العدد ١٧ - ٢٠١٧

بدايات العمل الفدائي في جنوب لبنان

كان الجنوب في ذاك الزمن سبّاقاً في حماسته وتأييده لقضايا الأمّة العربيّة الكبرى، وبالأخصّ في موضوع وحدة مصر وسورية، يوم زحف جنوب لبنان عن بكرة أمّه وأبيه إلى قبلة العرب الأولى آنذاك، دمشق. وأذكر للتّاريخ، كم كانت حماسة فرج الله الحلو المميّز لاستقبال عبد الناصر، قائد الأمّة العربيّة الذي أتى قبل أوانه لقيادة هذه الأمّة ومشاركتها آمالها وطموحاتها لتحقيق الحلم المنشود بالوحدة والحريّة والاشتراكيّة. وما زلت حتّى الآن أحتفظ بكتاب ساطع الحصري «دفاعاً عن العروبة» الذي يروي كيف عمل عبد النّاصر على إرجاع مصر عن فرعونيّتها وإدخالها في أمّتها العربيّة.

في ندوة كانت قد أعدّت لها مجلّة «المصوّر» وحضرها وقتذاك أدباء ومثقّفون من كلّ البلاد العربيّة يقول ساطع الحصري: فوجئت بأنّ ٩٥ في المئة من أدباء ومثقّفي مصر قد أعلنوا فرعونيّتهم وأنّ لا دخل لهم بالعروبة وأنّ العرب أتوا فاتحين إلى مصر.

يومها، شعرت الرجعيّة العربيّة وخصوصاً النفطيّة والإمبرياليّة العالميّة بخطر هذا القائد المختلف عن باقي قادة وحكّام العرب في طموحاته، فبدأوا ينصبون له الفخاخ. أحاطوا به من كلّ الجهات لتحجيمه داخل حدود مصر والوقوف في وجهه ومنعه من تحقيق آماله وطموحاته العربيّة.

وجاءت هزيمة الـ٦٧ المدوّية، حيث وقف وتحمّل المسؤوليّة وحده أمام العالم والأمّة العربيّة. انتفضت الجماهير العربيّة من صدمتها المفزعة وردّت القائد إلى مكانه الصحيح. حينها استفاق عبد النّاصر من جديد ليكمل المسيرة. كان جنوب لبنان آنذاك الأكثر تأييداً بين كلّ مناطق الأمّة العربيّة. كان يؤيّده الناس بحرارة وحماسة. أذكر كيف كنت «أنا الشيوعيّ» قد تركت شيوعيّتي خلفي، ووضعت ناصريّتي أمامي. كذلك فعل رفاقي ومعارفي. وبعضهم لا يزال حيّاً، أطال الله في أعمارهم، وهم ثلاث عائلات: علي نعمة فوعاني من شقرا، علي إبراهيم من عيناتا، علي يوسف من حانين. كانوا أسوةً بي قد تركوا بعثيّتهم خلفهم ومشوا في الطريق نفسها. كان تأييدنا وإخلاصنا لعبد الناصر ومن بعد وفاته للمقاومة الفلسطينيّة.

هذا هو جنوب لبنان. جنوب متميّزٌ بقرى جبل عامل التي لطالما أبت أن تخضع وكان طموحها الدائم الوقوف مع العدالة والحريّة ضدّ الظلم والاحتلال.

تبغ وجِمال وعفاريت

بعد أن خرجنا من بوابة الدار، ركبت على مؤخّرة الجمل. كنت أملك كلباً صغيراً، قفز وجلس في أحضاني فشعرت بدفئه. وكان رسن الجمل مربوطاً بجِلال الجحش الذي ركب عليه أبي. كان الجحش يجفل كلّما يطير عصفور من أمامه والطريق كلّها حفر وحجارة. وكما يقول المثل: «حجر بياخذك وحجر بيجيبك»، ولم يكن يشبه أيّامنا هذه إذ أصبحت كلّ الطرقات «زفت بزفت» ولم يعد ينقصنا شيء بسبب كثرة «الزفت» الذي لدينا. وكلّما يجفل الجحش يضربه أبي ويقول له «يا ملعون الوالدين، أخوث سآخذك إلى العصفورية». كنت أظنّ وقتها أنّ العصفوريّة مكان فيه الكثير من العصافير. أمّي كانت تمشي خلفنا، كلّما اطرعست (تعثّرت) بحجر كانت تقول «آخ يا ربي من أين أتتنا زراعة الخرا حتّى نقوم في منتصف الليل، يلعن الدخان ومن يزرعه ويشربه».

