العدد ١٣ - شتاء ٢٠١٦

حسين آيت أحمد

حقوق الانسان ناقصة دون حقوقه الاقتصادية والاجتماعية

النسخة الورقية

في الأول من كانون الثاني/ يناير المنصرم، شيّع عشرات الآلاف من الجزائريات والجزائريين حسين آيت أحمد، أحد القادة التاريخيين للثورة الجزائرية، إلى مثواه الأخير في قريته بمنطقة القبائل.

وكان آيت أحمد قد توفي في سويسرا في ٢٣ كانون الاول/ ديسمبر ٢٠١٥ عن ٨٩ عاماً.

أعلنت السلطات الجزائرية الحداد الرسمي عليه لثمانية أيام، وفي تلك المناسبة أصدر الرئيس عبد العزيز بوتفليقة قراراً باعتماد الأمازيغية لغة رسمية في الجزائر إلى جانب العربية وهو المطلب الذي ناضل آيت أحمد طويلاً من اجل تحقيقه.

بدأ حسين آيت أحمد حياته النضالية قائداً لـ«المنظمة الخاصة» التي بادرت إلى ممارسة الكفاح المسلح ضد الاستعمار الفرنسي منذ العام ١٩٤٧.

بعد انطلاقة الثورة العام ١٩٥٤، تولى مسؤولية مكتب جبهة التحرير الوطني الجزائرية في القاهرة ومثّل الثورة في مؤتمر باندونغ لدول عدم الانحياز ودافع عن القضية الجزائرية في الأمم المتحدة. وكان أحد قادة الثورة الخمسة الذين اختطفت فرنسا طائرتهم العام ١٩٥٦ وأودعوا السجون الفرنسية إلى حين انتزاع الجزائر لاستقلالها العام ١٩٦٢.

في العهد الاستقلالي، انتُخب آيت أحمد عضواً في المجلس التأسيسي للجزائر المستقلّة لكنه عارض فرض حكم الحزب الأوحد وانفراد أحمد بن بللا بالسلطة، فأسس أول حزب معارض «جبهة القوى الاشتراكية» العام ١٩٦٣.

سجنه بن بللا واستصدر بحقه حكماً بالإعدام. لكنّه هرب من السجن بعد سقوط بن بللا وسلك طريق المنفى العام ١٩٦٦.

عاد آيت أحمد إلى الجزائر العام ١٩٨٩ مع عهد الانفتاح وحظي باستقبال شعبي عارم. شارك وحزبه في العملية الانتخابية وعارض وقفها بعد مرحلتها الاولى التي فاز فيها الإسلاميون بأكثرية الأصوات.

رفض عرضاً من الطغمة العسكرية ــ الأمنية التي سيطرت على السلطة لانتخابه رئيساً للجمهورية، مصرّاً على تنحّي العسكر والأمنيين عن التدخل في السياسة والعودة إلى الدولة المدنية والمسار الديمقراطي. وما لبث أن غادر البلاد مجدداً بعد اغتيال الرئيس محمد بوضياف العام ١٩٩٢.

أدان حسين آيت أحمد «الحرب الأهلية» التي أطبقت على الجزائر، محمّلاً المسؤولية للتسلّط الأمني العسكري ولعنف الإسلاميين على حد سواء، داعيآ إلى حلّ سياسي يرّسّخ « السلم الأهلي» وإلى انتخاب مجلس تأسيسي يشرّع لجمهورية ثانية.

ننشر في ما يأتي مقابلة أجرتها مجلة «زوايا» الفصلية الصادرة في باريس مع حسين آيت أحمد في عددها الرابع الصادر في آذار/مارس ١٩٩٠. وهي تعطي فكرة عن هذه الشخصية الآسرة لسياسي يتحدث بشغف رؤيوي يجمع الوطنية إلى تطلّب عنيد للديمقراطية، ويعبّر عن عشقه للغة العربية في الوقت الذي يطرح فيه المسألة الامازيغية كمكوّن من مكوّنات النضال الديمقراطي في إطار وحدة الوطن الجزائري.

إلى أين الجزائر؟ سؤال يكثر تداوله هذه الآونة وتكثر الأجوبة عنه. أحزاب المعارضة تقاطع الانتخابات البلدية. وأوساط في جبهة التحرير تبحث عودة أحمد بن بللا في الاجتماع الأخير للّجنة المركزية.

حسين آيت أحمد من القادة التاريخيين لحرب التحرير وللجبهة. عاد إلى بلاده بعد إجازة حزبه «جبهة القـوى الاشتراكية». في لقائه مع «زوايـا» يمزج ملاحظات عائد من المنفى بعد ٢٣ سنة مع تركيز متماسك على أولوية الديمقراطية.

