بصدور هذا العدد ٢٥ تبلغ «بدايات» السنَ السابعةَ من عمرها. وقد تمكّنت من البقاء والتطوّر على امتداد السنوات السبع بفضل حماسة فريق العمل الصغير ودأبه وتصميمه، ودعم عددٍ من الأفراد والهيئات المانحة. أكّدّنا ولا نزال نسعى إلى العمل بوحي اعتبارين.
الأوّل أنه لا تزال الحاجة ماسّةً إلى صحافةٍ فصليّةٍ ثقافيّةٍ ورقيّةٍ توفّرُ ما يتعدّى «الوجبات الفكريّة السريعة» وتُسهمُ في طرح أسئلةٍ وإنتاج المعارف وعَقد الحوارات تحت صرامة الفكر النقديّ.
الثاني، الإصرارُ على أن تكون «بدايات» مجلّةً لليسار، ملتزمةً باشتراكيّة الحرّية والمساواة معاً، وأن تجمع بين دفّتيها في آن معاً النظراتِ المعمّقة والمغايرة على الأحداث الجارية والأبحاث النظريّة والنتاجات الأدبيّة والفنّية البصرية وسواها، إضافةً إلى منتجات الثقافة الشعبيّة و«الطرب» - حسب مقالة فادي العبد الله اللامعة في هذا العدد - وأدب الأطفال وغيرها.
كان ٢٠١٩ عاماً منتجاً اصدرنا خلاله عددين مزدوجين وعددين مفردين. وتحقّقَ فيه تطوّران بارزان.
الأوّل، عقد شراكة مع مؤسّسة روزا لوكسمبرغ سمحتْ لنا بتأمين الحدّ الأدنى من التنظيم الإداريّ والماليّ والاستمراريّة واستئجار مكتبٍ بعدما كانت المجلّة تحرَّر في المنازل وعبر الإنترنت والهواتف النقالة.
الثاني هو توسّع رقعة التوزيع والرواج. تنطلق «بدايات» الآن من لبنان إلى عددٍ من الدول العربيّة حيث يعاد طبعُها فتوزّع في مصر وفلسطين وتصدّر للتوزيع في الأردن والعراق والمغرب والسودان ولبنان وقريباً في تونس.
إلى هذا، تحْضر أعداد «بدايات» بانتظامٍ في كافّة معارض الكتب العربية بفضل جهود الأصدقاء في «دار المتوسط» وباتت معروضة على رفوف عدد من المكتبات في فرنسا وبريطانيا وبلجيكا.
على صعيد آخر، أكدتْ تطوّرات العام المنصرم صواب قرارنا بفتح صفحات المجلّة وارشيفها على الموقع، ما شجّع أعداداً متزايدةً من القرّاء الشباب على متابعتها وقراءتها. كذلك شهدَ العام المنصرم تطوّراً ملحوظاً في عدد الذين يتابعون المجلّة على فيسبوك.
على الصعيد التحريري، ما زلنا بحاجة إلى المزيد من الجهود للصدور المتنظِم وللوفاء على نحوٍ أفضل بعددٍ من التزاماتنا الأساسيّة:
. توفير فسحةٍ أوسع للبحث والإنتاج المعرفيّ في حقل الاقتصاد الاجتماعيّ وفي رَصْد وتحليل وقع الإجراءات النيوليبراليّة على المنطقة العربيّة.
. متابعة أكثر استفاضةً وعمقاً للموجة الثانية من الثورات العربيّة في العراق وإيران ولبنان.
. استدراج المزيد من المساهمات والمشاركات حول القضايا والأفكار والحركات النسويّة.
. تنشيط القسم المخصّص بمساهمات الشباب («الثورة بشبابها») وقد شهد بعضَ الضمور في الأعداد الأخيرة، ما يستدعي المزيدَ من الجهد لتشجيع الشباب من الجنسين على الكتابة وباللغة العربيّة.
