عند الساعة السادسة من صباح يوم الثامن عشر من تشرين الأوّل/أكتوبر عام 1985، أُعدم في جنوب أفريقيا بنجامين مولويز Benjamin Moloïse.
طلب منّي دومينيك لوكوك، الذي كان يُعِدّ برفقة جاك دريدا مجموعةَ نصوصٍ تحيّةً لنيلسون مانديلا، سجين الأپرتهايد في ذلك الوقت، الاتصالَ بمجموعةٍ من الكتّاب الألمان ودعوتهم للانضمام. فكّرتُ فورًا بهاينر موللر الذي قبِل سريعًا وعهد إليّ بالنصّ الذي كتَبه وتلاه كخطابِ شكرٍ لدى منحه جائزة بوشنر. ترجمتُ النصّ – كان يجب العمل بسرعة – وظهر عام 1986 في المجلّد الموسوم «من أجل نيلسون مانديلا» (Pour Nelson Mandela) إلى جانب نصوصٍ لأدونيس وخورخي أمادو وأولمب بيلي–كينوم وموريس بلانشو وهيلين سيكوس وجاك دريدا ونادين غورديمر وخوان غويتسيلو وإدموند جابس وسيفيرو ساردوي وسوزان سونتاغ ومصطفى تليلي وكاتب ياسين. كانت تلك المرّة الوحيدة التي أتيح لي فيها، لدى تقديم الكتاب في اليونسكو، أن ألتقي جاك دريدا وسألتُه عندها إن كان كاتبٌ مثل هاينر موللر يهمّه، فأجابني أَنْ بَلى. لم يلتقيا قط، لكن سأحكي هذا في مرّةٍ أخرى. لا أعرف إن كان الإهداء إلى نيلسون مانديلا موجودًا في الأصل. ولا أعتقد حقيقةً. لأنّنا لا نسمعه في تسجيل الخطاب الصوتيّ، ولا في النقاش الذي أعقبه في اليوم التالي. لكنّ جنوب أفريقيا حاضرةٌ وبقوّة. كان هاينر موللر قد سمع صباح تسليمه الجائزة بإعدام الشاعر الجنوب-أفريقي الأسود بنجامين مولويز. أثار هذا الخبر اضطرابه، باعتبار أنّ نصّه يتحدّث عن أفريقيا. ولذا صدّر نصه بالجمل الآتية:
«في السادسة هذا الصباح، في جنوب أفريقيا، أُعدم الكاتب بنجامين مولويز. لست سعيدًا بهذا التعليق القادم من آخر الأنباء على النصّ الذي سأقرأه الآن».
اعتُبر عندها كلٌّ من الإرجاع إلى بنجامين مولويز ووسم أولريكه ماينهوف بكونها عروس كلايست استفزازَين هائلَين. يضاف إلى ذلك كون نصّ موللر لا يحترم ولا يتبع أيّ قاعدةٍ من قواعد خطابات الشكر. إنّه بالأحرى مقالةٌ شعريّةٌ مقسّمة في ثلاثة أجزاء.
يبدأ النص بذكر ثنائيّين اثنين. يربط شخصيّةً أدبيّةً بشخصيّةٍ تاريخيّة: رجلان رونجه/ فويتسيك، وامرأتان روزا لوكسمبورغ/ كريمهيلدا. والأربعة شخصياتٌ أمثوليّة.
فويتسيك ورونجه
فويتسيك هو بطل مسرحيّةٍ غير منتهية لجورج بوشنر، خادمٌ لدى سيّده الضابط وفأر تجاربٍ لدى طبيبه، تثقل عليه علاقته مع ماري التي يقتلها في نوبةِ غيرة.
