بيروي فارس فقيه بقصة نشرها بكتاب بعود لعام ٢٠٠٦، عن حرب ٢٠٠٦ بجنوب لبنان، انو في مقاتل كان كتير عطشان دق باب بيت ختيار بواحدة من هل الضيع، كان المقاتل بيعرف ان الختيار بعده قاعد ببيته. دق الباب عم بيطلب ماي، وعلى لسان العجوز، انه بس فتح الباب شاف المقاتل وعدد هائل من الملائكة بلباس القتال واقفين وراه، طلب المقاتل شربة ماء، فردّ عليه العجوز انو في مي لإلك ايه، بس ما في مي بيكفي لكل هذا الجيش من وراك. التفت المقاتل مذهولا من يلّي عم بيشوفو العجوز وهوي ما قادر يشوفو.
كيف فينا نوصف الخرافة يلي خلّت العجوز يشاهد مقاتلين ملائكة؟ او انو مؤلف الكتاب خلاهن يكونوا مقاتلين؟ كيف فينا نفهم ونفكك حجم الخرافه يلي اتضخم بعد حرب ٢٠٠٦.
فيديو للكتاب المصور
انا كنت عم بسوق بالجنوب، وقت يلي إشتريت هيدا الكتيب من شباب يبيعون هيدا النوع من القصص على طريق فرعيه من احدى شوارع مدينه النبطية، بيوقفوا على بسطة أشبه بحاجز، بيعرضو بضاعتهن عليك انت ومارق، فيك تدفع قد ما بدك، كلو هيدا تحت شعار دعم المقاومة.
لما قريت الكتاب، اجاني شعور ان العجوز لازم يشوف ملائكة عم تحمي المقاتل، مش عم بتقاتل معه، لو كانت بقدر غير بالقصة شوي، لاستطردت بالكتابه عن الملائكة لابسه ثوب ابيض طويل عم تحمي المقاتلين من الرصاص، عم تخفيهن امرار بتلف حولن الثوب الابيض لتحميهن، عم ترفعهم من القذائف.
بس في قصة ثانية من الكتيب نفسه بتآكد انو الملائكة كانت عم بتقاتل بسيوفها وعلى احصنتها جنباً الى جنب مع المقاتلين.
بعدين بمشوار ثاني، رحت فتش عنهن بلكي بلاقي غير كتيبات بس ما قدرت لاقيهن، نقال لي انو هيدي تجارة غير رسمية، ومش لدعم المقاومة، تجارة مربحة في زمن الحرب.
البحث عن شيكو
كل هذا وانا في طريقي عم بسوق بالجنوب، انا كنت طالع بالاساس لفتش عن شيكو. شيكو الساحر، لاعب الخفة. ساحر عم استدعيه من طفولتي ومراهقتي في النبطية. كنت انا وابنه نرافقه بمراهقتنا، ندور معه على الحفلات يلي بيعملها بالضيع كان يقدم عروضه بنوادي الضيع ومدارسها، انا وابنه كنا عم نتعلم العزف على «الاورغ»، اتفقنا انو نكون العازفين في عرضه، عازفي الإيقاعات على الخدع، منحمّس الجمهور ونخلق جو اضافي من الغرابة، لنقول انو كنا الموسيقى التصويريه للعرض.
كل مرا كنا ننهي العرض، كان يجي لعندي شيكو ويحذرني من كشف اية من العابه، انا يلي كنت اقف على طرف المسرح كنت شوف كل شي ومع الوقت صرت اقدر اكشف اسرار كتير من خدعه.
اجمل فقرة من العرض كانت فقرة زوزو الدمية يلي بتحكي، شيكو كان متكلم باطني، يتحاور مع زوزو الدمية يلي صانعها هوي من الخشب، وكان صرلُن مع بعض اكتر من عشرين سنه. شيكو كان يشتري الفن شراية، بداياته تعرف على الساحر او الكاتب المشهور داهش، ثم انهوس بالسحر. كان يقول انه عليك ان تشتري الخدع لتنمّي قدراتك، فنانو السحر يشترون من بعضهم من بعض فنونهم. اشتغل ببيروت بالسبعينات، في الملاهي الليليه، متل التيكو تيكو، والاوتيلات. رجع شيكو الى النبطية أستأجر مسرح وقرر انو بدو يبلش يقدّم عروضاته .
عم بتخيل هلآ الدعاية لشيكو على مسرح ريفولي، الثمانينات، النبطية، بأي فترة بالتحديد، قبل او بعد حرب ما بين حركة امل وحزب الله الاحزاب يلي كانت عم تتقاتل بوقتها، بعد او قبل عملية للمقاومة ضد اسرائيل على تلال النبطية. دعاية لساحر على مسرح ريفولي. الدعاية بتقول «تعالو الى عالم السحر، الى عالم الدهشة، الدكتور شيكو الساحر الفنان يقدم عرضه المذهل».
