ما العودة إلى التاريخ الاجتماعي لمدينة حلب إلّا لتلمّس الدور الذي توضّع لأسباب متعدّدة على الجماعات الاجتماعيّة العارية، من دون قفطان أيديولوجيّ يغلّف مصالحها ليخفيها ويجمّلها في آن. لم تكن قد توافرت لهما طليعة ثقافيّة، توقد جمار الصراع تعبوياً بأيديولوجيا العروبة والتحرر والحريات. لم يعبّر أهالي المدينة عن مصالحهم بتعبير تنظيميّ مفرد، بل توزّع على مقاربتين عبّرتا عن مصلحتين متناقضتين، أوصلتهما إلى أتون صراع دمويّ، بل عبّرت عنهما جماعتا الأشراف والإنكشاريّة مقابل الولاة العثمانيّين وجهازهم العسكري والبيروقراطي، فضلاً عن الفضاء الاجتماعي الرّيفي الموزّع على قبائل التركمان والأكراد والبدو، والذي بقي جزئيّاً خارج الصراع المديني. وطالما حملت البنى الاجتماعيّة، قوّة الديمومة، وتعزز بعدم توفر مشروع وطني يعيد تشكيل البنى الاجتماعية وصهرها في أطر جديدة. حيث ستعود لتُمظهر الصراع داخل الانتفاضة الشعبيّة، في انقسام مديني بمضمون جديد، وتعيد الانفتاح على الحوض الفلاحي، الذي طالما بقي ساكناً، لينفجر في أوائل عهد الانتداب الفرنسي في سلسلة من الانتفاضات المسلحة لم تصل إلى غاياتها لأسباب متعدّدة.
قيادة الأشراف والإنكشاريّة
شهد تاريخ مدينة حلب في العقود الأخيرة من القرن الثامن عشر وبدايات القرن التاسع عشر، سلسلة من الانتفاضات الشعبيّة العنيفة، بدأت عام ١٧٧٠ وحرّكها وقادها تحالف قوّتين سياسيّتين مدينيّتين، الإنكشاريّين والأشراف، ونسجتا شبكة من العلاقات والولاءات، ودعمتا بتنظيمين هرميّين، امتلكا القدرة على الحركة والمبادرة.
زاد ضعف الضبط السلطوي الصارم، الذي ما انفكّت تمارسه السلطة المركزيّة، التي انشغلت بهزائمها العسكريّة في أوروبّا، وعجز ممثّلوها في الولايات العربيّة عن مواجهة المشكلات المحليّة، وفرض سلطتهم، لنقصٍ مزدوج في الأدوات العسكريّة، والسيولة الماليّة، كما أنّه بعد مرور فترة طويلة، لم تعد السلطة المركزيّة، ولا ولاتها، يخضعون للمساءلة والتقييم والمحاسبة.
وبالرّغم من الصعوبات المحلّيّة (صعوبات التّجارة الشرقيّة، لاسيّما تجارة الحرير بين ١٧٢٠ و١٧٥٠) جاءت سنوات ترسّخت فيها قوى محليّة، جسّدها «الأعيان» المسلمون وبات من الضروري أخذهم بالحسبان، كما ظهرت ردود فعل، بوسائل عنيفة في الغالب، ضدّ متطلّبات السلطة، وضدّ الاختلالات الاقتصاديّة، وجائحات متتالية من الجفاف والطاعون.
انطلقت أوّل انتفاضة في حلب عام ١٧٧٠ من احتجاج الأهالي على الرسوم التي كان الولاة والقضاة يحصّلونها. كما أدّت صعوبات الحصول على الموادّ الغذائيّة، والاحتكار والمغالاة في ضبط المهن، إلى احتجاجات شعبيّة قويّة، ولمرّات متتالية. على أنّ الاحتجاجات الأقوى والأعنف كانت ضدّ الاقتطاعات الماليّة للولاة، أو الخوف من مجيء والٍ على الأهالي له تجارب مؤلمة، ممّا دفعهم لطرده، أو منعه من دخول المدينة. ونجحت هذه الحركات الشعبيّة الاستباقيّة في معظم الأحيان، ممّا أشار إلى ضعف السلطة المركزيّة الباب العالي وممثّليه المحليّين.