يقدّم ألفريد دوبلين في بداية روايته الكبيرة نوفمبر 1918 الرامي رونجه مثل فويتسيكٍ ما تمامًا، مع الملامح ذاتها والسمات التي يستخدمها موللر: منصاعًا لإهانات الجيش ومضايقاته. إنّه يعمل في السجن الذي اعتُقلت فيه روزا لوكسمبورغ: «هو، إنّه الرامي رونجه، الذي لم يفلح حتى اليوم في إرضاء شخصٍ واحدٍ في حياته. ويعلم أنّنا في المنزل أيضًا لا نرغب به». يُجنَّد رونجه، القابل للاستخدام بسهولةٍ والحال كذلك، في تنظيم الفرانك، وهي مليشيات أعيد تشكيلُها باستخدام عناصر من الجيش الألمانيّ المهزوم في 1918، وتُعَدّ سلفًا للنازيّين. يتلقّى رونجه أمر قتل روزا لوكسمبورغ. يهشّم جمجمتَها بضربتين من أخمص بندقيّته. رُميَت بعدها في عربةٍ وضُربَت من جديد. وأخيرًا أنهاها الملازم فوغل بطلقةٍ في الرأس. رموا جثّتها في قناة لاندفر. «إنّها تعوم، العاهرة»: هذا هو تقرير رونجه الذي ينتظره سادتُه. هو الوحيد الذي حُكم عليه (سنتي سجن) فيما بُرّئت ساحةُ سادته. أعلاهم رتبةً سيغدو لاحقًا انقلابيًّا وتاجرَ أسلحةٍ وينال ميداليات.
بالنسبة لهاينر موللر، فصل الحزب الشيوعي الألماني عن قادته، الوحيدين القادرين على النهوض بالتناقض اللينينيّ، هو أحد منابع «البلاء الأوروبيّ». بقطعهم رأس الثورة الألمانيّة، وضعوها تحت تأثير الثورة البلشفيّة.
شعب فويتسيك أو الفويتسيكات الذي غدا دولة
أجاب هاينر موللر، خلال مناظرةٍ في دارمشتات بعد تسلّمه جائزة بوشنر، عن سلسلةٍ من الأسئلة تتعلق بنصّه. شرح بخصوص شعب فويتسيك أو الفويتسيكات الذي غدا دولة: «هناك العديد من الدول التي غدت منذ ذلك الوقت محكومةً من قبل فويتسيكات (...) في أوروبا الشرقيّة، في أفريقيا، في العالم الثالث: عندما يصل إلى السلطة أناسٌ من الطبقات المستَغَلّة والمقهورة، يمكن أن يأخذ الأمر أشكالًا مزعجةً، ربّما لكونهم غير قادرين على أن تكون لهم علاقةَ سيادةٍ مع السلطة» [بمعنى التحكّم بالنفس في العلاقة بالسلطة].
ستالينغراد وكريمهيلد وخاتم النيبلونغن
سجّلت معركة ستالينغراد نقطةَ تحوّلٍ في الحرب العالميّة الثانية، عبر إيقافها الهجوم الهتلريّ ضدّ الاتحاد السوفياتي وسعي الجيش الألماني للوصول إلى آبار النفط في القفقاس. حوصر الألمان في «قدر ستالينغراد»، حيث أودت معركةٌ دامية بحياة ما بين المليون والمليوني شخص. يقوم على تلّة ماماييف نصبُ المعركة التذكاريّ. يهيمن تمثالٌ على المشهد: امرأةٌ تحمل سيفًا تلتفت نحو الغرب وترمز للانتصار السوفياتيّ على ألمانيا النازيّة. لكن ليس هذا التمثال وحده هو ما يُرجع إلى شخصيّة الانتقام التي تمثّلها كريمهيلدا في أغنية النيبلونغن، بحسب الترجمة التي يقترحها جان أمسلر (لدى دار نشر فايار). بالنسبة لهاينر موللر، «يستشهد قدر طبخ ستالينغراد بصالة وليمة إيتزيل»، (يجب ألّا نخدع أنفسنا بخصوص كلمة صالة، فهي تحتوي بحسب الأسطورة حوالي سبعة آلاف قتيل). لتنتقم لزوجها سغفريد الذي قتله هيغن، تُنظّمُ كريمهيلدا مجزرةَ البرغنديين، خلال احتفالٍ ينظّمه إيتزيل – أتيلا – الذي تزوّجته. تشعل النار في أركان الصالة الأربعة. العلاقة بين ستالينغراد وصالة إيتزيل كان قد ذكرها تاريخيًّا الماريشال النازيّ غورينغ في خطابه عن ستالينغراد في كانون الثاني/يناير 1943، داعيًا الجنود الألمان إلى أن يضحّوا بأنفسهم: «نحن نعرف أغنيةً قويّة، الحكاية البطوليّة لمعركةٍ لا سابقَ لها، تسمّى معركة النيبلونغن. هم أيضًا وجدوا أنفسهم داخل صالةٍ تلتهمها النيران، ورووا عطشهم بدمهم ذاته وقاتلوا وقاتلوا حتّى آخر واحدٍ منهم». يقول نصّ نشيد النيبلونغن: «فقال هايغن الترونيجي: «يا فرساني المعصومين ذوي الشرف العالي، إنْ عطشْنا فلنشربِ الدم فهو أطيبُ من النبيذ. ما من شيءٍ يفضُل فعلاً كهذا في لحظة كهذه»».