شيكو مشغول بتحضير عرضه، استآجر المسرح، جاب الخشب، المساعدة جاهزة لخدعة التقطيع، الإضاءة السوداء جاهزة ليخفي راسه، لو كان بيعرف من قبل انو هي الخدعة رح تسبب كل هذا الذعر، لفكر مرتين قبل ما يقدمها، كل شيئ كان بيوحي بالنجاح. شيكو متحمّس لاول حفله له بمدينته، عم نشوفو عم بيشتغل كل الوقت، لوحده عم بيعلق البوسترات، عم بيساعد النجار بالخشب، وبالليل بيحلم بنجاح العرض، ساعتها بيقدّر انه يقدم عرض دائم بلكي، بتتعدى شهرته الجنوب كله، بيتخيل العروض يلي رح تنهال عليه.
طيب اجا الموعد، الصالة ملياني ما كان في ولا كرسي فاضيه، كل شي مبيّن تمام. طلع شيكو الى المسرح كان عندو شعور لا يوصف، كان في قمة نشوته، من خدعة الى خدعة، الجمهور يتمتع، يندهش، يتفاعل، لحد ما اجت لحظة خدعة اخفاء رأسه، ساد الصمت الرهيب، حسّ شيكو بأنو في شي غريب صار بين الجمهور، بلحظتها كان عليه ان ينتقل للعبة مدهشة اكثر او انو يعمل فقرة زوزو الكوميديه، ليغير مزاج الجمهور، بس نقص الخبرة لعندو خلاو متلبك اكثر، واخذو شويّت وقت ليستعيد انفاسه ويقدر يكمل العرض. بالليل، كان شيكو مشغول بيلي حصل، شو يلي وتّر الجمهور وخوّفو هلقد. كان عليه ان ينتظر للصباح ليكتشف شو يلي صار.
فاق تاني يوم ونزل دغري على السوق، حسّ بنظرات تلاحقه، حس انو الناس عم تتحاشاه، على الاقل يلي بيعرفوه. حتى انو في واحد قطع الشارع الى الرصيف الثاني حتى ما يمرق من جنبه.
كِبرت القصة، إجا مين يقلو انو المدينة عم بتحكي، انك فيك تخفي الناس وان سحرك في يتحول لعمل شيطاني، بلكي فكرة الاخفاء هي يلي خوّفت الجمهور، الغياب والظهور، بس الجمهور بيؤمن بفكرة الظهور؟ يمكن لانو ما قدر يفسر هذ الفعل؟ انو كيف ممكن لرجل غير مقدس انو يكون عندو قدرات ما لها تفسير؟ السحر عَمَل غير مقبول وعند رجل اسمو شيكو، كان لا بد من تفسير، وكان من الطبيعي ان يلجآو لرجل الدين، لإمام المدينة، وحده الشيخ بيقدر يحد من سلطة هـالقوة الخارقة، قبل ان تصبح تهديد، حتى للساحر نفسه.
هل كان شيكو على استعداد انو يروح لبعيد ليخلق حوله هذا الغموض، بمعنى انو يتعايش من الاشاعات يلي رح تتحول مع الوقت الى خرافه ثم الى هالة قوة.
شيكو كان مرعوب، كان مرعوب، كيف كبرت القصة هل قد، السحر محرّم! ما كان هيدا قصدو ابدا.
بين الساحر والشيخ
الساحر في مواجهة رجل الدين، منعرف مسبقا النتيجة.
شو الحوار يلي دار يا ترى بين الشيخ والساحر؟ هل اجا شيكو ببدلته يلّي نادرا ما بيشلحها، ام اجا مجرد من اي خدع، مستسلم كليا لطاعة رجل الدين؟
لنعترف هون انو الشيخ ما كان عارف شو بدو يعمل بالاول، كيف بدو يقارب هذا الموضوع، وين الحقيقة من الخدعة، كان عليه انو يكون حذر من هل الساحر يلي رجع عل المدينة بقدرات غريبة. شو بيعمل اذا تحداه شيكو باشياء ما بيقدر يفسرها؟ هل هو منجّم.
حضر وبرأسه كل الاحاديث والآيات التي تثبت كذب هذه الافعال. رغم هيدا كان عم بيحس برهبة ما من انو يعمل هل الساحر افعال تجرّده من كل حججه وتهزمو بالمواجهة. اصلا ما بعمروا واجه هيك حاله من قبل، بس شيكو ما فسحلوا المجال لكل هذه المحاججة والتحدي.
