يصادف عام ٢٠١٣ مرور عشرين عاماً على توقيع اتفاق أوسلو. تميل الانجازات الزمنية المماثلة إلى توليد أشكال من الانعكاسية السياسية لا يتمتع الكاتب، باعترافه، بالحصانة ضدها. عندما يحل شهر أيلول/ سبتمبر، ذكرى توقيع اتفاقية إعلان المبادئ (أو اتفاقية أوسلو) في حديقة البيت الأبيض، ترقبوا سيلاً من المواد التي نُشِرَت وأُذيعت لمحاولة تفسير سبب فشل عملية السلام وشرح كيفية تطور النزاع وما يعنيه ذلك كله بالنسبة إلى إمكانية إقامة الدولة الفلسطينية البعيدة المنال.
من الصعب جداً فهم الحالة الراهنة للشؤون الوطنية الفلسطينية بالنظر إلى الوضع المعقد الذي نشأ منذ عام ١٩٩٣، والأسلوب المحدد الذي تبدأ فيه تلقائياً محاولات توصيفه بإثارة تساؤلات حول كيفية وضع إطار للأحداث وحول المصطلحات التي ينبغي استعمالها. في النهاية، ما الذي يبرر استمرار «عملية سلام» يعني أشياء كثيرة مختلفة لأشخاصٍ مختلفين. أوباما، بوش، كلينتون، رابين، بيرس، باراك، نتانياهو، عرفات، عباس، الاتحاد الأوروبي، البنك الدولي – كل واحد من هؤلاء أراد أو يريد «السلام»، «عملية سلام»، و«عودة إلى طاولة المفاوضات» – مع ذلك يسود الاستعمار الاستيطاني والاحتلال والفصل العنصري وفورات العنف الرهيبة والدورية ويُسمى ذلك بشكل مُلطَّف «جموداً».
الى الآن لم يُكتب شرح مقنع وحقيقي لما حصل خلال السنوات العشرين الماضية وهو أمر بعيد المنال أيضا. غير أنّه بخصوص ما يُقال عن تلك الحقبة، التحديات تحليلية أكثر بكثير مما هي اعلامية. ثمة حاجة ملحة على صعيد النقد السياسي والمطبوعات الاكاديمية إلى تحليل يسعى إلى فهم الاقتصاد السياسي لعملية السلام بحد ذاتها والتعامل معه: ما الذي أنتجه، كيف تمت المحافظة عليه، وكيف يرتبط ذلك كله بفهم تصوري أكثر وأوسع نطاقاً لهياكل السلطة المسيطرة التي تنظم وضع العالم والمنطقة اليوم وتؤثر فيه. في النهاية، ما حصل على مسرح الصراع الاسرائيلي - الفلسطيني على مر السنوات العشرين الماضية لم يهبط من السماء، ولم يحدث بمنأى عن التأثيرات أو السوابق الفكرية أو السياسية أو ذات المنحى السياسي.
أرى أنّ «عملية السلام» حجبت مجموعة من الممارسات الرامية إلى تحقيق سلسلة من المصالح الإمبريالية الأميركية. في إطار السعي إلى تحقيق هذه المصالح، أصبحت الأراضي الفلسطينية المحتلة أحد أهم المختبرات التي تُعنى بتطوير أحدث التقنيات، لا على صعيد الاختبار الميداني للتجهيزات العسكرية و«مكافحة التمرد» وحسب، بل والأهم من ذلك، على صعيد الجهود الصريحة المبذولة للتوصل إلى هندسة اجتماعية لأشكال من الموافقة السياسية. من الضروري جداً فهم هذه الديناميكيات الأخيرة، التي تتأثر بشدة بالنيوليبرالية وبتصورها للدولة، لأنه عوضاً عن الجوانب العسكرية التي تعتمد على العنف المباشر والتي تعتبر بالتالي بديهياً اكراهية، تعتمد سياسات الهندسة الاجتماعية على الأطراف المحلية وديناميكيات السوق والعلاقات البنيوية. وتترتب على استيعاب هذه الديناميكيات انعكاسات هامة على صعيد فهم طبيعة القوى التي تقمع الشعب الفلسطيني، ولها من باب أولى دلالة بالنسبة إلى الأطراف السياسية التقدمية التي تحاول بناء البدائل.