لدينا هنا في بضعة أسطرٍ مثالٌ مبهرُ القوّة على الطريقة التي يلملم بها هاينر موللر، في نوعٍ من المقذوف الشعريّ، نِثارَ قصّةٍ ضمنيّةٍ تبدو أحيانًا شديدة البُعد عن بعضها البعض ضمن الزمان والمكان.
قتل الأخ
يتشكّل «التكثيف» التالي من إرجاعَين إلى كافكا، الإرجاع الأوّل مذكورٌ بشكلٍ علنيّ والثاني ملخّص.
«فمه ملتصقٌ بكتف الضابط الذي يخرجه بخطوةٍ سريعة، على هذا النحو رآه كافكا يختفي من على الخشبة، بعد قتل أخيه، كابحًا بصعوبةٍ رغبته في التقيّؤ. أو في هيئة المريض، الذي يستلقي طبيبُه في سريره، مع جرحه المفتوح مثل منجم فحمٍ حجريّ تبرز منه الديدانُ رؤوسَها».
الاستشهاد آتٍ من الجملة الأخيرة في قصّةٍ قصيرة لكافكا بعنوان «قتل أخ» (Ein Brudermord):
«شمار، مختنقًا بغثيانٍ مميتٍ قريبٍ من حلقه، كان قد احتجب بكتفَي الشرطيّ، وكان هذا يسوقهالآن مسرعًا».
في قصّته «طبيب أرياف»، يتحدّث كافكا عن جريحٍ جرحُه مفتوحٌ مثل بئرٍ «تحت سماءٍ مفتوحة»:
«ديدانٌ بحجم إصبع يدي، لونها أحمر ورديّ وعليها بقع دمٍ متخثّرة تتلوّى بسرعة داخل الجرح باتّجاه الضوء، كانت لتلك الديدان رؤوسٌ بيضٌ ولها أرجلٌ صغيرة».
يُستدعى طبيب. عندما يصل تغنّي جوقة تلاميذ:
«عريه من ملابسه، سوف يشفيك
إن لم يشفِك اقتله،
إنّه مجرّد طبيب، إنّه مجرّد طبيب».
يروي الطبيب: «حملوني (العائلة وعجائز القرية) من رأسي ورجليّ إلى السرير، وضعوني على السرير بجانب الحائط وبجانبي على السرير نفسه التفّ المريض».
لاحقًا تغنّي جوقة الأطفال من جديد:
«أوه، كونوا مبتهجين.. كلّكم أيّها المرضى.
فالطبيب نائمٌ على السرير بجانبكم».
«قتل أخ» موضوعٌ كبيرٌ في عمل هاينر موللر الأدبيّ. ربط/فكّ الأقران، الأخوة الأعداء، وقد مُدّ هنا على علاقة الطبيب/المريض، الجلاد/الضحية، الشرطي/المجرم.
