في العام ١٩٩٠، في باريس، اقترح محمود درويش على أدونيس أن تجري مجلة «الكرمل» مقابلة معه ضمن سلسلة من المقابلات مع الشعراء العرب. وسأل محمود أدونيس إذا كان يفضّل احداً أن يجري المقابلة، فاختارني أنا. وكنت حينها في عداد أسرة تحرير «الكرمل». ترددتُ أول الأمر، على اعتباري لست شاعراً ولا ناقداً أدبياً بأي معنى احترافي. لكني فكرت أنه إذا كان أدونيس قد اختارني فهو يحدس أننا سوف نجري مقابلة سجالية غنية متعددة المواضيع وناجحة. أقول سجالية لأنه كان دوماً يدعوني «صديقي اللدود» لكثرة ما بيننا من خلافات عقيدية وسياسية وأدبية. وافقت متهيّباً.
قلت لأدونيس نلتقي على كأس عرق. نضع مسجّلة بيننا ثم ننطلق. قال: موافق وستكون المقابلة بمناسبة عيد ميلادي الستّين وأختم بعدها اعطاء مقابلات صحافية.
لم يكن شعر أدونيس ولا آراؤه بغريبة عنّي منذ أيام الدراسة الثانوية. مع ذلك، أعطيتني مهلة لا بأس بها للإعداد، قرأتُ خلالها القسم الأكبر من أعمال علي أحمد سعيد الشعرية، وكثرة من مقابلات ودراسات له وعنه في الصحف. ووضعت بضع عشرات من الأسئلة على أن تضاف إليها اسئلة ثانوية خلال المقابلة.
ولما حان وقت المقابلة أبلغني أدونيس، وكان موظفاً في «الأونيسكو» حينها، أنه يفضّل قراءة الأسئلة أولاً ثم نتوسع بواسطة الحوار الشفهي.
سلّمته قائمة الأسئلة ولما قرأها هاتفني قائلاً إنه يفضّل الإجابة عنها خطّياً. بعد أيام استدعاني وسلّمني إجاباته المكتوبة، ولست متأكداً ما إذا سلّمني إياها أو تركها عند سكرتيرة في المكتب. المهم أنّ المقابلة الشفوية لم تحصل.
قرأت الأجوبة وفوجئت بالتسرّع والسلبية في الأجوبة، وقد اختتم المقابلة بنص يتساءل فيه لماذا صديقي ظلمني / وهاجمني، وفيها تحسّر ولوم على الصديق الذي هو أنا.
أيقنت أن الأسئلة قد بدت له سلبية بل مستفزّة، وأن المقابلة لم تكن ناجحة. سلّمت المخطوطة، وكانت بخط اليد، لمحمود مع الملاحظة أني أعتبر المقابلة فاشلة ولا تليق بأدونيس، وتركت له حرية القرار بالنسبة إلى النشر. في اليوم التالي هاتفني محمود ليبلغني أنّ أدونيس اتصل به طالباً استرداد المقابلة والامتناع عن نشرها. وأردف محمود: آمل أن تكون لديك نسخة عن المقابلة للذكرى.
لم يخطر في بالي أن أنسخ المقابلة بالمرة. وهكذا ضاعت أجوبة أدونيس على تلك المقابلة التي لم تتم. ما بقي منها الأسئلة، وقد رقّنتها على كومبيوتري ذي الأحرف العربية.
وقعتُ على الأسئلة منذ فترة. قلت لنفسي لماذا لا أنشرها في «بدايات» لأستطلع آراء القراء عن مدى جديتها وملاءمتها لشخص أدونيس وشعره وأفكاره.
لا يقتصر الأمر على ذلك، نشر أسئلة المقابلة التي لم تحصل بمثابة تجديد العرض على أدونيس لكي يجيب عنها، مع الاستعداد طبعاً لنشر أجوبته، دون أدنى تدخّل، على صفحات المجلة.
إضافة تعليق جديد
تهمّنا آراؤكم ونريدها أن تُغني موقعنا، لكن نطلب من القراء أن لا يتضمن التعليق قدحاً أو ذمّاً أو تشهيراً أو تجريحاً أو شتائم، وأن لا يحتوي على أية إشارات عنصرية أو طائفية أو مذهبية.