بناء الأساس
ينبغي استهلال أي نقاش من هذا القبيل برسم نطاق المصالح الأساسي. غني عن القول أن الولايات المتحدة، بصفتها القوة المهيمنة الوحيدة في العالم، والمهندس الأساسي لعملية السلام والمدافع عنها، تعتمد استراتيجياً على منفذ آمن إلى الاحتياطات والشبكات النفطية في الشرق الأوسط. لا تفعل اميركا ذلك دفاعاً عن مصلحتها الاستخراجية الخاصة، بل للسيطرة على أطماع منافسيها ايضا – الاتحاد الأوروبي، اليابان والآن، القوة الصاعدة للصين. تاريخياً، كان الضمان لمثل هذا التحكّم استراتيجية تقضي بدعم الأنظمة الديكتاتورية العربية الموالية للولايات المتحدة من جهة (الدول العربية المسماة «معتدلة») والدولة الاسرائيلية الاستعمارية الاستيطانية من جهة أخرى، وهي الدولة التي تعتمد بشكلٍ أساسي على دعم امبريالي كغطاء سياسي لأجندتها الصهيونية. من خلال الدعم الدبلوماسي والعسكري والمالي (عند الحاجة) لكلا الطرفين – رغم منح اسرائيل التفوق المطلق على صعيد التنفيذ – أُخمِدَت الحماسة الديمقراطية في المنطقة العربية بنجاح وتم استخراج النفط وحماية الشبكات النفطية والحفاظ على الهيمنة العالمية، وتستمر عملية اعادة رسكلة البترودولارات الخليجية الى البورصات الغربية. هذا هو نهج الامبراطورية الاميركية.
في هذا الاطار، ظهرت الحاجة إلى التحكم بالطموحات الوطنية الفلسطينية وتقويضها وربما نسفها من الاساس، بالنظر إلى ارتباط المسألة الفلسطينية بطرفي الاستراتيجية الامبريالية: ذلك ان الروابط السياسية والجغرافية التاريخية والاخلاقية بين الشعب الفلسطيني والمحيط العربي تعيد البحث في أشكال مختلفة من الاستعباد الامبريالي الغربي للمنطقة باستمرار. بالتوازي مع ذلك، لم تتوقف يوماً المقاومة الفلسطينية عن مواجهة الوجود الاستعماري الاستيطاني الاسرائيلي، على الرغم من التطهير العرقي لمعظم الفلسطينيين من وطنهم عام ١٩٤٨.
وفي حين مالت الولايات المتحدة تاريخياً إلى إلانكار القاطع لوجود الشعب الفلسطيني وشرعية قيادته، فإن سلسلة من الأحداث عوّدت الأوساط السياسية الأميركية في نهاية المطاف على التفكير في مقاربات بديلة لمعالجة المسألة الفلسطينية. عند توقيع اتفاقات أوسلو عام ١٩٩٣، كانت «القومية العربية المتطرفة» قد كُبِحَت إلى حد كبير أو هُزِمَت (حرب حزيران/ يونيو ١٩٦٧، تل الزعتر (١٩٧٦)، كامب ديفيد (١٠٧٩)، حرب الخليج (١٩٩٠-١٩٩١)؛ واختفى التناقس الاقليمي بين القوى العظمى على المنطقة (البيريسترويكا)؛ وأُضعِفَت الوطنية الفلسطينية إلى حد كبير (الترحيل من لبنان عام ١٩٨٢؛ «هزيمة» منظمة التحرير الفلسطينية في حرب الخليج، وظهور قيادة بديلة محتملة في الأراضي الفلسطينية المحتلة بعد اندلاع الانتفاضة الأولى).
من هذا المنطلق، تطلبت رغبة الولايات المتحدة في إقامة «نظام عالمي جديد»، خاضع لهيمنتها على الاسواق، حل النزاعات الاقليمية ووضع ترتيبات أمنية سياسية اقليمية. استبعت تلك السياسات تطبيع الوجود الاقليمي الاسرائيلي وإدماجه في المنطقة، وتوسيع رقعة توغل السوق الأميركية في العالم العربي في الآن ذاته.
كذلك ارتبط أحد مكونات هذه الديناميكيات بتطورات محددة ضمن الطبقة الرأسمالية الاسرائيلية بشكل خاص. منذ تأسيسها عام ١٩٤٨ واحتضانها من قبل أجهزة الدولة الاسرائيلية، فسعت الرأسمالية الاسرائيلية أكثر فأكثر إلى التوسع خارج حدودها في عصر «العولمة»، لكنها مُنعَت من ذلك بسبب الانتفاضة الفلسطينية الأولى والتكاليف المباشرة المترتبة عليها والمقاطعة العربية والعوائق الحمائية المحلية أمام الاستثمار الأجنبي. دفع ذلك مجموعات على غرار رابطة الصناعيين في اسرائيل، وهي منظمة تتمتع بالنفوذ والسلطة وتضم صناعيين محليين مرتبطين بحزب العمل، إلى المطالبة بتسوية مع الفلسطينيين في مطلع تسعينات القرن الماضي، بدون استبعاد فكرة اقامة دولة فلسطينية.
يبرر ذلك الدافع وراء عملية السلام بشكلها الأساسي التي بدأت في مطلع تسعينات القرن الماضي. لم تتبدّل المصالح. ما تبدل هو الافتراضات والمقاربات التي تساعد في تحقيق هذه الأهداف.