. تطرح بإلحاح الآن مسألة شرعية السلطة في الجزائر. قامت السلطة بُعيـد الاستقلال على دور جبهة التحرير الوطني في حرب التحرير. أنت من القادة التاريخيين للجبهة ولحرب التحرير. إلى أية شرعية للسلطة تدعو؟ إلى تجديد الشرعية الأصلية (الثورية) لحرب التحرير أم إلى بناء شرعية جديدة؟ وما هي؟

. لنبدأ من البداية. لم تسلّم الجزائر سيادتها للنظام الكولونيالي، مثلما كانت الحالة بالنسبة إلى تونس. ارتكز النظام الاستعماري على مرتكزين: استسلام الحاكم العثماني يوم ٥ تموز/ يوليو ١٨٣٠، وهو استسلام عسكري محض. والمرتكز الثاني هو تسليم الأمير عبد القادر، الذي لم يكن له أية صفة قانونية بل كان هو أيضاً تسليماً عسكرياً.

نتج من ذلك أنّ السيادة التي كانت مجسّدة في الدولة الجزائرية انتقلت إلى الشعب الجزائري الذي ظل يقاوم خلال عقود من الزمن حتى سنة ١٨٨٠. وما يميز الفترة الكولونيالية هو أن الشعب الجزائري عاد فصار موئل السيادة. وعندما سنحت الفرصة، لم تتكون الحركة الوطنية الجزائرية حول الدولة، كما كان الحال في المغرب وتونس، بل حول الشعب تكونت، أي حول أفكار حقوق الإنسان والافكار الديمقراطية، مما أعطى قاعدة أصلب لفكرة السيادة الوطنية، سيادة الشعب الجزائري.

خلال العقد الذي سبق انتفاضة ١٩٥٤، كانت الحركة الوطنية ترفض كل حقوق للجزائريين تتصدّق بها السلطات الاستعمارية، وتعلن أن الكلمة يجب أن تكون للشعب، وتطالب بانعقاد الجمعية التأسيسية. من هنا كان الاستقلال بمثابة العودة لتكريس تلك السادة الوطنية الشعبية تكريساً دستورياً.

عند الاستقلال، أعلنت جبهة التحرير نفسها حزباً وحيداً حاكماً وفرضت انتخاب الجمعية التأسيسية الوحيدة بلائحة انتخابية وحيدة. بل إنها لم تحترم تلك الجمعية التأسيسية، إذ وضعت الدستور بمعزل عن تلك الجمعية وفرضته فرضاً، مما أثار أزمة. ولقد أقدمت على تأسيس «جبهة القوى الاشتراكية» في أيلول/ سبتمبر ١٩٦٣ ضد ما سمّيته «الانقلاب الدستوري». وأودّ التشديد على أنه لم يُتخذ أي قرار بتأسيس حزب أوحد، أي إنه لم يكن ثمة من شرعة تشرّع لتأسيس الحزب الأوحد. طبعاً، جبهة التحرير الجزائرية هي التي خاضت الحرب. ومثّلت الكثير من التنظيمات السياسية التي قاتلت في داخلها لا بصفتها تنظيمات سياسية ــ فقد طلب منها أن تحلّ نفسها وأن ينضمّ مناضلوها إلى صفوف الجبهة بشكل إفرادي. لكنّني أقول الآن إن جبهة التحرير هي نتاج الحرب أكثر مما هي سببها. ولو تعمّق علماء الاجتماع والسياسة في دراسة ظاهرة الثورة الجزائرية، لاكتشفوا أنّ هذه لا يمكن اختزالها، في المطاف الأخير، بجبهة التحرير ولا بجيش التحرير. إنما كانت ظاهرة استثنائية من التعبئة الذاتية للأفراد والجماهير. من هنا إنّ جبهة التحرير لم تكن تملك أية شرعية في تنصيب نفسها حزباً حاكماً أوحد. وقرارها الانفراد في الحكم هو قرار اتخذته شلّة أو تحالف من الشلل.

شرعيـة شعبية في مؤسسات دستورية

بصدد الشرعية، لن تكون هناك شرعية إلّا عندما تتم العودة إلى الشرعية الشعبية. فهذا الوجه التاريخي الذي أشرت إليه يملي لضمان استمرارية الأمة الجزائرية أن يقوم دستور حقيقي تضعه جمعية وطنية تأسيسية على قاعدة التعددية وبعد مرحلة انتقالية تؤمن لكافة القوى السياسية فرصها المتكافئة. من هنا إن «جبهة القوى الاشتراكية» تناضل من أجل أن تعود الكلمة فعلاً إلى الجزائريات والجزائريين بما هم مواطنون، ومن أجل حقهم في انتخاب ممثليهم إلى تلك الجمعية التأسيسية. ولن تكون ثمّة شرعية فعلية للحكم إلّا عندما يوضع دستور وتقوم مؤسسات دستورية. الآن توجد حكومة تحاول إجراء إصلاحات بعد أحداث تشرين الأول/ أكتوبر ١٩٨٨ الدامية. حتى ذلك الحين كان الجمود كاملاً وكان الحزب الأوحد قد وهب نفسه الشرعية بنفسه. وأقول إنه حتى بعد الأحداث الدامية، كان المؤتمر السادس لجبهة التحرير مؤتمر انغلاق يرفض أي تطور أو إصلاح ليبرالي، أو بالأحرى تعدّدي، رفضاً قاطعاً.