اجا شيكو خالي الوفاض متل ما بيقولو. مستسلما كليا لطاعة الدين. لأ. اكتر من هيك كان عم يطلب المساعدة. تنفس الشيخ بارتياح، ابتسم ابتسامته الابوية المعتادة، استعاد سلطته، وحتى انو عيطلو باسمه الاول، قلو «يا (محمد) شو كل هل الضجه يلي عاملها بالمدينة، عم تعمل سحر صاير؟» هون بلش شيكو يبرر مفهوم الخداع البصري والعاب الخِفة وان كل هذا هو ممسرح ما في سحر ابدا. وراح بعيد حتى انو كشف بعض حيله وطرق الخدع واساليبو. ضحك الشيخ باطمئنان، ورجع وبجدية مطلقة قرر انه لازم ياخذ القرار اذا كان هذا اللعب (متل ما سماه) حلال او حرام. «بس يا شيخنا انت شفت بعيونك انو هيدا ما هو الا خفة ايد، العاب خفة، خداع بصري».
بس لحل المسآلة من اساسها، دعاه الشيخ ان يجي ثاني يوم على الحسينية بعد الصلا، ليجتمع بالناس ويثبت لهم ان يلي عم يقدمه هو خدع مش اكثر. باليوم الثاني، نزل شيكو على حسينية المدينه، كانت الناس مجتمعه، عيونهم مترقبه، وصل شيكو ببدلته، طلع عل المنصة. هون القى الشيخ كلمة صغيره عن مفهوم الحلال والحرام، ودعاه انو يفسر يلي عم يعملو، اضطر شيكو وهوي ومخنوق من القهر ومن جديد ان يكشف بعض الخدع الخفيفة ليقنع الناس بأنو هيدا منو سحر.
نصب اول ونصب ثاني
انا عم بدور على الساحر عم بفتش عنو، او عم ببحث عن السحر والخفة بهدي المنطقة؟
عم بسوق السيارة بالجنوب. باخذ طريق، بنزل على وادي بقلبو في سهل كتير حلو، اسمو سهل الميدنة، وانا وعم بسوق بهل السهل فجأه بيطلعلي نصب ضخم، لوهلة بيّن كتير ضخم.
نصب بنص تقاطع لثلاث مفارق صغيرة. شكلو غير مآلوف، ايمتا إنحطّ هيدا الشي هون؟ مرقت من شي شهر من هون ما كان موجود. نُصب مرتفعه شاهقه نحو السماء، دائرية الشكل، بنصها في شكل عامودي لأسلحة مكسره ومجمّعة فوق بعضها البعض. مبيّن انو قصدون يعملو شكل فني من هل الاسلحة.
ما في اي علامة او لوحة رخامية للدلالة على مناسبة النصب او لأيو ذكرى إنحط. اكتفيت بتصويرو، لفّيت حولو، مدهون باللون الذهبي. بشع اكثر كل ما تقدمت منو.
كملت طريقي وانا مآخوذ بشكله، بمكانه، بلغته، بحجمه، بسرعة تنفيذه ووضعه. عم بسوق قررت غير الوجهة كليا لفوت اكثر لعمق الجنوب. بعد حوالي ساعة، قربت من وادي المشهور، اسمو وادي الحجي، يلي شهد ما يقال اشرس المعارك عام ٢٠٠٦.
بس قبل ما أوصل بشي نصف ساعة، وعلى طريق فاضيه بين ضيعة وضيعة، اصطدمت بنصب تاني، هذه المرة ما كان محطوط على طريق دائريه بوجّك دغري، ابداً. كان عن جد على جنب الطريق.
وقفت نزلت من السيارة، كان واضح ان نفس الشخص، نفس الجهة هي يلي عملت هيدا والثاني كمان، اللغة نفسها، نفس المواد، يلي داخلها من بقايا اسلحة على شكل فني جوا النصب. بس الفرق هو بالزوايا المختلفه، والشكل الدائري ايضا.
مين عم بينفذ هيدي النصب كلها؟ دورت ورجعت للنصب الاول وقررت اطلع على الضيعه لأسال عنو. لاول لحظه بين سؤالي كتير غريب.
«مين حط هيدا النصب التذكاري تحت بالوادي»؟ قالو: نصب؟ «قصدي التمثال».