المراحل الثلاث
يمكن أن تقسّم «عملية السلام» إلى ثلاث مراحل منفصلة:
المرحلة الأولى
(١٩٩٣–٢٠٠٠)
تميّزت بافتراض مفاده أن الولايات المتحدة وإسرائيل حظيتا بما اعتقدتا أنّه «شريك مستعد» لتطبيق الرؤية الصهيونية «البراغماتية» المُعدّة منذ وقت طويل للفلسطينيين والمعروفة بـ«خطة ألون». دعت هذه الخطة أساساً إلى حكم الفلسطينيين من خلال سلطة سياسية وسيطة (مصر؟ الأردن؟ روابط القرى؟)، في إطار تنظيم منزوع السلاح أشبه بـ«بانتوستان»، مقسم جغرافياً، تسيطر اسرائيل على أرضه، دون أن يحظى الفلسطينيون برقابة دولية على الحدود، أو يستعيدوا القدس، ودون الاعتراف بحق عودة للاجئين، أو تحقيق انسحابات كبيرة من المستوطنات. وقد نُسِب الى وزير الدفاع الاسرائيلي السابق يغال ألون قوله عام ١٩٧٧: «بالتأكيد، إذا كفت منظمة التحرير الفلسطينية عن كونها منظمة التحرير الفلسطينية، سنكف عن اعتبارها كذلك. أو إذا تحوّل النمر إلى حصان، يمكننا أن نمتطيه. في تلك اللحظة، نستحق أن تُكتب بعض مانشيتات الصحف لصالحنا١». وقد غذى توقيع عرفات اتفاق أوسلو الاعتقاد بأنّ اسرائيل «روّضت» الأسد وهو على وشك أن يسمح لها بامتطائه.
لم تفشل هذه الحقبة وافتراضاتها ليس فقط لأنّ عرفات رفض منح مصادقته «النهائية» في مفاوضات كامب دايفيد العام ٢٠٠٠ وحسب، بل أيضاً لأنّ اسرائيل شعرت أنّه بعد أن حققت شريحة كبيرة مما أرادت تحقيقه من خلال عملية السلام (كسر المقاطعة العربية من الدرجتين الأولى والثانية، التنازل للفلسطينيين عن أشكال من السيطرة المباشرة او المسؤولية) زال الحافز لتقديم المزيد من التنازلات. فضلاً عن ذلك، تبين أنّ الافتراض الضمني عن «عائدات أو مكاسب السلام» قد تظهر وتُوزَّع من خلال التجارة الاقليمية لم يكن غير تصور خاطئ.
كان التكامل على صعيد السلع القابلة للتداول بين الاقتصاد الاسرائيلي واقتصادات الدول العربية ضعيفاً، مع انتاج اسرائيل سلعاً استهلاكية مزودة بتقنية متطورة لن تهتم إلا دول الخليج العربي الثرية بشرائها (لكن يمكن شراؤها من أي مكان آخر في شتى الأحوال)، في حين لم تقدم الدول العربية إلا القليل مما قد ترغب اسرائيل في شرائه، باستثناء النفط، الذي كان متاحاً في السوق وقد تم ضمان الحصول على جزء منه في اتفاقات كامب دايفيد التي دعمتها الولايات المتحدة. في شتى الأحوال كانت التجارة بين بلدان المنطقة محدودة في الشرق الأوسط، في حين أنّ التجارة لو تمت، لصبت في الغالب في مصلحة اسرائيل بالنظر إلى التفاوت في حجم الأسواق (٥ ملايين مستهلك اسرائيلي تقريباً، مقارنة بـ٢٤٠ مليون مستهلك عربي، ابتداءً من مطلع التسعينات). فضلاً عن ذلك، ساهم التوجه الكبير للاقتصاد الاسرائيلي نحو الانفاق العسكري و«الحرب المستمرة» في إعاقة الانتقال إلى السلام.
أضف إلى ذلك كله، العائق السياسي المتأصل والمتمثل في العقيدة الصهيونية بحد ذاتها، التي تطالب بالحق التاريخي الحصري بامتلاك الأرض، مع تعريف اسرائيل عن نفسها باعتبارها دولة اليهود في العالم، وليس اليهود في إسرائيل وحسب. إنّ أي اقرار بمطالبة وطنية منافسة بحق امتلاك الارض أو حتى بتقاسم الحد الأدنى منها في اطار تسوية سلام من شأنه تقويض شرعية كامل المشروع والتبرير الذاتي الصهيوني.
لهذه الأسباب، فضلت اسرائيل أن تستعمل عملية السلام لضمان تسوية تندمج في إطارها الأموال الاسرائيلية في الأسواق الدولية (عوضاً عن الأسواق الاقليمية)، وبذلك يمكن شراء الوقت لموجة ثانية من الاستيطان الاستعماري للأراضي الفلسطينية المحتلة. كذلك أتاحت عملية السلام انجاز اتفاق أكثر «فعالية» مع الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة الذين باتوا خارج نطاق المسؤولية الاسرائيلية، تحت الإدارة الأمنية والمدنية للسلطة الفلسطينية بموجب اتفاق التقسيم، في حين تم إقصاؤهم عن أسواق العمل الاسرائيلية بفضل استقدام اليد العاملة الأقل كلفة (الأكثر أمناً من الناحية السياسية) الوافدة من آسيا أوروبا الشرقية. بذلك، بات الفلسطينيون الآن مفصولين عن العمل، مع تصوير أي محاولات مستمرة في ما بينهم للتمسك بالروح الوطنية، ضمن إطار جبهة التحرير الفلسطينية أو غيرها، كتهديد مباشر محتمل للمصالح الرأسمالية والجغرافية الاستراتيجية للولايات المتحدة واسرائيل.