شكّلت جماعتان من العسكريّين (الإنكشاريّة) والأشراف (المنتسبين إلى آل البيت) العنصر الفاعل في تنظيم وإدارة الحركات الاحتجاجيّة الكبرى في مدينة حلب خلال فترة ١٧٧٠ - ١٨١٩.
كان ارتفاع أسعار الخبز ونقص الطحين السّببَ الأساسيّ لانتفاضة ١٧٧٠، تعزّزت بحزمة من الشكاوى ضدّ الضرائب الجائرة التي فرضها الوالي والقضاة على أهالي المدينة.
هاجم الأشراف المتسلّم (الكتخدا)، ممثّل الباشا الذي كان غائباً آنذاك مع الجيش، وقد اضطرّ لمغادرة المدينة لبعض الوقت حتى تهدأ الحالة. لكنّ الحكومة المركزيّة التي أغضبتها الوقائع التمرديّة، أرسلت عبد الرحمن باشا إلى حلب، فلم يسمح له الشعب المنتفض بدخول المدينة لمدّة أربعين يوماً، ثمّ سمح له بالالتحاق بمقرّ عمله. إلّا أنّ فريقاً من الأشراف انشقّ عن الجماعة وهاجم سراي الحكومة (في ٧ تشرين الثاني / نوفمبر١٧٧٠) فرجع الباشا عن الوعد الذي قطعه بعدم ملاحقة العصاة فأعدم عدداً من أشدّهم تأثيراً في الانتفاضة وفرض غرامة على أغنيائهم. لم يشارك الانكشاريّة في هذه الانتفاضة بسبب من تغيّبهم في حرب القرم مع روسيا القيصريّة، لكنّهم ما لبثوا أن باشروا منذ ١٢ كانون الثاني / يناير حركة تمرّدٍ مسلّحٍ ضدّ الباشا.
في كانون الثاني / ديسمبر ١٧٧٥، انتفض أهالي مدينة حلب بأجمعهم ضد الوالي علي باشا الذي وصل حديثاً إلى المدينة، والذي سبقته سمعته السيّئة في القمع والمصادرات. قاد الإنكشاريّون الانتفاضة بدعم قويّ من الأهالي، ومنع القاضي الشرعي الأذان، كما سمح للأهالي بالتمرّد على الوالي الجديد. حاصر المنتفضون الوالي في سراياه، وأمر هو مدفعيّة القلعة بإطلاق النيران على أحياء المدينة. وفي النّهاية خرج الوالي علي باشا من باب السرايا إلى باب المدينة، أي مسافة تقارب الكيلومتر الواحد، دون حاشية ولاموسيقا ولا أعلام، بينما كانت الطرقات والأسطح مغطّاة بجمهور كبير من الأهالي يحملون البنادق. رضخ الباب العالي للوقائع الجديدة، وعيّن خليفة للوالي علي باشا، لكنّه أضمر الرغبة في كسر شوكة قادة الانتفاضة. عمل الوالي الجديد الذي أرسلته إسطنبول عام ١٧٧٨، على اصدار حكم بإعدام قادة الانتفاضة، لكنّ ردّ الفعل الموحّد للجماعتين (الإنكشاريّة والأشراف) والإسناد القويّ من الأهالي الذين هاجموا السرايا، دفعه للعدول عن مشروعه.
المدينة تطرد الولاة
وفي عام ١٧٨٠ هاجم الوالي الجديد عبدي باشا الأشراف والإنكشاريّين، ولم يتمكّن من الحصول على مبتغاه تماماً. فرض حين وصوله في حزيران - تموز / يونيو - يوليو ١٧٨٤، جعالات على العديد من المهن، لاسيما الخبّازين والنحّاسين والفرّائين وملأ السجون بالمتخلّفين عن الدفع. دفعت هذه الإذلالات الأهالي لطرده من المدينة بالتّزامن مع إرسال موفد إلى إسطنبول لتبرير عملهم. بقيت المدينة دون والٍ مقيم لمدة ١٤ شهراً، أي حتى نهاية ١٧٨٥. وتولّى الحكم الفعليّ كقوّة أمر واقع فيها محمد طه زاده، أحد الوجهاء الأعيان، وكنج أحمد حمصة، الذي شغل رئاسة الإنكشاريّة خلال ثلاثين عاماً.