غير أنّ الأمور سارت باتجاه مخالف. فالأنظمة البوليسية تملك حاسة شمّ قوية للتعرف إلى المزاج الشعبي وإلى التطلعات الشعبية. وقد أدرك النظام الجزائري أنّ قطيعة وقعت بين دولته، المفتقدة لأية شرعية، وبين الناس. فأدرك أنه لا مخرج له إلّا بالانفتاح. وقد تم هذا الانفتاح بواسطة قوانين دستورية عُرضت على الاستفتاء الشعبي. من هنا نعتبر أنه توجد الآن شرعية، ونلعب لعبة تلك الشرعية. هي شرعية هشّة، مجزّأة، وناقصة، نسعى إلى توسيعها نحو عقد جمعية وطنية تأسيسية. ولكن لا يمكن القول إنه توجد شرعية دستورية في الجزائر. بل يمكن القول إن كل شيء سار باتجاه وكأنه أريد تنصيب الجزائر كلها ضد دستوريتها.

. إلى أيّ مدى انصاع النظام للضغط الشعبي، في إجراءات الانفتاح هذه. وإلى أي مدى شكلت تلك الإجراءات تنازلاً للضغوط الخارجية، ضغوط الولايات المتحدة وصندوق النقد الدولي، التي تضع شروطاً باتت عالمية حول التعددية الحزبية ــ إنهاء حكم الحزب الأوحد وخوصصة القطاع العام وحدّاً أدنى من الالتزام بحقوق الإنسان، حسب الصيغة الاميركية؟

. أكيد أن الجزائر تعيش في محيط دولي. وهي قد عاشت علاقاتها بالاتحاد السوفياتي على أمل أن تستمدّ من تلك العلاقات شرعية ثورية لنظامها. بمثل ما عاشت طوال تلك الفترة علاقات مع الولايات المتحدة سمحت بنشوء رأسمالية دولة وبرجوازية جديدة. والثابت هو الابتعاد عن أوروبا وآثارها الديمقراطية. والغرض تأمين غلبة الأجهزة العسكرية والأمنية وإشراك قسم من السكان في المنافع من خلال إنشاء «السونطراق».

غير أن الذي يجب أن نتذكره هو أن جبهة التحرير الجزائرية قد ناضلت من أجل حقوق الإنسان منذ أن وجدت. بل إن هذه الحقوق تشكل جزءاً من الهوية الوطنية الجزائرية، لا الحقوق السياسية والمدنية وحدها، بل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية كذلك. فمنذ مطلع النضال الاستقلالي الحديث، وجهت الجزائر خلال عامي ١٩٤٨ – ١٩٤٩ عدّة مذكّرات إلى الأمم المتحدة تطالب فيها بحقوق الإنسان وتدين الهيمنة الاستعمارية والاضطهاد الثقافي. توجد إذن صلة بين المطالبة الاستقلالية من جهة وبين احترام الديمقراطية واحترام الكرامة الإنسانية من جهة أخرى.

. تقود حزباً يسمى «جبهة القوى الاشتراكية»، أية علاقة تقيم بين الاشتراكية والديمقراطية؟

. إن الحرية السياسية لا تنفصل عن الحقوق الاجتماعية والاقتصادية. ومن أجل إحقاق حقوق الإنسان، يجب أن يستمر الشعب الجزائري في ممارسة سيادته مثلما مارسها خلال الحرب. وأعتقد أن حرمانه تلك الحقوق هو الذي سمح بقيام دولة استبدادية وقيام طبقة اجتماعية تحتقر الشعب احتقاراً شبه كولونيالي هي تلك البرجوازية المتوحشة التي تصمّ أذنيها وتشيح بنظرها عن بؤس الأكثرية الساحقة.

الديمقراطية السياسية قاعـدة انطـــلاق

فيما يتعلق بمقاربتنا للديمقراطية، نعتبر أن الديمقراطية السياسية ضرورية ولكنها ليست كافية. إنها قاعدة الانطلاق لنيل سائر الحقوق الاقتصادية والاجتماعية وتجسيدها. فبقدر ما يسمح للشعب بأن يستعيد سيادته وللمواطنين بأن يسترجعوا حرياتهم ومواطنيتهم، يستطيعون بالتالي فرض تطور يسير بالاتجاه الذي يرغبون فيه. ليس الخيار في رأينا بين ليبرالية متوحشة وبين اشتراكية متوحشة. إننا نرفضهما معاً. منذ ١٩٦٣، تضمّن الإعلان التأسيسي لـ «جبهة القوى الاشتراكية» رفض دكتاتورية البروليتاريا وما سمّيناه آنذاك «البرجوازية المجردة» في آن معاً. يجب تمكين الشعب الجزائري من أن يسيطر على مصائره السياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية.