كلّ عام كان يأتي إلينا أشخاص من غزّة يشترون رطل الدخان بليرة فلسطيني. مشينا أكثر من ساعتين حتى وصلنا إلى درب قدس التي كانت تسمّى خلال فترة الاستعمار «الكيلو تسعة»، وأصبحت اليوم تسمّى بوابة العار التي دخلت منها كلّ القوّات الغازية منذ عام ١٩٤٣. دخل منها الجيش الإنكليزي ومعه موشي ديان. يقول الأخير في مذكّراته إنّه أصيب في عينه بين عيترون وبنت جبيل. ولأنّه أصبح بعين واحدة وقف على خطّ بارليف على ضفّة قناة السويس وقال في مؤتمر صحافي: «إذا حشد العرب والروس كلّ مهندسي العالم وجيّشوا كلّ ما عندهم من قوّات لن يستطيعوا تخطّي هذا الخطّ». ولكن عندما توفّرت الإرادة والتضحية والتصميم والعزيمة وعلى صيحات «الله أكبر» طار خطّ بارليف و«طار عقل» غولدا مائير ثمّ عزمت على استعمال ما استعمله جدّ جدّها شمشوم «عليّ وعلى أعدائي يا ربّ» (أي استعمال السلاح النووي). عندئذ وعدتْها الولايات المتّحدة بتغيير مسار الحرب خلال ٤٨ ساعة وهذا ما شهدته في حرب ١٩٧٣.

كلّ العيون تراقب. أتت، ذهبت مصفّحة كدلف وهو ضابط إنكليزي يحرس الحدود بعد تقسيمها بين فرنسا وبريطانيا المنتدَبتين على فلسطين ولبنان. وكان مع الضابط مجموعة من العرب بوليس يقومون بدوريّاتٍ متتالية ليلٱ ونهارأ من كمب صلحه غرباً حتى كمب يوشع شرقاً وصار لهم معارف وسماسرة وقوّادون من الذكور والإناث على الجهتين غرباً وشرقاً حيث كانت العلاقات الاجتماعيّة والحاجيّات الإنسانيّة متشابكة بين كلّ قرى الجليل حتّى الجولان وحوران. في سورية كان يأتي أشخاصٌ من حوران في موسم الحصاد إلى قرى جبل عامل جنوباً إلى حيفا للعمل وإلى طبريّة للمعالجة من مرض العصبي في حمّامات طبريّة. وجاء في عظة لأحد الشيوخ في حسينيّة عيترون، أطال الله في عمره، أنّ الجنّ الذين أمرهم الله بإيقاد النّار تحت الحمّامات التي كان يستحمّ فيها نبيّ الله سليمان ما زالوا يوقدونها ليلاً ونهاراً حتى الان حيث لم يخبرهم أحد بموت النبي سليمان.

في سنّ المراهقة

رغماً عن الحواجز المصطنعة والشريط الشائك بقيت العلاقات الاجتماعيّة والمعيشيّة مشدودة بحبال عدّة بين قرى جبل عامل وبعض قرى الجليل في السرّاء والضرّاء. كانوا يتبادلون الزيارات ويشاركون بعضهم بعضاً في الأفراح والأحزان. عبر البوّابات تأتي الشاحنات من يافا وتفرغ حمولتها من البرتقال عند بوّابة المالكيّه وينقل البرتقال على الجمال والحمير إلى عيترون وسوق بنت جبيل. وكنّا نضمن كروم التين من بلدة علما، نقطفه ونشرّحه على أغصان الفاقوع لكي يبقى لونه أصفر ونتموّن منه طول العام. وأذكر كذلك أوّل عرس حضرتُه في بلدة علما دام أربعين يوماً من طبلٍ وزمر ودبكة وطعام. كان عرس ابنتَي مختار علما.

في أيّام الصيف تشتدّ الحاجة إلى المياه. كنّا ننقلها على ضهر الحمير والجمال ورؤوس النساء من عين قدس. وكانت تشتدّ المزاحمات والمشاجرات خصوصاً بين أهل عيترون وأهل ميس. وكانت قرى عدّة تعتمد على عين قدس، وكانت البلده مملوكة إلى أحد الإقطاعيّين من الشام واسمه «الماردينا». ومنذ ذلك الوقت باع نصف مرج قدس الجنوبي إلى يهود مستعمرة هره وزرعوه ميال الشمس. كانت تلك الزراعة غريبة على زوار النبي يوشع الذين كانوا يأتون من كلّ حدبٍ وصوب ومن كلّ قرى الجنوب مشياً على الأقدام وركوباً على الخيل والجمال والحمير وفي مقّدمة كلّ وفد البيرق والسنجق والطبل والمزمار. وكانت تستمرّ الاحتفالات لمدّة أسبوعين، وكانوا يقدّمون إلى ضريح النبي يوشع المزعوم الهدايا والنذور وعلى ضريح أمّه الثياب القديمة.

