العدد ١٤ - ربيع/صيف ٢٠١٦

أيمن بعلبكي، كفى!

النسخة الورقية

 

بالعودة إلى الوراء، لا تبدو أبراج بابل المهدّمة التي عرضها أيمن بعلبكي قبيل حرب تموز/يوليو ٢٠٠٦، على انها رسومٍ خيالية لماضٍ أسطوري أو جملة من التعليقاتٍ تنتقد حاضراً كارثياً، إنما كانت استشرافاً لمستقبلٍ لا يزال عصيّآً على التخيّل. فالفنان هو بشكلٍ أساسي الرائي الذي يلتقط موجاتٍ قابلة الحدوث في المستقبل، حتى عن غير وعي منه. جالت صور الدمار ووجوه المقاتلين المخبأة في كوفياتهم، والجنود الذين يضعون خوذات أو أقنعة والمساجين الذين وضعت قلنسوة على رؤوسهم، في كافة أنحاء العالم. وبالنظر إلى محتواها من المعلومات والصدمة والعواطف المستنفدة يمكن أن تصبح مادة للرسم الخالص. يبدو كأنّ ضربات الفرشاة التي تتداخل بعصبية بطريقة سوداوية تودّ أن تحاكي قوّة الدمار. والواقع أنّها تعكس العمليّة، إذ تحوّل دمار المادة إلى بناءٍ للعمل الفني بات مستقلّا بذاته، لا زمنياً، ذا صفة شبه ميتافيزيقية. تؤكّد اللوحات على استمرارية الحياة. حياة تدور في حلقة مفرغة: أنت تدمّر وأنا أبني، انت تدمّر مجدداً، وانا أبني مجدداً. مثالٍ على ذلك لوحة «سيزيف» ــ يضيئها لون النيون الأزرق بدت كلافتة ليلية على واجهة مبنى تعرّض للقصف، وقد رسمت على نسيجٍ مطبوع، ليبدو كأنّ وابلاً من الأزهار انهمر عليها. الرسم هو الشاهد والإثبات على ديمومة دوامة الدمار والبناء هذه. ودوامة العنف هي في الأساس عبارة عن اقتصاد مقايضة بدائي في خضمّ فترة الاقتصادٍ المعولم: الضربة بالضربة، الحجرُ بالحجر، الدمُ بالدم، والعينُ بالعين. إنّ قانون الانتقام تجارة لا تنتهي، وثمّة هاويتان ترد واحدتهما على الآخرى: الجلّاد والضحيّة، والضحيّة والجلّاد. ثمّة واجهة لبيع الأيقونات تعرض الصور الشخصية أو الأيقونات لا لقدّيسين إنما لجنود وشرطيين وسجناء ومقاتلين جاهزين للمواجهة: مطالبة، تمرّد، قمع، وتطول اللائحة اللولبيّة إلى ما لا نهاية. إنّها واجهة متجرٍ ذي ستارٍ حديدي مطلي باللون الذهبي ومزيّن بلافتة كُتِب عليها باللون الأحمر القاني: «العين بالعين». لا يبيع متجر الشرق الأوسط والعالم سوى سلعة واحدة: العنف. الواجهة والقشرة المذهّبة وقد استُخدمَتا بكثرة، باحتقار ورداءة، تعيقان العمليّة المزدوجة التي تتمثل في تقديس ما هو تجاري وإضفاء الطابع التجاري على ما هو مقدّس. تتطابق هذه المتاجرة بالقداسات مع مذبح كنيسة هو عربة بائع متجول منتصبة بشكلٍ عمودي ومطلية بقشرة ذهبية اللون، تشكل إطار الأيقونة الأضخم من الحجم الطبيعي لوجه فدائي ملثّم كلّياً عدا فتحة صغيرة للعينين، بكوفية حمراء وبيضاء. تعلو وجه المقاتل «نجمة الدب الأكبر» (على غرار النجمة التي قادت المجوس إلى مهد المسيح في الأيقونات الغربية) متكوّنة من مصابيح كهربائية صغيرة تعلو وجه المقاتل للإشارة إلى مقصده الإلهي النهائي. هنا أيضاً ثمّة مقايضة (أضحوية): السماوي مقابل الأرضي، الحياة مقابل الوعد بالجنّة. الأطراف الموقّعة على عقد العنف هي أبعد من أن تكون الفاعلة الوحيدة في هذه المشاهد. ما على سكان المناطق المتضرّرة إلّا أن يحزموا أمتعتهم، فرشة إسفنج مع بعض المقتنيات المتواضعة، وإذا أمكن، حيوان حي يؤمّن لهم قوتهم اليومي. يحزم أيمن بعلبكي ثياباً بالية، وبعض الأدوات، وغالون سوائل أو اثنين ويضع فوقها ديكاً أو شاة محشوّة بالقشّ: هي ثروة اللاجئ الأبدي كلها، الضحية الأبديّة وأضحوكة الجميع بسبب المهزلة ــ المأساة التي تُحاك على حسابه. تقول الأسطورة إنّ الله عندما خلق العالم صرخ: «كفى!» للحؤول دون تمدّد هذا العالم إلى ما لا نهاية. من الرسم الخالص إلى الرسم ــ التجهيزي وصولاً إلى التجهيز الخالص، ينتقل أيمن بعلبكي من الأكثر تجريدية إلى الأكثر ماديّة، من المرئي إلى الملموس، من رسم المادة إلى المادة بذاتها، مختاراً في كل مرّة وسيلة التعبير الأكثر فاعليّة ليهتف عالياً برسالته: «إلى أين سيمتدّ عالم العنف؟ كفى!».