ثمّ إننا نرى أن الليبرالية المتوّحشة ليست قدراً مقدّراً. واضح ان بلدنا بحاجة إلى اقتصاد سوق. والعالم كله يتراجع عن المقاربات البيرقراطية في بناء الاقتصاد والمجتمع. وأعتقد أنه إذا كان شعار الاشتراكية لا يزال له صدى في الجزائر، رغم انعدام الثقة بكلمة اشتراكية لارتباطها بالكوارث التي عانى منها الناس في حياتهم اليومية، أقول إذا كان لا يزال ثمّة سمعة للاشتراكية في الجزائر، فلأن الناس تتذكّر أننا ــ في «جبهة القوى الاشتراكية» ــ قد ناضلنا من أجل الديمقراطية ومن أجل حرية الصحافة والتعددية. وأعتقد أنها فرصة تتيح لنا أن نظل أوفياء لمنظومة قيم معيّنة هي قيم الاشتراكية.

. ما حاجة النظام الجزائري إلى الديمقراطية الآن؟

. سأحاول الإجابة عن سؤالك بالقول إنني الآن صرت أفهم أكثر لماذا قتلوا صديقي المحامي مسيلي في باريس. كانت تصفيته الجسدية تندرج في استراتيجية تسمح للانفتاح الـ «الديمقراطي» بأن يكون انفتاحاً مسيطراً عليه، انفتاحاً شكلياً. لأنهم شكّلوا لنا فيما بعد حركة قبائلية غرضها إضعاف «جبهة القوى الاشتراكية» في المناطق القبائلية ومنع انغراسها فيها. طالما نشرت الأكاذيب عن تلك المنطقة، والحقيقة أنها تلعب الآن الدور الوطني ذاته الذي لعبته خلال حرب التحرير، ولكن هذه المرة على مستوى الديمقراطية. فقد خلقوا «التجمع الثقافي الديمقراطي» RCD ثمّ أرادوا خلق تنظيم آخر تسيّره أجهزة أمنية معروفة، وهذا كله لقطع الطريق على قيام بديل شعبيّ يعبّر عن التطلعات العميقة للناس وعن مصالحهم. هكذا استبقوا مثل هذا التطوّر. قالوا سوف نشيع الديمقراطية لكنّ الانفتاح سوف يولّد حركة شعبية، وكانت الشركة تملك ما يكفي من المعلومات لتدرك أن لمثل تلك الحركة كل الحظوظ لتصير حركة ذات تمثيل واسع النطاق.

من أجل نقابات حرّة

يدور الآن حوار حول عقْد ميثاق وطني بين الأحزاب السياسية، وهي فكرة يكثر الحديث عنها في أوساط الأحزاب الجديدة كما في أوساط السلطة السياسية. خلال الفترة الأخيرة استقبلنا العديد من ممثلي الأحزاب السياسية، منها وفد من «حزب الطليعة الاشتراكية» الذي كان يتحدث عن عقد ميثاق وطني. وقد أجبنا بأننا مستهدفون من قبل السلطة التي تحاول تصفيتنا وتخريب حزبنا. لسنا نملك مقرات لحزبنا ونواجه مصاعب جمة. ونخشى ألّا تعود الديمقراطية السياسية مجزية إذا كانت الجماهير المهمّشة وأشباه البروليتاريين والمليونان من العاطلين من العمل والنساء والشرائح الاجتماعية المهمّشة، لا تعتبر تلك الديمقراطية وسيلة لمنحها الثقة والأمل.

المهم الآن أن نساعد العمال الجزائريين على تأسيس نقابات حرة حقيقية، علماً أن «حزب الطليعة» ممثّل في المجلس الوطني للاتحاد العام للعمال الجزائريين، وأنّ القطاع النقابي لجبهة التحرير يسعى إلى دعوة مؤتمر يجدّد الثقة لاتحاد نقابي ممتثل لأوامره. فيما القاعدة العمالية تخترقها شتى التيارات الديمقراطية. نحن ندعو إلى حلّ كافة المؤسسات النقابية. وليقرر العمال أنفسهم إذا كانوا يريدون اتحاداً نقابياً ديمقراطياً واحداً أو عدة اتحادات نقابية. لكن لا نريد أن يكون لحزبنا نقابة خاصة به.

المهمّ أن نقول للناس نظّموا أنفسكم على نحو ديمقراطي. أما دورنا نحن في هذه المرحلة من المسار الديمقراطي فهو أن نساعد العمال والفلاحين والشبيبة والنساء على أن تكون لهم بنى على الصعيد الوطني وأن نساعد كافة الشرائح الاجتماعية المهمّشة على أن تنتظم في جمعيات، لأن حركة الجمعيات تبدو لنا الآن أهمّ حتى من الأحزاب السياسية.

. أفهم من حديثك أنك تدعو إلى ديمقراطية «من تحـت»، رافضاً الديمقراطية التي يجري التصدق بها «من فوق» والتي تتجاهل الإرادة الشعبية.

. في أول اجتماع في رأس الحرفة تحدثت عن الحرية السلبية. قد يبدو أنّ ثمّة مفارقة في الحديث عن حرية وسلبية. لكن واقع الحال هو الحرية الممنوحة كهبة من فوق. بعد سنتين من المسار الديمقراطي، لا يزال الإعلام كما هو عرضة للتلاعب والكيفية. مثلاً، جرى تصوير لقائي مع الرئيس الشاذلي بن جديد على أنه تم بناء على طلبي. ليس عندي من اعتراض على أن أطلب مقابلة الرئيس. لكن الحقيقة أنه هو الذي طلب مقابلتي. فكان عليّ أن أضع الأمور في نصابها الصحيح في مهرجان وهران.