لهذا السبب، كان «العرض السخي» الذي قدمه ايهود بارك في كامب ديفيد مُعداً ليفشل، مما سيؤدي إما إلى استسلام فلسطيني «رسمي»، أو يرسي الأسس لتوصيف الفلسطينيين بأنهم «رافضون»، وبذلك يبدأ التحضير للمرحلة التالية من «تأديبهم» وتقويض قدرتهم على تهديد المصالح الاسرائيلية الأميركية بشكلٍ دائم.
المرحلة الثانية
انتفاضة الأقصى (٢٠٠٠ – ٢٠٠٥)
جسّدت الفترة التي سعت فيها الولايات المتحدة واسرائيل إلى إعادة تنظيم الحركة الوطنية الفلسطينية وإعادة تشكيلها من خلال الاخضاع الجسدي المحض. وقد تمثّل الهدف في سحق الناس ومعاقبتهم على صمودهم الوطني، الذي تجسد في النهاية من خلال رفض عرفات لكامب ديفيد، وإضعاف آمالهم بتوقع أي شيء أفضل. سعت إسرائيل إلى الكشف عن أنّ مقاوة الأهداف الصهيونية المرتبطة بفلسطين لا طائل منها، وأنّ الوطنية الفلسطينية بمعناها التاريخي والتحريري وصلت إلى حائط مسدود. خلال الانتفاضة، لم يكن الفلسطينيون يتفاوضون على شروط استسلامهم (كما في كامب ديفيد)، بل على شروط بقائهم، مثال ما إذا كان سيُسمح بانتقال علبة طماطم من منطقة إلى أخرى، ما إذا كانوا سيتمكنون من الوصول إلى المستشفى أو المدرسة إلخ. تمثل الهدف من ذلك على حد تعبير موشيه يعلون، رئيس أركان الجيش الاسرائيلي في ذلك الحين، في زرع الهزيمة في الوعي الفلسطيني.
تركَّز التوجه الأساسي في هذه المرحلة على تعزيز شبكة المراقبة حول الفلسطينيين (بناء الجدار الفاصل، إقامة مئات نقاط التفتيش وأبراج المراقبة...) فضلاً عن تصفية أبرز القادة الميدانيين العسكريين والسياسيين، الذين استمروا في دعم الوفاق الوطني الأساسي والاصطفاف حوله. بالتالي، تم باختصار اعتماد سياسة «الأرض المحروقة» والتهدئة العسكرية وذلك من خلال اغتيال مئات الناشطين البارزين، وسجن آلاف آخرين، واعتماد السياسية الأساسية التي تقضي بترهيب المدنيين من خلال قتل وجرح عشرات الآلاف، إلى جانب تدمير الأراضي الزراعية، والحصار و«تجويع غزة» إلخ.
تجدر الاشارة إلى أنّ كل ما ذُكر آنفاً أُنجِز بدعمٍ من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، دعمٌ لم يظهر من خلال السياسيات السلبية المطبقة في هذه الدول والتي تقضي بالافلات من العقاب أو ادانة اسرائيل وحسب، إنما أيضاً من خلال مكافآتٍ ودعمٍ عسكري ومالي ودبلوماسي فعال.
المرحلة الثالثة
«بناء الدولة» (٢٠٠٥ حتى الآن)
انبثقت هذه المرحلة من الاعتقاد أنّه بمجرد أن تسحق اسرائيل نوعاً ما الحركات الوطنية، ينبغي بذل الجهود في سبيل اعادة بناء القيادة الفلسطينية والشعب الفلسطيني واعادة تشكيلهما وفقاً لمعتقدات جديدة يمكن أن تحصد القبول السياسي والهدوء المنشود، أقله على المدى الطويل.
تجدر الاشارة هنا، كما هي الحال عامة، إلى أنّ الولايات المتحدة، إلى جانب الدور الثانوي للاتحاد الأوروبي، هي التي تحدد في النهاية المعايير السياسية العامة لمتابعة السعي وراء اتفاق سياسي «توافقي» مع الفلسطينيين. فيما تسعى إسرائيل والصهيونية في الأساس إلى طرد/ ترحيل الفلسطينيين من فلسطين التاريخية بسبب قصتهما الوطنية التاريخية المتنازع عليها، «تردع» الكتلة الغربية اسرائيل عن تحقيق هذا الهدف بشكلٍ مباشر بسبب «التوازن» الذي ينبغي أن تُبقي عليه هذه القوى للحفاظ على علاقاتها مع كتلة «الدول العربية المعتدلة»، بخاصة السعودية، أقله طالما أنّ النفط يبقى مبدئاً تنظيمياً رئيساً في الحياة والاقتصادات المعاصرة. أكبر طموحات اسرائيل الصهيونية هي من أولوياتها الخاصة، لكن هذه القوى تفسح رغم ذلك المجال أمام تحقيقها ببطء من خلال عمليات التوسع الاستعمارية، ضمن الحدود «المسموح بها» في إطاراللعبة التي تشرف عليها الولايات المتحدة.