«شخصية فكّ الارتباط هذه، حيث ما يوحَّد هو في الوقت ذاته ما يفصل، هي من أعراض المخيّلة الألمانية» (جان جوردوي).
غويا وسخرية التاريخ
غويا مرجعٌ مهمٌّ لهاينر موللر للسبب الذي يبيّنه بهذه العبارات: «غويا مثاليّ بالنسبة إليّ، لأنه عمل ضمن ظرفٍ تاريخيّ قابِلٍ لأن يقارَنَ بالظرف الذي أعمل أنا ضمنه. كان متعاطفًا مع التنوير ومع الثورة الفرنسيّة. لكن الحركة الثورية لاحقًا أتت «تحتلّ» بلده. كان فلاحون إسبان يخوضون حرب عصابات، غيريلا، ضد التقدّم الذي أتى في صورة احتلال... إنها سخرية التاريخ. ومن هنا أتت ضربة الفرشاة الكبيرة هذه لدى غويا واختفى خط الفصل الرهيف، لم يعد هناك وسط. لقد استلهمت هذا كثيرًا في عرضي».
(مقابلة مع هاينر موللر قامت بها إيرين سادوفسكا–غيون في Jeu: revue de théâtre، 1989).
«رأيتُ في لوحةٍ جداريّةٍ ضمن صومعة في ديرٍ في بارما قدمَي العملاق المحطّمتين». يجب أن نأخذ هذه الجملة حرفيًّا، إن صحّ التعبير. رأى موللر في بارما لوحةً جداريّةً رسمها لوكوريج Le Corrège، قدمان كبيرتان مقطوعتان في مشهدٍ طبيعيّ. يَذكر هنا، كإحالةٍ ممكنةٍ، نصًّا لڤيلهم ليبكنشت يتحدّث عن «قدمَي أو خطوتَي البروليتاريا العملاقتين».
الدراما البرجوازيّة الأخيرة
نضع درنة الشعر الصخريّة المتصلّبة التالية ضمن المنجنيق. إنّها تدور حول «عودة [بعث] الرفيق الشابّ من حفرة حرق الجثث». إنّها في الواقع استشهادٌ من أولريكه ماينهوف التي كانت، يقول موللر، تبحث عبرها عن تعريفٍ بجماعة الجيش الأحمر، الذي كانت إحدى أعضائه الفاعلين. والاستشهاد نفسه يحيلُ إلى مسرحيّة «القرار» لبريشت. في مشهدٍ عنوانُه «الوضع في القبر»، نجد الحوار التالي بين الرفيق الشاب، الذي خان مهمّته بسبب التعاطف، وبين المحرِّضين في الحزب:
«المحرّض الأوّل: إذا أسروكَ سيقتلونكَ رميًا بالرصاص. وبما أنّهم سيكونون عرفوكَ سوف يُكشف عملنا. لذا يجب أن نرميكَ نحن بالرصاص ونلقي بكَ في حفرةِ حرق الجثث بالكلس كي يلتهمكَ الكلس. لكنّنا نسألك: هل تعرف حلًّا آخر؟
الرفيق الشاب: لا
المحرضون الثلاثة: إذًا نحن نسألك: هل أنت موافق؟
(صمت)
الرفيق الشاب: أجل».
يعلّق هاينر موللر في النقاش المذكور سابقًا على استشهاد أولريكه ماينهوف بقوله: «يُرمى هذا الرفيق الشابّ في حفرة الكلس لأنه يقوم بردّات فعلٍ عفويّة وليس بحسب ما يمليه نظام الحزب. أناسٌ مثل ماينهوف لم يكن قد بقي لديهم حزبٌ ممكن أن يتعرّفوا على نظامه ويتماهوا معه. كلّ شيءٍ كان قد تحجّر من الهول (في ألمانيا الفيدرالية في السبعينيّات). لم يبقَ بالتالي سوى الرفيق الذي يتصرّف ويقوم بردّ الفعل عفويًّا، رفيق حفرة الترميد تلك. عفويًّا تعني أيضًا بصورة عمياء. يردّ على العنف بعنفٍ مضادٍّ أعمى». تغدو أولريكه ماينهوف هنا عاًروسًا لكلايست، «لقيطآ آخَر للأدب الألمانيّ دُفن على ضفاف بحيرة فانسي».