ثمّة صحافيون يعتقدون أنهم يكسبون رضى الرئيس بتقديم الأمور على هذا النحو، أي بنفي أن يكون الرئيس هو الذي أخذ المبادرة في دعوتي للقائه، بينما من واجب الرئيس في نظام ديمقراطي أن يلعب دور الحكم.

استقلال القضاء والإعلام

بادرت في اجتماع وهران إلى إدانة الموقف المشين للتلفزيون الذي أعطى ١٢ دقيقة للنائب العام للإدلاء بمطالعة حول جريمة بليدا. أنا أدنت جريمة الاغتيال في بليدا وأدنت العنف وقلت إنه لا يجوز أن نتهاون في مثل هذه الأمور. لكنّ المدّعي العام لجأ إلى التهديد. في حين أن على القضاء أن يكون حيادياً وهادئاً ومستقلاً عن السياسة. وكنت أودّ لو أن التلفزة خصصت ولو صورة واحدة لحوادث جامعة وهران عندما خرقت الشرطة الحرم الجامعي وأخذت تقمع الطلاب داخل الجامعة ذاتها. هناك إضرابات مهمة في الحجّار وفي أماكن أخرى، فضلاً عن النضالات الاجتماعية. وهذه كلها لا تشير إليها التلفزة.

إن التلفزيون قلعة من قلاع النظام القديم. أقولها على الماشي. عندما عدت، خصّصوا لخبر عودتي دقيقة ونصف الدقيقة. وأية دقيقة ونصف؟ صوّروني وأنا أطالب بالصحافيين الأجانب! مع أنني كنت قد أدليت بمداخلة طويلة استغرقت ساعة ونصف الساعة لم يأخذوا منها ولو لقطة واحدة. عندما نزلت من الطائرة، فصلوني عن الصحافيين الأجانب. قد يكون هذا الأمر طبيعياً إذ أرادوا أن أخصص حديثي للصحافة الجزائرية. وبعدما انتهيت، كان الصحافيون الأجانب، المعتمدون في الجزائر والآتون منهم معي في الطائرة يريدون الاجتماع بي، ويمررون لي الرسائل طالبين السماح لهم بالدخول إلى القاعة. وبعد ساعتين من لقائي مع الصحافة المحلية، سألت: أين هم الصحافيون الاجانب؟ فكانت تلك هي اللقطة التي اختاروا عرضها على الناس. وفي الليلة ذاتها، خصصوا أكثر من ربع ساعة لمؤتمر «تجمّع الثقافة والديمقراطية».

هذا هو منطق الصدقات والهبات «من فوق»، ولمّا كان الإطار هو ما هو عليه، فيجب أن نناضل لنملأه بمضمون آخر، يجب أن نعبّىء الجزائريات والجزائريين من أجل أن ينتزعوا حقوقهم بأنفسهم وأن يحوّلوا هذا المسار الديمقراطي إلى مسار حقيقي.

دور المسلمين إغنـاء الديمقراطية

. كثر الحديث خلال الفترة الأخيرة عن تطوّر على الطريقة السودانية في الجزائر أي عن سيناريو انقلاب عسكري يعتمد على الحركات الإسلامية. إلى أي مدى تعتقد بإمكان هذا الاحتمال؟

. ليكن واضحاً كل الوضوح: نحن مسلمون. لكنّنا هنا في صدد قضايا مدنية لا دخل للدين فيها. غير أنّنا لن ندخل المعركة السياسية على أساس التحليل والتحريم. نرفض في الشؤون المدنية أن يقال هذا محرّم في الدين وهذا محلّل. وليكن واضحاً. نحن مسلمون ونحن ديمقراطيون. نعتقد أنّ دور المسلمين هو أن يُغنوا الديمقراطية لا أن ينهبوا الشعب. فإرادة الشعب من إرادة الله.

عن الظاهرة الإسلامية أودّ أن أقول أوّلاً إن الإسلام شكّل خلال مقاومة الاستعمار الهوية التي بها قاوم الشعب، ولم يجد من ملجأ له وملاذ غير المساجد والزوايا.

عدتُ إلى وطني فوجدت وجه الحياة السياسية فيه وقد انقلب رأساً على عقب. لم تعد الهيمنة فيها لجبهة التحرير التي أدارت البلد خلال ربع قرن بل هي الآن للإسلاميين. إن احتكار جبهة التحرير للسلطة قد أضحى أسطورة فالسيطرة الفعلية الآخذة في التكوّن أمام أعيننا هي سيطرة الإسلاميين. في وجه ذلك، يجب بثّ الأمل في الناس ودفعهم إلى النضال. بديهي أن الأمر ليس سهلاً. لا نملك السلطة ولا الوسائل اللازمة لتنظيم حركتنا بسرعة، ولا نحن نمتلك وسائل الإعلام والتنظيم التي تمكّننا من أن نلحق بالسرعة التي تتدهور فيها الأوضاع التي نحن عليها شهود.