١٩٦٧ - ١٩٦٨: مرحلة الإعداد

من يفكّر بالنضال من خارج أرض فلسطين لاسترجاع الحقّ الفلسطينيّ ودحر المشروع الصهيونيّ الغربي لم يتعلّم شيئاً من كلّ تجارب الثورات في العالم. وهو يكرّر نفس الأخطاء التي أفشلت المقاومة. كان هناك ثوّار ومقاومون حقيقيّون أعوام ٦٧ و ٦٨ و٦٩. كانوا يعدّون للثورة من الداخل تدريباً وتسليحاً. وبعد أن انطلقت من جنوب لبنان قرّروا الاستشهاد، وقد استشهدوا في خراج جنين. أبو أكرم ومجموعته قالا لي: «نريد نودعك أخ أبو جبران ورايحين نستشهد في قلب فلسطين مش على حدود فلسطين أو في لبنان». قلت له: «أخ أبو أكرم صار إلك ثلاث سنين بتروح وبترجع ليش مصمّم على الاستشهاد؟» قال: «أنا وفلان وفلان بدنا نستكمل الإعداد من الداخل وغيرنا بدّو يبلش من لبنان وانتظر كم شهر بيكونوا عندك».

بعد ثلاثة أيّام استشهد أبو أكرم ومجموعته. وبعد شهر رجع واحدٌ من المجموعة وبعد ستة أشهر وصل الشهيد رياض عواد ومجموعته ومعه رسالة مكتوب فيها: «أخ أبو جبران ساعد رياض بمهمّته بدنا نحتل سرايا بنت جبيل».وهذا يلّي صار.

حكاية مريرة ومؤلمة أرجو ألّا تتكّرر، رافقتها من بدايتها حتّى نهايتها في انتصاراتها وإخفاقاتها، في حلوها ومرّها. كنت مع الأخ معين الطاهر وحدنا يوم معركة مارون الراس فى المركز. «بذكّرك، يا معين، طلبت منّي اجلب الأخ ف. من الطيري، وهو أحسن رامي مدفعيّة في فتح، ليتمركز على صفّ الهوا. هل تذكر عندما طلب منك جهاد في مجنزره عند الجامع مش عم تخلّينا نرفع روسنا، وكانت أوّل طلقه والثانية، انتهت معها المجنزره. وهل تذكر عندما قتلوا القوميّين الأسير أمام مركز بنت جبيل قلت لي شوف يا ابو جبران شو في برّا، قلت لك القوميّين أعدموا أسير... تنذكر وما تنعاد. طوّلت عليك أخ معين الطاهر والقائد الثوري العربي». للتذكير فقط.

كانوا يتسلّلون في الليل إلى قرى الجليل، وكان يُقال إنّ أبا عمار وجورج حبش مرّا من هنا، من رأس جبل الباط في خراج بلدة عيترون إلى توأمه الجرمق حيث المسافة ساعتان مشياً على الأقدام. تكرّرت الرّحلات ليلاً وكثرت الحكايات عن هؤلاء وأولئك، وكانت الرحلة إلى الناصرة تأخذ ثلاثة أيّام وإلى جنين سبعة. وأصبح لهم معارف وأنصار في كلّ القرى والبلدات وفي بنت جبيل، القاعدة التاريخيّة لثورة عزّ الدين القسّام عام ١٩٣٦ وقاعدة إمداد للأسلحة والرجال.

الأبطال المنسيّون

أوّل من تعرّف إلى مجموعة أبي أكرم كان أبو عراج الذي كان يعاني من شلل نصفي في رجله اليسرى لكنّه يتمتّع بقوّة وطاقة غريبة. اسمه الحقيقي فهد وكان كذلك بالفعل. في ذلك الوقت كنّا أنا ونخلة مطران نمثّل التيار اللينيني واتحاد الشيوعيّين في «جبهة مساندة فتح». وبعد لقاءات واجتماعات عدّة، تعرّفنا إلى يحيي حمدان الذي كنّا نجتمع به في مكتبه بشارع الحمرا. في أحد الأيّام، كنت أحدّثه عن الذين يدخلون إلى قرى الجليل، فطلب منّي مساعدتهم. وبالفعل تعرّفت إلى أبي أكرم، مسؤول المجموعات، الذي كان مميّزاً برصانته وطبعه. وبعد لقاءات عدّة معه، تعزّزت الثّقة بيننا وأسرّ لي عن تجربته قبل الالتحاق بـ«فتح» فأخبرني أنّه عمل لمدّة خمس عشرة سنة لصالح أجهزة المخابرات المصريّة، وأنّه كان في الكرمل حيث كان يوجّه المدمّرة «إبراهيم» باتّجاه الكرمل التي أغرقتها «إسرائيل» في ميناء حيفا في عدوان ١٩٥٦ على مصر. وعند إطلاق طلائع «فتح»، اتّصل به أبو عمّار وأبو إياد وطلبوا منه العمل من أجل فلسطين فوافق والتحق بـ«فتح». كانت مهمّته الإعداد في الدّاخل، وبعد سنتين من معرفتي به جاء لزيارتي. كانت لهجته غريبة. وكان مصمّماً على الاستشهاد داخل أرض فلسطين. قال لي حرفيّاً: «اختلفنا في قيادة فتح، منهم من يريد الإعداد من الخارج ومنهم من يريد الإعداد من الداخل، وأنا أحبّذ أن يكون العمل داخل فلسطين».

