممارسات يعتبرها واجباتٍ دينيّة تحتفظ، بما هي كذلك، بحق الاحترام من الجميع.
وأودّ أن أسوق برهانًا على تلك الوحدة وعربونًا عليها، الاندفاع الذي حمل إلى جانبي رؤساء وممثّلي جميع الأديان وجميع الطوائف في اتحاد وطنيّ مؤثّر.
لا تنسوا أيضًا أنه يتعيّن عليكم أن تستعدّوا لبذل تضحيات حقيقيّة من أجل وطنكم الجديد. والوطن لا يُبنى إلا بامّحاء الفردية أمام المصلحة العامة التي يحكمها الإيمان بالمصائر القوميّة.
تتدفّق من كل الجهات الشهادات التي تعبّر لي عن روح التضحية هذا. ألم يقل لي العديد من أبناء جلدتكم: «إننا مستعّدون من الآن فصاعدًا أن نضحّي بامتيازاتنا. لأن هذه الامتيازات كانت ضمانة والمرء لا يطلب ضمانة إلا أمام أعداء. والحال أن فرنسا بيننا؛ ونحن نعرف تقاليدها النزيهة والكريمة، وندرك أنّ مستشاريها سوف يسهرون على أن أموال الضرائب التي سوف تملأ خزائننا لن تستخدم إلا لصالحنا نحن.
«لعلّ تلك الأموالَ خدمت في إثراء سيّدٍ مكروه في زمن مضى؛ لكنّها لن تستطيع إلا أن تضمن لنا، وبوسائلنا الخاصة، كرامةَ العيش الضرورية لدولة جديرة بحمل اسمها».
«إن الضرائب التي ندفعها لن تفيد إلا وطنَنَا ذاتَه من الآن فصاعدًا. وسوف تكون البذار الخصبة التي سوف تنبِت موسمَ الثروة، وذلك الموسم هو موسمنا نحن».
أيّها السادة، إن هذا الكلمات تشرّف الذين تفوّهوا بها، مثلما تشرّف الشعب العظيم الذي ينتمون إليه.
إنّ الواجب الأول على المستشارين، الذين سوف يكونون بمثابة الأدلّة لكم، هو السهر على أن توزّع الأعباء على كلٍّ حسب طاقته.
وإذا كان دور المستشارين يبدو ضروريًّا اليوم، أتوقّع في مستقبلٍ يتوقّف عليكم أن تعيّنوه بحكمتكم، أن يتقدّم لبنان الكبير نحو أن يحكم نفْسَه بنفسه، حال تنمو ثقافة الشعب السياسيّة، وحين تحتل الكفاءة الحصّة الأكبر في دوائرهم الإدارية، عن طريق الامتحانات.
هذا هو، يا أبناء لبنان الكبير، هذا الحرز المقدّس من الآمال والتضحيات التي تحملها لكم هذه اللحظة الاحتفالية.
وإني مدركٌ أنّكم، فخورون بانتصاركم، واعون لواجبكم، سوف تواجهون المستقبل بثقة، مدركين أنه يمكنكم الاعتماد على مساعدة فرنسا غدًا كما بالأمس.
بالأمس، منذ خمسة أسابيع، جنود فرنسا الشباب، أخوة الذين حازوا إعجابكم، وربما أثاروا حَسَدكم خلال سنوات أربع، قد حققوا كل آمالكم، عندما أبادوا، في صبيحةِ معركةٍ، القوةَ الشريرة التي ادّعت الحقَّ في استعبادكم.
إن الجنود الفرنسيّين هم عرّابو استقلالكم، وأنتم لن تنسَوا أنّ دم فرنسا السخيَّ قد سال من أجل فرنسا مثلما سال من أجل الكثيرين غيرها.
لذلك اخترتم عَلَمها، الذي هو عَلَم الحريّة، ليكون عَلَمَكم وقد أضفْتم إليه أرزتكم الوطنيّة.
وأنا إذ أحيي العلميَن الشقيقيَن، أهتف معكم: عاش لبنان الكبير. عاشت فرنسا.
إضافة تعليق جديد
تهمّنا آراؤكم ونريدها أن تُغني موقعنا، لكن نطلب من القراء أن لا يتضمن التعليق قدحاً أو ذمّاً أو تشهيراً أو تجريحاً أو شتائم، وأن لا يحتوي على أية إشارات عنصرية أو طائفية أو مذهبية.