كان القسم الأكبر من موادّ هذا العدد قد جُهّز عند انطلاق الحراك الشعبيّ في لبنان في ١٧ تشرين الأوّل / أكتوبر الماضي. إلّا أنّنا قرّرنا ألّا ننتظر لاكتمال فصوله لإصدار العدد. النشاط الكثيف الذي استدعتْه الانتفاضة وتداوُل معظم ما تعلّق بها في المشاركة الميدانيّة في الشوارع والساحات وعقد حلقات النقاش والندوات والمحاضرات والتعليقات والمحاورات على وسائط الاتصال الاجتماعي لم يترك كبير مجالٍ للكاتبات والكتّاب أن يسهموا، بالوقت المناسب، بمقالاتٍ سرديّة أو تحليليّة. لذا، سوف أكتفي، بديلاً عن الافتتاحيّة المعهودة، بأن أنشر مختاراتٍ من يوميّاتي على سبيل ما فيها من المواكبة شبه اليوميّة للأحداث والتطوّرات والتعليق عليها. ونرفق ذلك بمساقٍ زمنيّ لأبرز تلك الأحداث حتى نهاية العام ٢٠١٩. إلى هذا، سوف تقول الصوَر على الصفحات الملوّنة الكثيرَ عن هذا الحدث، غير المسبوق في تاريخ لبنان، الذي تجدّدَ فصولاً مطلع العام الجديد باندفاعة جديدة تصوّب على الجهاز المصرفيّ ودوره في الأزمة، سوف نواكبها ونوثّق لها ونحلّل مآلاتِه في عدد الربيع. وللمناسبة فإنّنا نعدّ عدداً خاصّاً بمناسبة الذكرى المئويّة لنشوء دولة لبنان للصدور في خريف ٢٠٢٠.
يعطي العدد ٢٥ مساحةً واسعة للنتاج الأدبيّ والنقدي على تنوّعٍ كبير في موادّه.
لإتيل عدنان حضورها المتألّق الدائم في «بدايات» وهي مساهمٌ دؤوب فيها وداعمٌ كبير لنا. يسرّنا دائماً أن ننشر لإتيل وإنّنا نعرف أنّه يسرّها - وهي التي تكتب بغير لغتها - أن تُقرأ أعمالها باللغة العربيّة.
في الكتابة الجديدة على صفحاتنا الروائيّة والقاصّة الأفغانيّة سيمجواي زرياب تروي قصّة «المدينة التاجرة»، كأنّها تستبق مصير المدن والبشر وقد سيطرتْ عليها القيَم النقديّة في عهد الليبراليّة. من ليبيا نستقبل ميسون صالح تحاولُ تكييفَ شغفها بدوستويفسكي مع ميولها الماركسيّة، أو العكس بالعكس. ومن المغرب يكتب الناقد شرف الدين مجدولين عن حضور جداريّة بيكاسو «غيرنيكا» في الرواية العربيّة. ننشر أيضاً نصّاً غير مكتمل أعدّتْه المسرحيّة والممثلة الراحلة مريم حمّود للنشر في «بدايات».
نبدأ في قسم «فيها نظر» نشرَ ما تيسّر من اعمال المؤرّخ وعالم الاجتماع الفلسطيني - الاميركي حنا بطاطو (القدس ١٩٢٦ - الولايات المتّحدة ٢٠٠٠) الذي أمضى فترةً طويلةً من حياته في لبنان. بطاطو معروفٌ لقرّاء العربيّة بكتابَيْه المرجعيَّين عن العراق وسورية. لكنّ عدداً كبيراً من مقالاته ومقابلاته وممّا كُتِب عنه لا يزال محصوراً بقرّاء اللغة الإنكليزيّة. ننشر في هذا العدد دراسةً لحنّا بطاطو عن «الطبقات الاجتماعيّة والسلطة السياسيّة في العراق» بترجمة وتقديم فايز الصيّاغ. وهي عيّنة معبّرةٌ على منهجيّة بطاطو في التحليل الاجتماعي إذ يضع الطبقات الاجتماعيّة داخلَ التشكيلة الاجتماعيّة لعراق السبعينيّات، ويثير عدداً من المسائل النظريّة والتحليليّة المتعلّقة بتعيين الطبقات ومعاينة سلوكها السياسيّ، دور الوعي الطبقي، وثنائيّة «الطبقة بذاتها» / «الطبقة لذاتها»، والتواشج بين الشرائح والمراتب التقليديّة والطبقات الحديثة في ظلّ وفود الرأسماليّة، والتحتيم الطبقي للسلوك السياسيّ، أهميّة دور الطبقات المتوسّطة بما هي القاعدة الاجتماعيّة للأحزاب السياسيّة الحديثة - القوميّة والديمقراطيّة والشيوعيّة - ودورها في الصراع على السلطة، إلخ.
بابتسامةٍ وغصّة حزن، نودّع العدد مع ثلاث قصص كتبَها المفكّر الماركسي الإيطاليّ الكبير أنطونيو غرامشي لأطفاله من السجن.
إضافة تعليق جديد
تهمّنا آراؤكم ونريدها أن تُغني موقعنا، لكن نطلب من القراء أن لا يتضمن التعليق قدحاً أو ذمّاً أو تشهيراً أو تجريحاً أو شتائم، وأن لا يحتوي على أية إشارات عنصرية أو طائفية أو مذهبية.