أصرّ حينها على الوداع وقال إنّها المرّة الأخيرة التي سنلتقي فيها. أخبرني أنّ عائلته تسكن في مخيّم جِنين، وأقنعني بإصراره على الاستشهاد في فلسطين، قائلاً: «قريباً سيصل الإخوان إليك وسيبدأون العمل ضدّ إسرائيل من لبنان». وبالفعل فوجئت في إحدى الليالي بوصول إسماعيل يوسف (الذي كان في الأردن مع علي سرور مرسلاً من قبَل اتحاد الشيوعيّين للعمل الفدائيّ مع فتح) ورياض عواد، الذي سلّمني رسالة حملت تمنّياً بأن أساعده في مهمّته. أمّا أبو أكرم فقد ذهب واستشهد مع رفيقه أبي محمد، المارد الأسمر. ويقال عن لسان مَن عاد منهم أنّ أبي محمّد استشهد في قطعة أرض فلسطينيّة تعود له. بعد أربعة أيّام على وداعنا، أتى أبو عراج وقال: «استشهد الإخوان في جنين». وبعد أكثر من شهر، قال: «عاد طارق أبو السعيد الذي كان من ضمن المجموعة التي استشهدت».

أذكر هذه الحادثة اليوم لأنّني مؤمن بأنّ هؤلاء هم الأبطال المنسيّون، وأنا واثق من أنّ شعب فلسطين المقاوم هو من أمثال أبي أكرم ومجموعته الذين كانوا مصمّمين على إشعال الثّورة من داخل فلسطين لا من خارجها.

بنت جبيل، همزة الوصل

أمّ القرى تميّزت بتاريخها الوطنيّ والاجتماعيّ والأدبيّ والسياسيّ والتجاريّ. كانت سوق بنت جبيل الأسبوعيّ همزة الوصل بين قرى جبل عامل وكلّ قرى الجليل. كانت هذه السوق ملتقى كلّ قضاء صفد وطبريّا، الحولي وبلاد حوران، والتي يأتي أهلها للتبضّع. وكانت هذه السوق في أربعينيّات وخمسينيّات تلك المرحلة سوقاً مهمّة تحتوي على كلّ الحاجيّات، وكان لافتاً بيع جميع أنواع الحيوانات من جمال وخيول وماعز وغيرها. كانت المقايضة هي العملة المتداولة. لذلك اختيرت بنت جبيل لتكون في المركز الأوّل بعد العرقوب، وسمّيت «القطاع الأوسط». وجرت محاولات عدّة للفدائيّين للعبور إلى بنت جبيل.

في أوّل محاولة اصطدموا مع الجيش في خراج المجدل ما أسفر عن قتلى وجرحى، كما تمّ اعتقالهم ومنعهم من الوصول إلى بنت جبيل. المحاولة الثّانية أدّت إلى الوصول إلى مركبا. وكان قائدهم جواد أبو شعر وشريف. وقد رفض جواد حينها الاشتباك مع الجيش وسلّم نفسه مع مجموعته المؤلّفة من ٣٥ شخصاً سُجنوا لمدّة شهر في ثكنة الحلو عام ١٩٦٩ ومن ثمّ سُلّموا إلى سورية. في المحاولة الثّالثة وصلت المجموعة إلى بنت جبيل وكانت بقيادة رياض عوّاد يرافقه إسماعيل يوسف. وقد تمّ تطويقهم من قبل الجيش من جهة عيناتا.

يومها افترشت نساء عيناتا الأرض أمام الدبّابات ومنعت الجيش من الوصول إلى بنت جبيل. رحّب الأهالي بالمجموعة رافعينها على أكتافهم. ولعب المرحوم عبد اللطيف بيضون دوراً بارزاً في تهدئة الوضع. لم يكن هناك في ذلك الوقت أيّ حركات مقاومة سوى «فتح». ولو كانت «فتح» والنّاس على قدر عال من الوعي والمسؤوليّة في ذلك الوقت، لما سمحوا بوصول زنابير الأنظمة الديكتاتوريّة التي تعدّت ٣٠ مجموعة وتميّزت بمسلكيّاتها المعادية لأهل القرى، وكانت صراعاتها مع النّاس تشغل «فتح» عن مهامّها الأساسيّة حتّى بدأ العدّ العكسي بسبب ممارستها المغايرة لمصالح النّاس. كان يجب أن تقتصر المقاومة على «فتح» و«الجبهة الشعبيّة». فهذه التنظيمات بدأت بالتوافد تباعاً من الأحزاب والتنظيمات اللبنانيّة والفلسطينيّة كالصّاعقة حتّى أصبحت بنت جبيل غابة من السّلاح. كان النّاس يراهنون على أنّ السلطة الشعبيّة مغايرة للسلطة الحاكمة. ولم يمضِ شهر حتّى بدأ بعض الناس يكتشف أنّ مشكلتنا أصبحت تحاكي المثل الشعبي «متل يلي بجيب الدّب ع كرمه».