ضرب الطاعون المدينة ١٧٨٧ متزامناً مع مجاعة خطيرة. أخذ السكّان المبادرة لدى الإعلان عن وصول الوالي عثمان باشا، الذي سبقته الأنباء عن أعمال العنف والمصادرات في المدن التي مرّ بها في طريقه إلى المدينة فمنعوه من دخول المدينة، وذهب عسكر الإنكشاريّة والأشراف لمواجهة عسكر الباشا في منطقة «الراموسة»، عندئذ فضّل الوالي الانسحاب. وحوصر الوالي الجديد، كوسا مصطفى باشا، في تموز / يوليو١٧٩١ خلال أربعة أيّام، واضطرّ للخروج من المدينة، فعيّن الباب العالي سليمان باشا خلفاً له. هنا نشب الصراع على النّفوذ بين إبراهيم باشا قطر آغاسي، وهو عامل عند عائلة محمد أفندي طه زاده، وقد ارتقى إلى وظيفة محصّل للضرائب، مستفيداً من الحجم الكبير لأعمال سيّده الماليّة لينمّي ثروته الخاصّة، استخدمها في تركيز نفوذه في حلب، وبين الوالي الذي عمل على الحدّ من نفوذه وإقصائه فتحالف إبراهيم باشا قطر آغاسي مع كنج أحمد حمصة رئيس الإنكشاريّة وهاجم الفريقان رجال الباشا وأجبروه على مغادرة المدينة.
عندها، عيّن الباب العالي إبراهيم باشا قطر آغاسي والياً على دمشق في أيّار / مايو ١٨٠٤ بعد أن عيّنه لفترة والياً على حلب فترك ابنه محمد بيك فيها بصفة قائم مقام. لكنّ الإنكشاريّة الذين عمل ابراهيم باشا على تحجيم نفوذهم وكسر شوكتهم، رأوا في المغادرة فرصة لردّ الاعتبار، فتحالفوا مع الأشراف، وأثاروا أهل حلب ضدّ ابنه محمد بيك فأرغموه على مغادرة المدينة مع رجاله، بالرّغم من قيام هدنة فيما بعد بين المدينة والباشا. فتوزّعت السلطة بين ياسين آغا، من الإنكشاريّة وحسن بن حسين آغا خلاص زاده، وهو رأس أسرة من الأشراف. وحين عودة محمّد بيك إلى المدينة وجد نفسه معزولاً عن الناس ومحاصَراً بإعلان من قادة الإنكشارية يمنع الإتّصال به وزيارته.
«قومة أهل حلب»
بقيت شؤون الحكم حينها موزّعة بين قادة الإنكشاريّة والأشراف. دام ذلك لعدّة سنوات قبل أن يتمّ إقصاء الإنكشاريّة والأشراف عن الحكم، الواحد تلو الآخر، في أعوام ١٨٠٥ و١٨١٣، ثمّ سقط نفوذهم بعد فشل ٢٣ تشرين الأول / أكتوبر ١٨١٩ المعروفة باسم «قومة أهل حلب» على الوالي خورشيد باشا، التي وقعت بسبب من الضرائب الجائرة والاقتطاعات النقديّة، بذريعة شقّ قناة مياه من نهر الساجور إلى المدينة، اضطر بعدها الحلبيّون للاستسلام بعد مئة يوم ويوم من الحصار والقصف قاده ثلاثة باشوات أتوا لنجدة والي حلب، مع تسعة آلاف مقاتل لحصارها، وكانت هذه آخر انتفاضاتها، التي تجلّت فيها وحدة المدينة، وأجهزت بفشلها على المسار الاستقلالي الذي كان يسعى إليه «الأعيان»، وتلاها زلزال ١٣آب / أغسطس ١٨٢٢ لينزل بها الضربة القاصمة. لم تنته جماعتا (الأشراف والإنكشاريّة) لكنّهما فقدتا القدرة على تنظيم المعارضة للحكم العثمانيّ.