الكل يتوافق على تسميتو، يسمونه «تمثال حزب الله». بس ما حدا بيعرف ايمتا نحط، «اجو جماعة الحزب وحطوا، فجاة لقيناه تحت». يبدو انو ما في داعي روح اسأل عن النصب الثاني. فالجهة واحدة، هيك مبيّن. خليني اقول انو ما اندهشت بعدم اكتراث وتعجب الناس بل الضيعه من هل النصب، بلا مبالاتهن، كان لازم ولحتى أتوقف عن كل هل التساؤلات ولانو باعرف انو رح سوق وصير فتّش عن نصب تاني وتالت ما بعرف موقعه، رح ابرم بالجنوب بالعرض وبالطول، اطلع على كل زاويه، وبدل ما اعمل كل هيدا، توجهت مباشرة لعندن. لاكتشف أنو في مكتب تصاميم قائم بحد ذاته، مكتب بيشرف على كل انواع هيدي النُصب. مجموعة من المهندسين قاعدين بيرسمو وبيخططو لافكار واشكال ومواقع كل هيدي الانصاب.
قال المهندس حسن: «نحن ما منشتغل على الطريقة الإيرانية، ما في حزن وبكائيات بعملنا هنا، نعم جزء من الاعمال، في شق اخر قائم على مفاهيم الظلم والتضحية، بس نحنا خرجنا من الحرب منتصرين، نحن قوايا، وبنعمل على هذه الاسس، اساس القوة والانتصار. اصلا صار فيك متل ما بدنا بالزبط، لازم تفوت على الجنوب ودغري تشوفنا، تحس انو نحنا موجودين وين ما كان، تحس بعظمت انتصارنا».
المهندس حسن، خريج الجامعة اللبنانيه. قابلناه في مكتبه. مكتب هندسي عادي. المهندس حسن يرسم وبيخطط النصب، وبيرجع بكفي عملو بالعمارة، بعمر بنايات، كأي مهندس. في كتير سكتشات على مكتبه، لاشياء نفذت واشياء بعدا عم تنتظر التنفيذ.
شو بترسم، كيف بترسم؟ شو هيدي الخطوط؟ ليش هذه الدوائر؟ هذه الزوايا الحادة؟ من وين تستوحي هذه التصاميم؟ شو بتقرأ؟ ليش هيدي الاسلحة المكسّرة بمنتصف النصب. اسلحة العدو؟ شو هي اللغة، هل تكريم لحدا، لشهيد معين؟ رح تحت نصب لكل واحد من الشهداء؟ للشهداء المهمين؟ للقيدات فقط؟ كيف بتختار الموقع. ليش هيدي النصب مش بساحة الضيعه او بالساحات الاساسية للمدن؟ شو بتسميهن، نصب، تماثيل، اعمال؟ هل بتحط النصب في مكان الاستشهاد. كم بناية صممت لحد هلق؟
«من أنت؟». قلتلو «انا مخرج . عم بسأل عن النصب انو بدي صوّر كيف بتشتغلو». «لمين»؟ أحمد «لي انا، عم بعمل بحث حول هدي النصب ولغتها». المهندس: «حبيت شو عم نعمل، حبيت يلي شفتو»؟ أحمد: «اه، لا شك انه مثير للاهتمام». المهندس: «بدك تعمل فيلم عنن يعني»؟ أجاب: «ايه بالظبط».
فقال: «بدك تشوف بعد شو عم نعمل؟ تعا شوف هل السكتش، بعدنا عم نشتغل عليه».
أحمد: انا في المركز الرسمي للمكتب الاعلامي في مدينة النبطية.
«دبابة اسرائليه واقعة بقلب فخ، اه كماشة، دبابة مطبقة عليها كماشة، ثم مجموعة دبابات محطمة على جسر مكسر، مفجّر»؟ أحمد: «رح تنفذوا كل هيدا الشي، عنجد؟ بس ما في جسر هيك بالجنوب»؟
«رح نبني جسر ضخم، مع دبابات بحجمها الحقيقي ومنرجع منفجرو. او بنبني جسر محطم، ومنجيب دبابات محطمة ومنحطها بهيدا الشكل يلي شايفوا. اظن وضع كل هيدا ومن ثم تفجيره هو المثير، ازبط. منفجّر العمل، ما قبل النصب، بعدين منتركه على حاله كيفما جاء التفجير او بعد التفجير. حتى لو ما في جسر ب بالواقع. منبني لنفجره».
مش مأكد اذا قال هيدا الشي حرفيا. مفروض متل هيك شخصية بتُوزن كل كلمة عم بتقولها، لازم احترم هيدا الشي. واضح انو عندي علاقة مش واقعية او ملموسة مع هذه الشخصية والحزب على العموم. بخاف من الاسقاطات. بخاف من خيالي بهل العالم السياسي، من البعد عن الواقع. عشان هيك اصلا قصدت مقابلة المهندسين في المكتب تبعن.