ما هي السيناريوهات الممكنة؟ أنا متفائل كمناضل، بكل شيء وبحماسة مهما تكن التوقعات عن النتائج، وإلّا فلا نقوم بها على الإطلاق. تقوم فكرتنا على تنظيم المناطق الحساسة في حياة البلد الاقتصادية والسياسية والثقافية، ودفع المثقفين إلى اتخاذ المواقف والخروج من عزلتهم بحيث إنّ المدّ الجاري لا تصادره شعبوية معيّنة بل يفضي إلى بناء حركة ديمقراطية منظّمة. رغبتي وحلمي معاً أن أبني حزباً ديمقراطياً حقيقياً.

. ألستَ تخشى من انشقاق أهليّ بين قطاعين من الشعب الجزائري: أي بين الشرائح الحديثة وبين شرائح شعبية واسعة وتقليدية مهمّشة لم تطاولها الحداثة وتسيطر عليها الأصولية؟

. أعتقد أنّ هذا هو الخطر الأفدح. في تيزي أوزو، حذّرت من العواقب الوخيمة المترتبة على مثل هذا الشقاق. الفئات الأشدّ بؤساً من السكان في انتظار ظهور المهدي، وهناك احتمال أن تلتقي هذه القوى الاجتماعية المخلعة اجتماعياً ونفسياً مع جناح في الحكم يريد العودة إلى الخلف.

. غالباً ما نتناسى حجم الانشقاق بين المدينة والريف في بلادنا. ما حجم تواجد الأصوليين في الأرياف؟

. الأصولية موجودة في الأرياف المتمدّنة. هناك ترييف للمدن الجزائرية، وهو أكبر الكوارث. التسيّب يضرب أطنابه. لهذا لم أتعرف إلى بلدي عندما عدتُ إليه. هناك صعلكة للوعي وليس مجرّد صعلكة للمجتمع. في حين أن الشبيبة ديناميّة، مع أنّها غير مسيّسة مع الأسف، وهي قادرة على إطلاق عملية تجديد ذهني وثقافي واسعة في بلادنا. لكن قوى القمع موجودة. صحيح أنها لا تمارس القمع، لكن الناس تدري أنّها موجودة وتقول: إن هذه العملية الديمقراطية ستكون هشّة وغداً قد يعود القمع، فلماذا نظهر إلى العلن ونعبّر عن آرائنا؟ دُعيت لإلقاء محاضرة في قسنطينة وقد ذهلت لأنه يوجد فيها بين ١٥ ألفاً و ٢٠ الفاً من الجامعيين. قلت لهم: مناضلو حرب التحرير اجترحوا المعجزات، وأنتم يجب أن تشاركوا في النضال الشعبي بأن تجعلوا من الديمقراطية قضيتكم الشخصية. ثمّة إمكانات هائلة لدى شعبنا قابلة لأن تنفجر ولكن بشرط أن ينزاح كابوس الخوف عن الناس.

لا معنى للديمقراطية بلا مشاركة المرأة

. تحتدم مسألة المرأة في الجزائر فيما يشنّ الأصوليون هجوماً شرساً عليها، على دورها في حرب التحرير، على عملها، وحتى على خروجها من البيت. وثمّة جمهرة من النساء يقاومن للحفاظ على الحقوق، ويرفضن أن تكنّ ضحايا مستكينات لتلك الحملة وأن يعاد تهميش نصف المجتمع.

. الذي يميّز الجزائر هو الدور الحيوي الذي لعبته النساء في حرب التحرير. استقالة الرجال دفعت النساء إلى الاضطلاع بمسؤولياتهن. سوف أستشهد بنادرة: «الزينة» بطلة من بطلات حرب التحرير. أمام الوضعية الجديدة للمرأة في بلادنا، تجدها تقول للرجل: «أيام الثورة، كنت تأتي إليّ لتطلب الإذن لأسمح لك بالانتقال من قرية إلى أخرى. والآن عليّ أن آخذ منك الإذن لأخرج من البيت؟». لعبت النساء دوراً حاسماً في الحرب ومع ذلك لم تكن امرأة واحدة لتمثلهن لا في الحكومة المؤقتة ولا في قيادة جبهة التحرير. إن أهمية دورهن في الميدان لم تكن منعكسة على مستوى القيادة. وعندما اعتمد الفرنسيون سياسة المناطق الممنوعة، وأجليت قوى بكاملها في الأرياف. تكفلت النساء بفلاحة الأرض. أهمية المساهمة النسائية كما ترون كانت عظيمة. غير أن تقهقر السيادة الشعبية عبّر عن نفسه أيضاً بتغييب المرأة عن الميدان السياسي.