جناحا حزب الأعيان المدينيّان
أظهرت الانتفاضات «القومات» بين أعوام ١٧٧٠ و١٨٠٥ الدور الفاعل الذي أدّاه الإنكشاريّون والأشراف ضدّ ممثّلي السلطة المركزيّة. لكن لم تتمثل الجماعة المسيحيّة، التي تبلغ نسبتها العدديّة نحو عشرين بالمئة من سكّان المدينة، في أيّ من التشكيلين سابقَي الذكر، كما لم تجد لنفسها تمثيلاً آخر، لأسباب ذات علاقة بالصيغة الحقوقيّة التي اعتمدتها السلطة العثمانيّة التي تتعلّق بالرعايا والذمّية والتمثيل الملّي. يمكن اعتبار هذه الحركات انتفاضاتٍ للجماعات المحرومة، التّوّاقة للعدل ورفع مستوى العيش وتخفيف الضغوط السلطويّة السياسيّة والاقتصاديّة، رغم افتقارها إلى القيادة السياسيّة الطبقيّة، وعجزها عن إنتاج قيادة تعبّر عن طموحاتها وآمالها. ذلك أنّ الأشراف والإنكشاريّين، لم يكونوا معنيّين قطّ بتخفيف آلامها بقدر عملهم على زيادة الامتيازات التي تعزّز مكانتهم الاجتماعيّة، ممّا أظهر تبايناً دائماً بين هذه الحركات الشعبيّة وبين ممثّليها.
ذلك أنّ السقف التاريخيّ الذي طمح إليه «الأعيان» لم يكن إلّا الحلول محلّ الباشوات العثمانيّين، والحصول على امتيازاتهم. كما حالت عوامل موضوعيّة دون وصول «أعيان مدينة حلب» إلى ما وصلت إليه امتيازات الولاة والأعيان في الأقاليم العثمانيّة الأبعد عن المركز علي بك الكبير ومحمد أبو الذهب في مصر وآل العظم في ولاية دمشق وآل الجليلي في ولاية الموصل أو لمستوى حركات تمرّد ذات سيرورة انفصاليّة كما في الحركة الوهّابيّة في شبه الجزيرة العربيّة وحكم محمد علي باشا في مصر.
اعتمدت الجماعتان على تنظيمين شرعيّين، قويّين ومتماسكين، ساهما في فاعليّة عملهما، حيث الإنكشاريّون جماعة عسكريّة منضوية تحت أمرة ضبّاطها، بينما خضع الأشراف لسلطة نقيب الأشراف الذي تعيّنه إسطنبول ويمارس ضبطاً قويّاً على جماعته. واتّخذ آغا الإنكشاريّة ونقيب الأشراف مجلسيهما في ديوان الوالي الباشا، أي في الحيّز السلطوي، الذي تتّخذ فيه القرارات الهامّة التي تخصّ المدينة، ممّا زاد من نفوذهما. وكانت الامتيازات التي يحقّقانها لأعضائهما هامّة، كالإعفاء من بعض الضّرائب ومن بعض الالتزامات المفروضة على المهن، فضلاً عن تمتّعهم بالحصانة الشخصيّة والحقوقيّة. ولم تكن هاتان الجماعتان مغلقتين، فكان الحرفيّون والتجّار يشترون التحاقهم بـ(الأوجاق) بالمالا، ولم يكن لتسجيلهم أيّة تبعات فيما يتعلّق بالخدمة، التي كان عليهم أداؤها افتراضيّاً في الجيش.
أمّا الأشراف، المنتسبون إلى آل البيت، فنقيبهم هو المعني بقبول طلبات الانضمام والتّدقيق في ادّعاءات النّسَب. وكان يقبل شجرات نسَب زائفة مقابل المال، وطالما حصل أبناء انحدروا من زواج مختلط، على لقب ومكانة «شريف»، ما ساهم في توسيع قاعدة هذه النّخبة لتشمل أصحاب دكاكين وحمّالين في الأسواق. لذلك تضخّمت الجماعتان ومثّلتا قوّة بشريّة قادرة على أداء دور هامّ في الحركات الشعبيّة. أفقدتهما هذه الأعداد الكبيرة في المقابل تكوّنَ بنية اقتصاديّة متجانسة. فمعظم الإنكشاريّين من الأكراد والتركمان ونسبة أقلُّ منهم من البدو والفلّاحين المهاجرين إلى المدينة، توزّع سكنهم على الأحياء الشرقيّة والجنوبيّة من حيّ باب النّيرب إلى حيّ بانقوسا، في الحيّز الذي شغله التوسّع المديني خارج الأسوار. فسيطروا على بعض المهن بما يشبه الاحتكار, القصابة وبيع اللحوم والحبوب والدباغة, ومالوا في معاملاتهم إلى العنف وسرعة الهياج.