ما كان عندي اي تعليق، سألني رأيي، ما بعرف عن جد، اذا كان هذا الشئ على ضخامته ملّبك كفاية، مُدهش حقيقة، شو الموقف يلي لازم اخذوا من هيك اعمال؟ تجسيد المعركة بحرفيتها، لتجميد اللحظة، لغة بتحمل تجميدها بذاتها.
هيدا العمل، رح يتنفذ بوادي، محتمل في المكان نفسه للمعركة يلي صارت. اذا وانت وعم بتسوق بعدين بالوديان والمساحات الشاسعة، رح يطلع قدامك فجأة عمل ضخم، بيستعمل في ادوات ومركبات العدو لتمجيد انتصاره، ما كان في المهندس حسن يفكر بهيك مشاريع قبل عشر سنوات قبل خمسة، ان السيرورة الطبيعية للحزب هي يلي وصّلت المهندس الى هذه اللحظة. سيرورة طبيعية لتطور حزب سياسي، او لنقول لتزايد قوته.
هون وباللحظه يلي بلش فيها المهندس برسم تصور لمشروع ضخم بهل شكل، هي بداية اعلان التغيّر بالجغرافيا الي لا رجعة، بداية وضع خطاب بصري للمستقبل، رح يسود، لغة نصبيه جاي من تأثيرات ومدارس عده بالتاريخ، الها علاقة بسيطره سياسيه لحزب واحد، الها تاريخها الحضاري بس مش الديني ويطول الحديث عنها سياسيا. بس هيدي الاشكال الهندسية والاعمال\المجسمات هي الارث البصري يلي رح نحمله معنا، هي اللغه يلي رح تبتلع مخيلة المنطقة البصرية، يمكن؟
اربع مقاتلين على جبل
المهندس: «في المستقبل رح نحط مجموعة من الاعمال بكتير من المناطق».
فاجئني المهندس بعمل ثاني ما بقل ضخامة عن الاعمال الاخرى، «سلويت» اذا صح التعبير، او خيال على ارتفاع الف متر، على جبل مشهور هو «جبل الرفيع»، مشهور برمزيته بوقت المعارك مع اسرائيل. على هذا الجبل رح يتم وبحجارة بركانية سوداء، رسم وتصميم لاربعة مقاتلين مع اسلحتهم. طبعا الوجوه غير واضحة هون، هل هني شهداء سقطوا بهيدا الجبل، او لمقاتلين بعدون عم بيقاتلو لهلأ، او الاثنين مع بعض؟
المقاتل يلي على اليمين، يبدو كأنه راجع من المعركة، سلاحه مصوّب نحو الارض، ظهره للحدود مع اسرائيل، مبين عليه تعبان شكلوا بعدو راجع من المعركة، اما المقاتل يلي على شمال الصوره، عم بيطلع الجبل، شكلوا متأهب، كانو رايح صوب المعركة من جديد، صوب معركة جديده، او يمكن ببساطه راجع لموقعه بس بعدو متأهب. المقاتلين الاثين يلي بالنص، واحد رافع سلاحه محتفلا على ما يبدو، منتصر، والاخر على شماله، وهوي الاقل وضوحا، وجهه مباشرة لنا، حامل سلاحه بانضباط تام، وجهه صوبنا بس ما في عيون عم بتطلع فيك، ما في احساس الا بضخامة العمل، ما بقا في صورة صغيرة لوجه شاب شهيد، ما في صورة عملاقة لعدد من الوجوه تتوزع بنفس الحجم، او اكبر بشوي حسب اهمية الشهيد.
هون عم نشوف الاجساد كاملة، اجساد بتختزل كل الشهداء يمكن، يبدو هذا العمل كأنه هربان من لقطة فيديو مفرزة، فيديو لعملية ما بالتسعينات، او لقطات مختلفة من عدة فيديوهات، لحركة جسد المقاتلين مُمَنتجة ومنفّذه على هذا الشكل.
ومتل ما قال المهندس حسن قبل «نحن منتصرين، اقوياء،» يمكن قصدو صار إلنا جسد كامل، النا الجبل كله. على هيدا الجبل سقط مئات الشهدا، فلترتفع اذاً اجساد مقاتلين اربعة، لذكرا كل الشهداء، هذا العمل بيختزل وجوههم جميعا، بيختزل القصة، ما رح يرسم ويحدد الوجوه، ما حيحدد الشهيد، خلي كل واحد يتخيل شهيده، خلي كل حدا يسقّط وجه شهيده على جسد اي مقاتل من هؤلاء المقاتلين الاربعة.
بس ليش اللون الاسود، بقترح عليه على الاقل تغير باللون؟ بلكي اللون الابيض؟ رح يتوسخ مع مرور الوقت، طيب شو عن اللون الاحمر، لون للشهادة، للتضحية، منلون الاحجار مثلا، الذهبي، لون بيشع في وجهك طوال النهار، يلمع، يبرق من بعيد. ليش الاسود، اذا مش لآسباب لوجستيه بحت.