لا معنى للحديث عن الديمقراطية إذا كانت أكثرية الشعب ليست مشاركة فيها. ولا معنى لحديث عن التنمية إذا جرى شلّ النساء عن المشاركة فيها، بل لا نستطيع الحديث عن ثقافة إذا لم تساهم النساء في التجديد الثقافي وإذا لم تحطّم الإطار العائلي الظلامي.

كيف تحدّد القضية الأمازيغية؟ كيف تفهمها؟ ما الذي تدعو إليه حلاً لها؟

القضية ثقافية. في الجزائر لا يوجد مناطقية قبائلية ولا يوجد مشكلة قبائلية. هناك مسألة ثقافية أمازيغية تخصّ سكان المنطقة القبائلية.

اللغة الأمازيغية من أقدم لغات العالم. والثقافة الأمازيغية هي الوحيدة المتبقية من الثقافات المتوسطية القديمة. حتى اللغة الفينيقية كان لها تأثير في الأمازغية. اندثرت شبيهاتها. اندثرت اللغات الفرنسية واليونانية والإيطالية القديمة لصالح اللغة اللاتينية. إنها من أقدم اللغات المتوسطية ذات الأبجدية. هي من أقدم الأبجديات (التيفانا).

والحقيقة أنه توجد استمرارية للغة وثقافة بتعبير عربي الآن. وكانت ذات تعبير روماني أيام الرومان وتعبير بيزنطي أيام حكم بيزنطية. هناك استمرارية والأمازيغية تشكل جزءاً من الشخصية الوطنية الجزائرية. لست أفهم لماذا تستثني الجزائر أحد مكوّنات هويتها. من المفارقات التي صدمت الشباب الجزائري أيام بومدين رعايته لحركة لتحرير جزر الكناري بحجة أنّ هذه تنطق بلهجة أمازيغية، فيما هو في بلاده كان يضطهد المطالبين باستخدام تلك اللغة من أبناء شعبه ويرفض الاعتراف بمثل هذه الحقوق لشعبه ذاته.

قلت دائماً وأكرر: نحن مع العروبة بصفتها الهوية الثقافية للشعب، نحن مع العروبة الحديثة التحرّرية، العربية هي لغتنا، اللغة الرسمية، اللغة القومية للجزائر. نحن أبناء ثقافة عربية. لقد أحجمَ الناطقون بالأمازيغية عن المطالبة بحقوقهم اللغوية والثقافية خلال حرب التحرير حتى لا يتركوا أيّ مجال للاستعمار لأن يستغلّ ذلك. أمّا وقد نلنا الاستقلال، فإنّ هؤلاء الناس يطالبون باحترام لغتهم. ليس ثمّة قومية بربرية، ليس ثمّة قومية أمازيغية أو قبائلية، ونحن ضد هذا اللون من القوميّة الاستئثارية. نرى أنّ الاستقلال ليس انكفاءً على الذات بل هو استجماع للقوى، وهو أيضاً انفتاح.

الحركة السياسية الوحيدة التي تطرح مشكلة الاندماج الوطني بالمعنى الثقافي هي «جبهة القوى الاشتراكية»، بالأخذ بالاعتبار كافة مكونات الثقافية الوطنية. يجب أن يكون للغة القبائلية حظّها في التطور. لهذا يجب إعلانها لغةً وطنيةً ومنح السكان وسائل تعلم لغتهم واستخدامها في الإدارة. الذي صدم السكان الذين لا يجيدون تكلم العربية أنهم، في زمن الاستقلال، أجبروا على تكلم العربية، وهم لا يعرفونها أصلاً، كانوا يعلّقون على ذلك بالقول: أيام الاستعمار كانوا على الأقل يوفّرون لنا المترجمين في إدارات الدولة والمحاكم. وها إن الكثير منهم غادر الجزائر وهاجر إلى أوروبا. أعتقد أن الاندماج هو نقيض النبذ. يجب الاعتراف بالناس كما هم، إنّ الكرامة لا تتجزأ. الكرامة هي اللغة وهي الخبز وهي الحقوق الاجتماعية، وهي الحقوق السياسية.

لا نريد أن تتّم الأمزغة كما تمّ التعريب أي بالمناقصة والاعتباط ومن دون إعداد. نريد جهداً طويل المدى. يجب أن يتعلّم الجزائريون والجزائريات العربية والأمازيغية والفرنسية. رداً على الحجة التي تقول بأن هذا كثير، نقول إنّ الشباب يتعلمون أصلاً أربع أو خمس لغات. على مستوى السلطة، يوجد نظرة شبه زراعية إلى قضية الثقافة، ينظرون إلى الدماغ على أنه وعاء فارغ وأن كلّ شيء يعتمد على ما تضعه فيه. إذا وضعت اللغة الفرنسية فهذا زرع أجنبي، زرْع فرنسي، يجب أن نشرح لهم أنّ الدماغ عضلة، كلّما استخدمتها ازداد نشاطها، وكلما تكاثرت اللغات ازدادت طاقتها على الاستيعاب، وتحسّن أداؤها وازدادت فرصة تطوّر المقولات الذهنية الأكثر تقدّماً.