بدأت العمليّات من دون قيادة موحّدة ومن دون تنسيق حتّى في عمليّات الاستطلاع التي كانت تقوم بها التنظيمات، كما حصل بين تنظيمين في محلّة مرج العرايس شرقيّ عيترون. يومها حصل اشتباكٌ بين تنظيم قام بعمليّة استطلاع وعاد وتنظيمٍ آخر كان ذاهباً للقيام باستطلاع وذلك قبل أن يتعرّفوا على بعضهم البعض. وهنا علينا استعراض نماذج من بعض العمليّات ونجاحاتها وإخفاقاتها.

أهمّ وأكبر العمليّات، كانت عمليّة «مستعمرة إيفيفيم» والتي حدثت على أنقاض بلدة صلحة الجنوبيّة الواقعة بين عيترون ومارون. كان قائد المجموعة يُدعى حمزة من عرب الحمدون، وكانت هذه المجموعة مؤلّفة من خمسةٍ وثلاثين عنصراً من بينهم خمسة عناصر لاتحاد الشيوعيّين من عيترون. قبل أن تبدأ العمليّة، سُمع دويّ إطلاق رصاص من بلدة مارون من قبل أنصار الجيش. بدأت العمليّة عند التاسعة مساءً وانتهت عند الخامسة صباحاً. عاد جميع أفراد العمليّة ما عدا شخصا واحدا اسمه جميل. شابٌّ أبرص لا يستطيع أن يبصر عند طلوع الشمس. عاد اثنان من رفاقه إلى موقع العمليّة، فوجدوه مختبئاً في شجيرة سربوخ في غابة مارون وأحضروه سالماً. يومها، ادّعت «إسرائيل» أنّ «المخرّبين» دمّروا بعض مزارع الدّواجن.

العمليّة «الثانية» لـ«فتح» كانت موجعة، ووقعت في محلّة مرج القسّيس. كان قائد العمليّة يدعى سالم من بلدة ديشوب. ووقعت هذه المجموعة في كمين لدوريّة إسرائيليّة قبل وصولهم إلى الحدود. خسرت المجموعة ثمانية أفراد في أرض المعركة وعاد منهم ثلاثة. تركت «إسرائيل» القتلى في أرض المعركة عن قصد، ما دفع الأهالي إلى جلبهم على ظهور الدّواب.

عمليّة «الجبهة الشعبيّة» حصلت في وضح النّهار أمام جميع النّاس في محلّة مرج المحافر. كان جميع أهل عيترون يزرعون التبغ في ذلك الوقت. شقّت المجموعة طريقها من بين جميع الناس وتوغّلت إلى داخل الخطّ الإسرائيلي العام وأعدّت كميناً للإسرائيليّين. مرّت بعض السيارات المدنيّة فتجاهلها أفراد المجموعة، ثمّ أتت آليّة إسرائيليّة تضمّ ثلاثة أفراد فانهالوا عليها بالأسلحة الرشّاشة وانسحبوا قبل وصول النّجدة. وعندما وصلت الأخيرة كانت المجموعة قد اختفت بين الأهالي. بعد العمليّة، ترك المزارعون أعمالهم لمدّة ثلاثة أيّام خوفاً من أيّ ردّة فعل إسرائيليّة.

عمليّة «قدس» فشلت في مستهلّها. انفجرت العبوة في المجموعة وقتل شخصان من الحزب الشيوعي الأردني وهم من المنضمّين إلى «فتح». عمليّة «الباص» وقعت بين صلحه وكفربرعم وأوقعت العديد من القتلى والجرحى. بعدها أمطرت «إسرائيل» كلّ القرى بوابلٍ من الرّشقات المدفعيّة والصواريخ، فسقط قتلى وجرحى خصوصاً من عيترون وبليدا.

بعد مرور وقتٍ على هذه العمليّات، استدعاني جواد أبو شعر لمرافقته مع وفد أجنبي قائلاً: «اليوم بدّك ترافقني تنروح مع الرفاق نجول على القواعد في كلّ منطقة بنت جبيل». قام الوفد بزيارة القواعد وسأل المقاومين في هذه القواعد عن تعاملهم مع السكّان في هذه القرى. كما استفسر عن مدى ترحيب الناس بهم. فكشف المقاتلون عن أسلحتهم وتحدّثوا عن تدريباتهم. بعد انتهاء المقابلات، عاد الوفد من رحلته، ووضع تقريراً سلبيّاً أبدى فيه استياءه من أداء المقاومين معتبراً أنّ مقاومتهم ستفشل حتماً، عازياً ذلك إلى إمكانات وجهوزية «إسرائيل» لتدمير كلّ القواعد لأنّها في مرمى صواريخها، وإلى أنّ السكّان سينقلبون ضدّ المقاومين عندما تتهدّم بيوتهم وتنهار أرزاقهم. ونصح الوفد المقاومين بالتواجد في أماكن خالية من السكّان والعمل على الاختفاء والظهور من دون لفت الانتباه كما هو حال مقاومي «حزب الله» اليوم. وبالفعل بدأت «إسرائيل» بالهجوم ليلاً ونهاراً على قواعد المقاومين وكانت النتيجة تدمير بيوت وقتل أناس وتلف مزروعات. وبقي الجنوب على هذه الحال. كلّ من عايش تلك الفترة يتذكّر صاروخ ميس ميس وصاروخ شقرا حولا.