ينتمي الأشراف إلى عموم السكّان، لكنّهم تمركزوا في مهن النسيج والأقمشة وصناعة الحرير. ووفّروا بفضل نفوذهم حزمة من الامتيازات المدينيّة وكوّنوا ملكيّات ريفيّة واسعة في إطار قوانين «المالكان»، فمعظم القرى المحيطة بحلب كانت من أملاكهم، وشكّلوا رأس الرّمح في الدّفاع عن مالكي الأراضي.
انتمى أغلب الأشراف في موقع سكنهم إلى المدينة داخل الأسوار، فيما انتمى الإنكشاريّون إلى الضواحي وعالم الأرياف المتعدّد عرقيّاً. خاضت الجماعتان صراعات عنيفة ودمويّة فيما بينهما. وقعت بينهما في عام ١٧٧٠ مواجهة كبرى، جرى خلالها هدم «قيساريّة العرب» وهي سوق بدوي تحت القلعة، وانتهت بنفي عدد من الأشراف. جرت حرب شوارع في تموز / يوليو ١٧٧٨، قتل وجرح على أثرها عدد من الأشراف، ولجأ الإنكشاريّون إلى أمير «عشيرة الموالي» في ريف حلب. وفي صراع العام ١٧٩٨ الدمويّ، احتمى الأشراف «بمسجد الأطروش» فحاصرهم الإنكشاريّون داخله، وذبحوا عدداً منهم. وانتصر الإنكشاريّون في النّهاية بعد إمدادهم بمقاتلين من الأرياف الكرديّة. وهجم الأشراف في عام ١٨٠٥ على الإنكشاريّين بموافقة ضمنيّة من والي حلب محمد باشا الذي كانت غايته ضرب الجماعتين بعضهما ببعض وإضعافهما معاً وإعادة القوّة إلى السلطة المركزيّة التي مثّلها الولاة العثمانيّون. خرج الأشراف بعد تلك المعركة مغلوبين. فتمّت السيادة للإنكشاريّين لعدّة سنوات حتى جاء الوالي جلال الدين باشا عام ١٨١١ وأعدم بأمر من الباب العالي حوالي عشرين من زعماء الإنكشاريّة.
تصدّر الأشراف والإنكشاريّون معاً من سكّان المدينة، في أنشطتهم وبنيتهم الاجتماعيّة الاقتصادية، ومالوا إلى التعاون وتمثيل المدينة في ردود فعلها ضدّ الاضطهادات والاقتطاعات السياسيّة والماليّة للسلطة العثمانيّة. ووجدوا أنفسهم، في الغالب، جنباً إلى جنب في صراعات أهل المدينة ضدّ السلطة وممثّليها، أكثر منهم واقفين في مواجهة بعضهم البعض، في ما يمكن اعتباره تمثيلاً للجماعات المحلّيّة في مواجهة الهيمنة الخارجيّة، وحين انهارا، انهارا معاً في الحركة التي جمعتهما في قومة العام ١٨١٩ في مواجهة الوالي خورشيد باشا وأعلن على أثرها استسلام المدينة. فمضى أهلها يترقّبون أفقاً تاريخيّاً جديداً، سوف يكون أفق انتظارهم الطويل.
إضافة تعليق جديد
تهمّنا آراؤكم ونريدها أن تُغني موقعنا، لكن نطلب من القراء أن لا يتضمن التعليق قدحاً أو ذمّاً أو تشهيراً أو تجريحاً أو شتائم، وأن لا يحتوي على أية إشارات عنصرية أو طائفية أو مذهبية.