أصرّ على قول هذا: أعتقد أننا نقدّم عنصر توازن إلى الجزائر لأننا سيّسنا المطالب الثقافية والنضال من أجل الحقوق الأمازيغية.

. ثمّة انبعاث للثقافة القبائلية والهوية القبائلية مرتبط بطريقةٍ ما بتهميش الشباب، ولكنه أيضاً ردّ فعل ضد التعريب الإلزامي. هل التعريب ميّز الشرائح العربية في إدارة مثلاً، ليس من قضية ثقافية بدون أساس اجتماعي، لا توجد مطالبة بتأكيد هوية ولا مطالبة ثقافية من دون مدلول اجتماعي من هذا النوع أو ذاك. أن يكون النظام قد مارس التمييز ضد أكثرية الشعب هذا صحيح. لكن هل وقع تمييز خاص ضد الأطر القبائلية، ذات التعليم الفرنسي غالباً؟

. هل كان ثمّة امتيازات قبائلية في الإدارة الفرنسية؟ هل ميّز التعريب ضد القبائليين بعد الاستقلال وشكّل واسطة ارتقاء اجتماعي للبعض على حساب الآخرين؟ أقول إن سياسات جبهة التحرير الجزائرية، بطريقتها في إبراز النزاعات السياسية والثقافية، كانت سياسات ديماغوجية.

الحركة الاستقلالية تأطّرت بين الذين درسوا باللغة الفرنسية، فيما العلماء وراء فرحات عباس كانوا يشكلون التيار الإصلاحي، وكانوا من أصل برجوازي، ينتمون إلى طبقة اجتماعية لها حدودها. ولم يكن العلماء يخفون ذلك إذ كانوا يقولون: لن نضحّي بأنفسنا أبداً من أجل الجهلاء. يقضون يومين في الاعتقال وما أن يُطلق سراحهم حتى يستقيلوا من السياسة. لن نضحّي بأنفسنا أبداً من أجل الجهلاء. هذا احتقار للجماهير. انطلقت الثورة بفضل الذين درسوا في الجامعات والثانويات عند الفرنسيين، ومنهم تشكلت فئة من الذين يقولون عنهم «حسين الأحول» إنهم لم يكونوا مثقفين بل مجرّد متقدمين على الأميين.

أقول إن التعريب بالمناقصة بعد الاستقلال لم يكن قدَراً مقدراً. مع ذلك، لست أعتقد إن كان سيوجد قبائلي واحد يعارض التعليم الحديث بالعربية. والحال أنه جرى تزوير المشكلات الثقافية والمشكلات اللغوية بزجها في النزاعات على السلطة، في النزاعات السياسية، جرى تزوير المواضيع الثقافية بتسييسها، بالمعنى غير النبيل للكلمة. وهكذا طبقت سياسة تعريب قائمة على المناقصة. والذي لمسته عند بعض المثقفين الناطقين بالعربية قولهم إنّه يجب ترقية الناطقين بالعربية في الإدارة مهما يكن مستواهم. ماذا ينتج من ذلك؟ تنتج إدارة عديمة الكفاءة، إذ إن التوظيف يجب أن يكون على أساس المباريات، على أساس الكفاءة. أمّا عندنا، فمن إجل إرضاء بعض الشرائح الاجتماعية جرى تشريع أبواب الإدارة على مصاريعها، ممّا أدّى إلى المأزق المعروف حيث البيروقراطية خنقت المجتمع المدني. وأية بيروقراطية! بيروقراطية متضخّمة وعديمة الكفاءة.

. موقفك من الوحدة المغاربية.

. في ما يتعدى اعتبارات الكلاسيكية، إن ربع قرن من سوء الحكم والإدارة والتجارب المشتركة يجب أن توحّدنا. لم نعد نملك القدرة على البقاء إلّا بوحدتنا في وجه التيارات الإقليمية التي نشهد عليها في أوروبا وسواها. في الوقت الذي نناضل فيه من أجل إشاعة الديمقراطية كلّ في بلده، علينا أنْ نعمل من أجل إشراك الفئات الأكثر حرماناً في عملية بناء المغرب الموحّد، ليس فقط تمثيلها في البرلمان المغاربي بل وأيضاً أن نجد أشكال تمثيل في مجالس تنموية تشارك فيها النساء والنقابيون وجميع الذين لم تسنح لهم فرصة التمثيل في البرلمانات الوطنية. المهم جعل الوحدة المغاربية حقيقة لا رجعة عنها بإشراك الأحزاب السياسية والجمعيات والهيئات الممثلة للمجتمع المدني حتى تستطيع أن تلعب دورها كاملاً في النطاقين العربي والأفريقي.

العدد ١٣ - شتاء ٢٠١٦
حقوق الانسان ناقصة دون حقوقه الاقتصادية والاجتماعية

إضافة تعليق جديد

تهمّنا آراؤكم ونريدها أن تُغني موقعنا، لكن نطلب من القراء أن لا يتضمن التعليق قدحاً أو ذمّاً أو تشهيراً أو تجريحاً أو شتائم، وأن لا يحتوي على أية إشارات عنصرية أو طائفية أو مذهبية.