موللر وبوشنر
يتطرّق موللر في المقطع الثاني من نصّه إلى مؤلِّف فويتسيك، جورج بوشنر، والذي تابع معه علاقةً لصيقة منذ عام 1946 عندما شاهد في غوستراو Gustrow، وهو عائدٌ بعد نهاية الحرب، ما كان العرض الأوّل لمسرحيةٍ لبوشنر، وهي مسرحية فويتسيك، على أرض ألمانيا الشرقيّة. لم يكن موللر عندها يعرف بوشنر إلا بالاسم.
«أكثر ما يصدم هو أنّه لم يجد نهايةً لمسرحيته. ظاهرة عايشتُها وراقبتها أنا نفسي ضمن سيرورة الكتابة: غدا العثور على نهايةٍ لمسرحية أمرًا متزايد الصعوبة. تبدأ مع بوشنر الدراما الحديثة، مع وعيٍ بالأزمة، أزمة مجتمع تعبّر عن نفسها أيضًا في أزمةِ شكلٍ ونوعٍ أدبي. هذا هو الجديد عند بوشنر: تغدو العلاقات بين الأشكال أكثر تجريدًا. تغدو مغفلَة الأسماء. هناك - وأرغب في صياغة هذه الفكرة ضمن بعدها الأدبيّ - ولأول مرّة، أزمةَ حوارٍ، أزمة ستغدو انطلاقًا من هذه اللحظة مؤسِّسةً للدراما. هناك أزمة دراما. هناك الكثير من العناصر الملحميّة، صنع منها بريشت لاحقًا نظريّة. فويتسيك زنجيٌّ أبيض. أن تكون زنجيًّا لا يعتمد على لون بشرتك. ومن هنا هذا الإهداء إلى نيلسون مانديلا. إنّه أقدم سجناء العالم على ما أظن. وذلك، في العمق، لأنّه الوحيد الذي طرح سؤال العرق باعتباره سؤالًا طبقيًّا. هذا هو الموضوع: الوصول إلى سؤال الطبقة خلف سؤال العرق. فويتسيك، باعتباره مشكلة اجتماعية، هو مشكلة لم تُحلّ. وبوشنر، نظرًا لكونه أوّل كاتبٍ مسرحيٍّ حديث، حاول أن يُدخل ضمن الشكل الدرامي التقليدي مواضيعَ تعارض هذا الشكل وتقاومه، مواضيعَ لا يمكننا فعلًا التقاطها وفهمها ضمن هذا الشكل».
(تصريح لهاينر موللر ضمن الفيلم التلفزيوني الألماني الشرقي Leib Georg عزيزي جورج) لكونراد هيرمان Konrad Herrmann والذي بُثّ يوم 15/11/1988).
حيواتٌ مختصَرة
هناك علاقةٌ بين بوشنر وبعض الكتّاب الذين كانت حيواتهم شديدة القصر.
لينز Lenz: برق ليفونيا المطفأ، الكاتب المسرحيّ جاكوب ميشايل رينهولد لينز مؤلّف مسرحيّتَي «المربي» و«جنود»، أصله من ليفونيا، مات فقيرًا، وقد نسيه الجميع، في شارعٍ في موسكو. كانت قصّة إقامته في الألزاس، والتي رواها الراهب أوبرلين، المادّة الخام لبوشنر في كتابته لقصته القصيرة «لينز».