قلتلو «وشو بصير بالارض، بالعشب والورود»؟
قاللي «في النصب للدبابات المدمره المهزومة ما ممكن للورد انو ينبت، هيدا بيدمّر الفكرة من اساسها».
أنا: «طيب، والعمل»؟
هو: «رح نحرق الارض، بمواد معينة وبأحجار بركانية. فيك تحرق الارض حتى ما ينبت فيها اي حياة».
أنا: «بس انت بتحب الورد، ما هيك»؟
هو: «عفوا»؟
أنا: «قصدي: طيب والعمل تبع المقاتلين الاربعة»؟
هو: «اه، من الحجارة البركانية نفسها رح نعمّر وننفذ هذا العمل».
انا: "فكرت بالزمن"؟
ما جاوب.
كيف يمكن تمجيد الانتصار؟
ما بصدق انو سألته إذا يحب الورد! شو خطر على بالي؟ طبعاً الملفت الصارخ هو لأي حد كنت متحفظ بمسآلته. تحاشيت كل الأسئلة يلي عم تضج وتعج في داخلي. مثلاً: كيف فيك او كيف ممكن تجميد لحظة الانتصار، وهي مش ثابتة، لا بل متتابعه مع الزمن من العام ٢٠٠٠، تجميد انتصارك بأنصاب، بلقطة مجمدة لمقاتلين عمالقة، في حركة دائرية لاسقاط طائرة، بابقاء اسلحه العدو مدمرة، بالدبابات المفجرة. وبنصب تجريدي هندسي، ما إلو رموز لتفكيك لغته من قبل الناس المارقين هونيك. مهندس بيصمّم نصب لحزب ايديولوجي هدفه تمجيد مقاومته، ونشر لغته البصرية وين ما كانت، بس ليش بالذآت هيدي النصب الباطونية، الاثار التذكاريه يراد منها انو تدوم للابد.
المثير بالامر ان حزب بعرف عن نفسه كحزب شيعي اسلامي بيبني نصب بلغة وخطوط هندسيه وتجريدية لما بعد الحداثة. هذا في الارث الحضاري، يمكن مش ضروري يكون في تأثير اسلامي، هون. في الارث الاسلامي، ولتحريم النحت، والثلاثي الابعاد، ما في هيك ممارسات، بس في تجسيد للمجسّمات، مسموح ان تبني مجسم للقدس، للكعبة، بنسخة طبق الاصل. بس من مواد قابله للتلف، ما فيك تبني مجسم ثابت للقبة، للكعبة، النسخة، لازم يكون قابلة للهدم والتلف في اي لحظة، حتى لو كان التعاطي معها في المناسبات الدينيه هو التقديس لرمزيتها. في الارث الحضاري، بتحس انو المهندس حسن عم بيلهث نحو الما بعد الحداثة. هيك بيصمم البنايات، وهيك بيصمم نصب اديلوجي.
قلتلو: «ليش هل الدائرة بالنُص من فوق لهيدا النصب»؟
هو: «صممته وببالي انه لازم يكون للاستشهاديين، لذكرى العمليات الاستشهادية. هو نصب الاستشهاديين على شان هيك هوي دائري مش حَدّ، مش عنيف».
وهذا النصب الثاني، شو يلي عنيته بهيدا الشكل؟
«اه هذا العمل، كان لشهيد واجه الدبابات مباشرة باحدى المعارك بحرب ٢٠٠٦، ودمّر عدد من الدبابات بصواريخه الصغيره الموجهة. هو لذكرى شهداء المواجهات البطولية».
انا: «عشان هيك هوي بهيدا الشكل»؟
المهندس: «ايه فيك تشوف الزوايا الحادة، البارزة، مش متل العمل يلي سبقه، هون بدي ابرز الالتحام مع العدو، المعركة، المواجهة المتكافئة. العنيفة».
التصوير من السماء
انا فيما بعد لما طلعت لصوّر هيدا النصب، كان من البديهي انو هيدي النصب المرتفعة الشاهقة والصاعده نحو السماء، انو تصويرها يكون من السماء، من اعلى نقطة، كيف فينا نشوفا من فوق. هي الاديولوجيا يللي عم بتسعى لتغيير الارض، نحو السماء، للسيطرة على السماء وعلى الارض، كيف بتطلع روح الاستشهادين من بوابة هذا النصب بلكي، كيف بتلتقي بالملائكة المقاتله، اللقطة الصاعدة، لتفرجينا خريطة جغرافيا المنطقة، وكانو اختزال الفضاء فيها، هو بين نصب واخر.