بعد ذلك أعطاني جواد أبو شعر أمراً خطيّاً فأذعناه على الملأ. قضى القرار باعتقال أيّ فدائيّ يتواجد بين الأهالي أثناء عملهم في فترة النهار. وأذكر جريمةً بشعة حصلت بعد ذلك في عيترون عندها حيث وقع تلاسن بين أحد أبناء البلدة وأحد الفدائيّين، فأتوا ليلاً وقتلوه مع أمّه وأبيه. عندها ضاق الناس ذرعاً بتلك الممارسات، وكانت الأوضاع في كلّ قرى الشريط قد آلت لمصلحة «إسرائيل».

يوم كانت «فتح» ملتقى الجميع

كانت يومها «فتح» تُعدّ للتحرير. ومن مجموعات إعداد الداخل، الأمير العربي الذي تصدّى لعدوان صدّام حسين على الكويت واستشهد وهذه قصّته معي:

أتى أبو عراج وقال لي: «هذه الرسالة إلك». فتحتُ الرسالة فوجدت فيها الآتي: «هذا الشخص يلّي عندكن مهمّ مهمّ مهمّ بدنا ياه، دبّر حالك». كان هذا الشخص قد أصيب في اشتباكات حصلت على حدود فلسطين عندما كان هو ومجموعته يحاولون إدخال السلاح. أحضروه وقمنا بالاهتمام به. كان مصاباً بحروق في وجهه. كان يأتي الدكتور أحمد مراد لمعالجته، لكنّنا لم نكن نعرف مَن هو ولا حتّى من أين أتت الرسالة، فعرفنا أنّه شخص مهمّ. عندئذِ بدأتُ أفكّر بالطريقة الأفضل والأكثر أماناً كي يصل هذا الشخص إلى صيدا. وضعت خطّة وبعثت برسول إلى الدكتور إبراهيم شعيتو واستدعيناه على عجل مبلّغين إيّاه بأنّ زوجتي أم جبران تحتاج للعناية الطبّيّة ولا يمكنها الحضور إلى العيادة. عند وصوله إلى المنزل، التقى بأمّ جبران وقال: «هيّاها متل العروس ما فيها شي». قلت له: «تفضّل لنشرب القهوة». عرضتُ عليه الرسالة وطلبتُ منه أن ينقل هذا الشخص معه إلى صيدا، وكنا قد خطّطنا، أبو عراج وأنا، إما أن يقبل معنا الطبيب وتُحلّ المشكلة أو نهدّده بالقوّة. حاول الدكتور أن يتهرّب، فهدّدناه ولم نترك أمامه خياراً. وبعد موافقته، أحضرنا الشخص المهمّ «فهد الصباح» وأعطيته عباءة كنت قد ورثتها عن أبي وتمنّيت له التوفيق. قلت للدكتور: «انتبه لنفسك وللشخص يلي معك». قال: «الحامي الله، منشوف لوين بدنا نوصل معك يا أبو جبران».

أرسلنا خلفه سيارة لتعقّبه ولنطمئنّ إلى وصول الأمانة. بعد يومين التقيت بالدكتور شعيتو الذي كان منزعجاً. قال: «رح إتركلك المنطقة». قلت له: «أحسن، مش متذكّر لمّا عملتوني فرّوج بالحبس من كم شهر، كلّ يلّي عملتو إنّي عطيتك أمانة تتوصّلها لصحابها».

نكتب لأخذ العِبر

من هول ما جلبناه إلى أهلنا وقرانا من مآسٍ وويلات كادت أن تكون هذه القرى كقرى الشعب الفلسطيني. يدفعني هذا إلى تمنّي ألّا تتكرّر المآسي مع الأجيال القادمة.

الكلّ تآمر على الشعب الفلسطيني، من «الجامعة العربيّة»، إلى دول تخلّت عن مهامّها ومسؤوليّتها وتركت النّظام الأردنيّ يسحق مقاومة الفلسطينيّين من موقعها الطبيعي ونقله إلى جنوب لبنان بإيعاز أميركيّ واتفاقيّةٍ سرّيّة لقيطة لم تعرف الأطراف التي أبرمتها. قيل وقتها إنّ أمين البستاني، قائد الجيش، هو من أبرمها.