كونراد باير Kunrad Bayre: كاتب ومؤلّف مسرحي طليعي نمساوي انتحر عام 1964. مؤلّف رواية–مونتاج بعنوان «رأس فيتوس بيرينغ»، محاولة للسفر ضمن رأس المستكشف الدنماركيّ (1681-1741) الذي كان يخدم الجيش الروسيّ. في آب/أغسطس 1991، اكتشفت بعثةٌ روسيّة-دنماركية بقايا بيرينغ وخمسة من بحارته. نُقلت الجثثُ إلى موسكو حيث استطاع أطبّاءٌ إعادة تشكيل هيئة بيرينغ.
رولف ديتير برينكمان: شاعرٌ وكاتبٌ وناشرٌ مات إذ دهسته سيّارة وهو يخرج من حانة شيكسبير Pub Shakespeare. كان قد نسي أنّ السيارات تسير على الجهة اليسرى في لندن. خلط موللر اليمين مع اليسار وهو يشرح أنّ ذلك حصل لأنه أعسر.
كان موللر يعتبر باير وبرينكمان «عبقريّي أدب». اهتم كثيرًا بالحيوات غير المكتملة، الحيوات التي يقطعها انتحارٌ أو حادثٌ غبيّ. في إحدى قصائده، يربط جورج بوشنر بحياة ماياكوفسكي المختصرة التي قطعت حبلَها طلقة. هنا، يضيف ميتاتٍ أخرى. يَذكر أيضًا انتحار كلايست.
جرح هاينه
يبدأ المقطع الثالث بجملةٍ غامضة: «جرح هاينه بدأ يندمل، مشوّهًا، فويتسيك هو الجرح المفتوح. جرح هاينه»، تتبع جان كريستوف هوشيلد قصّة هذه العبارة التي يُرجعها إلى جاكوب واسرمان، كاتب وصديق لريلكه وتوماس مان والذي بالنسبة له هاينه كان المثال بامتياز على اندماجٍ وتضمّنٍ فاشلَين خانا فيه كلًا من يهوديّته وجرمانيّته. في سيرته الذاتية «طريقي باعتباري يهوديًّا ألمانيًّا»، كتب «كان [هاينه] الجرح الذي عانيت منه مؤخّرًا». فكرة الجرح المربوطة بهاينه هذه أخذها لاحقًا أدورنو، ومن ثمّ هاينر موللر. لاحقًا، استشهد الناقد مارسل رايش–راينسكي بهاينر موللر: «يتحوّل جرح هاينه ندبةً شيئًا فشيئًا لكن بطريقةٍ جدّ استثنائيّة، تندمل بشكلٍ مشوّهٍ لكنّه جميل» (جان كريستوف هوشيلد Jan – Christoph Hauschils: Das Wunder Heine).
يقدّم لنا هاينر موللر، مع هذا الصدى، تحيّةً إلى بوشنر، درسًا رهيبًا في التاريخ، وفي التاريخ ضمن علاقته بتاريخ الأدب حول ما يمكننا تقريبًا تسميته، بالمعنى الفلسفيّ، مفهوم جرح فويتسيك. إنه مفهومٌ متنوّع الهندسة وللأسف هو ما زال آنيًّا وحاضرًا. من المثير للاهتمام أنّه مربوطٌ لدى موللر بصقيع التوازن الحراريّ. في العمق، يقول لنا هاينر موللر، مع كافكا، أنّ الجراح غير المعالَجة والنازفة حتى الآن تتكاثر وتنتشر من جيلٍ إلى جيل، وأنّ أشداقها المفتوحة تتشارك عفوًا أو جبرًا، حتّى مع أولئك الذين لا يريدون أن يعرفوا شيئًا عنها.
يحوي النصّ ألغازًا أخرى، ويبقى دائمًا وأبدًا مفتوحًا للتأويل.
نُشر في 13 تشرين الأول/أكتوبر 2013.
إضافة تعليق جديد
تهمّنا آراؤكم ونريدها أن تُغني موقعنا، لكن نطلب من القراء أن لا يتضمن التعليق قدحاً أو ذمّاً أو تشهيراً أو تجريحاً أو شتائم، وأن لا يحتوي على أية إشارات عنصرية أو طائفية أو مذهبية.