نحنا وعم بنصور هيدي اللقطة، فجآه اجا شاب من الجبل، كأنو طلع من بطن الجبل، مدني على «الموتو». طيب قلنا هيدا اكيد من الشباب المقاتلين.
سألنا: «شو عم تعملوا هون»؟
انا: عم نصور هيدا النصب. مين حضرتك؟ نحنا معنا اذن بالتصوير هون من المكتب الاعلامي.
رد: «هيدا المكتب الاعلامي بحب الكاميرات، والتصوير، بس نحن لا. منكره الكاميرا (يبتسم). بعدين شو هيدي الطائرة؟ كنا رح نسقطها!».
هون بيرتعب الكاميرا مان.
صرخت: له ! هيدي عليها كاميرا للتصوير.
أجاب: «ايه بس ما فيك تصور الجبل، والطائرة عم تصور من فوق. هيدا منو مسموح ابداً، في شي امني هون».
قلت: طيب لك شو رح نعمل؟
وهيك تعاونا انا والمقاتل، لإخراج هذه اللقطة، قلت له كموش هيدا «المونيطور»، قول توقف او cut، بس بدك واين ما بدك.
نعرض اللقطة على الشاشة، نتركها لكي تصل الى نهايتها.
بلشنا التصوير من جديد، بلشت الكاميرا تطلع، تطلع، واللقطة تتحول الى روح، الى طائر، الى كشف، والمقاتل عم بياخذ وقته. الى ان بنوصل لهيدي لحدود يلي عم بتشوفوها هلآ . قال وقّّف بس، ما فيك تكشف اكثر من هيك. انا المخرج الثاني كان بدّي لقطة واسعة جدا من السماء، متل ما بتشوفنا الارواح، متل ما بتنزل الملائكة المقاتله، والنصب موجوده بنُصّها، بس هون قرر المقاتل انو هيدي هي الحدود.
هل رح يطلع العشب حول نصب على جنب الطريق، وبعدين تغمره غبرة الشارع، بيصير شكله مختلف كليا عن شكله الحالي، وبخجل بيبلشوا الناس بتفكيك مواده لإستعمالاتهم اليوميه، او لتبيعون، الاضاءة من حوله هي يلي رح تختفي بالاول، بعدين الحديد او بقايا الاسلحة يلي بنصفه، مع الوقت بصيرعاري بس الشكل الباطوني هو يلي رح يبقى. بعدين بيسحبوا شرايط الكهرباء الممدوده جواتُه، هون عند سحب الشرايط، رح ينشاف الحديد المسلح جوا، فيتم سحبه شوي شوي، طبعا بعد هيك رح توقع أجزاء من الباطون لحالا، بيفقد آجزاء منه، هل نقول انو بيصير طلل، أطلال؟
هل الناس رح تعمل متل ما صار بعام ٢٠٠٠ وقت انسحبت اسرائيل، من جنوب لبنان؟ بتذكّر كتير منيح كيف هجمت الناس بشكل احتفالي عنفي هستيري على المواقع المتروكة من قبل الجيش الاسرائيلي واجتاحت هذه المواقع، اخذت في طريقها كل شئ. حتى معتقل الخيام لم يزمط من هيدا الطقس، فاتت الناس محتفلةً مهستره واخذت كل شي فيها تاخذو من اغراض المعتقلين المحررين أنفسهم.
بعترف هون انو حتى انا شخصيا ساهمت بهيدا الشئ، دخلت مش مصدّق انو انا بالمعتقل يلي سمعت قصص كتيره عنو، اخذتني نشوة اللحظة، اندمجت مع الناس ومع الهستيريا، فأخذت اول شي وقعت يدي عليه باحدى الزنازين، يلّي كانت بعدا بتفحّ بريحة المعتقلين، فما كان صرلو مارق ساعات على تحريرهم حتى فِضيت زنازينهن من كل غراضن. اظن ان بعض العناصر الحزبية حاولت تمنع العالم من انو ياخذوا غراض وإشيا، بس كان فات الاوان، انا نفسي لقيت حالي عم خبّي قطعة قماش مزخرفه اخذتها من تحت سرير وحدى من الزنزانات وخبيتها بين ثيابي، بعدين وعيت وانتبهت للكارثه يلي عم بتصير، فبلّشت صرّخ على بعض الشباب يلي كانو عم ياخذو غراض المعتقلين، للذكرى طبعا: «ان هذا خطأ كبير يا جهلة، كل شي لازم يضلو مطرحو متل ما تركوهن، بمكانه، انو هيدا مش من حقنا، لازم يبقوا للذكرى ولمتحف فيما بعد». انا عم اقولهن كل هيدا الشي بس عم ببعد عنهم، ويدي عم بتشد على قطعة القماش المسروقة.