بعد اتفاقيّة القاهرة، قال لي جواد أبو شعر، مسؤول الساحة اللبنانيّة في «فتح»: «أخ أبو جبران عطيتونا أكثر مما كنّا متوقعين، الشعب رحّب فينا وحملنا على كتافو وراسو والدولة أعطتنا قواعد وممرّات»، فقلت: «ان شاء الله تكونوا قدّ الحمل وتردّوا الجميل لهذا الشعب المسكين لأنّ شعب الجنوب وخصوصاً شعب قرى جبل عامل يقفون مع القضيّة القوميّة أكثر من كلّ الشعوب العربيّة وهذا مشهود لهم تاريخيّاً».

كانت الدولة اللبنانيّة دائماً مهملة بحقّ الجنوب وأهله. وإنصافاً للحقّ، أستثني من هذا الإهمال معركة المالكيّة التي قادها الأمير مجيد وزير الدفاع وفؤاد شهاب قائد الجيش، من رأس جبل العريض في عيترون، وعلى الأرض قاد المعركة غسان أبو طقة. كانت معركة شرسة، شاهدناها بأمّ العين. خسر فيها العدوّ عشرات القتلى وترك خلفه عشرات منهم على بيادر المالكيّة قرب الجبّانة واندحر إلى مستوطنة هرة. وبعد أن حرّرها الجيش اللبناني خلال بضعة أسابيع، سلّمها إلى جيش الإنقاذ الذي سلّمها بدوره إلى العصابات الصهيونيّة. وفي وضح النهار دخلت العصابات الصهيونيّة من الشرق وخرج جيش الإنقاذ من الغرب ونحن نشاهده. هكذا سلّمت السلطة اللبنانيّة بعض القرى الأماميّة إلى الفدائيّين من دون مقابل يُذكر.

بعدها، أنشأت عشرات التنظيمات قواعدَ ومكاتبَ لها داخل القرى وخارجها. وبدأت التنظيمات تتنافس على كسب الرفاق والأنصار والمحازبين. فكان مكتب «الصاعقة» في وسط عيناتا و«فتح» في وسط بنت جبيل. كما أنشأوا فروعاً لهم في بعض القرى. وطوال فترة جلوس هذه التنظيمات، كانت تَظهر مجموعات صغيرة تابعة لها، وكان عملها محصوراً بالتظاهر والمجاهرة بحمل السلاح بحجج واهية كالاستطلاع وتحضير كمائن. بدأ الأهالي يتذمّرون من هذه التصرفات. بدأ الشعب يشعر بخيبة الأمل ويلتمس تخلّفاً في سلوكهم ومسعاهم، لكنّهم لم يكترثوا وكان همّهم الوحيد كسب المؤيّدين وتسليح الأفراد من دون الالتفات لمعارفهم ومكتسباتهم الثقافيّة والاجتماعيّة والسياسيّة. كلّ هذا، اضطرني إلى دعوة مسؤول «فتح» رياض عوّاد وعشرات المزارعين ليسمع منهم شكواهم بخصوص ممارسات الحركة وانعكاسها على عملهم، المصدر الوحيد لعيشهم. بعد سماع كلّ الأطراف، قال المسؤول: «آه يا خوي معاهن حقّ، إنت إحكي مع جواد خلّيه يحكي أبو عمّار ومناخد منهن الدخان يلّي بزرعوه، الجماعة بدهن يعيشوا».

أصبح شعار حرب التحرير الشعبيّة مهزلة وهرطقة حتّى لمن كتبوه وحملوه عشرات السنين. كان المناصرون يلتحفونه وهم هاربون. كنّا وقتها نعيش في ما يشبه غابة السلاح، عشرات التنظيمات والمنظّمات توزّع السّلاح على سكّان القرى لكسب الأنصار والمحازبين، ولا تميّز بين الوطني والعميل. بيوت وعائلات حملت السلاح من أجل أسماءٍ برّاقة مثل «منظّمة الإمام علي» التي كان مسؤولها، المعروف بتاريخه المشبوه، أحمد السيّد علي «أبو برهان» وزميله علي السيّد حسين، المؤهل في الجيش. وتحت اسم هذه المنظّمة، توزّعت الرّواتب على الكبار والصّغار. بعدها، قامت بعمليّة السكاكر وسط الطريق العام وكانت تذاع الأخبار عن العمليّة قبل حدوثها مثل أنّها كبّدت العدوّ خسائر من قتلى جرحى. «المكتب الثّاني» كان بقيادة فايز كلاكش وكان عبارة عن أنصار الجيش للرصد والمراقبة. كان النّاس يلاحظون مدى انزعاج «إسرائيل» من تلك العمليّات الوهميّة. وفي أحد الأيّام التقيت بعلي السيّد حسين، المؤهّل والمسؤول عن منظّمة الإمام عليّ. قال لي: «يا أبو جبران انتظر الليلة في حدث كبير رح يصير».