في شتى الأحوال، تختلف هذه المرحلة اختلافاً نوعياً عن المرحلة الأولى من عملية السلام لناحية جوانب أساسية عدة. عوضاً عن الاعتماد على قادة رمزيين أفراد ورجال أقوياء للتوقيع في النهاية على اتفاق ما وتنفيذه (اتفاق يمكن دائماً انتهاكه)، نصّت المقاربة الجديدة على ضرورة تشكيل فئة سياسية واجتماعية فلسطينية أكثر استقراراً وجدارة بالثقة، بما يرتبط مع اتفاق أوسلو ويتماشى معه. فئة وعدت بإمكانية تشكيل ديناميكيات تتعزز وتتوالد ذاتياً يمكن تصويرها باعتبارها تسعى إلى التنمية «الوطنية» والنمو الاقتصادي. بسهولة كبيرة، كُشف النقاب عن الاتفاق الفردي السابق باعتبار أنه يمثل تعاوناً وجني ارباح بأسلوب انتهازي كما أنه يفتقر إلى إطار سياسي/ وطني حقيقي للشرعية. فأصبح السؤال عندئذٍ عن كيفية تصميم اتفاق مماثل فعال أقله على المدى الطويل.
النيوليبرالية ومفهوم «بناء الدولة»
هنا تبرز أهمية فهم دور المفاهيم النيوليبرالية و«بناء الدولة». فمن جهة، أُدرِجَت النيوليبرالية في التصميم الأساسي لعملية السلام، بحيث إنّها قوّمت بنية علاقات السيطرة والقبول، أو أعادت تنظيمها. فقبل عملية السلام (أي قبل عام ١٩٩٣)، كان «القبول» يرتبط صراحةً بضرب القوات الإسرائيلية الفلسطينيين بالمعنى الحرفي للكلمة وسيطرتها بيروقراطياً على الأراضي المحتلة وذلك خلال الانتفاضة الأولى. أمّا «بعد» اتفاق أوسلو، فقد أنشئت سلطة فلسطينية لتكون وسيطاً بين الاحتلال الإسرائيلي والشعب المحتَل، واضطلعت بمهام مماثلة: الحفاظ على «أمن إسرائيل» (بالأحرى وضع حد لأعمال المقاومة) وحكم الفلسطينيين إدارياً، ولو في مناطق محددة هذه المرة. انسجم هذا الاتفاق مع المنطق النيوليبرالي المهيمن في ثمانينات القرن العشرين وفي مطلع التسعينات، الذي يؤمن بأن المقاولة من الباطن ضرورية لسلاسل الإنتاج العالمية. كان عبارة عن تلزيم انتقائي لأكثر موجبات الاحتلال إرهاقاً وأعلاها كلفةً (حفظ النظام، إدارة الخدمات الاجتماعية، تحصيل الضرائب)، وذلك عبر توظيف العمالة الفلسطينية (قيادة منظمة التحرير الفلسطينية المقوّضة وجهازها الإداري) وبتمويل كبير من المكلفين بالضرائب الأوروبيين واليابانيين، فضلاً عن بترودولارات الخليج. كان هذا الاتفاق يحاكي أيضاً ميل النيوليبرالية إلى إنشاء أنظمة اقتصادية معيّنة في مناطق إقليمية لاستقاء الربح وإعادة تنظيم الإنتاج، ووضع إطار جديد للأراضي، والشعب، والحقوق والواجبات.
على المستوى المصغّر، أتاحت هذه السلطة أيضاً الفرصة لاجراء الاختبارات عبر محاولة وضع التصميم الاجتماعي لأصناف الفلسطينيين كما تخيّلها القيّمون على «عملية السلام». كان ينظَر إلى السلطة الفلسطينية القائمة اليوم هيكلياً بين الشعب المحتَل من جهة، وإسرائيل والمجتمع الدولي من جهة أخرى، كخلفية يمكن لبناة الدول الدوليين (التي كانت السلطة الفلسطينية بحد ذاتها تعتمد عليهم مالياً) محاولة بناء اتفاقات عليها تؤدي في النهاية إلى نسيج طبقي منسجم مع مجمل الأهداف الإمبريالية للغرب.