لأ ما ح يصير كل هيدا الشي. والناس مش رح تدمّر نصب ما بيرمز الى شخص بعينه او دكتاتور لتنتقم من تمثاله، وهيدا مش موقع اسرائيلي مهجور. بس مع الزمن اذا الجهة السياسية أهملت هيدي الاعمال يلي نفذتها، نعم رح ياكلوا العالم شوي شوي، وبهدوء، ومتل ما كان في لا احتفال ولا افتتاح رسمي بوضع هيدي النُصب التذكاريه بمكانها، ما رح يتم الاحتفال بتدميرها.
هيك بكون الطقس الاسطوري، الغيبة والوعد بالظهور، بالانقاذ، والشهاده والقدره على تفسير التضحية، القربان من اجل الطائفه، الانتصار، عدم تصديق الانتصار، فلنستدعي الاسطوره بأحصنتها تحارب معنا، قبل حرب ٢٠٠٦، مش متل بعدو بجنوب لبنان.
قلت له، وانت وين من كل هيدا الشي؟
رد عليّ شيكو: «انا مؤمن كمان، مؤمن بالظهور، بحاول رغم كل هيدا الموت انو أعمل بالخفة الساحره. الناس ما بقى عم بتحب الخِفّة، السحر، بلكي انا رح أختفي قريبا. شو رح يقولو ساعتها: الساحر أخفى نفسه؟ هذه حيله تانيه من حيله؟ او انو ما حدا رح ينتبه انو ما عدت موجود اصلا؟ شكلو الاسطورة بلعتنا كلنا. بعدين قلي، بتعرف، يمكن كان لازم اكشف كل الخدع يلي بعرفها لما وقفت بالحسينيه قدام العالم. يمكن كان لازم اتوقف عن انو ادهش الاطفال بسحر خفيف، قبل ما يتجسد عشقهم الطفولي فيما بعد بقتال رح يخلّيهن يآمنوا بآنو الملائكه عم بتقاتل معهن».
تجميد لحظة الانتصار؟
طيب لازم اعترف اخيرا انو الموقف من مشروع سياسي اديولوجي عم بيفرض سيطرته البصريه بهيدا الشكل، لبّكني، ما تفاجئت فيه، ما تفاجئت، من منطلق الممكن، صرت متأقلم مع فكرة الممكن، ممكن وفيهن يعملو يلي بدن ياه . اصلا شو الاعتراض يلي انا حاملو، ليش؟ انو تغير بالجغرافيا وكل شي بيتبعوا؟ هيدا ما بيعني شي، اعتراض على الشكل الفني الهجين؟ اعتراض على المشروع السياسي الديني من اساسه ومحاولة تفكيكيه؟ انو الساحر عم بيختفي ليجي شي يحل محلو؟ مش كتير دقيق. او انو «الممكن» اثارة اسئله حول «السائد»، هل انا ضد السائد من منطلق السيطره، سيطرة الفكر الواحد؟ ام انو السائد بالمشروع السياسي الطائفي، اثار فضولي بمحاولته الفنيه اذا فينا نقول، يعني محاولة احاطت الخطاب التعبوي السياسي بلغة فنيه جديده عم تتطور بطريقه مش سائده.
لحد وقت قريب كان مفهوم ومألوف طريقه رسم الشهداء، المجسّمات الدينيه في المناسبات، التضخيم في ممارسه الشعائر وتنظيمها وانعكاس كل هيدي الممارسات شعبيا الى حد خلق سوق منظّم، كمجالس التعزيه التي تتولاها شركات خاصه، كل هذا كان انعكاس الخطاب السائد وأعلائه، حتى استدعاء الملائكه للقتال جنبا الى جنب، كان بعد تبلور حضور الأسطوره من اجل تكريس السائد، وهون فينا نسأل، هل هو استدعاء من الماضي ام من المستقبل، استدعاء الملاك من الماضي مع سيفه للمقاتله، اي استدعاء التاريخ، بسبب ولقوة اللحظه الحاضره (الحرب، الكارثة)، ام استدعاء من المستقبل لان الكارثه هي بدايه الخلاص الموعود.
وهون السؤال، لماذا اذاً كل هل الهوس بتجميد بتمجيد لحظة الانتصار؟
إضافة تعليق جديد
تهمّنا آراؤكم ونريدها أن تُغني موقعنا، لكن نطلب من القراء أن لا يتضمن التعليق قدحاً أو ذمّاً أو تشهيراً أو تجريحاً أو شتائم، وأن لا يحتوي على أية إشارات عنصرية أو طائفية أو مذهبية.