ما إن حلّ المساء حتّى بدأنا نسمع دويّ إطلاق الرصاص من جهة مارون وعيناتا. كان الجيش قد حضّر كميناً على مفترق الطريق بين عيناتا وبنت جبيل، وكان الضابط المسؤول عن هذه العمليّة «وهبي قاطيشا»، المستشار السياسيّ الحاليّ لسمير جعجع، قد استدرج رياض عوّاد بحجّة اشتباك بين مسلّحين. ما إن وصل حتّى أمطروه بوابلٍ من الرصاص. وكان برفقته واصف شرارة من بنت جبيل الذي قتل فوراً. أما رياض فأصيب وتظاهر بالموت ومن ثمّ وجد طريقة ليصل إلى المستشفى. ذهبت أنا وأحمد الحسيني لزيارته في مستشفى «المقاصد». قال لي عندما رآني: «ما طاوعتك، والله غدر فيّي فايز كلاكش مع إني أهديته كلاشن أخمس حديدي (سلاح) أحسن ما كان عندي».

صارت «إسرائيل» تدخل ليلاً ونهاراً، تدمّر وتخطف وتقتل ولا تنظيم يتصدّى لها. الكلّ موجود لكنّهم يهربون من المعركة. في أحد الأيّام، دخلت «إسرائيل» إلى ثلاث قرى في ليلةٍ واحدة واختطفت من عيترون «إسماعيل يوسف» المسؤول العسكريّ لمنظّمة اتحاد الشيوعيّين، ومن بليدا ثلاثة شبّان شيوعيّين من آل فرحات، كما اختطفت علي الزين وأخاه من محيبيب. بعدها، دمّرت «إسرائيل» منزل أبو برهان في عيترون، وهو «عميلها التاريخي»، وخطفت ثلاثة أشخاص. ما إن خرجوا من البلدة حتى قتلوا محمد جميل خريزات. ثمّ أتى أبو علي إياد، وشاهد تدمير بيت أبو برهان، ما عزّز موقفه لدى التنظيمات. ثمّ أتى عادل عسيران وزير الدفاع وأبدى الجميع تعاطفه مع القضيّة، وأصبح أبو برهان رمزاً لدى كلّ المنظّمات الفدائيّة، وعمل في كلّ التنظيمات في وقتٍ واحد،ٍ لكنّ مكانه الطبيعيّ كان لدى «إسرائيل» حتى أنّه ذهب في عام التحرير ٢٠٠٠ إلى فلسطين المحتلّة ومات ودفن هناك لأنّ أهل البلدة رفضوا أن يُدفن في عيترون.

حُشر الحزب الشيوعيّ من مزايدات اليسار عليه لأنّ تواجده في هذه القرى كان أكثر من وجود كلّ التنظيمات. باشر بإقامة دوريّات حراسة ليليّة، وفي أحد الأيّام، وقع حادثٌ مفجعٌ بين صفوفه وخسر أفضل كادريْن من بين كوادره عباس حسن مراد، درع الحزب الشيوعي في عيترون، والأستاذ المثقّف نافع بزّي من بنت جبيل. كانت هذه الحادثة ضربة مؤلمة على رأس الحزب. بعد الحادث، لم يستطع الحزب الشيوعي أن يلمّ شمله ويستأنف مهامّه إلّا بعد استشهاد علي أيّوب، الرجل الشجاع من عيناتا، الذي تصدّى بمفرده وأطلق زخات من رشّاشه باتجاه الإسرائيليّين. بعدها بدأ الحزب يشتكي من قلّة السلاح فقام بعمليّة وهميّة في خراج بلدة عيترون، أبو جحاش الجرودة، واستدعى بعض المنظّمات الفدائيّة لاستعراض معركته. كنتُ من بين المشاهدين مع مسؤول «فتح». حمل الاستعراض عنوان «إفشال تقدّم إسرائيلي باتّجاه عيترون». اتّصلتُ بأحد مسؤولي الحزب وسألته عن القصد من وراء العمليّة، فصارحني بأنّها كانت ضروريّة لإخفاء مشكلة قلّة السلاح. بعدها، سلّمتْهم «فتح» بعض الذخائر وبضع قطع من السلاح. وفي تلك الفترة، لم يكن أحدٌ منّا واعياً للمصائب التي تعصف بأهلنا وقرانا.

من وجهة نظري، كان اليسار مغيّباً وغائباً عن الوعي. أذكر رفاقي الذين تشاركت معهم المسؤوليّة في تلك الفترة ومنهم علي إبراهيم وعلي منصور من عيناتا، وعلي نعمة من شقرا، وعلي يوسف من حانين. برأيي، لقد تكرّر جيش الإنقاذ العربي في ٤٨ بصورة جديدة على هيئة الفدائيّين في عامَي ١٩٦٩ و١٩٧٠.

العدد ١٧ - ٢٠١٧

إضافة تعليق جديد

تهمّنا آراؤكم ونريدها أن تُغني موقعنا، لكن نطلب من القراء أن لا يتضمن التعليق قدحاً أو ذمّاً أو تشهيراً أو تجريحاً أو شتائم، وأن لا يحتوي على أية إشارات عنصرية أو طائفية أو مذهبية.