جرى في المرحلة الأولى من عملية السلام إخماد محاولات الحصول على دعم النخب بواسطة الأسلوب السياسي الشخصي المعتمد من قبل عرفات نفسه الذي اختار بعناية من بين المستفيدين في صفوف المسؤولين الأمنيين والنخب الاقتصادية الأشخاص الذين سيستفيدون من الاتفاقات التي تتوخى الربح أثناء حقبة عملية السلام. والجدير بالذكر أن هذا الأسلوب هو بالضبط ما أراده المجتمع الدولي في تصوّره لقيادة وسيطة فلسطينية، أي سياسة «الزعيم»، مع حصول عرفات ومستشاره الاقتصادي محمد رشيد شخصياً على كامل الصلاحية من المجتمع الدولي وإسرائيل (عبر حسابات مصرفية سرية لأرباح اتفاقات الاحتكار، دفع أجر المسؤولين الأمنيين نقداً، إلخ.) لإبقاء الشارع الفلسطيني منضبطاً. لكن حقبة ما بعد عرفات تميّزت بتغيير في المقاربة. فعوضاً عن الاعتماد على «زعيم» أو «زعماء» معيّنين (المسؤولين الأمنيين والفاعلين الاقتصاديين المختارين)، تطلّع بناة الدول العالميون إلى «طبقة حازمة» كونها ملاذاً أكثر وثوقا للقيم التي سعوا إلى نشرها. وقد تطلّب ذلك دعم إنشاء هذه الطبقة عبر تدخلات معيّنة في جهاز السلطة الفلسطينية «الشبيه بالدولة». وعليه كان لا بد من تقوية البرجوازية الفلسطينية وجعلها تتماهى بكل وعي مع بنية السلطة الفلسطينية، من دون محسوبيات كما في زمن عرفات، بحجة أن ذلك شكل من أشكال تأهيل «الأسواق الحرة». هنا، كان المجتمع الدولي يستخدم مباشرةً مجموعة من المفاهيم النيوليبرالية التي يمكن أن تلبي الحاجات المطروحة.
الرأسمالية، في نظر النيوليبراليين، ليست مجرد نظرية عن بناء الثروة الفردية، وإنما هي جزء أساسي من الحرية السياسية نفسها. توصف «الحرية الاقتصادية» بأنها بعد من أبعاد «الحرية» يُفهم على نطاق أوسع وهو بالتالي مبرر على نحو واضح. فضلاً عن ذلك، تعتقد النظريات النيوليبرالية بأنه إن منحت «الأسواق الحرة»، عوضاً عن الحكومات، القدرة على معالجة مجموعة الحاجات البشرية، عندئذ سيكون من الممكن صون الحرية بحد ذاتها وحمايتها لأن الخيار الفردي له الكلمة الفصل، وليس السلطة السياسية القهرية. وفي هذا الإطار، يرى سليل النيوليبرالية ميلتون فريدمان أن الأسواق تؤدي دورا محددا في إلغاء التسييس:
«يؤدي الاستخدام الواسع الانتشار للسوق إلى تخفيف الضغط على النسيج الاجتماعي عبر جعل الامتثال لأي من النشاطات التي تشملها غير ضروري. فكلما اتّسع نطاق النشاطات الذي تشمله السوق، قلّت المشاكل التي يطلب اتخاذ قرارات سياسية صريحة بشأنها والتي يجب بالتالي الاتفاق حولها. بالمقابل، كلمّا تقلّصت المشاكل التي يجب الاتفاق حولها، زاد احتمال التوصل إلى اتفاق مع الحفاظ في الوقت عينه على مجتمع حر»٢.
تفكّ الأسواق، بحسب النيوليبراليين، روابط «الامتثال» التي تحافظ عادة على لحمة الشعب. ففي حال فتحت الأسواق كبديل عن الحكومات لتلبية طيف كامل من الحاجات البشرية، ينتفي حينئذ الشرط الضرروي لمعظم الممارسات السياسية وصناعة القرار. فتصبح المشاكل السياسية والحاجات الاجتماعية بمثابة سلع، وتتفكك إلى مشاكل صغرى يمكن معالجتها بشكل فردي، فنياً، وعبر توزيع القيّمين على القطاع الخاص أرباح السوق من دون الحاجة الى قرار سياسي، او هكذا يكون الزعم. لقد اتخذت «الحرية» معنىً جديداً وهو القدرة على جعل الفرد يمارس خياره في السوق وذلك عبر القدرة الشخصية على الشراء أو البيع، بدلاً من مجرّد كونها مفهوماً مرتبطاً بأشكال من السيطرة البنيوية والحقوق الفردية أو الجماعية.