bid14-p41.jpg


من سلسلة تموز، أكريليك على قماش، 30 x 42 سم

bid14-p42-43.jpg


احرقه (٢٠٠٩)، أكريليك على نسيج وضوء نيون،
١٠٠ x ١٤٩,٥ سم

bid14-p44.jpg


الهدف x (٢٠١٠)، سيارة مرسيدس وضوء نيون ازرق وانواع مختلفة، حجم متنوع

bid14-p45.jpg


صباح الخير وادي أبو جميل (٢٠٠٦)، انواع مختلفة

bid14-p46-47.jpg


اوتيل هيلتون (٢٠١١)، أكريليك على نسيج موضوع على قماش،
٢١٠ x ١٧٦ سم

bid14-p48.jpg


برج المر (٢٠١٤)، أكريليك
على قماش،
٢٠٠ x ١٥٠ سم

bid14-p49.jpg


«هنا مكان آخر»، اكريليك
على قماش،
٢٥٠ x ١٨٠ سم

bid14-p50.jpg


الملثم (٢٠١٠)، اكريليك على نسيج، ٢٥٠ x ٢٠٠ سم

bid14-p51_1.jpg


الملثم (٢٠٠١)، اكريليك وحبر
على ورق،
١١٠ x ١٥٠سم

bid14-p51_2.jpg


الملثم (٢٠٠٧)، اكريليك
على قماش،
١٦٠ x ٢٠٠سم

bid14-p51_3.jpg


الملثم (٢٠٠١)، اكريليك وحبر
على ورق،
١١٥ x ١٥٠سم

bid14-p51_4.jpg


من دون عنوان (٢٠١٠)، اكريليك، ٢٠٠ x ١٨٠ سم

bid14-p52.jpg


القناص (٢٠١١)، انواع مختلفة، ١٢٥ x ٢١٠ سم

bid14-p53.jpg


السفارة (٢٠١٣)، أكريليك على قماش، نحاس، ونيون في
إطار الفنان،
١٤٠ x ٢٢٥ سم

bid14-p54.jpg


«يا أبتي !» (٢٠٠٨)، انواع مختلفة على لوح، ٨ x ١٢٧ x ٢١٠ سم

bid14-p55.jpg


الشرق الأوسط (٢٠١٣)، أكريليك على نسيج، انواع مختلفة، ١٧٦ x ٢٠٠ سم

bid14-p56.jpg


ياك، أكريليك على إطار من خزانة قديمة، ٢٢٩,٥ x ٢٣٥ سم

العدد ١٤ - ربيع/صيف ٢٠١٦

إضافة تعليق جديد

تهمّنا آراؤكم ونريدها أن تُغني موقعنا، لكن نطلب من القراء أن لا يتضمن التعليق قدحاً أو ذمّاً أو تشهيراً أو تجريحاً أو شتائم، وأن لا يحتوي على أية إشارات عنصرية أو طائفية أو مذهبية.