«بناء الدولة النيوليبرالية» على أرض الواقع
تلك هي بالضبط الأفكار التي رأى المجتمع الدولي نفسه يطبقها على الأراضي المحتلة من خلال مليارات الدولارات التي قدمها كمساعدات لبناء الدولة، والتي انطلقت بعد الانقسام السياسي بين الضفة الغربية وغزة أثناء المرحلة الثالثة من عملية السلام. وبينما امتنع المجتمع الدولي، الذي شارك في دعم عملية السلام، عن استخدام عبارة «الدولة» في «المرحلة الأولى» من عملية السلام حرصاً منه على عدم «إهانة» إسرائيل، خرجت فكرة الدولة الفلسطينية إلى العلن بعد وفاة عرفات والانتفاضة الثانية. لكن كان لهذه الدولة مفهوم محدد بالنسبة إلى المجتمع الدولي، ألا وهو دولة نيوليبرالية تتمتع ببنية تحتية إدارية قادرة على إدارة موجباتها المدنية والأمنية بمهارة، وتوجيه هواجسها التنموية نحو نمو محلي وعالمي على حد سواء، محفّز من القطاع الخاص.
لكن الرياء المنظم تجلّى في أن الواقع على الأرض لم يعكس الشروط الضرورية لعمل «الأسواق الحرة». وفي الحقيقة، لم تكن الأسواق حرّة البتة في ظل اختيار إسرائيل والغرب للجهة المتلقية للمساعدات السخية التي كانت تقدم للسلطة الفلسطينية من اجل بناء الدولة. فازدهرت الأسواق حيث سُمِح لها بذلك، أي في نطاق عقود السلطة الفلسطينية، والتجارة، والعقارات في المنطقة «أ»، وكل ذلك على حساب قطاعات إنتاجية مثل الزراعة والصناعة أو اقتصادات المقاومة. ساعد المجتمع الدولي «بسخاء» أو هو عرض المساعدة في سن القوانين المالية والتنظيمية الفلسطينية (المصارف، الرهون العقارية، التمويل والإيجار، التأمين، معاشات التقاعد، الاستثمارات، التجارة، إلخ) ساعياً سعياً حثيثاً إلى تلبية مصالح القطاع الخاص على حساب الحاجات الاجتماعية والبيئية، وقوانين العمل العادلة، ناهيك عن الأولويات الوطنية. كل ذلك تحت شعار بناء مؤسسات دولة فلسطينية مستقبلية. إلا أن ذلك كان في الواقع محاولة لإحكام القبضة النيوليبرالية على حركة تحرير وطنية، وهو مثال غير اعتيادي عن الخصخصة ما قبل مرحلة بناء الدولة أدّى إلى إفراغ مفهوم التحرير من الكثير من قيمه إذ إنه في جميع الأحوال لن يكون هناك ما يجب «تحريره» لأن تلك المهمة قد كلّف بها القطاع الخاص.
غني عن القول أن هذه المسارات تستمر بالانكشاف بوتيرة بطيئة في أنحاء الأراضي المحتلة كأشكال من الهندسة الاجتماعية بينما تساهم حتماً في ظهور أقلية حاكمة من الاستغلاليين مرتبطة باستمرار الوضع الحالي ومنسجمة معه. كذلك نشأت طبقة فقيرة واسعة من المحرومين تمثلّت فعلياً في المضطهدين والمحاصرين في غزة أو العمّال «التايلانديين» المستغلّين إلى حد كبير في شمال الضفة الغربية الذين يأتون إلى رام الله بحثاً عن عمل لأن الوظائف الإسرائيلية تبخّرت، والزراعة لم تعد تدر الأرباح، وعليهم إطعام الأفواه الجائعة.
فضلاً عن ذلك، تشجّع الرأسمالية، المحفّزة في ظل الاحتلال، الاستثمارات في مناطق عقيمة وغير مستقرة حيث العرض والطلب متفاوتان بسبب الاحتلال، وغالباً من خلال خطط شراكة بين بناة دول دوليين وبنوك محلية أو إقليمية لتأمين القروض البخسة (للرهون العقارية أو الشركات). لكن بما أن منطق الرأسمالية قائم على الربحية، وليس على الحاجة الاجتماعية (ناهيك عن المعايير الوطنية) فإن هذه الخطط مصممة للمراهنة ضد قرار سياسي عادل، أو قوى تقاتل لمكافحة الظلم.
في هذا الإطار، فإن إطلاق السياسات المتطرفة المستوحاة من النيوليبرالية على امتداد المنطقة المحتلة وفي ظل الاستيطان، لا يتمحور حول الهندسة الاجتماعية فحسب، وإنما هو سلاح اجتماعي مصمم للتجريد من الحقوق من خلال قوى السوق او التبعيات البنيوية اوالعلاقات الطبقية حيث العنف الإكراهي الذي تمارسه إسرائيل بقي محدوداً. سبق أن شهدنا القوة المدمرة لمقاربة النيوليبرالية الساخرة التي تسعى وراء الربح وتتلاعب بالأزمة في إطار أزمات الإسكان العالمية. انها تطبّق الآليات والأفكار نفسها عبر الأراضي المحتلة اليوم، وهي تبدو كقنبلة موقوتة جاهزة للانفجار عند تهيئة الظروف المواتية لذلك.
فقد وضع بناة الدول الدوليون مثلاً خططاً لتأمين الرهون العقارية والكفالات الخاصة بالقروض تستهدف الموظفين في القطاع العام في السلطة الفلسطينية، اولئك الذين يعتمدون بدورهم بشكل مباشر على السلطة الفلسطينية (وخطها السياسي) لقبض مستحقاتهم. تهدف الخطط الخاصة بالرهون من جهة إلى استرضاء النظام في السلطة الفلسطينية اقتصادياً وإضفاء الطابع الشرعي عليه، وذلك عبر تشجيع الإقراض المصرفي وعمليات شراء المنازل بما يعزز قاعدة الدعم لديه. هذا من جهة. توجد من جهة أخرى الظروف التي قد تجعل من سكن آلاف الموظفين ولقمة عيشهم في مؤسسات السلطة الفلسطينية ضحية ارغام تلك السلطة على اعتماد خط سياسي معيّن لقاء استمرار حصولها على تمويل دولي. وهذا يفرض ضغطاً كبيراً على السلطة الفلسطينية ذاتها. بواسطة آليات السيطرة والضغط هذه التي تكرّسها مبادئ «السوق الحرة»، يجني بناة الدول الدوليون ربحاً سياسياً على حساب القيادة والمجتمع الفلسطينيين. وبغض النظر عن هذه المسألة، بدأت المخاطر المعروفة للمنطق النيوليبرالي، التي تجلت مسبقاً في ساحات أخرى حول العالم، تظهر أيضاً على امتداد الأراضي المحتلة، بحيث يمكن رؤية الزيادة الكبيرة في تركز الثروات وفي انعدام المساواة، وارتفاع نسبة البطالة والعمالة الزائدة، وتزايد الجرائم في الوقت الذي تتزايد فيه أعداد الشرطة والسجون والمشردين والمتسولين، والتقويض الواضح للمسارات الديمقراطية وأساليب المحاسبة، والانخفاض المخيف في التكافلات الاجتماعية.
لا شك في أنّ على اللاعبين السياسيين دراسة هذه المشاكل بعناية، والبدء بصياغة حلول لمواجهتها، مع إدراج تحليل العوامل الطبقية والاقتصاد السياسي في دراستهم. لطالما اعتمد الاستيطان على أطر عمل، وخطابات، وتبعيات بنيوية وعلاقات طبقية بين المستعمَرين لتحقيق هدفه. لذا حان الوقت للرد على ذلك عبر إدراج مفاهيم مضادة في منطقنا وممارساتنا.
يعني ذلك أنه ينبغي دحض خرافة التنمية الاقتصادية في ظل الاحتلال وردّها. كذلك يجب حماية السلع، والخدمات، والموارد العامة و/أو تأميمها (الأرض، الحجر، الماء، الكهرباء، الاتصالات السلكية واللاسلكية، الصحة، والتعليم) بدلاً من أن تصبح ضمن سيطرة القطاع الخاص. يجب التركيز أيضاً على حماية القطاعات الإنتاجية (الصناعة والزراعة) ودعمها وتطبيق ذلك عبر الوسائل المحدودة التي يملكها الفلسطينيون. من الضروري كذلك أن تؤمِّن بنى الحوافز الشاملة للقرارات والاتفاقات الاقتصادية الحماية لتوزيع عادل للثروات، وتعتمد مسارات لصناعة قرارات تهدف إلى تعزيز التضامن الاجتماعي والتصدي الجماعي للجهود الإسرائيلية والدولية الرامية إلى زرع الفرقة بينهم وإخضاعهم.
فضلاً عن ذلك، يجب التصدي لاتفاق أوسلو بكل تركيبته، ما يعني رفض الدور التلزيمي للسلطة الفلسطينية كوسيط بين الاحتلال وفلسيطينيي الأراضي المحتلة. والأهم رفض كامل الاتفاق الذي يضمن الانقسام الاصطناعي بين مكوّنات الشعب الفلسطيني (فلسطينيو الأراضي المحتلة، فلسطينيو الـ٤٨، وفلسطينيو الشتات) والذي يسمح لإسرائيل وللكتلة الغربية بالتركيز على إحداث الانقاسمات في اوساط شعب منقسم أصلاً.
لن يتمكن الفلسطينيون من الحفاظ على وحدتهم، أو مجابهة المحور الغربي- الصهيوني ومنطقه وكسرهما إلا عبر إيجاد وسائل لتجنيد مواردهم الجماعية بطرق مستدامة وعادلة. باختصار، إن قدرة الفلسطينيين على شن حملة مقاومة فعالة للحصول على حقوقهم رهن بقدرتهم على الحفاظ على مصلحتهم الجماعية لا الفردية وترسيخها، وهو أمر واظبت الاقتصادات النيوليبرالية وسياسات بناء الدولة على محوه.
إضافة تعليق جديد
تهمّنا آراؤكم ونريدها أن تُغني موقعنا، لكن نطلب من القراء أن لا يتضمن التعليق قدحاً أو ذمّاً أو تشهيراً أو تجريحاً أو شتائم، وأن لا يحتوي على أية إشارات عنصرية أو طائفية أو مذهبية.